لقد سجّلت الزهراء على خصومها ( غصب الأرض ) ولم يستطع الحديث المكذوب على النبي أن يثبت الشرعيّة لاغتصاب ( فدك ) ، ورواية ( نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث .. ) فِرية مفضوحة بلا ريب ـ فهي أوّلاً مخالفة لنصوص القرآن الكريم ـ في الآيات العامّة للإرث ، وفي الآيات الخاصّة بخصوص إرث الأنبياء ـ كما تشير إليه الزهراء في خطابها .
وثانياً : لأنّ الخصم تراجع في نهاية المطاف عن التمسّك بهذا الحديث ليتشبّث بموقف ( الحاضرين في المسجد ) ، والذين كان أغلبهم من حزبه ، أو ممّن جرى تسليمهم بالقوّة أو بالتطميع .
وثالثاً : إنّ الخليفة قد ناقض نفسه . هذا الحديث عندما استأذن عائشة حصّتها من الإرث في بيت النبي ، وأوصى بأن يُدفن عند رسول الله (ص) ( علماً بأنّ الزوجة لا ترث من الأرض بل من البناء فقط ) .
كيف ترث عائشة زوجة الرسول ، ولا ترث فاطمة بنت الرسول ؟
وأيضاً إذا صحّ هذا الحديث ، فلماذا لم يصادر الخليفة بيوت النبي من أزواجه ؟ ولكنّ المشكلة أنّ الدلائل على صدق الزهراء لم تكن تعوز الخليفة الجديد .. بل الدوافع والغايات ، وإلاّ كانت تكفي شهادة النّبي (ص) عندما قال لعلي : ( عليٌّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ ، يدور معه حيثما دار ) .
وقول الله تعالى عن أهل البيت : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .
كل ذلك كان كافياً للرضوخ للحقّ ، والحكم لصالح فاطمة الزهراء ، ولكن كلّ تلك الشهادات قد رُدّت ، ومعها آيات الذكر الحكيم في الميراث .. وبقي الحديث ـ الفِرية صامداً بوجه كلّ الشهود والآيات ... لماذا ؟ لأنّ الخليفة لم يكن حكماً ، بل كان طرفاً .
ولذلك فإنّ الزهراء ـ وبعد اليأس من الخليفة وحاشيته ـ نادت : ( فنعم الحكم الله ، والزعيم محمّد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ) .
إنّ التناقض في مواقف الخليفة من إرث الرسول ربّما كان هو سبب شعوره بالنّدم العميق ، ممّا صنعه تجاه ( فدك فاطمة ) خصوصاً في اللحظات الأخيرة من حياته ، ولكن بعد أن كان كلّ شيءٍ قد انتهى ..
لقد ماتت فاطمة في ريعانة العمر مقهورة متألِّمة ، وهي ساخطة على الخليفة أشدّ السخط .. وعلى صاحبه أيضاً .. حتّى أنّها رفضت أن تتكلّم معهما بعد خطاب المسجد ! وكانت تدعو عليهما في كلّ صلاة ، وأوصت بأن لا يشهد أحدٌ منهما جنازتها .. وشدّدت في الوصيّة ، حتّى أنّها أوصت أن تُدفن في مكان مجهول .. حتّى لا تتيح لأحد منهما الصلاة على قبرها .. ولكي تسجّل اعتراضها على ( سقيفة بني ساعدة ) وجميع إفرازتها والى الأبد ..
وهكذا هُزم الخصم
- الزيارات: 4635