• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 351 الي 375


[ 351 ]
هذه النعم التي اوتوها ليشكروا فتلهوا بها وبدلوا نعمة الله كفرا. والسورة بما لها من السياق تحتمل المكية والمدنية، وسيأتي ما ورد في سبب نزولها في البحث الروائي إن شاء الله. قوله تعالى: " ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر " قال في المفردات: اللهو ما يشغل الانسان عما يعنيه ويهمه. قال، ويقال: ألهاه كذا أي شغله عما هو أهم إليه، قال تعالى: " ألهاكم التكاثر "، انتهى. وقال: والمكاثرة والتكاثر التباري في كثرة المال والعز، انتهى. وقال: المقبرة بكسر الميم - والمقبرة - بفتحها - موضع القبور وجمعها مقابر، قال تعالى: " حتى زرتم المقابر " كناية عن الموت، انتهى. فالمعنى على ما يعطيه السياق شغلكم التكاثر في متاع الدنيا وزينتها والتسابق في تكثير العدة والعدة عما يهمكم وهو ذكر الله حتى لقيتم الموت فعمتكم الغفلة مدى حياتكم. وقيل: المعنى شغلكم التباهي والتباري بكثرة الرجال بأن يقول هؤلاء: نحن أكثر رجالا، وهؤلاء: نحن أكثر حتى إذا استوعبتم عدد الاحياء صرتم إلى القبور فعددتم الاموات من رجالكم فتكاثرتم بأمواتكم. وهذا المعنى مبني على ما ورد في أسباب النزول أن قبيلتين من الانصار تفاخرتا بالاحياء ثم بالاموات، وفي بعضها أن ذلك كان بمكة بين بني عبد مناف وبني سهم فنزلت السورة، وسيأتي القصة في البحث الروائي. قوله تعالى: " كلا سوف تعلمون " ردع عن اشتغالهم بما لا يهمهم عما يعنيهم وتخطئة لهم، وقوله: " سوف تعلمون " تهديد معناه على ما يفيده المقام سوف تعلمون تبعة تلهيكم هذا وتعرفونها إذا انقطعتم عن الحياة الدنيا. قوله تعالى: " ثم كلا سوف تعلمون " تأكيد للردع والتهديد السابقين، وقيل: المراد بالاول علمهم بها عند الموت وبالثاني علمهم بها عند البعث. قوله تعالى: " كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم " ردع بعد ردع تأكيدا واليقين العلم الذي لا يداخله شك وريب. وقوله: " لو تعلمون علم اليقين " جواب لو محذوف والتقدير لو تعلمون الامر علم اليقين لشغلكم ما تعلمون عن التباهي والتفاخر بالكثرة، وقوله: " لترون الجحيم " استئناف في
________________________________________
[ 352 ]
الكلام، واللام للقسم، والمعنى اقسم لترون الجحيم التي جزاء هذا التلهى كذا فسروا. قالوا: ولا يجوز أن يكون قوله: " لترون الجحيم " جواب لو الامتناعية لان الرؤية محقق الوقوع وجوابها لا يكون كذلك. وهذا مبني على أن يكون المراد رؤية الجحيم يوم القيامة كما قال: " وبرزت الجحيم لمن يرى " النازعات: 36 وهو غير مسلم بل الظاهر أن المراد رؤيتها قبل يوم القيامة رؤية البصيرة وهي رؤية القلب التي هي من آثار اليقين على ما يشير إليه، قوله تعالى: " وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين " الانعام: 75، وقد تقدم الكلام فيها، وهذه الرؤية القلبية قبل يوم القيامة غير محققة لهؤلاء المتلهين بل ممتنعة في حقهم لامتناع اليقين عليهم. قوله تعالى: " ثم لترونها عين اليقين " المراد بعين اليقين نفسه، والمعنى لترونها محض اليقين، وهذه بمشاهدتها يوم القيامة، ومن الدليل عليه قوله بعد ذلك " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم " فالمراد بالرؤية الاولى رؤيتها قبل يوم القيامة وبالثانية رؤيتهايوم القيامة. وقيل: الاولى قبل الدخول فيها يوم القيامة والثانية إذ دخلوها. وقيل: الاولى بالمعرفة والثانية بالمشاهدة، وقيل: المراد الرؤية بعد الرؤية إشارة إلى الاستمرار والخلود، وقيل غير ذلك وهي وجوه ضعيفة. قوله تعالى: " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم " ظاهر السياق أن هذا الخطاب وكذلك الخطابات المتقدمة في السورة للناس بما أن فيهم من اشتغل بنعمة ربه عن ربه فأنساه التكاثر فيها عن ذكر الله، وما في السورة من التوبيخ والتهديد متوجه إلى عامة الناس ظاهرا واقع على طائفة خاصة منهم حقيقة وهم الذين ألهاهم التكاثر. وكذا ظاهر السياق أن المراد بالنعيم مطلقه وهو كل ما يصدق عليه أنه نعمة فالانسان مسؤول عن كل نعمة أنعم الله بها عليه. وذلك أن النعمة - وهي الامر الذي يلائم المنعم عليه ويتضمن له نوعا من الخير والنفع - إنما تكون نعمة بالنسبة إلى المنعم عليه إذا استعملها بحيث يسعد بها فينتفع وأما لو استعملها على خلاف ذلك كانت نقمة بالنسبة إليه وإن كانت نعمة بالنظر إلى نفسها. وقد خلق الله تعالى الانسان وجعل غاية خلقته التي هي سعادته ومنتهى كماله التقرب العبودي إليه كما قال: " وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون " الذاريات 56 وهي
________________________________________
[ 353 ]
الولاية الالهية لعبده، وقد هيأ الله سبحانه له كل ما يسعد وينتفع به في سلوكه نحو الغاية التي خلق لها وهي النعم فأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة. فاستعمال هذه النعم على نحو يرتضيه الله وينتهي بالانسان إلى غايته المطلوبة هو الطريق إلى بلوغ الغاية وهو الطاعة، واستعمالها بالجمود عليها ونسيان ما وراءها غي وضلال وانقطاع عن الغاية وهو المعصية، وقد قضى سبحانه قضاء لا يرد ولا يبدل أن يرجع الانسان إليه فيسأله عن عمله فيحاسبه ويجزيه، وعمله هو استعماله للنعم الالهية قال تعالى: " وأن ليس للانسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الاوفى وأن إلى ربك المنتهى " النجم: 42، فالسؤال عن عمل العبد سؤال عن النعيم كيف استعمله أشكر النعمة أم كفر بها. (بحث روائي) في المجمع، قيل: نزلت في اليهود قالوا: نحن أكثر من بني فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلالا عن قتادة. وقيل: نزلت في فخذ من الانصار تفاخروا عن أبي بريدة، وقيل: نزلت في حيين من قريش: بني عبد مناف بن قصي وبني سهم بن عمر وتكاثروا وعدوا أشرافهم فكثرهم بنو عبد مناف. ثم قالوا: نعد موتانا حتى زاروا القبور فعدوهم وقالوا: هذا قبر فلان وهذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم لانهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية. عن مقاتل والكلبي. وفي تفسير البرهان عن البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: " لو تعلمون علم اليقين " قال: المعاينة. أقول: الرواية تؤيد ما قدمناه من المعنى. وفي تفسير القمي باسناده عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: " لتسألن يومئذ عن النعيم " قال: تسأل هذه الامة عما أنعم الله عليها برسوله ثم بأهل بيته. وفي الكافي بإسناده عن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فدعا بالغذاء فأكلت معه طعاما ما أكلت طعاما أطيب منه قط ولا ألطف فلما فرغنا من الطعام قال: يا أبا خالد كيف رأيت طعامك ؟ أو قال: طعامنا ؟ قلت: جعلت فداك
________________________________________
[ 354 ]
ما أكلت طعاما أطيب منه قط ولا أنظف ولكن ذكرت الآية التي في كتاب الله عزوجل " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم " فقال أبو جعفر عليه السلام: إنما يسألكم عما أنتم عليه من الحق. وفيه بإسناده عن أبي حمزة قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام جماعة فدعا بطعام ما لنا عهد بمثله لذاذة وطيبا وأتينا بتمر تنظر فيه أوجهنا من صفائه وحسنه فقال رجل: لتسألن عن هذا النعيم الذي تنعمتم به عند ابن رسول الله فقال أبو عبد الله عليه السلام إن الله عزوجل أكرم وأجل أن يطعم طعاما فيسوغكموه ثم نسألكم عنه إنما يسألكم عما أنعم عليكم بمحمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. أقول: وهذا المعنى مروي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بطرق اخرى وعبارات مختلفة وفي بعضها أن النعيم ولايتنا أهل البيت، ويؤل المعنى إلى ما قدمناه من عموم النعيم لكل نعمة أنعم الله بها بما أنها نعمة. بيان ذلك أن هذه النعم لو سئل عن شئ منها فليست يسأل عنها بما أنها لحم أو خبز أو تمر أو ماء بارد أو أنها سمع أو بصر أو يد أو رجل مثلا وإنما يسأل عنها بما أنها نعمة خلقها الله للانسان وأوقعها في طريق كماله والحصول على التقرب العبودي كما تقدمت الاشارة إليه وندبه إلى أن يستعملها شكرا لا كفرا. فالمسؤل عنها هي النعمة بما أنها نعمة، ومن المعلوم ان الدال على نعيمية النعيم وكيفية استعماله شكرا والمبين لذلك كله هو الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونصب لبيانه الائمة من أهل بيته فالسؤال عن النعيم مرجعه السؤال عن العمل بالدين في كل حركة وسكون ومن المعلوم ايضا أن السؤال عن النعيم الذي هو الدين سؤال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والائمة من بعده الذين افترض الله طاعتهم وأوجب اتباعهم في السلوك إلى الله الذي طريقه استعمال النعم كما بينه الرسول والائمة. وإلى كون السؤال عن النعيم سؤالا عن الدين يشير ما في رواية أبي خالد من قوله: " إنما يسألكم عما أنتم عليه من الحق ". وإلى كونه سؤالا عن النعيم الذي هو النبي وأهل بيته يشير ما في روايتي جميل وأبي حمزة السابقتين من قوله: " يسأل هذه الامة عما أنعم الله عليها برسوله ثم بأهل بيته " أو ما في معناه، وفي بعض الروايات: " النعيم هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنعم الله به على أهل العالم
________________________________________
[ 355 ]
فاستنقذهم من الضلالة "، وفي بعضها أن النعيم ولايتنا أهل البيت، والمال واحد ومن ولاية أهل البيت افتراض طاعتهم واتباعهم فيما يسلكونه من طريق العبودية. وفي المجمع، وقيل: النعيم الصحة والفراغ عن عكرمة، ويعضده ما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ. وفيه، وقيل: هو يعني النعيم الامن والصحة عن عبد الله بن مسعود ومجاهد، وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام. أقول: وفي روايات اخرى من طرق أهل السنة أن النعيم هو التمر والماء البارد وفي بعضها غيرهما، وينبغي أن يحمل الجميع على إيراد المثال. وفي الحديث النبوي من طرقهم ايضا، ثلاث لا يسأل عنها العبد: خرقة يواري بها عورته أو كسرة يسد بها جوعته أو بيت يكنه من الحر والبرد. الحديث، وينبغي أن يحمل على خفة الحساب في الضروريات ونفي المناقشة فيه والله أعلم. (سورة العصر مكية وهي ثلاث آيات) بسم الله الرحمن الرحيم والعصر - 1. إن الانسان لفي خسر - 2. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر - 3. (بيان) تخلص السورة جميع المعارف القرآنية وتجمع شتات مقاصد القرآن في أوجز بيان، وهي تحتمل المكية والمدنية لكنها أشبه بالمكية. قوله تعالى: " والعصر " إقسام بالعصر والانسب لما تتضمنه الآيتان التاليتان من شمول الخسران للعالم الانساني إلا لمن اتبع الحق وصبر عليه وهم المؤمنون الصالحون عملا، أن يكون المراد بالعصر عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو عصر طلوع الاسلام على المجتمع البشري وظهور الحق على الباطل. وقيل: المراد به وقت العصر وهو الطرف الاخير من النهار لما فيه من الدلالة على
________________________________________
[ 356 ]
التدبير الربوبي بإدبار النهار وإقبال الليل وذهاب سلطان الشمس، وقيل: المراد به صلاة العصر وهي الصلاة الوسطى التي هي أفضل الفرائض اليومية، وقيل الليل والنهار ويطلق عليهما العصران، وقيل الدهر لما فيه من عجائب الحوادث الدالة على القدرة الربوبية وغير ذلك. وقد ورد في بعض الروايات أنه عصر ظهور المهدي عليه السلام لما فيه من تمام ظهور الحق على الباطل. قوله تعالى: " إن الانسان لفي خسر " المراد بالانسان جنسه، والخسر والخسران والخسار والخسارة نقص رأس المال قال الراغب: وينسب ذلك إلى الانسان فيقال: خسر فلان وإلى الفعل فيقال: خسرت تجارته، انتهى. والتنكير في " خسر " للتعظيم ويحتمل التنويع أي في نوع من الخسر غير الخسارات المالية والجاهية قال تعالى: " الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين " الزمر 15. قوله تعالى: " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " استثناء من جنس الانسان الواقع في الخسر، والمستثنون هم الافراد المتلبسون بالايمان والاعمال الصالحة فهم آمنون من الخسر. وذلك أن كتاب الله يبين أن للانسان حياة خالدة مؤبدة لا تنقطع بالموت وإنما الموت انتقال من دار إلى دار كما تقدم في تفسير قوله تعالى: " على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون " الواقعة، 61، ويبين أن شطرا من هذه الحياة وهي الحياة الدنيا حياة امتحانية تتعين بها صفة الشطر الاخير الذي هو الحياة الاخرة المؤبدة من سعادة وشقاء قال تعالى: " وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ": الرعد 26، وقال: " كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة " الانبياء 35. ويبين أن مقدمية هذه الحياة لتلك الحياة إنما هي بمظاهرها من الاعتقاد والعمل فالاعتقاد الحق والعمل الصالح ملاك السعادة الاخروية والكفر والفسوق ملاك الشقاء فيها قال تعالى: " وأن ليس للانسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الاوفى " النجم 41، وقال: " من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلانفسهم يمهدون " الروم 44، وقال: " من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها " حم السجدة 46، وقد سمى الله تعالى ما سيلقاه الانسان في الآخرة جزاء وأجرا في آيات كثيرة. ويتبين بذلك كله أن الحياة رأس مال للانسان يكسب به ما يعيش به في حياته الآخرة فإن اتبع الحق في العقد والعمل فقد ربحت تجارته وبورك في مكسبه وأمن الشر
________________________________________
[ 357 ]
في مستقبله، وإن اتبع الباطل وأعرض عن الايمان والعمل الصالح فقد خسرت تجارته وحرم الخير في عقباه وهو قوله تعالى: " إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ". والمراد بالايمان الايمان بالله ومن الايمان بالله الايمان بجميع رسله والايمان باليوم الآخر فقد نص تعالى فيمن لم يؤمن ببعض رسله (1) أو باليوم الآخر أنه غير مؤمن بالله. وظاهر قوله: " وعملوا الصالحات " التلبس بجميع الاعمال الصالحة فلا يشمل الاستثناء الفساق بترك بعض الصالحات من المؤمنين ولازمه أن يكون الخسر أعم من الخسر في جميع جهات حياته كما في الكافر المعاند للحق المخلد في العذاب، والخسر في بعض جهات حياته كالمؤمن الفاسق الذي لا يخلد في النار وينقطع عنه العذاب بشفاعة ونحوها. قوله تعالى: " وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " التواصي بالحق هو أن يوصى بعضهم بعضا بالحق أي باتباعه والدوام عليه فليس دين الحق إلا اتباع الحق اعتقادا وعملا والتواصي بالحق أوسع من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لشموله الاعتقاديات ومطلق الترغيب والحث على العمل الصالح. ثم التواصي بالحق من العمل الصالح فذكره بعد العمل الصالح من قبيل ذكر الخاص بعد العام اهتماما بأمره كما أن التواصي بالصبر من التواصي بالحق وذكره بعده من ذكر الخاص بعد العام اهتماما بأمره، ويؤكد تكرار ذكر التواصي حيث قال: " وتواصوا بالصبر " ولم يقل: وتواصوا بالحق والصبر. وعلى الجملة ذكر تواصيهم بالحق وبالصبر بعد ذكر تلبسهم بالايمان والعمل الصالح للاشارة إلى حياة قلوبهم وانشراح صدورهم للاسلام لله فلهم اهتمام خاص واعتناء تام بظهور سلطان الحق وانبساطه على الناس حتى يتبع ويدوم اتباعه قال تعالى: " أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله اولئك في ضلال مبين " الزمر 22. وقد أطلق الصبر فالمراد به أعم من الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصيته، والصبر عند النوائب التي تصيبه بقضاء من الله وقدر.
________________________________________
(1) النساء: 150 - 151
________________________________________
[ 358 ]
(بحث روائي) في تفسير القمي بإسناده عن عبد الرحمان بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: " إلا الذين آمنوا " الخ، فقال: استثنى أهل صفوته من خلقه. أقول: وطبق في ذيل الرواية الايمان على الايمان بولاية علي عليه السلام، والتواصي بالحق على توصيتهم ذرياتهم وأخلافهم بها. وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: " والعصر إن الانسان لفي خسر " يعني أبا جهل بن هشام " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " ذكر عليا وسلمان. (سورة الهمزة مكية وهي تسع آيات) بسم الله الرحمن الرحيم ويل لكل همزة لمزة - 1. الذي جمع مالا وعدده - 2. يحسب أن ماله أخلده - 3. كلا لينبذن في الحطمة - 4. وما أدراك ما الحطمة - 5. نار الله الموقدة - 6. التي تطلع على الافئدة - 7. إنها عليهم مؤصدة - 8. في عمد ممددة - 9. (بيان) وعيد شديد للمغرمين بجمع المال المستعلين به على الناس المستكبرين عليهم فيزرون بهم ويعيبونهم بما ليس بعيب، والسورة مكية. قوله تعالى: " ويل لكل همزة لمزة " قال في المجمع: الهمزة الكثير الطعن على غيره بغير حق العائب له بما ليس بعيب، وأصل الهمز الكسر. قال: واللمز العيب أيضا والهمزة واللمزة بمعنى، وقد قيل: بينهما فرق فإن الهمزة الذي يعيبك بظهر الغيب، واللمزة الذى يعيبك في وجهك. عن الليث. وقيل: الهمزة الذي يؤذي جليسه بسوء لفظه، واللمزة الذي يكسر عينه على جليسه
________________________________________
[ 359 ]
ويشير برأسه ويؤمي بعينه. قال: وفعلة بناء المبالغة في صفة من يكثر منه الفعل ويصير عادة له تقول: رجل نكحة كثير النكاح وضحكة كثير الضحك وكذا همزة ولمزة انتهى. فالمعنى ويل لكل عياب مغتاب، وفسر بمعان أخر على حسب اختلافهم في تفسير الهمزة واللمزة. قوله تعالى: " الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده " بيان لهمزة لمزة وتنكير " مالا " للتحقير فإن المال وإن كثر ما كثر لا يغني عن صاحبه شيئا غير أن له منه ما يصرفه في حوائج نفسه الطبيعية من أكلة تشبعه وشربة ماء ترويه ونحو ذلك و " عدده " من العد بمعنى الاحصاء أي إنه لحبه المال وشغفه بجمعه يجمع المال ويعده عدا بعد عد التذاذا بتكثره. وقيل: المعنى جعله عدة وذخرا لنوائب الدهر. وقوله: " يحسب أن ماله أخلده " أي يخلده في الدنيا ويدفع عنه الموت والفناء فالماضي أريد به المستقبل بقرينة قوله: " يحسب ". فهذا الانسان لاخلاده إلى الارض وانغماره في طول الامل لا يقنع من المال بما يرتفع به حوائج حياته القصيرة وضروريات أيامه المعدودة بل كلما زاد مالا زاد حرصا إلى ما لا نهاية له فظاهر حاله أنه يرى أن المال يخلده، ولحبه الغريزي للبقاء يهتم بجمعه وتعديده، ودعاه ما جمعه وعدده من المال وما شاهده من الاستغناء إلى الطغيان والاستعلاء على غيره من الناس كما قال تعالى: " إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى " العلق 7، ويورثه هذا الاستكبار والتعدي الهمز واللمز. ومن هنا يظهر أن قوله: " يحسب أن ماله أخلده " بمنزلة التعليل لقوله: " الذي جمع مالا وعدده "، وقوله: " الذي جمع " الخ بمنزلة التعليل لقوله: " ويل لكل همزة لمزة ". قوله تعالى: " كلا لينبذن في الحطمة " ردع عن حسبانه الخلود بالمال، واللام في " لينبذن " للقسم، والنبذ القذف والطرح، والحطمة مبالغة من الحطم وهو الكسر وجاء بمعنى الاكل، وهي من أسماء جهنم على ما يفسرها قوله الآتي: " نار الله الموقدة ". والمعنى ليس مخلدا بالمال كما يحسب أقسم ليموتن ويقذفن في الحطمة. قوله تعالى: " وما أدراك ما الحطمة " تفخيم وتهويل. قوله تعالى: " نار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة " إيقاد النار إشعالها والاطلاع والطلوع على الشئ الاشراف والظهور، والافئدة جمع فؤاد وهو القلب، والمراد به في
________________________________________
[ 360 ]
القرآن مبدإ الشعور والفكر من الانسان وهو النفس الانسانية. وكأن المراد من اطلاعها على الافئدة أنها تحرق باطن الانسان كما تحرق ظاهره بخلاف النار الدنيوية التي إنما تحرق الظاهر فقط قال تعالى: " وقودها الناس والحجارة " البقرة 24. قوله تعالى: " إنها عليهم مؤصدة " أي مطبقة لا مخرج لهم منها ولا منجا. قوله تعالى: " في عمد ممددة " العمد بفتحتين جمع عمود والتمديد مبالغة في المد قيل: هي أوتاد الاطباق التي تطبق على أهل النار، وقيل: عمد ممددة يوثقون فيها مثل المقاطر وهي خشب أو جذوع كبار فيها خروق توضع فيها أرجل المحبوسين من اللصوص وغيرهم، وقيل غير ذلك. (بحث روائي) في روح المعاني في قوله تعالى: " ويل لكل همزة لمزة " نزل ذلك على ما أخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق عن عثمان بن عمر في أبي بن خلف، وعلى ما أخرج عن السدي في أبي بن عمر والثقفي الشهير بالاخنس بن شريق فإنه كان مغتابا كثير الوقيعة. وعلى ما قال ابن إسحاق في امية بن خلف الجمحي وكان يهمز النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وعلى ما أخرج ابن جرير وغيره عن مجاهد في جميل بن عامر وعلى ما قيل في الوليد بن المغيرة واغتيابه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغضه منه، وعلى قول في العاص بن وائل. أقول: ثم قال: ويجوز أن يكون نازلا في جمع من ذكر. انتهى ولا يبعد أن يكون من تطبيق الرواة وهو كثير في أسباب النزول. وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " ويل لكل همزة " قال: الذي يغمز الناس ويستحقر الفقراء، وقوله: " لمزة " يلوي عنقه ورأسه ويغضب إذا رأى فقيرا أو سائلا " الذي جمع مالا وعدده " قال: أعده ووضعه. وفيه قوله تعالى: " التي تطلع على الافئدة " قال: تلتهب على الفؤاد قال أبو ذر رضي الله عنه: بشر المتكبرين بكي في الصدور وسحب على الظهور. قوله " إنها عليهم موصدة " قال: مطبقة " في عمد ممددة " قال: إذا مدت العمد عليهم أكلت والله الجلود. وفي المجمع روى العياشي بإسناده عن محمد بن النعمان الاحول عن حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الكفار والمشركين يعيرون أهل التوحيد في النار ويقولون:
________________________________________
[ 361 ]
ما نرى توحيدكم أغنى عنكم شيئا وما نحن وأنتم إلا سواء قال: فيأنف لهم الرب تعالى فيقول للملائكة: اشفعوا فيشفعون لمن شاء الله ثم يقول للنبيين: اشفعوا فيشفعون لمن شاء الله ثم يقول للمؤمنين: اشفعوا فيشفعون لمن شاء الله ويقول الله: أنا أرحم الراحمين اخرجوا برحمتي فيخرجون كما يخرج الفراش. قال: ثم قال أبو جعفر عليه السلام: ثم مدت العمد وأوصدت عليهم وكان والله الخلود. (سورة الفيل مكية وهي خمس آيات) بسم الله الرحمن الرحيم ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل - 1. ألم يجعل كيدهم في تضليل - 2. وأرسل عليهم طيرا أبابيل - 3. ترميهم بحجارة من سجيل - 4. فجعلهم كعصف مأكول - 5. (بيان) فيها إشارة إلى قصة أصحاب الفيل إذ قصدوا مكة لتخريب الكعبة المعظمة فأهلكهم الله بإرسال طير أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول، وهي من آيات الله الجلية التي لا سترة عليها، وقد أرخو بها وذكرها الجاهليون في أشعارهم، والسورة مكية. قوله تعالى: " ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل " المراد بالرؤية العلم الظاهر ظهور الحس، والاستفهام إنكاري، والمعنى ألم تعلم كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، وقد كانت الواقعة عام ولد فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قوله تعالى: " ألم يجعل كيدهم في تضليل " المراد بكيدهم سوء قصدهم بمكة وإرادتهم تخريب البيت الحرام، والتضليل والاضلال واحد، وجعل كيدهم في تضليل جعل سعيهم ضالا لا يهتدى إلى الغاية المقصودة منه فقد ساروا لتخريب الكعبة وانتهى بهم إلى هلاك أنفسهم.
________________________________________
[ 362 ]
قوله تعالى: " وأرسل عليهم طيرا أبابيل " الابابيل - كما قيل - جماعات في تفرقة زمرة زمرة، والمعنى وأرسل الله على أصحاب الفيل جماعات متفرقة من الطير والآية والتى تتلوها عطف تفسير على قوله: " ألم يجعل كيدهم في تضليل ". قوله تعالى: " ترميهم بحجارة من سجيل " أي ترمي أبابيل الطير أصحاب الفيل بحجارة من سجيل، وقد تقدم معنى السجيل في تفسير قصص قوم لوط. قوله تعالى: " فجعلهم كعصف مأكول " العصف ورق الزرع والعصف المأكول ورق الزرع الذي أكل حبه أو قشر الحب الذي أكل لبه والمراد أنهم عادوا بعد وقوع السجيل عليهم أجسادا بلا أرواح أو أن الحجر بحرارته أحرق أجوافهم، وقيل: المراد ورق الزرع الذي وقع فيها الاكال وهو أن يأكله الدود فيفسده وفسرت الآية ببعض وجوه اخر لا يناسب الادب القرآني. (بحث روائي) في المجمع: أجمعت الرواة على أن ملك اليمن الذي قصد هدم الكعبة هو أبرهة بن الصباح الاشرم وقيل: إن كنيته أبو يكسوم ونقل عن الواقدي أنه جد النجاشي الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم ساق الكلام في قصة استيلائه على ملك اليمن إلى أن قال: ثم إنه بنى كعبة باليمن وجعل فيها قبابا من ذهب فأمر أهل مملكته بالحج إليها يضاهي بذلك البيت الحرام، وإن رجلا من بني كنانة خرج حتى قدم اليمن فنظر إليها ثم قعد فيها يعني لحاجة الانسان فدخلها أبرهة فوجد تلك العذرة فيها فقال: من اجترء علي بهذا ؟ ونصرانيتي لاهدمن ذلك البيت حتى لا يحجه حاج أبدا ودعا بالفيل وأذن قومه بالخروج ومن اتبعه من أهل اليمن، وكان أكثر من اتبعه منهم عك والاشعرون وخثعم. قال: ثم خرج يسير حتى إذا كان ببعض طريقه بعث رجلا من بني سليم ليدعو الناس إلى حج بيته الذي بناه فتلقاه أيضا رجل من الحمس من بني كنانة فقتله فازداد بذلك حنقا وحث السير والانطلاق. وطلب من أهل الطائف دليلا فبعثوا معه رجلا من هذيل يقال له نفيل فخرج بهم يهديهم حتى إذا كانوا بالمغمس نزلوه وهو من مكة على ستة أميال فبعثوا مقدماتهم إلى
________________________________________
[ 363 ]
مكة فخرجت قريش عباديد في رؤوس الجبال وقالوا: لا طاقة لنا بقتال هؤلاء ولم يبق بمكه غير عبد المطلب بن هاشم أقام على سقايته وغير شيبة بن عثمان بن عبد الدار أقام على حجابة البيت فجعل عبد المطلب يأخذ بعضادتي الباب ثم يقول: لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع جلالك لا يغلبوا بصليبهم ومحالهم عدوا محالك لا يدخلوا البلد الحرام إذا فأمرما بدالك ثم إن مقدمات أبرهه أصابت نعما لقريش فأصابت فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم فلما بلغه ذلك خرج حتى أتى القوم، وكان حاجب أبرهة رجلا من الاشعرين وكان له بعبد المطلب معرفة فاستأذن له على الملك وقال له: أيها الملك جاءك سيد قريش الذى يطعم إنسها في الحي ووحشها في الجبل فقال له: ائذن له. وكان عبد المطلب رجلا جسيما جميلا فلما رآه أبو يكسوم أعظمه أن يجلسه تحته وكره أن يجلسه معه على سريره فنزل من سريره فجلس على الارض وأجلس عبد المطلب معه ثم قال: ما حاجتك ؟ قال: حاجتي مائتا بعير لي أصابتها مقدمتك فقال أبو يكسوم: والله لقد رأيتك فأعجبتني ثم تكلمت فزهدت فيك فقال: ولم أيها الملك ؟ قال: لاني جئت إلى بيت عزكم ومنعتكم من العرب وفضلكم في الناس وشرفكم عليهم ودينكم الذي تعبدون فجئت لاكسره وأصيبت لك مائتا بعير فسألتك عن حاجتك فكلمتني في إبلك ولم تطلب إلي في بيتكم. فقال له عبد المطلب: أيها الملك أنا أكلمك في مالي ولهذا البيت رب هو يمنعه لست أنا منه في شئ فراع ذلك أبو يكسوم وأمر برد إبل عبد المطلب عليه ثم رجع وأمست ليلتهم تلك الليلة كالحة نجومها كأنها تكلمهم كلاما لاقتربها منهم فأحست نفوسهم بالعذاب. إلى أن قال: حتى إذا كان مع طلوع الشمس طلعت عليهم الطير معها الحجارة فجعلت ترميهم، وكل طائر في منقاره حجر وفي رجليه حجران وإذا رمت بذلك مضت وطلعت اخرى فلا يقع حجر من حجارتهم تلك على بطن إلا خرقه ولا عظم إلا أوهاه وثقبه، وثاب أبو يكسوم راجعا قد أصابته بعض الحجارة فجعل كلما قدم أرضا انقطع له فيها إرب حتى إذا انتهى إلى اليمن لم يبق شئ إلا باده فلما قدمها تصدع صدره وانشق بطنه فهلك ولم يصب من الاشعرين وخثعم أحد، الحديث.
________________________________________
[ 364 ]
أقول: وفي الروايات اختلاف شديد في خصوصيات القصة من أراد الوقوف عليها فعليه بمطولات السير والتواريخ. (سورة قريش مكية وهي أربع آيات) بسم الله الرحمن الرحيم لايلاف قريش - 1. إيلافهم رحلة الشتاء والصيف - 2. فليعبدوا رب هذا البيت - 3. الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف - 4. (بيان) تتضمن السورة امتنانا على قريش بإيلافهم الرحلتين وتعقبه بدعوتهم إلى التوحيد وعبادة رب البيت، والسورة مكية. ولمضمون السورة نوع تعلق بمضمون سورة الفيل ولذا ذهب قوم من أهل السنة إلى كون الفيل ولايلاف سورة واحدة كما قيل بمثله في الضحى وألم نشرح لما بينهما من الارتباط كما نسب ذلك إلى المشهور بين الشيعة والحق أن شيئا مما استندوا إليه لا يفيد ذلك. أما القائلون بذلك من أهل السنة فإنهم استندوا فيه إلى ما روي أن أبي بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه بالبسملة، وبما روي عن عمرو بن ميمون الازدي قال: صليت المغرب خلف عمر بن الخطاب فقرء في الركعة الاولى والتين وفي الثانية ألم تر ولايلاف قريش من غير أن يفصل بالبسملة. وأجيب عن الرواية الاولى بمعارضتها بما روي أنه أثبت البسملة بينهما في مصحفه، وعن الثانية بأن من المحتمل على تقدير صحتها أن يكون الراوي لم يسمع قراءتها أو يكون قرأها سرا. على أنها معارض بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن الله فضل قريشا بسبع خصال وفيها " ونزلت فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحد غيرهم: لايلاف قريش ". الحديث على أن الفصل متواتر. وأما القائلون بذلك من الشيعة فاستندوا فيه إلى ما في المجمع عن أبي العباس عن أحدهما عليهما السلام قال: ألم تر كيف فعل ربك ولايلاف قريش سورة واحدة، وما
________________________________________
[ 365 ]
في التهذيب باسناده عن العلاء عن زيد الشحام قال: صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام الفجر فقرء الضحى وألم نشرح في ركعة، وما في المجمع عن العياشي عن المفضل بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا الضحى وألم نشرح وألم تر كيف ولايلاف قريش، ورواه المحقق في المعتبر نقلا من كتاب الجامع لاحمد بن محمد بن أبي نصر عن المفضل مثله. أما رواية أبي العباس فضعيف لما فيها من الرفع. وأما رواية الشحام فقد رويت عنه بطريقين آخرين: أحدهما ما في التهذيب باسناده عن ابن مسكان عن زيد الشحام قال: صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام فقرء بنا بالضحى وألم نشرح، وثانيهما عنه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زيد الشحام قال: صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام فقرء في الاولى الضحى وفي الثانية ألم نشرح لك صدرك. وهذه أعني صحيحة ابن أبي عمير صريحة في قراءة السورتين في ركعتين ولا يبقى معها لرواية العلاء ظهور في الجمع بينهما، وأما رواية ابن مسكان فلا ظهور لها في الجمع ولا صراحة، وأما حمل ابن أبي عمير على النافلة فيدفعه قوله فيها: " صلى بنا " فإنه صريح في الجماعة ولا جماعة في نفل. وأما رواية المفضل فهي أدل على كونهما سورتين منها على كونهما سورة واحدة حيث قيل: لا تجمع بين سورتين ثم استثني من السورتين الضحى وألم نشرح وكذا الفيل ولايلاف. فالحق أن الروايات إن دلت فإنما تدل على جواز القران بين سورتي الضحى وألم نشرح وسورتي الفيل ولايلاف في ركعة واحدة من الفرائض وهو ممنوع في غيرها، ويؤيده روايه الراوندي في الخرائج عن داود الرقي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال فلما طلع الفجر قام فأذن وأقام وأقامني عن يمينه وقرء في أول ركعة الحمد والضحى وفي الثانية بالحمد وقل هو الله أحد ثم قنت ثم سلم ثم جلس. قوله تعالى: " لايلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف " الالف بكسر الهمزة اجتماع مع التئام كما قاله الراغب ومنه الالفة، وقال في الصحاح: وفلان قد ألف هذا الموضع بالكسر يألفه إلفا وآلفه إياه غيره، ويقال أيضا: آلفت الموضع أولفه إيلافا، انتهى. وقريش عشيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم ولد النضر بن كنانة المسمى قريشا، والرحلة حال السير على الراحلة وهي الناقة القوية على السير كما في المجمع، والمراد بالرحلة خروج قريش
________________________________________
[ 366 ]
من مكة للتجارة وذلك أن الحرم واد جديب لا زرع فيه ولا ضرع فكانت قريش تعيش فيه بالتجارة، وكانت لهم في كل سنة رحلتان للتجارة رحلة في الشتاء إلى اليمن ورحلة بالصيف إلى الشام، وكانوا يعيشون بذلك وكان الناس يحترمونهم لمكان البيت الحرام فلا يتعرضون لهم بقطع طريقهم أو الاغارة على بلدهم الآمن. وقوله: " لايلاف قريش " اللام فيه للتعليل، وفاعل الايلاف هو الله سبحانه وقريش مفعوله الاول ومفعوله الثاني محذوف يدل عليه ما بعده، وقوله: " إيلافهم رحلة الشتاء والصيف " بدل من إيلاف قريش، وفاعل إيلافهم هو الله ومفعوله الاول ضمير الجمع ومفعوله الثاني رحلة الخ، والتقدير لايلاف الله قريشا رحلة الشتاء والصيف. قوله تعالى: " فليعبدوا رب هذا البيت " الفاء في " فليعبدوا " لتوهم معنى الشرط أي أي شئ كان فليعبدوا رب هذا البيت لايلافه أيام الرحلتين أو لتوهم التفصيل أي مهما يكن من شئ فليعبدوا رب هذا البيت الخ، فهو كقوله تعالى: " ولربك فاصبر " المدثر: 7. ومحصل معنى الآيات الثلاث ليعبد قريش رب هذا البيت لاجل إيلافه إياهم رحلة الشتاء والصيف وهم عائشون بذلك في أمن. هذا بالنظر إلى كون السورة منفصلة عما قبلها ذات سياق مستقل في نفسها، وأما على تقدير كونها جزء من سورة الفيل متممة لها فذكروا أن اللام في " لايلاف " تعليلية متعلقة بمقدر يدل عليه المقام والمعنى فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منا على قريش مضافة إلى نعمتنا عليهم في رحلة الشتاء والصيف فكأنه قال: نعمة إلى نعمة ولذا قيل: إن اللام مؤدية معنى إلى وهو قول الفراء. وقيل: المعنى فعلنا ذلك بأصحاب الفيل لتألف قريش بمكة ويمكنهم المقام بها أو لنؤلف قريشا فإنهم هابوا من أبرهة لما قصدها وهربوا منه فأهلكناهم لترجع قريش إلى مكة ويألفوا بها ويولد محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيبعث إلى الناس بشيرا ونذيرا هذا، والكلام في استفادة هذه المعاني من السياق. قوله تعالى: " الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " إشارة إلى ما في إيلافهم الرحلتين من منه الواضح ونعمته الظاهرة عليهم وهو الاطعام والامن فيعيشون في أرض لا خصب فيها ولا أمن لغيرهم فليعبدوا ربا يدبر أمرهم أحسن التدبير وهو رب البيت.
________________________________________
[ 367 ]
(بحث روائي) في تفسير القمي في قوله تعالى: " لايلاف قريش إيلافهم " قال: نزلت في قريش لانه كان معاشهم من الرحلتين رحلة في الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام، وكانوا يحملون من مكة الادم واللب وما يقع من ناحية البحر من الفلفل وغيره فيشترون بالشام الثياب والدرمك والحبوب، وكانوا يتألفون في طريقهم ويثبتون في الخروج في كل خرجة رئيسا من رؤساء قريش وكان معاشهم من ذلك. فلما بعث الله نبيه استغنوا عن ذلك لان الناس وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحجوا إلى البيت فقال الله: " فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع " لا يحتاجون أن يذهبوا إلى الشام " وآمنهم من خوف " يعني خوف الطريق. اقول: قوله: فلما بعث الله الخ خفي الانطباق على سياق آيات السورة، ولعله من كلام القمي أخذه من بعض ما روي عن ابن عباس. (سورة الماعون مدنية أو مكية وهي سبع آيات) بسم الله الرحمن الرحيم أرأيت الذي يكذب بالدين - 1. فذلك الذي يدع اليتيم - 2. ولا يحض على طعام المسكين - 3. فويل للمصلين - 4. الذين هم عن صلاتهم ساهون - 5. الذين هم يراؤن - 6. ويمنعون الماعون - 7. (بيان) وعيد لمن كان من المنتحلين بالدين متخلقا بأخلاق المنافقين كالسهو عن الصلاة والرياء في الاعمال ومنع الماعون مما لا يلائم التصديق بالجزاء. والسورة تحتمل المكية والمدنية، وقيل: نصفها مكي ونصفها مدني.
________________________________________
[ 368 ]
قوله تعالى: " أرأيت الذي يكذب بالدين " الرؤية تحتمل الرؤية البصرية وتحتمل أن تكون بمعنى المعرفة، والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بما أنه سامع فيتوجه إلى كل سامع، والمراد بالدين الجزاء يوم الجزاء فالمكذب بالدين منكر المعاد وقيل المراد به الدين بمعنى الملة. قوله تعالى: " فذلك الذي يدع اليتيم " الدع هو الرد بعنف وجفاء، والفاء في " فذلك " لتوهم معنى الشرط والتقدير أرأيت الذي يكذب بالجزاء فعرفته بصفاته اللازمة لتكذيبه فإن لم تعرفه فذلك الذي يرد اليتيم بعنف ويجفوه ولا يخاف عاقبة عمله السيئ ولو لم يكذب به لخافها ولو خافها لرحمه. قوله تعالى: " ولا يحض على طعام المسكين " الحض الترغيب، والكلام على تقدير مضاف أي لا يرغب الناس على إطعام طعام المسكين قيل: إن التعبير بالطعام دون الاطعام للاشعار بأن المسكين كأنه مالك لما يعطى له كما في قوله تعالى: " وفي أموالهم حق للسائل والمحروم " الذاريات: 19 وقيل: الطعام في الآية بمعنى الاطعام. والتعبير بالحض دون الاطعام لان الحض أعم من الحض العملي الذي يتحقق بالاطعام. قوله تعالى: " فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون " أي غافلون لا يهتمون بها ولا يبالون أن تفوتهم بالكلية أو بعض الاوقات أو تتأخر عن وقت فضيلتها وهكذا. وفي الآية تطبيق من يكذب بالدين على هؤلاء المصلين لمكان فاء التفريع ودلالة على أنهم لا يخلون من نفاق لانهن يكذبون بالدين عملا وهم يتظاهرون بالايمان. قوله تعالى: " الذين هم يراؤن " أي يأتون بالعبادات لمراآة الناس فهم يعملون للناس لا لله تعالى. قوله تعالى: " ويمنعون الماعون " الماعون كل ما يعين الغير في رفع حاجة من حوائج الحياة كالقرض تقرضه والمعروف تصنعه ومتاع البيت تعيره، والى هذا يرجع متفرقات ما فسر به في كلماتهم. (بحث روائي) في تفسير القمي في قوله تعالى: " أرأيت الذي يكذب بالدين " قال: نزلت في أبي جهل وكفار قريش، وفي قوله: " الذين هم عن صلاتهم ساهون " قال: عنى به تاركون لان كل إنسان يسهو في الصلاة قال أبو عبد الله عليه السلام: تأخير الصلاة عن أول وقتها لغير عذر.
________________________________________
[ 369 ]
وفي الخصال عن علي عليه السلام في حديث الاربعمائة قال: ليس عمل أحب إلى الله عز وجل من الصلاة فلا يشغلنكم عن أوقاتها شئ من امور الدنيا فإن الله عزوجل ذم أقواما فقال: " الذين هم عن صلاتهم ساهون " يعني أنهم غافلون استهانوا بأوقاتها. وفي الكافي باسناده عن محمد بن الفضيل قال: سألت عبدا صالحا عليه السلام عن قول الله عزوجل: " الذين هم عن صلاتهم ساهون " قال هو التضييع. أقول: وفي هذه المضامين روايات أخر. وفي الدر المنثور أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب " الذين هم يراؤن " قال: يراؤن بصلاتهم. وفيه أخرج أبو نعيم والديلمي وابن عساكر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " ويمنعون الماعون " قال: ما تعاون الناس بينهم الفاس والقدر والدلو وأشباهه. وفي الكافي باسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال. وقوله عزوجل: " ويمنعون الماعون " هو القرض تقرضه والمعروف تصنعه ومتاع البيت تعيره ومنه الزكاة. أقول: وتفسير الماعون بالزكاة مروي من طرق أهل السنة أيضا عن علي عليه السلام كما في الدر المنثور ولفظه: الماعون الزكاة المفروضة يراؤن بصلاتهم ويمنعون زكاتهم. وفي الدر المنثور أخرج ابن قانع عن علي بن أبي طالب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المسلم أخو المسلم إذا لقيه حياه بالسلام ويرد عليه ما هو خير منه لا يمنع الماعون قلت: يا رسول الله ما الماعون ؟ قال صلى الله عليه وسلم: الحجر والحديد والماء وأشباه ذلك. أقول: وقد فسر صلى الله عليه وآله وسلم في رواية اخرى الحديد بقدور النحاس وحديد الفاس والحجر بقدور الحجارة. (سورة الكوثر مكية وهي ثلاث آيات) بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر - 1. فصل لربك وانحر - 2. إن شانئك هو الابتر - 3.
________________________________________
[ 370 ]
(بيان) امتنان على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإعطائه الكوثر وتطييب لنفسه الشريفة بأن شانئه هو الابتر، وهي أقصر سورة في القرآن وقد اختلفت الروايات في كون السورة مكية أو مدنية، والظاهر أنها مكية، وذكر بعضهم أنها نزلت مرتين جمعا بين الروايات. قوله تعالى: " إنا أعطيناك الكوثر " قال في المجمع الكوثر فوعل وهو الشئ الذي من شأنه الكثرة، والكوثر الخير الكثير، انتهى. وقد اختلفت أقوالهم في تفسير الكوثر اختلافا عجيبا فقيل: هو الخير الكثير، وقيل نهر في الجنة، وقيل: حوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة أو في المحشر، وقيل: أولاده وقيل: أصحابه وأشياعه صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم القيامة، وقيل: علماء امته صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل القرآن وفضائله كثيرة، وقيل النبوة وقيل: تيسير القرآن وتخفيف الشرائع وقيل: الاسلام وقيل التوحيد، وقيل: العلم والحكمة، وقيل: فضائله صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل المقام المحمود، وقيل: هو نور قلبه صلى الله عليه وآله وسلم إلى غير ذلك مما قيل، وقد نقل عن بعضهم أنه أنهى الاقوال إلى ستة وعشرين. وقد استند في القولين الاولين إلى بعض الروايات، وباقي الاقوال لا تخلو من تحكم وكيفما كان فقوله في آخر السورة: " إن شانئك هو الابتر " - وظاهر الابتر هو المنقطع نسله وظاهر الجملة انها من قبيل قصر القلب - ان كثرة ذريته صلى الله عليه وآله وسلم هي المرادة وحدها بالكوثر الذي اعطيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو المراد بها الخير الكثير وكثرة الذرية مرادة في ضمن الخير الكثير ولولا ذلك لكان تحقيق الكلام بقوله: " إن شانئك هو الابتر " خاليا عن الفائدة. وقد استفاضت الروايات أن السورة إنما نزلت فيمن عابه صلى الله عليه وآله وسلم بالبتر بعد ما مات ابناه القاسم وعبد الله، وبذلك يندفع ما قيل: ان مراد الشانئ بقوله: " أبتر " المنقطع عن قومه أو المنقطع عن الخير فرد الله عليه بأنه هو المنقطع من كل خير. ولما في قوله: " انا أعطيناك " من الامتنان عليه صلى الله عليه وآله وسلم جئ بلفظ المتكلم مع الغير الدال على العظمة، ولما فيه من تطييب نفسه الشريفة أكدت الجملة بإن وعبر بلفظ الاعطاء الظاهر في التمليك.
________________________________________
[ 371 ]
والجمله لا تخلو من دلالة على أن ولد فاطمة عليها السلام ذريته صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا في نفسه من ملاحم القرآن الكريم فقد كثر الله تعالى نسله بعده كثرة لا يعادلهم فيها أي نسل آخر مع ما نزل عليهم من النوائب وأفنى جموعهم من المقاتل الذريعة. قوله تعالى: " فصل لربك وانحر " ظاهر السياق في تفريع الامر بالصلاة والنحر على الامتنان في قوله: " إنا أعطيناك الكوثر " انه من شكر النعمة والمعنى إذا مننا عليك بإعطاء الكوثر فاشكر لهذه النعمة بالصلاة والنحر. والمراد بالنحر على ما رواه الفريقان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن علي عليه السلام وروته الشيعة عن الصادق عليه السلام وغيره من الائمة هو رفع اليدين في تكبير الصلاة إلى النحر. وقيل: معنى الآية صل لربك صلاة العيد وانحر البدن، وقيل: يعني صل لربك واستو قائما عند رفع رأسك من الركوع وقيل غير ذلك. قوله تعالى: " إن شانئك هو الابتر " الشانئ هو المبغض والابتر من لا عقب له وهذا الشانئ هو العاصي بن وائل. وقيل: المراد بالابتر المنقطع عن الخير أو المنقطع عن قومه، وقد عرفت أن روايات سبب نزول السورة لا تلائمه وستجيئ. (بحث روائي) في الدر المنثور أخرج البخاري وابن جرير والحاكم من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: الكوثر الخير الذي أعطاه إياه قال أبو بشر قلت لسعيد ابن جبير فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة قال: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه. وفيه أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم " إنا أعطيناك الكوثر " قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟ قال: إنها ليست بنحيرة ولكن يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السماوات السبع، وإن لكل شئ زينة وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: رفع اليدين من الاستكانة التي قال الله: " فما استكانوا لربهم
________________________________________
[ 372 ]
وما يتضرعون ". أقول: ورواه في المجمع عن المقاتل عن الاصبغ بن نباتة عنه عليه السلام ثم قال: أورده الثعلبي والواحدي في تفسيرهما، وقال أيضا: إن جميع عترته الطاهرة رووا عنه عليه السلام أن معنى النحر رفع اليدين إلى النحر في الصلاة. وفيه أخرج ابن جرير عن أبي جعفر في قوله: " فصل لربك " قال: الصلاة " وانحر " قال يرفع يديه أول ما يكبر في الافتتاح. وفيه أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: " فصل لربك وانحر " قال: إن الله أوحى إلى رسوله أن ارفع يديك حذاء نحرك إذا كبرت للصلاة فذاك النحر. وفي المجمع في الآية عن عمر بن يزيد قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قوله " فصل لربك وانحر " هو رفع يديك حذاء وجهك. اقول: ثم قال: وروى عنه عبد الله بن سنان مثله، وروى أيضا قريبا منه عن جميل عنه عليه السلام. وفي الدر المنثور أخرج ابن سعد وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان أكبر ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم ثم زينب ثم عبد الله ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية فمات القاسم وهو أول ميت من ولده بمكة ثم مات عبد الله فقال العاصي بن وائل السهمي قد انقطع نسله فهو أبتر فأنزل الله " إن شانئك هو الابتر ". وفيه أخرج الزبير بن بكار وابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: توفي القاسم ابن رسول الله بمكة فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آت من جنازته على العاصى بن وائل وابنه عمرو فقال حين رآى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لاشنؤه فقال العاصي بن وائل: لا جرم لقد أصبح أبتر فأنزل الله " إن شانئك هو الابتر ". وفيه أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: كانت قريش تقول - إذا مات ذكور الرجل - بتر فلان فلما مات ولد النبي صلى الله عليه وسلم قال العاصي بن وائل: بتر والابتر الفرد. اقول: وفي بعض الآثار أن الشانئ هو الوليد بن المغيرة، وفي بعضها أبو جهل وفي بعضها عقبة بن أبي معيط، وفي بعضها كعب بن الاشرف، والمعتمد ما تقدم. ويؤيده ما في احتجاج الطبرسي عن الحسن بن علي عليهما السلام في حديث يخاطب فيه عمرو بن العاصي: وإنك ولدت على فراش مشترك فتحاكمت فيك رجال قريش
________________________________________
[ 373 ]
منهم أبو سفيان بن حرب والوليد بن المغيرة وعثمان بن الحارث والنضر بن الحارث بن كلدة والعاصي بن وائل كلهم يزعم أنك ابنه فغلبهم عليك من بين قريش الامهم حسبا وأخبثهم منصبا وأعظمهم بغية. ثم قمت خطيبا وقلت: أنا شانئ محمد وقال العاصي بن وائل: إن محمدا رجل أبتر لا ولد له فلو قد مات انقطع ذكره فأنزل الله تبارك وتعالى: " إن شانئك هو الابتر " الحديث. وفي تفسير القمي " إنا أعطيناك الكوثر " قال: الكوثر نهر في الجنة أعطى الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عوضا عن ابنه إبراهيم. اقول: الخبر على ارساله واضماره معارض لسائر الروايات وتفسير الكوثر بنهر في الجنة لا ينافي التفسير بالخير الكثير كما تقدم في خبر ابن جبير. (سورة الكافرون مكية وهي ست آيات) بسم الله الرحمن الرحيم قل يا أيها الكافرون - 1. لا أعبد ما تعبدون - 2. ولا أنتم عابدون ما أعبد - 3. ولا أنا عابد ما عبدتم - 4. ولا أنتم عابدون ما أعبد - 5. لكم دينكم ولي دين - 6. (بيان) فيها أمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يظهر للكفار براءته من دينهم ويخبرهم بامتناعهم من دينه فلا دينه يتعداه إليهم ولا دينهم يتعداهم إليه فلا يعبد ما يعبدون أبدا ولا يعبدون ما يعبد أبدا فلييأسوا من أي نوع من المداهنة والمساهلة. واختلفوا في كون السورة مكية أو مدنية، والظاهر من سياقها أنها مكية. قوله تعالى: " قل يا أيها الكافرون " الظاهر أن هؤلاء قوم معهودون لا كل كافر ويدل على ذلك أمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يخاطبهم ببراءته من دينهم وامتناعهم من دينه. قوله تعالى: " لا أعبد ما تعبدون " الآية إلى آخر السورة مقول القول، والمراد بما
________________________________________
[ 374 ]
تعبدون الاصنام التي كانوا يعبدونها، ومفعول " يعبدون " ضمير راجع إلى الموصول محذوف لدلالة الكلام عليه ولرعاية الفواصل، وكذا مفاعيل الافعال التالية: " أعبد " و " عبدتم " و " أعبد ". وقوله: " لا أعبد " نفي استقبالي فإن " لا " لنفي الاستقبال كما أن " ما " لنفي الحال، والمعنى لا أعبد أبدا ما تعبدونه اليوم من الاصنام. قوله تعالى: " ولا أنتم عابدون ما أعبد " نفي استقبالي أيضا لعبادتهم ما يعبده صلى الله عليه وآله وسلم وهو اخبار عن امتناعهم عن الدخول في دين التوحيد في مستقبل الامر. وبانضمام الامر الذي في مفتتح الكلام تفيد الآيتان أن الله سبحانه أمرني بالدوام على عبادته وأن أخبركم أنكم لا تعبدونه أبدا فلا يقع بيني وبينكم اشتراك في الدين أبدا. فالآية في معنى قوله تعالى: " لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون " يس: 7، وقوله: " إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " البقرة: 6. وكان من حق الكلام أن يقال: ولا أنتم عابدون من أعبد. لكن قيل: ما أعبد ليطابق ما في قوله: " لا أعبد ما تعبدون ". قوله تعالى: " ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد " تكرار لمضمون الجملتين السابقتين لزيادة التأكيد، كقوله: " كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون " التكاثر: 4 وقوله: " فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر " المدثر: 20. وقيل: إن " ما " في " ما عبدتم " و " ما أعبد " مصدرية لا موصولة والمعنى ولا أنا عابد عبادتكم ولا أنتم عابدون عبادتي أي لا اشارككم ولا تشاركونني لا في المعبود ولا في العبادة فمعبودي هو الله ومعبودكم الوثن وعبادتي ما شرعه الله لي وعبادتكم ما ابتدعتموه جهلا وافتراء، وعلى هذا فالآيتان غير مسوقتين للتأكيد، ولا يخلو من بعد وسيأتي في البحث الروائي التالي وجه آخر للتكرار لطيف. قوله تعالى: " لكم دينكم ولي دين " تأكيد بحسب المعنى لما تقدم من نفي الاشتراك، واللام للاختصاص أي دينكم وهو عبادة الاصنام يختص بكم ولا يتعداكم إلى وديني يختص بي ولا يتعداني إليكم ولا محل لتوهم دلالة الآية على إباحة أخذ كل بما يرتضيه من الدين ولا أنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يتعرض لدينهم بعد ذلك فالدعوة الحقة التي يتضمنها القرآن تدفع ذلك أساسا.
________________________________________
[ 375 ]
وقيل: الدين في الآية بمعنى الجزاء والمعنى لكم جزاؤكم ولي جزائي، وقيل: إن هناك مضافا محذوفا والتقدير لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني، والوجهان بعيدان عن الفهم. (بحث روائي) في الدر المنثور أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الانباري في المصاحف عن سعيد بن ميناء مولى أبي البختري قال: لقي الوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل والاسود بن المطلب وأمية بن خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد ولنشترك نحن وانت في أمرنا كله فإن كان الذي نحن عليه أصح من الذي أنت عليه كنت قد أخذت منه حظا وإن كان الذي انت عليه أصح من الذي نحن عليه كنا قد أخذنا منه حظا فأنزل الله " قل يا أيها الكافرون لا اعبدما تعبدون " حتى انقضت السورة. اقول: وروى الشيخ في الامالي بإسناده عن ميناء عن غير واحد من اصحابه قريبا منه. وفي تفسير القمي عن أبيه عن ابن أبي عمير قال: سأل أبو شاكر أبا جعفر الاحول عن قول الله: " قل أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد " فهل يتكلم الحكيم بمثل هذا القول، ويكرر مرة بعد مرة ؟ فلم يكن عند أبي جعفر الاحول في ذلك جواب. فدخل المدينة فسأل أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال: كان سبب نزولها وتكرارها أن قريشا قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة فأجابهم الله بمثل ما قالوا فقال فيما قالوا: تعبد آلهتنا سنة: قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، وفيما قالوا: نعبد إلهك سنة: ولا أنتم عابدون ما أعبد، وفيما قالوا: تعبد آلهتنا سنة: " ولا أنا عابد ما عبدتم " وفيما قالوا: نعبد إلهك سنة: " ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين ". قال: فرجع ابو جعفر الاحول إلى ابي شاكر فأخبره بذلك فقال ابو شاكر: هذا حملته الابل من الحجاز. اقول: مفاد التكرار في كلام قريش الاستمرار على عبادة آلهتهم سنة وعبادة الله تعالى سنة.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page