• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 301 الي 325


[ 301 ]
وفي المجمع وقد صحت الرواية بالاسناد عن عثمان بن صهيب عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي بن أبي طالب: من أشقى الاولين ؟ قال: عاقر الناقة. قال: صدقت فمن أشقى الآخرين ؟ قال: قلت: لا أعلم يا رسول الله. قال: الذي يضربك على هذه فأشار إلى يافوخه. أقول: وروى فيه هذا المعنى أيضا عن عمار بن ياسر. وفي تفسير البرهان: وروى الثعلبي والواحدي بإسنادهما عن عمار وعن عثمان بن صهيب وعن الضحاك وروى ابن مردويه بإسناده عن جابر بن سمرة وعن عمار وعن ابن عدي أو عن الضحاك وروى الخطيب في التاريخ عن جابر بن سمرة وروى الطبري والموصلي وروى أحمد عن الضحاك عن عمار أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي أشقى الاولين عاقر الناقة وأشقى الآخرين قاتلك، وفي رواية من يخضب هذه من هذا. (سورة الليل مكية وهي احدى وعشرون آية) بسم الله الرحمن الرحيم والليل إذا يغشى - 1. والنهار إذا تجلى - 2. وما خلق الذكر والانثى - 3. إن سعيكم لشتى - 4. فأما من أعطى واتقى - 5. وصدق بالحسنى - 6. فسنيسره لليسرى - 7. وأما من بخل واستغنى - 8. وكذب بالحسنى - 9. فسنيسره للعسرى - 10. وما يغني عنه ماله إذا تردى - 11. إن علينا للهدى - 12. وإن لنا للآخرة والاولى - 13. فأنذرتكم نارا تلظى - 14. لا يصلاها إلا الاشقى - 15. الذي كذب وتولى - 16. وسيجنبها الاتقى - 17. الذي يؤتي ماله يتزكى - 18. وما لاحد عنده من نعمة تجزى - 19. إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى - 20. ولسوف يرضى - 21.
________________________________________
[ 302 ]
(بيان) غرض السورة الانذار وتسلك إليه بالاشارة إلى اختلاف مساعي الناس وأن منهم من أنفق واتقى وصدق بالحسنى فسيمكنه الله من حياة خالدة سعيدة ومنهم من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسيسلك الله به إلى شقاء العاقبة، وفي السورة اهتمام وعناية خاصة بأمر الانفاق المالي. والسورة تحتمل المكية والمدنيه بحسب سياقها. قوله تعالى: " والليل إذا يغشى " إقسام بالليل إذا يغشى النهار على حد قوله تعالى: " يغشي الليل النهار " الاعراف: 54، ويحتمل أن يكون المراد غشيانه الارض أو الشمس. قوله تعالى: " والنهار إذا تجلى " عطف على الليل، والتجلي ظهور الشئ بعد خفائه، والتعبير عن صفة الليل بالمضارع وعن صفة النهار بالماضي حيث قيل: " يغشى " و " تجلى " تقدم فيه وجه في تفسير أول السورة السابقة. قوله تعالى: " وما خلق الذكر والانثى " عطف على الليل كسابقة، و " ما " موصولة والمراد به الله سبحانه وإنما عبر بما، دون من، إيثارا للابهام المشعر بالتعظيم والتفخيم والمعنى وأقسم بالشئ العجيب الذي أوجد الذكر والانثى المختلفين على كونهما من نوع واحد. وقيل: ما مصدرية والمعنى وأقسم بخلق الذكر والانثى وهو ضعيف. والمراد بالذكر والانثى مطلق الذكر والانثى أينما تحققا، وقيل: الذكر والانثى من الانسان، وقيل: المراد بهما آدم وزوجته حواء، وأوجه الوجوه أولها. قوله تعالى: " إن سعيكم لشتى " السعي هو المشي السريع، والمراد به العمل من حيث يهتم به، وهو في معنى الجمع، وشتى جمع شتيت بمعنى المتفرق كمرضى جمع مريض. والجملة جواب القسم والمعنى أقسم بهذه المتفرقات خلقا وأثرا إن مساعيكم لمتفرقات في نفسها وآثارها فمنها إعطاء وتقوى وتصديق ولها أثر خاص بها، ومنها بخل واستغناء وتكذيب ولها أثر خاص بها. قوله تعالى: " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى " تفصيل تفرق مساعيهم واختلاف آثارها. والمراد بالاعطاء إنفاق المال لوجه الله بقرينة مقابلته للبخل الظاهر في الامساك عن
________________________________________
[ 303 ]
إنفاق المال وقوله بعد: " وما يغني عنه ماله إذا تردى ". وقوله: " واتقى " كالمفسر للاعطاء يفيد أن المراد هو الاعطاء على سبيل التقوى الدينية. وقوله: " وصدق بالحسنى " الحسنى صفة قائمة مقام الموصوف والظاهر أن التقدير بالعدة الحسنى وهي ما وعد الله من الثواب على الانفاق لوجهه الكريم وهو تصديق البعث والايمان به ولازمه الايمان بوحدانيته تعالى في الربوبية والالوهية، وكذا الايمان بالرسالة فإنها طريف بلوغ وعده تعالى لثواب. ومحصل الآيتين أن يكون مؤمنا بالله ورسوله واليوم الآخر وينفق المال لوجه الله وابتغاء ثوابه الذي وعده بلسان رسوله. وقوله: " فسنيسره لليسرى " التيسير التهيئة والاعداد واليسرى الخصلة التى فيها يسر من غير عسر، وتوصيفها باليسر بنوع من التجوز فالمراد من تيسيره اليسرى توفيقه في للاعمال الصالحة وتسهيلها عليه من غير تعسير أو جعله مستعدا للحياة السعيدة عند ربه ودخول الجنة بسبب الاعمال الصالحة التي يأتي بها، والوجه الثاني أقرب وأوضح أنطباقا على ما هو المعهود من مواعد القرآن. قوله تعالى: " وأما من بخل وأستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى " البخل مقابل الاعطاء، والاستغناء طالب الغنى والثروة بالامساك والجمع، والمراد بالتكذيب بالحسنى الكفر بالعدة الحسنى وثواب الله الذي بلغه الانبياء والرسل ورجع إلى أنكار البعث. والمراد بتيسيره للعسرى خذلانه بعدم توفيقه للاعمال الصالحة، بتثقيلها عليه وعدم شرح صدره للايمان أو أعداده للعذاب. وقوله: " وما يغني عنه ماله إذا تردى " التردي هو السقوط من مكان عال ويطلق على الهلاك فالمراد سقوطه في حفرة القبر أو في جهنم أو هلاكه. و " ما " استفهامية أو نافية أي أي شيئ يغنيه ماله إذا مات وهلك أو ليس يغني عنه ماله إذا مات وهلك. قوله تعالى: " إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والاولى " تعليل لما تقدم من حديث تيسيره لليسرى وللعسرى أو الاخبار به بأوجز بيان، محصله أنا إنما نفعل هذا التيسير أو نبين هذا البيان لانه من الهدى والهدى علينا لا يزاحمنا في ذلك شئ ولا يمنعنا عنه مانع.
________________________________________
[ 304 ]
فقوله: " إن علينا للهدى " يفيد أن هدى الناس مما قضى سبحانه به وأوجبه على نفسه بمقتضى الحكمة وذلك أنه خلقهم ليعبدوه كما قال: " وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون " الذاريات: 56 فجعل عبادته غاية لخلقهم وجعلها صراطا مستقيما إليه كما قال: " إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم " آل عمران: " 51، وقال: " وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله " الشورى: 53 وقضى على نفسه أن يبين لهم سبيله ويهديهم إليه بمعنى إراءة الطريق سواء سلكوها أم تركوها كما قال: " وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر " النحل: 9، وقال: " والله يقول الحق وهو يهدي السبيل " الاحزاب: 4 وقال: إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " الانسان: 3 ولا ينافي ذلك قيام غيره تعالى بأمر هذا المعنى من الهدى بإذنه كالانبياء كما قال تعالى: " وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم " الشورى: 52، وقال: " قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " يوسف: 108. وقد تقدم لهذه المسأله بيان عقلي في مباحث النبوة في الجزء الثاني من الكتاب. هذا في الهداية بمعنى إراءة الطريق وأما الهداية بمعنى الايصال إلى المطلوب - والمطلوب في المقام الآثار الحسنة التي تترتب على الاهتداء بهدى الله والتلبس بالعبودية كالحياة الطيبة المعجلة في الدنيا والحياة السعيدة الابدية في الآخرة - فمن البين أنه من قبيل الصنع والايجاد الذي يختص به تعالى فهو مما قضى به الله وأوجبه على نفسه وسجله بوعده الحق قال تعالى: " فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى " طه: 123، وقال: " ومن عمل صالحا من " ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " النحل: 97، وقال: " والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا من أصدق من الله قيلا " النساء: 122. ولا ينافي انتساب هذا المعنى من الهداية إليه تعالى بنحو الاصالة انتسابه إلى غيره تعالى بنحو التبع بتخلل الاسباب بينه تعالى وبين ما ينسب إليه من الاثر بإذنه. ومعنى الآية - إن كان المراد بالهدى إراءة الطريق - أنا إنما نبين لكم ما نبين لانه من إراءة طريق العبودية وإراءة الطريق علينا، وإن كان المراد به الايصال إلى المطلوب أنا إنما نيسر هؤلاء لليسرى من الاعمال الصالحة أو من الحياة السهلة الابدية ودخول الجنة لانه من إيصال الاشياء إلى غاياتها وعلينا ذلك. وأما التيسير للعسرى فهو مما يتوقف عليه التيسير لليسرى " ليميز الله الخبيث من
________________________________________
[ 305 ]
الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعضه فيركمه جميعا فيجعله في جهنم " الانفال: 37 وقد قال سبحانه في القرآن الذي هو هدى للعالمين: " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " أسرى: 82. ويمكن أن يكون المراد به مطلق الهداية أعم من الهداية التكوينية الحقيقية والتشريعية الاعتبارية - على ما هو ظاهر إطلاق اللفظ - فله تعالى الهداية الحقيقية كما قال: " الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " طه: 50، والهداية الاعتبارية كما قال: " إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " الانسان: 3. وقوله: " وإن لنا للآخرة والاولى " أي عالم البدء وعالم العود فكل ما يصدق عليه أنه شئ فهو مملوك له تعالى بحقيقة الملك الذي هو قيام وجوده بربه القيوم ويتفرع عليه الملك الاعتباري الذي من آثاره جواز التصرفات. فهو تعالى يملك كل شئ من كل جهة فلا يملك شئ منه شيئا فلا معارض يعارضه ولا مانع يمنعه ولا شئ يغلبه كما قال: " والله يحكم لا معقب لحكمه " الرعد: 41 وقال: " والله غالب على أمره " يوسف: 21، وقال " ويفعل الله ما يشاء " إبراهيم: 27. قوله تعالى: " فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الاشقى الذي كذب وتولى " تفريع على ما تقدم أي إذا كان الهدى علينا فأنذرتكم نار جهنم وبذلك يوجه ما في قوله: " فأنذرتكم " من الالتفات عن التكلم مع الغير إلى التكلم وحده أي إذا كان الهدى مقضية محتومة فالمنذر بالاصالة هو الله وإن كان بلسان رسوله. وتلظى النار تلهبها وتوهجها، والمراد بالنار التي تتلظى جهنم كما قال تعالى: " كلا إنها لظى " المعارج: 15. والمراد بالاشقى مطلق الكافر الذي يكفر بالتكذيب والتولي فإنه أشقى من سائر من شقي في دنياه فمن ابتلي في بدنه شقي ومن أصيب في ماله أو ولده مثلا شقي ومن خسر في أمر آخرته شقي والشقي في أمر آخرته أشقى من غيره لكون شقوته أبدية لا مطمع في التخلص منها بخلاف الشقوة في شأن من شؤون الدنيا فإنها مقطوعة لا محالة مرجوة الزوال عاجلا. فالمراد بالاشقى هو الكافر المكذب بالدعوه الحقة المعرض عنها على ما يدل عليه توصيفه بقوله: " الذي كذب وتولى " ويؤيده إطلاق الانذار، وأما الاشقى بمعنى أشقى
________________________________________
[ 306 ]
الناس كلهم فمما لا يساعد عليه السياق البتة. والمراد بصلي النار اتباعها ولزومها فيفيد معنى الخلود وهو مما قضى الله به في حق الكافر، قال تعالى: " والذين كفروا وكذبوا بآياتنا اولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " البقرة: 39. وبذلك يندفع ما قيل: إن قوله: " لا يصلاها إلا الاشقى " ينفي عذاب النار عن فساق المؤمنين على ما هو لازم القصر في الآية، وجه الاندفاع أن الآية إنما تنفي عن غير الكافر الخلود فيها دون أصل الدخول. قوله تعالى: " وسيجنبها الاتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لاحد عنده من نعمة تجزى " التجنيب التبعيد، وضمير " سيجنبها " للنار، والمعنى سيبعد عن النار الاتقى. والمراد بالاتقى من هو أتقى من غيره ممن يتقي المخاطر فهناك من يتقي ضيعة النفوس كالموت والقتل ومن يتقي فساد الاموال ومن يتقي العدم والفقر فيمسك عن بذل المال وهكذا ومنهم من يتقي الله فيبذل المال، وأتقى هؤلاء الطوائف من يتقي الله فيبذل المال لوجهه وإن شئت فقل يتقي خسران الآخرة فيتزكى بالاعطاء. فالمفضل عليه للاتقى هو من لا يتقي بإعطاء المال وإن اتقى سائر المخاطر الدنيوية أو اتقى الله بسائر الاعمال الصالحة. فالآية عامة بحسب مدلولها غير خاصة ويدل عليه توصيف الاتقى بقوله: " الذي يؤتي ماله " الخ وهو وصف عام وكذا ما يتلوه، ولا ينافي ذلك كون الآيات أو جميع السورة نازلة لسبب خاص كما ورد في أسباب النزول. وأما إطلاق المفضل عليه بحيث يشمل جميع الناس من طالح أو صالح ولازمه انحصار المفضل في واحد مطلقا أو واحد في كل عصر، ويكون المعنى وسيجنبها من هو أتقى الناس كلهم وكذا المعنى في نظيره: لا يصلاها إلا أشقى الناس كلهم فلا يساعد عليه سياق آيات صدر السورة، وكذا الانذار العام الذي في قوله: " فأنذرتكم نارا تلظى " فلا معنى لان يقال: أنذرتكم جميعا نارا لا يخلد فيها إلا واحد منكم جميعا ولا ينجو منها إلا واحد منكم جميعا. وقوله: " الذي يؤتي ماله يتزكى " صفة للاتقى أي الذي يعطي وينفق ماله يطلب بذلك أن ينمو نماء صالحا.
________________________________________
[ 307 ]
وقوله: " وما لاحد عنده من نعمة تجزى " تقرير لمضمون الآية السابقة أي ليس لاحد عنده من نعمة تجزى تلك النعمة بما يؤتيه من المال وتكافأ وإنما يؤتيه لوجه الله ويؤيد هذا المعنى تعقيبه بقوله: " إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى ". فالتقدير من نعمة تجزى به، وإنما حذف الظرف رعاية للفواصل، ويندفع بذلك ما قيل: إن بناء " تجزى " للمفعول لان القصد ليس لفاعل معين. قوله تعالى: " إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى " استثناء منقطع والمعنى ولكنه يؤتي ماله طلبا لوجه ربه الاعلى وقد تقدم كلام في معنى وجه الله تعالى وفي معنى الاسم الاعلى. قوله تعالى: " ولسوف يرضى " أي ولسوف يرضى هذا الاتقى بما يؤتيه ربه الاعلى من الاجر الجزيل والجزاء الحسن الجميل. وفي ذكر صفتي الرب والاعلى إشعار بأن ما يؤتاه من الجزاء أنعم الجزاء وأعلاه وهو المناسب لربوبيته تعالى وعلوه، ومن هنا يظهر وجه الالتفات في الآية السابقة في قوله: " وجه ربه الاعلى " من سياق التكلم وحده إلى الغيبة بالاشارة إلى الوصفين: ربه الاعلى. (بحث روائي) في الكافي بإسناده عن محمد بن مسلم قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: قول الله عزوجل " والليل إذا يغشى " " والنجم إذا هوى " وما أشبه ذلك ؟ فقال: إن لله عزوجل أن يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به. أقول: ورواه في الفقيه بإسناده عن علي بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني عليه السلام. وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " والليل إذا يغشى " قال: حين يغشى النهار وهو قسم. وعن الحميري في قرب الاسناد عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سمعته يقول في تفسير " والليل إذا يغشى " إن رجلا كان لرجل في حائطه نخلة فكان يضر به فشكى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعاه فقال: أعطني نخلتك بنخلة في الجنة فأبى فسمع ذلك رجل من الانصار يكنى أبا الدحداح فجاء إلى صاحب النخلة فقال: بعني نخلتك بحائطي فباعه فجاءه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله قد اشتريت نخلة فلان بحائطي فقال رسول الله: لك بدلها نخلة في الجنة. فأنزل الله تعالى على نبيه " وما خلق الزوجين الذكر والانثى إن سعيكم لشتى فأما
________________________________________
[ 308 ]
من أعطى " يعني النخلة " واتقى وصدق بالحسنى " هو ما عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسنيسره لليسرى - إلى قوله - تردى ". أقول: ورواه القمي في تفسيره مرسلا مضمرا، وقوله: " الزوجين تفسير منه عليه السلام للذكر والانثى. وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " وسيجنبها الاتقى " قال: أبو الدحداح. أقول: هذا ما من طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام. وروى الطبرسي في مجمع البيان القصة عن الواحدي باسناده عن عكرمة عن ابن عباس وفيه أن الانصاري ساوم صاحب النخلة في نخلته ثم اشتراها منه بأربعين نخلة ثم وهبها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فوهبها النبي لصاحب الدار، ثم روى الطبرسي عن عطاء أن اسم الرجل أبو الدحداح، وروى السيوطي في الدر المنثور القصة عن ابن أبي حاتم عن ابن عباس وضعفه. وقد ورد من طرق أهل السنة أن السورة نزلت في أبي بكر قال الرازي في التفسير الكبير: أجمع المفسرون منا على أن المراد منه - يعني من الاتقى - ابو بكر، واعلم أن الشيعة بأسرهم ينكرون هذه الرواية، ويقولون إنما نزلت في حق علي بن أبي طالب والدليل عليه قوله تعالى: " ويؤتون الزكاة وهم راكعون " فقوله: " الاتقى الذي يؤتي ماله يتزكى " إشارة إلى ما في تلك الآية من قوله: " ويؤتون الزكاة وهم راكعون " ثم أخذ الاتقى بمعنى أفضل الخلق أي أتقى الناس جميعا وقد تقدم الكلام فيه. أما ما نسب إلى الشيعة بأسرهم من القول فالمعتمد عليه من طرقهم صحيح الحميرى المتقدم وما في معناه من الروايات الدالة على نزولها في أبي الدحداح الانصاري. نعم ورد في رواية ضعيفة عن البرقي عن اسماعيل بن مهران عن أيمن بن محرز عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام وفيها، وأما قوله: " وسيجنبها الاتقى " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن تبعه، و " الذي يؤتي ماله يتزكى " قال: ذاك أمير المؤمنين عليه السلام وهو قوله: " ويؤتون الزكاة وهم راكعون " وقوله: " وما لاحد عنده من نعمة تجزى " فهو رسول الله الذي ليس لاحد عنده من نعمة تجزى ونعمته جارية على جميع الخلق صلوات الله عليه. والرواية على ضعف (1) سندها من قبيل الجري والتطبيق دون التفسير ومن واضح الدليل عليه تطبيقه الموصوف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والوصف على علي عليه السلام ثم الآية
________________________________________
(1) أيمن بن محرز مجهول.
________________________________________
[ 309 ]
التالية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو كانت من التفسير لفسد بذك النظم قطعا. هذا لو كانت الواو في قوله: " والذي يؤتي ماله يتزكى " من الرواية ولو فرضت من الآية كانت الرواية من روايات التحريف المردودة. وعن الحميري عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال، قلت: قول الله تبارك وتعالى " إن علينا للهدى " قال: إن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء. فقلت له: أصلحك الله إن قوما من أصحابنا يزعمون أن المعرفة مكتسبة وأنهم إن ينظروا من وجه النظر أدركوه. فأنكر ذلك وقال: ما لهؤلاء القوم لا يكتسبون الخير لانفسهم ؟ ليس أحد من الناس إلا ويجب أن يكون خيرا ممن هو خير منه هؤلاء بنو هاشم موضعهم موضعهم وقرابتهم قرابتهم وهم أحق بهذا الامر منكم أفترى أنهم لا ينظرون لانفسهم ؟ وقد عرفتم ولم يعرفوا. قال أبو جعفر: لو استطاع الناس لاحبونا. اقول: أما الهداية والمراد بها الايصال إلى المطلوب - فهي لله تعالى لانها من شؤون الربوبية، وأما إلاضلال والمراد به الاضلال على سبيل المجازاة دون الاضلال الابتدائي الذي لا يضاف إليه تعالى فهو الله أيضا لكونه إمساكا عن إنزال الرحمة وعدما للهداية وإذا كانت الهداية له فالامساك عنه أيضا منسوب إليه تعالى. (سورة الضحى مكية أو مدنية وهي احدى عشرة آية) بسم الله الرحمن الرحيم والضحى - 1. والليل إذا سجى - 2. ما ودعك ربك وما قلى - 3. وللآخرة خير لك من الاولى - 4. ولسوف يعطيك ربك فترضى - 5. ألم يجدك يتيما فآوى - 6. ووجدك ضالا
________________________________________
[ 310 ]
فهدى - 7. ووجدك عائلا فأغنى - 8. فأما اليتيم فلا تقهر - 9. وأما السائل فلا تنهر - 10. وأما بنعمة ربك فحدث - 11. (بيان) قيل: انقطع الوحي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أياما حتى قالوا: إن ربه ودعه فنزلت السورة فطيب الله بها نفسه، والسورة تحتمل المكية والمدنية. قوله تعالى: " والضحى والليل إذا سجى " إقسام، والضحى - على ما في المفردات - انبساط الشمس وامتداد النهار وسمي الوقت به، وسجو الليل سكونه وهو غشيان ظلمته. قوله تعالى: " ما ودعك ربك وما قلى " التوديع الترك، والقلى بكسر القاف البغض أو شدته، والآية جواب القسم، ومناسبة نور النهار وظلمة الليل لنزول الوحي وانقطاعه ظاهرة. قوله تعالى: " وللآخرة خير لك من الاولى " في معنى الترقي بالنسبة إلى ما تفيده الآية السابقة من كونه صلى الله عليه وآله وسلم على ما هو عليه من موقف الكرامة والعناية الالهية كأنه قيل: أنت على ما كنت عليه من الفضل والرحمة مادمت حيا في الدنيا وحياتك الآخرة خير لك من حياتك الدنيا. قوله تعالى: " ولسوف يعطيك ربك فترضى " تقرير وتثبيت لقوله: " وللآخرة خير لك من الاولى " وقد اشتمل الوعد على عطاء مطلق يتبعه رضى مطلق. وقيل: الآية ناظركة إلى الحياتين جميعا دون الحياة الآخرة فقط. قوله تعالى: " ألم يجدك يتيما فآوى " الآية وما يتلوها من الآيتين إشارة إلى بعض نعمه تعالى العظام عليه صلى الله عليه وآله فقد مات أبوه وهو في بطن امه ثم ماتت امه وهو ابن سنتين ثم مات جده الكفيل له وهو ابن ثمان سنين فكفله عمه ورباه. وقيل: المراد باليتيم الوحيد الذي لا نظير له في الناس كما يقال: در يتيم، والمعنى ألم يجدك وحيدا بين الناس فآوى الناس اليك وجمعهم حولك. قوله تعالى: " ووجدك ضالا فهدى " المراد بالضلال عدم الهداية والمراد بكونه صلى الله عليه وآله وسلم ضالا حاله في نفسه مع قطع النظر عن هدايته تعالى فلا هدى له صلى الله عليه وآله وسلم ولا لاحد من الخلق إلا بالله سبحانه فقد كانت نفسه في نفسها ضالة وإن كانت الهداية الالهية ملازمة لها منذ وجدت فالآية في معنى قوله تعالى: " ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان " الشورى:
________________________________________
[ 311 ]
52، ومن هذا الباب قول موسى على ما حكى الله عنه: " فعلتها إذا وأنا من الضالين " الشعراء: 20 أي لم أهتد بهدى الرسالة بعد. ويقرب منه ما قيل: إن المراد بالضلال الذهاب من العلم كما في قوله: " أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الاخرى " البقرة: 282، ويؤيده قوله: " وإن كنت من قبله لمن الغافلين " يوسف: 3. وقيل المعنى وجدك ضالا بين الناس لا يعرفون حقك فهداهم اليك ودلهم عليك. وقيل: إنه إشارة إلى ضلاله في طريق مكة حينما كانت تجئ به حليمة بنت أبي ذؤيب من البدو إلى جده عبد المطلب على ما روي. وقيل: إشارة إلى ما روي من ضلاله في شعاب مكة صغيرا. وقيل: إشارة إلى ما روي من ضلاله في مسيره إلى الشام مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة. وقيل: غير ذلك وهي وجوه ضعيفة ظاهرة الضعف. قوله تعالى: " ووجدك عائلا فأغنى " العائل الفقير الذي لا مال له وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم فقيرا لا مال له فأغناه الله بعد ما تزوج بخديجة بنت خويلد عليهما السلام فوهبت له مالها وكان لها مال كثير، وقيل المراد بالاغناء استجابة دعوته. قوله تعالى: " فأما اليتيم فلا تقهر " قال الراغب: القهر الغلبة والتذليل معا ويستعمل في كل واحد منهما، انتهى. قوله تعالى: " وأما السائل فلا تنهر " النهر هو الزجر والرد بغلظة. قوله تعالى: " وأما بنعمة ربك فحدث " التحديث بالنعمة ذكرها قولا وإظهارها فعلا وذلك شكرها، وهذه الاوامر عامة للناس وان كانت موجهة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والآيات الثلاث متفرعة على الآيات الثلاث التي تسبقها وتذكر نعمه تعالى عليه كأنه قيل: فقد وجدت ما يجده اليتيم من ذلة اليتيم وانكساره فلا تقهر اليتيم باستذلاله في نفسه أو ماله، ووجدت مرارة حاجة الضال إلى الهدى والعائل إلى الغنى فلا تزجر سائلا يسألك رفع حاجته إلى هدى أو معاش، ووجدت ان ما عندك نعمة أنعمها عليك ربك بجوده وكرمه ورحمته فاشكر نعمته بالتحديث بها ولا تسترها.
________________________________________
[ 312 ]
(بحث روائي) في تفسير القمي في قوله تعالى: " والضحى " قال: إذا ارتفعت الشمس ولليل إذا سجى " قال: إذا أظلم. وفيه في قوله تعالى: " وما قلى " قال: لم يبغضك. وفي الدر المنثور في قوله تعالى: " ولسوف يعطيك ربك فترضى " أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا " ولسوف يعطيك ربك فترضى ". وفيه أخرج العسكري في المواعظ وابن لال وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من حلة الابل فلما نظر إليها قال: يا فاطمة تعجلي فتجرعي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غدا فأنزل الله " ولسوف يعطيك ربك فترضى ". أقول: تحتمل الرواية نزول الآية وحدها بعد نزول بقية آيات السورة قبلها ثم الالحاق وتحتمل نزولها وحدها ثانيا. وفيه أخرج ابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح قال: قلت لابي جعفر محمد بن علي بن الحسين: أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي ؟ قال: إي والله حدثني عمي محمد بن الحنفية عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أشفع لامتي حتى يناديني ربي: أرضيت يا محمد ؟ فأقول: نعم يا رب رضيت. ثم أقبل علي فقال: إنكم تقولون يا معشر أهل العراق، إن أرجى آية في كتاب الله: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا " قلت: إنا لنقول ذلك، قال: فكلنا أهل البيت نقول: إن أرجى آية في كتاب الله " ولسوف يعطيك ربك فترضى " وفيه أخرج العسكري في المواعظ وابن لال وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من حلة الابل فلما نظر إليها قال: يا فاطمة تعجلي فتجرعي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غدا فأنزل الله " ولسوف يعطيك ربك فترضى ". أقول: تحتمل الرواية نزول الآية وحدها بعد نزول بقية آيات السورة قبلها ثم الالحاق وتحتمل نزولها وحدها ثانيا. وفيه أخرج ابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طرق حرب بن شريح قال: قلت لابي جعفر محمد بن علي بن الحسين: أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي ؟ قال: إي والله حدثني عمي محمد بن الحنفية عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أشفع لامتي حتى يناديني ربي: أرضيت يا محمد ؟ فأقول: تعم يا رب رضيت. ثم أقبل علي فقال: إنكم تقولون يا معشر أهل العراق، إن أرجى آية في كتاب الله: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا " قلت: إنا لنقول ذلك، قال: فكلنا أهل البيت نقول: إن أرجى آية في كتاب الله " ولسوف يعطيك ربك فترضى " الشفاعة. وفي تفسير البرهان عن ابن بابويه باسناده عن ابن الجهم عن الرضا عليه السلام في مجلس المأمون قال: قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: " ألم يجدك يتيما فآوى " يقول: ألم يجدك وحيدا فآوى اليك الناس ؟ " ووجدك ضالا " يعني عند قومك " فهدى " أي هداهم إلى معرفتك ؟ " ووجدك عائلا فأغنى " يقول: أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا ؟ فقال
________________________________________
[ 313 ]
المأمون: بارك الله فيك يابن رسول الله. وفيه عن البرقي باسناده عن عمرو بن أبي نصر قال: حدثني رجل من أهل البصرة قال: رأيت الحسين بن علي عليه السلام وعبد الله بن عمر يطوفان في البيت فسألت ابن عمر فقلت: قول الله تعالى: " وأما بنعمة ربك فحدث " قال: أمره أن يحدث بما أنعم الله عليه. ثم إني قلت للحسين بن علي عليه السلام: قول الله تعالى: " وأما بنعمة ربك فحدث " قال: أمره أن يحدث بما أنعم الله عليه من دينه. وفي الدر المثور عن البيهقي عن الحسن بن علي في قوله: " وأما بنعمة ربك فحدق " قال: إذا أصبت خيرا فحدث إخوانك. وفيه أخرج أبو داود عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أبلى بلاء فذكره فقد شكره ومن كتمه فقد كفره، ومن تحلى بما لم يغط فإنه كلابس ثوب زور. (سورة ألم نشرح مكية أو مدنية وهي ثمان آيات) بسم الله الرحمن الرحيم ألم نشرح لك صدرك - 1. ووضعنا عنك وزرك - 2. الذي أنقض ظهرك - 3. ورفعنا لك ذكرك - 4. فإن مع العسر يسرا - 5. إن مع العسر يسرا - 6. فإذا فرغت فانصب - 7. وإلى ربك فارغب - 8. (بيان) أمر بالنصب في الله والرغبة إليه توصل إليه بتقدمة الامتنان والسورة تحتمل المكية والمدنية وسياق آياتها أوفق للمدنية. وفي بعض الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أن الضحى وألم نشرح سورة
________________________________________
[ 314 ]
واحدة، ويروى ذلك أيضا عن طاوس وعمر بن عبد العزيز قال الرازي في التفسير الكبير بعد نقله عنهما: والذي دعاهما إلى ذلك هو أن قوله تعالى: " ألم نشرح لك " كالعطف على قوله: " ألم يجدك يتيما " وليس كذلك لان الاول كان نزوله حال اغتمام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من إيذاء الكفار فكانت حال محنة وضيق صدر، والثاني يقتضي أن يكون حال النزول منشرح الصدر طيب القلب فأنى يجتمعان انتهى. وفيه أن المراد بشرح صدره صلى الله عليه وآله وسلم في الآية جعله بحيث يسع ما يلقى إليه من الحقائق ولا يضيق بما ينزل عليه من المعارف وما يصيبه من أذى الناس في تبليغها كما سيجئ لا طيب القلب والسرور كما فسره. ويدل على ذلك ما رواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لقد سألت ربي مسألة وددت أني لم أسأله قلت: أي رب إنه قد كان أنبياء قبلي منهم من سخرت له الريح ومنهم من كان يحيي الموتى. قال: فقال: ألم أجدك يتيما فآويتك ؟ قال: قلت: بلى قال: ألم أجدك ضالا فهديتك ؟ قال: قلت: بلى أي رب. قال: ألم أشرح لك صدرك ووضعت عنك وزرك ؟ قال: قلت: بلى أي رب، وللكلام تتمة ستوافيك في تفسير سورة الايلاف إن شاء الله تعالى. قوله تعلى: " ألم نشرح لك صدرك " قال الراغب: أصل الشرح بسط اللحم ونحوه يقال: شرحت اللحم وشرحته ومنه شرح الصدر أي بسطته بنور إلهي وسكينة من جهة الله وروح منه قال تعالى: " رب اشرح لي صدري " " ألم نشرح لك صدرك " " فمن شرح الله صدره " انتهى. وترتب الآيات الثلاث الاول في مضامينها ثم تعليلها بقوله: " فإن مع العسر يسرا " الظاهر في الانطباق على حاله صلى الله عليه وآله وسلم في أوائل دعوته وأواسطها وأواخرها ثم تكرار التعليل ثم تفريع آيتي آخر السورة كل ذلك يشهد على كون المراد بشرح صدره صلى الله عليه وآله وسلم بسطه بحيث يسع ما يلقى إليه من الوحي ويؤمر بتبليغه وما يصيبه من المكاره والاذى في الله، وبعبارة اخرى جعل نفسه المقدسة مستعدة تامة الاستعداد لقبول ما يفاض عليها من جانب الله تعالى. قوله تعالى: " ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك " الوزر الحمل الثقيل، وإنقاض الظهر كسره بحيث يسمع له صوت كما يسمع من السرير ونحوه عند استقرار شئ ثقيل
________________________________________
[ 315 ]
عليه، والمراد به ظهور ثقل الوزر عليه ظهورا بالغا. ووضع الوزر إذهاب ما يحس من ثقله وجمله: " ووضعنا عنك وزرك " معطوفة على قوله: " ألم نشرح " الخ لما أن معناه قد شرحنا لك صدرك. والمراد بوضع وزره صلى الله عليه وآله وسلم على ما يفيده السياق - وقد أشرنا إليه - إنفاذ دعوته وإمضاء مجاهدته في الله بتوفيق الاسباب فإن الرسالة والدعوة وما يتفرع على ذلك هي الثقل الذي حمله إثر شرح صدره. وقيل: وضع الوزر إشارة إلى ما وردت به الرواية أن ملكين نزلا عليه وفلقا صدره وأخرجا قلبه وطهراه ثم رداه إلى محله وستوافيك روايته. وقيل: المراد بالوزر ما صدر عنه صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة، وقيل: غفلته عن الشرائع ونحوها مما يتوقف على الوحي مع تطلبه، وقيل: حيرته في بعض الامور كأداء حق الرسالة، وقيل: الوحي وثقله عليه في بادئ أمره، وقيل: ما كان يرى من ضلال قومه وعنادهم مع عجزه عن إرشادهم، وقيل: ما كان يرى من تعديهم ومبالغتهم في إيذائه، وقيل: همه لوفاة عمه أبي طالب وزوجه خديجة، وقيل: الوزر المعصية ورفع الوزر عصمته، وقيل: الوزر ذنب أمته ووضعه غفرانه. وهذه الوجوه بعضها سخيف وبعضها ضعيف لا يلائم السياق، وهي بين ما قيل به وبين ما احتمل احتمالا. قوله تعالى: " ورفعنا لك ذكرك " رفع الذكر إعلاؤه عن مستوى ذكر غيره من الناس وقد فعل سبحانه به ذلك، ومن رفع ذكره أن قرن الله اسمه صلى الله عليه وآله وسلم باسمه فاسمه قرين اسم ربه في الشهادتين اللتين هما أساس دين الله، وعلى كل مسلم أن يذكره مع ربه كل يوم في الصلوات الخمس المفروضة، ومن اللطف وقوع الرفع بعد الوضع في الآيتين. قوله تعالى: " فإن مع العسر يسرا " لا يبعد أن يكون تعليلا لما تقدم من وضع الوزر ورفع الذكر فما حمله الله من الرسالة وأمر به من الدعوة - وذلك أثقل ما يمكن لبشر أن يحمله - كان قد اشتد عليه الامر بذلك، وكذا تكذيب قومه دعوته واستخفافهم به وإصرارهم على إمحاء ذكره كان قد اشتد عليه فوضع الله وزره الذي حمله بتوفيق الناس لاجابة دعوته ورفع ذكره الذي كانوا يريدون إمحاءه وكان ذلك جريا على سنته تعالى في الكون من الاتيان باليسر بعد العسر فعلل رفع الشدة عنه صلى الله عليه وآله وسلم بما أشار إليه من
________________________________________
[ 316 ]
سنته، وعلى هذا فاللام في " العسر " للجنس دون الاستغراق ولعل السنة سنة تحول الحوادث وتقلب الاحوال وعدم دوامها. وعن الزمخشري في الكشاف أن الفاء في " فإن مع العسر " الخ فصيحة والكلام مسوق لتسليته صلى الله عليه وآله وسلم بالوعد الجميل. قال: كان المشركون يعيرون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بالفقر والضيقة حتى سبق إلى ذهنه الشريف أنهم رغبوا عن الاسلام لافتقار أهله واحتقارهم فذكره سبحانه ما أنعم به عليه من جلائل النعم ثم قال: إن مع العسر يسرا كأنه قال: خولناك ما خولناك فلا تيأس من فضل الله فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسرا. وظاهره أن اللام في العسر للعهد دون الجنس وأن المراد باليسر ما رزقه الله المؤمنين بعد من الغنائم الكثيرة. وهو ممنوع فذهنه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم أجل من أن يخفى عليه حالهم وأنهم إنما يرغبون عن دعوته استكبارا على الحق واستعلاء على الله على أن القوم لم يرغبوا في الاسلام حتى بعد ظهور شوكته وإثراء المؤمنين وقد أياس الله نبيه من إيمان أكثرهم حيث قال: " لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون - إلى أن قال - وسواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " يس: 10 والآيات مكية وقال: إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " البقرة: 6 والآية مدنية. ولو حمل اليسر بعد العسر على شوكة الاسلام ورفعته بعد ضعته مع أخذ السورة مكية لم يكن به كثير بأس. قوله تعالى: " إن مع العسر يسرا " تكرار للتأكيد والتثبيت وقيل: استئناف وذكروا أن في الآيتين دلالة على أن مع العسر الواحد يسران بناء على أن المعرفة إذا أعيدت ثانية في الكلام كان المراد بها عين الاولى بخلاف النكرة كما أنه لو قيل: إذا اكتسبت الدرهم أو درهما فأنفق الدرهم كان المراد بالثاني هو الاول بخلاف ما لو قيل: إذا اكتسبت درهما فأنفق درهما وليست القاعدة بمطردة. والتنوين في " يسرا " للتنويع لا للتفخيم كما ذكره بعضهم، والمعية معيه التوالي دون المعية بمعنى التحقق في زمان واحد. قوله تعالى: " فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب " خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم متفرع
________________________________________
[ 317 ]
على ما بين قبل من تحميله الرسالة والدعوة ومنه تعالى عليه بما من من شرح الصدر ووضع الوزر ورفع الذكر وكل ذلك من اليسر بعد العسر. وعليه فالمعنى إذا كان العسر يأتي بعده اليسر والامر فيه إلى الله لا غير فإذا فرغت مما فرض عليك فاتعب نفسك في الله - بعبادته ودعائه - وارغب فيه ليمن عليك بما لهذا التعب من الراحة ولهذا العسر من اليسر. وقيل: المراد إذا فرغت من الفرائض فانصب في النوافل، وقيل: إذا فرغت من الصلاه فانصب في الدعاء، وما يتضمنه القولان بعض المصاديق. وقيل: المعنى إذا فرغت من الغزو فاجتهد في العبادة وقيل: المراد إذا فرغت من دنياك فانصب في آخرتك وقيل غير ذلك وهي وجوه ضعيفة. (بحث روائي) في الدر المنثور أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن ابى بن كعب أن أبا هريرة قال: يا رسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوة ؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالسا وقال: لقد سألت أبا هريرة إني لفي صحراء ابن عشرين سنه وأشهرا إذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل: أهو هو ؟ فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط، وأرواح لم أجدها في خلق قط وثياب لم أجدها على أحد قط فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لاحدهما مسا. فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه فأضجعني بلا قصر ولا هصر فقال أحدهما: أفلق صدره فحوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع فقال له: أخرج الغل والحسد فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها فقال له: أدخل الرأفة والرحمة فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة ثم هز ابهام رجلي اليمنى وقال: اغد وأسلم فرجعت بها أغدو بها رقة على الصغير ورحمة للكبير. أقول: وفي نقل بعضهم - كما في روح المعاني - ابن عشر حجج مكان قوله: ابن عشرين سنه وأشهرا، وفي بعض الروايات نقل القصة عند نزول سورة اقرء باسم ربك وفي بعضها كما في صحيح البخاري ومسلم والترمذي والنسائي نقل القصة عند أسراء النبي. والقصة على أي حال من قبيل التمثل بلا اشكال، وقد أطالوا البحث في توجيه ما
________________________________________
[ 318 ]
تتضمنه على أنها واقعة مادية فتمحلوا بوجوه لا جدوى في التعرض لها بعد فساد أصلها. وفيه أخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أتاني جبرئيل فقال: ان ربك يقول: تدري كيف رفعت ذكرك ؟ قلت: الله أعلم قال: إذا ذكرت ذكرت معي. وفيه أخرج عبد الرزاق وابن جرير والحاكم والبيهقي عن الحسن قال: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما مسرورا وهو يضحك ويقول: لن يغلب عسر يسرين " ان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا ". وفي المجمع في قوله تعالى: " فإذا فرغت فانصب والى ربك فارغب " معناه فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة. قال: وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام. (سورة التين مكية وهي ثمان آيات) بسم الله الرحمن الرحيم والتين والزيتون - 1. وطور سينين - 2. وهذا البلد الامين - 3. لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم - 4. ثم رددناه أسفل سافلين - 5. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون - 6. فما يكذبك بعد بالدين - 7. أليس الله بأحكم الحاكمين - 8. (بيان) تذكر السورة البعث والجزاء وتسلك إليه من طريق خلق الانسان في أحسن تقويم ثم اختلافهم بالبقاء على الفطرة الاولى وخروجهم منها بالانحطاط إلى أسفل سافلين ووجوب التمييز بين الطائفتين جزاء باقتضاء الحكمة.
________________________________________
[ 319 ]
والسورة مكية وتحتمل المدنية ويؤيد نزولها بمكة قوله: " وهذا البلد الامين " وليس بصريح فيه لاحتمال نزولها بعد الهجرة وهو صلى الله عليه وآله وسلم بمكة. قوله تعالى: " والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الامين " قيل: المراد بالتين والزيتون الفاكهتان المعروفتان أقسم الله بهما لما فيهما من الفوائد الجمة والخواص النافعة، وقيل المراد بهما شجرتا التين والزيتون، وقيل: المراد بالتين الجبل الذي عليه دمشق وبالزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس، ولعل اطلاق اسم الفاكهتين على الجبلين لكونهما منبتيهما ولعل الاقسام بهما لكونهما مبعثي جم غفير من الانبياء وقيل غير ذلك. والمراد بطور سينين الجبل الذي كلم الله تعالى فيه موسى بن عمران عليه السلام، ويسمى أيضا طور سيناء. والمراد بهذا البلد الامين مكة المشرفة لان الامن خاصة مشرعة للحرم وهي فيه قال تعالى: " أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا " العنكبوت: 67 وفي دعاء ابراهيم عليه السلام على ما حكى الله عنه: " رب اجعل هذا بلدا آمنا " البقرة: 126، وفي دعائه ثانيا: رب اجعل هذا البلد آمنا " إبراهيم: 35. وفي الاشارة بهذا إلى البلد تثبيت التشريف عليه بالتشخيص وتوصيفه بالامين إما لكونه فعيلا بمعنى الفاعل ويفيد معنى النسبة والمعنى ذي الامن كاللابن والتامر وإما لكونه فعيلا بمعنى المفعول والمراد البلد الذي يؤمن الناس فيه أي لا يخاف فيه من غوائلهم ففي نسبة الامن إلى البلد نوع تجوز. قوله تعالى: " لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم " جواب للقسم والمراد بكون خلقه في أحسن تقويم اشتمال التقويم عليه في جميع شؤونه وجهات وجوده، والتقويم جعل الشئ ذا قوام وقوام الشئ ما يقوم به ويثبت فالانسان والمراد به الجنس ذو أحسن قوام بحسب الخلقة. ومعنى كونه ذا أحسن قوام بحسب الخلقة على ما يستفاد من قوله بعد: " ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين " الخ صلوحه بحسب الخلقة للعروج إلى الرفيع الاعلى والفوز بحياة خالدة عند ربه سعيدة لا شقوة معها، وذلك بما جهزه الله به من العلم النافع ومكنه منه من العمل الصالح قال تعالى: " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها " الشمس: 8 فإذا آمن بما علم وزاول صالح العمل رفعه الله إليه كما قال: " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " فاطر: 10، وقال: " ولكن يناله التقوى منكم " الحج: 37.
________________________________________
[ 320 ]
وقال: " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات " المجادلة: 11 وقال: " فاولئك لهم الدرجات العلى " طه: 75 إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ارتفاع مقام الانسان وارتقائه بالايمان والعمل الصالح عطاء من الله غير مجذوذ، وقد سماه تعالى أجرا كما يشير إليه قوله الآتي: " فلهم أجر غير ممنون ". قوله تعالى: " ثم رددناه أسفل سافلين " ظاهر الرد أن يكون بمعناه المعروف فأسفل منصوب بنزع الخافض، والمراد بأسفل سافلين مقام منحط هو أسفل من سفل من أهل الشقوة والخسران والمعنى ثم رددنا الانسان إلى أسفل من سفل من أهل العذاب. واحتمل أن يكون الرد بمعنى الجعل أي جعلناه أسفل سافلين، وأن يكون بمعنى التغيير والمعنى ثم غيرناه حال كونه أسفل جمع سافلين، والمراد بالسفالة على أي حال الشقاء والعذاب. وقيل: المراد بخلق الانسان في أحسن تقويم ما عليه وجوده أوان الشباب من استقامة القوى وكمال الصورة وجمال الهيئة، وبرده إلى أسفل سافلين رده إلى الهرم بتضعيف قواه الظاهره والباطنة ونكس خلقته فتكون الآية في معنى قوله تعالى: " ومن نعمره ننكسه في الخلق " يس: 68. وفيه أنه لا يلائمه ما في قوله: " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " من الاستثناء الظاهر في المتصل فان حكم الخلق عام في المؤمن والكافر والصالح والطالح ودعوى أن المؤمن أو المؤمن الصالح مصون من ذلك مجازفة. وكذا القول بأن المراد بالانسان هو الكافر والمراد بالرد رده إلى جهنم أو إلى نكس الخلق والاستثناء منقطع. قوله تعالى: " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون " أي غير مقطوع استثناء متصل من جنس الانسان، وتفريع قوله: " فلهم أجر غير ممنون " عليه يؤيد كون المراد من رده إلى أسفل سافلين رده إلى الشقاء والعذاب. قوله تعالى: " فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين " الخطاب للانسان باعتبار الجنس، وقيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمراد غيره، و " ما " استفهامية توبيخية، و " بالدين " متعلق بيكذبك، والدين الجزاء والمعنى - على ما قيل - ما الذي يجعلك مكذبا بالجزاء يوم القيامة بعد ما جعلنا الانسان طائفتين طائفة مردودة إلى أسفل سافلين وطائفة مأجورة اجرا غير ممنون.
________________________________________
[ 321 ]
وقوله: " أليس الله بأحكم الحاكمين " الاستفهام للتقرير وكونه تعالى أحكم الحاكمين هو كونه فوق كل حاكم في إتقان الحكم وحقيته ونفوذه من غير اضطراب ووهن وبطلان فهو تعالى يحكم في خلقه وتدبيره بما من الواجب في الحكمة أن يحكم به الناس من حيث الاتقان والحسن والنفوذ وإذا كان الله تعالى أحكم الحاكمين والناس طائفتان مختلفتان اعتقادا وعملا فمن الواجب في الحكمة أن يميز بينهم بالجزاء في حياتهم الباقية وهو البعث. فالتفريع في قوله: " فما يكذبك بعد بالدين " من قبيل تفريع النتيجة على الحجة وقوله: " أليس الله بأحكم الحاكمين " تتميم للحجة المشار إليها بما يتوقف عليه تمامها. والمحصل أنه إذا كان الناس خلقوا في أحسن تقويم ثم اختلفوا فطائفة خرجت عن تقويمها الاحسن وردت إلى أسفل سافلين وطائفة بقيت في تقويمها الاحسن وعلى فطرتها الاولى والله المدبر لامرهم أحكم الحاكمين، ومن الواجب في الحكمة أن تختلف الطائفتان جزاء، فهناك يوم تجزى فيه كل طائفة بما عملت ولا مسوغ للتكذيب به. فالآيات - كما ترى - في معنى قوله تعالى: " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض أم نجعل المتقين كالفجار " ص: 28، وقوله: " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " الجاثية: 21. وبعض من جعل الخطاب في قوله: " فما يكذبك " للنبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل " ما " بمعنى من والحكم بمعنى القضاء، وعليه فالمعنى إذا كان الناس مختلفين ولازم ذلك اختلاف جزائهم في يوم معد للجزاء فمن الذي ينسبك إلى الكذب بالجزاء أليس الله بأقضى القاضين فهو يقضي بينك وبين المكذبين لك بالدين. وأنت خبير بأن فيه تكلفا من غير موجب. (بحث روائي) في تفسير القمي في قوله تعالى: " والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الامين " التين المدينة والزيتون بيت المقدس وطور سينين الكوفة وهذا البلد الامين مكة. أقول: وقد ورد هذا المعنى في بعض الروايات عن موسى بن جعفر عن آبائه عليه
________________________________________
[ 322 ]
السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يخلو من شئ، وفي بعضها ان التين والزيتون الحسن والحسين والطور علي والبلد الامين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس من التفسير في شئ. وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن خزيمه بن ثابت وليس بالانصاري سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن البلد الامين فقال: مكة. (سورة العلق مكية وهي تسع عشرة آية) بسم الله الرحمن الرحيم إقرء باسم ربك الذي خلق - 1. خلق الانسان من علق - 2. إقرء وربك الاكرم - 3. الذي علم بالقلم - 4. علم الانسان ما لم يعلم - 5. كلا إن الانسان ليطغى - 6. أن رآه استغنى - 7. إن إلى ربك الرجعى - 8. أرأيت الذي ينهى - 9. عبدا إذا صلى - 10. أرأيت إن كان على الهدى - 11. أو أمر بالتقوى - 12. أرأيت إن كذب وتولى - 13. ألم يعلم بأن الله يرى - 14. كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية - 15. ناصية كاذبة خاطئة - 16. فليدع ناديه - 17. سندع الزبانية - 18. كلا لا تطعه واسجد واقترب - 19. (بيان) أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بتلقي القرآن بالوحي منه تعالى وهى أول سورة نزلت من القرآن، وسياق آياتها لا يأبى نزولها دفعة واحدة كما سنشير إليه، وهي مكية قطعا. قوله تعالى: " اقرء باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق " قال الراغب: والقراءة ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، وليس يقال ذلك لكل
________________________________________
[ 323 ]
جمع لا يقال: قرأت القوم إذا جمعتهم، ويدل على ذلك أنه لا يقال: للحرف الواحد إذا تفوه به: قراءة انتهى. وعلى أي حال، يقال: قرأت الكتاب إذا جمعت ما فيه من الحروف والكلمات بضم بعضها إلى بعض في الذهن وإن لم تتلفظ بها، ويقال: قرأته إذا جمعت الحروف والكلمات بضم بعضها إلى بعض في التلفظ، ويقال قرأته عليه إذا جمعت بين حروفه وكلماته في سمعه ويطلق عليها بهذا المعنى التلاوة أيضا قال تعالى: " رسول من الله يتلو صحفا مطهرة " البينة: 2. وظاهر إطلاق قوله: " اقرء " المعنى الاول والمراد به الامر بتلقي ما يوحيه إليه ملك الوحي من القرآن فالجملة أمر بقراءة الكتاب وهي من الكتاب كقول القائل في مفتتح كتابه لمن أرسله إليه: اقرء كتابي هذا واعمل به فقوله هذا أمر بقراءة الكتاب وهو من الكتاب. وهذا السياق يؤيد أولا ما ورد أن الآيات اول ما نزل من القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وثانيا أن التقدير اقرء القرآن أو ما في معناه، وليس المراد مطلق القراءة باستعمال " اقرء " استعمال الفعل اللازم بالاعراض عن المفعول، ولا المراد القراءة على الناس بحذف المتعلق وإن كان ذلك من أغراض النزول كما قال: " وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا " أسرى: 106، ولا أن قوله: " باسم ربك " مفعول " اقرء " والباء زائدة والتقدير اقرء اسم ربك أي بسمل. وقوله: " باسم ربك " متعلق بمقدر نحو مفتتحا ومبتدء أو باقرء والباء للملابسة ولا ينافي ذلك كون البسملة المبتداة بها السورة جزء من السورة فهي من كلام الله افتتح سبحانه بها وأمر أن يقرء مبتدء بها كما أمر أن يقرء قوله: " اقرء باسم " الخ ففيه تعليم بالعمل نظير الامر بالاستثناء في قوله: " ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله " الكهف: 24 فافهم ذلك. وفي قوله: " ربك الذي خلق " إشارة إلى قصر الربوبية في الله عز اسمه وهو توحيد الربوبية المقتضية لقصر العبادة فيه فإن المشركين كانوا يقولون: إن الله سبحانه ليس له إلا الخلق والايجاد وأما الربوبية وهي الملك والتدبير فلمقربي خلقه من الملائكة والجن والانس فدفعه الله بقوله: " ربك الذي خلق " الناص على أن الربوبية والخلق له وحده. وقوله: " خلق الانسان من علق " المراد جنس الانسان المتناسل والعلق الدم المنجمد
________________________________________
[ 324 ]
والمراد به ما يستحيل إليه النطفة في الرحم. ففي الآية إشارة إلى التدبير الالهي الوارد على الانسان من حين كان علقة إلى حين يصير إنسانا تاما كاملا له من أعاجيب الصفات والافعال ما تتحير فيه العقول فلم يتم الانسان إنسانا ولم يكمل إلا بتدبير متعاقب منه تعالى وهو بعينه خلق بعد خلق فهو تعالى رب مدبر لامر الانسان بعين أنه خالق له فليس للانسان إلا أن يتخذه وحده ربا ففي الكلام احتجاج على توحيد الربوبية. قوله تعالى: " اقرء وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم " أمر بالقراءة ثانيا تأكيدا للامر الاول على ما هو ظاهر سياق الاطلاق. وقيل: المراد به الامر بالقراءة على الناس وهو التبليغ بخلاف الامر الاول فالمراد به الامر بالقراءة لنفسه، كما قيل: إن المراد بالامرين جميعا الامر بالقراءة على الناس، والوجهان غير ظاهرين. وقوله: " وربك الاكرم " أي الذي يفوق عطاؤه عطاء ما سواه فهو تعالى يعطي لا عن استحقاق وما من نعمة إلا وينتهي إيتاؤها إليه تعالى. وقوله: " الذي علم بالقلم " الباء للسببية أي علم القراءة أو الكتابة والقراءة بواسطة القلم والجملة حالية أو استئنافية، والكلام مسوق لتقوية نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإزالة القلق والاضطراب عنها حيث أمر بالقراءة وهو امي لا يكتب ولا يقرء كأنه قيل: اقرء كتاب ربك الذي يوحيه اليك ولا تخف والحال أن ربك الاكرم الذي علم الانسان القراءة بواسطة القلم الذي يخط به فهو قادر على أن يعلمك قراءة كتابه وأنت امي وقد أمرك بالقراءة ولو لم يقدرك عليها لم يأمرك بها. ثم عمم سبحانه النعمة فذكر تعليمه للانسان ما لم يعلم فقال: " علم الانسان ما لم يعلم " وفيه مزيد تقوية لقلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطييب لنفسه. والمراد بالانسان الجنس كما هو ظاهر السياق وقيل: المراد به آدم عليه السلام، وقيل: إدريس عليه السلام لانه أول من خط بالقلم، وقيل: كل نبي كان يكتب وهي وجوه ضعيفة بعيدة عن الفهم. قوله تعالى: " كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى " ردع عما يستفاد من الآيات السابقة أنه تعالى أنعم على الانسان بعظائم نعم مثل التعليم بالقلم وسائر ما علم والتعليم
________________________________________
[ 325 ]
من طريق الوحي فعلى الانسان أن يشكره على ذلك لكنه يكفر بنعمته تعالى ويطغى. وقوله: " إن الانسان ليطغى " أن يتعدى طوره، وهو إخبار بما في طبع الانسان ذلك كقوله: " إن الانسان لظلوم كفار " إبراهيم: 34. وقوله: " أن رآه استغنى " من الرأي دون الرؤية البصرية، وفاعل " رآه " ومفعوله الانسان. وجملة " أن رآه استغنى " في مقام التعليل أي ليطغى لانه يعتقد نفسه مستغنيا عن ربه المنعم عليه فيكفر به، وذلك أنه يشتغل بنفسه والاسباب الظاهرية التي يتوصل بها إلى مقاصده فيغفل عن ربه من غير أن يرى حاجة منه إليه تبعثه إلى ذكره وشكره على نعمه فينساه ويطغى. قوله تعالى: " إن إلى ربك الرجعى " الرجعى هو الرجوع والظاهر من سياق الوعيد الآتي أنه وعيد وتهديد بالموت والبعث، والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل: الخطاب للانسان بطريق الالتفات للتشديد، والاول أظهر. قوله تعالى: " أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى " بمنزلة ذكر بعض المصاديق للانسان الطاغي وهو كالتوطئة لوعيده بتصريح العقاب والنهي عن طاعته والامر بعبادته تعالى، والمراد بالعبد الذي كان يصلي هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما يستفاد من آخر الآيات حيث ينهاه صلى الله عليه وآله وسلم عن طاعة ذلك الناهي ويأمره بالسجود والاقتراب. وسياق الآيات - على تقدير كون السورة أول ما نزل من القرآن ونزولها دفعة واحدة - يدل على صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل نزول القرآن وفيه دلالة على نبوته قبل رسالته بالقرآن. وأما ما ذكره بعضهم أنه لم يكن الصلاة مفروضة في أول البعثة وإنما شرعت ليلة المعراج على ما في الاخبار وهو قوله تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر " أسرى: 78. ففيه أن المسلم من دلالتها أن الصلوات الخمس اليومية إنما فرضت بهيئتها الخاصة ركعتين ركعتين ليلة المعراج ولا دلالة فيها على عدم تشريعها قبل وقد ورد في كثير من السور المكية ومنها النازلة قبل سورة الاسراء كالمدثر والمزمل وغيرهما ذكر الصلاة بتعبيرات مختلفة وإن لم يظهر فيها من كيفيتها إلا أنها كانت مشتملة على تلاوة شئ من القرآن والسجود.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page