• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 251 الي 275


[ 251 ]
قوله تعالى: " قتل أصحاب الاخدود " إشارة إلى قصة الاخدود لتكون توطئة وتمهيدا لما سيجئ من قوله: " إن الذين فتنوا " الخ وليس جوابا للقسم البتة. والاخدود الشق العظيم في الارض، وأصحاب الاخدود هم الجبابرة الذين خدوا اخدودا وأضرموا فيها النار وأمروا المؤمنين بدخولها فأحرقوهم عن آخرهم نقما منهم لايمانهم فقوله: " قتل " الخ دعاء عليهم والمراد بالقتل اللعن والطرد. وقيل: المراد بأصحاب الاخدود المؤمنون والمؤمنات الذين احرقوا فيه، وقوله: " قتل " إخبار عن قتلهم بالاحراق وليس من الدعاء في شئ. ويضعفه ظهور رجوع الضمائر في قوله: " إذ هم عليها " و " هم على ما يفعلون " و " ما نقموا " إلى أصحاب الاخدود، والمراد بها وخاصة بالثاني والثالث الجبابرة الناقمون دون المؤمنين المعذبين. قوله تعالى: " النار ذات الوقود " بدل من الاخدود، والوقود ما يشعل به النار من حطب وغيره، وفي توصيف النار بذات الوقود إشارة إلى عظمة أمر هذه النار وشدة اشتعالها وأجيجها. قوله تعالى: " إذ هم عليها قعود " أي في حال اولئك الجبابرة قاعدون في أطراف النار المشرفة عليها. قوله تعالى: " وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود " أي حضور ينظرون ويشاهدون إحراقهم واحتراقهم. قوله تعالى: " وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله " النقم بفتحتين الكراهة الشديدة أي ما كرهوا من اولئك المؤمنين إلا إيمانهم بالله فأحرقوهم لاجل إيمانهم. قوله تعالى: " العزيز الحميد الذي له ملك السموات والارض والله على كل شئ شهيد " أوصاف جارية على اسم الجلالة تشير إلى الحجة على أن اولئك المؤمنين كانوا على الحق في ايمانهم مظلومين فيما فعل بهم لا يخفى حالهم على الله وسيجزيهم خير الجزاء، وعلى أن اولئك الجبابرة كانوا على الباطل مجترين على الله ظالمين فيما فعلوا وسيذوقون وبال أمرهم وذلك أنه تعالى هو الله العزيز الحميد أي الغالب غير المغلوب على الاطلاق والجميل في فعله على الاطلاق فله وحده كل الجلال والجمال فمن الواجب أن يخضع له وأن لا يتعرض لجانبه، وإذ كان له ملك السماوات والارض فهو المليك على الاطلاق له الامر وله الحكم فهو رب العالمين فمن الواجب أن يتخذ إلها معبودا ولا يشرك به أحد فالمؤمنون به على الحق والكافرون في ضلال.
________________________________________
[ 252 ]
ثم إن الله - وهو الموجد لكل شئ - على كل شئ شهيد لا يخفى عليه شئ من خلقه ولا عمل من أعمال خلقه ولا يحتجب عنه إحسان محسن ولا إساءة مسئ فسيجزي كلا بما عمل. وبالجملة إذ كان تعالى هو الله المتصف بهذه الصفات الكريمة كان على هؤلاء المؤمنين أن يؤمنوا به ولم يكن لاولئك الجبابرة أن يتعرضوا لحالهم ولا أن يمسوهم بسوء. وقال بعض المفسرين في توجيه إجراء الصفات في الآية: ان القوم أن كانوا مشركين فالذي كانوا ينقمونه من المؤمنين وينكرونه عليهم لم يكن هو الايمان بالله تعالى بل نفي ما سواه من معبوداتهم الباطلة، وإن كانوا معطلة فالمنكر عندهم ليس الا اثبات معبود غير معهود لهم لكن لما كان مآل الامرين انكار المعبود الحق الموصوف بصفات الجلال والاكرام عبر بما عبر باجراء الصفات عليه تعالى. وفيه غفلة عن أن المشركين وهم الوثنية ما كانوا ينسبون إلى الله تعالى الا الصنع والايجاد. وأما الربوبية التي تستتبع التدبير والالوهية التي تستوجب العبادة فكانوا يقصرونها في أربابهم وآلهتهم فيعبدونها دون الله سبحانه، فليس له تعالى عندهم الا أنه رب الارباب واله الآ لهة لا غير. قوله تعالى: " ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق " الفتنة المحنة والتعذيب، والذين فتنوا " الخ " عام يشمل أصحاب الاخدود ومشركي قريش الذين كانوا يفتنون من آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من المؤمنين والمؤمنات بأنواع من العذاب ليرجعوا عن دينهم. قال في المجمع: يسأل فيقال: كيف فصل بين عذاب جهنم وعذاب الحريق وهما واحد ؟ اجيب عن ذلك بأن المراد لهم أنواع العذاب في جهنم سوى الاحراق مثل الزقوم والغسلين والمقامع ولهم مع ذلك الاحراق بالنار انتهى. قوله تعالى: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الانهار ذلك الفوز الكبير " وعد جميل للمؤمنين يطيب به نفوسهم كما أن ما قبله وعيد شديد للكفار الفاتنين المعذبين. قوله تعالى: " إن بطش ربك لشديد " الآية إلى تمام سبع آيات تحقيق وتأكيد لما تقدم من الوعيد والوعد، والبطش - كما ذكره الراغب - تناول الشئ بصولة.
________________________________________
[ 253 ]
وفي إضافة البطش إلى الرب وإضافة الرب إلى الكاف تطييب لنفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتأييد والنصر، وإشارة إلى أن لجبابرة امته نصيبا من الوعيد المتقدم. قوله تعالى: " انه هو يبدئ ويعيد " المقابلة بين المبدئ والمعيد يعطي أن المراد بالابداء البدء، والافتتاح بالشئ، قالوا: ولم يسمع من العرب الابداء لكن القراءة ذلك وفي بعض القراءات الشاذة يبدء بفتح الياء والدال. وعلى أي حال فالآية تعليل لشدة بطشه تعالى وذلك أنه تعالى مبدئ يوجد ما يريده من شئ ايجادا ابتدائيا من غير أن يستمد على ذلك من شئ غير نفسه، وهو تعالى يعيد كل ما كان إلى ما كان وكل حال فاتته إلى ما كانت عليه قبل الفوت فهو تعالى لا يمتنع عليه ما أراد ولا يفوته فائت زائل واذ كان كذلك فهو القادر على أن يحمل على العبد المتعدي حده، من العذاب ما هو فوق حده ووراء طاقته ويحفظه على ما هو عليه ليذوق العذاب قال تعالى: " والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها " فاطر: 36. وهو القادر على أن يعيد ما أفسده العذاب إلى حالته الاولى ليذوق المجرم بذلك العذاب من غير انقطاع قال تعالى: " ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب " النساء: 56. وبهذا البيان يتضح: أولا: أن سياق قوله: " انه هو " الخ يفيد القصر أي ان ابداع الوجود واعادته لله سبحانه وحده إذ الصنع والايجاد ينتهي إليه تعالى وحده. وثانيا: أن حدود الاشياء إليه تعالى ولو شاء أن لا يحد لم يحدأ وبدل حدا من آخر فهو الذي حد العذاب والفتنة في الدنيا بالموت والزوال ولو لم يشأ لم يحد كما في عذاب الاخرة. وثالثا: أن المراد من شدة البطش - وهو الاخذ بعنف - أن لا دافع لاخذه ولا راد لحكمه كيفما حكم الا أن يحول بين حكمه ومتعلقه حكم آخر منه يقيد الاول. قوله تعالى: " وهو الغفور الودود " أي كثير المغفرة والمودة ناظر إلى وعد المؤمنين كما أن قوله: " إن بطش ربك " الخ ناظر إلى وعيد الكافرين. قوله تعالى: " ذو العرش المجيد فعال لما يريد " العرش عرش الملك، وذو العرش كناية عن الملك أي هو ملك له أن يتصرف في مملكته كيفما تصرف ويحكم بما شاء والمجيد
________________________________________
[ 254 ]
صفة من المجد وهو العظمة المعنوية وهي كمال الذات والصفات، وقوله: " فعال لما يريد " أي لا يصرفه عما أراده صارف لا من داخل لضجر وكسل وملل وتغير إرادة وغيرها ولا من خارج لمانع يحول بينه وبين ما أراد. فله تعالى أن يوعد الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات بالنار ويعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالجنة لانه ذو العرش المجيد ولن يخلف وعده لانه فعال لما يريد. قوله تعالى: " هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود " تقرير لما تقدم من شدة بطشه تعالى وكونه ملكا مجيدا فعالا لما يريد، وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطييب لنفسه الشريفة بالاشارة إلى حديثهم، ومعنى الآيتين ظاهر. قوله تعالى: " بل الذين كفروا في تكذيب " لا يبعد أن يستفاد من السياق كون المراد بالذين كفروا هم قوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الآية اضراب عما تقدم من الموعظة والحجة من حيث الاثر، والمعنى لا ينبغي أن يرجى منهم الايمان بهذه الآيات البينات فإن الذين كفروا مصرون على تكذيبهم لا ينتفعون بموعظة أو حجة. ومن هنا ظهر أن المراد بكون الذين كفروا في تكذيب أي بظرفية التكذيب لهم اصرارهم عليه. قوله تعالى: " والله من ورائهم محيط " وراء الشئ الجهات الخارجة منه المحيطة به. إشارة إلى أنهم غير معجزين لله سبحانه فهو محيط بهم قادر عليهم من كل جهه، وفيه أيضا تطييب لنفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وعن بعضهم أن في قوله: " من ورائهم " تلويحا إلى أنهم اتخذوا الله وراءهم ظهريا، وهو مبني على أخذ وراء بمعنى خلف. قوله تعالى: " بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ " إضراب عن اصرارهم على تكذيب القرآن، والمعنى ليس الامر كما يدعون بل القرآن كتاب مقرو عظيم في معناه غزير في معارفه في لوح محفوظ عن الكذب والباطل مصون من مس الشياطين. (بحث روائي) في الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن
________________________________________
[ 255 ]
" السماء ذات البروج " فقال: الكواكب، وسئل عن " الذي جعل في السماء بروجا " فقال: الكواكب. قيل: " فبروج مشيدة " فقال: قصور. وفيه أخرج عبد بن حميد والترمذي وابن أبي الدنيا في الاصول وابن جرير وابن المنذر وابن حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة. الحديث. أقول: وروى مثله بطرق اخرى عن أبي مالك وسعيد بن المسيب وجبير بن مطعم عنه صلى الله عليه وآله وسلم، ولفظ الاخير: الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة. وروى هذا اللفظ عن عبد الرزاق والفاريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن علي بن أبي طالب. وفيه أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن علي قال: اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم النحر. وفي المجمع روى أن رجلا دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا رجل يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: فسألته عن الشاهد والمشهود فقال: نعم الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة، فجزته إلى آخر يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألته عن ذلك فقال: أما الشاهد فيوم الجمعة وأما المشهود فيوم النحر. فجزتهما إلى غلام كأن وجهه الدينار وهو يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود فقال: نعم اما الشاهد فمحمد واما المشهود فيوم القيامة ما سمعت الله سبحانه يقول: " يا ايها النبي إنا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا " وقال: " ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ". فسألت عن الاول فقالوا: ابن عباس، وسألت عن الثاني فقالوا: ابن عمرو، وسألت عن الثالث فقالوا: الحسن بن علي. أقول: والحديث مروي بطرق مختلفة وألفاظ متقاربة وقد تقدم في تفسير الآية أن ما ذكره عليه السلام أظهر بالنظر إلى سياق الآيات، وإن كان لفظ الشاهد والمشهود لا يأبى الانطباق على غيره أيضا بوجه. وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " قتل أصحاب الاخدود " قال: كان سببه أن الذي
________________________________________
[ 256 ]
هيج الحبشة على غزوة اليمن ذو نواس وهو آخر من ملك من حمير تهود واجتمعت معه حمير على اليهودية وسمى نفسه بوسف وأقام على ذلك حينا من الدهر. ثم أخبر أن بنجران بقايا قوم على دين النصرانية وكانوا على دين عيسى وحكم الانجيل، ورأس ذلك الدين عبد الله بن بريامن فحمله أهل دينه على أن يسير إليهم ويحملهم على اليهودية ويدخلهم فيها فسار حتى قدم نجران فجمع من كان بها على دين النصرانية ثم عرض عليهم دين اليهودية والدخول فيها فأبوا عليه فجادلهم وعرض عليهم وحرص الحرص كله فأبوا عليه وامتنعوا من اليهودية والدخول فيها واختاروا القتل. قاتخذ لهم أخدودا وجمع فيه الحطب وأشعل فيه النار فمنهم من أحرق بالنار ومنهم من قتل بالسيف ومثل بهم كل مثلة فبلغ عدد من قتل واحرق بالنار عشرين ألفا وأفلت منهم رجل يدعى دوش ذو ثعلبان على فرس له ركضة، واتبعوه حتى أعجزهم في الرمل، ورجع ذو نواس إلى صنيعه في جنوده فقال الله: " قتل أصحاب الاخدود - إلى قوله العزيز الحميد ". وفي المجمع وروى سعيد بن جبير قال: لما انهزم أهل إسفندهان قال عمر بن الخطاب: ما هم يهود ولانصارى ولا هم كتاب وكانوا مجوسا فقال علي بن أبي طالب: بلى قد كان لهم كتاب رفع. وذلك أن ملكا اهم سكر فوقع على ابنته - أو قال: على اخته - فلما أفاق قال لها: كيف المخرج مما وقعت فيه ؟ قالت: تجمع أهل مملكتك وتخبرهم أنك ترى نكاح البنات وتأمرهم أن يحلوه فجمعهم فأخبرهم فأبوا أن يتابعوه فخد لهم اخدودا في الارض، وأوقد فيه النيران وعرضهم عليها فمن أبى قبول ذلك قذفه في النار، ومن أجاب خلي سبيله. أقول: وروى هذا المعنى في الدر المنثور عن عبد بن حميد عنه عليه السلام. وعن تفسير العياشي بإسناده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: أرسل علي عليه السلام إلى اسقف نجران يسأله عن أصحاب الاخدود فأخبراه بشئ فقال عليه السلام: ليس كما ذكرت ولكن سأخبرك عنهم: إن الله بعث رجلا حبشيا نبيا وهم حبشية فكذبوه فقاتلهم فقتلوا أصحابه فاسروه وأسروا أصحابه ثم بنوا له حيرا ثم ملؤه نارا ثم جمعوا: الناس فقالوا: من كان على ديننا وأمرنا فليعتزل، ومن كان على دين هؤلاء فليرم نفسه في النار فجعل أصحابه يتهافتون في النار فجاءت امرأة معها صبي لها ابن شهر فلما هجمت هابت ورقت على ابنها فنادى الصبي: لا تهابي وارميني ونفسك في النار فإن هذا والله في الله قليل، فرمت بنفسها في
________________________________________
[ 257 ]
النار وصبيها، وكان ممن تكلم في المهد. أقول: وروى هذا المعنى في الدر المنثور عن ابن مردويه عن عبد الله بن نجى عنه عليه السلام، وروى أيضا عن ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن نجي عنه عليه السلام قال: كان نبي أصحاب الاخدود حبشيا. وروى أيضا عن ابن أبي حاتم وابن المنذر من طريق الحسن عنه عليه السلام في قوله تعالى: " أصحاب الاخدود " قال: هم الحبشة. ولا يبعد أن يستفاد أن حديث أصحاب الاخدود وقائع متعددة وقعت بالحبشة واليمن والعجم والاشارة في الآية إلى جميعها وهناك روايات تقص القصة مع السكوت عن محل وقوعها. وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ " قال: اللوح المحفوظ له طرفان طرف على يمين العرش على جبين إسرافيل فإذا تكلم الرب جل ذكره بالوحي ضرب اللوح جبين إسرافيل فنظر في اللوح فيوحي بما في اللوح إلى جبرئيل. وفي الدر المنثور أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله لوحا من درة بيضاء دفتاه من زبرجدة خضراء كتابه من نور يلحظ إليه في كل يوم ثلاث مائة وستين لحظة يحيي ويميت ويخلق ويرزق ويعز ويذل ويفعل ما يشاء. أقول: والروايات في صفة اللوح كثيرة مختلفة وهي على نوع من التمثيل. (سورة الطارق مكية وهي سبع عشرة آية) بسم الله الرحمن الرحيم والسماء والطارق _ 1. وما أدراك ما الطارق _ 2. النجم الثاقب _ 3. إن كل نفس لما عليها حافظ _ 4. فلينظر الانسان مم خلق _ 5. خلق من ماء دافق _ 6. يخرج من بين
________________________________________
[ 258 ]
الصلب والترائب _ 7. إنه على رجعه لقادر _ 8. يوم تبلى السرائر _ 9. فما له من قوة ولا ناصر _ 10. والسماء ذات الرجع _ 11. والارض ذات الصدع _ 12. إنه لقول فصل _ 13. وما هو بالهزل _ 14. إنهم يكيدون كيدا _ 15. وأكيد كيدا _ 16. فمهل الكافرين أمهلهم رويدا _ 17. (بيان) في السورة إنذار بالمعاد وتستدل عليه بإطلاق القدرة وتؤكد القول في ذلك، وفيها إشارة إلى حقيقة اليوم، وتختتم بوعيد الكفار. والسورة ذات سياق مكي. قوله تعالى: " والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب " الطرق في الاصل - على ما قيل - هو الضرب بشدة يسمع له صوت ومنه المطرقة والطريق لان السابلة تطرقها بأقدامها ثم شاع استعماله في سلوك الطريق ثم اختص بالاتيان ليلا لان الآتي بالليل في الغالب يجد الابواب مغلقة فيطرقها ويدقها ثم شاع الطارق في كل ما يظهر ليلا، والمراد بالطارق في الآية النجم الذي يطلع بالليل. والثقب في الاصل بمعنى الخرق ثم صار بمعنى النير المضئ لانه يثقب الظلام بنوره ويأتي بمعنى العلو والارتفاع ومنه ثقب الطائر أي ارتفع وعلا كأنه يثقب الجو بطيرانه. فقوله: " والسماء والطارق " إقسام بالسماء وبالنجم الطالع ليلا، وقوله: " وما أدراك ما الطارق " تفخيم لشأن المقسم به وهو الطارق، وقوله: " النجم الثاقب " بيان للطارق والجملة في معنى جواب استفهام مقدر كأنه لما قيل: وما أدراك ما الطارق ؟ سئل فقيل: فما هو الطارق ؟ فاجيب، وقيل: النجم الثاقب. قوله تعالى: " إن كل نفس لما عليها حافظ " جواب للقسم ولما بمعنى إلا والمعنى ما من نفس إلا عليها حافظ، والمراد من قيام الحافظ على حفظها كتابة أعمالها الحسنة والسيئة
________________________________________
[ 259 ]
على ما صدرت منها ليحاسب عليها يوم القيامة ويجزى بها فالحافظ هو الملك والمحفوظ العمل كما قال تعالى: " وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون " الانفطار: 12 ولا يبعد أن يكون المراد من حفظ النفس حفظ ذاتها وأعمالها، والمراد بالحافظ جنسه فتفيد أن النفوس محفوظة لا تبطل بالموت ولا تفسد حتى إذا أحيا الله الابدان أرجع النفوس إليها فكان الانسان هو الانسان الدنيوي بعينه وشخصه ثم يجزيه بما يقتضيه أعماله المحفوظة عليه من خير أو شر. ويؤيد ذلك كثير من الآيات الدالة على حفظ الاشياء كقوله تعالى: " قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم " الم السجدة: 11، وقوله: " الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت " الزمر: 42. ولا ينافي هذا الوجه ظاهر آية الانفطار السابقة من أن حفظ الملائكة هو الكتابة فإن حفظ نفس الانسان أيضا من الكتابة على ما يستفاد من قوله: " إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون " الجاثية: 29 وقد تقدمت الاشارة إليه. ويندفع بهذا الوجه الاعتراض على ما استدل به على المعاد من اطلاق القدرة كما سيجئ، ومحصله أن اطلاق القدرة انما ينفع فيما كان ممكنا لكن إعادة الانسان بعينه محال فإن الانسان المخلوق ثانيا مثل الانسان الدنيوي المخلوق أولا لا شخصه الذي خلق أولا ومثل الشئ غير الشئ لا عينه. وجه الاندفاع أن شخصية الشخص من الانسان بنفسه لا ببدنه والنفس محفوظة فإذا خلق البدن وتعلقت به النفس كان هو الانسان الدنيوي بشخصه وإن كان البدن بالقياس إلى البدن مع الغض عن النفس، مثلا لا عينا. قوله تعالى: " فلينظر الانسان مم خلق " أي ما هو مبدء خلقه ؟ وما هو الذي صيره الله إنسانا ؟ والجملة متفرعة على الآية السابقة وما تدل عليه بفحواها بحسب السياق ومحصل المعنى وإذ كانت كل نفس محفوظة بذاتها وعملها من غير أن تفنى أو ينسى عملها فليذعن الانسان أن سيرجع إلى ربه ويجزي بما عمل ولا يستبعد ذلك ولينظر لتحصيل هذا الاذعان إلى مبدء خلقه ويتذكر أنه خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب. فالذي بدء خلقه من ماء هذه صفته يقدر على رجعه وإحيائه بعد الموت.
________________________________________
[ 260 ]
وفي الاتيان بقوله: " خلق " مبنيا للمفعول وترك ذكر الفاعل وهو الله سبحانه إيماء إلى ظهور أمره، ونظيره قوله: " خلق من ماء " الخ. قوله تعالى: " خلق من ماء دافق " الدفق تصبب الماء وسيلانه بدفع وسرعة والماء الدافق هو المني والجملة جواب عن استفهام مقدر يهدي إليه قوله: " مم خلق ". قوله تعالى: " يخرج من بين الصلب والترائب " الصلب الظهر، والترائب جمع تريبة وهي عظم الصدر. وقد اختلفت كلماتهم في الآية وما قبلها اختلافا عجيبا، والظاهر أن المراد بقوله: " بين الصلب والترائب " البعض المحصور من البدن بين جداري عظام الظهر وعظام الصدر (1). قوله تعالى: " إنه على رجعه لقادر " الرجع الاعادة، وضمير " إنه " له تعالى واكتفى بالاضمار مع أن المقام مقام الاظهار لظهوره نظير قوله: " خلق " مبنيا للمفعول. والمعنى أن الذي خلق الانسان من ماء صفته تلك الصفة، على إعادته واحيائه بعد الموت - واعادته مثل بدئه - لقادر لان القدرة على الشئ قدرة على مثله إذ حكم الامثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد. قوله تعالى: " يوم تبلى السرائر " ظرف للرجع، والسريرة ما أسره الانسان وأخفاه في نفسه، والبلاء الاختبار والتعرف والتصفح. فالمعنى يوم يختبر ما أخفاه الانسان وأسره من العقائد وآثار الاعمال خيرها وشرها فيميز خيرها من شرها ويجزى الانسان به فالآية في معنى قوله تعالى: " إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " البقرة: 284. قوله تعالى: " فما له من قوة ولا ناصر " أي لا قدرة له في نفسه يمتنع بها من عذاب الله ولا ناصر له يدفع عنه ذلك أي لا قدرة هناك يدفع عنه الشر لا من نفسه ولا من غيره. قوله تعالى: " والسماء ذات الرجع والارض ذات الصدع " إقسام بعد إقسام لتأكيد أمر القيامة والرجوع إلى الله. والمراد بكون السماء ذات رجع ما يظهر للحس من سيرها بطلوع الكواكب بعد
________________________________________
(1) وقد أورد المراغي في تفسيره في ذيل الآية عن بعض الاطباء توجيها دقيقا علميا لهذه الآية من اراده فليراجعه.
________________________________________
[ 261 ]
غروبها وغروبها بعد طلوعها، وقيل: رجعها إمطارها، والمراد بكون الارض ذات صدع تصدعها وانشقاقها بالنبات، ومناسبة القسمين لما أقسم عليه من الرجوع بعد الموت والخروج من القبور ظاهرة. قوله تعالى: " إنه لقول فصل وما هو بالهزل " الفصل إبانة أحد الشيئين من الآخر حتى يكون بينهما فرجة، والتعبير بالفصل - والمراد الفاصل - للمبالغة كزيد عدل والهزل خلاف الجد. والآيتان جواب القسم، وضمير " إنه " للقرآن والمعنى أقسم بكذا وكذا إن القرآن لقول فاصل بين الحق والباطل وليس هو كلاما لا جد فيه فما يحقه حق لا ريب فيه وما يبطله باطل لا ريب فيه فما اخبركم به من البعث والرجوع حق لا ريب فيه. وقيل: الضمير لما تقدم من خبر الرجوع والمعاد، والوجه السابق أوجه. قوله تعالى: " إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا " أي الكفار يحتالون بكفرهم وإنكارهم المعاد احتيالا يريدون به إطفاء نور الله وإبطال دعوتك، وأحتال عليهم بعين أعمالهم بالاستدراج والاملاء والاضلال بالطبع على قلوبهم وجعل الغشاوة على سمعهم وأبصارهم احتيالا أسوقهم به إلى عذاب يوم القيامة. قوله تعالى: " فمهل الكافرين امهلهم رويدا " التمهيل والامهال بمعنى واحد غير ان باب التفعيل يفيد التدريج والافعال يفيد الدفعة، والرويد القليل. والمعنى: إذا كان منهم كيد ومني كيد عليهم بعين ما يكيدون به والله غالب على أمره، فانتظر بهم ولا تعاجلهم انتظر بهم قليلا فسيأتيهم ما اوعدهم به فكل ما هو آت قريب. وفي التعبير أولا بمهل الظاهر في التدريج وثانيا مع التقييد برويدا بأمهل الظاهر في الدفعة لطف ظاهر. (بحث روائي) في تفسير القمي في قوله تعالى: " إن كل نفس لما عليها حافظ " قال: الملائكة. وفيه في قوله تعالى: " خلق من ماء دافق " قال: النطفة التي تخرج بقوة. وفيه في قوله تعالى: " يخرج من بين الصلب والترائب " قال: الصلب الرجل والترائب المرأة، وهو صدرها.
________________________________________
[ 262 ]
أقول: الرواية على إضمارها وإرسالها لا تخلو من شئ. وفيه في قوله تعالى: " يوم تبلى السرائر " قال: يكشف عنها. وفي المجمع روي مرفوعا عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ضمن الله خلقه أربع خصال: الصلاة، والزكاة، وصوم شهر رمضان، والغسل من الجنابة، وهي السرائر التي قال الله تعالى: يوم تبلى السرائر. أقول: ولعله من قبيل ذكر بعض المصاديق كما تؤيده الرواية التالية. وفيه عن معاذ بن جبل قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما هذه السرائر التي ابتلى الله بها العباد في الآخرة ؟ فقال: سرائركم هي أعمالكم من الصلاة والصيام والزكاة والوضوء والغسل من الجنابة وكل مفروض لان الاعمال كلها سرائر خفية فإن شاء الرجل قال: صليت ولم يصل وإن شاء قال: توضيت ولم يتوض فذلك قوله: " يوم تبلى السرائر ". وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " فما له من قوة ولا ناصر " قال: ماله من قوة يهوي بها على خالقه، ولا ناصر من الله ينصره إن أراد به سوء. وفيه في قوله تعالى " والسماء ذات الرجع " قال: ذات المطر " والارض ذات الصدع " أي ذات النبات. وفي المجمع " إنه لقول فصل " يعني أن القرآن يفصل بين الحق والباطل بالبيان عن كل واحد منهما، وروي ذلك عن الصادق عليه السلام. وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي شيبة والدارمي والترمذي ومحمد بن نصر وابن الانباري في المصاحف عن الحارث الاعور قال: دخلت المسجد فإذا الناس قد وقعوا في الاحاديث فأتيت عليا فأخبرته فقال: أوقد فعلوها ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنها ستكون فتنة. قلت: فما المخرج منها يا رسول الله قال: كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، من ابتغى الهوى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الاهواء، ولا يشبع منه العلماء، ولا تلتبس منه الالسن، ولا يخلق من الرد، ولا تنقضي عجائبه هو الذي لم ينته الجن إذ سمعته حتى قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد. من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعي إليه هدي إلى صراط مستقيم.
________________________________________
[ 263 ]
أقول: وروي ما يقرب منه عن معاذ بن جبل عنه صلى الله عليه وآله وسلم، ورواه مختصرا عن ابن مردويه عن علي عليه السلام. (سورة الاعلى مكية وهي تسع عشرة آية) بسم الله الرحمن الرحيم سبح اسم ربك الاعلى _ 1. الذي خلق فسوى _ 2. والذي قدر فهدى _ 3. والذي أخرج المرعى _ 4. فجعله غثاء أحوى _ 5. سنقرئك فلا تنسى _ 6. إلا ما شآء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى _ 7. ونيسرك لليسرى _ 8. فذكر إن نفعت الذكرى _ 9. سيذكر من يخشى _ 10. ويتجنبها الاشقى _ 11. الذي يصلى النار الكبرى _ 12. ثم لا يموت فيها ولا يحيى _ 13. قد أفلح من تزكى _ 14. وذكر اسم ربه فصلى _ 15. بل تؤثرون الحيوة الدنيا _ 16. والآخرة خير وأبقى _ 17. إن هذا لفي الصحف الاولى _ 18. صحف إبراهيم وموسى _ 19. (بيان) أمر بتوحيده تعالى على ما يليق بساحته المقدسة وتنزيه ذاته المتعالية من أن يذكر مع اسمه اسم غيره أو يسند إلى غيره ما يجب أن يسند إليه كالخلق والتدبير والرزق ووعد له صلى الله عليه وآله وسلم بتأييده بالعلم والحفظ وتمكينه من الطريقة التي هي أسهل وأيسر للتبليغ وأنسب للدعوة.
________________________________________
[ 264 ]
وسياق الآيات في صدر السورة سياق مكي وأما ذيلها أعنى قوله: " قد أفلح من تزكى " الخ فقد ورد من طرق أئمة أهل البيت عليهم السلام وكذا من طريق أهل السنة أن المراد به زكاة الفطرة وصلاة العيد ومن المعلوم أن الصوم وما يتبعه من زكاة الفطرة وصلاة العيد إنما شرعت بالمدينة بعد الهجرة فتكون آيات الذيل نازلة بالمدينة. فالسورة صدرها مكي وذيلها مدني، ولا ينافي ذلك ما جاء في الآثار أن السورة مكية فإنه لا يأبى الحمل على صدر السورة. قوله تعالى: " سبح اسم ربك الاعلى " أمر بتنزيه اسمه تعالى وتقديسه، وإذ علق التنزيه على الاسم - وظاهر اللفظ الدال على المسمى - والاسم إنما يقع في القول فتنزيهه أن لا يذكر معه ما هو تعالى منزه عنه كذكر الآلهة والشركاء والشفعاء ونسبة الربوبية إليهم وكذكر بعض ما يختص به تعالى كالخلق والايجاد والرزق والاحياء والاماتة ونحوها ونسبته إلى غيره تعالى أو كذكر بعض ما لا يليق بساحة قدسه تعالى من الافعال كالعجز والجهل والظلم والغفلة وما يشبهها من صفات النقص والشين ونسبته إليه تعالى. وبالجملة تنزيه اسمه تعالى أن يجرد القول عن ذكر ما لا يناسب ذكره ذكر اسمه تعالى وهو تنزيهه تعالى في مرحلة القول الموافق لتنزيهه في مرحلة الفعل. وهو يلازم التوحيد الكامل بنفي الشرك الجلي كما في قوله: " وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون " الزمر 45 " وقوله: " وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا " أسرى: 46. وفي إضافة الاسم إلى الرب والرب إلى ضمير الخطاب تأييد لما قدمناه فإن المعنى سبح اسم ربك الذي اتخذته ربا وأنت تدعو إلى أنه الرب الاله فلا يقعن في كلامك مع ذكر اسمه بالربوبية ذكر من غيره بحيث ينافي تسميه بالربوبية على ما عرف نفسه لك. وقوله: " الاعلى " وهو الذي يعلو كل عال ويقهر كل شئ صفة " ربك " دون الاسم ويعلل بمعناه الحكم أي سبح اسمه لانه أعلى. وقيل: معنى " سبح اسم ربك الاعلى " قل: سبحان ربي الاعلى كما عن ابن عباس ونسب إليه أيضا أن المعنى صل. وقيل: المراد بالاسم المسمى والمعنى نزهه تعالى عن كل ما لا يليق بساحة قدسه من الصفات والافعال.
________________________________________
[ 265 ]
وقيل: إنه ذكر الاسم والمراد به تعظيم المسمى واستشهد عليه بقول لبيد، " إلى الحول ثم اسم السلام عليكما " فالمعنى سبح ربك الاعلى. وقيل: المراد تنزيه أسمائه تعالى عما لا يليق بأن لا يؤول مما ورد منها اسم من غير مقتض، ولا يبقى على ظاهره إذا كان ما وضع له لا يصح له تعالى، ولا يطلقه على غيره تعالى إذا كان مختصا كاسم الجلالة ولا يتلفظ به في محل لا يناسبه كبيت الخلاء، وعلى هذا القياس وما قدمناه من المعنى أوسع وأشمل وأنسب لسياق قوله الآتي " سنقرئك فلا تنسى " " ونيسرك لليسرى فذكر " فإن السياق سياق البعث إلى التذكرة والتبليغ فبدئ أولا بإصلاح كلامه صلى الله عليه وآله وسلم وتجريده عن كل ما يشعر بجلي الشرك وخفية بأمره بتنزيه اسم ربه، ووعد ثانيا بإقرائه بحيث لا ينسى شيئا مما اوحي إليه وتسهيل طريقة التبليغ عليه ثم امر بالتذكير والتبليغ فافهم. قوله تعالى: " الذي خلق فسوى " خلق الشئ جمع أجزائه، وتسويته جعلها متساوية بحيث يوضع كل في موضعه الذي يليق به ويعطى حقه كوضع كل عضو من أعضاء الانسان فيما يناسبه من الموضع. والخلق والتسوية وإن كانا مطلقين لكنهما إنما يشملان ما فيه تركيب أو شائبة تركيب من المخلوقات. والآية إلى تمام أربع آيات تصف التدبير الالهي وهي برهان على ربوبيته تعالى المطلقة. قوله تعالى: " والذي قدر فهدى " أي جعل الاشياء التي خلقها على مقادير مخصوصة وحدود معينة في ذواتها وصفاتها وأفعالها لا تتعداها وجهزها بما يناسب ما قدر لها فهداها إلى ما قدر فكل يسلك نحو ما قدر له بهداية ربانية تكوينية كالطفل يهتدي إلى ثدي امه والفرخ إلى زق امه وأبيه، والذكر إلى الانثى وذي النفع إلى نفعه وعلى هذا القياس. قال تعالى: " وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم " الحجر: 21، وقال: " ثم السبيل يسره " عبس: 20، وقال: " لكل وجهة هو موليها " البقرة: 148. قوله تعالى: " والذي أخرج المرعى " المرعى ما ترعاه الدواب فالله تعالى هو الذي أخرجها أي أنبتها.
________________________________________
[ 266 ]
قوله تعالى: " فجعله غثاء أحوى " الغثاء ما يقذفه السيل على جانب الوادي من الحشيش والنبات، والمراد هنا - كما قيل - اليابس من النبات، والاحوى الاسود. وإخراج المرعى لتغذي الحيوان ثم جعله غثاء أحوى من مصاديق التدبير الربوبي ودلائله كما أن الخلق والتسوية والتقدير والهداية كذلك. قوله تعالى: " سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى " قال في المفردات: والقراءة ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، وليس يقال ذلك لكل جمع لا يقال: قرأت القوم إذا جمعتهم، ويدل على ذلك أنه لا يقال للحرف الواحد إذا تفوه به قراءة، انتهى، وقال في المجمع: والاقراء أخذ القراءة على القارئ بالاستماع لتقويم الزلل، والقاري التالي. انتهى. وليس إقراؤه تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم القرآن مثل إقراء بعضنا بعضا باستماع المقري لما يقرؤه القاري واصلاح ما لا يحسنه أو يغلط فيه فلم يعهد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقرء شيئا من القرآن فلا يحسنه أو يغلط فيه عن نسيان للوحي ثم يقرء فيصلح بل المراد تمكينه من قراءة القرآن كما أنزل من غير أن يغيره بزيادة أو نقص أو تحريف بسبب النسيان. فقوله: " سنقرئك فلا تنسى " وعد منه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يمكنه من العلم بالقرآن وحفظه على ما أنزل بحيث يرتفع عنه النسيان فيقرؤه كما أنزل وهو الملاك في تبليغ الوحي كما اوحي إليه. وقوله: " إلا ما شاء الله " استثناء مفيد لبقاء القدرة الالهية على اطلاقها وأن هذه العطية وهي الاقراء بحيث لا تنسى لا ينقطع عنه سبحانه بالاعطاء بحيث لا يقدر بعد على انسائك بل هو باق على اطلاق قدرته له أن يشاء انساءك متى شاء وان كان لا يشاء ذلك فهو نظير الاستثناء الذي في قوله: " واما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والارض الا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ " هود: 108 وقد تقدم توضيحه. وليس المراد بالاستثناء اخراج بعض افراد النسيان من عموم النفي والمعنى سنقرئك فلا تنسى شيئا الا ما شاء الله أن تنساه وذلك ان كل انسان على هذه الحال يحفظ اشياء وينسى اشياء فلا معنى لاختصاصه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بلحن الامتنان مع كونه مشتركا بينه وبين غيره فالوجه ما قدمناه. والآية بسياقها لا تخلو من تأييد لما قيل: انه كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا نزل عليه جبريل
________________________________________
[ 267 ]
بالوحي يقرؤه مخافة ان ينساه فكان لا يفرغ جبريل من آخر الوحي حتى يتكلم هو بأوله فلما نزلت هذه الآية لم ينس بعده شيئا. ويقرب من الاعتبار أن تكون هذه الآية اعني قوله: " سنقرئك فلا تنسى " نازلة اولا ثم قوله: " لا تحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه " القيامة: 19 ثم قوله: " ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي اليك وحيه وقل رب زدني علما " طه: 114. وقوله: " انه يعلم الجهر وما يخفى " الجهر كمال ظهور الشئ لحاسة البصر كقوله. " فقالوا أرنا الله جهرة " النساء: 153، أو لحاسة السمع كقوله: " انه يعلم الجهر من القول " الانبياء: 110، والمراد بالجهر الظاهر للادراك بقرينة مقابلته لقوله: " وما يخفى " من غير تقييده بسمع أوبصر. والجملة في مقام التعليل لقوله. " سنقرئك فلا تنسى " والمعنى سنصلح لك بالك في تلقي الوحي وحفظه لانا نعلم ظاهر الاشياء وباطنها فنعلم ظاهر حالك وباطنها وما أنت عليه من الاهتمام بأمر الوحي والحرص على طاعته فيما أمر به. وفي قوله: " إلا ما شاء الله إنه يعلم " الخ التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة والنكتة فيه الاشارة إلى حجة الاستثناء فإفاضة العلم والحفظ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما لا يسلب القدرة على خلافه ولا يحدها منه تعالى لانه الله المستجمع لجميع صفات الكمال ومنها القدرة المطلقة ثم جرى الالتفات في قوله: " إنه يعلم " الخ لمثل النكتة. قوله تعالى: " ونيسرك لليسرى " اليسرى - مؤنث أيسر - وهو وصف قائم مقام موصوفه المحذوف أي الطريقة اليسرى والتيسير التسهيل أي ونجعلك بحيث تتخذ دائما أسهل الطرق للدعوة والتبليغ قولا وفعلا فتهدي قوما وتتم الحجة على آخرين وتصبر على أذاهم. وكان مقتضى الظاهر أن يقال: ونيسر لك اليسرى كما قال: " ويسر لي أمري " طه: 26 وانما عدل عن ذلك إلى قوله: " ونيسرك لليسرى " لان الكلام في تجهيزه تعالى نفس النبي الشريفة وجعله إياها صالحة لتأدية الرسالة ونشر الدعوة. على ما في نيسر اليسرى من إيهام تحصيل الحاصل. فالمراد جعله صلى الله عليه وآله وسلم صافي الفطرة حقيقا على اختيار الطريقة اليسرى التي هي طريقة
________________________________________
[ 268 ]
الفطرة فالآية في معنى قوله حكاية عن موسى: " حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق " الاعراف: 105. قوله تعالى: " فذكر إن نفعت الذكرى " تفريع على ما تقدم من أمره صلى الله عليه وآله وسلم بتنزيه اسم ربه ووعده إقراء الوحي بحيث لا ينسى وتيسيره لليسرى وهي الشرائط الضرورية التي يتوقف عليها نجاح الدعوة الدينية. والمعنى إذ تم لك الامر بامتثال ما أمرناك به وإقرائك فلا تنسى وتيسيرك لليسرى فذكر إن نفعت الذكرى. وقد اشترط في الامر بالتذكرة أن تكون نافعة وهو شرط على حقيقته فإنها إذا لم تنفع كانت لغوا وهو تعالى يجل عن أن يأمر باللغو فالتذكرة لمن يخشى لاول مرة تفيد ميلا من نفسه إلى الحق وهو نفعها وكذا التذكرة بعد التذكرة كما قال: " سيذكر من يخشى " والتذكرة للاشقى الذي لا خشية في قلبه لاول مرة تفيد تمام الحجة عليه وهو نفعها ويلازمها تجنبه وتوليه عن الحق كما قال: " ويتجنبها الاشقى " والتذكرة بعد التذكرة له لا تنفع شيئا ولذا امر بالاعراض عن ذلك قال تعالى: " فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا " النجم: 29. وقيل: الشرط شرط صوري غير حقيقي وانما هو اخبار عن أن الذكرى نافعة لا محالة في زيادة الطاعة والانتهاء عن المعصية كما يقال: سله إن نفع السؤال ولذا قال بعضهم " إن " " إن " في الآية بمعنى قد " وقال آخرون: إنها بمعنى إذ. وفيه أن كون الذكرى نافعة مفيدة دائما حتى فيمن يعاند الحق - وقد تمت عليه الحجة ممنوع كيف ؟ وقد قيل فيهم: " سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة " البقرة: 7. وقيل: إن في الكلام إيجازا بالحذف، والتقدير فذكر إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع وذلك لانه صلى الله عليه وآله وسلم بعث للتذكرة والاعذار فعليه أن يذكر نفع أو لم ينفع فالآية من قبيل قوله: " وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر " النحل: 81 أي والبرد. وفيه أن وجوب التذكرة عليه صلى الله عليه وآله وسلم حتى فيما لا يترتب عليها أثرا أصلا ممنوع. وقيل: إن الشرط مسوق للاشارة إلى استبعاد النفع في تذكرة هؤلاء المذكورين
________________________________________
[ 269 ]
نعيا عليهم كأنه قيل: افعل ما أمرت به لتوجر وإن لم ينتفعوا به. وفيه أنه يرده قوله تعالى بعده بلا فصل: " سيذكر من يخشى ". قوله تعالى: " سيذكر من يخشى " أي سيتذكر ويتعظ بالقرآن من في قلبه شئ من خشية الله وخوف عقابه. قوله تعالى: " ويتجنبها الاشقى " الضمير للذكرى والمراد بالاشقى بقرينة المقابلة من ليس في قلبه شئ من خشية الله تعالى، وتجنب الشئ التباعد عنه، والمعنى وسيتباعد عن الذكرى من لا يخشى الله. قوله تعالى: " الذي يصلى النار الكبرى " الظاهر أن المراد بالنار الكبرى نار جهنم وهي نار كبرى بالقياس إلى نار الدنيا، وقيل: المراد بها أسفل دركات جهنم وهي أشدها عذابا. قوله تعالى: " ثم لا يموت فيها ولا يحيى " ثم للتراخي بحسب رتبة الكلام، والمراد من نفي الموت والحياة عنه معا نفي النجاة نفيا مؤبدا فإن النجاة بمعنى انقطاع العذاب بأحد أمرين إما بالموت حتى ينقطع عنه العذاب بانقطاع وجوده واما يتبدل صفة الحياة من الشقاء إلى السعادة ومن العذاب إلى الراحة فالمراد بالحياة في الآية الحياة الطيبة على حد قولهم في الحرض: لا حي فيرجى ولا ميت فينسى. قوله تعالى: " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى " التزكي هو التطهر والمراد به التطهر من ألواث التعلقات الدنيوية الصارفة عن الآخرة بدليل قوله بعد " بل تؤثرون الحياة الدنيا " الخ، والرجوع إلى الله بالتوجه إليه تطهر من الاخلاد إلى الارض، والانفاق في سبيل الله تطهر من لوث التعلق المالي حتى أن وضوء الصلاة تمثيل للتطهر عما كسبته الوجوه والايدي والاقدام. وقوله: " وذكر اسم ربه فصلى " الظاهر أن المراد بالذكر الذكر اللفظي، وبالصلاة التوجه الخاص المشروع في الاسلام. والآيتان بحسب ظاهر مدلولهما على العموم لكن ورد في المأثور عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أنهما نزلتا في زكاة الفطر وصلاة العيد وكذا من طرق أهل السنة. قوله تعالى: " بل تؤثرون الحياة الدنيا " اضراب بالخطاب لعامة الناس على ما يدعو إليه طبعهم البشري من التعلق التام بالدنيا والاشتغال بتعميرها، والايثار
________________________________________
[ 270 ]
الاختيار، وقيل: الخطاب للكفار، والكلام على أي حال مسوق للعتاب والالتفات لتأكيده. قوله تعالى: " والآخرة خير وأبقى " عد الآخرة أبقى بالنسبة إلى الدنيا مع أنها باقية أبدية في نفسها لان المقام مقام الترجيح بين الدنيا والآخرة ويكفي في الترجيح مجرد كون الآخرة خيرا وأبقى بالنسبة إلى الدنيا وان قطع النظر عن كونها باقية أبدية. قوله تعالى: " ان هذا لفي الصحف الاولى صحف ابراهيم وموسى " الاشارة بهذا إلى ما بين في قوله: " قد أفلح من تزكى " إلى تمام أربع آيات، وقيل: هذا اشارة إلى مضمون قوله: " والآخرة خير وأبقى ". قيل: وفي ابهام الصحف ووصفها بالتقدم أولا ثم بيانها وتفسيرها بصحف ابراهيم وموسى ثانيا ما لا يخفى من تفخيم شأنها وتعظيم أمرها. (بحث روائي) في تفسير العياشي عن عقبة بن عامر الجهني قال: لما نزلت: " فسبح باسم ربك العظيم " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اجعلوها في ركوعكم، ولما نزل " سبح اسم ربك الاعلى " قال: اجعلوها في سجودكم. أقول: ورواه أيضا في الدر المنثور عن احمد وأبي داود وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه عن عقبة عنه صلى الله عليه وآله وسلم. وفي تفسير القمى " سبح اسم ربك الاعلى " قال: قل: سبحان ربي الاعلى " الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى " قال: قدر الاشياء بالتقدير الاول ثم هدى إليها من يشاء. وفيه في قوله تعالى: " والذي أخرج المرعى " قال: أي النبات. وفي قوله: " غثاء أحوى " قال: يصير هشيما بعد بلوغه ويسود. وفي الدر المنثور اخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستذكر القرآن مخافة ان ينساه فقيل له: كفيناك ذلك ونزلت: " سنقرئك فلا تنسى ". وفي الفقيه وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وحل: " قد أفلح من تزكى " قال قال: من أخرج الفطرة قيل له: و " ذكر اسم ربه فصلى " قال: خرج إلى الجبانة (1) فصلى.
________________________________________
(1) الجبانة: الصحراء.
________________________________________
[ 271 ]
أقول: وروى هذا المعنى أيضا عن حماد عن جرير عن أبي بصير وزرارة عنه عليه السلام ورواه القمي في تفسيره مرسلا مضمرا. وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى " ثم يقسم الفطرة قبل أن يغدو إلى المصلى يوم الفطر. أقول: وروى أيضا نزول الآيتين في زكاة الفطرة وصلاة العيد بطريقين عن أبى سعيد موقوفا، وكذا بطريقين عن ابن عمر وبطريق عن نائلة بن الاصقع وبطريقين عن أبي العالية وبطريق عن عطاء وبطريق عن محمد بن سيرين وبطريق عن إبراهيم النخعي وكذا عن عمرو بن عوف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الخصال عن عتبة بن عمرو الليثي عن أبي ذر في حديث قلت: يا رسول الله فما في الدنيا مما أنزل الله عليك شئ مما كان في صحف إبراهيم وموسى ؟ قال: يا ابا ذر اقرء " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الاولى صحف إبراهيم وموسى ". اقول: يؤيد الحديث كون الاشارة بهذا إلى مجموع الآيات الاربع كما تقدم. وفي البصائر بإسناده عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: عندنا الصحف التي قال الله: " صحف إبراهيم وموسى " قلت: الصحف هي الالواح ؟ قال: نعم. اقول: ورواه أيضا بطريق آخر عن أبي بصير عنه عليه السلام والظاهر أن المراد بكون الصحف هي الالواح كونها هي التوراة المعبر عنها في مواضع من القرآن بالالواح كقوله تعالى: " وكتبنا له في الالواح من كل شئ " الاعراف: 145 وقوله: " وألقى الالواح " الاعراف: 150 وقوله: " أخذ الالواح " الاعراف: 154. وفي المجمع روي عن أبي ذر أنه قال: قلت: يا رسول الله كم الانبياء ؟ قال: مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألفا قلت: يا رسول الله كم المرسلون منهم ؟ قال: ثلاث مائة وثلاثة عشر وبقيتهم أنبياء. قلت: كان آدم نبيا ؟ قال: نعم كلمه الله وخلقه بيده. يا ابا ذر أربعة من الانبياء عرب: هود وصالح وشعيب ونبيك. قلت: يا رسول الله كم أنزل الله من كتاب ؟ قال: مائة وأربعة كتب انزل منها على آدم عشرة صحف، وعلى شيث خمسين صحيفة، وعلى اخنوخ وهو إدريس ثلاثين صحيفة وهو
________________________________________
[ 272 ]
أول من خط بالقلم وعلى إبراهيم عشر صحائف والتوراة والانجيل والزبور والفرقان. اقول: وروى ذلك في الدر المنثور عن عبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر عن أبي ذر غير أنه لم يذكر صحف آدم وذكر لموسى عشر صحف قبل التوراة. (سورة الغاشية مكية وهي ست وعشرون آية) بسم الله الرحمن الرحيم هل أتاك حديث الغاشية - 1. وجوه يومئذ خاشعة - 2. عاملة ناصبة - 3. تصلى نارا حامية - 4. تسقى من عين آنية - 5. ليس لهم طعام إلا من ضريع - 6. لا يسمن ولا يغني من جوع - 7. وجوه يومئذ ناعمة - 8. لسعيها راضية - 9. في جنة عالية - 10. لا تسمع فيها لاغية - 11. فيها عين جارية - 12. فيها سرر مرفوعة - 13. وأكواب موضوعة - 14. ونمارق مصفوفة - 15. وزرابي مبثوثة - 16. أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت - 17. وإلى السماء كيف رفعت - 18. وإلى الجبال كيف نصبت - 19. وإلى الارض كيف سطحت - 20. فذكر إنما أنت مذكر - 21. لست عليهم بمصيطر - 22. إلا من تولى وكفر - 23. فيعذبه الله العذاب الاكبر - 24. إن الينا إيابهم - 25. ثم إن علينا حسابهم - 26. (بيان) سورة انذار وتبشير تصف الغاشية وهي يوم القيامة الذي يحيط بالناس تصفه بحال
________________________________________
[ 273 ]
الناس فيه من حيث انقسامهم فريقين: السعداء والاشقياء واستقرارهم فيما اعد لهم من الجنة والنار وتنتهي إلى امره صلى الله عليه وآله وسلم ان يذكر الناس بفنون من التدبير الربوبي في العالم الدالة على ربوبيته تعالى لهم ورجوعهم إليه لحساب اعمالهم. والسورة مكية بشهادة سياق آياتها. قوله تعالى: " هل أتاك حديث الغاشية استفهام بداعي التفخيم والاعظام، والمراد بالغاشية يوم القيامة سميت بذلك لانها تغشى الناس وتحيط بهم كما قال: " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " الكهف: 47، أو لانها تغشى الناس بأهوالها بغتة كما قيل، أو لانها تغشى وجوه الكفار بالعذاب. قوله تعالى: " وجوه يومئذ خاشعة " أي مذللة بالغم والعذاب يغشاها، والخشوع إنما هو لارباب الوجوه وإنما نسب إلى الوجوه لان الخشوع والمذلة يظهر فيها. قوله تعالى: " عاملة ناصبة " النصب التعب و " عاملة " خبر بعد خبر لوجوه، وكذا قوله: " ناصبة " و " تصلى " و " تسقى " و " ليس لهم "، والمراد من عملها ونصبها بقرينة مقابلتهما في صفة أهل الجنة الآتية بقوله: " لسعيها راضية " عملها في الدنيا ونصبها في الآخرة فإن الانسان إنما يعمل ما يعمل في الدنيا ليسعد به ويظفر بالمطلوب لكن عملهم خبط باطل لا ينفعهم شيئا كما قال تعالى: " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلنا هباء منثورا " الفرقان: 23 فلا يعود إليهم من عملهم إلا النصب والتعب بخلاف أهل الجنة فإنهم لسعيهم الذي سعوه في الدنيا راضون لما ساقهم إلى الجنة والراحة. وقيل: المراد أنها عاملة في النار ناصبة فيها فهي تعالج أنواع العذاب الذي تعذب به وتتعب لذلك. وقيل: المراد أنها عاملة في الدنيا بالمعاصي ناصبة في النار يوم القيامة. قوله تعالى: " تصلى نارا حامية " أي تلزم نارا في نهاية الحرارة. قوله تعالى: " تسقى من عين آنية أي حارة بالغة في حرارتها. قوله تعالى: " ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع " قيل: الضريع نوع من الشوك يقال له: الشبرق وأهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس وهو أخبث طعام وأبشعه لا ترعاه دابة، ولعل تسمية ما في النار به لمجرد المشابهة شكلا وخاصة.
________________________________________
[ 274 ]
قوله تعالى: " وجوه يومئذ ناعمة " من النعومة فيكون كناية عن البهجة والسرور الظاهر على البشرة كما قال: " تعرف في وجوههم نضرة النعيم " المطففين: 24، أو من النعمة أي متنعمة. قيل: ولم يعطف على قوله: " وجوه يومئذ خاشعة " إشارة إلى كمال البينونة بين حالي الفريقين. قوله تعالى: " لسعيها راضية " اللام للتقوية، والمراد بالسعي سعيها في الدنيا بالعمل الصالح، والمعنى رضيت سعيها وهو عملها الصالح حيث جوزيت به جزاء حسنا. قوله تعالى: " في جنة عالية - إلى قوله - وزرابي مبثوثة " المراد بعلوها ارتفاع درجاتها وشرفها وجلالتها وغزارة عيشها فإن فيها حياة لا موت معها، ولذة لا ألم يشوبها وسرورا لا غم ولا حزن يداخله لهم فيها فوق ما يشاؤن. وقوله: " لا تسمع فيها لاغية " أي لا تسمع تلك الوجوه في الجنة كلمة ساقطة لا فائدة فيها. وقوله: " فيها عين جارية " المراد بالعين جنسها فقد عد تعالى فيها عيونا في كلامه كالسلسبيل والشراب الطهور وغيرهما. وقوله: " فيها سرر مرفوعة " السرر جمع سرير وفي ارتفاعها جلالة القاعد عليها، " وأكواب موضوعة " الاكواب جمع كوب وهو الابريق لا خرطوم له ولا عروة يتخذ فيه الشراب " ونمارق مصفوفة " النمارق جمع نمرقة وهي الوسادة وكونها مصفوفة وضعها في المجلس بحيث يتصل بعضها ببعض على هيئة المجالس الفاخرة في الدنيا " وزرابي مبثوثة " الزرابي جمع زريبة مثلثة الزاي وهي البساط الفاخر وبثها بسطها للقعود عليها. قوله تعالى: " أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت " بعد ما فرغ من وصف الغاشية وبيان حال الفريقين، المؤمنين والكفار عقبه بإشارة إجمالية إلى التدبير الربوبي الذي يفصح عن ربوبيته تعالى المقتضية لوجوب عبادته ولازم ذلك حساب الاعمال وجزاء المؤمن بإيمانه والكافر بكفره والظرف الذي فيه ذلك هو الغاشية. وقد دعاهم أولا أن ينظروا إلى الابل كيف خلقت ؟ وكيف صور الله سبحانه أرضا عادمة للحياة فاقدة للشعور بهذه الصورة العجيبة في أعضائها وقواها وأفاعيلها فسخرها لهم ينتفعون من ركوبها وحملها ولحمها وضرعها وجلدها ووبرها حتى بولها وبعرتها فهل هذا كله توافق اتفاقي غير مطلوب بحياله ؟ وتخصيص الابل بالذكر من جهة أن السورة مكية وأول من تتلى عليهم الاعراب
________________________________________
[ 275 ]
واتخاذ الآبال من أركان عيشتهم. قوله تعالى: " وإلى السماء كيف رفعت " وزينت بالشمس والقمر وسائر النجوم الزواهر بما فيها من المنافع لاهل الارض وقد جعل دونها الهواء الذي يضطر إليه الحيوان في تنفسه. قوله تعالى: " وإلى الجبال كيف نصبت " وهي أوتاد الارض المانعة من مورها ومخازن الماء التي تتفجر منها العيون والانهار ومحافظ للمعادن. قوله تعالى: " وإلى الارض كيف سطحت " أي بسطت وسويت فصلحت لسكني الانسان وسهل فيها النقل والانتقال وأغلب التصرفات الصناعية التي للانسان. فهذه تدبيرات كلية مستندة إليه تعالى بلا ريب فيه فهو رب السماء والارض ما بينهما فهو رب العالم الانساني يجب عليهم أن يتخذوه ربا ويوحدوه ويعبدوه وأمامهم الغاشية وهو يوم الحساب والجزاء. قوله تعالى: " فذكر إنما أنت مذكر " تفريع على ما تقدم والمعنى إذا كان الله سبحانه هو ربهم لا رب سواه وأمامهم يوم الحساب والجزاء لمن آمن منهم أو كفر فذكرهم بذلك. وقوله: " إنما أنت مذكر " بيان أن وظيفته - وهو رسول - التذكرة رجاء أن يستجيبوا ويؤمنوا من غير إكراه وإلجاء. قوله تعالى: " لست عليهم بمصيطر " المصيطر - وأصله المسيطر - المتسلط، والجملة بيان وتفسير لقوله: " إنما أنت مذكر ". قوله تعالى: " إلا من تولى وكفر " استثناء من المفعول المحذوف لقوله السابق: " فذكر " والتقدير فذكر الناس إلا من تولى منهم عن التذكرة وكفر إذ تذكرته لغو لا فائدة فيها، ومعلوم أن التولي والكفر إنما يكون بعد التذكرة فالمنفي بالاستثناء هو التذكرة بعد التذكرة كأنه قيل: ذكرهم وأدم التذكرة إلا لمن ذكرته فتولى عنها وكفر، فليس عليك إدامة تذكرته بل أعرض عنه فيعذبه الله العذاب الاكبر. فقوله: " فذكر - إلى أن قال - إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الاكبر " في معنى قوله: " فذكر إن نفعت الذكرى - إلى أن قال - ويتجنبها الاشقى الذي يصلى النار الكبرى " الاعلى: 12 وقد تقدم بيانه.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page