• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 226 الي 250


[ 226 ]
الفطرة السليمة به. فإذ عاتب الانسان ووبخه على غروره بربه الكريم واجترائه على الكفرأن والمعصية من غير أن يخاف الجزاء أضرب عنه مخاطبا للانسان وكل من يشاركه في كفره ومعصيته فقال: بل أنت ومن حاله حالك تكذبون بيوم الدين والجزاء فتجحدونه ملحين عليه. قوله تعالى: " وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون " إشارة إلى أن أعمال الانسان حاضرة محفوظة يوم القيامة من طريق آخر غير حضورها للانسان العامل لها من طريق الذكر وذلك حفظها بكتابة كتاب الاعمال من الملائكة الموكلين بالانسان فيحاسب عليها كما قال تعالى: " ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرء كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " أسرى: 14. فقوله: " وإن عليكم لحافظين " أي إن عليكم من قبلنا حافظين يحفظون أعمالكم بالكتابة كما يفيده السياق. وقوله: " كراما كاتبين " أي اولي كرامة وعزة عند الله تعالى وقد تكرر في القرآن الكريم وصف الملائكه بالكرامه ولا يبعد أن يكون المراد به بإعانة من السياق كونهم بحسب الخلقة مصونين عن الاثم والمعصية مفطورين على العصمة، ويؤيده قوله: " بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " الانبياء: 26 حيث دل على أنهم لا يريدون إلا ما أراده الله ولا يفعلون إلا ما أمرهم به، وكذا قوله: " كرام بررة " عبس 16. والمراد بالكتابة في قوله: " كاتبين " كتابة الاعمال بقرينة قوله: " يعلمون ما تفعلون " وقد تقدم في تفسير قوله: " إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون " الجاثية: 29 كلام في معنى كتابة الاعمال فليراجعه من شاء. وقوله: " يعلمون ما تفعلون " نفي لخطئهم في تشخيص الخير والشر وتمييز الحسنة والسيئة كما أن الآية السابقة متضمنة لتنزيههم عن الاثم والمعصية فهم محيطون بالافعال على ما هي عليه من الصفة وحافظون لها على ما هي عليه. ولا تعيين في هذه الآيات لعدة هؤلاء الملائكة الموكلين على كتابة أعمال الانسان نعم المستفاد من قوله تعالى: " إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد " ق: 17 أن على كل إنسان منهم إثنين عن يمينه وشماله، وقد ورد في الروايات المأثورة أن الذي على اليمين كاتب الحسنات والذي على الشمال كاتب السيئات.
________________________________________
[ 227 ]
وورد أيضا في تفسير قوله: " إن قرآن الفجر كان مشهودا " أسرى: 78 أخبار مستفيضة من طرق الفريقين دالة على أن كتبة الاعمال بالنهار يصعدون بعد غروب الشمس وينزل آخرون فيكتبون أعمال الليل حتى إذا طلع الفجر صعدوا ونزل ملائكة النهار وهكذا. وفي الآية أعني قوله: " يعلمون ما تفعلون دلالة على أن الكتبة عالمون بالنيات إذ لا طريق لا طريق إلى العلم بخصوصيات الافعال وعناوينها وكونها خيرا أو شرا أو حسنة أو سيئة إلا العلم بالنيات فعلمهم بالافعال لا يتم إلا عن العلم بالنيات. قوله تعالى: " إن الابرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم " استئناف مبين لنتيجة حفظ الاعمال بكتابة الكتبة وظهورها يوم القيامة. والابرار هم المحسنون عملا، والفجار هم المنخرقون بالذنوب والظاهر أن المراد بهم المتهتكون من الكفار إذ لا خلود لمؤمن في النار، وفي تنكير " تعيم " و " جحيم " إشعار بالتفحيم والتهويل - كما قيل -. قوله تعالى: " يصلونها يوم الدين " الضمير للجحيم أي يلزمون يعني الفجار الجحيم يوم الجزاء ولا يفارقونها. قوله تعالى: " وما هم عنها بغائبين " عطف تفسيري على قوله: " يصلونها " الخ يؤكد معنى ملازمتهم للجحيم وخلودهم في النار، والمراد بغيبتهم عنها خروجهم منها فالآية في معنى قوله: " وما هم بخارجين من النار " البقرة: 167. قوله تعالى: " وما أدراك ما يوم الدين " تهويل وتفخيم لامر يوم الدين، والمعنى لا تحيط علما بحقيقة يوم الدين وهذا التعبير كناية عن فخامة أمر الشئ وعلوه من أن يناله وصف الواصف، وفي إظهار اليوم - والمحل محل الضمير - تأكيد لامر التفخيم. قوله تعالى: " ثم ما أدراك ما يوم الدين " في تكرار الجملة تأكيد للتفخيم. قوله تعالى: " يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والامر يومئذ لله " الظرف منصوب بتقدير اذكر ونحوه، وفي الآية بيان إجمالي لحقيقة يوم الدين بعد ما في قوله: " وما أدراك ما يوم الدين " من الحث على معرفته. وذلك أن رابطة التأثير والتأثر بين الاسباب الظاهرية ومسبباتها منقطعة زائلة يومئذ كما يستفاد من أمثال قوله تعالى: " وتقطعت بهم الاسباب " البقرة: 166، وقوله: " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا " البقرة: 165 فلا تملك نفس
________________________________________
[ 228 ]
لنفس شيئا فلا تقدر على دفع شر عنها ولا جلب خير لها، ولا ينافي ذلك آيات الشفاعة لانها بإذن الله المالك لها لا غير. وقوله: " والامر يومئذ لله " أي هو المالك للامر ليس لغيره من الامر شئ. والمراد بالامر كما قيل واحد الاوامر لقوله تعالى: " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " المؤمن: 16 وشأن الملك المطاع، الامر بالمعنى المقابل للنهي، والامر بمعنى الشأن لا يلائم المقام تلك الملاءمة. (بحث روائي) في تفسير القمي في قوله تعالى: " وإذا القبور بعثرت " قال: تنشق فتخرج الناس منها. وفي الدر المنثور أخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من استن خيرا فاستن به فله أجره ومثل أجور من اتبعه غير منتقص من اجورهم ومن استن شرا فاستن به فله وزره ومثل أوزار من اتبعه غير منتقص من أوزارهم، وتلا حذيفة " علمت نفس ما قدمت وأخرت ". وفيه أخرج عبد بن حميد عن صالح بن مسمار قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلا هذه الآية " يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم " ثم قال: جهله. وفي تفسير القمي " في أي صورة ما شاء ركبك " قال: لو شاء ركبك على غير هذه الصورة. أقول: ورواه في المجمع عن الصادق عليه السلام مرسلا. وفيه " وإن عليكم لحافظين " قال: الملكان الموكلان بالانسان. وعن سعد السعود وفي رواية انهما - يعني الملكين الموكلين - يأتيان المؤمن عند حضور صلاة الفجر فإذا هبطا صعد الملكان الموكلان بالليل فإذا غربت الشمس نزل إليه الموكلان بكتابة الليل، ويصعد الملكان الكاتبان بالنهار بديوانه إلى الله عزوجل. فلا يزال ذلك دأبهم إلى وقت حضور أجله فإذا حضر أجله قالا للرجل الصالح: جزاك الله من صاحب عنا خيرا فكم من عمل صالح أريتناه، وكم من قول حسن أسمعتناه، وكم من مجلس خير أحضرتناه فنحن اليوم على ما تحبه وشفعاء إلى ربك، وإن كان عاصيا قالا له: جزاك الله من صاحب عنا شرا فلقد كنت تؤذينا فكم من عمل سيئ أريتناه، وكم من قول سيئ أسمعتناه، و [ كم ظ ] من مجلس سوء أحضرتناه ونحن اليوم لك
________________________________________
[ 229 ]
على ما تكره، وشهيدان عند ربك. وفي المجمع في قوله تعالى: " والامر يومئذ لله " روى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: الامر يومئذ واليوم كله لله. يا جابر إذا كان يوم القيامة بادت الحكام فلم يبق حاكم إلا الله. أقول: مراده عليه السلام أن كون الامر لله لا يختص بيوم القيامة بل الامر لله دائما، وتخصيصه بيوم القيامة باعتبار ظهوره لا باعتبار أصله فالذي يختص به ظهور هذه الحقيقة ظهور عيان فيسقط اليوم أمر غيره تعالى وحكمه، ونظير الامر سائر ما عد في كلامه تعالى من مختصات يوم القيامة، فالرواية من غرر الروايات. (سورة المطففين مكية أو مدنية وهي ست وثلاثون آية) بسم الله الرحمن الرحيم ويل للمطففين - 1. الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون - 2. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون - 3. ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون - 4. ليوم عظيم - 5. يوم يقوم الناس لرب العالمين - 6. كلا إن كتاب الفجار لفي سجين - 7. وما أدراك ما سجين - 8. كتاب مرقوم - 9. ويل يومئذ للمكذبين - 10. الذين يكذبون بيوم الدين - 11. وما يكذب به إلا كل معتد أثيم - 12. إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الاولين - 13. كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون - 14. كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون - 15. ثم إنهم لصالوا الجحيم - 16. ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون - 17. كلا إن كتاب الابرار لفي عليين - 18. وما
________________________________________
[ 230 ]
أدراك ما عليون - 19. كتاب مرقوم - 20. يشهده المقربون - 21. (بيان) تفتتح السورة بوعيد أهل التطفيف في الكيل والوزن وتنذرهم بأنهم مبعوثون للجزاء في يوم عظيم وهو يوم القيامة ثم تتخلص لتفصيل ما يجري يومئذ على الفجار والابرار. والانسب بالنظر إلى السياق أن يكون أول السورة المشتمل على وعيد المطففين نازلا بالمدينة وأما ما يتلوه من الآيات إلى آخر السورة فيقبل الانطباق على السياقات المكية والمدنية. قوله تعالى: " ويل للمطففين " دعاء على المطففين والتطفيف نقص المكيال والميزان، وقد نهى الله تعالى عنه وسماه إفسادا في الارض كما فيما حكاه من قول شعيب: " ويا قوم اوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الارض مفسدين " هود: 84، وقد تقدم الكلام في تفسير الآية في معنى كونه إفسادا في الارض. قوله تعالى: " الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون " الاكتيال من الناس الاخذ منهم بالكيل، وتعديته بعلى لافادة معنى الضرر، والكيل إعطاؤهم بالمكيال يقال: كاله طعامه ووزنه وكال له طعامه ووزن له والاول لغة أهل الحجاز وعليه التنزيل والثاني لغة غيرهم كما في المجمع، والاستيفاء أخذ الحق تاما كاملا، والاخسار الايقاع في الخسارة. والمعنى: الذين إذا أخذوا من الناس بالكيل يأخذون حقهم تاما كاملا، وإذا أعطوا الناس بالكيل أو الوزن ينقصون فيوقعونهم في الخسران. فمضمون الآيتين جميعا ذم واحد وهو أنهم يراعون الحق لانفسهم ولا يراعونه لغيرهم وبعبارة اخرى لا يراعون لغيرهم من الحق مثل ما يراعونه لانفسهم وفيه إفساد الاجتماع الانساني المبني على تعادل الحقوق المتقابلة وفي إفساده كل الفساد. ولم يذكر الاتزان مع الاكتيال كما ذكر الوزن مع الكيل إذ قال: " وإذا كالوهم أو وزنوهم " قيل لان المطففين كانوا باعة وهم كانوا في الاغلب يشترون الكثير من الحبوب والبقول ونحوهما من الامتعة ثم يكسبون بها فيبيعونها يسيرا يسيرا تدريجا، وكان دأبهم في الكثير من هذه الامتعة أن يؤخذ ويعطى بالكيل لا بالوزن فذكر الاكتيال وحده في الآية مبني على الغالب.
________________________________________
[ 231 ]
وقيل: لم يذكر الاتزان لان الكيل والوزن بهما البيع والشراء فذكر أحدهما يدل على الآخر. وفيه أن ما ذكر في الاكتيال جار في الكيل أيضا وقد ذكر معه الوزن فالوجه لا يخلو من تحكم. وقيل: الآيتان تحاكيان ما كان عليه دأب الذين نزلت فيهم السورة فقد كانوا يشترون بالاكتيال فقط ويبيعون بالكيل والوزن جميعا، وهذا الوجه دعوى من غير دليل. إلى غير ذلك مما ذكروه في توجيه الاقتصار على ذكر الاكتيال في الآية، ولا يخلو شئ منها من ضعف. قوله تعالى: " ألا يظن اولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم " الاستفهام للانكار والتعجيب، والظن بمعناه المعروف والاشارة إلى المطففين باولئك الموضوعة للاشارة البعيدة للدلالة على بعدهم من رحمة الله، واليوم العظيم يوم القيامة الذي يجازون فيه بعملهم. والاكتفاء بظن البعث وحسبانه - مع أن من الواجب الاعتقاد العلمي بالمعاد - لان مجرد حسبان الخطر والضرر في عمل يوجب التجنب عنه والتحرز عن اقترافه وإن لم يكن هناك علم فالظن بالبعث ليوم عظيم يؤاخذ الله فيه الناس بما كسبوا من شأنه أن يردعهم عن اقتراف هذا الذنب العظيم الذي يستتبع العذاب الاليم. وقيل: الظن في الآية بمعنى العلم. قوله تعالى: " يوم يقوم الناس لرب العالمين " المراد به قيامهم من قبورهم - كناية عن تلبسهم بالحياة بعد الممات - لحكمه تعالى وقضائه بينهم. قوله تعالى: " كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ماسجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين " ردع - كما قيل - عما كانوا عليه من التطفيف والغفلة عن البعث والحساب. وقوله: " إن كتاب الفجار لفي سجين ": الخ الذي يعطيه التدبر في سياق الآيات الاربع بقياس بعضها إلى بعض وقياس المجموع إلى مجموع قوله: " كلا ان كتاب الابرار لفي علين " إلى تمام أربع آيات أن المراد بسجين ما يقابل عليين ومعناه علو على علو مضاعف ففيه شئ من معنى السفل والانحباس فيه كما يشير إليه قوله: " ثم رددناه أسفل سافلين " التين: 5 فالاقرب أن يكون مبالغة من السجن بمعنى الحبس كسكير وشريب من السكر. الشرب فمعناه الذي يحبس من دخله على التخليد كما قيل.
________________________________________
[ 232 ]
والكتاب بمعنى المكتوب من الكتابة بمعنى القضاء المحتوم والمراد بكتاب الفجار ما قدره الله لهم من الجزاء وأثبته بقضائه المحتوم. فمحصل الآية أن الذي أثبته الله من جزائهم أو عده لهم لفي سجين الذي هو سجن يحبس من دخله حبسا طويلا أو خالدا. وقوله: " وما أدراك ما سجين " مسوق للتهويل. وقوله: " كتاب مرقوم " خبر لمبتدء محذوف هو ضمير راجع إلى سجين والجملة بيان لسجين و " كتاب " أيضا بمعنى المكتوب من الكتابة بمعنى القضاء والاثبات، و " مرقوم " من الرقم، قال الراغب: الرقم الخط الغليظ، وقيل: هو تعجيم الكتاب، وقوله تعالى: " كتاب مرقوم " حمل على الوجهين. انتهى، والمعنى الثاني أنسب للمقام فيكون إشارة إلى كون ما كتب لهم متبينا لا إبهام فيه أي إن القضاء حتم لا يتخلف. والمحصل أن سجين مقضى عليهم مثبت لهم متبين متميز لا إبهام فيه. ولا ضير في لزوم كون الكتاب ظرفا للكتاب على هذا المعنى لان ذلك من ظرفية الكل للجزء وهي ممالا ضير فيه فيكون سجين كتابا جامعا فيه ما قضي على الفجار وغيرهم من مستحقي العذاب. وقوله: " ويل يومئذ للمكذبين " نعى ودعاء على الفجار وفيه تفسيرهم بالمكذبين، و " يومئذ " ظرف لقوله: " إن كتاب الفجار لفي سجين " بحسب المعنى أي ليهلك الفجار - وهم المكذبون - يومئذ تحقق ما كتب الله لهم وقضى عليهم من الجزاء وحل بهم ما أعد لهم من العذاب. هذا ما يفيده التدبر في هذه الآيات الاربع، وهي ذات سياق واحد متصل متلائم الاجزاء. وللقوم في تفسير مفردات الآيات الاربع وجملها أقوال متفرقة كقولهم: إن الكتاب في قوله: " إن كتاب الفجار " بمعنى المكتوب والمراد به صحيفة أعمالهم، وقيل: مصدر بمعنى الكتابة وفي الكلام مضاف محذوف والتقدير كتابة عمل الفجار لفي سجين. وقولهم: إن الفجار أعم من المكذبين فيشمل الكفار والفسقة جميعا. وقولهم: إن المراد بسجين الارض السابعة السفلى يوضع فيها كتاب الفجار وقيل: واد في جهنم، وقيل: جب فيها، وقيل: سجين اسم لكتابهم، وقيل: سجين الاول اسم الموضع الذي يوضع فيه كتابهم والثاني اسم كتابهم، وقيل: هو اسم كتاب جامع
________________________________________
[ 233 ]
هو ديوان الشر دون فيه أعمال الفجرة من الثقلين، وقيل: المراد به الخسار والهوان فهو كقولهم: بلغ فلان الحضيض إذا صار في غاية الخمول، وقيل: هو السجيل بدل لامه نونا كما يقال جبرين في جبريل إلى غير ذلك مما قيل. وقولهم: إن قوله: " كتاب مرقوم " ليس بيانا وتفسيرا لسجين بل تفسير للكتاب المذكور في قوله: " إن كتاب الفجار ". وقولهم: إن قوله: " ويل يومئذ للمكذبين " متصل بقوله: " يوم يقوم الناس لرب العالمين " والآيات الثلاث الواقعة بين الآيتين اعتراض. وأنت إن تأملت هذه الاقاويل وجدت كثيرا منها تحكما محضا لا دليل عليه. على أنها تقطع ما في الآيات من السياق الواحد المتصل الذي يحاذي به ما في الآيات الاربع الآتية في صفة كتاب الابرار من السياق الواحد المتصل فلا نطيل الكلام بالتعرض لواحد واحد منها والمناقشة فيها. قوله تعالى: " الذين يكذبون بيوم الدين " تفسير للمكذبين وظاهر الآية - ويؤيده الآيات التالية - أن المراد بالتكذيب هو التكذيب القولي الصريح فيختص الذم بالكفار ولا يشمل الفسقة من أهل الايمان فلا يشمل مطلق المطففين بل الكفار منهم. اللهم إلا أن يراد بالتكذيب ما يعم التكذيب العملي كما ربما أيده قوله السابق: " الا يظن اولئك أنهم مبعوثون " فيشمل الفجار من المؤمنين كالكفار. قوله تعالى: " وما يكذب به إلا كل معتد أثيم " المعتدى اسم فاعل من الاعتداء بمعنى التجاوز والمراد به المتجاوز عن حدود العبودية، والاثيم كثير الآثام بحيث تراكم بعضها على بعض بانهماكه في الاهواء. ومن المعلوم أن المانع الوحيد الذي يردع عن المعصية هو الايمان بالبعث والجزاء، والمنهمك في الاهواء المتعلق قلبه بالاعتداء والاثم تأبى نفسه التسليم لما يردع عنها والتزهد عن المعاصي وينتهي إلى تكذيب البعث والجزاء قال تعالى: " ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوآى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن " الروم: 10. قوله تعالى: " إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الاولين " المراد بالآيات آيات القرآن بقرينة قوله " تتلى " والاساطير ما سطروه وكتبوه والمراد بها أباطيل الامم الماضين والمعنى إذا تتلى عليه آيات القرآن مما يحذرهم المعصية وينذرهم بالبعث والجزاء قال: هي أباطيل.
________________________________________
[ 234 ]
قوله تعالى: " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " ردع عما قاله المكذبون: " أساطير الاولين " قال الراغب: الرين صدأ يعلو الشئ الجليل (1) قال تعالى: " بل ران على قلوبهم " أي صار ذلك كصدء على جلاء قلوبهم فعمي عليهم معرفة الخير من الشر، انتهى. فكون ما كانوا يكسبون وهو الذنوب رينا على قلوبهم هو حيلولة الذنوب بينهم وبين أن يدركوا الحق على ما هو عليه. ويظهر من الآية: أولا: أن للاعمال السيئة نقوشا وصورا في النفس تنتقش وتتصور بها. وثانيا: أن هذه النقوش والصور تمنع النفس أن تدرك الحق كما هو وتحول بينها وبينه. وثالثا: أن للنفس بحسب طبعها الاولي صفاء وجلاء تدرك به الحق كما هو وتميز بينه وبين الباطل وتفرق بين التقوى والفجور قال تعالى: " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها " الشمس: 8. قوله تعالى: " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " ردع عن كسب الذنوب الحائلة بين القلب وإدراك الحق، والمراد بكونهم محجوبين عن ربهم يوم القيامة حرمانهم من كرامة القرب والمنزلة ولعله مراد من قال: إن المراد كونهم محجوبين عن رحمة ربهم. وأما ارتفاع الحجاب بمعنى سقوط الاسباب المتوسطة بينه تعالى وبين خلقه والمعرفة التامة به تعالى فهو حاصل لكل أحد قال تعالى: " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " المؤمن: 16 وقال: " ويعلمون أن الله هو الحق المبين " النور: 25. قوله تعالى: " ثم إنهم لصالوا الجحيم " أي داخلون فيها ملازمون لها أو مقاسون حرها على ما فسره بعضهم و " ثم " في الآية وما بعدها للتراخي بحسب رتبة الكلام. قوله تعالى: " ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون " هو توبيخ وتقريع والقائل خزنة النار أو أهل الجنة. قوله تعالى: " كلا إن كتاب الابرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم " ردع في معنى الردع الذي في قوله: " كلا إن كتاب الفجار " وعليون - كما تقدم - علو على علو مضاعف، وينطبق على الدرجات العالية ومنازل القرب من الله تعالى كما أن السجين بخلافه.
________________________________________
(1) الجلى ظ.
________________________________________
[ 235 ]
والكلام في معنى الآيات الثلاث نظير الكلام في الآيات الثلاث المتقدمة التي تحازيها من قوله: " إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ". فالمعنى أن الذي كتب للابرار وقضي جزاء لبرهم لفي عليين وما أدراك ما عليون هو أمر مكتوب ومقضي قضاء حتما لازما متبين لا إبهام فيه. وللقوم أقاويل في هذه الآيات نظير ما لهم في الآيات السابقة من الآقوال غير أن من أقوالهم في عليين أنه السماء السابعة تحت العرش فيه أرواح المؤمنين، وقيل سدرة المنتهى التي إليها تنتهي الاعمال، وقيل: لوح من زبر جدة تحت العرش معلق مكتوب فيه أعمالهم، وقيل: هي مراتب عالية محفوفة بالجلالة، والكلام فيها كالكلام فيما تقدم من أقوالهم. قوله تعالى ": يشهده المقربون " الانسب لما تقدم من معنى الآيات السابقة أن يكون " يشهده " من الشهود بمعنى المعاينة والمقربون قوم من أهل الجنة هم أعلى درجة من عامة الابرار على ما سيأتي استفادته من قوله: " عينا يشرب بها المقربون " فالمراد معاينتهم له بإراءة الله إياه لهم وقد قال الله تعالى في مثله من أمر الجحيم: " كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم " التكاثر: 6 ومنه يظهر أن المقربين هم أهل اليقين. وقيل: الشهادة هي الحضور والمقربون الملائكة، والمراد حضور الملائكة على صحيفة عملهم إذا صعدوا بها إلى الله سبحانه. وقيل: المقربون هم الابرار والملائكة جميعا. والقولان مبنيان على أن المراد بالكتاب صحيفة الاعمال وقد تقدم ضعفه. (بحث روائي) في تفسير القمي وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزلت يعني سورة المطففين على نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم المدينة وهم يومئذ أسوء الناس كيلا فاحسنوا الكيل. وفي اصول الكافي بإسناده عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: أن الله عزوجل خلقنا من أعلى عليين وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه وخلق أبدانهم من دون ذلك فقلوبهم تهوى إلينا لانها خلقت مما خلقنا ثم تلا هذه الآية " كلا إن كتاب الابرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون ". وخلق قلوب عدونا من سجين وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه وأبدانهم من دون
________________________________________
[ 236 ]
ذلك، قلوبهم تهوى إليهم لانها خلقت مما خلقوا منه ثم تلا هذه الآية " كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين ". أقول: وروى مثله في اصول الكافي بطريق آخر عن الثمالي عنه عليه السلام، ورواه في علل الشرائع بإسناد فيه رفع عن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام مثله، والاحاديث - كما ترى - تؤيد ما قدمناه في معنى الآيات. وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " كلا إن كتاب الفجار لفي سجين " قال: ما كتب الله لهم من العذاب لفي سجين. وفيه في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: السجين الارض السابعة وعليون السماء السابعة. أقول: الرواية لو صحت مبنية على انتساب الجنة والنار إلى جهتي العلو والسفل بنوع من العناية ولذلك نظائر في الروايات كعد القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار وعد وادي برهوت مكانا لجهنم. وفي الدر المنثور أخرج ابن المبارك عن سعيد بن المسيب قال: التقى سلمان وعبد الله ابن سلام فقال أحدهما لصاحبه: إن مت قبلي فالقني فاخبرني بما صنع ربك بك وإن أنا مت قبلك لقيتك فأخبرتك فقال عبد الله: كيف يكون هذا ؟ قال: نعم إن أرواح المؤمنين تكون في برزخ من الارض تذهب حيث شاءت ونفس الكافر في سجين والله أعلم. وفي اصول الكافي بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: ما من عبد إلا وفي قلبه نكتة بيضاء فإذا أذنب ذنبا خرج في تلك النكتة نكتة سوداء فإن تاب ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا وهو قول الله عزوجل: " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ". أقول: وروى هذا المعنى في الدر المنثور عن عدة من أصحاب الجوامع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفيه باسناده عن عبد الله بن محمد الحجال عن بعض أصحابنا رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تذاكروا وتلاقوا وتحدثوا فإن الحديث جلاء للقلوب إن القلوب لترين كما يرين السيف وجلاؤه الحديث. وعن روضة الواعظين قال الباقر عليه السلام ما شئ أفسد للقلب من الخطيئة إن القلب
________________________________________
[ 237 ]
ليواقع الخطيئة فما تزال به حتى تغلب عليه فيصير أسفله أعلاه وأعلاه أسفله. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فان تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منه وإن ازداد زادت فذلك الران الذي ذكره الله تعالى في كتابه " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ". إن الابرار لفي نعيم - 22. على الارائك ينظرون - 23. تعرف في وجوههم نضرة النعيم - 24. يسقون من رحيق مختوم - 25. ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون - 26. ومزاجه من تسنيم - 27. عينا يشرب بها المقربون - 28. إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون - 29. وإذا مروا بهم يتغامزون - 30. وإذا انقلبوا إلى أهلهم أنقلبوا فكهين - 31. وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون - 32. وما أرسلوا عليهم حافظين - 33. فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون - 34. على الارائك ينظرون - 35. هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون - 36. (بيان) بيان فيه بعض التفصيل لجلالة قدر الابرار وعظم منزلتهم عند الله تعالى وغزارة عيشهم في الجنة، وأنهم على كونهم يستهزئ بهم الكفار ويتغامزون بهم ويضحكون منهم سيضحكون منهم وينظرون إلى ما ينالهم من العذاب. قوله تعالى: " إن الابرار لفي نعيم " النعيم النعمة الكثيرة وفي تنكيره دلالة على فخامة قدره، والمعنى إن الابرار لفي نعمة كثيرة لا يحيط بها الوصف.
________________________________________
[ 238 ]
قوله تعالى: " على الارائك ينظرون " الارائك جمع أريكة والاريكة السرير في الجملة وهي البيت المزين للعروس وإطلاق قوله: " ينظرون " من غير تقييد يؤيد أن يكون المراد نظرهم إلى مناظر الجنة البهجة وما فيها من النعيم المقيم، وقيل: المراد به النظر إلى ما يجزى به الكفار وليس بذاك. قوله تعالى: " تعرف في وجوههم نضرة النعيم " النضرة البهجة والرونق، والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم باعتبار أن له أن ينظر فيعرف فالحكم عام والمعنى كل من نظر إلى وجوههم يعرف فيها بهجة النعيم الذي هم فيه. قوله تعالى: " يسقون من رحيق مختوم " الرحيق الشراب الصافي الخالص من الغش، ويناسبه وصفه بأنه مختوم فانه إنما يختم على الشئ النفيس الخالص ليسلم من الغش والخلط وإدخال ما يفسده فيه. قوله تعالى: " ختامه مسك وفى ذلك فليتنافس المتنافسون " قيل الختام بمعنى ما يختم به أي إن الذي يختم به مسك بدلا من الطين ونحوه الذي يختم به في الدنيا، وقيل: أي آخر طعمه الذي يجده شاربه رائحة المسك. وقوله: " وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " التنافس التغالب على الشئ ويفيد بحسب المقام معنى التسابق قال تعالى: " سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة " الحديد: 21، وقال: " فاستبقوا الخيرات " المائدة: 48، ففيه ترغيب إلى ما وصف من الرحيق المختوم. واستشكل في الآية بأن فيها دخول العاطف على العاطف إذ التقدير فليتنافس في ذلك الخ وأجيب بأن الكلام على تقدير حرف الشرط والفاء واقعة في جوابه وقدم الظرف ليكون عوضا عن الشرط والتقدير وإن اريد تنافس فليتنافس في ذلك المتنافسون. ويمكن أن يقال: إن قوله: " وفي ذلك " معطوف على ظرف آخر محذوف متعلق بقوله: " فليتنافس " يدل عليه المقام فان الكلام في وصف نعيم الجنة فيفيد قوله: " وفي ذلك " ترغيبا مؤكدا بتخصيص الحكم بعد التعميم، والمعنى فليتنافس المتنافسون في نعيم الجنة عامة وفي الرحيق المختوم الذي يسقونه خاصة فهو كقولنا: أكرم المؤمنين والصالحين منهم خاصة، ولا تكن عيابا وللعلماء خاصة. قوله تعالى: " ومزاجه من تسنيم " المزاج ما يمزج به، والتسنيم على ما تفسره الآية التالية عين في الجنة سماه الله تسنيما وفي لفظه معنى الرفع والمل ء يقال: سنمه أي رفعه
________________________________________
[ 239 ]
ومنه سنام الابل ويقال: سنم الاناء أي ملاه. قوله تعالى: " عينا يشرب بها المقربون " يقال: شربه وشرب به بمعنى و " عينا " منصوب على المدح أو الاختصاص و " يشرب بها المقربون " وصف لها والمجموع تفسير للتسنيم. ومفاد الآية أن المقربين يشربون التسنيم صرفا كما أن مفاد قوله: " ومزاجه من تسنيم " أنه يمزج بها ما في كأس الابرار من الرحيق المختوم، ويدل ذلك أولا على أن التسنيم أفضل من الرحيق المختوم الذي يزيد لذة بمزجها، وثانيا أن المقربين أعلى درجة من الابرار الذين يصفهم الآيات. قوله تعالى: " إن الذين اجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون " ويعطي السياق أن المراد بالذين آمنوا هم الابرار الموصوفون في الآيات وإنما عبر عنهم بالذين آمنوا لان سبب ضحك الكفار منهم واستهزائهم بهم إنما هو إيمانهم كما أن التعبير عن الكفار بالذين اجرموا للدلالة على أنهم بذلك من المجرمين. قوله تعالى: " وإذا مروا بهم يتغامزون " عطف على قوله: " يضحكون " أي كانوا إذا مروا بالذين آمنوا يغمز بعضهم بعضا ويشيرون بأعينهم استهزاء بهم. قوله تعالى: " وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين " الفكه بالفتح فالكسر المرح البطر، والمعنى وكانوا إذا انقلبوا وصاروا إلى أهلهم عن ضحكهم وتغامزهم انقلبوا ملتذين فرحين بما فعلوا أو هو من الفكاهة بمعنى حديث ذوي الانس والمعنى انقلبوا وهم يحدثون بما فعلوا تفكها. قوله تعالى: " وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون " على سبيل الشهادة عليهم بالضلال أو القضاء عليهم والثاني أقرب. قوله تعالى: " وما ارسلوا عليهم حافظين " أي وما ارسل هؤلاء الذين أجرموا حافظين على المؤمنين يقضون في حقهم بما شاؤا أو يشهدون عليهم بما هووا، وهذا تهكم بالمستهزئين. قوله تعالى: " فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون " المراد باليوم يوم الجزاء، والتعبير عن الذين أجرموا بالكفار رجوع إلى حقيقة صفتهم. قيل: تقديم الجار والمجرور على الفعل أعني " من الكفار " على " يضحكون " لافادة قصر القلب، والمعنى فاليوم الذين آمنوا يضحكون من الكفار لا الكفار منهم كما كانوا يفعلون في الدنيا. قوله تعالى: " على الارائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون " الثواب في
________________________________________
[ 240 ]
الاصل مطلق الجزاء وإن غلب استعماله في الخير، وقوله " على الارائك " خبر بعد خبر للذين آمنوا و " ينظرون " خبر آخر، وقوله: " هل ثوب " الخ متعلق بقوله: " ينظرون " قائم مقام المفعول. والمعنى: الذين آمنوا على سرر في الحجال ينظرون إلى جزاء الكفار بأفعالهم التي كانوا يفعلونها في الدنيا من أنواع الاجرام ومنها ضحكهم من المؤمنين وتغامزهم إذا مروا بهم وانقلابهم إلى أهلهم فكهين وقولهم: إن هؤلاء لضالون. (بحث روائي) في تفسير القمي في قوله تعالى: " وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " قال: فيما ذكرناه من الثواب الذي يطلبه المؤمن. وفي المجمع في قوله تعالى: " وإذا مروا بهم يتغامزون ": قيل نزلت في على بن أبي طالب عليه السلام وذلك أنه كان في نفر من المسلمين جاؤا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا: رأينا اليوم الاصلع فضحكنا منه فنزلت الآية قبل أن يصل على وأصحابه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. عن مقاتل والكلبي. أقول: وقد أورده في الكشاف. وفيه ذكر الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفصيل باسناده عن أبي صالح عن ابن عباس قال: " إن الذين أجرموا " منافقوا قريش و " الذين آمنوا " علي بن أبي طالب وأصحابه. وفي تفسير القمي " إن الذين أجرموا - إلى قوله - فكهين " قال: يسخرون. (سورة الانشقاق مكية وهي خمس وعشرون آية) بسم الله الرحمن الرحيم إذا السماء انشقت - 1. وأذنت لربها وحقت - 2. وإذا الارض مدت - 3. وألقت ما فيها وتخلت - 4.
________________________________________
[ 241 ]
وأذنت لربها وحقت - 5. يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه - 6. فأما من أوتي كتابه بيمينه - 7. فسوف يحاسب حسابا يسيرا - 8. وينقلب إلى أهله مسرورا - 9. وأما من أوتي كتابه وراء ظهره - 10. فسوف يدعوا ثبورا - 11. ويصلى سعيرا - 12. إنه كان في أهله مسرورا - 13. إنه ظن أن لن يحور - 14. بلى إن ربه كان به بصيرا - 15. فلا أقسم بالشفق - 16. والليل وما وسق - 17. والقمر إذا اتسق - 18. لتركبن طبقا عن طبق - 19. فمالهم لا يؤمنون - 20. وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون - 21. بل الذين كفروا يكذبون - 22. والله أعلم بما يوعون - 23. فبشرهم بعذاب أليم - 24. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون - 25. (بيان) تشير السورة إلى قيام الساعة، وتذكر أن للانسان سيرا إلى ربه حتى يلاقيه فيحاسب على ما يقتضيه كتابه وتؤكد القول في ذلك والغلبة فيها للانذار على التبشير. وسياق آياتها سياق مكي. قوله تعالى: " إذا السماء انشقت " شرط جزاؤه محذوف يدل عليه قوله: " يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " والتقدير: لاقى الانسان ربه فحاسبه وجازاه على ما عمل.
________________________________________
[ 242 ]
وانشقاق السماء وهو تصدعه وانفراجه من أشراط الساعة كمد الارض وسائر ما ذكر في مواضع من كلامه تعالى من تكوير الشمس واجتماع الشمس والقمر وانتثار الكواكب ونحوها. قوله تعالى: " وأذنت لربها وحقت " الاذن الاستماع ومنه الاذن لجارحة السمع وهو مجاز عن الانقياد والطاعة، و " حقت " أي جعلت حقيقة وجديرة بأن تسمع، والمعنى وأطاعت وانقادت لربها وكانت حقيقة وجديرة بأن تستمع وتطيع. قوله تعالى: " وإذا الارض مدت " الظاهر أن المراد به اتساع الارض، وقد قال تعالى: " يوم تبدل الارض غير الارض " إبراهيم: 48. قوله تعالى: " وألقت ما فيها وتخلت " أي ألقت الارض ما في جوفها من الموتى وبالغت في الخلو مما فيها منهم. وقيل: المراد إلقائها الموتى والكنوز كما قال تعالى: " وأخرجت الارض أثقالها " الزلزال: 2 وقيل: المعنى ألقت ما في بطنها وتخلت مما على ظهرها من الجبال والبحار، ولعل أول الوجوه أقربها. قوله تعالى: " وأذنت لربها وحقت " ضمائر التأنيث للارض كما أنها في نظيرتها المتقدمة للسماء، وقد تقدم معنى الآية. قوله تعالى: " يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " قال الراغب: الكدح السعي والعناء. انتهى. ففيه معنى السير، وقيل: الكدح جهد النفس في العمل حتى يؤثر فيها انتهى. وعلى هذا فهو مضمن معنى السير بدليل تعديه بإلى ففي الكدح معنى السير على أي حال. وقوله: " فملاقيه " عطف على " كادح " وقد بين به أن غاية هذا السير والسعي والعناء هو الله سبحانه بما أن له الربوبية أي إن الانسان بما أنه عبد مربوب ومملوك مدبر ساع إلى الله سبحانه بما أنه ربه ومالكه المدبر لامره فإن العبد لا يملك لنفسه إرادة ولا عملا فعليه أن يريد ولا يعمل إلا ما أراده ربه ومولاه وأمره به فهو مسؤل عن إرادته وعمله. ومن هنا يظهر أولا أن قوله: " إنك كادح إلى ربك " يتضمن حجة على المعاد لما عرفت أن الربوبية لا تتم إلا مع عبودية ولا تتم العبودية إلا مع مسؤلية ولا تتم مسؤلية إلا برجوع وحساب على الاعمال ولا يتم حساب إلا بجزاء.
________________________________________
[ 243 ]
وثانيا: أن المراد بملاقاته انتهاؤه إلى حيث لا حكم إلا حكمه من غير أن يحجبه عن ربه حاجب. وثالثا: أن المخاطب في الاية هو الانسان بما انه إنسان فالمراد به الجنس وذلك أن الربوبية عامة لكل إنسان. قوله تعالى: " فأما من أوتي كتابه بيمينه " تفصيل مترتب على ما يلوح إليه قوله: " إنك كادح إلى ربك " أن هناك رجوعا وسؤالا عن الاعمال وحسابا، والمراد بالكتاب صحيفة الاعمال بقرينة ذكر الحساب، وقد تقدم الكلام في معنى إعطاء الكتاب باليمين في سورتي الاسراء والحاقة. قوله تعالى: " فسوف يحاسب حسابا يسيرا " الحساب اليسير ما سوهل فيه وخلا عن المناقشة قوله تعالى: " وينقلب إلى أهله مسرورا " المراد بالاهل من أعده الله له في الجنة من الحور والغلمان وغيرهم وهذا هو الذي يفيده السياق، وقيل: المراد به عشيرته المؤمنون ممن يدخل الجنة، وقيل المراد فريق المؤمنين وإن لم يكونوا من عشيرته فالمؤمنون إخوة والوجهان لا يخلوان من بعد. قوله تعالى: " وأما من أوتي كتابه وراء ظهره " الظرف منصوب بنزع الخافض والتقدير من وراء ظهره، ولعلهم إنما يؤتون كتبهم من وراء ظهورهم لرد وجوههم على أدبارهم كما قال تعالى: " من قيل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها " النساء: 47. ولا منافاة بين إيتاء كتابهم من وراء ظهورهم وبين إيتائهم بشمالهم كما وقع في قوله تعالى: " وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه " الحاقة: 27، وسيأتي في البحث الروائي التالي ما ورد في الروايات من معنى إيتاء الكتاب من وراء ظهورهم. قوله تعالى: " فسوف يدعو ثبورا " الثبور كالويل الهلاك ودعاؤهم الثبور قولهم: واثبوراه. قوله تعالى: " ويصلى سعيرا " أي يدخل نارا مؤججة لا يوصف عذابها، أو يقاسى حرها. قوله تعالى: " إنه كان في أهله مسرورا " يسره ما يناله من متاع الدنيا وتنجذب نفسه إلى زينتها وينسيه ذلك أمر الآخرة وقد ذم تعالى فرح الانسان بما يناله من خير الدنيا وسماه فرحا بغير حق قال تعالى بعد ذكر النار وعذابها: " ذلكم بما كنتم تفرحون في الارض بغير الحق وبما كنتم تمرحون " المؤمن: 75. قوله تعالى: " إنه ظن أن لن يحور " أي لن يرجع والمراد الرجوع إلى ربه للحساب
________________________________________
[ 244 ]
والجزاء، ولا سبب يوجبه عليهم إلا التوغل في الذنوب والآثام الصارفة عن الآخرة الداعية إلى استبعاد البعث. قوله تعالى: " بلى أن ربه كان به بصيرا " رد لظنه أي ليس الامر كما ظنه بل يحور ويرجع، وقوله: " إن ربه كان به بصيرا " تعليل للرد المذكور فإن الله سبحانه كان ربه المالك له المدبر لامره وكان يحيط به علما ويرى ما كان من أعماله وقد كلفه بما كلف ولاعماله جزاء خيرا أو شرا فلا بد أن يرجع إليه ويجزي بما يستحقه بعمله. وبذلك يظهر أن قوله: " إن ربه كان به بصيرا " من إعطاء الحجة على وجوب المعاد نظير ما تقدم في قوله: " إنك كادح إلى ربك " الآية. ويظهر أيضا من مجموع هذه الآيات التسع إن إيتاء الكتب ونشر الصحف قبل الحساب كما يدل عليه أيضا قوله تعالى: " وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرء كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " أسرى: 14. ثم الآيات كما ترى تخص إيتاء الكتاب من وراء الظهر بالكفار فيقع الكلام في عصاة المؤمنين من أصحاب الكبائر ممن يدخل النار فيمكث فيها برهة ثم يخرج منها بالشفاعة على ما في الاخبار من طرق الفريقين فهؤلاء لا يؤتون كتابهم من وراء ظهورهم لاختصاص ذلك بالكفار ولا بيمينهم لظهور الآيات في أن أصحاب اليمين يحاسبون حسابا يسيرا ويدخلون الجنة، ولا سبيل إلى القول بأنهم لا يؤتون كتابا لمكان قوله تعالى: " وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه " الآية المفيد للعموم. وقد تخلص بعضهم عن الاشكال بأنهم يؤتون كتابهم باليمين بعد الخروج من النار. وفيه أن ظاهر الآيات إن لم يكن صريحها أن دخول النار أو الجنة فرع مترتب على القضاء المترتب على الحساب المترتب على إيتاء الكتب ونشر الصحف فلا معنى لايتاء الكتاب بعد الخروج من النار. واحتمل بعضهم أن يؤتوا كتابهم بشمالهم ويكون الايتاء من وراء الظهر مخصوصا بالكفار كما تفيده الآيات. وفيه أن الآيات التي تذكر إيتاء الكتاب بالشمال - وهي التي في سورة الواقعة والحاقة وفي معناها ما في سورة الاسراء أيضا - تخص إيتاء الكتاب بالشمال بالكفار ويظهر من مجموع الآيات أن الذين يؤتون كتابهم بشمالههم هم الذين يؤتونه من وراء ظهورهم.
________________________________________
[ 245 ]
وقال بعضهم من الممكن أن يؤتوا كتابهم من وراء ظهورهم ويكون قوله: " فسوف يحاسب حسابا يسيرا " من قبيل وصف الكل بصفة بعض أجزائه. وفيه أن المقام لا يساعد على هذا التجوز فإن المقام مقام تمييز السعداء من الاشقياء وتشخيص كل بجزائه الخاص به فلا مجوز لادغام جمع من أهل العذاب في أهل الجنة. على أن قوله: " فسوف يحاسب " الخ وعد جميل إلهي ولا معنى لشموله لغير مستحقيه ولو بظاهر من القول. نعم يمكن أن يقال: إن اليسر والعسر معنيان إضافيان وحساب العصاة من أهل الايمان يسير بالاضافة إلى حساب الكفار المخلدين في النار ولو كان عسيرا بالاضافة إلى حساب المتقين. ويمكن أيضا أن يقال إن قسمة أهل الجمع إلى أصحاب اليمين وأصحاب الشمال غير حاصرة كما يدل عليه قوله تعالى: " وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون اولئك المقربون " الواقعة: 11 فمدلول الآيات خروج المقربين من الفريقين، ومثلهم المستضعفون كما ربما يستفاد من قوله تعالى: " وآخرون مرجون لامر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم " التوبة: 106. فمن الجائز أن لا يكون تقسيم أهل الجمع إلى أصحاب اليمين وأصحاب الشمال تقسيما حاصرا لجميعهم بل تخصيصا لاهل الجنة من المتقين وأهل الخلود في النار بالذكر بتوصيفهم بإيتاء الكتاب باليمين وبالشمال لمكان الدعوة إلى الايمان والتقوى ونظير ذلك ما في سورة المرسلات من ذكر يوم الفصل ثم بيان حال المتقين والمكذبين فحسب وليس ينحصر الناس في القبيلين، ونظيره ما في سورة النبأ والنازعات وعبس والانفطار، والمطففين وغيرها فالغرض فيها ذكر انموذج من أهل الايمان والطاعة وأهل الكفر والتكذيب والسكوت عمن سواهم ليتذكر أن السعادة في جانب التقوى والشقاء في جانب التمرد والطغوى. قوله تعالى: " فلا اقسم بالشفق " الشفق الحمرة ثم الصفرة ثم البياض التي تحدث بالمغرب أول الليل. قوله تعالى: " والليل وما وسق " أي ضم وجمع ما تفرق وانتشر في النهار من الانسان والحيوان فإنها تتفرق وتنتشر بالطبع في النهار وترجع إلى مأواها في الليل فتسكن. وفسر بعضهم " وسق " بمعنى طرد أي طرد الكواكب من الخفاء إلى الظهور. قوله تعالى: " والقمر إذا اتسق " أي اجتمع وانضم بعض نوره إلى بعض فاكتمل
________________________________________
[ 246 ]
نوره وتبدر. قوله تعالى: " لتركبن طبقا عن طبق " جواب القسم والخطاب للناس والطبق هو الشئ أو الحال الذي يطابق آخر سواء كان أحدهما فوق الآخر أم لا والمراد به كيف كان المرحلة بعد المرحلة يقطعها الانسان في كدحه إلى ربه من الحياة الدنيا ثم الموت ثم الحياة البرزخية ثم الانتقال إلى الآخرة ثم الحياة الآخرة ثم الحساب والجزاء. وفي هذا الاقسام - كما ترى - تأكيد لما في قوله: " يا أيها الانسان إنك كادح " الآية وما بعده من نبأ البعث وتوطئة وتمهيد لما في قوله: " فما لهم لا يؤمنون " من التعجيب والتوبيخ وما في قوله: " فبشرهم بعذاب " الخ من الانذار والتبشير. وفي الآية إشارة إلى أن المراحل التي يقطعها الانسان في مسيره إلى ربه مترتبة متطابقة. قوله تعالى: " فمالهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون " الاستفهام للتعجيب والتوبيخ ولذا ناسب الالتفات الذي فيه من الخطاب إلى الغيبة كأنه لما رآى أنهم لا يتذكرون بتذكيره ولا يتعظون بعظته أعرض عنهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخاطبه بقوله: " فما لهم لا يؤمنون " الخ. قوله تعالى: " بل الذين كفروا يكذبون والله أعلم بما يوعون " " يكذبون " يفيد الاستمرار، والتعبير عنهم بالذين كفروا للدلالة على علة التكذيب، والايعاء كما قيل جعل الشئ في وعاء. والمعنى: أنهم لم يتركوا الايمان لقصور في البيان أو لانقطاع من البرهان لكنهم اتبعوا أسلافهم ورؤساءهم فرسخوا في الكفر واستمروا على التكذيب والله يعلم بما جمعوا في صدورهم وأضمروا في قلوبهم من الكفر والشرك. وقيل: المراد بقوله: " والله أعلم بما يوعون " أن لهم وراء التكذيب مضمرات في قلوبهم لا يحيط بها العبارة ولا يعلمها إلا الله، وهو بعيد من السياق. قوله تعالى: " فبشرهم بعذاب أليم " التعبير عن الاخبار بالعذاب بالتبشير مبني على التهكم، والجملة متفرعة على التكذيب. قوله تعالى: " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون " استثناء منقطع من ضمير " فبشرهم " والمراد بكون أجرهم غير ممنون خلوه من قول يثقل على المأجور. (بحث روائي) في تفسير القمي في قوله تعالى: " إذا السماء انشقت " قال: يوم القيامة. وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي حاتم عن علي قال تنشق السماء من المجرة.
________________________________________
[ 247 ]
وفي تفسير القمي في قوله: " وإذا الارض مدت وألقت ما فيها وتخلت " قال: تمد الارض فتنشق فيخرج الناس منها. وفي الدر المنثور أخرج الحاكم بسند جيد عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تمد الارض يوم القيامة مد الاديم ثم لا يكون لابن آدم منها الا موضع قدميه. وفي الاحتجاج عن علي عليه السلام في حديث قال والناس يومئذ على صفات ومنازل فمنهم من يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا، ومنهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب لانهم لم يلبسوا من أمر الدنيا بشئ وانما الحساب هناك على من يلبس بها ههنا، ومنهم من يحاسب على النقير والقطمير ويصير إلى عذاب السعير. وفي المعاني بإسناده عن ابن سنان عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل محاسب معذب فقال له قائل: يا رسول الله فأين قول الله عزوجل: " فسوف يحاسب حسابا يسيرا " قال: ذلك العرض يعني التصفح. أقول: وروى في الدر المنثور عن البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن عائشة مثله. وفي تفسير القمي وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " فأما من اوتي كتابه بيمينه " فهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الاسود بن هلال المخزومي وهو من بني مخزوم، " وأما من اوتي كتابه وراء ظهره " فهو أخوه الاسود بن عبد الاسود المخزومي فقتله حمزة بن عبد المطلب يوم بدر. وفي المجمع في قوله تعالى: " لتركبن طبقا عن طبق " وقيل: معناه شدة بعد شدة حياة ثم موت ثم بعث ثم جزاء، وروي ذلك مرفوعا. وعن جوامع الجامع في الآية عن أبي عبيدة: لتركبن سنن من كان قبلكم من الاولين وأحوالهم وروي ذلك عن الصادق عليه السلام. (سورة البروج مكية وهي اثنتان وعشرون آية) بسم الله الرحمن الرحيم والسماء ذات البروج - 1. واليوم الموعود - 2. وشاهد ومشهود - 3. قتل أصحاب الاخدود - 4.
________________________________________
[ 248 ]
النار ذات الوقود - 5. إذ هم عليها قعود - 6. وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود - 7. وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد - 8. الذي له ملك السموات والارض والله على كل شئ شهيد - 9. إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق - 10. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الانهار ذلك الفوز الكبير - 11. إن بطش ربك لشديد - 12. إنه هو يبدئ ويعيد - 13. وهو الغفور الودود - 14. ذو العرش المجيد - 15. فعال لما يريد - 16. هل أتاك حديث الجنود - 17. فرعون وثمود - 18. بل الذين كفروا في تكذيب - 19. والله من ورائهم محيط - 20. بل هو قرآن مجيد - 21. في لوح محفوظ - 22. (بيان) سورة إنذار وتبشير فيها وعيد شديد للذين يفتنون المؤمنين والمؤمنات لايمانهم بالله كما كان المشركون من أهل مكة يفعلون ذلك بالذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيعذبونهم ليرجعوا إلى شركهم السابق فمنهم من كان يصبر ولا يرجع بلغ الامر ما بلغ، ومنهم من رجع وارتد وهم ضعفاء الايمان كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: " ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا اوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله " العنكبوت: 10، وقوله: " ومن الناس من يعبد الله على حرف فان أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه " الحج: 11.
________________________________________
[ 249 ]
وقد قدم سبحانه على ذلك الاشارة إلى قصة أصحاب الاخدود، وفيه تحريض المؤمنين على الصبر في جنب الله تعالى، وأتبعها بالاشارة إلى حديث الجنود فرعون وثمود وفيه تطييب لنفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم بوعد النصر وتهديد للمشركين. والسورة مكية بشهادة سياق آياتها. قوله تعالى: " والسماء ذات البروج " البروج جمع برج وهو الامر الظاهر ويغلب استعماله في القصر العالي لظهوره على الناظرين ويسمى البناء المعمول على سور البلد للدفاع برجاوهو المراد في الآية لقوله تعالى: " ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم " الحجر: 17، فالمراد بالبروج مواضع الكواكب من السماء. وبذلك يظهر أن تفسير البروج بالبروج الاثنى عشر المصطلح عليها في علم النجوم غير سديد وفي الآية إقسام بالسماء المحفوظة بالبروج، ولا يخفى مناسبته لما سيشار إليه من القصة ثم الوعيد والوعد وسنشير إليه. قوله تعالى: " واليوم الموعود " عطف على السماء وإقسام باليوم الموعود وهو يوم القيامة الذي وعد الله القضاء فيه بين عباده. قوله تعالى: " وشاهد ومشهود " معطوفان على السماء والجميع قسم بعد قسم على ما اريد بيانه في السورة وهو - كما تقدمت الاشارة إليه - الوعيد الشديد لمن يفتن المؤمنين والمؤمنات لايمانهم والوعد الجميل لمن آمن وعمل صالحا. فكأنه قيل: اقسم بالسماء ذات البروج التي يدفع الله بها عنها الشياطين إن الله يدفع عن إيمان المؤمنين كيد الشياطين وأوليائهم من الكافرين، واقسم باليوم الموعود الذي يجزى فيه الناس بأعمالهم، واقسم بشاهد يشهد ويعاين أعمال اولئك الكفار وما يفعلونه بالمؤمنين لايمانهم بالله واقسم بمشهود سيشهده الكل ويعاينونه إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، إلى آخر الآيتين. ومن هنا يظهر أن الشهادة في " شاهد " و " مشهود " بمعنى واحد وهو المعاينة بالحضور، على أنها لو كانت بمعنى تأدية الشهادة لكان حق التعبير " ومشهود عليه " لانها بهذا المعنى إنما تتعدى بعلى. وعلى هذا يقبل " شاهد " الانطباق على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لشهادته أعمال امته ثم يشهد عليها يوم القيامة، ويقبل " مشهود " الانطباق على تعذيب الكفار لهؤلاء المؤمنين وما فعلوا
________________________________________
[ 250 ]
بهم من الفتنة وإن شئت فقل: على جزائه وإن شئت فقل: على ما يقع يوم القيامة من العقاب والثواب لهؤلاء الظالمين والمظلومين، وتنكير " مشهود " و " وشاهد " على أي حال للتفخيم. ولهم في تفسير شاهد ومشهود أقاويل كثيرة أنهاها بعضهم إلى ثلاثين كقول بعضهم إن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة، والقول بأن الشاهد يوم النحر والمشهود يوم عرفة، والقول بأن الشاهد يوم عرفة والمشهود يوم القيامة، والقول بأن الشاهد الملك يشهد على بني آدم والمشهود يوم القيامة، والقول بأن الشاهد الذين يشهدون على الناس والمشهود الذين يشهد عليهم. والقول بأن الشاهد هذه الامة والمشهود سائر الامم، والقول بأن الشاهد أعضاء بني آدم والمشهود أنفسهم والقول بأن الشاهد الحجر الاسود والمشهود الحاج والقول بأن الشاهد الايام والليالي والمشهود بنو آدم، والقول بأن الشاهد الانبياء والمشهود محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والقول بأن الشاهد هو الله والمشهود لا إله الا الله. والقول بأن الشاهد الخلق والمشهود الحق، والقول بأن الشاهد هو الله والمشهود يوم القيامة، والقول بأن الشاهد آدم وذريته والمشهود يوم القيامة، والقول بأن الشاهد يوم التروية والمشهود يوم عرفة، والقول بأنها يوم الاثنين ويوم الجمعة، والقول بأن الشاهد: المقربون والمشهود عليون، والقول بأن الشاهد هو الطفل الذي قال لامه في قصة الاخدود: اصبري فإنك على الحق والمشهود الواقعة، والقول بأن الشاهد الملائكة المتعاقبون لكتابة الاعمال والمشهود قرآن الفجر إلى غير ذلك من أقوالهم. وأكثر هذه الاقوال - كما ترى - مبني على أخذ الشهادة بمعنى أداء ما حمل من الشهادة وبعضها على تفريق بين الشاهد والمشهود في معنى الشهادة وقد عرفت ضعفه، وأن الانسب للسياق أخذها بمعنى المعاينة وإن استلزم الشهادة بمعنى الاداء يوم القيامة، وأن الشاهد يقبل الانطباق على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. كيف لا ؟ وقد سماه الله تعالى شاهدا إذ قال: " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا " الاحزاب: 45، وسماه شهيدا إذ قال: " ليكون الرسول شهيدا عليكم " الحج 78، وقد عرفت معنى شهادة الاعمال من شهدائها فيما مر. ثم إن جواب القسم محذوف يدل عليه قوله: " إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات " إلى تمام آيتين، ويشعر به أيضا قوله: " قتل أصحاب الاخدود " الخ وهو وعيد الفاتنين ووعد المؤمنين الصالحين وأن الله يوفقهم على الصبر ويؤيدهم على حفظ إيمانهم من كيد الكائدين إن أخلصوا كما فعل بالمؤمنين في قصة الاخدود.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page