• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 376 الي 405


[ 376 ]
عمله ويهيؤ له من العذاب كذلك حتى إذا فاجأه العذاب وبرز له بأهول وجوهه وأمرها انتبه من نومة الغفلة وتذكر ما جاءه من النصح قبلا وندم على ما فرط بالطغيان والظلم وسأل الله أن يعيد عليه النعمة فيشكر كما انتهى إليه أمر أصحاب الجنة، ففي ذلك إعطاء الضابط بالمثال. وقوله: " ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون " لانه ناش عن قهر إلهي لا يقوم له شئ لا رجاء للتخلص منه ولو بالموت والفناء كما في شدائد الدنيا، محيط بالانسان من جميع أقطار وجوده لا كعذاب الدنيا دائم لا انتهاء لامده كما في الابتلاءات الدنيوية. (بحث روائي) في المعاني بإسناده عن سفيان بن سعيد الثوري عن الصادق عليه السلام في تفسير الحروف المقطعة في القرآن قال: وأما ن فهو نهر في الجنة قال الله عز وجل: اجمد فجمد فصار مدادا ثم قال للقلم: اكتب فسطر القلم في اللوح المحفوظ ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة فالمداد مداد من نور والقلم قلم من نور واللوح لوح من نور. قال سفيان: فقلت له: يا بن رسول الله بين أمر اللوح والقلم والمداد فضل بيان وعلمني مما علمك الله فقال: يا ابن سعيد لولا أنك أهل للجواب ما أجبتك فنون ملك يؤدي إلى القلم وهو ملك، والقلم يؤدي إلى اللوح وهو ملك، واللوح يؤدي إلى إسرافيل وإسرافيل يؤدي إلى ميكائيل وميكائيل يؤدي إلى جبرائيل وجبرائيل يؤدي إلى الانبياء والرسل. قال: ثم قال: قم يا سفيان فلا آمن عليك. وفيه بإسناده عن إبراهيم الكرخي قال: سألت جعفر بن محمد عليه السلام عن اللوح والقلم قال: هما ملكان. وفيه بإسناده عن الاصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام: " ن والقلم وما يسطرون " القلم قلم من نور وكتاب من نور في لوح محفوظ يشهده المقربون وكفى بالله شهيدا. أقول: وفي المعاني المتقدمة روايات اخرى عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، وقد تقدم في ذيل قوله تعالى: " هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق " الجاثية: 29، حديث القمي عن عبد الرحيم القصير عن الصادق عليه السلام في اللوح والقلم وفيه: ثم ختم على فم القلم فلم ينطق بعد ذلك ولا ينطق أبدا وهو الكتاب المكنون الذي منه النسخ كلها.
________________________________________
[ 377 ]
وفي الدر المنثور أخرج ابن جرير عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ن والقلم وما يسطرون " قال: لوح من نور وقلم من نور يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة. أقول: وفي معناه روايات أخر، وقوله: يجري بما هو كائن الخ، أي منطبق على متن الكائنات من دون أن يتخلف شئ منها عما كتب هناك ونظيره ما في رواية أبي هريرة: ثم ختم على في القلم فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة. وفي المعاني بإسناده عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: " وإنك لعلى خلق عظيم " قال: هو الاسلام. وفي تفسير القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " وإنك لعلى خلق عظيم " قال: على دين عظيم. أقول يريد اشتمال الدين والاسلام على كمال الخلق واستنانه صلى الله عليه وآله وسلم به، وفي الرواية المعروفة عنه صلى الله عليه وآله وسلم: بعثت لاتمم مكارم الاخلاق. وفي المجمع بإسناده عن الحاكم بإسناده عن الضحاك قال: لما رأت قريش تقديم النبي صلى الله عليه وسلم عليا وإعظامه له نالوا من علي وقالوا: قد افتتن به محمد فأنزل الله تعالى: " ن والقلم وما يسطرون " قسم أقسم الله به " ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لاجرا غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم - يعني القرآن - إلى قوله - بمن ضل عن سبيله " وهم النفر الذين قالوا ما قالوا " وهو أعلم بالمهتدين " يعني علي بن أبي طالب. أقول: ورواه في تفسير البرهان عن محمد بن العباس بإسناده إلى الضحاك: وساق نحوا مما مر وفي آخره: وسبيله علي بن أبي طالب. وفيه في قوله تعالى: " ولا تطع كل حلاف " الخ، قيل: يعني الوليد بن المغيرة عرض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم المال ليرجع عن دينه، وقيل: يعني الاخنس بن شريق عن عطاء، وقيل: يعني الاسود بن عبد يغوث عن مجاهد. أقول: وفي ذلك روايات في الدر المنثور وغيره تركنا إيرادها من أرادها فليراجع جوامع الروايات. وفيه عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا عتل زنيم. قلت: فما الجواظ ؟ قال: كل جماع مناع. قلت: فما الجعظري ؟
________________________________________
[ 378 ]
قال: الفظ الغليظ. قلت: فما العتل الزنيم ؟ قال: كل رحيب الجوف سئ الخلق أكول شروب غشوم ظلوم زنيم. وفيه في معنى الزنيم: قيل هو الذي لا أصل له وفيه في تفسير القمي في قوله: " عتل بعد ذلك زنيم " قال: العتل العظيم الكفر الزنيم الدعي. وفيه في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة " إن أهل مكة ابتلوا بالجوع كما ابتلي أصحاب الجنة وهي كانت في الدنيا وكانت باليمن يقال له الرضوان على تسعة أميال من صنعاء. وفيه بإسناده إلى ابن عباس أنه قيل له إن قوما من هذه الامة يزعمون أن العبد يذنب فيحرم به الرزق، فقال ابن عباس: فوالله الذي لا إله إلا هو هذا أنور في كتاب الله من الشمس الضاحية ذكره الله في سورة ن والقلم. أنه كان شيخ وكان له جنة وكان لا يدخل إلى بيته ثمرة منها ولا إلى منزله حتى يعطي كل ذي حق حقه فلما قبض الشيخ ورثه بنوه وكان له خمس من البنين فحملت جنتهم في تلك السنة التي هلك فيها أبوهم حملا لم يكن حملته قبل ذلك فراحوا الفتية إلى جنتهم بعد صلاة العصر فأشرفوا على ثمرة ورزق فاضل لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم. فلما نظروا إلى الفضل طغوا وبغوا وقال بعضهم لبعض: إن أبانا كان شيخا كبيرا قد ذهب عقله وخرف فهلموا نتعاقد فيما بيننا أن لا نعطي أحدا من فقراء المسلمين في عامنا شيئا حتى نستغني ويكثر أموالنا ثم نستأنف الصنيعة فيما استقبل من السنين المقبلة فرضي بذلك منهم أربعة وسخط الخامس وهو الذي قال الله: " قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون ". فقال الرجل: يا ابن عباس كان أوسطهم في السن ؟ فقال: لا بل كان أصغرهم سنا وأكبرهم عقلا وأوسط القوم خير القوم، والدليل عليه في القرآن قوله: إنكم يا أمة محمد أصغر الامم وخير الامم قوله عز وجل: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا ". قال لهم أوسطهم: إتقوا وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا فبطشوا به وضربوه ضربا مبرحا فلما أيقن الاخ منهم أنهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارها لامرهم غير طائع.
________________________________________
[ 379 ]
فراحوا إلى منازلهم ثم حلفوا بالله ليصرمن إذا أصبحوا ولم يقولوا إن شاء الله فابتلاهم الله بذلك الذنب وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه فأخبر عنهم في الكتاب فقال: " إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم " قال: كالمحترق. فقال الرجل: يا ابن عباس ما الصريم ؟ قال: الليل المظلم، ثم قال: لا ضوء له ولا نور. فلما أصبح القوم " فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين " قال: " فانطلقوا وهم يتخافتون " قال الرجل: وما التخافت يا ابن عباس ؟ قال: يتشاورون فيشاور بعضهم بعضا لكيلا يسمع أحد غيرهم فقالوا: " لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد قادرين " في أنفسهم أن يصرموها ولا يعلمون ما قد حل بهم من سطوات الله ونقمته. " فلما رأوها " وما قد حل بهم " قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون " فحرمهم الله ذلك الرزق بذنب كان منهم ولم يظلمهم شيئا. " قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون " قال: يلومون أنفسهم فيما عزموا عليه " قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون " فقال الله: " كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ". أقول: وقد ورد ما يقرب من مضمون هذا الحديث والذي قبله في روايات أخر وفي بعض الروايات أن الجنة كانت لرجل من بني إسرائيل ثم مات وورثه بنوه فكان من أمرهم ما كان. إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم _ 34. أفنجعل المسلمين كالمجرمين _ 35. ما لكم كيف تحكمون _ 36. أم لكم
________________________________________
[ 380 ]
كتاب فيه تدرسون _ 37. إن لكم فيه لما تخيرون _ 38. أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون _ 39. سلهم أيهم بذلك زعيم _ 40. أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين _ 41. يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون _ 42. خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون _ 43. فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون _ 44. وأملي لهم إن كيدي متين _ 45. أم تسئلهم أجرا فهم من مغرم مثقلون _ 46. أم عندهم الغيب فهم يكتبون _ 47. فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم _ 48. لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم _ 49. فاجتباه ربه فجعله من الصالحين _ 50. وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون _ 51. وما هو إلا ذكر للعالمين _ 52. (بيان) فيها تذييل لما تقدم من الوعيد لمكذبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتسجيل العذاب عليهم في الآخرة إذ المتقون في جنات النعيم، وتثبيت أنهم والمتقون لا يستون بحجة قاطعة فليس لهم أن
________________________________________
[ 381 ]
يرجوا كرامة من الله وهم مجرمون فما يجدونه من نعم الدنيا استدراج وإملاء. وفيها تأكيد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر لحكم ربه. قوله تعالى: " إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم " بشرى وبيان لحال المتقين في الآخرة قبال ما بين من حال المكذبين فيها. وفي قوله: " عند ربهم " دون أن يقال: عند الله إشارة إلى رابطة التدبير والرحمة بينهم وبينه سبحانه وأن لهم ذلك قبال قصرهم الربوبية فيه تعالى وإخلاصهم العبودية له. وإضافة الجنات إلى النعيم وهو النعمة للاشارة إلى أن ما فيها من شئ نعمة لا تشوبها نقمة ولذة لا يخالطها ألم، وسيجئ إن شاء الله في تفسير قوله تعالى: " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم " التكاثر: 8، أن المراد بالنعيم الولاية. قوله تعالى: " أفنجعل المسلمين كالمجرمين " تحتمل الآية في بادئ النظر أن تكون مسوقة حجة على المعاد كقوله تعالى: " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض أم نجعل المتقين كالفجار " ص: 28، وقد تقدم تفسيره. وأن تكون ردا على قول من قال منهم للمؤمنين: لو كان هناك بعث وإعادة لكنا منعمين كما في الدنيا وقد حكى سبحانه ذلك عن قائلهم: " وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي أن لي عنده للحسنى " حم السجدة: 50. ظاهر سياق الآيات التالية التي ترد عليهم الحكم بالتساوي هو الاحتمال الثاني، وهو الذي رووه أن المشركين لما سمعوا حديث البعث والمعاد قالوا: إن صح ما يقوله محمد والذين آمنوا معه لم تكن حالنا إلا أفضل من حالهم كما في الدنيا ولا أقل من أن تتساوى حالنا وحالهم. غير أنه يرد عليه أن الآية لو سيقت لرد قولهم، سنساويهم في الآخرة أو نزيد عليهم كما في الدنيا، كان مقتضى التطابق بين الرد والمردود أن يقال: أفنجعل المجرمين كالمسلمين وقد عكس. والتدبر في السياق يعطي أن الآية مسوقة لرد دعواهم التساوي لكن لا من جهة نفي مساواتهم على إجرامهم للمسلمين بل تزيد على ذلك بالاشارة إلى أن كرامة المسلمين تأبى أن يساويهم المجرمون كأنه قيل: إن قولكم: سنتساوى نحن والمسلمون باطل فإن الله لا يرضى أن يجعل المسلمين بما لهم من الكرامة عنده كالمجرمين وأنتم مجرمون.
________________________________________
[ 382 ]
فالآية تقيم الحجة على عدم تساوي الفريقين من جهة منافاته لكرامة المسلمين عليه تعالى لا من جهة منافاة مساواة المجرمين للمسلمين عدله تعالى. والمراد بالاسلام تسليم الامر لله فلا يتبع إلا ما أراده سبحانه من فعل أو ترك يقابله الاجرام وهو اكتساب السيئة وعدم التسليم والآية وما بعدها إلى قوله: " أم عندهم الغيب فهم يكتبون " في مقام الرد لحكمهم بتساوي المجرمين والمسلمين حالا يوم القيامة تورد محتملات هذا الحكم من حيث منشئه في صور استفهامات إنكارية وتردها. وتقرير الحجة: أن كون المجرمين كالمسلمين يوم القيامة على ما حكموا به إما أن يكون من الله تعالى موهبة ورحمة وإما أن لا يكون منه. والاول إما أن يدل عليه دليل العقل ولا دليل عليه كذلك وذلك قوله: " ما لكم كيف تحكمون ". وإما أن يدل عليه النقل وليس كذلك وهو قوله: " أم لكم كتاب " الخ، وإما أن يكون لا لدلالة عقل أو نقل بل عن مشافهة بينهم وبين الله سبحانه عاهدوه وواثقوه على أن يسوي بينهما وليس كذلك فهذه ثلاثة احتمالات. وإما أن لا يكون من الله فإما أن يكون حكمهم بالتساوي حكما جديا أو لا يكون فإن كان جديا فإما أن يكون التساوي الذي يحكمون به مستندا إلى أنفسهم بأن يكون لهم قدرة على أن يصيروا يوم القيامة كالمسلمين حالا وإن لم يشإ الله ذلك وليس كذلك وهو قوله: " سلهم أيهم بذلك زعيم " أو يكون القائم بهذا الامر المتصدي له شركاؤهم ولا شركاء وهو قوله: " أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم " الخ. وإما أن يكون ذلك لان الغيب عندهم والامور التي ستستقبل الناس قدرها وقضاؤها منوطان بمشيتهم تكون وتقع كيف يكتبون فكتبوا لانفسهم المساواة مع المسلمين، وليس كذلك ولا سبيل لهم إلى الغيب وذلك قوله: " أم عندهم الغيب فهم يكتبون " وهذه ثلاثة احتمالات. وإن لم يكن حكمهم بالمساواة حكما جديا بل إنما تفوهوا بهذا القول تخلصا وفرارا من اتباعك على دعوتك لانك تسألهم أجرا على رسالتك وهدايتك لهم إلى الحق فهم مثقلون من غرامته، وليس كذلك، وهو قوله: " أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون "
________________________________________
[ 383 ]
وهذا سابع الاحتمالات. هذا ما يعطيه التدبر في الآيات في وجه ضبط ما فيها من الترديد وقد ذكروا في وجه الضبط غير ذلك من أراد الوقوف عليه فليراجع المطولات. فقوله: " ما لكم كيف تحكمون " مسوق للتعجب من حكمهم بكون المجرمين يوم القيامة كالمسلمين، وهو إشارة إلى تأبي العقل عن تجويز التساوي، ومحصلة نفي حكم العقل بذلك إذ معناه: أي شئ حصل لكم من اختلال الفكر وفساد الرأي حتى حكمتم بذلك ؟ قوله تعالى: " أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم لما تخيرون " إشارة إلى انتفاء الحجة على حكمهم بالتساوي من جهة السمع كما أن الآية السابقة كانت إشارة إلى انتفائها من جهة العقل. والمراد بالكتاب الكتاب السماوي النازل من عند الله وهو حجة، ودرس الكتاب قراءته، والتخير الاختيار، وقوله: " إن لكم لما تخيرون " في مقام المفعول لتدرسون والاستفهام إنكاري. والمعنى: بل ألكم كتاب سماوي تقرؤن فيه إن لكم في الآخرة - أو مطلقا - لما تختارونه فاخترتم السعادة والجنة. قوله تعالى: " أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون " إشارة إلى انتفاء أن يملكوا الحكم بعهد ويمين شفاهي لهم على الله سبحانه. والايمان جمع يمين وهو القسم، والبلوغ هو الانتهاء في الكمال فالايمان البالغة هي المؤكدة نهاية التوكيد، وقوله: " إلى يوم القيامة " على هذا ظرف مستقر متعلق بمقدر والتقدير: أم لكم علينا أيمان كائنة إلى يوم القيامة مؤكدة نهاية التوكيد، الخ. ويمكن أن يكون " إلى يوم القيامة " متعلقا ببالغة والمراد ببلوغ الايمان انطباقها على امتداد الزمان حتى ينتهى إلى يوم القيامة. وقد فسروا الايمان بالعهود والمواثيق فيكون من باب إطلاق اللازم وإرادة الملزوم كناية، واحتمل أن يكون من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل. وقوله: " إن لكم لما تحكمون " جواب القسم وهو المعاهد عليه، والاستفهام للانكار. والمعنى: بل ألكم علينا عهود أقسمنا فيها إقساما مؤكدا إلى يوم القيامة إنا سلمنا
________________________________________
[ 384 ]
لكم أن لكم لما تحكمون به. قوله تعالى: " سلهم أيهم بذلك زعيم " إعراض عن خطابهم والتفات إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتوجيه الخطاب لسقوطهم عن درجة استحقاق الخطاب ولذلك أورد بقية السؤالات وهي مسائل أربع في سياق الغيبة أولها قوله: " سلهم أيهم بذلك زعيم " والزعيم القائم بالامر المتصدي له، والاستفهام إنكاري. والمعنى: سل المشركين أيهم قائم بأمر التسوية الذي يدعونه أي إذا ثبت ان الله لا يسوي بين الفريقين لعدم دليل يدل عليه فهل الذي يقوم بهذا الامر ويتصداه هو منهم ؟ فأيهم هو ؟ ومن الواضح بطلانه لا يتفوه به إلا مصاب في عقله. قوله تعالى: " أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين " رد لهم على تقدير أن يكون حكمهم بالتساوي مبنيا على دعواهم أن لهم آلهة يشاركون الله سبحانه في الربوبية سيشفعون لهم عند الله فيجعلهم كالمسلمين والاستفهام إنكاري يفيد نفي الشركاء. وقوله: " فليأتوا بشركائهم " الخ، كناية عن انتفاء الشركاء يفيد تأكيد ما في قوله: " أم لهم شركاء " من النفي. وقيل: المراد بالشركاء شركاؤهم في هذا القول، والمعنى: أم لهم شركاء يشاركونهم في هذا القول ويذهبون مذهبهم فليأتوا بهم إن كانوا صادقين. وأنت خبير بأن هذا المعنى لا يقطع الخصام. وقيل: المراد بالشركاء الشهداء والمعنى: أم لهم شهداء على هذا القول فليأتوا بهم إن كانوا صادقين. وهو تفسير بما لا دليل عليه من جهة اللفظ. على أنه مستدرك لان هؤلاء الشهداء شهداء على كتاب من عند الله أو وعد بعهد ويمين وقد رد كلا الاحتمالين فيما تقدم. وقيل: المراد بالشركاء شركاء الالوهية على ما يزعمون لكن المعني من إتيانهم بهم إتيانهم بهم يوم القيامة ليشهدوا لهم أو ليشفعوا لهم عند الله سبحانه. وأنت خبير بأن هذا المعنى أيضا لا يقطع الخصام. قوله تعالى: " يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون - إلى قوله - وهم سالمون " يوم ظرف متعلق بمحذوف كاذكر ونحوه، والكشف عن الساق تمثيل في اشتداد الامر اشتدادا بالغا لما أنهم كانوا يشمرون عن سوقهم إذا اشتد الامر
________________________________________
[ 385 ]
للعمل أو للفرار قال في الكشاف: فمعنى " يوم يكشف عن ساق " في معنى يوم يشتد الامر ويتفاقم، ولا كشف ثم ولا ساق كما تقول للاقطع الشحيح: يده مغلولة ولا يد ثم ولا غل وإنما هو مثل في البخل انتهى. والآية وما بعدها إلى تمام خمس آيات اعتراض وقع في البين بمناسبة ذكر شركائهم الذين يزعمون أنهم سيسعدونهم لو كان هناك بعث وحساب فذكر سبحانه أن لا شركاء لله ولا شفاعة وإنما يحرز الانسان سعادة الآخرة بالسجود أي الخضوع لله سبحانه بتوحيد الربوبية في الدنيا حتى يحمل معه صفة الخضوع فيسعد بها يوم القيامة. وهؤلاء المكذبون المجرمون لم يسجدوا لله في الدنيا فلا يستطيعون السجود في الآخرة فلا يسعدون ولا تتساوى حالهم وحال المسلمين فيها البتة بل الله سبحانه يعاملهم في الدنيا لاستكبارهم عن سجوده معاملة الاستدراج والاملاء حتى يتم لهم شقاؤهم فيردوا العذاب الاليم في الآخرة. فقوله: " يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون " معناه اذكر يوم يشتد عليهم الامر ويدعون إلى السجود لله خضوعا فلا يستطيعون لاستقرار ملكة الاستكبار في سرائرهم واليوم تبلى السرائر (1). وقوله: " خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة " حالان من نائب فاعل يدعون أي حال كون أبصارهم خاشعة وحال كونهم يغشاهم الذلة بقهر، ونسبة الخشوع إلى الابصار لظهور أثره فيها. وقوله: " وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون " المراد بالسلامة سلامتهم من الآفات والعاهات التي لحقت نفوسهم بسبب الاستكبار عن الحق فسلبتها التمكن من إجابة الحق أو المراد مطلق استطاعتهم منه في الدنيا. والمعنى: وقد كانوا في الدنيا يدعون إلى السجود لله وهم سالمون متمكنون منه أقوى تمكن فلا يجيبون إليه. وقيل: المراد بالسجود الصلاة وهو كما ترى
________________________________________
(1) الطارق الآية 9.
________________________________________
[ 386 ]
قوله تعالى: " فذرني ومن يكذب بهذا الحديث " المراد بهذا الحديث القرآن الكريم وقوله: " فذرني ومن يكذب " الخ، كناية عن أنه يكفيهم وحده وهو غير تاركهم وفيه نوع تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتهديد للمشركين. قوله تعالى: " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون " استئناف فيه بيان كيفية أخذه تعالى لهم وتعذيبه إياهم المفهوم من قوله: " فذرني " الخ. والاستدراج هو استنزالهم درجة فدرجة حتى يتم لهم الشقاء فيقعوا في ورطة الهلاك وذلك بأن يؤتيهم الله نعمة بعد نعمة وكلما أوتوا نعمة اشتغلوا بها وفرطوا في شكرها وزادوا نسيانا له وابتعدوا عن ذكره. فالاستدراج إيتاؤهم النعمة بعد النعمة الموجب لنزولهم درجة بعد درجة واقترابهم من ورطة الهلاك، وكونه من حيث لا يعلمون إنما هو لكونه من طريق النعمة التي يحسبونها خيرا وسعادة لا شر فيها ولا شقاء. قوله تعالى: " وأملي لهم إن كيدي متين " الاملاء الامهال، والكيد ضرب من الاحتيال، والمتين القوي. والمعنى: وأمهلهم حتى يتوسعوا في نعمنا بالمعاصي كما يشاؤن إن كيدي قوي. والنكتة في الالتفات الذي في " سنستدرجهم " عن التكلم وحده إلى التكلم مع الغير الدالة على العظمة وأن هناك موكلين على هذه النعم التي تصب عليهم صبا، والالتفات في قوله: " وأملي لهم " عن التكلم مع الغير إلى التكلم وحده لان الاملاء تأخير في الاجل ولم ينسب أمر الاجل في القرآن إلى غير الله سبحانه قال تعالى: " ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده " الانعام: 2. قوله تعالى: " أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون " المغرم الغرامة، والاثقال تحميل الثقل، والجملة معطوفة على قوله: " أم لهم شركاء " الخ. والمعنى: أم تسأل هؤلاء المجرمين - الذين يحكمون بتساوي المجرمين والمسلمين يوم القيامة - أجرا على دعوتك فهم من غرامة تحملها عليهم مثقلون فيواجهونك بمثل هذا القول تخلصا من الغرامة دون أن يكون ذلك منهم قولا جديا. قوله تعالى: " أم عندهم الغيب فهم يكتبون " ظاهر السياق أن يكون المراد بالغيب
________________________________________
[ 387 ]
غيب الاشياء الذي منه تنزل الامور بقدر محدود فتستقر في منصة الظهور، والمراد بالكتابة على هذا هوالتقدير والقضاء، والمراد بكون الغيب عندهم تسلطهم عليه وملكهم له. فالمعنى: أم بيدهم أمر القدر والقضاء فهم يقضون كما شاؤا فيقضون لانفسهم أن يساووا المسلمين يوم القيامة. وقيل: المراد بكون الغيب عندهم علمهم بصحة ما حكموا به والكتابة على ظاهر معناه والمعنى: أم عندهم علم بصحة ما يدعونه اختصوا به ولا يعلمه غيرهم فهم يكتبونه ويتوارثونه وينبغي أن يبرزوه. وهو بعيد بل مستدرك والاحتمالات الاخر المذكورة مغنية عنه. وإنما أخر ذكر هذا الاحتمال عن غيره حتى عن قوله: " أم تسألهم أجرا " مع أن مقتضى الظاهر أن يتقدم عليه، لكونه أضعف الاحتمالات وأبعدها. قوله تعالى: " فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم " صاحب الحوت يونس النبي عليه السلام والمكظوم من كظم الغيظ إذا تجرعه ولذا فسر بالمختنق بالغم حيث لا يجد لغيظه شفاء، ونهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يكون كيونس عليه السلام وهو في زمن النداء مملوء بالغم نهي عن السبب المؤدي إلى نظير هذا الابتلاء وهو ضيق الصدر والاستعجال بالعذاب. والمعنى: فاصبر لقاء ربك أن يستدرجهم ويملئ لهم ولا تستعجل لهم العذاب لكفرهم ولا تكن كيونس فتكون مثله وهو مملوء غما أو غيظا ينادي بالتسبيح والاعتراف بالظلم أي فاصبر واحذر أن تبتلي بما يشبه ابتلاءه، ونداؤه قوله في بطن الحوت: " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " كما في سورة الانبياء. وقيل: اللام في " لحكم ربك " بمعنى إلى وفيه تهديد لقومه ووعيد لهم أن سيحكم الله بينه وبينهم، والوجه المتقدم أنسب لسياق الآيات السابقة. قوله تعالى: " لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم " في مقام التعليل للنهي السابق: " لا تكن كصاحب الحوت " والتدارك الادراك واللحوق، وفسرت النعمة بقبول التوبة، والنبذ الطرح، والعراء الارض غير المستورة بسقف أو نبات، والذم مقابل المدح.
________________________________________
[ 388 ]
والمعنى: لولا أن أدركته ولحقت به نعمة من ربه وهو أن الله قبل توبته لطرح بالارض العراء وهو مذموم بما فعل. لا يقال: إن الآية تنافي قوله تعالى: " فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون " الصافات: 144، فإن مدلوله أن مقتضى عمله أن يلبث في بطنه إلى يوم القيامة ومقتضى هذه الآية أن مقتضاه أن يطرح في الارض العراء مذموما وهما تبعتان متنافيتان لا تجتمعان. فإن يقال: الآيتان تحكيان عن مقتضيين مختلفين لكل منهما أثر على حدة فآية الصافات تذكر أنه عليه السلام كان مداوما للتسبيح مستمرا عليه طول حياته قبل ابتلائه - وهو قوله: كان من المسبحين - ولولا ذلك للبث في بطنه إلى يوم القيامة، والآية التي نحن فيها تدل على أن النعمة وهو قبول توبته في بطن الحوت شملته فلم ينبذ بالعراء مذموما. فمجموع الآيتين يدل على أن ذهابه مغاضبا كان يقتضي أن يلبث في بطنه إلى يوم القيامة فمنع عنه دوام تسبيحه قبل التقامه وبعده، وقدر أن ينبذ بالعراء وكان مقتضى عمله أن ينبذ مذموما فمنع من ذلك تدارك نعمة ربه له فنبذ غير مذموم بل اجتباه الله وجعله من الصالحين فلا منافاة بين الآيتين. وقد تكرر في مباحثنا السابقة أن حقيقة النعمة الولاية وعلى ذلك يتعين لقوله: " لولا أن تداركه نعمة من ربه " معنى آخر. قوله تعالى: " فاجتباه ربه فجعله من الصالحين " تقدم توضيح معنى الاجتباء والصلاح في مباحثنا المتقدمة. قوله تعالى: " وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر " إن مخففة من الثقيلة، والزلق هو الزلل، والازلاق الازلال وهو الصرع كناية عن القتل والاهلاك. والمعنى: أنه قارب الذين كفروا أن يصرعوك بأبصارهم لما سمعوا الذكر. والمراد بإزلاقه بالابصار وصرعه بها - على ما عليه عامة المفسرين - الاصابة بالاعين، وهو نوع من التأثير النفساني لا دليل على نفيه عقلا وربما شوهد من الموارد ما يقبل الانطباق عليه، وقد وردت في الروايات فلا موجب لانكاره. وقيل: المعنى أنهم ينظرون اليك إذا سمعوا منك الذكر الذي هو القرآن نظرا مليئا بالعداوة والبغضاء يكادون يقتلونك بحديد نظرهم.
________________________________________
[ 389 ]
قوله تعالى: " ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين " رميهم له بالجنون عندما سمعوا الذكر دليل على أن مرادهم به رمي القرآن بأنه من إلقاء الشياطين، ولذا رد قولهم بأن القرآن ليس إلا ذكرا للعالمين. وقد رد قولهم: " إنه لمجنون " في أول السورة بقوله: " ما أنت بنعمة ربك بمجنون " وبه ينطبق خاتمة السورة على فاتحتها. (بحث روائي) في المعاني بإسناده عن الحسين بن سعيد عن أبي الحسن عليه السلام في قوله عز وجل: " يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود " قال: حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون سجدا وتدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود. وفيه بإسناده عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن قول الله عز وجل: " يوم يكشف عن ساق " قال: كشف إزاره عن ساقه فقال: سبحان ربي الاعلى. أقول: قال الصدوق بعد نقل الحديث: قوله: سبحان ربي الاعلى تنزيه الله سبحانه أن يكون له ساق. انتهى. وفي هذا المعنى رواية أخرى عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام. وفيه بإسناده عن معلى بن خنيس قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: ما يعني بقوله: " وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون " قال: وهم مستطيعون. وفي الدر المنثور أخرج البخاري وابن المنذر وابن مردويه عن أبي سعيد: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا. وفيه أخرج ابن مندة في الرد على الجهمية عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يوم يكشف عن ساق " قال: يكشف الله عن ساقه. وفيه أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا والطبراني والآجري في الشريعة والدارقطني في الرؤية والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجمع الله الناس يوم القيامة وينزل الله في ظلل من الغمام فينادي مناديا أيها الناس ألم ترضوا من ربكم [ الذي ] خلقكم وصوركم
________________________________________
[ 390 ]
ورزقكم أن يولي كل إنسان منكم ما كان يعبد في الدنيا ويتولى ؟ أليس ذلك من ربكم عدلا قالوا: بلى. قال: فينطلق كل إنسان منكم إلى ما كان يعبد في الدنيا ويتمثل لهم ما كانوا يعبدون في الدنيا فيتمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى، ويتثمل لمن كان يعبد عزيزا شيطان عزيز حتى يمثل لهم الشجرة والعود والحجر. ويبقى أهل الاسلام جثوما فيتمثل لهم الرب عز وجل فيقول لهم: مالكم لم تنطلقوا كما انطلق الناس ؟ فيقولون: إن لنا ربا ما رأيناه بعد فيقول: فبم تعرفون ربكم إن رأيتموه ؟ قالوا: بيننا وبينه علامة إن رأيناه عرفناه ؟ قال: وما هي ؟ قالوا: يكشف عن ساق. فيكشف عند ذلك عن ساق فيخر كل من كان يسجد طائعا ساجدا ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون. الحديث. أقول: والروايات الثلاث مبنية على التشبيه المخالف للبراهين العقلية ونص الكتاب العزيز فهي مطروحة مؤولة. وفي الكافي بإسناده عن سفيان بن السمط قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله إذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا أتبعه بنقمة وذكره الاستغفار، فإذا أراد بعبد شرا فأذنب ذنبا أتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى بها، وهو قول الله عز وجل: " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون " بالنعم والمعاصي. أقول: وقد تقدم بعض روايات الاستدراج في ذيل قوله تعالى: " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون " الآية 182 من سورة الاعراف. وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " إذ نادى وهو مكظوم " في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام: يقول: مغموم. وفيه في قوله تعالى: " لولا أن تداركه نعمة من ربه " قال: النعمة الرحمة. وفيه في قوله تعالى: " لنبذ بالعراء " قال: الموضع الذي لا سقف له. وفي الدر المنثور في قوله تعالى: " وإن يكاد الذين كفروا " أخرج البخاري عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العين حق.
________________________________________
[ 391 ]
وفيه أخرج أبو نعيم في الحلية عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر. أقول: وهناك روايات تطبق الآيات السابقة على الولاية وهي من الجري دون التفسير ولذلك لم نوردها. (سورة الحاقة مكية، وهي اثنتان وخمسون آية) بسم الله الرحمن الرحيم. الحاقة _ 1. ما الحاقة _ 2. وما أدراك ما الحاقة _ 3. كذبت ثمود وعاد بالقارعة _ 4. فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية _ 5. وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية _ 6. سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية _ 7. فهل ترى لهم من باقية _ 8. وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة _ 9. فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية _ 10. إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية _ 11. لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية _ 12. (بيان) السورة تذكر الحاقة وهي القيامة وقد سمتها أيضا بالقارعة والواقعة. وقد ساقت الكلام فيها في فصول ثلاثة: فصل تذكر فيه إجمالا الامم الذين كذبوا بها
________________________________________
[ 392 ]
فأخذهم الله أخذة رابية، وفصل تصف فيه الحاقة وانقسام الناس فيها إلى أصحاب اليمين وأصحاب الشمال واختلاف حالهم بالسعادة والشقاء، وفصل تؤكد فيه صدق القرآن في إنبائه بها وأنه حق اليقين، والسورة مكية بشهادة سياق آياتها. قوله تعالى: " الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة " المراد بالحاقة القيامة الكبرى سميت بها لثبوتها ثبوتا لا مرد له ولا ريب فيه، من حق الشئ بمعنى ثبت وتقرر تقررا واقعيا. و " ما " في " ما الحاقة " استفهامية تفيد تفخيم أمرها، ولذلك بعينه وضع الظاهر موضع الضمير ولم يقل: ما هي، والجملة الاستفهامية خبر الحاقة. فقوله: " الحاقة ما الحاقة " مسوق لتفخيم أمر القيامة يفيد تفخيم أمرها وإعظام حقيقتها إفادة بعد إفادة. وقوله: " وما أدراك ما الحاقة " خطاب بنفي العلم بحقيقة اليوم وهذا التعبير كناية عن كمال أهمية الشئ وبلوغه الغاية في الفخامة ولعل هذا هو المراد مما نقل عن ابن عباس: أن ما في القرآن من قوله تعالى: " ما أدراك " فقد أدراه وما فيه من قوله: " ما يدريك " فقد طوى عنه، يعني أن " ما أدراك " كناية و " ما يدريك " تصريح. قوله تعالى: " كذبت ثمود وعاد بالقارعة " المراد بالقارعة القيامة وسميت بها لانها تقرع وتدك السماوات والارض بتبديلها والجبال بتسييرها والشمس بتكويرها والقمر بخسفها والكواكب بنثرها والاشياء كلها بقهرها على ما نطقت به الآيات، وكان مقتضى الظاهر أن يقال: كذبت ثمود وعاد بها فوضع القارعة موضع الضمير لتأكيد تفخيم أمرها. وهذه الآية وما يتلوها إلى تمام تسع آيات وإن كانت مسوقة للاشارة إلى إجمال قصص قوم نوح وعاد وثمود وفرعون ومن قبله والمؤتفكات وإهلاكهم لكنها في الحقيقة بيان للحاقة ببعض أوصافها وهو أن الله أهلك أمما كثيرة بالتكذيب بها فهي في الحقيقة جواب للسؤال بما الاستفهامية كما أن قوله: " فإذا نفخ في الصور " الخ، جواب آخر. ومحصل المعنى: هي القارعة التي كذبت بها ثمود وعاد وفرعون ومن قبله والمؤتفكات وقوم نوح فأخذهم الله أخذة رابية وأهلكهم بعذاب الاستئصال. قوله تعالى: " فأما ثمود فاهلكوا بالطاغية " بيان تفصيلي لاثر تكذيبهم بالقارعة،
________________________________________
[ 393 ]
والمراد بالطاغية الصيحة أو الرجفة أو الصاعقة على اختلاف ظاهر تعبير القرآن في سبب هلاكهم في قصتهم قال تعالى: " وأخذ الذين ظلموا الصيحة " هود: 67، وقال أيضا: " فأخذتهم الرجفة " الاعراف: 87، وقال أيضا: " فأخذتهم صاعقة العذاب الهون " حم السجدة: 17. وقيل: الطاغية مصدر كالطغيان والطغوى والمعنى: فأما ثمود فاهلكوا بسبب طغيانهم، ويؤيده قوله تعالى: " كذب ثمود بطغواها " الشمس: 11. وأول الوجهين أنسب لسياق الآيات التالية حيث سيقت لبيان كيفية إهلاكهم من الاهلاك بالريح أو الاخذ الرابي أو طغيان الماء فليكن هلاك ثمود بالطاغية ناظرا إلى كيفية إهلاكهم. قوله تعالى: " وأما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتية " الصرصر الريح الباردة الشديدة الهبوب، وعاتية من العتو بمعنى الطغيان والابتعاد من الطاعة والملاءمة. قوله تعالى: " سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام فترى القو م فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية " تسخيرها عليهم تسليطها عليهم، والحسوم جمع حاسم كشهود جمع شاهد من الحسم بمعنى تكرار الكي مرات متتالية، وهي صفة لسبع أي سبع ليال وثمانية أيام متتالية متتابعة وصرعى جمع صريع وأعجاز جمع عجز بالفتح فالضم آخر الشئ، وخاوية الخالية الجوف الملقاة والمعنى ظاهر. قوله تعالى: " فهل ترى لهم من باقية " أي من نفس باقية، والجملة كناية عن استيعاب الهلاك لهم جميعا، وقيل: الباقية مصدر بمعنى البقاء وقد أريد به البقية وما قدمناه من المعنى أقرب. قوله تعالى: " وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة " المراد بفرعون فرعون موسى، وبمن قبله الامم المتقدمة عليه زمانا من المكذبين، وبالمؤتفكات قرى قوم لوط والجماعة القاطنة بها، " وخاطئة " مصدر بمعنى الخطاء والمراد بالمجئ بالخاطئة إخطاء طريق العبودية، والباقي ظاهر. قوله تعالى: " فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية " ضمير " عصوا " لفرعون
________________________________________
[ 394 ]
ومن قبله والمؤتفكات، والمراد بالرسول جنسه، والرابية الزائدة من ربا يربو ربوة إذا زاد، والمراد بالاخذة الرابية العقوبة الشديدة وقيل: العقوبة الزائدة على سائر العقوبات وقيل: الخارقة للعادة. قوله تعالى: " إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية " إشارة إلى طوفان نوح والجارية السفينة، وعد المخاطبين محمولين في سفينة نوح والمحمول في الحقيقة أسلافهم لكون الجميع نوعا واحدا ينسب حال البعض منه إلى الكل والباقي ظاهر. قوله تعالى: " لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية " تعليل لحملهم في السفينة فضمير " لنجعلها " للحمل باعتبار أنه فعلة أي فعلنا بكم تلك الفعلة لنجعلها لكم أمرا تتذكرون به وعبرة تعتبرون بها وموعظة تتعظون بها. وقوله: " وتعيها أذن واعية " الوعي جعل الشئ في الوعاء، والمراد بوعي الاذن لها تقريرها في النفس وحفظهافيها لترتب عليها فائدتها وهي التذكر والاتعاظ. وفي الآية بجملتيها إشارة إلى الهداية الربوبية بكلا قسميها أعني الهداية بمعنى إراءة الطريق والهداية بمعنى الايصال إلى المطلوب. توضيح ذلك أن من السنة الربوبية العامة الجارية في الكون هداية كل نوع من أنواع الخليقة إلى كماله اللائق به بحسب وجوده الخاص بتجهيزه بما يسوقه نحو غايته كما يدل عليه قوله تعالى: " الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " طه: 50، وقوله: " الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى " الاعلى: 3، وقد تقدم توضيح ذلك في تفسير سورتي طه والاعلى وغيرهما. والانسان يشارك سائر الانواع المادية في أن له استكمالا تكوينيا وسلوكا وجوديا نحو كماله الوجودي بالهداية الربوبية التي تسوقه نحو غايته المطلوبة ويختص من بينها بالاستكمال التشريعي فإن للنفس الانسانية استكمالا من طريق أفعالها الاختيارية بما يلحقها من الاوصاف والنعوت وتتلبس به من الملكات والاحوال في الحياة الدنيا وهي غاية وجود الانسان التي تعيش بها عيشة سعيدة مؤبدة. وهذا هو السبب الداعي إلى تشريع السنة الدينية بإرسال الرسل وإنزال الكتب والهداية إليها " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " النساء: 165، وقد تقدم تفصيله في أبحاث النبوة في الجزء الثاني من الكتاب وغيره، وهذه هداية بمعنى إراءة
________________________________________
[ 395 ]
الطريق وإعلام الصراط المستقيم الذي لا يسع الانسان إلا أن يسلكه، قال تعالى: " إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " الدهر: 3، فإن لزم الصراط وسلكه حي بحياة طيبة سعيدة وإن تركه وأعرض عنه هلك بشقاء دائم وتمت عليه الحجة على أي حال، قال تعالى: " ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة " الانفال: 42. إذا تقرر هذا تبين أن من سنة الربوبية هداية الناس إلى سعادة حياتهم بإراءة الطريق الموصل إليها، وإليها الاشارة بقوله: " لنجعلها لكم تذكرة " فإن التذكرة لا تستوجب التذكر ممن ذكر بها بل ربما أثرت وربما تخلفت. ومن سنة الربوبية هداية الاشياء إلى كمالاتها بمعنى إنهائها وإيصالها إليها بتحريكها وسوقها نحوه، وإليها الاشارة بقوله: " وتعيها أذن واعية " فإن الوعي المذكور من مصاديق الاهتداء بالهداية الربوبية وإنما لم ينسب تعالى الوعي إلى نفسه كما نسب التذكرة إلى نفسه لان المطلوب بالتذكرة إتمام الحجة وهو من الله وأما الوعي فإنه وإن كان منسوبا إليه كما أنه منسوب إلى الانسان لكن السياق سياق الدعوة وبيان الاجر والمثوبة على إجابة الدعوة والاجر والمثوبة من آثار الوعي بما أنه فعل للانسان منسوب إليه لا بما أنه منسوب إلى الله تعالى. ويظهر من الآية الكريمة أن للحوادث الخارجية تأثيرا في أعمال الانسان كما يظهر من مثل قوله: " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض " الاعراف: 96 أن لاعمال الانسان تأثيرا في الحوادث الخارجية وقد تقدم بعض الكلام فيه. (بحث روائي) في الدر المنثور أخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: " لنجعلها لكم تذكرة " قال: لامة محمد صلى الله عليه وسلم، وكم من سفينة قد هلكت وأثر قد ذهب يعني ما بقي من السفينة حتى أدركته أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرأوه كانت ألواحها ترى على الجودي. أقول: وتقدم ما يؤيد ذلك في قصة نوح في تفسير سورة هود. وفيه أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن مكحول قال: لما نزلت " وتعيها أذن واعية " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سألت ربي أن يجعلها
________________________________________
[ 396 ]
أذن علي. قال مكحول: فكان علي يقول: ما سمعت عن رسول الله شيئا فنسيته. وفيه أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والواحدي وابن مردويه وابن عساكر وابن النجاري عن بردة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي وحق لك أن تعي فنزلت هذه الآية " وتعيها أذن واعية ". وفيه أخرج أبو نعيم في الحلية عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي: إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي فانزلت هذه الآية " وتعيها أذن واعية " فأنت أذن واعية لعلمي. أقول: وروى هذا المعنى في تفسير البرهان عن سعد بن عبد الله بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام، وعن الكليني بإسناده عنه عليه السلام، وعن ابن بابويه بإسناده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام. ورواه أيضا عن ابن شهر آشوب عن حلية الاولياء عن عمر بن علي، وعن الواحدي في أسباب النزول عن بريدة، وعن أبي القاسم بن حبيب في تفسيره عن زر بن حبيش عن علي عليه السلام. وقد روى في غاية المرام من طرق الفريقين ستة عشر حديثا في ذلك وقال في البرهان إن محمد بن العباس روى فيه ثلاثين حديثا من طرق العامة والخاصة. فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة _ 13. وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة _ 14. فيومئذ وقعت الواقعة _ 15. وانشقت السماء فهي يومئذ واهية _ 16. والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية _ 17. يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية _ 18. فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه _ 19. إني ظننت أني ملاق حسابيه _ 20.
________________________________________
[ 397 ]
فهو في عيشة راضية _ 21. في جنة عالية _ 22. قطوفها دانية _ 23. كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الايام الخالية _ 24. وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه _ 25. ولم أدر ما حسابيه _ 26. يا ليتها كانت القاضية _ 27. ما أغنى عني ماليه _ 28. هلك عني سلطانيه _ 29. خذوه فغلوه _ 30. ثم الجحيم صلوه _ 31. ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه _ 32. إنه كان لا يؤمن بالله العظيم _ 33. ولا يحض على طعام المسكين _ 34. فليس له اليوم ههنا حميم _ 35. ولا طعام إلا من غسلين _ 36. لا يأكله إلا الخاطئون _ 37. (بيان) هذا هو الفصل الثاني من الآيات يعرف الحاقة ببعض أشراطها ونبذة مما يقع فيها. قوله تعالى: " فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة " قد تقدم أن النفخ في الصور كناية عن البعث والاحضار لفصل القضاء، وفي توصيف النفخة بالواحدة إشارة إلى مضي الامر ونفوذ القدرة فلا وهن فيه حتى يحتاج إلى تكرار النفخة، والذي يسبق إلى الفهم من سياق الآيات أنها النفخة الثانية التي تحيي الموتى. قوله تعالى: " وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة " الدك أشد الدق وهو كسر الشئ وتبديله إلى أجزاء صغار، وحمل الارض والجبال إحاطة القدرة بها، وتوصيف الدكة بالواحدة للاشارة إلى سرعة تفتتهما بحيث لا يفتقر إلى دكة ثانية. قوله تعالى: " فيومئذ وقعت الواقعة " أي قامت القيامة.
________________________________________
[ 398 ]
قوله تعالى: " وانشقت السماء فهي يومئذ واهية " انشقاق الشئ انفصال شطر منه من شطر آخر، وواهية من الوهي بمعنى الضعف، وقيل: من الوهي بمعنى شق الاديم والثوب ونحوهما. ويمكن أن تكون الآية أعني قوله: " وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على رجائها " في معنى قوله: " ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا " الفرقان: 25. قوله تعالى: " والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية " قال الراغب: رجا البئر والسماء وغيرهما جانبها والجمع أرجاء قال تعالى: " والملك على أرجائها " انتهى، والملك - كما قيل - يطلق على الواحد والجمع والمراد به في الآية الجمع. وقوله: " ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية " ضمير " فوقهم " على ظاهر ما يقتضيه السياق للملائكة، وقيل: الضمير للخلائق. وظاهر كلامه أن للعرش اليوم حملة من الملائكة قال تعالى: " الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا " المؤمن: 7، وقد وردت الروايات أنهم أربعة، وظاهر الآية أعني قوله: " ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية " أن الحملة يوم القيامة ثمانية وهل هم من الملائكة أو من غيرهم ؟ الآية ساكتة عن ذلك وإن كان لا يخلو السياق من إشعار ما بأنهم من الملائكة. ومن الممكن - كما تقدمت الاشارة إليه - أن يكون الغرض من ذكر انشقاق السماء وكون الملائكة على أرجائها وكون حملة العرش يومئذ ثمانية بيان ظهور الملائكة والسماء والعرش للانسان يومئذ، قال تعالى: " وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم " الزمر: 75. قوله تعالى: " يومئذ تعرضون لا يخفى منكم خافية " الظاهر أن المراد به العرض على الله كما قال تعالى: " وعرضوا على ربك صفا " الكهف: 48، والعرض إراءة البائع سلعته للمشتري ببسطها بين يديه، فالعرض يومئذ على الله وهو يوم القضاء إبراز ما عند الانسان من اعتقاد وعمل إبرازا لا يخفى معه عقيدة خافية ولا فعلة خافية وذلك بتبدل الغيب شهادة والسر علنا قال: " يوم تبلى السرائر " الطارق: 9، وقال: " يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شئ " المؤمن: 16. وقد تقدم في أبحاثنا السابقة أن ما عد في كلامه تعالى من خصائص يوم القيامة
________________________________________
[ 399 ]
كاختصاص الملك بالله، وكون الامر له، وأن لا عاصم منه، وبروز الخلق له وعدم خفاء شئ منهم عليه وغير ذلك، كل ذلك دائمية الثبوت له تعالى، وإنما المراد ظهور هذه الحقائق يومئذ ظهورا لا ستر عليه ولا مرية فيه. فالمعنى: يومئذ يظهر أنكم في معرض على علم الله ويظهر كل فعلة خافية من أفعالكم. قوله تعالى: " فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه " قال في المجمع: هاؤم أمر للجماعة بمنزلة هاكم، تقول للواحد: هاء يا رجل، وللاثنين: هاؤما يا رجلان، وللجماعة: هاؤم يا رجال، وللمرأة: هاء يا امرأة بكسر الهمزة وليس بعدها ياء، وللمرأتين: هاؤما، وللنساء: هاؤن. هذه لغة أهل الحجاز. وتميم وقيس يقولون: هاء يا رجل مثل قول أهل الحجاز، وللاثنين: هاءآ، وللجماعة: هاؤا، وللمرأة: هائي، وللنساء: هاؤن. وبعض العرب يجعل مكان الهمزة كافا فيقول: هاك هاكما هاكم هاك هاكما هاكن، ومعناه: خذ وتناول، ويؤمر بها ولا ينهى. انتهى. والآية وما بعدها إلى قوله: " الخاطؤن " بيان تفصيلي لاختلاف حال الناس يومئذ من حيث السعادة والشقاء، وقد تقدم في تفسير قوله تعالى: " فمن أوتي كتابه بيمينه " أسرى: 71 كلام في معنى إعطاء الكتاب باليمين، والظاهر أن قوله: " هاؤم اقرؤا كتابيه " خطاب للملائكة، والهاء في " كتابيه " وكذا في أواخر الآيات التالية للوقف وتسمى هاء الاستراحة. والمعنى: فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول للملائكة: خذوا واقرؤا كتابيه أي إنها كتاب يقضي بسعادتي. قوله تعالى: " إني ظننت أني ملاق حسابيه " الظن بمعنى اليقين، والآية تعليل لما يتحصل من الآية السابقة ومحصل التعليل إنما كان كتابي كتاب اليمين وقاضيا بسعادتي لاني أيقنت في الدنيا أني سالاقي حسابي فآمنت بربي وأصلحت عملي. قوله تعالى: " فهو في عيشة راضية " أي يعيش عيشة يرضاها فنسبة الرضا إلى العيشة من المجاز العقلي. قوله تعالى: " في جنة عالية - إلى قوله - الخالية " أي هو في جنة عالية قدرا فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
________________________________________
[ 400 ]
وقوله: " قطوفها دانية " القطوف جمع قطف بالكسر فالسكون وهو ما يجتنى من الثمر والمعنى: أثمارها قريبة منه يتناوله كيف يشاء. وقوله: " كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الايام الخالية " أي يقال لهم: كلوا واشربوا من جميع ما يؤكل فيها وما يشرب حال كونه هنيئا لكم بما قدمتم من الايمان والعمل الصالح في الدنيا التى تقضت أيامها. قوله تعالى: " وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه " وهؤلاء هم الطائفة الثانية وهم الاشقياء المجرمون يؤتون صحيفة أعمالهم بشمالهم وقد مر الكلام في معناه في سورة الاسراء، وهؤلاء يتمنون أن لو لم يكونوا يؤتون كتابهم ويدرون ما حسابهم يتمنون ذلك لما يشاهدون من أليم العذاب المعد لهم. قوله تعالى: " يا ليتها كانت القاضية " ذكروا أن ضمير " ليتها " للموتة الاولى التي ذاقها الانسان في الدنيا. والمعنى: يا ليت الموتة الاولى التي ذقتها كانت قاضية على تقضي بعدمي فكنت انعدمت ولم أبعث حيا فأقع في ورطة العذاب الخالد وأشاهد ما أشاهد. قوله تعالى: " ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه " كلمتا تحسر يقولهما حيث يرى خيبة سعيه في الدنيا فإنه كان يحسب أن مفتاح سعادته في الحياة هو المال والسلطان يدفعان عنه كل مكروه ويسلطانه على كل ما يحب ويرضى فبذل كل جهده في تحصيلهما وأعرض عن ربه وعن كل حق يدعى إليه وكذب داعيه فلما شاهد تقطع الاسباب وأنه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ذكر عدم نفع ما له وبطلان سلطانه تحسرا وتوجعا وماذا ينفع التحسر ؟ قوله تعالى: " خذوه فغلوه - إلى قوله - فاسلكوه " حكاية أمره تعالى الملائكة بأخذه وإدخاله النار، والتقدير يقال للملائكة خذوه الخ، و " غلوه " أمر من الغل بالفتح وهو الشد بالغل الذي يجمع بين اليد والرجل والعنق. وقوله: " ثم الجحيم صلوه " أي أدخلوه النار العظيمة وألزموه إياها. وقوله: " ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه " السلسلة القيد، والذرع الطول، والذراع بعد ما بين المرفق ورأس الاصابع وهو واحد الطول وسلوكه فيه جعله فيه، والمحصل ثم اجعلوه في قيد طوله سبعون ذراعا.
________________________________________
[ 401 ]
قوله تعالى: " إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين " الحض التحريض والترغيب، والآيتان في مقام التعليل للامر بالاخذ والادخال في النار أي أن الاخذ ثم التصلية في الجحيم والسلوك في السلسلة لاجل أنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحرض على طعام المسكين أي يساهل في أمر المساكين ولا يبالي بما يقاسونه. قوله تعالى: " فليس له اليوم ههنا حميم - إلى قوله - الخاطؤن " الحميم الصديق والآية تفريع على قوله: " إنه كان لا يؤمن " الخ، والمحصل: أنه لما كان لا يؤمن بالله العظيم فليس له اليوم ههنا صديق ينفعه أي شفيع يشفع له إذ لا مغفرة لكافر فلا شفاعة. وقوله: " ولا طعام إلا من غسلين " الغسلين الغسالة وكأن المراد به ما يسيل من أبدان أهل النار من قيح ونحوه والآية عطف على قوله في الآية السابقة: " حميم " ومتفرع على قوله: " ولا يحض " الخ، والمحصل: أنه لما كان لا يحرض على طعام المسكين فليس له اليوم ههنا طعام إلا من غسلين أهل النار. وقوله: " لا يأكله إلا الخاطؤن " وصف لغسلين والخاطؤن المتلبسون بالخطيئة والاثم. (بحث روائي) في الدر المنثور في قوله تعالى: " ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية " أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحمله اليوم أربعة ويوم القيامة ثمانية. أقول: وفي تقييد الحاملين في الآية بقوله: " يومئذ " إشعار بل ظهور في اختصاص العدد بالقيامة. وفي تفسير القمي وفي حديث آخر قال: حمله ثمانية أربعة من الاولين وأربعة من الآخرين فأما الاربعة من الاولين فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وأما الاربعة من الآخرين فمحمد وعلي والحسن والحسين عليهم السلام. أقول: وفي غير واحد من الروايات أن الثمانية مخصوصة بيوم القيامة، وفي بعضها أن حملة العرش - والعرش العلم - أربعة منا وأربعة ممن شاء الله. وفي تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أنه إذا كان يوم القيامة يدعى كل أناس بإمامه الذي مات في عصره فإن أثبته أعطي كتابه بيمينه لقوله: " يوم ندعوا
________________________________________
[ 402 ]
كل أناس بإمامهم " فمن أوتي كتابه بيمينه فاولئك يقرأون كتابهم، واليمين إثبات الامام لانه كتابه يقرؤه - إلى أن قال - ومن أنكر كان من أصحاب الشمال الذين قال الله: وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم " الخ. أقول: وفي عدة من الروايات تطبيق قوله: " فأما من أوتي كتابه بيمينه " الخ، على علي عليه السلام، وفي بعضها عليه وعلى شيعته، وكذا تطبيق قوله: " وأما من أوتي كتابه بشماله " الخ، على أعدائه، وهي من الجري دون التفسير. وفي الدر المنثور أخرج الحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أن دلوا من غسلين يهراق في الدنيا لانتن بأهل الدنيا. وفيه أخرج البيهقي في شعب الايمان عن صعصعة بن صوحان قال: جاء أعرابي إلى علي بن أبي طالب فقال: كيف هذا الحرف: لا يأكله إلا الخاطون ؟ كل والله يخطو. فتبسم علي وقال: يا أعرابي " لا يأكله إلا الخاطؤن " قال: صدقت والله يا أمير المؤمنين ما كان الله ليسلم عبده. ثم التفت علي إلى أبي الاسود فقال: إن الاعاجم قد دخلت في الدين كافة فضع للناس شيئا يستدلون به على صلاح ألسنتهم فرسم لهم الرفع والنصب والخفض. وفي تفسير البرهان عن ابن بابويه في الدروع الواقية في حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ولو أن ذراعا من السلسلة التي ذكرها الله في كتابه وضع على جميع جبال الدنيا لذابت عن حرها. فلا أقسم بما تبصرون _ 38. وما لا تبصرون _ 39. إنه لقول رسول كريم _ 40. وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون _ 41. ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون _ 42. تنزيل من رب العالمين _ 43. ولو تقول علينا بعض الاقاويل _ 44. لاخذنا منه باليمين _ 45. ثم لقطعنا منه الوتين _ 46. فما
________________________________________
[ 403 ]
منكم من أحد عنه حاجزين _ 47. وإنه لتذكرة للمتقين _ 48. وإنا لنعلم أن منكم مكذبين _ 49. وإنه لحسرة على الكافرين _ 50. وإنه لحق اليقين _ 51. فسبح باسم ربك العظيم _ 52. (بيان) هذا هو الفصل الثالث من آيات السورة يؤكد ما تقدم من أمر الحاقة بلسان تصديق القرآن الكريم ليثبت بذلك حقية ما أنبأ به من أمر القيامة. قوله تعالى: " فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون " ظاهر الآية أنه إقسام بما هو مشهود لهم وما لا يشاهدون أي الغيب والشهادة فهو إقسام بمجموع الخليقة ولا يشمل ذاته المتعالية فإن من البعيد من أدب القرآن أن يجمع الخالق والخلق في صف واحد ويعظمه تعالى وما صنع تعظيما مشتركا في عرض واحد. وفي الاقسام نوع تعظيم وتجليل للمقسم به وخلقه تعالى بما أنه خلقه جليل جميل لانه تعالى جميل لا يصدر منه إلا الجميل وقد استحسن تعالى فعل نفسه وأثنى على نفسه بخلقه في قوله: " الذي أحسن كل شئ خلقه " الم السجدة: 7، وقوله: " فتبارك الله أخسن الخالقين " المؤمنون: 14. فليس للموجودات منه تعالى إلا الحسن وما دون ذلك من مساءة فمن أنفسها وبقياس بعضها إلى بعض. وفي اختيار ما يبصرون وما لا يبصرون للاقسام به على حقية القرآن ما لا يخفى من المناسبة فإن النظام الواحد المتشابك أجزاؤه الجاري في مجموع العالم يقضي بتوحده تعالى ومصير الكل إليه وما يترتب عليه من بعث الرسل وإنزال الكتب والقرآن خير كتاب سماوي يهدي إلى الحق في جميع ذلك وإلى طريق مستقيم. ومما تقدم يظهر عدم استقامة ما قيل: إن المراد بما تبصرون وما لا تبصرون الخلق والخالق فإن السياق لا يساعد عليه، وكذا ما قيل: إن المراد النعم الظاهرة والباطنة، وما قيل: إن المراد الجن والانس والملائكة أو الاجسام والارواح أو الدنيا والآخرة أو ما يشاهد من آثار القدرة وما لا يشاهد من أسرارها فاللفظ أعم مدلولا من جميع ذلك.
________________________________________
[ 404 ]
قوله تعالى: " إنه لقول رسول كريم " الضمير للقرآن، والمستفاد من السياق أن المراد برسول كريم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو تصديق لرسالته قبال ما كانوا يقولون إنه شاعر أو كاهن. ولا ضير في نسبة القرآن إلى قوله فإنه إنما يسنب إليه بما أنه رسول والرسول بما أنه رسول لا يأتي إلا بقول مرسله، وقد بين ذلك فضل بيان بقوله بعد: " تنزيل من رب العالمين ". وقيل: المراد برسول كريم جبريل، والسياق لا يؤيده إذ لو كان هو المراد لكان الانسب نفي كونه مما نزلت به الشياطين كما فعل في سورة الشعراء. على أن قوله بعد: " ولو تقول علينا بعض الاقاويل " وما يتلوه إنما يناسب كونه صلى الله عليه وآله وسلم هو المراد برسول كريم. قوله تعالى: " وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون " نفي أن يكون القرآن نظما ألفه شاعر ولم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم شعرا ولم يكن شاعرا. وقوله: " قليلا ما تؤمنون " توبيخ لمجتمعهم حيث إن الاكثرين منهم لم يؤمنوا وما آمن به إلا قليلا منهم. قوله تعالى: " ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون " نفي أن يكون القرآن كهانة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كاهنا بأخذ القرآن من الجن وهم يلقونه إليه. وقوله: " قليلا ما تذكرون " توبيخ أيضا لمجتمعهم. قوله تعالى: " تنزيل من رب العالمين " أي منزل من رب العالمين وليس من صنع الرسول نسبه إلى الله كما تقدمت الاشارة إليه. قوله تعالى: " ولو تقول علينا بعض الاقاويل - إلى قوله - حاجزين " يقال: تقول على فلان أي اختلق قولا من نفسه ونسبه إليه، والوتين - على ما ذكره الراغب - عرق يسقي الكبد وإذا انقطع مات صاحبه، وقيل: هو رباط القلب. والمعنى: " ولو تقول علينا " هذا الرسول الكريم الذي حملناه رسالتنا وأرسلناه اليكم بقرآن نزلناه عليه واختلق " بعض الاقاويل " ونسبه الينا " لاخذنا منه باليمين " كما يقبض على المجرم فيؤخذ بيده أو المراد قطعنا منه يده اليمنى أو المراد لانتقمنا منه بالقوة كما في رواية القمي " ولقطعنا منه الوتين " وقتلناه لتقوله علينا " فما منكم من أحد عنه
________________________________________
[ 405 ]
حاجزين " تحجبونه عنا وتنجونه من عقوبتنا وإهلاكنا. وهذا تهديد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم على تقدير أن يفتري على الله كذبا وينسب إليه شيئا لم يقله وهو رسول من عنده أكرمه بنبوته واختاره لرسالته. فالآيات في معنى قوله: " لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذن وهو رسول من عنده أكرمه بنبوته واختاره لرسالته. فالآيات في معنى قوله: " لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذن لاذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا " أسرى: 75، وكذا قوله في الانبياء بعد ذكر نعمه العظمى عليهم: " ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعلمون " الانعام: 88. فلا يرد أن مقتضى الآيات أن كل من ادعى النبوة وافترى على الله الكذب أهلكه الله وعاقبه في الدنيا أشد العقاب وهو منقوض ببعض مدعي النبوة من الكذابين. وذلك أن التهديد في الآية متوجبة إلى الرسول الصادق في رسالته لو تقول على الله ونسب إليه بعض ما ليس منه لا مطلق مدعي النبوة المفتري على الله في دعواه النبوة وإخباره عن الله تعالى. قوله تعالى: " وإنه لتذكرة للمتقين " يذكرهم كرامة تقواهم ومعارف المبدأ والمعاد بحقائقها، ويعرفهم درجاتهم عند الله ومقاماتهم في الآخرة والجنة وما هذا شأنه لا يكون تقولا وافتراء فالآية مسوقة حجة على كون القرآن منزها عن التقول والفرية. قوله تعالى: " وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين " ستظهر لهم يوم الحسرة. قوله تعالى: " وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم " قد تقدم كلام في نظيرتي الآيتين في آخر سورة الواقعة، والسورتان متحدتان في الغرض وهو وصف يوم القيامة ومتحدتان في سياق خاتمتهما وهي الاقسام على حقيقة القرآن المنبئ عن يوم القيامة، وقد ختمت السورتان بكون القرآن وما أنبأ به عن وقوع الواقعة حق اليقين ثم الامر بتسبيح اسم الرب العظيم المنزه عن خلق العالم باطلا لا معاد فيه وعن أن يبطل المعارف الحقة التي يعطيها القرآن في أمر المبدأ والمعاد. - تم والحمد لله -


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page