• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 326الي 350


[ 326 ]
الذكر ليطيعوه فيه وأن في تمرده ومخالفته الحساب الشديد والعذاب الاليم وفي طاعته الجنة الخالدة كل ذلك لانه قدير عليم. فقوله: " الله الذي خلق سبع سماوات " تقدم بعض الكلام فيه في تفسير سورة حم السجدة. وقوله: " ومن الارض مثلهن " ظاهره المثلية في العدد، وعليه فالمعنى: وخلق من الارض سبعا كما خلق من السماء سبعا فهل الارضون السبع سبع كرات من نوع الارض التي نحن عليها والتي نحن عليها إحداها ؟ أو الارض التي نحن عليها سبع طبقات محيطة بعضها ببعض والطبقة العليا بسيطها الذي نحن عليه ؟ أو المراد الاقاليم السبعة التي قسموا إليها المعمور من سطح الكرة ؟ وجوه ذهب إلى كل منها جمع وربما لاح بالرجوع إلى ما تقدم في تفسير سورة حم السجدة محتمل آخر غيرها. وربما قيل: إن المراد بقوله: " ومن الارض مثلهن " أنه خلق من الارض شيئا هو مثل السماوات السبع وهو الانسان المركب من المادة الارضية والروح السماوية التي فيها نماذج سماوية ملكوتيه. وقوله: " يتنزل الامر بينهن " الظاهر أن الضمير للسماوات والارض جميعا والامر هو الامر الالهي الذي فسره بقوله: " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن " يس: 83، وهو كلمة الايجاد، وتنزله هو أخذه بالنزول من مصدر الامر إلى سماء بعد سماء حتى ينتهي إلى العالم الارضي فيتكون ما قصد بالامر من عين أو أثر أو رزق أو موت أو حياه أو عزة أو ذلة أو غير ذلك قال تعالى: " وأوحى في كل سماء أمرها " حم السجدة: 12، وقال: " يدبر الامر من السماء إلى الارض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون " ألم السجدة 5. وقيل: المراد بالامر الامر التشريعي يتنزل ملائكة الوحي به من السماء إلى النبي وهو بالارض. وهو تخصيص من غير مخصص وذيل الآية " لتعلموا أن الله " الخ، لا يلائمه. وقوله: " أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما " من الغايات المترتبة على خلقه السماوات السبع ومن الارض مثلهن وتنزيله الامر بينهن، وفي ذلك انتساب الخلق والامر إليه واختصاصهما به فإن المتفكر في ذلك لا يرتاب في قدرته على كل
________________________________________
[ 327 ]
شئ وعلمه بكل شئ فليتق مخالفة أمره أولوا الالباب من المؤمنين فإن سنة هذا القدير العليم تجري على إثابة المطيعين لاوامره، ومجازاة العاتين المستكبرين وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد. (بحث روائي) في تفسير القمي في قوله تعالى: " وكأين من قرية " قال: أهل القرية. وفي تفسير البرهان عن ابن بابويه بإسناده عن الريان بن الصلت عن الرضا عليه السلام في حديث المأمون قال: الذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أهله وذلك بين في كتاب الله حيث يقول في سورة الطلاق: " فاتقوا الله يا أولى الالباب الذين آمنوا قد أنزل الله اليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات " قال: فالذكر رسول الله ونحن أهله. وفي تفسير القمي حدثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قلت له: أخبرني عن قول الله عز وجل: " والسماء ذات الحبك " فقال: هي محبوكة إلى الارض وشبك بين أصابعه فقلت: كيف تكون محبوكة إلى الارض والله يقول: رفع السماوات بغير عمد ترونها ؟ فقال: سبحان الله أليس الله يقول: بغير عمد ترونها ؟ قلت: بلى. قال: فثم عمد ولكن لا ترونها. قلت: فكيف ذلك جعلني الله فداك ؟ قال: فبسط كفه اليسرى ثم وضع اليمنى عليها فقال: هذه أرض الدنيا والسماء الدنيا فوقها قبة، والارض الثانية فوق السماء الدنيا والسماء الثانية فوقها قبة، والارض الثالثة فوق السماء الثانية والسماء الثالثة فوقها قبة، والارض الرابعة فوق السماء الثالثة والسماء الرابعة فوقها قبة، والارض الخامسة فوق السماء الرابعة والسماء الخامسة فوقها قبة، والارض السادسة فوق السماء الخامسة والسماء السادسة فوقها قبة، والارض السابعة فوق السماء السادسة والسماء السابعة فوقها قبة وعرش الرحمان تبارك وتعالى فوق السماء السابعة وهو قول الله عز وجل: الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن. فأما صاحب الامر فهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والوصي بعد رسول الله قائم على وجه الارض فإنما يتنزل الامر إليه من فوق السماء من بين السماوات والاراضين.
________________________________________
[ 328 ]
قلت: فما تحتنا إلا أرض واحدة ؟ فقال: ما تحتنا إلا أرض واحدة وإن الست لهن (لهي) فوقنا. أقول: وعن الطبرسي عن العياشي عن الحسين بن خالد عن الرضا عليه السلام مثله. والحديث نادر في بابه، وهو وخاصة ما في ذيله من تنزل الامر أقرب إلى الحمل على المعنى منه إلى الحمل على الصورة والله أعلم. (سورة التحريم مدنية، وهي اثنتا عشرة آية) بسم الله الرحمن الرحيم. يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم _ 1. قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم _ 2. وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير _ 3. إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير _ 4. عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا _ 5. يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ
________________________________________
[ 329 ]
شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون _ 6. يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون _ 7. يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيأتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شئ قدير _ 8. يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير _ 9. (بيان) تبدأ السورة بالاشارة إلى ما جرى بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين بعض أزواجه من قصة التحريم فيعاتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتحريمه ما أحل الله له ابتغاء لمرضاة بعض أزواجه ومرجعه إلى عتاب تلك البعض والانتصار له صلى الله عليه وآله وسلم كما يدل عليه سياق الآيات. ثم تخاطب المؤمنين أن يقوا أنفسهم من عذاب الله النار التي وقودها الناس والحجارة وليسوا يجزون إلا بأعمالهم ولا مخلص منها إلا للنبي والذين آمنوا معه ثم تخاطب النبي بجهاد الكفار والمنافقين. وتختتم السورة بضربه تعالى مثلا من النساء للكفار ومثلا منهن للمؤمنين. وظهور السياق في كون السورة مدنية لا ريب فيه. قوله تعالى: " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم " خطاب مشوب بعتاب لتحريمه صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه بعض ما أحل الله له، ولم يصرح تعالى به ولم يبين أنه ما هو ؟ وماذا كان ؟ غير أن قوله: " تبتغي مرضاة أزواجك " يومي
________________________________________
[ 330 ]
أنه كان عملا من الاعمال المحللة التي يقترفها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ترتضيه أزواجه فضيقن عليه وآذينه حتى أرضاهن بالحلف على أن يتركه ولا يأتي به بعد. فقوله: " يا أيها النبي " علق الخطاب والنداء بوصف النبي دون الرسول لاختصاصه به في نفسه دون غيره حتى يلائم وصف الرسالة. وقوله: " لم تحرم ما أحل الله لك " المراد بالتحريم التسبب إلى الحرمة بالحلف على ما تدل عليه الآية التالية فإن ظاهر قوله: " قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم " الخ، أنه صلى الله عليه وآله وسلم حلف على ذلك ومن شأن اليمين أن يوجب عروض الوجوب إن كان الحلف على الفعل والحرمة وإن كان الحلف على الترك، وإذ كان صلى الله عليه وآله وسلم حلف على ترك ما أحل الله له فقد حرم ما أحل الله له بالحلف. وليس المراد بالتحريم تشريعه صلى الله عليه وآله وسلم على نفسه الحرمة فيما شرع الله له فيه الحلية فليس له ذلك. وقوله: " تبتغي مرضاة أزواجك " أي تطلب بالتحريم رضاهن بدل من " تحرم " الخ، أو حال من فاعله، والجملة قرينة على أن العتاب بالحقيقة متوجه اليهن، ويؤيده قوله خطابا لهما: " إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما " الخ، مع قوله فيه: والله غفور رحيم ". قوله تعالى: " قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم " قال الراغب: كل موضع ورد فرض الله عليه ففي الايجاب الذي أدخله الله فيه، وما ورد من فرض الله له فهو في أن لا يحظره على نفسه نحو " ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له " وقوله: " قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ". انتهى. والتحلة أصلها تحللة على وزن تذكرة وتكرمة مصدر كالتحليل، قال الراغب: وقوله عز وجل: " قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم " أي بين ما تحل به عقدة أيمانكم من الكفارة. فالمعنى: قد قدر الله لكم - كأنه قدره نصيبا لهم حيث لم يمنعهم عن حل عقدة اليمين - تحليل أيمانكم بالكفارة والله وليكم الذي يتولى تدبير أموركم بالتشريع والهداية وهو العليم الحكيم. وفي الآية دلالة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد حلف على الترك، وأمر له بتحلة يمينه. قوله تعالى: " وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله
________________________________________
[ 331 ]
عليه قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير " السر هو الحديث الذي تكتمه في نفسك وتخفيه، والاسرار إفضاؤك الحديث إلى غيرك مع إيصائك بإخفائه، وضمير " نبأت " لبعض أزواجه، وضمير " به " للحديث الذي أسره النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليها، وضمير " أظهره " للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وضمير " عليه " لانبائها به غيرها وإفشائها السر، وضمير " عرف وأعرض " للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وضمير " بعضه " للحديث، والاشارة بقوله: " هذا " لانبائها غيره وإفشائها السر. ومحصل المعنى: وإذ أفضى النبي إلى بعض أزواجه - وهي حفصة بنت عمر بن الخطاب - حديثا وأوصاها بكتمانه فلما أخبرت به غيرها وأفشت السر خلافا لما أوصاها به، وأعلم الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها نبأت به غيرها وأفشت السر عرف وأعلم بعضه وأعرض عن بعض آخر، فلما خبرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحديث قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: من أنبأك وأخبرك أني نبأت به غيري وأفشيت السر ؟ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: نبأني وخبرني العليم الخبير وهو الله العليم بالسر والعلانية الخبير بالسرائر. قوله تعالى: " إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير " أي إن تتوبا إلى الله فقد تحقق منكما ما يستوجب عليكما التوبة وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه، الخ. وقد اتفق النقل على أنهما عائشة وحفصة زوجا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والصغو الميل والمراد به الميل إلى الباطل والخروج عن الاستقامة وقد كان ما كان منهما من إيذائه والتظاهر عليه صلى الله عليه وآله وسلم من الكبائر وقد قال تعالى: " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا " الاحزاب: 57، وقال: " والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم " التوبة: 61. والتعبير بقلوبكما وإرادة معنى التثنية من الجمع كثير النظير في الاستعمال. وقوله: " وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه " الخ، التظاهر التعاون، وأصل " وإن تظاهرا " وإن تتظاهرا، وضمير الفصل في قوله: " فإن الله هو مولاه " للدلالة على أن لله سبحانه عناية خاصة به صلى الله عليه وآله وسلم ينصره ويتولى أمره من غير واسطة من خلقه، والمولى الولي الذي يتولى أمره وينصره على من يريده بسوء. و " جبريل " عطف على لفظ الجلالة، و " صالح المؤمنين " عطف كجبريل، والمراد
________________________________________
[ 332 ]
بصالح المؤمنين على ما قيل الصلحاء من المؤمنين فصالح المؤمنين واحد أريد به الجمع كقولك: لا يفعل هذا الصالح من الناس تريد به الجنس كقولك لا يفعله من صلح منه ومثله قولك: كنت في السامر والحاضر. وفيه قياس المضاف إلى الجمع إلى مدخول اللام فظاهر صالح المؤمنين غير ظاهر " الصالح من المؤمنين ". ووردت الرواية من طرق أهل السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت عليه السلام أن المراد بصالح المؤمنين علي عليه أفضل السلام، وستوافيك إن شاء الله. وفي المراد منه أقوال أخر أغمضنا عنها لعدم دليل عليها. وقوله: " والملائكة بعد ذلك ظهير " إفراد الخبر للدلالة على أنهم متفقون في نصره متحدون صفا واحدا، وفي جعلهم بعد ذلك أي بعد ولاية الله وجبريل وصالح المؤمنين تعظيم وتفخيم. ولحن الآيات في إظهار النبي صلى الله عليه وآله وسلم على من يؤذيه ويريده بسوء وتشديد العتاب على من يتظاهر عليه عجيب، وقد خوطب فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولا وعوتب على تحريمه ما أحل الله له وأشير عليه بتحلة يمينه وهو إظهار وتأييد وانتصار له وإن كان في صورة العتاب. ثم التفت من خطابه إلى خطاب المؤمنين في قوله: " وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه " يشير إلى القصة وقد أبهمها إبهاما وقد كان أيد النبي وأظهره قبل الاشارة إلى القصة وإفشائها مختوما عليها، وفيه مزيد إظهاره. ثم التفت من خطاب المؤمنين إلى خطابهما وقرر أن قلوبهما قد صغت بما فعلتا ولم يأمرهما أن تتوبا من ذنبهما بل بين لهما أنهما واقعتان بين أمرين إما أن تتوبا وإما أن تظاهرا على من الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك أجمع ثم أظهر الرجاء إن طلقهن أن يرزقه الله نساء خيرا منهن. ثم أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجاهد الكفار والمنافقين ويغلظ عليهم. وانتهى الكلام إلى ضربه تعالى مثلين مثلا للذين كفروا ومثلا للذين آمنوا. وقد أدار تعالى الكلام في السورة بعد التعرض لحالهما بقوله: " إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه " الخ، بين التعرض لحال المؤمنين والتعرض لحال الكفار
________________________________________
[ 333 ]
فقال: " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم " الخ، و " يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا " الخ، وقال: " يا أيها الذين آمنوا توبوا " الخ، و " يا أيها النبي جاهد " الخ، وقال: " ضرب الله مثلا للذين كفروا "، " وضرب الله مثلا للذين آمنوا ". قوله تعالى: " عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن " إلى آخر الآية استغناء إلهي فإنهن وإن كن مشرفات بشرف زوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكن الكرامة عند الله بالتقوى كما قال تعالى: " فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما " الاحزاب: 29، انظر إلى مكان " منكن " وقال: " يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما " الاحزاب: 31. ولذا ساق الاستغناء بترجي إبداله إن طلقهن أزواجا خيرا منهن، وعلق الخبر بما ذكر لازواجه الجديدة من صفات الكرامة وهي أن يكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات - أي صائمات - ثيبات وأبكارا. فمن تزوج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكانت متصفة بمجموع هذه الصفات كانت خيرا منهن وليس إلا لاجل اختصاص منها بالقنوت والتوبة أو القنوت فقط مع مشاركتها لهن في باقي الصفات، والقنوت هو لزوم الطاعة مع الخضوع. ويتأيد هذا المعنى بما في مثل مريم الآتي في آخر السورة من ذكر القنوت " وكانت من القانتين " فالقنوت هو الذي يفقدنه وهو لزومهن طاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي فيها طاعة الله واتقاؤهن أن يعصين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويؤذينه. وبما مر يظهر فساد قول من قال إن وجه خيرية أزواجه اللاحقة من أزواجه السابقة إن طلقهن، هو تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهن وانفصال الازواج السابقة وزوجيته صلى الله عليه وآله وسلم شرف لا يقدر قدره. وذلك أنه لو كان ملاك ما ذكر في الآية من الخير هو الزوجية كان كل من تزوج صلى الله عليه وآله وسلم من النساء أفضل وأشرف منهن إن طلقهن وإن لم تتلبس بشئ مما ذكر من صفات الكرامة فلم يكن مورد لعد ما عد من الصفات. قال في الكشاف: فإن قلت: لم أخليت الصفات كلها عن العاطف ووسط بين الثيبات والابكار ؟ قلت: لانهما صفتان متنافيتان لا يجتمعن فيهما اجتماعهن في سائر الصفات. انتهى.
________________________________________
[ 334 ]
قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " الخ، " قوا " أمر من الوقاية بمعنى حفظ الشئ مما يؤذيه ويضره، والوقود بفتح الواو اسم لما توقد به النار من حطب ونحوه. والمراد بالنار نار جهنم وكون الناس المعذبين فيها وقودا لها معناه اشتعال الناس فيها بأنفسهم كما في قوله تعالى: " ثم في النار يسجرون " المؤمن: 72. فيناسب تجسم الاعمال كما هو ظاهر الآية التالية " يا أيها الذين كفروا " الخ، وفسرت الحجارة بالاصنام. وقوله: " عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " أي وكل عليها لاجراء أنواع العذاب على أهلها ملائكة غلاظ شداد. والغلاظ جمع غليظ ضد الرقيق والانسب للمقام كون المراد بالغلظة خشونة العمل كما في قوله الآتي: " جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم " الآية 9 من السورة، والشداد جمع شديد بمعنى القوي في عزمه وفعله. وقوله: " لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " كالمفسر لقوله: " غلاظ شداد " أي هم ملتزمون بما أمرهم الله من أنواع العذاب لا يعصونه بالمخالفة والرد ويفعلون ما يؤمرون به على ما أمروا به من غير أن يفوت منهم فائت أو ينقص منه شئ لضعف فيهم أو فتور فهم غلاظ شداد. وبهذا يظهر أن قوله: " لا يعصون الله ما أمرهم " ناظر إلى التزامهم بالتكليف، وقوله: " ويفعلون " الخ، ناظر إلى العمل على طبقة فلا تكرار كما قيل. قال في التفسير الكبير في ذيل الآية: وفيه إشارة إلى أن الملائكة مكلفون في الآخرة بما أمرهم الله تعالى به وبما ينهاهم عنه، والعصيان منهم مخالفة للامر والنهي. وفيه أن الآية وغيرها مما تصف الملائكة بمحض الطاعة من غير معصية مطلقة تشمل الدنيا والآخرة فلا وجه لتخصيص تكليفهم بالآخرة. ثم إن تكليفهم غير سنخ التكليف المعهود في المجتمع الانساني بمعنى تعليق المكلف - بالكسر - إرادته بفعل المكلف - بالفتح - تعليقا اعتباريا يستتبع الثواب والعقاب في ظرف الاختيار وإمكان الطاعة والمعصية بل هم خلق من خلق الله لهم ذوات طاهرة نورية لا يريدون إلا ما أراد الله ولا يفعلون إلا ما يؤمرون، قال تعالى: " بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " الانبياء: 27، ولذلك لا جزاء لهم
________________________________________
[ 335 ]
على أعمالهم من ثواب أو عقاب فهم مكلفون بتكليف تكويني غير تشريعي مختلف باختلاف درجاتهم، قال تعالى: " وما منا إلا له مقام معلوم " الصافات: 164، وقال عنهم: " وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا " مريم: 64. والآية الكريمة بعد الآيات السابقة كالتعميم بعد التخصيص فإنه تعالى لما أدب نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببيان ما لايذائهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الاثر السئ عمم الخطاب فخاطب المؤمنين عامة أن يؤدبوا أنفسهم وأهليهم ويقوهم من النار التي وقودها نفس الداخلين فيها أي أن أعمالهم السيئة تلزمهم وتعود نارا تعذبهم ولا مخلص لهم منها ولا مناص عنها. قوله تعالى: " يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون " خطاب عام للكفار بعدما جوزوا بالنار فإنهم يعتذرون عن كفرهم ومعاصيهم فيخاطبون أن لا تعتذروا اليوم - وهو يوم الجزاء - إنما تجزون نفس ما كنتم تعملون أي إن العذاب الذي تعذبون بها هو عملكم السيئ الذي عملتموه وقد برز لكم اليوم حقيقته وإذ عملتموه فقد لزمكم أنكم عملتموه والواقع لا يتغير وما حق عليكم من كلمة العذاب لا يعود باطلا فهذا ظاهر الخطاب. وقيل: المعنى: لا تعتذروا - اليوم - بعد دخول النار فإن الاعتذار توبة والتوبة غير مقبولة بعد دخول النار إنما تجزون ما لزم في مقابل عملكم من الجزاء في الحكمة. وفي إتباع الآيات السابقة بما في هذه الآية من خطاب القهر تهديد ضمني وإشعار بأن معصية الله ورسوله ربما أدى إلى الكفر. قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار " الخ، النصح تحري فعل أو قول فيه صلاح صاحبه، ويأتي بمعنى الاخلاص نحو نصحت له الود أي أخلصته - على ما ذكره الراغب - فالتوبة النصوح ما يصرف صاحبه عن العود إلى المعصية أو ما يخلص العبد للرجوع عن الذنب فلا يرجع إلى ما تاب منه. لما أمر المؤمنين بوقاية أنفسهم وأهليهم من النار أمرهم جميعا ثانيا بالتوبة وفرع عليه رجاء أن يستر الله سيئاتهم ويدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار. وقوله: " يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه " قال الراغب: يقال: خزي الرجل يخزى من باب علم يعلم إذا لحقه انكسار إما من نفسه وإما من غيره فالذي يلحقه
________________________________________
[ 336 ]
من نفسه وهو الحياء المفرط مصدره الخزاية، والذي يلحقه من غيره ويعد ضربا من الاستخفاف مصدره الخزي والاخزاء من الخزاية والخزي جميعا قال: وعلى نحو ما قلنا في خزي ذل وهان فإن ذلك متى كان من الانسان نفسه يقال له الهون - بفتح الهاء - والذل ويكون محمودا، ومتى كان من غيره يقال له: الهون - بضم الهاء - والهوان والذل ويكون مذموما. انتهى ملخصا. " فقوله: " يوم " ظرف لما تقدمه، والمعنى: توبوا إلى الله عسى أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم الجنة في يوم لا يخزي ولا يكسر الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجعلهم محرومين من الكرامة وخلفه ما وعدهم من الوعد الجميل. وفي قوله: " النبي والذين آمنوا معه " اعتبار المعية في الايمان في الدنيا ولازمه ملازمتهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وطاعتهم له من غير مخالفة ومشاقة. ومن المحتمل أن يكون قوله: " الذين آمنوا " مبتدأ خبره " معه " وقوله: " نورهم يسعى " الخ، خبرا ثانيا، وقوله: " يقولون " الخ، خبرا ثالثا فيفيد أنهم لا يفارقون النبي ولا يفارقهم يوم القيامة، وهذا وجه جيد لازمه كون عدم الخزي خاصا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وسعي النور وسؤال إتمامه خاصا بالذين معه من المؤمنين وتؤيده آية الحديد الآتية. ومن الممكن أن يكون " معه " متعلقا بقوله: " آمنوا " وقوله: " نورهم يسعى " الخ، خبرا أولا وثانيا للموصول. وقوله: " يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم " تقدم بعض الكلام في معناه في قوله تعالى: " يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم " الحديد: 12، ولا يبعد أن يكون ما بين أيديهم من النور نور الايمان وما بأيمانهم نور العمل. وقوله: " يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شئ قدير " يفيد السياق أن المغفرة المسؤلة سبب لتمام النور أو هو ملازم لتمام النور فيفيد أن في نورهم نقصا والنور نور الايمان والعمل فلهم نقائص بحسب درجات الايمان أو آثار السيئات التي خلت محالها في صحائفهم من العبودية في العمل فيسألون ربهم أن يتم لهم نورهم ويغفر لهم، واليه الاشارة بقوله تعالى: " والذين آمنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم " الحديد: 19. قوله تعالى: " يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم
________________________________________
[ 337 ]
وبئس المصير " المراد بالجهاد بذل الجهد في إصلاح الامر من جهتهم ودفع شرهم ففي الكفار ببيان الحق وتبليغه فإن آمنوا وإلا فالحرب وفي المنافقين باستمالتهم وتأليف قلوبهم حتى تطمئن قلوبهم إلى الايمان وإلا فلم يقاتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم منافقا قط. وقيل: المراد اشدد عليهم في إقامة الحدود لان أكثر من يصيب الحد في ذلك الزمان المنافقون. وهما كما ترى. (بحث روائي) في تفسير القمي بإسناده عن ابن سيار عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك " قال: اطلعت عائشة وحفصة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو مع معاوية فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: والله لا أقربها فأمر الله أن يكفر بها عن يمينه. وفي الكافي بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل قال لامرأته: أنت علي حرام فقال: لو كان لي عليه سلطان لاوجعت رأسه وقلت: الله أحلها لك فما حرمها عليك ؟ إنه لم يزد على أن كذب فزعم أن ما أحل الله له حرام ولا يدخل عليه طلاق ولا كفارة. فقلت: قول الله عز وجل: " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك " فجعل فيه كفارة ؟ فقال: إنما حرم عليه جاريته مارية القبطية وحلف أن لا يقربها، وإنما جعل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكفارة في الحلف ولم يجعل عليه في التحريم. وفي الدر المنثور أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند صحيح عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب من شراب عند سودة من العسل فدخل على عائشة فقالت: إني أجد منك ريحا، فدخل على حفصة فقالت: إني أجد منك ريحا فقال: أراه من شراب شربته عند سودة والله لا أشرب، فأنزل الله: " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك " الآية. أقول: والحديث مروي بطرق متشتتة وألفاظ مختلفة، وفي انطباقها على الآيات - وهي ذات سياق واحد - خفاء.
________________________________________
[ 338 ]
وفيه أخرج ابن سعد وابن مردويه عن ابن عباس قال: كانت عائشة وحفصة متحابتين فذهبت حفصة إلى بيت أبيها تحدث عنده فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جاريته فظلت معه في بيت حفصة وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة فوجدتهما في بيتها فجعلت تنتظر خروجها وغارت غيرة شديدة فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم جاريته ودخلت حفصة فقالت: قد رأيت من كان عندك والله لقد سوأتني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله لارضينك وإني مسر اليك سرا فاحفظيه، قالت: ما هو ؟ قال: إني أشهدك أن سريتي هذه علي حرام رضا لك. فانطلقت حفصة إلى عائشة فأسرت إليها أن أبشري إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حرم عليه فتاته فلما أخبرت بسر النبي صلى الله عليه وسلم أظهر الله النبي صلى الله عليه وسلم عليه فأنزل الله: " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ". أقول: انطباق ما في الحديث على الآيات وخاصة قوله: " عرف بعضه وأعرض عن بعض " فيه خفاء. وفيه أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: " وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا " قال: دخلت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها وهو يطأ مارية، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تخبري عائشة حتى أبشرك بشارة فإن أباك يلي الامر بعد أبي بكر إذا أنا مت. فذهبت حفصة فأخبرت عائشة فقالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: من أنبأك هذا ؟ قال: نبأني العليم الخبير، فقالت عائشة: لا أنظر اليك حتى تحرم مارية فحرمها فأنزل الله " يا أيها النبي لم تحرم ". أقول: والآثار في هذا الباب كثيرة على اختلاف فيها، وفي أكثرها أنه صلى الله عليه وآله وسلم حرم مارية على نفسه لقول حفصة لا لقول عائشة، وأن التي قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: " من أنبأك هذا " هي حفصة تريد من أخبرك أني أفشيت السر دون عائشة. وهي مع ذلك لا تزيل إبهام قوله تعالى: " عرف بعضه وأعرض عن بعض ". نعم فيما رواه ابن مردويه عن علي قال: ما استقصى كريم قط لان الله يقول: " عرف بعضه وأعرض عن بعض "، وروي عن أبي حاتم عن مجاهد، وابن مردويه عن ابن عباس: أن الذي عرف أمر مارية والذي أعرض عنه قوله: إن أباك وأباها يليان الناس بعدي مخافة أن يفشو.
________________________________________
[ 339 ]
ويتوجه عليه أنه ما وجه الكرم في أن يعرف صلى الله عليه وآله وسلم ما قاله من تحريم مارية ويعرض عما أخبرها من ولايتهما مع أن العكس أولى وأقرب. وقد روي بعدة طرق عن عمر بن الخطاب سبب نزول الآيات ولم يذكر ذلك ففي عدة من جوامع الحديث منها البخاري ومسلم والترمذي عن ابن عباس قال: لم أزل حريصا أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي اللتين قال الله: " إن تتوبا فقد صغت قلوبكما " حتى حج عمر وحججت معه فلما كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالاداوة فتبرز ثم أتى فصببت على يديه فتوضأ. فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله: " إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما " فقال: واعجبا لك يا ابن عباس هما عائشة وحفصة ثم أنشأ يحدثني. فقال: كنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فغضبت على امرأتي يوما فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت: ما تنكر من ذلك ؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل. قلت: قد خابت من فعلت ذلك منهن وخسرت. قال: وكان منزلي بالعوالي وكان لي جار من الانصار كنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فينزل يوما فيأتيني بخبر الوحي وغيره وأنزل يوما فآتيه بمثل ذلك. قال: وكنا نحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا فجاء يوما فضرب على الباب فخرجت إليه فقال: حدث أمر عظيم. فقلت: أجاءت غسان ؟ قال: أعظم من ذلك طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. قلت في نفسي: قد خابت حفصة وخسرت قد كنت أرى ذلك كائنا فلما صلينا الصبح شددت علي ثيابي ثم انطلقت حتى دخلت على حفصة فإذا هي تبكي فقلت: اطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: لا أدري هو ذا معتزل في المشربة فانطلقت فأتيت غلاما أسود فقلت: استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلى فقال: قد ذكرتك له فلم يقل شيئا فانطلقت إلى المسجد فإذا حول المسجد نفر يبكون فجلست إليهم. ثم غلبني ما أجد فانطلقت فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر فدخل ثم خرج فقال: قد ذكرتك له فلم يقل شيئا فوليت منطلقا فإذا الغلام يدعوني فقال: ادخل فقد أذن لك فدخلت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم متكئ على حصير قد رأيت أثره في جنبه فقلت: يا رسول لله
________________________________________
[ 340 ]
أطلقت نساءك ؟ قال: لا. قلت: الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فغضبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني فأنكرت ذلك فقالت: ما تنكر ؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهن، فدخلت على حفصة فقلت: أتراجع إحداكن رسول الله وتهجره اليوم إلى الليل ؟ قالت: نعم. فقلت: قد خابت من فعلت ذلك منكن وخسرت أتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هي قد هلكت فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت لحفصة: لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئا وسليني ما بدا لك ولا يغرنك إن كانت جارتك أوسم منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبسم اخرى. فقلت: يا رسول الله أستأنس قال: نعم. فرفعت رأسي فما رأيت في البيت إلا أهبة ثلاثة فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله فاستوى جالسا وقال: أو في شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم قد عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، وكان قد أقسم أن لايدخل على أزواجه شهرا فعاتبه الله في ذلك وجعل له كفارة اليمين. أقول: وهذا المعنى مروي عنه مفصلا ومختصرا بطرق مختلفة، والرواية - كما ترى - لا تذكر ما أسره النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بعض أزواجه ؟ وما هو بعض النبإ الذي عرفه وما هو الذي أعرض عنه وله شأن من الشأن. وهي مع لك ظاهرة في أن المراد بالتحريم في الآية تحريم عامة أزواجه وذلك لا ينطبق عليها وفيها قوله تعالى: " لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك " مضافا إلى أنه لا تبين به وجه التخصيص في قوله: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه " الخ. وفي تفسير القمي بإسناده عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: " إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين " قال: صالح المؤمنين علي عليه السلام. وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن أسماء بنت عميس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
________________________________________
[ 341 ]
يقول: " وصالح المؤمنين " قال علي بن أبي طالب. أقول: ذكر صاحب البرهان بعد إيراد رواية أبي بصير السابقة أن محمد بن العباس أورد في هذا المعنى اثنين وخمسين حديثا من طرق الخاصة والعامة ثم أورد نبذة منها. وفي الكافي بإسناده عن عبد الاعلى مولى آل سام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما نزلت هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا " جلس رجل من المؤمنين يبكي وقال: أنا عجزت عن نفسي وكلفت أهلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك. وفيه بإسناده عن سماعة عن أبي بصير في قوله: " قوا أنفسكم وأهليكم نارا " قلت: كيف أقيهم ؟ قال: تأمرهم بما أمر الله وتنهاهم عما نهى الله فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك. أقول: ورواه بطريق آخر عن ذرعة عن أبي بصير عنه عليه السلام. وفي الدر المنثور أخرج عبد الرزاق والفاريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في المدخل عن علي بن أبي طالب في قوله: " قوا أنفسكم وأهليكم نارا " قال: علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم. وفيه أخرج ابن مردويه عن زيد بن أسلم قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية " قوا أنفسكم وأهليكم نارا " فقالوا: يارسول الله كيف نقي أهلنا نارا ؟ قال: تأمرونهم بما يحبه الله وتنهونهم عما يكره الله. وفي الكافي بإسناده عن أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا " قال: يتوب العبد من الذنب ثم لا يعود فيه. قال محمد بن الفضيل: سألت عنها أبا الحسن عليه السلام فقال: يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه، الحديث. وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال معاذ بن جبل: يا رسول الله ما التوبة النصوح ؟ قال: أن يندم العبد على الذنب الذي أصاب فيعتذر إلى الله ثم لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع. أقول: والروايات في هذا المعنى كثيرة من الفريقين.
________________________________________
[ 342 ]
وفي الكافي بإسناده عن صالح بن سهل الهمداني قال: قال أبو عبد الله عليه السلام في قوله: " يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم " أئمة المؤمنين يوم القيامة يسعى (1) بين أيدي المؤمنين وبأيمانهم حتى ينزلوهم منازل أهل الجنة. وفي تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في الآية: من كان له نور يومئذ نجا، وكل مؤمن له نور. ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين _ 10. وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين _ 11. ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين _ 12. (بيان) تتضمن الآيات الكريمة مثلين يمثل بهما الله سبحانه حال الكفار والمؤمنين في أن شقاء الكفار وهلاكهم إنما كان بخيانتهم لله ورسوله وكفرهم ولم ينفعهم اتصال بسبب إلى الانبياء المكرمين، وأن سعادة المؤمنين وفلاحهم إنما كان بإخلاصهم الايمان بالله ورسوله والقنوت وحسن الطاعة ولم يضرهم اتصال بأعداء الله بسبب فإنما ملاك الكرامة عند الله التقوى.
________________________________________
(1) يسعون، ظ.
________________________________________
[ 343 ]
يمثل الحال أولا: بحال امرأتين كانتا زوجين لنبيين كريمين عدهما الله سبحانه عبدين صالحين - ويا له من كرامة - فخانتاهما فامرتا بدخول النار مع الداخلين فلم ينفعهما زوجيتهما للنبيين الكريمين شيئا فهلكتا في ضمن الهالكين من غير أدنى تميز وكرامة. وثانيا: بحال امرأتين إحداهما امرأة فرعون الذي كانت منزلته في الكفر بالله أن نادى في الناس فقال: أنا ربكم الاعلى، فآمنت بالله وأخلصت الايمان فأنجاها الله وأدخلها الجنة ولم يضرها زوجية مثل فرعون شيئا، وثانيتهما مريم ابنة عمران الصديقة القانتة أكرمها الله بكرامته ونفخ فيها من روحه. وفي التمثيل تعريض ظاهر شديد لزوجي النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث خانتاه في إفشاء سره وتظاهرتا عليه وآذتاه بذلك، وخاصة من حيث التعبير بلفظ الكفر والخيانة وذكر الامر بدخول النار. قوله تعالى: " ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما " الخ، قال الراغب: الخيانة والنفاق واحد إلا أن الخيانة تقال اعتبارا بالعهد والامانة، والنفاق يقال اعتبارا بالدين ثم يتداخلان فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر ونقيض الخيانة الامانة، يقال: خنت فلانا وخنت أمانة فلان. انتهى. وقوله: " للذين كفروا " إن كان متعلقا بالمثل كان المعنى: ضرب الله مثلا يمثل به حال الذين كفروا أنهم لا ينفعهم الاتصال بالعباد الصالحين، وإن كان متعلقا بضرب كان المعنى: ضرب الله الامرأتين وما انتهت إليه حالهما مثلا للذين كفروا ليعتبروا به ويعلموا أنهم لا ينفعهم الاتصال بالصالحين من عباده وأنهم بخيانتهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل النار لا محالة. وقوله: " امرأة نوح وامرأة لوط " مفعول " ضرب "، والمراد بكونهما تحتهما زوجيتهما لهما. وقوله: " فلم يغنيا عنهما من الله شيئا " ضمير التثنية الاولى للعبدين، والثانية للامرأتين، والمراد أنه لم ينفع المرأتين زوجيتهما للعبدين الصالحين. وقوله: " وقيل ادخلا النار مع الداخلين " أي مع الداخلين فيها من قوميهما كما يلوح من قوله في امرأة نوح: " حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين
________________________________________
[ 344 ]
اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول " هود: 40، وقوله في امرأة لوط: " فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم " هود: 81، أو المعنى مع الداخلين فيها من الكفار. وفي التعبير بقيل بالبناء للمفعول، وإطلاق الداخلين إشارة إلى هوان أمرهما وعدم كرامة لهما أصلا فلم يبال بهما أين هلكتا. قوله تعالى: " وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة " الخ، الكلام في قوله: " للذين آمنوا " كالكلام في قوله: " للذين كفروا ". وقوله: " إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة " لخص سبحانه جميع ما كانت تبتغيه في حياتها وترومه في مسير عبوديتها في مسألة سألت ربها وذلك أن الايمان إذا كمل تواطأ الظاهر والباطن وتوافق القلب واللسان فلا يقول الانسان إلا ما يفعل ولا يفعل إلا ما يقول فيكون ما يرجوه أو يتمناه أو يسأله بلسانه هو الذي يريده كذلك بعمله. وإذ حكى الله فيما يمثل به حالها ويشير إلى منزلتها الخاصة في العبودية دعاء دعت به دل ذلك على أنه عنوان جامع لعبوديتها وعلى ذلك كانت تسير مدى حياتها، والذي تتضمنه مسألتها أن يبني الله لها عنده بيتا في الجنة وينجيها من فرعون وعمله وينجيها من القوم الظالمين فقد اختارت جوار ربه والقرب منه على أن تكون أنيسة فرعون وعشيقته وهي ملكة مصر وآثرت بيتا يبنيه لها ربها على بيت فرعون الذي فيه مما تشتهيه الانفس وتتمناه القلوب ما تقف دونه الآمال فقد كانت عزفت نفسها ما هي فيه من زينة الحياة الدنيا وهي لها خاضعة وتعلقت بما عند ربه من الكرامة والزلفى فآمنت بالغيب واستقامت على إيمانها حتى قضت. وهذه القدم هي التي قدمتها إلى أن جعلها الله مثلا للذين آمنوا ولخص حالها وما كانت تبتغيه وتعمل له مدى حياتها في مسير العبودية في مسألة حكى عنها وما معناها إلا أنها انتزعت من كل ما يلهوها عن ربها ولاذت بربها تريد القرب منه تعالى والاقامة في دار كرامته. فقوله: " امرأة فرعون " اسمها على ما في الرواية آسية، وقوله " إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة " الجمع بين كون البيت المبنى لها عند الله وفي الجنة لكون الجنة
________________________________________
[ 345 ]
دار القرب من الله وجوار رب العالمين كما قال تعالى: " بل أحياء عند ربهم يرزقون " آل عمران: 169. على أن الحضور عنده تعالى والقرب منه كرامة معنوية والاستقرار في الجنة كرامة صورية، وسؤال الجمع بينهما سؤال الجمع بين الكرامتين. وقوله: " ونجني من فرعون وعمله " تبر منها وسؤال أن ينجيها الله من شخص فرعون ومن عمله الذي تدعو ضرورة المصاحبة والمعاشرة إلى الشركة فيه والتلبس به، وقيل: المراد بالعمل الجماع. وقوله: " ونجني من القوم الظالمين " وهم قوم فرعون وهو تبر آخر وسؤال أن ينجيها الله من المجتمع العام كما أن الجملة السابقة كانت سؤال أن ينجيها من المجتمع الخاص. قوله تعالى: " ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا " الخ، عطف على امرأة فرعون والتقدير وضرب الله مثلا للذين آمنوا مريم الخ. ضربها الله مثلا باسمها وأثنى عليها ولم يذكر في كلامه تعالى امرأة باسمها غيرها ذكر اسمها في القرآن في بضع وثلاثين موضعا في نيف وعشرين سورة. وقوله: " التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا " ثناء عليها على عفتها، وقد تكرر في القرآن ذكر ذلك ولعل ذلك بإزاء ما افتعله اليهود من البهتان عليها كما قال تعالى: " وقولهم على مريم بهتانا عظيما " النساء: 156، وفي سورة الانبياء في مثل القصة: " والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها " الانبياء: 91. وقوله: " وصدقت بكلمات ربها " أي بما تكلم به الله سبحانه من الوحي إلى أنبيائه كما قيل، وقيل: المراد بها وعده تعالى ووعيده وأمره ونهيه، وفيه أنه يستلزم كون ذكر الكتب مستدركا. وقوله: " وكتبه " وهي المشتملة على شرائع الله المنزلة من السماء كالتوراة والانجيل كما هو مصطلح القرآن ولعل المراد من تصديقها كلمات ربها وكتبه كونها صديقة كما في قوله تعالى: " ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة " المائدة: 75. وقوله: " وكانت من القانتين " أي من القوم المطيعين لله الخاضعين له الدائمين عليه غلب فيه المذكر على المؤنث.
________________________________________
[ 346 ]
ويؤيد هذا المعنى كون القنوت بهذا المعنى واقعا فيما حكى الله من نداء الملائكة لها " يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين " آل عمران: 43، وقيل: يجوز أن يراد بالقانتين رهطها وعشيرتها الذين كانت مريم منهم وكانوا أهل بيت صلاح وطاعة، وهو بعيد لما تقدم. على أن المناسب لكون المثل تعريضا لزوجي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يراد بالقانتين مطلق أهل الطاعة والخضوع لله تعالى. (بحث روائي) في تفسير البرهان عن شرف الدين النجفي رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال قوله تعالى: " ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط " الآية مثل ضربه الله لعائشة وحفصة أن تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأفشتا سره. وفي المجمع: عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم. وفي الدر المنثور أخرج أحمد والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: قال رسول الله: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون مع ما قص الله علينا من خبرهما في القرآن " قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ". وفيه أخرج الطبراني عن سعد بن جنادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران وامرأة فرعون وأخت موسى. أقول: وامرأة فرعون على ما وردت به الروايات مقتولة قتلها زوجها فرعون لما اطلع أنها آمنت بالله وحده، وقد اختلفت الروايات في كيفية قتلها. ففي بعضها أنه لما اطلع على إيمانها كلفها الرجوع إلى الكفر فأبت إلا الايمان فأمر بها أن ترمى عليها بصخرة عظيمة حتى ترضح تحتها ففعل بها ذلك. وفي بعضها لما أحضرت للعذاب دعت بما حكى الله عنها في كلامة من قولها: " رب
________________________________________
[ 347 ]
ابن لي عندك بيتا في الجنة " الخ، فاستجاب الله لها ورأت بيتها في الجنة وانتزعت منها الروح وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح. وفي بعضها أن فرعون وتد لها أربعة أوتاد وأضجعها على صدرها وجعل على صدرها رحى واستقبل بها عين الشمس. والله أعلم. (سورة الملك مكية، وهي ثلاثون آية) بسم الله الرحمن الرحيم. تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير _ 1. الذي خلق الموت والحيوة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور _ 2. الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور _ 3. ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير _ 4. ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشيطان وأعتدنا لهم عذاب السعير _ 5. وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير _ 6. إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور _ 7. تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير _ 8. قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ إن أنتم إلا في ضلال كبير _ 9. وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير _ 10.
________________________________________
[ 348 ]
فاعترفوا بذنبهم فسحقا لاصحاب السعير _ 11. إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير _ 12. وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور _ 13. ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير _ 14. (بيان) غرض السورة بيان عموم ربوبيته تعالى للعالمين تجاه قول الوثنية إن لكل شطر من العالم ربا من الملائكة وغيرهم وإنه تعالى رب الارباب فقط. ولذا يعد سبحانه كثيرا من نعمه في الخلق والتدبير - وهو في معنى الاحتجاج على ربوبيته - ويفتتح الكلام بتباركه وهو كثرة صدور البركات عنه، ويكرر توصيفه بالرحمان وهو مبالغة في الرحمة التي هي العطية قبال الاستدعاء فقرا وفيها إنذار ينتهي إلى ذكر الحشر والبعث. وتتلخص مضامين آياتها في الدعوة إلى توحيد الربوبية والقول بالمعاد. والسورة مكية بشهادة سياق آياتها. قوله تعالى: " تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير " تبارك الشئ كثرة صدور الخيرات والبركات عنه. وقوله: " الذي بيده الملك " يشمل باطلاقه كل ملك، وجعل الملك في يده استعارة بالكناية عن كمال تسلطه عليه وكونه متصرفا فيه كيف يشاء كما يتصرف ذو اليد فيما بيده ويقلبه كيف يشاء فهو تعالى يملك بنفسه كل شئ من جميع جهاته، ويملك ما يملكه كل شئ. فتوصيفه تعالى بالذي بيده الملك أوسع من توصيفه بالمليك في قوله: " عند مليك مقتدر " القمر: 55، وأصرح وآكد من توصيفه في قوله: " له الملك " التغابن: 1. وقوله: " وهو على كل شئ قدير " إشارة إلى كون قدرته غير محدودة بحد ولا منتهية
________________________________________
[ 349 ]
إلى نهاية وهو لازم إطلاق الملك بحسب السياق، وإن كان إطلاق الملك وهو من صفات الفعل من لوازم إطلاق القدرة وهي من صفات الذات. وفي الآية مع ذلك إيماء إلى الحجة على إمكان ما سيأتي من أمر المعاد. قوله تعالى: " الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور " الحياة كون الشئ بحيث يشعر ويريد، والموت عدم ذلك لكن الموت على ما يظهر من تعليم القرآن انتقال من نشأة من نشأت الحياة إلى نشأة اخرى كما تقدم استفادة ذلك من قوله تعالى: " نحن قدرنا بينكم الموت - إلى قوله - فيما لا تعلمون " الواقعة: 61، فلا مانع من تعلق الخلق بالموت كالحياة. على أنه لو أخذ عدميا كما عند العرف فهو عدم ملكة الحياة وله حظ من الوجود يصحح تعلق الخلق به كالعمى من البصر والظلمة من النور. وقوله: " ليبلوكم أيكم أحسن عملا " غاية خلقه تعالى الموت والحياة، والبلاء الامتحان والمراد أن خلقكم هذا النوع من الخلق وهو أنكم تحيون ثم تموتون خلق مقدمي امتحاني يمتاز به منكم من هو أحسن عملا من غيره ومن المعلوم أن الامتحان والتمييز لا يكون إلا لامر ما يستقبلكم بعد ذلك وهو جزاء كل بحسب عمله. وفي الكلام مع ذلك إشارة إلى أن المقصود بالذات من الخلقة هو إيصال الخير من الجزاء حيث ذكر حسن العمل وامتياز من جاء بأحسنه فالمحسنون عملا هم المقصودون بالخلقة وغيرهم مقصودون لاجلهم. وقد ذيل الكلام بقوله: " وهو العزيز الغفور " فهو العزيز لان الملك والقدرة المطلقين له وحده فلا يغلبه غالب وما أقدر أحدا على مخالفته إلا بلاء وامتحانا وسينتقم منهم وهو الغفور لانه يعفو عن كثير من سيئاتهم في الدنيا وسيغفر كثيرا منها في الآخرة كما وعد. وفي التذييل بالاسمين مع ذلك تخويف وتطميع على ما يدعو إلى ذلك سياق الدعوة. واعلم أن مضمون الآية ليس مجرد دعوى خالية عن الحجة يراد به التلقين كما ربما يتوهم بل هي مقدمة قريبة من الضرورة - أو هي ضرورية - تستدعي الحكم بضرورة البعث للجزاء فإن الانسان المتلبس بهذه الحياة الدنيوية الملحوقة للموت لا يخلو من أن يحصل له وصف حسن العمل أو خلافه وهو مجهز بحسب الفطرة بما لولا عروض عارض السوء لساقه
________________________________________
[ 350 ]
إلى حسن العمل، وقلما يخلو إنسان من حصول أحد الوصفين كالاطفال ومن في حكمهم. والوصف الحاصل المترتب على وجود الشئ الساري في أغلب أفراده غاية في وجوده مقصودة في إيجاده فكما أن الحياة النباتية لشجرة كذا إذ كانت تؤدي في الغالب إلى إثمارها ثمرة كذا يعد ذلك غاية لوجودها مقصودة منها كذلك حسن العمل والصلاح غاية لخلق الانسان، ومن المعلوم أيضا أن الصلاح وحسن العمل لو كان مطلوبا لكان مطلوبا لغيره لا لنفسه، والمطلوب بالذات الحياة الطيبة التي لا يشوبها نقص ولا يعرضها لغو ولا تأثيم فالآية في معنى قوله: " كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة " الانبياء: 35. قوله تعالى: " الذي خلق سبع سماوات طباقا " الخ، أي مطابقة بعضها فوق بعض أو بعضها يشبه البعض - على ما احتمل - وقد مر في تفسير حم السجدة بعض ما يمكننا من القول فيها. وقوله: " ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت " قال الراغب: الفوت بعد الشئ عن الانسان بحيث يتعذر إدراكه، قال تعالى: " وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار ". قال: والتفاوت الاختلاف في الاوصاف كأنه يفوت وصف أحدهما الآخر أو وصف كل واحد منهما الآخر، قال تعالى: " ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت " أي ليس فيها ما يخرج عن مقتضى الحكمة. انتهى. فالمراد بنفي التفاوت اتصال التدبير وارتباط الاشياء بعضها ببعض من حيث الغايات والمنافع المترتبة على تفاعل بعضها في بعض، فاصطكاك الاسباب المختلفة في الخلقة وتنازعها كتشاجر كفتي الميزان وتصارعهما بالثقل والخفة والارتفاع والانخفاض فإنهما في عين أنهما تختلفان تتفقان في إعانة من بيده الميزان فيما يريده من تشخيص وزن السلعة الموزونة. فقد رتب الله أجزاء الخلقة بحيث تؤدي إلى مقاصدها من غير أن يفوت بعضها غرض بعض أو يفوت من بعضها الوصف اللازم فيه لحصول الغاية المطلوبة. والخطاب في " ما ترى " خطاب عام لكل من يمكنه الرؤية وفي إضافة الخلق إلى الرحمن إشارة إلى أن الغاية منه هي الرحمة العامة، وتنكير " تفاوت " وهو في سياق النفي وإدخال " من " عليه لافادة العموم. وقوله: " فارجع البصر هل ترى من فطور " الفطور الاختلال والوهي، والمراد بإرجاع البصر النظر ثانيا وهو كناية عن المداقة في النظر والامعان فيه.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page