• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 276 الي 300


[ 276 ]
المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة ؟ فقال: يا أبا الصلت إن الله تعالى فضل نبيه محمدا على جميع خلقه من النبيين والملائكة، وجعل طاعته طاعته، ومبايعته مبايعته، وزيارته في الدنيا والاخرة زيارته، فقال عز وجل: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وقال: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله. ودرجته في الجنة أعلى الدرجات، ومن زاره في درجته في الجنة من منزله فقد زار الله تبارك وتعالى. وفي إرشاد المفيد في حديث بيعة الرضا عليه السلام قال: وجلس المأمون ووضع للرضا عليه السلام وسادتين عظيمتين حتى لحق بمجلسه وفرشه، وأجلس الرضا عليه السلام في الحضرة وعليه عمامة وسيف. ثم أمر ابنه العباس بن المأمون إن يبايع له في أول الناس فرفع الرضا عليه السلام يده فتلقى بها وجهه وببطنها وجوههم فقال له المأمون: ابسط يدك للبيعة فقال الرضا عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هكذا كان يبايع فبايعه الناس ويده فوق أيديهم. * * * سيقول لك المخلفون من الاعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعبل كان الله بما تعملون خبيرا - 11. بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا - 12. ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا - 13. ولله ملك السموات والارض يغفر لمن يشاء
________________________________________
[ 277 ]
ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما - 14. سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا - 15. قل للمخلفين من الاعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما - 16. ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما - 17. (بيان) فصل ثالث من الايات متعرض لحال الاعراب الذين قعدوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفرة الحديبية ولم ينفروا إذا استنفرهم وهم على ما قيل أعراب حول المدينة من قبائل جهينة ومزينة وغفار وأشجع وأسلم ودئل فتخلفوا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يصاحبوه قائلين: إن محمدا ومن معه يذهبون إلى قوم غزوهم بالامس في عقر دارهم فقتلوهم قتلا ذريعا، وإنهم لن يرجعوا من هذه السفرة ولن ينقلبوا الى ديارهم وأهليهم أبدا. فأخبر الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الايات أنهم سيلقونك ويعتلون في قعودهم باشتغالهم بالاموال والاهلين ويسألونك أن تستغفر الله لهم، وكذبهم الله فيما قالوا وذكر أن السبب في قعودهم غير ذلك وهو ظنهم السوء، وأخبر أنهم سيسألونك
________________________________________
[ 278 ]
اللحوق وليس لهم ذلك غير أنهم سيدعون الى قتال قوم آخرين فإن أطاعوا كان لهم الاجر الجزيل وإن تولوا فأليم العذاب. قوله تعالى: (سيقول لك المخلفون من الاعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا) إلى آخر الاية، قال في المجمع: المخلف هو المتروك في المكان خلف الخارجين من البلد، وهو مشتق من الخلف وضده المقدم. انتهى. والاعراب - على ما قالوا - الجماعة من عرب البادية ولا يطلق على عرب الحاضرة، وهو اسم جمع لا مفرد له من لفظه. وقوله: (سيقول لك المخلفون من الاعراب) إخبار عما سيأتي من قولهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي اللفظ دلالة ما على نزول الايات في رجوعه صلى الله عليه وآله وسلم من الحديبية إلى المدينة ولما يردها. وقوله: (شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا) أي كان الشاغل المانع لنا عن صحابتك والخروج معك هو أموالنا وأهلونا حيث لم يكن هنا من يقوم بأمرنا فخفنا ضيعتها فلزمناها فاستغفر لنا الله تعالى يغفر لنا تخلفنا عنك، وفي سؤال الاستغفار دليل على أنهم كانوا يرون التخلف ذنبا فتعلقهم بأنه شغلتهم الاموال والاهلون ليس اعتذارا للتبري عن الذنب بل ذكرا للسبب الموقع في الذنب. وقوله: (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم) تكذيب لهم في جميع ما أخبروا به وسألوه فلا أن الشاغل لهم هو شغل الاموال والاهلين، ولا أنهم يهتمون بإستغفاره صلى الله عليه وآله، وسلم وإنما سألوه ليكون ذلك جنة يصرفون بها العتاب والتوبيخ عن أنفسهم. وقوله: (قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا) جواب حلى عما اعتذروا به من شغل الاموال والاهلين محصله أن الله سبحانه له الخلق والامر وهو المالك المدبر لكل شئ لا رب سواه فلا ضر ولا نفع إلا بإرادته ومشيته فلا يملك أحد منه تعالى شيئا حتى يقهره على ترك الضر أو فعل الخير إن أراد الضر أو على ترك الخير إن أراد ما لا يريده هذا القاهر من الخير، وإذا كان كذلك فانصر افكم عن الخروج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم نصرة للدين واشتغالكم بما اعتللتم به من حفظ الاموال
________________________________________
[ 279 ]
والاهلين لا يغني من الله شيئا لا يدفع الضر إن أراد الله بكم ضرا ولا يعين على جلب الخير ولا يعجله إن أراد بكم خيرا. فقوله: (قل فمن يملك لكم) الخ، جواب عن تعللهم بالشغل على تقدير تسليم صدقهم فيه، ملخصه أن تعلقكم في دفع الضر وجلب الخير بظاهر الاسباب ومنها تدبيركم والقعود بذلك عن مشروع ديني لا يغنيكم شيئا في ضر أو نفع بل الامر تابع لما أراده الله سبحانه فالاية في معنى قوله تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا). والتمسك بالاسباب وعدم إلغائها وإن كان مشروعا مأمورا به لكنه فيما لا يعارض ما هو أهم منها كالدفاع عن الحق وإن كان فيه بعض المكاره المحتملة اللهم إلا إذا تعقب خطرا قطعيا لا أثر معه للدفاع والسعي. وقوله: (بل كان الله بما تعملون خبيرا) تعريض لهم فيه إشارة إلى كذبهم في قولهم: (شغلتنا أموالنا وأهلونا). قوله تعالى: (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم) الخ، بيان لما يشير إليه قوله: (بل كان الله بما تعملون خبيرا) من كذبهم في اعتذارهم، والمعنى: ما تخلفتم عن الخروج بسبب اشتغالكم بالاموال والاهلين بل ظننتم أن الرسول والمؤمنين لن يرجعوا إلى أهليهم أبدا وأن الخارجين سيقتلون بأيدي قريش بما لهم من الجموع والبأس الشديد والشوكة والقدرة ولذلك تخلفتم. وقوله: (وزين ذلك في قلوبكم) أي زين الشيطان ذلك الظن في قلوبكم فأخذتم بما يقتضيه ذلك الظن المزين وهو أن تتخلفوا ولا تخرجوا حذرا من أن تهلكوا وتبيدوا. وقوله: (وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا) البور - على ما قيل - مصدر بمعنى الفساد أو الهلاك أريد به معنى الفاعل أي كنتم قوما فاسدين أو هالكين. قيل: المراد بظن السوء ظنهم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا ولا يبعد أن يكون المراد به ظنهم أن الله لا ينصر رسوله ولا يظهر دينه كما مر في قوله في الاية السادسة من السورة الظانين بالله ظن السوء) بل هو أظهر. قوله تعالى: (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا) الجمع في هذه
________________________________________
[ 280 ]
الايات بين الايمان بالله ورسوله للدلالة على أن الكفر بالرسول بعدم طاعته كفر بالله، وفي الاية لحن تهديد. وقوله: (فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا) كان مقتضى الظاهر أن يقال: أعتدنا لهم فوضع الظاهر موضع الضمير للاشارة إلى علة الحكم بتعليقه على المشتق، والمعنى: أعتدنا وهيانا لهم لكفرهم سعيرا أي نارا مسعرة مشتعلة، وتنكير سعيرا للتهويل. قوله تعالى: (ولله ملك السماوات والارض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما) معنى الاية ظاهر وفيها تأييد لما تقدم، وفي تذييل الملك المطلق بالاسمين: الغفور الرحيم إشارة إلى سبق الرحمة الغضب وحث على الاستغفار والاسترحام. قوله تعالى: (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم) إلى آخر الآية إخبار عن أن المؤمنين سيغزون غزوة فيرزقون الفتح ويصيبون مغانم ويسألهم المخلفون أن يتركوهم يتبعونهم طمعا في الغنيمة، وتلك غزوة خيبر اجتاز النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنون إليه ففتحوه وأخذوا الغنائم وخصها الله تعالى بمن كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفرة الحديبية لم يشرك معهم غيرهم. والمعنى: أنكم ستنطلقون إلى غزوة فيها مغانم تأخذونها فيقول هؤلاء المخلفون: اتركونا نتبعكم. وقوله: (يريدون أن يبدلوا كلام الله) قيل: المراد به وعده تعالى أهل الحديبية أن يخصهم بغنائم خيبر بعد فتحه كما سيجئ من قوله: (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه الاية، ويشير إليه في هذه الاية بقوله: (إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها). وقوله: (قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل) أمر منه تعالى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يمنعهم عن اتباعهم استنادا إلى قوله تعالى من قبل أن يسألوهم الاتباع. وقوله: (فسيقولون بل تحسدوننا) أي سيقول المخلفون بعد ما منعوا عما سألوه من الاتباع: (بل تحسدوننا) وقوله: (بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا) جواب عن قولهم: (بل تحسدوننا) لم يوجه الخطاب إليهم أنفسهم لان المدعى أنهم لا يفقهون
________________________________________
[ 281 ]
الحديث ولذلك وجه الخطاب بالجواب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا). وذلك أن قولهم: (بل تحسدوننا) إضراب عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم بأمر الله: (لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل) فمعنى قولهم: إن منعنا من الاتباع ليس عن أمر من قبل الله بل إنما تمنعنا أنت ومن معك من المؤمنين أهل الحديبية أن نشارككم في الغنائم وتريدون أن تختص بكم. وهذا كلام لا يواجه به مؤمن له عقل وتمييز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعصوم الذي لا يرد ولا يصدر في شأن إلا بأمر من الله اللهم إلا أن يكون من بساطة العقل وبلادة الفهم فهذا القول الذي واجهوا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم مدعون للايمان والاسلام أدل دليل على ضعف تعقلهم وقلة فقههم. ومن هنا يظهر أن المراد بعدم فقههم إلا قليلا بساطة عقلهم وضعف فقههم للقول لا أنهم يفقهون بعض القول ولا يفقهون بعضه وهو الكثير ولا أن بعضهم يفقه القول وجلهم لا يفقهونه كما فسره به بعضهم. قوله تعالى: (قل للمخلفين من الاعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون) الخ، اختلفوا في هذا القوم من هم ؟ فقيل: المراد به هوازن، وقيل: ثقيف، وقيل: هوازن وثقيف، وقيل: هم الروم في غزاة مؤتة وتبوك، وقيل: هم أهل الردة قاتلهم أبو بكر بعد الرحلة، وقيل: هم الفارس، وقيل: أعراب الفارس وأكرادهم. وظاهر قوله: (ستدعون) أنهم بعض الاقوام الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد فتح خيبر من هوازن وثقيف والروم في مؤتة، وقوله تعالى سابقا: (قل لن تتبعونا) ناظر إلى نفي اتباعهم في غزوة خيبر على ما يفيده السياق. وقوله: (تقاتلونهم أو يسلمون) استئناف يدل على التنويع أي إما تقاتلون أو يسلمون أي أنهم مشركون لا تقبل منهم جزية كما تقبل من أهل الكتاب بل إما أن يقاتلوا أو يسلموا. ولا يصح أخذ (تقاتلونهم) صفة لقوم لانهم يدعون إلى قتال القوم لا إلى قتال
________________________________________
[ 282 ]
قوم يقاتلونهم، وكذا لا يصح أخذ حالا من نائب فاعل (ستدعون) لانهم يدعون إلى قتال القوم لا أنهم يدعون إليهم حال قتالهم، كذا قيل. ثم تمم سبحانه الكلام بالوعد والوعيد على الطاعة والمعصية فقال: (فإن تطيعوا) أي بالخروج إليهم (يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا) أي بالمعصية وعدم الخروج (كما توليتم من قبل) ولم تخرجوا في سفرة الحديبية (يعذبكم عذابا أليما) أي في الدنيا كما هو ظاهر المقام أو في الدنيا والاخرة معا. قوله تعالى: (ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج) رفع للحكم بوجوب الجهاد عن ذوي العاهة الذين يشق عليهم الجهاد برفع لازمه وهو الحرج. ثم تمم الاية أيضا بإعادة نظير ذيل الاية السابقة فقال: (ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما) * * * لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا - 18. ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما - 19. وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما - 20. وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شئ قديرا - 21. ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الادبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا - 22. سنة الله التي قد خلت من قبل
________________________________________
[ 283 ]
ولن تجد لسنة الله تبديلا - 23. وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا - 24. هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولو لا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما - 25. إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شئ عليما - 26. لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا - 27. هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا - 28. (بيان) فصل رابع من الايات يذكر تعالى فيه المؤمنين ممن كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خروجه إلى الحديبية فيذكر رضاه عنهم إذ بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة ثم يمتن عليهم بإنزال السكينة وإثابة فتح قريب ومغانم كثيرة يأخذونها.
________________________________________
[ 284 ]
ويخبرهم - وهو بشرى - أن المشركين لو قاتلوهم لانهزموا وولوا الادبار وأن الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وآله وسلم رؤيا صادقة سيدخلون المسجد الحرام آمنين محلقين رؤسهم لا يخافون فإنه تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. قوله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) الرضا هيئة تطرأ على النفس من تلقي ما يلائمها وتقبله من غير دفع، ويقابله السخط، وإذا نسب إلى الله سبحانه كان المراد الاثابة والجزاء الحسن دون الهيئة الطارئة والصفة العارضة الحادثة لاستحالة ذلك عليه تعالى: فرضاه سبحانه من صفات الفعل لا من صفات الذات. والرضا - كما قيل - يستعمل متعديا إلى المفعول بنفسه ومتعديا بعن ومتعديا بالباء فإذا عدي بنفسه جاز دخوله على الذات نحو: رضيت زيدا، وعلى المعنى نحو: رضيت أمارة زيد، قال تعالى: (ورضيت لكم الاسلام دينا) المائدة: 3، وإذا عدي بعن دخل على الذات كقوله: (رضي الله عنهم ورضوا عنه) البينة: 8، وإذا عدي بالباء دخل على المعنى كقوله تعالى: (أرضيتم بالحياة الدنيا من الاخرة). ولما كان الرضا المنسوب إليه تعالى صفة فعل له بمعنى الاثابة والجزاء، والجزاء إنما يكون بإزاء العمل دون الذات ففيما نسب من رضاه تعالى إلى الذات وعدي بعن كما في الاية (لقد رضي الله عن المؤمنين) نوع عناية استدعى عد الرضا وهو متعلق بالعمل متعلقا بالذات وهو أخذ بيعتهم التي هي متعلقة الرضا ظرفا للرضى فلم يسع إلا أن يكون الرضا متعلقا بهم أنفسهم. فقوله: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) إخبار عن إثابته تعالى لهم بإزاء بيعتهم له صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة. وقد كانت البيعة يوم الحديبية تحت شجرة سمرة بها بايعه صلى الله عليه وآله وسلم من معه من المؤمنين وقد ظهر به أن الظرف في قوله: (إذ يبايعونك) متعلق بقوله: (لقد رضي) واللام للقسم. قوله تعالى: (فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا
________________________________________
[ 285 ]
ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما) تفريع على قوله: (لقد رضي الله) الخ، والمراد بما في قلوبهم حسن النية وصدقها في مبايعتهم فإن العمل إنما يكون مرضيا عند الله لا بصورته وهيئته بل بصدق النية وإخلاصها. فالمعنى: فعلم ما في قلوبهم من صدق النية وإخلاصها في مبايعتهم لك. وقيل: المراد بما في قلوبهم الايمان وصحته وحب الدين والحرص عليه، وقيل: الهم والانفة من لين الجانب للمشركين وصلحهم. والسياق لا يساعد على شئ من هذين الوجهين كما لا يخفى. فإن قلت: المراد بما في قلوبهم ليس مطلق ما فيها بل نيتهم الصادقة المخلصة في المبايعة كما ذكر، وعلمه تعالى بنيتهم الموصوفة بالصدق والاخلاص سبب يتفرع عليه رضاه تعالى عنهم لا مسبب متفرع على الرضا، ولازم ذلك تفريع الرضا على العلم بأن يقال: لقد علم ما في قلوبهم فرضي عنهم لا تفريع العلم على الرضا كما في الاية. قلت: كما أن للمسبب تفرعا على السبب من حيث التحقق والوجود كذلك للسبب - سواء كان تاما أو ناقصا - تفرع على المسبب من حيث الانكشاف والظهور، والرضا كما تقدم صفة فعل له تعالى منتزع عن مجموع علمه تعالى بالعمل الصالح وما يثيب به ويجزي صاحب العمل، والذي انتزع عنه الرضا في المقام هو مجموع علمه تعالى بما في قلوبهم وإنزاله السكينة عليهم وإثابتهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها. فقوله: (فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة) الخ، تفريع على قوله: (لقد رضي الله عن المؤمنين) للدلالة على حقيقة هذا الرضا والكشف عن مجموع الامور التي بتحققها يتحقق معنى الرضا. ثم قوله: (فأنزل السكينة عليهم) متفرع على قوله: (فعلم ما في قلوبهم) وكذا ما عطف عليه من قوله: (وأثابهم فتحا قريبا) الخ. والمراد بالفتح القريب فتح خيبر على ما يفيده السياق وكذا المراد بمغانم كثيرة يأخذونها، غنائم خيبر، وقيل: المراد بالفتح القريب فتح مكة، والسياق لا يساعد عليه. وقوله: (وكان الله عزيزا حكيما) أي غالبا فيما أراد متقنا لفعله غير مجازف فيه.
________________________________________
[ 286 ]
قوله تعالى: (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه) الخ، المراد بهذه المغانم الكثيرة المغانم التي سيأخذها المؤمنون بعد الرجوع من الحديبية أعم من مغانم خيبر وغيرها فتكون الاشارة بقوله: (فعجل لكم هذه) الى المغانم المذكورة في الاية السابقة وهي مغانم خيبر نزلت منزلة الحاضرة لاقتراب وقوعها. هذا على تقدير نزول الاية مع الايات السابقة، وأما على ما قيل: إن الاية نزلت بعد فتح خيبر فأمر الاشارة في قوله: (فعجل لكم هذه) ظاهر لكن المعروف نزول السورة بتمامها في مرجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الحديبية بينها وبين المدينة. وقيل: الاشارة بهذه الى البيعة التي بايعوها تحت الشجرة وهو كما ترى. وقوله: (وكف أيدي الناس عنكم) قيل: المراد بالناس قبيلتا أسد وغطفان هموا بعد مسير النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى خيبر أن يغيروا على أموال المسلمين وعيالهم بالمدينة فقذف الله في قلوبهم الرعب وكف أيديهم. وقيل: المراد مالك بن عوف وعيينة بن حصين مع بني أسد وغطفان جاؤا لنصرة يهود خيبر فقذف الله في قلوبهم الرعب فرجعوا، وقيل: المراد بالناس أهل مكة ومن والاها حيث لم يقاتلوه صلى الله عليه وآله وسلم ورضوا بالصلح. وقوله: (ولتكون آية للمؤمنين) عطف على مقدر أي وعدهم الله بهذه الاثابة إثابة الفتح والغنائم الكثيرة المعجلة والمؤجلة لمصالح كذا وكذا ولتكون آية للمؤمنين أي علامة وأمارة تدلهم على أنهم على الحق وأن ربهم صادق في وعده ونبيهم صلى الله عليه وآله وسلم صادق في إنبائه. وقد اشتملت السورة على عدة من أنباء الغيب فيها هدى للمتقين كقوله: (سيقول لك المخلفون من الاعراب شغلتنا) الخ، وقوله: (سيقول المخلفون إذا انطلقتم) الخ، وقوله: (قل للمخلفين من الاعراب ستدعون) الخ، وما في هذه الايات من وعد الفتح والمغانم، وقوله بعد: (وأخرى لم تقدروا عليها) الخ، وقوله بعد: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا) الخ. وقوله: (ويهديكم صراطا مستقيما) عطف على (تكون) أي وليهديكم صراطا مستقيما وهو الطريق الموصل إلى إعلاء كلمة الحق وبسط الدين، وقيل: هو الثقة بالله
________________________________________
[ 287 ]
والتوكل عليه في كل ما تأتون وتذرون، وما ذكرناه أوفق للسياق. قوله تعالى: (وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شئ قديرا) أي وغنائم أخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها إحاطة قدرة وكان الله على كل شئ قديرا. فقوله: (أخرى) مبتدأ ولم تقدروا عليها) صفته وقوله: (قد أحاط الله بها) خبره الثاني وخبره الاول محذوف، وتقدير الكلام: وثمة غنائم اخرى قد أحاط الله بها. وقيل: قوله: (اخرى) في موضع نصب بالعطف على قوله: (هذه) والتقدير: وعجل لكم غنائم اخرى، وقيل: في موضع نصب بفعل محذوف، والتقدير: وقضى غنائم اخرى، وقيل: في موضع جر بتقدير رب والتقدير: ورب غنائم اخرى، وهذه وجوه لا يخلو شئ منها من وهن. والمراد بالاخرى في الاية - على ما قيل - غنائم هوازن، وقيل: المراد غنائم فارس والروم، وقيل: المراد فتح مكة والموصوف محذوف، والتقدير: وقرية اخرى لم تقدروا عليها أي على فتحها، وأول الوجوه أقربها. قوله تعالى: (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الادبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا) خبر آخر ينبئهم الله سبحانه ضعف الكفار عن قتال المؤمنين بأنفسهم وأن ليس لهم ولي يتولى أمرهم ولا نصير ينصرهم، ويتخلص في أنهم لا يقوون في أنفسهم على قتالكم ولا نصير لهم من الاعراب ينصرهم، وهذا في نفسه بشرى للمؤمنين. قوله تعالى: (سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) (سنة الله) مفعول مطلق لفعل مقدر أي سن سنة الله أي هذه سنة قديمة له سبحانه أن يظهر أنبياءه والمؤمنين بهم إذا صدقوا في إيمانهم وأخلصوا نياتهم على أعدائهم من الذين كفروا ولن تجد لسنة الله تبديلا كما قال تعالى: (كتب الله لاغلبن أنا ورسلي) المجادلة: 21. ولم يصب المسلمون في شئ من غزواتهم إلا بما خالفوا الله ورسوله بعض المخالفة. قوله تعالى: (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من
________________________________________
[ 288 ]
بعد أن أظفركم عليهم) الخ، الظاهر أن المراد بكف أيدي كل من الطائفتين عن الاخرى ما وقع من الصلح بين الفئتين بالحديبية وهي بطن مكة لقربها منها واتصالها بها حتى قيل إن بعض أراضيها من الحرم وذلك أن كلا من الفئتين كانت أعدى عدو للاخرى وقد اهتمت قريش بجمع المجموع من أنفسهم ومن الاحابيش، وبايع المؤمنون النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن يقاتلوا، وعزم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن يناجز القوم، وقد أظفر الله النبي والذين آمنوا على الكفار حيث دخلوا أرضهم وركزوا أقدامهم في عقر دارهم فلم يكن ليتوهم بينهم إلا القتال لكن الله سبحانه كف أيدي الكفار عن المؤمنين وأيدي المؤمنين عن الكفار بعد إظفار المؤمنين عليهم وكان الله بما يعملون بصيرا. قوله تعالى: (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله) العكوف على أمر هو الاقامة عليه، والمعكوف - كما في المجمع - الممنوع من الذهاب إلى جهة بالاقامة في مكانه، ومنه الاعتكاف وهو الاقامة في المسجد للعبادة. والمعنى: المشركون مشركوا مكة هم الذين كفروا ومنعوكم عن المسجد الحرام ومنعوا الهدي - الذي سقتموه - حال كونه محبوسا من أن يبلغ محله أي الموضع الذي ينحر أو يذبح فيه وهو مكة التي ينحر أو يذبح فيها هدي العمرة كما أن هدي الحج ينحر أو يذبح في منى، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من المؤمنين محرمين للعمرة ساقوا هديا لذلك. قوله تعالى: (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم) الوطء الدوس، والمعرة المكروه، وقوله: (أن تطؤهم) بدل اشتمال من مدخول لولا، وجواب لولا محذوف، والتقدير: ما كف أيديكم عنهم. والمعنى: ولولا أن تدوسوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات بمكة وأنتم جاهلون بهم لا تعلمون فتصيبكم من قتلهم وإهلاكهم مكروه لما كف الله أيديكم عنهم. وقوله: (ليدخل الله في رحمته من يشاء) اللام متعلق بمحذوف، والتقدير: ولكن كف أيديكم عنهم ليدخل في رحمته اولئك المؤمنين والمؤمنات غير المتميزين بسلامتهم من القتل وإياكم بحفظكم من إصابة المعرة.
________________________________________
[ 289 ]
وقيل: المعنى: ليدخل في رحمته من أسلم من الكفار بعد الصلح. وقوله: (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) التزيل التفرق وضمير (تزيلوا) لجميع من تقدم ذكره من المؤمنين والكفار من أهل مكة أي لو تفرقوا بأن يمتاز المؤمنون من الكفار لعذبنا الذين كفروا من أهل مكة عذابا أليما لكن لم نعذبهم لحرمة من اختلط بهم من المؤمنين. قوله تعالى: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية) إلى آخر الاية قال الراغب: وعبر عن القوة الغضبية إذا ثارت وكثرت بالحمية فيقال: حميت على فلان أي غضبت عليه قال تعالى: (حمية الجاهلية) وعن ذلك استعير قولهم: حميت المكان حمى انتهى. والظرف في قوله: (إذ جعل) متعلق بقوله سابقا: (وصدوكم) وقيل: متعلق بقوله: (لعذبنا) وقيل: (متعلق بالذكر المقدر، والجعل بمعنى الالقاء و (الذين كفروا) فاعلة والحمية مفعوله و (حمية الجاهلية) بيان للحمية والجاهلية وصف موضوع في موضع الموصوف والتقدير الملة الجاهلية. ولو كان (جعل) بمعنى صير كان مفعوله الثاني مقدرا والتقدير إذ جعل الذين كفروا الحمية راسخة في قلوبهم ووضع الظاهر موضع الضمير في قوله: (جعل الذين كفروا) للدلالة على سبب الحكم. ومعنى الاية: هم الذين كفروا وصدوكم إذ ألقوا في قلوبهم الحمية حمية الملة الجاهلية. وقوله: (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) تفريع على قوله: (جعل الذين كفروا) ويفيد نوعا من المقابلة كأنه قيل: جعلوا في قلوبهم الحمية فقابله الله سبحانه بإنزال السكينة على رسوله وعلى المؤمنين فاطمأنت قلوبهم ولم يستخفهم الطيش وأظهروا السكينة والوقار من غير أن يستفزهم الجهالة. وقوله: (وألزمهم كلمة التقوى) أي جعلها معهم لا تنفك عنهم، وهي على ما اختاره جمهور المفسرين كلمة التوحيد وقيل: المراد الثبات على العهد والوفاء به وقيل:
________________________________________
[ 290 ]
المراد بها السكينة وقيل: قولهم: بلى في عالم الذر، وهو أسخف الاقوال. ولا يبعد أن يراد بها روح الايمان التي تأمر بالتقوى كما قال تعالى: (أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه) المجادلة: 22، وقد أطلق الله الكلمة على الروح في قوله: (وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) النساء: 171. وقوله: (وكانوا أحق بها وأهلها) أما كونهم أحق بها فلتمام استعدادهم لتلقي هذه العطية الالهية بما عملوا من الصالحات فهم أحق بها من غيرهم، وأما كونهم أهلها فلانهم مختصون بها لا توجد في غيرهم وأهل الشئ خاصته. وقيل: المراد وكانوا أحق بالكسينة وأهلها، وقيل: إن في الكلام تقديما وتأخيرا والاصل وكانوا أهلها وأحق بها وهو كما ترى. وقوله: (وكان الله بكل شئ عليما) تذييل لقوله: (وكانوا أحق بها وأهلها) أو لجميع ما تقدم، والمعنى على الوجهين ظاهر. قوله تعالى: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون) الخ، قيل: إن صدق وكذب مخففين يتعديان إلى مفعولين يقال: صدقت زيدا الحديث وكذبته الحديث، وإلى المفعول الثاني بفي يقال: صدقته في الحديث وكذبته فيه، ومثقلين يتعديان إلى مفعول واحد يقال: صدقته في حديثه وكذبته في حديثه. واللام في (لقد صدق الله) للقسم، وقوله: (لتدخلن المسجد الحرام) جواب القسم. وقوله: (بالحق) حال من الرؤيا والباء فيه للملابسة، والتعليق بالمشية في قوله: (إن شاء الله) لتعليم العباد والمعنى: أقسم لقد صدق الله رسوله في الرؤيا التي أراه لتدخلن أيها المؤمنون المسجد الحرام إن شاء الله حال كونكم آمنين من شر المشركين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون المشركين. وقوله: (فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا) (ذلك) إشارة إلى ما تقدم من دخولهم المسجد الحرام آمنين، والمراد بقوله: (من دون ذلك) أقرب من ذلك والمعنى: فعلم تعالى من المصلحة في دخولكم المسجد الحرام آمنين ما جهلتموه ولم تعلموه، ولذلك جعل قبل دخولكم كذلك فتحا قريبا ليتيسر لكم الدخول كذلك.
________________________________________
[ 291 ]
ومن هنا يظهر أن المراد بالفتح القريب في هذه الاية فتح الحديبية فهو الذي سوى للمؤمنين الطريق لدخول المسجد الحرام آمنين ويسر لهم ذلك ولولا ذلك لم يمكن لهم الدخول فيه إلا بالقتال وسفك الدماء ولا عمرة مع ذلك لكن صلح الحديبية وما اشترط من شرط أمكنهم من دخول المسجد معتمرين في العام القابل. ومن هنا تعرف أن قول بعضهم: إن المراد بالفتح القريب في الاية فتح خيبر بعيد من السياق، وأما القول بأنه فتح مكة فأبعد. وسياق الاية يعطي أن المراد بها إزالة الريب عن بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن المؤمنين كانوا يزعمون من رؤيا رآها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من دخولهم المسجد آمنين محلقين رؤسهم ومقصرين، أنهم سيدخلونه كذلك في عامهم ذلك فلما خرجوا قاصدين مكة معتمرين فاعترضهم المشركون بالحديبية وصدوهم عن المسجد الحرام ارتاب بعضهم في الرؤيا فأزال الله ريبهم بما في الاية. ومحصله: أن الرؤيا حقة أراها الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وقد صدق تعالى في ذلك، وستدخلون المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون، لكنه تعالى أخره وقدم عليه هذا الفتح وهو صلح الحديبية ليتيسر لكم دخوله لعلمه تعالى بأنه لا يمكن لكم دخوله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون إلا بهذا الطريق. قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) الخ، تقدم تفسيره في سورة التوبة الاية 33، وقوله: (وكفى بالله شهيدا) أي شاهدا على صدق نبوته والوعد أن دينه سيظهر على الدين كله أو على أن رؤياه صادقة، فالجملة تذييل ناظر إلى نفس الاية أو الاية السابقة. (بحث روائي) في الدر المنثور في قوله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين) الاية، أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سلمة بن الاكوع قال: بينا نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس، فثرنا إلى رسول
________________________________________
[ 292 ]
الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه فذلك قول الله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) فبايع لعثمان إحدى يديه على الاخرى فقال الناس هنيئا لابن عفان يطوف بالبيت ونحن ههنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف. وفيه أخرج عبد بن حميد ومسلم وابن مردويه عن مغفل بن يسار قال: لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يبايع الناس وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه ونحن أربع عشرة مائة ولم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفر. أقول: كون المؤمنين يومئذ أربع عشرة مائة مروي في روايات اخرى، وفي بعض الروايات ألف وثلاثمائة وفي بعضها إلى ألف وثمان مائة، وكذا كون البيعة على أن لا يفروا وفي بعضها على الموت. وفيه أخرج أحمد عن جابر ومسلم عن أم بشر عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة. وفيه أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: (فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم) قال: إنما أنزلت السكينة على من علم منه الوفاء. أقول: والرواية تخصص ما تقدم عليها ويدل عليه قوله تعالى فيما تقدم: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) فاشترط في الاجر - ويلازمه الاشتراط في الرضا - الوفاء وعدم النكث، وقد أورد القمي هذا المعنى في تفسيره وكأنه رواية. وفي الدر المنثور أيضا في قوله تعالى: إذ جعل الذين كفروا) الاية أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن سهل بن حنيف أنه قال يوم صفين: اتهموا أنفسكم فلقد رأيتنا يوم الحديبية نرجئ الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وآله و سلم وبين المشركين ولو نرى قتالا لقاتلنا. فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ قال: بلى. قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال: بلى. قال: ففيم نعطي
________________________________________
[ 293 ]
الدنية في ديننا ؟ ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال: يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا. فرجع متغيظا فلم يصبر حتى جاء أبا بكر فقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ قال: بلى. قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال: بلى قال: فلم نعطي الدنية في ديننا ؟ قال: يا ابن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا فنزلت سورة الفتح فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عمر فأقرأه إياها فقال: يا رسول الله أو فتح هو قال: نعم. وفي كمال الدين بإسناده عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) قال: لو أخرج الله ما في أصلاب المؤمنين من الكافرين وما في أصلاب الكافرين من المؤمنين لعذبنا الذين كفروا. أقول: وهذا المعنى مروي في روايات أخر. وبإسناده عن جميل قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى: (وألزمهم كلمة التقوى) قال: هو الايمان. وفي الدر المنثور أخرج الترمذي وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن جرير والدار قطني في الافراد وابن مردويه والبيهقي في الاسماء والصفات عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه واله وسلم (وألزمهم كلمة التقوى) قال: لا إله إلا الله. أقول: (وروى هذا المعنى أيضا بطرق أخرى عن علي وسلمة بن الاكوع وأبي هريرة، وروي أيضا من طرق الشيعة كما في العلل بإسناده عن الحسن بن عبد الله عن آبائه عن جده الحسن بن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه واله وسلم في حديث يفسر فيه (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) قال صلى الله عليه وآله وسلم: وقوله: لا إله إلا الله يعني وحدانيته لا يقبل الله الاعمال إلا بها، وهي كلمة التقوى يثقل الله بها الموازين يوم القيامة. وفي المجمع في قصة فتح خيبر قال: ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة من الحديبية مكث بها عشرين ليلة ثم خرج منها غاديا إلى خيبر. ذكر ابن إسحاق بإسناده إلى أبي مروان الاسلمي عن أبيه عن جده قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى خيبر حتى إذا كنا قريبا منها وأشرفنا عليها قال رسول
________________________________________
[ 294 ]
الله صلى الله عليه واله وسلم: قفوا فوقف الناس فقال اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الارضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر أهلها وشر ما فيها. أقدموا بسم الله. وعن سلمة بن الاكوع قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الاكوع: إلا بسمعنا من هنيهاتك وكان عامر رجلا شاعرا فجعل يقول: لا هم لولا أنت ما حجينا ولا تصدقنا ولا صلينا فاغفر فداء لك ما اقتنينا وثبت الاقدام إن لاقينا وأنزلن سكينة علينا إنا إذا صيح بنا أتينا وبالصياح عولوا علينا فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: من هذا السائق ؟ قالوا: عامر. قال: يرحمه الله. قال عمر وهو على جمل له وجيب (1): يا رسول الله لولا أمتعتنا به، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما استغفر لرجل قط يخصه إلا استشهد قالوا: فلما جد الحرب وتصاف القوم خرج يهودي وهو يقول: قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب فبرز إليه عامر وهو يقول: قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر فاختلفا ضربتين فوقع سيف اليهودي في ترس عمر وكان سيف عامر فيه قصر فتناول به ساق اليهودي ليضربه فرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر فمات منه. قال سلمة: فإذا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقولون: بطل عمل عامر قتل نفسه. قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أبكي فقلت: قالوا: إن عامرا بطل عمله،
________________________________________
(1) وجب البعير أعيى، ووجب برك وضرب بنفسه الارض. (*)
________________________________________
[ 295 ]
فقال: من قال ذلك ؟ قلت: نفر من أصحابك، فقال: كذب اولئك بل أوتي من الاجر مرتين. قال: فحاصرناهم حتى أصابنا مخمصة شديدة ثم إن الله فتحها علينا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى اللواء عمر بن الخطاب ونهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله يجبنه أصحابه ويجبنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس فقال حين أفاق من وجعه: ما فعل الناس بخيبر ؟ فاخبر فقال: لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه. وروى البخاري ومسلم عن قتيبة بن سعيد قال: حدثنا يعقوب عن عبد الرحمن الاسكندراني عن أبي حازم قال: أخبرني سعد بن سهل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم خيبر: لاعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. قال: فبات الناس يدوكون بجملتهم أنهم يعطاها ؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كلهم يرجون أن يعطاها. فقال: أين علي بن أبي طالب ؟ فقالوا: يا رسول الله هو يشتكي عينيه. قال: فأرسلوا إليه فاتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عينيه فبرء كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله اقاتلهم حتى يكونوا مثلنا. قال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فو الله لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم. قال سلمة: فبرز مرحب وهو يقول: قد علمت خيبر أني مرحب... الابيات، فبرز له علي وهو يقول: أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره أو فيهم بالصاع كيل السندره فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله وكان الفتح على يده. أورده مسلم في صحيحه. وروى أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم
________________________________________
[ 296 ]
فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده فتناول علي باب الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده، فلقد رأيتني في نفر مع سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما استطعنا أن نقلبه. وبإسناده عن ليث بن أبي سليم عن أبي جعفر محمد بن علي قال: حدثني جابر بن عبد الله أن عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه فاقتحموها، وأنه حرك بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا. قال: وروي من وجه آخر عن جابر: ثم اجتمع عليه سبعون رجلا فكان جهدهم أن أعادوا الباب. وبإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان علي يلبس في الحر والشتاء القباء المحشو الثخين وما يبالي الحر فأتاني أصحابي فقالوا: إنا رأينا من أمير المؤمنين شيئا فهل رأيت ؟ فقلت: وما هو ؟ قالوا: رأيناه يخرج علينا في الحر الشديد في القباء المحشو الثخين وما يبالي الحر، ويخرج علينا في البرد الشديد في الثوبين الخفيفين وما يبالي البرد فهل سمعت في ذاك شيئا ؟ فقلت: لا فقالوا: فسل لنا أباك عن ذلك فإنه يسمر معه فسألته فقال: ما سمعت في ذلك شيئا. فدخل على علي فسمر معه ثم سأله عن ذلك فقال: أو ما شهدت خيبر ؟ قلت: بلى. قال: أفما رأيت رسول الله حين دعا أبا بكر فعقد له ثم بعثه إلى القوم فانطلق فلقي القوم ثم جاء بالناس وقد هزم ثم بعث إلى عمر فعقد له ثم بعثه إلى القوم فانطلق فلقي القوم فقاتلهم ثم رجع وقد هزم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لاعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه كرارا غير فرار فدعاني وأعطاني الراية ثم قال: اللهم اكفه الحر والبرد فما وجدت بعد ذلك حرا ولا بردا، وهذا كله منقول من كتاب دلائل النبوة للامام أبي بكر البيهقي. قال الطبرسي: ثم لم يزل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يفتح الحصون حصنا حصنا ويحوز الاموال حتى انتهوا إلى حصن الوطيح والسلالم وكان آخر حصون خيبر افتتح، وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بضع عشرة ليلة.
________________________________________
[ 297 ]
قال ابن إسحاق: ولما افتتح القموص حصن أبي الحقيق أتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصفية بنت حيى بن أخطب وباخرى معها فمر بهما بلال - وهو الذي جاء بهما - على قتلى من قتلى يهود فلما رأتهم التي معها صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: اعزبوا عني هذه الشيطانة، وأمر بصفية فحيزت خلفه وألقى عليها رداءه فعرف المسلمون أنه قد اصطفاها لنفسه، وقال لبلال لما رأى من تلك اليهودية ما رأى: أنزعت منك الرحمة يا بلال حيث تمر بامرأتين على قتلى رجالهما ؟ وكانت صفية قد رأت في المنام - وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق - أن قمرا وقع في حجرها فعرضت رؤياها على زوجها فقال: ما هذا إلا أنك تتمنين ملك الحجاز محمدا ولطم وجهها لطمة اخضرت عينها منها فاتي بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبها أثر منها فسألها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما هو ؟ فأخبرته. وأرسل ابن أبي الحقيق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنزل فاكلمك ؟ قال: نعم. فنزل وصالح رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة وترك الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم ويخلون بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين ما كان لهم من مال وأرض على الصفراء والبيضاء والكراع (1) والخلقة وعلى البز إلا ثوبا على ظهر إنسان، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئا فصالحوه على ذلك. فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسألونه أن يسيرهم ويحقن دماءهم ويخلون بينه وبين الاموال ففعل وكان ممن مشى بين رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود أحد بني حارثة. فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعاملهم الاموال على النصف، وقالوا: نحن أعلم بها منكم وأعمر لها فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على النصف على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم وصالحه أهل فدك على مثل ذلك فكانت
________________________________________
(1) الكراع: بضم الكاف مطلق الماشية والخلفة بالكسر فالسكون الاثاث والبز الثواب. (*)
________________________________________
[ 298 ]
أموال خيبر فيئا بين المسلمين وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم لانهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب. ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أهدت له زينب بنت الحارث أمراة سلام بن مشكم وهي ابنة أخي مرحب شاة مصلية وقد سألت أي عضو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقيل لها: الذراع فأكثرت فيها السم وسمت سائر الشاة ثم جاءت بها فلما وضعتها بين يديه تناول الذراع فأخذها ولاك منها مضغة وانتهش منها ومعه بشر بن البراء بن معرور فتناول عظما فانتهش منه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ارفعوا أيديكم فإن كتف هذه الشاة يخبرني أنها مسمومة ثم دعاها فاعترفت فقال: ما حملك على ذلك ؟ فقالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت: إن كان نبيا فسيخبر وإن كان ملكا استرحت منه فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومات بشر بن البراء من أكلته التي أكل قال: ودخلت أم بشر بن البراء على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يعوده في مرضه الذي توفي فيه فقال صلى الله عليه وآله وسلم: يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت بخيبر مع ابنك تعاودني فهذا أوان قطعت أبهري وكان المسلمون يرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات شهيدا مع ما أكرمه الله به من النبوة. * * * محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطئه فازره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما - 29.
________________________________________
[ 299 ]
(بيان) الاية خاتمة السورة تصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتصف الذين معه بما وصفهم به في التوراة والانجيل وتعد الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات وعدا جميلا، وللاية اتصال بما قبلها حيث أخبر فيه أنه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق. قوله تعالى: (محمد رسول الله) إلى آخر الاية، الظاهر أنه مبتدأ وخبر فهو كلام تام، وقيل: (محمد) خبر مبتدأ محذوف وهو ضمير عائد إلى الرسول في الاية السابقة والتقدير: هو محمد، و (رسول الله) عطف بيان أو صفة أو بدل، وقيل: (محمد) مبتدأ و (رسول الله) عطف بيان أو صفة أو بدل و (الذين معه) معطوف على المبتدأ و (أشداء على الكفار) الخ، خبر المبتدأ. وقوله: (والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) مبتدأ خبر، فالكلام مسوق لتوصيف الذين معه والشدة والرحمة المذكورتان من نعوتهم. وتعقيب قوله: (أشداء على الكفار) بقوله: (رحماء بينهم) لدفع ما يمكن أن يتوهم أن كونهم أشداء على الكفار يستوجب بعض الشدة فيما بينهم فدفع ذلك بقوله: (رحماء بينهم) وأفادت الجملتان أن سيرتهم مع الكفار الشدة ومع المؤمنين فيما بينهم الرحمة. وقوله: (تراهم ركعا سجدا) الركع والسجد جمعا راكع وساجد، والمراد بكونهم ركعا سجدا إقامتهم للصلاة، و (تراهم) يفيد الاستمرار، والمحصل: أنهم مستمرون على الصلاة، والجملة خبر بعد خبر للذين معه. وقوله: (يبتغون فضلا من الله ورضوانا) الابتغاء الطلب، والفضل العطية وهو الثواب، والرضوان أبلغ من الرضا. والجملة إن كانت مسوقة لبيان غايتهم من الركوع والسجود كان الانسب أن تكون حالا مضمير المفعول في (تراهم) وإن كانت مسوقة لبيان غايتهم من الحياة مطلقا كما هو الظاهر كانت خبرا بعد خبر للذين معه. وقوله: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) السيما العلامة و (سيماهم في
________________________________________
[ 300 ]
وجوههم) مبتدأ وخبر و (من أثر السجود) حال من الضمير المستكن في الخبر أو بيان للسيما أي إن سجودهم لله تذللا وتخشعا أثر في وجوههم أثرا وهو سيما الخشوع لله يعرفهم به من رآهم، ويقرب من هذا المعنى ما عن الصادق عليه السلام أنه السهر في الصلاة (1). وقيل: المراد أثر التراب في جباههم لانهم كانوا إنما يسجدون على التراب لا على الاثواب. وقيل: المراد سيماهم يوم القيامة فيكون موضع سجودهم يومئذ مشرقا مستنيرا. وقوله: (ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل) المثل هو الصفة أي الذي وصفناهم به من أنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم (الخ) وصفهم الذي وصفناهم به في الكتابين التوراة والانجيل. فقوله: (ومثلهم في الانجيل) معطوف على قوله: (مثلهم في التوراة) وقيل: إن قوله: (ومثلهم في الانجيل) الخ، استئناف منقطع عما قبله، وهو مبتدأ خبره قوله: (كزرع أخرج شطأه) الخ، فيكون وصفهم في التوراة هو أنهم أشداء على الكفار - إلى قوله -: (من أثر السجود)، ووصفهم في الانجيل هو أنهم كزرع أخرج شطأه (الخ). وقوله: (كزرع أخرج شطأه فازره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع) شطؤ النبات أفراخه التي تتولد منه وتنبت حوله، والايزار الاعانة، والاستغلاظ الاخذ في الغلظة، والسوق جمع ساق، والزراع جمع زارع. والمعنى: هم كزرع أخرج أفراخه فأعانها فقويت وغلظت وقام على سوقه يعجب الزارعين بجودة رشده. وفيه إشارة إلى أخذ المؤمنين في الزيادة والعدة والقوة يوما فيوما ولذلك عقبه بقوله: (ليغيظ بهم الكفار).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page