• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 376 الي 393


[ 376 ]
ثم ردع بنفسه وقال: كلا لا يكونون شركاء له لانهم اما أن يروه الاصنام بما أنها معبودة لهم معدودة آلهتهم وهى أجسام ميتة خالية عن الحياة والعلم والقدرة واما أن يروه أرباب هذه الاصنام وهم الملائكة وغيرهم بجعل الاصنام تماثيل مشيرة إليهم وهم وان لم يخلوا عن حياة وعلم وقدرة الا أن ما لهم من صفات الكمال مفاضة عليهم من الله سبحانه لا استقلال لهم في شئ من هذه الصفات ولا في الافعال المتفرعة عليها فأين الاستقلال في التدبير الذى يدعون أنه مفوض إليهم ؟ فالوجود الواجبى بكماله اللا متناهى يمنع أن يكون في خلقه من يشاركه في شئ من كماله. اللهم الا أن يدعوا أنه شاركهم في بعض ماله من الشؤون لتدبير خلقه من غير صلاحية لهم ذاتية وهذا ينافى حكمته تعالى. وقد أشير إلى هذه الحجة بقوله: (بل هو الله العزيز الحكيم) فان عزته تعالى - وهو منع جانبه أن يعدو إلى حريم كماله عاد لكونه لا يحد بحد - تمنع أن يشاركه في شئ من صفات كماله كالربوبية والالوهية المنتهيتين إلى الذات أحد غيره هذا لو كانت الشركة عن صلاحية ذاتية من الشريك ولو كانت عن ارادة حزافية منه من غير صلاحية حقيقة من الشريك فالحكمة الالهية تمنع ذلك. وقد تبين بذلك أن الاية متضمنة لحجة قاطعة برهانية فأحسن التدبر فيها. قوله تعالى: (وما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) قال الراغب في المفردات: الكف كف الانسان وهى ما بها يقبض ويبسط وكففته أصبت كفه، وكففته أصبته بالكف ودفعته بها وتعورف الكف بالدفع على أي وجه كان بالكف كان أو غيرها حتى قيل: رجل مكفوف لمن قبض بصره، وقوله: وما أرسلناك الا كافة للناس أي كافالهم عن المعاصي والهاء فيه للمبالغة كقولهم: راوية وعلامة ونسابة. انتهى. ويؤيد هذا المعنى توصيفه ص بالبشير والنذير، فقوله: (بشيرا ونذيرا) حالان يبينان صفته لقوله: (كافة للناس). وربما قيل: ان التقدير وما أرسلناك الا ارسالة كافة للناس ولا يخلو من تكلف وبعد.
________________________________________
[ 377 ]
وأما كون كافة بمعنى جميعا وحالا من الناس، والمعنى: وما أرسلناك الا للناس جميعا فهم يمنعون عن تقدم الحال على صاحبه المجرور. واعلم أن منطوق الاية وان كان راجعا إلى النبوة وفيها انتقال من الكلام في التوحيد إلى الكلام في النبوة على حد الايات التالية، لكن في مدلولها حجة أخرى على التوحيد وذلك أن الرسالة من لوازم الربوبية التى شأنها تدبير الناس في طريق سعادتهم ومسيرهم إلى غايات وجودهم فعموم رسالتة ص وهو رسول الله تعالى لا رسول غيره دليل على أن الربوبية منحصرة في الله سبحانه فلو كان هناك رب غيره لجاءهم رسوله ولم يعم رسالة النبي ص أو عمتهم واحتاجوا معه إلى غيره، وهذا معنى قول على ع - على ما روى - لو كان لربك شريك لاتتك رسله. ويؤيده ما في ذيل الاية من قوله: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) فان دالة انحصار الرسالة في رسل الله على انحصار الربوبية في الله عز اسمه أمس بجهل الناس من كونه ص رسولا كافا لهم عن المعاصي بشيرا ونذيرا. فمفاد الاية على هذا: لا يمكنهم أن يروك شريكا له والحال أنا لم نرسلك الا كافا لجميع الناس بشيرا ونذيرا ولو كان لهم اله غيرنا لم يسع لنا أن نرسلك إليهم وهم عباد لاله آخر والله أعلم. قوله تعالى: (ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين) سؤال عن وقت الجمع والفتح وهو البعث فالاية متصلة بقوله السابق: (قل يجمع بيننا ربنا) الاية، وهذا أيضا من شواهد ما قدمنا من المعنى لقوله: (وما أرسلناك الا كافة) والا كانت هذه الاية والتى بعدها متخللتين بين قوله: (وما أرسلناك) الاية، والايات التالية المتعرضة لمسألة النبوة. قوله تعالى: (قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون) أمر منه تعالى أن يجيبهم بأن لهم ميعاد يوم مقضى محتوم لا يتخلف عن الوقوع فهو واقع قطعا ولا يختلف وقت وقوعه البتة أي ان الله وعد به وعدا لا يخلفه الا أن وقت وقوعه مستور لا يعلمه الا الله سبحانه.
________________________________________
[ 378 ]
وما قيل: ان المراد به يوم الموت غير سديد فانهم لم يسألوا الا عما تقدم وعده وهو يوم الجمع والفتح والجمع ثم الفتح من خصائص يوم القيامة دون يوم الموت. (بحث روائي) في تفسير القمى في رواية أبى الجارود عن أبى جعفر ع في قوله تعالى: (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير) وذلك أن أهل السماوات لم يسمعوا وحيا فيما بين أن بعث عيسى بن مريم إلى أن بعث محمد ص، فلما بعث الله جبرئيل إلى محمد سمع أهل السماوات صوت وحى القرآن كوقع الحديد على الصفا فصعق أهل السماوات. فلما فرغ عن الوحى انحدر جبرئيل كلما مر بأهل سماء فزع عن قلوبهم يقول: كشف عن قلوبهم، فقال بعض لبعض: ماذا قال ربكم ؟ قالوا: الحق وهو العلى الكبير. أقول: وروى مثله من طرق أهل السنة موصولا وموقوفا عن النبي ص ومدلول الرواية على أي حال مصداق من مصاديق الاية ولا تصلح لتفسيرها البتة. وفى الدر المنثور عن ابن مردويه عن ابن عباس وفى المجمع عنه قال: قال رسول الله ص: أعطيت خمسالم يعطهن نبى قبلى: بعثت إلى الناس كافة الاحمر والاسود وانما كان النبي يبعث إلى قومه، ونصرت بالرعب يرعب منى عدوى على مسيرة شهر، وأطعمت المغنم، وجعلت لى الارض مسجدا وطهورا، وأعطيت الشفاعة فادخرتها لامتي إلى يوم القيامة وهى ان شاء الله نائلة من لا يشرك بالله شيئا. أقول: وروى أيضا هذا المعنى عن ابن المنذر عن أبى هريرة عنه ص. والرواية معارضة لما ورد مستفيضا أن نوحا كان مبعوثا إلى الناس كافة وذكر في بعضها ابراهيم ع وفى بعضها أن أولى العزم كلهم مبعوثون إلى الدنيا كافة، وتخالف أيضا عموم الشفاعة للانبياء المستفاد من عدة من الروايات وقد قال تعالى: (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة الا من شهد بالحق وهم يعلمون) الزخرف: 86، وقد شهد القرآن بأن المسيح ع من الشهداء قال تعالى: (ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا) النساء: 159.
________________________________________
[ 379 ]
والروايات من طرق العامة والخاصة كثيرة في عموم رسالته للناس كافة وظاهر كثير منها أخذ (كافة) في قوله تعالى: (وما أرسلناك الا كافة للناس) حالا من (للناس) قدم عليه ويمنعه البصريون من النحاة ويجوزه الكوفيون. * * * وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذى بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لو لا أنتم لكنا مؤمنين - 31. قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين - 32. وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الاغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون الا ما كانوا يعملون - 33. وما أرسلنا في قرية من نذير الا قال مترفوها انا بما أرسلتم به كافرون - 34. وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين - 35. قل ان ربى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون - 36. وما أموالكم ولا أولادكم بالتى تقربكم عندنا زلفى الا من آمن وعمل صالحا فأولئك
________________________________________
[ 380 ]
لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون - 37. والذين يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون - 38. قل ان ربى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين - 39. ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء اياكم كانوا يعبدون - 40. قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون - 41. فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التى كنتم بها تكذبون - 42. وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا الا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا الا افك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم ان هذا الا سحر مبين - 43. وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير - 44. وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير - 45. قل انما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة ان هو الا نذير لكم بين يدى عذاب شديد - 46. قل ما سألتكم من أجر فهو لكم ان أجرى الا على الله وهو على كل شئ شهيد - 47. قل ان
________________________________________
[ 381 ]
ربى يقذف بالحق علام الغيوب - 48. قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد - 49. قل ان ضللت فانما أضل على نفسي وان اهتديت فبما يوحى إلى ربى انه سميع قريب - 50. ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب - 51. وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد - 52. وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد - 53. وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل انهم كانوا في شك مريب - 54. (بيان) فصل آخر من آيات السورة تتكلم في أمر النبوة وما يرجع إليها وما يقول المشركون فيها وتتخلص في خلالها بما يجرى عليهم يوم الموت أو يوم القيامة، وقد اتصلت بقوله في الفصل السابق: (وما أرسلناك الا كافة للناس) الاية، وقد عرفت أن الاية كالبرزخ بين الفصلين تذكر الرسالة وتجعلها دليلا على التوحيد. قوله تعالى: (وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذى بين يديه) المراد بالذين كفروا المشركون والمراد بالذى بين يديه الكتب السماوية من التوراة والانجيل وذلك أن المشركين وهم الوثنيون ليسوا قائلين بالنبوة ويتبعها الكتاب السماوي. وقول بعضهم: ان المراد بالذى بين يديه هو أمر الاخرة مما لا دليل يساعده، وقد أكثر القرآن الكريم من التعبير عن التوراة والانجيل بالذى بين يديه، ومن الخطأ قول بعضهم: ان المراد بالذين كفروا هم اليهود.
________________________________________
[ 382 ]
قوله تعالى: (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم) الخ، الظاهر أن اللام في (الظالمون) للعهد، وهذه الاية والايتان بعدها تشير إلى أن وبال هذا الكفر - وأساسه ضلال أئمة الكفر واضلالهم تابعيهم - سيلحق بهم وسيندمون عليه ولن ينفعهم الندم. فقوله: (ولو ترى) خطاب للنبى ص إذ هم بمعزل عن فهم الخطاب (إذ الظالمون) وهم الكافرون بكتب الله ورسله، الذين ظلموا أنفسهم بالكفر (موقوفون عند ربهم) للحساب والجزاء يوم القيامة (يرجع بعضهم إلى بعض القول) أي يتحاورون ويتراجعون في الكلام متخاصمين (يقول الذين استضعفوا) بيان لرجوع بعضهم إلى بعض في القول والمستضعفون الاتباع الذين استضعفتهم المتبوعون (للذين استكبروا) وهم الائمة القادة (لو لا أنتم لكنا مؤمنين) يريدون أنكم أجبرتمونا على الكفر وحلتم بيننا وبين الايمان. (قال الذين استكبروا للذين استضعفوا) جوابا عن قولهم وردا لما اتهموهم به من الاجبار والاكراه (أنحن صددناكم) الاستفهام للانكار أي أنحن صرفناكم (عن الهدى بعد إذ جاءكم) فبلوغه اليكم بالدعوة النبوية أقوى الدليل على أنا لم نحل بينه وبينكم وكنتم مختارين في الايمان به والكفر (بل كنتم مجرمين) متلبسين بالاجرام مستمرين عليه فأجرمتم بالكفر به لما جاءكم من غير أن نجبركم عليه فكفركم منكم ونحن برءاء منه. (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا) ردا لقولهم ودعواهم البراءة (بل مكر الليل والنهار) أي مكركم بالليل والنهار حملنا على الكفر (إذ كنتم تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا) وأمثالا من الالهة أي انكم لم تزالوا في الدنيا تمكرون الليل والنهار وتخطون الخطط لتستضعفونا وتتأمروا علينا فتحملونا على طاعتكم فيما تريدون، فلم نشعر الا ونحن مضطرون على الائتمار بأمركم إذ تأمروننا بالكفر والشرك. (وأسروا) وأخفوا (الندامة لما رأوا العذاب) وشاهدوا أن لا مناص، واخفاؤهم الندامة يوم القيامة - وهو يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شئ - نظير كذبهم على الله وانكارهم الشرك بالله وحلفهم لله كان بين كل ذلك من قبيل ظهور
________________________________________
[ 383 ]
ملكاتهم الرذيلة التى رسخت في نفوسهم فقد كانوا يسرون الندامة في الدنيا خوفا من شماتة الاعداء وكذلك يفعلون يوم القيامة مع ظهور ما أسروا واليوم يوم تبلى السرائر كما يكذبون بمقتضى ملكة الكذب مع ظهورأنهم كاذبون في قولهم. ثم ذكر سبحانه أخذهم للعذاب فقال: (وجعلنا الاغلال) السلاسل (في أعناق الذين كفروا هل يجزون الا ما كانوا يعملون) فصارت أعمالهم أغلالا في أعناقهم تحبسهم في العذاب. قوله تعالى: (وما أرسلنا في قرية من نذير الا قال مترفوها انا بما أرسلتم به كافرون) المترفون اسم مفعول من الاتراف وهو الزيادة في التنعيم، وفيه اشعار بأن الاتراف يفضى إلى الاستكبار على الحق كما تفيده الاية اللاحقة. قوله تعالى: (وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين) ضمير الجمع للمترفين، ومن شأن الاتراف والترفه والتقلب في نعم الدنيا أن يتعلق قلب الانسان بها ويستعظمها فيرى السعادة فيها سواء وافق الحق أم خالفه فلا يذكر الا ظاهر الحياة وينسى ما وراءه. ولذا حكى سبحانه عنهم ذلك إذ قالوا: (نحن أكثر أموالا وأولادا فلا سعادة الا فيها ولا شقوة معها (وما نحن بمعذبين) في آخرة، ولم ينفوا العذاب الا للغفلة والانصراف عما وراء كثرة الاموال والاولاد فإذ كانت هي السعادة والفلاح فحسب فالعذاب في فقدها ولا عذاب معها. وهاهنا وجه آخر وهو أنهم لغرورهم بما رزقوا به من المال والولد ظنوا أن لهم كرامة على الله سبحانه وهم على كرامتهم عليهم ما داموا، والمعنى: أنا ذوو كرامة على الله بما أوتينا من كثرة الاموال والاولاد ونحن على كرامتنا فما نحن بمعذبين لو كان هناك عذاب. فتكون الاية في معنى قوله: (ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لى وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربى ان لى عنده للحسنى) حم السجدة: 50. قوله تعالى: (قل ان ربى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس
________________________________________
[ 384 ]
لا يعلمون) الاية وما يتلوها إلى تمام أربع آيات جواب عن قولهم: (نحن أكثر أموالا) الخ، وقد أجيب عنه بوجهين أحدهما أن أمر الرزق من الاموال والاولاد سعة وضيقا بيد الله على ما تستدعيه الحكمة والمصلحة وهيأ من الاسباب لا بمشية الانسان ولا لكرامة له على الله فربما بسط في رزق مؤمن أو كافر أو عاقل ذى حزم أو أحمق خفيف العقل، وربما بسط على واحد ثم قدر له. فلا دلالة في الاتراف على سعادة أو كرامة. وهذا معنى قوله: (قل ان ربى) نسبة إلى نفسه لانهم لم يكونوا يرون الله ربا لانفسهم والرزق من شؤن الربوبية (يبسط) أي يوسع (الرزق لمن يشاء) من عباده بحسب الحكمة والمصلحة (ويقدر) أي يضيق (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) فينسبونه ما لم يؤتوه إلى الاسباب الظاهرية الاتفاقية ثم إذا أوتوه نسبوه إلى حزمهم وحسن تدبيرهم أنفسهم وكفى به دليلا على الحمق. قوله تعالى: (وما أموالكم ولا أولادكم بالتى تقربكم عندنا زلفى) إلى آخر الايتين هذا هو الجواب الثاني عن قولهم: (نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين) ومحصله أن انتفاء العذاب المترتب على القرب من الله لا يترتب على الاموال والاولاد إذ لا توجب الاموال والاولاد قربا وزلفى من الله حتى ينتفى معها العذاب الالهى فوضع تقريب المال في الاية موضع انتفاء العذاب من قبيل وضع السبب موضع المسبب. وهذا معنى قوله: (وما أموالكم ولا أولادكم) التى تعتمدون عليها في السعادة وانتفاء عذاب الله (بالتى) أي بالجماعة التى (تقربكم عندنا زلفى) أي تقريبا. (الا من آمن وعمل صالحا) في ماله وولده بأن أنفق من أمواله في سبيل الله وبث الايمان والعمل الصالح في أولاده بتربية دينية (فاولئك لهم جزاء الضعف) لعله من اضافة الموصوف إلى الصفة أي الجزاء المضاعف من جهة أنهم اهتدوا وهدوا وأيضا من جهة تضعيف الحسنات إلى عشر أضعافها وزيادة (وهم في الغرفات) أي في القباب العالية (آمنون) من العذاب فما هم بمعذبين. (والذين يسعون في آياتنا معاجزين) أي يجدون في آياتنا وهم يريدون أن يعجزونا - أو ان يسبقونا - أولئك في العذاب محضرون) وان كثرت أموالهم وأولادهم.
________________________________________
[ 385 ]
وفى قوله: (وما أموالكم ولا أولادكم) الخ، انتقال إلى خطاب عامة الناس من الكفار وغيرهم والوجه فيه أن ما ذكره من الحكم حكم الاموال والاولاد سواء في ذلك المؤمن والكافر فالمال والولد انما يؤثران أثرهما الجميل إذا كان هناك ايمان وعمل صالح فيهما والا فلا يزيدان الا وبالا. قوله تعالى: (قل ان ربى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين) قال في مجمع البيان: يقال: أخلف الله له وعليه إذا أبدل له ما ذهب عنه. انتهى. سياق الاية يدل على أن المراد بالانفاق فيها الانفاق في وجوه البر والمراد بيان أن هذا النحو من الانفاق لا يضيع عند الله بل يخلفه ويرزق بدله. فقوله في صدر الاية: (قل ان ربى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) للاشارة إلى ان أمر الرزق في سعته وضيقه إلى الله سبحانه لا ينقص بالانفاق ولا يزيد بالامساك ثم قال: (وما أنفقتم من شئ) قليلا كان أو كثيرا وأيا ما كان من المال (فهو يخلفه) ويرزقكم بدله اما في الدنيا واما في الاخرة (وهو خير الرازقين) فانه يرزق جودا ورزق غيره معاملة في الحقيقة ومعاوضة، ولانه الرازق في الحقيقة وغيره ممن يسمى رازقا واسطة لوصول الرزق. قوله تعالى: (ويوم نحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء اياكم كانوا يعبدون) المراد بهم جميعا بشهادة السياق العابدون والمعبودون جميعا. وقوله: (ثم يقول للملائكة أهؤلاء اياكم كانوا يعبدون) ليس سؤال استخبار عن أصل عبادتهم لهم ولو كان كذلك لم يسعهم انكارها لانهم عبدوهم في الدنيا وقد أنكروها كما في الاية بل المراد السؤال عن رضاهم بعبادتهم على حد قوله تعالى لعيسى ابن مريم: (ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمى الهين من دون الله). والغرض من السؤال تبكيت المشركين واقناطهم من نصرة الملائكة وشفاعتهم لهم وقد عبدوهم في الدنيا لذلك.
________________________________________
[ 386 ]
قوله تعالى: (قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون) أخذت الملائكة في جوابهم عن سؤاله تعالى بجوامع الادب فنزهوه سبحانه أولا تنزيها مطلقا فيه تنزيهه من أن يعبدوا من دونه ثم نفوا رضاهم بعبادة المشركين لهم لكن لا بالتصريح بنفى الرضا بالعبادة ولا بالتفوه بعبادتهم صونا لساحة المخاطبة عما يقرع السمع بذلك، ولو تصورا لا تصديقا بل أجابوا بقصر ولايتهم فيه تعالى ونفيها عنهم ليدل على نفى الرضا بعبادتهم لهم على طريق الكناية فان الرضا بعبادتهم لازمه الموالاة بينهم، والموالاة بينهم تنافى قصر الولاية في الله سبحانه فإذا انحصرت الولاية فيه تعالى لم تكن موالاة وإذا لم تكن موالاة لم يكن رضا. ثم قالوا على ما حكاه الله سبحانه: (بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون) والجن هم الطائفة الثانية من الطوائف الثلاث التى يعبدهم الوثنيون وهم الملائكة والجن والقديسون من البشر، والاقدم في استحقاق العبادة عندهم هم الطائفتان الاوليان والطائفة الثالثة ملحقة بهما بعد الكمال وان كانوا أفضل منهما. والاضراب في قولهم: (بل كانوا يعبدون الجن) يدل على أن الجن كانوا على رضى من عبادتهم لهم. وهؤلاء من الجن هم الذين يعدهم الوثنيون مبادئ الشرورفى العالم فيعبدونهم اتقاء من شرورهم كما يعبدون الملائكة طمعا في خيراتهم لما أنهم مباد للخيرات لا كما قيل: ان المراد بالجن ابليس وذريته وقبيله ومعنى عبادتهم لهم طاعتهم فيما دعوهم إليه من عبادة الملائكة أو مطلق المعاصي، ويرده ما وقع في الاية من التعبير بلفظ الايمان دون الطاعة ولا ما قيل: انهم كانوا يتمثلون لهم ويخيلون لهم أنهم الملائكة فيعبدونهم ولا ما قيل: انهم كانوا يدخلون أجواف الاصنام إذا عبدت فيعبدون بعبادتها. ولعل الوجه في نسبة الايمان بهم إلى أكثرهم دون جميعهم أن أكثرهم يعبدون الالهة اتقاء من طروق الشر من قبلهم، ومبادئ الشر عندهم مطلقا الجن لا كما قيل: ان المراد بالاكثر الكل، وهو مبنى على تفسير العبادة بمعنى الطاعة وقد عرفت ما فيه. قوله تعالى: (فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا
________________________________________
[ 387 ]
ذوقوا عذاب النار التى كنتم بها تكذبون) نوع تفريع على تبرى الملائكة منهم وقد بين تبرى عامة المتبوعين من تابعيهم والتابعين من متبوعيهم في مواضع كقوله تعالى: (ويوم القيامة يكفرون بشرككم) فاطر: 14، وقوله: (ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) العنكبوت: 25. ومعنى الاية ظاهر. قوله تعالى: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا الا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم) الخ، خطابهم هذا لعامتهم بعد استماع الايات تنبيه لهم على الجد في التمسك بدين آبائهم وتحريض لهم عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وفى توصيف الايات بالبينات نوع عتبى كأنه قيل: إذا تتلى عليهم هذه الايات وهى بينة لا ريب فيها فبدلا من أن يدعوا عامتهم إلى اتباعها حثوهم على الاصرار على تقليد آبائهم وحرضوهم عليه - وفى اضافة الاباء إلى ضمير (كم) مبالغة في التحريض والاثارة. وقوله: (وقالوا ما هذا الا افك مفترى) معطوف على (قالوا) أي وقالوا مشيرا إلى الايات البينات اشارة تحقير: ليس هذا الا كلاما مصروفا عن وجهه مكذوبا به على الله، بدلا من أن يقولوا: انها آيات بينات نازلة من عند الله تعالى - وقد أشاروا إلى الايات البينات بهذا دلالة على أنهم لم يفهموا منها الا أنها شئ ما لا أزيد من ذلك. ثم غير سبحانه السياق وقال: (وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين) ومجيئ الحق لهم بلوغه وظهوره لهم، والاخذ بوصف الكفر للاشعار بالتعليل والمعنى: والذين كفروا بعثهم الكفر إلى أن يقولوا للحق الصريح الذى بلغهم وظهر لهم هذا سحر ظاهر سحريته وبطلانه. وأكد اصرارهم على دحض الحق باتباع الهوى من غير دليل يدل عليه بقوله: (وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير) والجملة حالية أي وعد الذين كفروا - أي كفار قريش - الحق الصريح الظاهر لهم سحرا مبينا والحال انا لم نعطهم كتبا يدرسونها حتى يميزوا بها الحق من الباطل ولم نرسل إليهم قبلك من رسول ينذرهم ويبين لهم ذلك فيقولوا استنادا الى الكتاب الالهى أو إلى قول الرسول النذير: انه حق أو باطل.
________________________________________
[ 388 ]
قوله تعالى: (وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير) ضميرا الجمع الاول والثانى لكفار قريش ومن يتلوهم والثالث والرابع للذين من قبلهم، والمعشار العشر والنكير الانكار، والمراد به في الاية لازمه وهو الاخذ بالعذاب. والمعنى: وكذب بالحق من الايات الذين كانوا من قبل كفار قريش من الامم الماضية ولم يبلغ كفار قريش عشر ما آتيناهم من القوة والشدة فكذب أولئك الاقوام رسلي فكيف كان أخذى بالعذاب وما أهون أمر قريش. والالتفات في الاية إلى التكلم لاستعظام الجرم وتهويل المؤاخذة. قوله تعالى: (قل انما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة) المراد بالموعظة الوصية كناية أو تضمينا، وقوله: (أن تقوموا لله) أي تنهضوا لاجل الله ولوجهه الكريم، وقوله: (مثنى وفرادى) أي اثنين اثنين وواحدا واحدا كناية عن التفرق وتجنب التجمع والغوغاء فان الغوغاء لا شعور لها ولا فكر وكثيرا ما تميت الحق وتحيى الباطل. وقوله: (ما بصاحبكم من جنة) استئناف (ما) نافية ويشهد بذلك قوله بعد: (ان هو الا نذير لكم بين يدى عذاب شديد) ويمكن أن يكون (ما) استفهامية أو موصولة و (من جنة) بيانا له. والمراد بصاحبكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه والوجه في التعبير به تذكرتهم بصحبته الممتدة لهم أربعين سنة من حين ولادته إلى حين بعثته ليتذكروا أنهم لم يعهدوا منه اختلالا في فكر أو خفة في رأى أو أي شئ يوهم أن به جنونا. والمعنى: قل لهم: انما أوصيكم بالعظة أن تنهضوا وتنتصبوا لوجه الله متفرقين حتى يصفو فكركم ويستقيم رأيكم اثنين اثنين وواحدا واحدا وتتفكروا في أمرى فقد صاحبتكم طول عمرى على سداد من الراى وصدق وأمانة ليس في من جنة. ما أنا الا نذير لكم بين يدى عذاب شديد في يوم القيامة فأنا ناصح لكم غير خائن. قوله تعالى: (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم) الخ، كناية عن عدم سؤال أجر على الدعوة فانه إذا وهبهم كل ما سألهم من أجر فليس له عليهم أجر مسؤل
________________________________________
[ 389 ]
ولازمه أن لا يسألهم وهذا تطييب لنفوسهم أن لا يتهموه بأنه جعل الدعوة ذريعة إلى نيل مال أو جاه. ثم تمم القول بقوله: (ان أجرى الا على الله وهو على كل شئ شهيد) لئلا يرد عليه قوله بأنه دعوى غير مسموعة فان الانسان لا يروم عملا بغير غاية فدفعه بأن لعملي أجرا لكنه على الله لا عليكم وهو يشهد عملي وهو على كل شئ شهيد. قوله تعالى: (قل ان ربى يقذف بالحق علام الغيوب) القذف الرمى، وقوله: (علام الغيوب) خبر بعد خبر أو خبر لمبتدأ محذوف وهو الضمير الراجع إليه تعالى. ومقتضى سياق الايات السابقة أن المراد بالحق المقذوف القرآن النازل إليه بالوحى من عنده تعالى الذى هو قول فصل يحق الحق ويبطل الباطل فهو الحق المقذوف إليه صلى الله عليه وآله وسلم من عند علام الغيوب فيدمغ الباطل ويزهقه، قال تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) الانبياء: 18، وقال: (قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا) أسرى: 81. قوله تعالى: (قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد) المراد بمجئ الحق على ما تهدى إليه الاية السابقة نزول القرآن المبطل بحججه القاطعة وبراهينه الساطعة لكل باطل من أصله. وقوله: (وما يبدئ الباطل وما يعيد) أي ما يظهر أمرا ابتدائيا جديدا بعد مجئ الحق وما يعيد أمرا كان قد أظهره من قبل اظهارا ثانيا بنحو الاعادة فهو كناية عن بطلان الباطل وسقوطه عن الاثر من أصله بالحق الذى هو القرآن. قوله تعالى: (قل ان ضللت فانما أضل على نفسي وان اهتديت فبما يوحى إلى ربى انه سميع قريب) بيان لاثر الحق الذى هو الوحى فانه عرفه حقا مطلقا فالحق إذا كان حقا من كل جهة لم يخطئ في اصابة الواقع في جهة من الجهات والا كان باطلا من تلك الجهة فالوحي يهدى ولا يخطئ البتة. ولذا قال تأكيدا لما تقدم: (قل ان ضللت) وفرض منى ضلال (فانما أضل) مستقرا ذلك الضلال (على نفسي) فان للانسان من نفسه أن يضل (وان اهتديت فبما يوحى إلى ربى) فوحيه حق لا يحتمل ضلالا ولا يؤثر الا الهدى.
________________________________________
[ 390 ]
وقد علل الكلام بقوله: (انه سميع قريب) للدلالة على أنه يسمع الدعوة ولا يحجبه عنها حاجب البعد وقد مهد له قبلا وصفه تعالى في قذف الحق بأنه علام الغيوب فلا يغيب عنه أمر يخل بأمره ويمنع نفوذ مشيته هداية الناس بالوحى قال تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شئ عددا) الجن: 28. قوله تعالى: (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب) ظاهر السياق السابق ويشعر به قوله الاتى: (وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل) أن الايات الاربع وصف حال مشركي قريش ومن يلحق بهم حال الموت. فقوله: (ولو ترى إذ فزعوا) أي حين فزع هؤلاء المشركون عند الموت (فلا فوت) أي لا يفوتون الله بهرب أو تحصن أو أي حائل آخر. وقوله: (وأخذوا من مكان قريب) كناية عن عدم فصل بينهم وبين من يأخذهم وقد عبر بقوله: (أخذوا) مبنيا للمفعول ليستند الاخذ إليه سبحانه، وقد وصف نفسه بأنه قريب، وكشف عن معنى قربه بقوله: (ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون) الواقعة: 85، وأزيد منه في قوله: (من حبل الوريد) ق: 16، وأزيد منه في قوله: (ان الله يحول بين المرء وقلبه) الانفال: 24، فبين أنه أقرب إلى الانسان من نفسه وهذا الموقف هو المرصاد الذى ذكره في قوله: (ان ربك لبالمرصاد) الفجر: 14، فكيف يتصور فوت الانسان منه وهو أقرب إليه من نفسه ؟ أو من ملائكته المكرمين الذين يأخذون الامر منه تعالى من غير حاجب يحجبهم عنه أو واسط يتوسط بينه وبينهم. فقوله: (وأخذوا من مكان قريب) نوع تمثيل لقربه تعالى من الانسان بحسب ما نتصوره من معنى القرب لاحتباسنا في سجن الزمان والمكان وأنسنا بالامور المادية والا فالامر أعظم من ذلك. قوله تعالى: (وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد) التناوش التناول وضمير (به) للقرآن على ما يعطيه السياق. والمراد بكونهم في مكان بعيد أنهم في عالم الاخرة وهى دار تعين الجزاء وهى
________________________________________
[ 391 ]
أبعد ما يكون من عالم الدنيا التى هي دار العمل وموطن الاكتساب بالاختيار وقد تبدل الغيب شهادة لهم والشهادة غيبا كما تشير إليه الاية التالية. قوله تعالى: (وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد) حال من الضمير في (وأنى لهم التناوش) والمراد بقوله: (ويقذفون بالغيب من مكان بعيد) رميهم عالم الاخرة وهم في الدنيا بالظنون مع عدم علمهم به وكونه غائبا عن حواسهم إذ كانوا يقولون: لا بعث ولا جنة ولا نار، وقيل: المراد به رميهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسحر والكذب والافتراء والشعر. والعناية في اطلاق المكان البعيد على الدنيا بالنسبة إلى الاخرة نظيرة اطلاقه على الاخرة بالنسبة إلى الدنيا وقد تقدمت الاشارة إليه. ومعنى الايتين: وقال المشركون حينما أخذوا آمنا بالحق الذى هو القرآن وأنى لهم تناول الايمان به - ايمانا يفيد النجاة من مكان بعيد وهو الاخرة والحال أنهم كفروا به من قبل في الدنيا وهم ينفون أمور الاخرة بالظنون والاوهام من مكان بعيد وهو الدنيا. قوله تعالى: (وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل انهم كانوا في شك مريب) ظاهر السياق أن المراد بما يشتهون اللذائذ المادية الدنيوية التى يحال بينهم وبينها بالموت، والمراد بأشياعهم من قبل أشباههم من الامم الماضية أو موافقوهم في المذهب، وقوله: (انهم كانوا في شك مريب) تعليل لقوله: (كما فعل) الخ. والمعنى: ووقعت الحيلولة بين المشركين المأخوذين وبين ما يشتهون من ملاذ الدنيا كما فعل ذلك بأشباههم من مشركي الامم الدارجة من قبلهم انهم كانوا في شك مريب من الحق أو من الاخرة فيقذفونها بالغيب. واعلم أن ما قدمناه من الكلام في هذه الايات الاربع مبنى على ما يعطيه ظاهر السياق وقد استفاضت الروايات من طرق الشيعة وأهل السنة أن الايات ناظرة إلى خسف جيش السفياني بالبيداء وهو من علائم ظهور المهدى عليه السلام المتصلة به فعلى تقدير نزول الايات في ذلك يكون ما قدمناه من المعنى من باب جرى الايات فيه.
________________________________________
[ 392 ]
(بحث روائي) في تفسير القمى في قوله تعالى: (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب) قال: يسرون الندامة في النار إذا رأوا ولى الله فقيل: يا ابن رسول الله وما يغنيهم اسرارهم الندامة وهم في العذاب ؟ قال: يكرهون شماتة الاعداء. أقول: ورواه أيضا عن أبى عبد الله عليه السلام. وفيه وذكر رجل عند أبى عبد الله عليه السلام الاغنياء ووقع فيهم فقال أبو عبد الله عليه السلام: اسكت فان الغنى إذا كان وصولا لرحمه بارا باخوانه أضعف الله له الاجر ضعفين لان الله يقول: (وما أموالكم ولا أولادكم بالتى تقربكم عندنا زلفى الا من آمن وعمل صالحا فاولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون). وفى أمالى الشيخ باسناده إلى أمير المؤمنين عليه السلام في حديث يقول فيه: حتى إذا كان يوم القيامة حسب لهم ثم أعطاهم بكل واحدة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عز وجل: (جزاء من ربك عطاء حسابا) وقال: (أولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون). وفى الكافي باسناده عن السكوني عن أبى عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من صدق بالخلف جاد بالعطية. وفيه باسناده عن سماعة عن أبى الحسن عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة. وفى الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن على بن أبى طالب سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ان لكل يوم نحسا فادفعوا نحس ذلك اليوم بالصدقة، ثم قال: اقرؤا مواضع الخلف فانى سمعت الله يقول: (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه) إذا لم ينفقوا كيف يخلف ؟ وفى تفسير القمى في رواية أبى الجارود عن أبى جعفر عليه السلام في قوله تعالى: (قل ما سألتكم عليه من أجر فهو لكم) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأل قومه أن يودوا أقاربه ولا يؤذوهم. وأما قوله: (فهو لكم) يقول: ثوابه لكم.
________________________________________
[ 393 ]
وفى الدر المنثور في قوله تعالى: (ولو ترى إذ فزعوا) الاية، أخرج الحاكم وصححه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من يتبعه من كلب فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان فيجمع لهم قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة ويخرج رجل من أهل بيتى فيبلغ السفياني فيبعث إليه جندا من جنده فيهزمهم فيسير إليه السفياني بمن معه حتى إذا صار ببيداء من الارض خسف بهم فلا ينجو منهم الا المخبر منهم. أقول: والرواية مستفيضة من طرق أهل السنة مختصرة أو مفصلة وقد رووها من طرق مختلفة عن ابن عباس وابن مسعود وحذيفة وأبى هريرة وجد عمرو بن شعيب وأم سلمة وصفية وعائشة وحفصة أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونفيرة امرأة القعقاع وعن سعيد ابن جبير موقوفا. وفى تفسير القمى في قوله تعالى: (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت) حدثنى أبى عن ابن أبى عمير عن منصور بن يونس عن أبى خالد الكابلي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: والله لكأنى أنظر إلى القائم عليه السلام وقد أسند ظهره إلى الحجر ثم ينشد الله حقه ثم يقول: يا أيها الناس من يحاجنى في الله فأنا أولى بالله. أيها الناس من يحاجنى بآدم فأنا أولى بآدم. أيها الناس من يحاجنى في نوح فأنا أولى بنوح. أيها الناس من يحاجنى بابراهيم فأنا أولى بابراهيم. أيها الناس من يحاجنى بموسى فأنا أولى بموسى. أيها الناس من يحاجنى بعيسى فأنا أولى بعيسى. أيها الناس من يحاجنى بمحمد فأنا أولى بمحمد. أيها الناس من يحاجنى بكتاب الله فأنا أولى بكتاب الله



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page