• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 351 الي 375


[ 351 ]
يفاض عليه من ذلك والارتقاء من حضيض الظلم والجهل إلى أوج العدل والعلم. والظلوم والجهول وصفان من الظلم والجهل معناهما من كان من شأنه الظلم والجهل نظير قولنا: فرس شموس ودابة جموح وماء طهور أي من شأنها ذلك كما قاله الرازي أو معناهما المبالغة في الظلم والجهل كما ذكر غيره، والمعنى مستقيم كيفما كانا. وقوله: (ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات) اللام للغاية أي كانت عاقبة هذا الحمل أن يعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات وذلك أن الخائن للامانة يتظاهر في الاغلب بالصلاح والامانة وهو النفاق وقليلا ما يتظاهر بالخيانة لها ولعل اعتبار هذا المعنى هو الموجب لتقديم المنافقين والمنافقات في الاية على المشركين والمشركات. وقوله: (ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما) عطف على (يعذب) أي وكان عاقبة ذلك أن يتوب الله على المؤمنين والمؤمنات، والتوبة من الله هي رجوعه إلى عبده بالرحمة فيرجع إلى الانسان إذا آمن به ولم يخن بالرحمة ويتولى أمره وهو ولى المؤمنين فيهديه إليه بالستر على ظلمه وجهله وتحليته بالعلم النافع والعمل الصالح لانه غفور رحيم. فان قلت: ما هو المانع من جعل الامانة بمعنى التكليف وهو الدين الحق وكون الحمل بمعنى الاستعداد والصلاحية والاباء هو فقده والعرض هو اعتبار القياس فيجرى فيه حينئذ جميع ما تقدم في بيان الانطباق على الاية. قلت: نعم لكن التكليف انما هو مطلوب لكونه مقدمة لحصول الولاية الالهية وتحقق صفة العبودية الكاملة فهى المعروضة بالحقيقة والمطلوبة لنفسها. والالتفات في قوله: (ليعذب الله) من التكلم إلى الغيبة والاتيان باسم الجلالة للدلالة على أن عواقب الامور إلى الله سبحانه لانه الله. ووضع الظاهر موضع المضمر في قوله: (ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات) للاشعار بكمال العناية في حقهم والاهتمام بأمرهم. ولهم في تفسير الامانة المذكورة في الاية أقوال مختلفة: فقيل: المراد بها التكاليف الموجبة طاعتها دخول الجنة ومعصيتها دخول النار والمراد بعرضها على السماوات والارض والجبال اعتبارها بالنسبة إلى استعدادها واباؤهن
________________________________________
[ 352 ]
عن حملها واشفاقهن منها عدم استعدادهن لها، وحمل الانسان لها استعداده، والكلام جار مجرى التمثيل. وقيل: المراد بها العقل الذى هو ملاك التكليف ومناط الثواب والعقاب. وقيل: هي قول لا اله الا الله. وقيل: هي الاعضاء فالعين أمانة من الله يجب حفظها وعدم استعمالها الا فيما يرتضيه الله تعالى، وكذلك السمع واليد والرجل والفرج واللسان. وقيل: المراد بها أمانات الناس والوفاء بالعهود. وقيل: المراد بها معرفة الله بما فيها وهذا أقرب الاقوال من الحق يرجع بتقريب ما إلى ما قدمنا. وكذلك اختلف في معنى عرض الامانة عليها على أقوال: منها: أن العرض بمعناه الحقيقي غير أن المراد بالسماوات والارض والجبال أهلها فعرضت على أهل السماء من الملائكة وبين لهم أن في خيانتها الاثم العظيم فأبوها وخافوا حملها وعرض على الانسان فلم يمتنع. ومنها: أنه بمعناه الحقيقي وذلك أن الله لما خلق هذه الاجرام خلق فيها فهما وقال لها: انى فرضت فريضة وخلقت جنة لمن أطاعنى فيها ونارا لمن عصاني فيها فقلن: نحن مسخرات لما خلقتنا لا نحتمل فريضة ولا نبغى ثوابا ولا عقابا ولما خلق آدم عرض عليه ذلك فاحتمله وكان ظلوما لنفسه جهولا بوخامة عاقبته. ومنها: أن المراد بالعرض المعارضة والمقابلة، ومحصل الكلام أنا قابلنا بهذه الامانة السماوات والارض والجبال فكانت هذه أرجح وأثقل منها. ومنها أن الكلام جار مجرى الفرض والتقدير والمعنى: أنا لو قدرنا أن السماوات والارض والجبال فهما، وعرضنا عليها هذه الامانة لابين حملها وأشفقن منها لكن الانسان تحملها. وبالمراجعة إلى ما قدمناه يظهر ما في كل من هذه الاقوال من جهات الضعف والوهن فلا تغفل.
________________________________________
[ 353 ]
(بحث روائي) في الكافي باسناده عن محمد بن سالم عن أبى جعفر عليه السلام في حديث قال: ولا يلعن الله مؤمنا قال الله عز وجل: (ان الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا). وفى تفسير القمى باسناده عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه السلام أن بنى اسرائيل كانوا يقولون: ليس لموسى ما للرجال، وكان موسى إذا أراد الاغتسال ذهب إلى موضع لا يراه فيه أحد فكان يوما يغتسل على شط نهر وقد وضع ثيابه على صخرة فأمر الله الصخرة فتباعدت عنه حتى نظر بنو اسرائيل إليه فعلموا أن ليس كما قالوا فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى) الاية. وفى المجمع: واختلفوا فيما أوذى به موسى على أقوال: أحدها: أن موسى وهارون صعدا الجبل فمات هارون فقالت بنو اسرائيل: أنت قتلته فأمر الله الملائكة فحملته حتى مروا به على بنى اسرائيل وتكلمت الملائكة بموته حتى عرفوا أنه قد مات وبرأه الله من ذلك عن على وابن عباس. وثانيها: أن موسى كان حييا ستيرا يغتسل وحده فقالوا: ما يستتر منا الا لعيب في جلده اما برص واما أدرة فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر فمر الحجر بثوبه فطلبه موسى فرآه بنو اسرائيل عريانا كأحسن الرجال خلقا فبرأه الله مما قالوا. رواه أبو هريرة مرفوعا. أقول: وروى الرواية الاولى في الدر المنثور أيضا عن ابن مسعود والثانية أيضا عن أنس وابن عباس. وفى الدر المنثور أخرج ابن المنذر وابن مردويه عن سهل بن سعد الساعدي قال: ما جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذا المنبر قط الا تلى هذه الاية: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا).
________________________________________
[ 354 ]
أقول: وروى ما يقرب منه أيضا عن عائشة و، أبى موسى الاشعري وعروة. وفى نهج البلاغة: ثم أداء الامانة فقد خاب من ليس من أهلها انها عرضت على السماوات المبنية والارض المدحوة والجبال ذات الطول المنصوبة فلا أطول ولا أعرض ولا أعلى ولا أعظم منها ولو امتنع شئ بطول أو عرض أو قوة أو عز لامتنعن ولكن أشفقن من العقوبة، وعقلن ما جهل من هو أضعف منهن وهو الانسان انه كان ظلوما جهولا. وفى الكافي باسناده عن اسحاق بن عمار عن رجل عن أبى عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (انا عرضنا الامانة) الاية، قال: هي ولاية أمير المؤمنين عليه السلام. أقول: المراد بولاية أمير المؤمنين عليه السلام ما كان هو أول فاتح لبابه من هذه الامة وهو كون الانسان، بحيث يتولى الله سبحانه أمره بمجاهدته فيه باخلاص العبودية له دون الولاية بمعنى المحبة أو بمعنى الامامة وان كان ظاهر بعض الروايات ذلك بنوع من الجرى والانطباق.
________________________________________
[ 355 ]
(سورة سبأ مكية، وهى أربع وخمسون آية) بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذى له ما في السماوات وما في الارض وله الحمد في الاخرة وهو الحكيم الخبير - 1. يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور - 2. وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربى لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر الا في كتاب مبين - 3. ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم - 4. والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم - 5. ويرى الذين أوتوا العلم الذى أنزل اليك من ربك هو الحق ويهدى إلى صراط العزيز الحميد - 6. وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق انكم لفى خلق جديد - 7. أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالاخرة في العذاب والضلال
________________________________________
[ 356 ]
البعيد - 8. أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والارض ان نشأ نخسف بهم الارض أو نسقط عليهم كسفا من السماء ان في ذلك لاية لكل عبد منيب - 9. (بيان) تتكلم السورة حول الاصول الثلاثة أعنى الوحدانية والنبوة والبعث فتذكرها وتذكر ما لمنكريها من الاعتراض فيها والشبه التى ألقوها ثم تدفعها بوجوه الدفع من حكمة وموعظة ومجادلة حسنة وتهتم ببيان أمر البعث أكثر من غيره فتذكره في مفتتح الكلام ثم تعود إليه عودة بعد عودة إلى مختتمه. وهى مكية بشهادة مقاصد آياتها على ذلك. قوله تعالى: (الحمد لله الذى له ما في السماوات وما في الارض) الخ، المطلوب بيان البعث والجزاء بيانا لا يعتريه شك بالاشارة إلى الحجة التى ينقطع بها الخصم والاساس الذى يقوم عليه ذلك أمران أحدهما عموم ملكه تعالى لكل شئ من كل جهة حتى يصح له أي تصرف أراد فيها من ابداء ورزق واماتة واحياء بالاعادة وجزاء، وثانيهما كمال علمه تعالى بالاشياء من جميع جهاتها علما لا يطرأ عليه عزوب وزوال حتى يعيد كل من أراد ويجزيه على ما علم من أعماله خيرا أو شرا. وقد أشير إلى أول الامرين في الاية الاولى التى نحن فيها والى الثانية في الاية الثانية وبذلك يظهر أن الايتين تمهيد لما في الاية الثالثة والرابعة. فقوله: (الحمد لله الذى له ما في السماوات وما في الارض) ثناء عليه على ملكه المنبسط على كل شئ بحيث له أن يتصرف في كل شئ بما شاء وأراد. وقوله: (وله الحمد في الاخرة) تخصيص الحمد بالاخرة لما أن الجملة الاولى تتضمن الحمد في الدنيا فان النظام المشهود في السماوات والارض نظام دنيوى كما يشهد به قوله تعالى: (يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات) ابراهيم: 48.
________________________________________
[ 357 ]
وقوله: (وهو الحكيم الخبير) ختم الاية بالاسمين الكريمين للدلالة على أن تصرفه في نظام الدنيا ثم تعقيبه بنظام الاخرة مبنى على الحكمة والخبرة فبحكمته عقب الدنيا بالاخرة والا لغت الخلقة وبطلت ولم يتميز المحسن من المسيئ كما قال: (وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا - إلى أن قال - أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض أم نجعل المتقين كالفجار) صلى الله عليه وآله وسلم: 28، وبخبرته يحشرهم ولا يغادر منهم أحدا ويجزى كل نفس بما كسبت. والخبير من أسماء الله الحسنى مأخوذة من الخبرة وهى العلم بالجزئيات فهو أخص من العليم. قوله تعالى: (يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها) الولوج مقابل الخروج والعروج مقابل النزول وكأن العلم بالولوج والخروج والنزول والعروج كناية عن علمه بحركة كل متحرك وفعله واختتام الاية بقوله: (وهو الرحيم الغفور) كأن فيه اشارة إلى أن له رحمة ثابتة ومغفرة ستصيب قوما بايمانهم. قوله تعالى: (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربى لتأتينكم عالم الغيب) الخ، يذكر انكارهم لاتيان الساعة وهى يوم القيامة وهم ينكرونه مع ظهور عموم ملكه وعلمه بكل شئ ولا مورد للارتياب في اتيانها مع ذلك كما تقدم فضلا عن انكار اتيانها ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيب عن قولهم بقوله: (قل بلى وربى لتأتينكم) أي الساعة. ولما كان السبب العمدة في انكارهم هواختلاط الاشياء ومنها أبدان الاموات بعضها ببعض وتبدل صورها تبدلا بعد تبدل بحيث لا خبر عن أعيانها فيمتنع اعادتها من دون تميز بعضها من بعض أشار إلى دفع ذلك بقوله: (عالم الغيب لا يعزب) أي لا يفوت (عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض). وقوله: (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر الا في كتاب مبين) تعميم لعلمه لكل شئ وفيه مع ذلك اشارة إلى أن للاشياء كائنة ما كانت ثبوتا في كتاب مبين لا تتغير ولا تتبدل وان زالت رسومها عن صفحة الكون وقد تقدم بعض الكلام في الكتاب المبين في سورة الانعام وغيرها.
________________________________________
[ 358 ]
قوله تعالى: (ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم) اللام في (ليجزى) للتعليل وهو متعلق بقوله: (لتأتينكم) وفى قوله: (لهم مغفرة ورزق كريم) نوع محاذاة لقوله السابق: (وهو الرحيم الغفور). وفى الاية بيان أحد السببين لقيام الساعة وهو أن يجزى الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالمغفرة والرزق الكريم وهو الجنة بما فيها والسبب الاخير ما يشير إليه قوله: (والذين سعوا في آياتنا معاجزين) الخ. قوله تعالى: (والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم) السعي الجد في المشى والمعاجزة المبالغة في الاعجاز وقيل: المسابقة والكلام مبنى على الاستعارة بالكناية كأن الايات مسافة يسيرون فيها سيرا حثيثا ليعجزوا الله ويسبقوه والرجز كالرجس القذر ولعل المراد به العمل السيئ فيكون اشارة إلى تبدل العمل عذابا اليما عليهم أو سببا لعذابهم، وقيل: الرجز هو سيئ العذاب. وفى الاية تعريض للكفار الذين يصرون على انكار البعث. قوله تعالى: (ويرى الذين أوتوا العلم الذى أنزل اليك من ربك هو الحق) الموصول الاول فاعل يرى والموصول الثاني مفعوله الاول والحق مفعوله الثاني والمراد بالذين أوتوا العلم العلماء بالله وبآياته، وبالذي أنزل إليه القرآن النازل إليه صلى الله عليه وآله وسلم. وجملة (ويرى) الخ، استئناف متعرض لقوله السابق: (وقال الذين كفروا) أو حال من فاعل كفروا، والمعنى: أولئك يقولون: لا تأتينا الساعة وينكرونه جهلا، والعلماء بالله وآياته يرون أن هذا القرآن النازل اليك المخبر بأن الساعة آتية هو الحق. وقوله: (ويهدى إلى صراط العزيز الحميد) معطوف على الحق أي ويرون القرآن يهدى إلى صراط من هو عزيز لا يغلب على ما يريد محمود يثنى على جميع أفعاله لانه لا يفعل مع عزته الا الجميل وهو الله سبحانه، وفى التوصيف بالعزيز الحميد مقابلة لما وصفهم به في قوله: (الذين سعوا في آياتنا معاجزين). قوله تعالى: (وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل
________________________________________
[ 359 ]
ممزق انكم لفى خلق جديد) كلام منهم وارد مورد الاستهزاء يعرفون فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضهم لبعض بالقول بالمعاد. والتمزيق التقطيع والتفريق، وكونهم في خلق جديد استقرارهم فيه أي تجديد خلقتهم باحيائهم بعد موتهم ووجودهم ثانيا بعد عدمهم، وقوله: (إذا مزقتم) ظرف لقوله: (انكم لفى خلق جديد). والمعنى: وقال الذين كفروا بعضهم لبعض على طريق الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لانذاره اياهم بالبعث والجزاء: هل ندلكم على رجل والمراد به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينبئكم ويخبركم أنكم ستستقرون في خلق جديد ويتجدد لكم الوجود إذا فرقت أبدانكم كل التفريق وقطعت بحيث لا يتميز شئ منها من شئ. قوله تعالى: (أفترى على الله كذبا أم به جنة) الخ، الاستفهام للتعجيب فان القول ببعث الاجساد بعد فنائها عجيب عندهم لا يقول به عاقل الا لتلبيس الامر على الناس واضلالهم لينال بعض ما عندهم والا فكيف يلتبس فيه الامر على عاقل، ولهذا رددوا الامر بين الافتراء والجنة في الاستفهام والمعنى: أهو عاقل يكذب على الله افتراء عليه بالقول بالبعث أم به نوع جنون يتفوه بما بدا له من غير فكر مستقيم. وقوله: (بل الذين لا يؤمنون بالاخرة في العذاب والضلال البعيد) رد لقولهم واضراب عن الترديد الذى أتوا به مستفهمين، ومحصله أن ذلك ليس افتراء على الله ولا جنون فيه بل هؤلاء الكفار مستقرون في عذاب سيظهر لهم وقد أبعدهم ذلك عن الحق فكانوا في ضلال بعيد لا يسعهم مع ذلك أن يعقلوا الحق ويذعنوا به. ووضع الموصول موضع الضمير في قوله: (بل الذين لا يؤمنون بالاخرة) للدلالة على أن علة وقوعهم فيما وقعوا فيه من العذاب والضلال عدم ايمانهم بالاخرة. قوله تعالى: (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والارض ان نشأ نخسف بهم الارض أو نسقط عليهم كسفا من السماء) الخ، وعظ وانذار لهم باستعظام ما اجترؤا عليه من تكذيب آيات الله والاستهزاء برسوله فالمراد بقوله: (ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والارض) احاطة السماء والارض بهم من بين أيديهم ومن خلفهم فأينما نظروا وجدوا سماء تظلهم وأرضا تقلهم لا مفر لهم منهما.
________________________________________
[ 360 ]
وقوله: (ان نشأ نخسف بهم الارض أو نسقط عليهم كسفا من السماء) أي إذ أحاط بهم الارض والسماء وهما مدبرتان بتدبيرنا منقادتان مسخرتان لنا ان نشأ نخسف بهم الارض فنهلكهم أو نسقط عليهم قطعة من السماء فنهلكهم فما لهم لا ينتهون عن هذه الا قاويل ؟ وقوله: (ان في ذلك لاية لكل عبد منيب)، أي فيما ذكر من احاطة السماء والارض وكونهما مدبرتين لله سبحانه ان يشأ يخسف بهم الارض أو يسقط عليهم كسفا من السماء لاية لكل عبد منيب، راجع إلى ربه بالطاعة، فهؤلاء لا يستهينون بهذه الامور ولا يجترؤن على تكذيب هذه الايات الا لكونهم مستكبرين عاتين لا يريدون انابة إلى ربهم ورجوعا إلى طاعته. * * * ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبى معه والطير وألنا له الحديد - 10. أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا انى بما تعملون بصير - 11. ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير - 12. يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور - 13. فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته الا دابة الارض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب
________________________________________
[ 361 ]
المهين - 14. لقد كان لسبا في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور - 15. فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل - 16. ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازى الا الكفور - 17. وجعلنا بينهم وبين القرى التى باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالى وأياما آمنين - 18. فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق ان في ذلك لايات لكل صبار شكور - 19. ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين - 20. وما كان له عليهم من سلطان الا لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شئ حفيظ - 21. (بيان) تشير الايات إلى نبذة من قصص داود وسليمان إذ آتاهما الله من فضله إذ أنعم على داود بتسخير الجبال والطير معه وتليين الحديد له، وسخر لسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وسخر الجن يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وغيرها وأمرهما بالعمل الصالح شكرا وكانا عبدين شكورين. ثم إلى قصة سبأ حيث أنعم عليهم بجنتين عن اليمين والشمال ليعيشوا فيها عيشا
________________________________________
[ 362 ]
رغدا فكفروا بالنعمة وأعرضوا عن الشكر فأرسل عليهم سيل العرم وبدل جنتيهم جنتين دون ذلك وقد كان عمر بلادهم فكفروا فجعلهم أحاديث ومزقهم كل ممزق، كل ذلك لكفرهم النعمة واعراضهم عن الشكر ولا يجازى الا الكفور. وجه اتصال القصص على ما ثقدم من حديث البعث أن الله هو المدبر لامور عباده وهم مغمورون في أنواع نعمه وللمنعم على المنعم عليه الشكر على نعمته وعليه ان يميز بين الشاكر لنعمته والكافر بها واذ لا ميز في هذه النشأة فهناك نشأة اخرى يتميز فيها الفريقان فالبعث لا مفر عنه. قوله تعالى: (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبى معه والطير وألنا له الحديد) الفضل العطية والتأويب الترجيع من الاوب بمعنى الرجوع والمراد به ترجيع الصوت بالتسبيح بدليل قوله فيه في موضع آخر: (انا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والاشراق والطير محشورة كل له أواب) صلى الله عليه وآله وسلم: 19. والطير معطوف على محل الجبال ومنه يظهر فساد قول بعضهم: أن الاوب بمعنى السير وأن الجبال كانت تسير معه حيثما سار. وقوله: (يا جبال أوبى معه والطير) بيان للفضل الذى أوتى داود وقد وضع فيه الخطاب الذى خوطبت به الجبال والطير فسخرتا به موضع نفس التسخير الذى هو العطية وهو من قبيل وضع السبب موضع المسبب والمعنى: سخرنا الجبال له تؤوب معه والطير، وهذا هو المتحصل من تسخير الجبال والطير له كما يشير إليه قوله: (انا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والاشراق والطير محشورة كل له أواب) صلى الله عليه وآله وسلم: 19. وقوله: (وألنا له الحديد) أي وجعلناه لينا له على ما به من الصلابة. قوله تعالى: (أن أعمل سابغات وقدر في السرد) الخ، السابغات جمع سابغة وهى الدرع الواسعة، والسرد نسج الدرع، وتقديره الاقتصاد فيه بحيث تتناسب حلقه أي اعمل دروعا واسعة واجعلها متناسبة الحلق، وجملة (أن اعمل) الخ، نوع تفسير لا لانة الحديد له. وقوله: (واعملوا صالحا انى بما تعملون بصير) معنى الجملة في نفسها ظاهر وهى لوقوعها في سياق بيان ايتاء الفضل وعد النعم تفيد معنى الامر بالشكر كأنه قيل:
________________________________________
[ 363 ]
وقلنا اشكرالنعم أنت وقومك بالعمل الصالح. قوله تعالى: (ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر) الخ، أي وسخرنا لسليمان الريح مسير غدو تلك الريح - وهو أول النهار إلى الظهر - مسير شهر ورواح تلك الريح - وهو من الظهر إلى آخر النهار - مسير شهر أي انها تسير في يوم مسير شهرين. وقوله: (وأسلناله عين القطر) الاسالة افعال من السيلان بمعنى الجريان والقطر النحاس أي وأذبنا له القطر فسالت كالعين الجارية. قوله: (ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه)، أي وجمع من الجن - بدليل قوله بعد: (يعملون له) - يعمل بين يديه باذن ربه مسخرين له (ومن يزغ) أي ينحرف (عن أمرنا) ولم يطع سليمان (نذقه من عذاب السعير) ظاهر السياق أن المراد به عذاب النار في الدنيا دون الاخرة، وفى لفظ الاية دلالة على أن المسخر له كان بعض الجن لا جميعهم. قوله تعالى: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات) الخ، المحاريب جمع محراب وهو مكان اقامة الصلاة والعبادة والتماثيل جمع تمثال وهى الصورة المجسمة من الشئ والجفان جمع جفنة وهى صحفة الطعام، والجوابى جمع جابية الحوض الذى يجبى أي يجمع فيه الماء، والقدور جمع قدر وهو ما يطبخ فيه الطعام، والراسيات الثابتات والمراد بكون القدور راسيات كونها ثابتات في أمكنتها لا يزلن عنها لعظمها. وقوله: (اعملوا آل داود شكرا) خطاب لسليمان وسائر من معه من آل داود أن يعملوا ويعبدوا الله شكرا له، وقوله: (وقليل من عبادي الشكور) أي الشاكر لله شكرا بعد شكر والجملة اما في مقام ترفيع مقام أهل الشكر بأن المتمكنين في هذا المقام قليلون وهم الاوحديون من الناس، واما في مقام التعليل كأنه قيل: انهم قليل فكثروا عدتهم. قوله تعالى: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته الا دابة الارض تأكل منسأته المراد بدابة الارض الارضة على ما وردت به الروايات والمنسأة العصا وقوله:
________________________________________
[ 364 ]
(فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) الخرور السقوط على الارض. ويستفاد من السياق أنه عليه السلام لما قبض كان متكئا على عصاه فبقى على تلك الحال قائما متكئا على عصاه زمانا لا يعلم بموته انس ولا جن فبعث الله عز وجل أرضه فأخذت في أكل منسأته حتى إذا أكلت انكسرت العصا وسقط سليمان على الارض فعلموا عند ذلك بموته وتبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب لعلموا بموت سليمان المستور عنهم وما لبثوا هذا المقدار من الزمان - وهو من حين قبضه إلى خروره - في العذاب المهين المذل لهم. قوله تعالى: (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال) الخ، سبأ العرب العاربة باليمن سموا - كما قيل - باسم أبيهم سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقوله: (عن يمين وشمال) أي عن يمين مسكنهم وشماله. وقوله: (كلوا من رزق ربكم) أمر بالاكل من جنتين وهو كناية عن رزقهم منهما، ثم بالشكر له على نعمته ورزقه، وقوله: (بلدة طيبة ورب غفور) أي بلدة ملائمة صالحة للمقام ورب كثير الغفران لا يؤاخذكم بسيئاتكم. قوله تعالى: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبد لناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل) العرم المسناة التى تحبس الماء، وقيل: المطر الشديد وقيل غير ذلك، والاكل بضمتين كل ثمرة مأكولة، والخمط - على ما قيل - كل نبت أخذ طعما من المرارة، والاثل الطرفاء وقيل: شجر يشبهها أعظم منها لا ثمرة له، والسدر معروف، والاثل وشئ معطوفان على (أكل) لا على خمط. والمعنى: فأعرضوا أي قوم سبأ عن الشكر الذى أمروا به فجازيناهم وأرسلنا عليهم سيل العرم فأغرق بلادهم وذهب بجنتيهم وبد لناهم بجنتيهم جنتين ذواتي ثمرة مرة وذواتى طرفاء وشئ قليل من السدر. قوله تعالى: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازى الا الكفور) (ذلك) اشارة إلى ما ذكر من ارسال السيل وتبديل الجنتين ومحله النصب مفعولا ثانيا لجزيناهم والفرق بين الجزاء والمجازاة - كما قيل أن المجازاة لا تستعمل الا في الشر والجزاء أعم.
________________________________________
[ 365 ]
والمعنى: جزينا سبأ ذلك الجزاء بسبب كفرهم واعراضهم عن الشكر - أو في مقابلة ذلك - ولا نجازى بالسوء الا من كان كثير الكفران لا نعم الله. قوله تعالى: (وجعلنا بينهم وبين القرى التى باركنا فيها قرى ظاهرة) الخ، ضمير (بينهم) لسبأ والكلام مسوق لبيان تتمة قصتهم المطلوب ذكرها وهو عطف على قوله: (كان لسبأ) والمراد بالقرى التى باركنا فيهاالقرى الشامية، والمراد بكون القرى ظاهرة كونها متقاربة يرى بعضها من بعض. وقوله: (وقدرنا فيها السير) أي جعلنا السير فيها على نسبة مقدرة متناسبة غير مختلفة فالنسبة بين واحدة منها وما يليها كالنسبة بين ما يليها وما يليه، وقوله: (سيروا فيها ليالى وأياما آمنين) على تقدير القول أي وقلنا: سيروا في هذه القرى على أمن ان شئتم ليالى وان شئتم أياما، والمراد قررنا فيها الا من يسيرون فيها متى ما شاؤا من غير خوف وقلق. قوله تعالى: (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم) الخ، أي أنعمنا عليهم ما أنعمنا من وفور الفواكه وقرب المنازل وأمن الطرق وسهولة السير ورغد العيش فملوا ذلك وسئموه وقالوا: ربنا باعد بين أسفارنا أي اجعل أسفارنا ذوات مسافات بعيدة نركب فيها الرواحل ونقطع المفاوز والبوادى وهذا بغى منهم وكفران كما طلبت بنو اسرائيل الثوم والبصل مكان المن والسلوى. وبالجملة أتم الله نعمه عليهم في السفر بقرب المنازل وأمن الطرق ووفور النعمة كما أتم نعمه عليهم في الحضر وأراد منهم الشكر على ذلك فكفروا بنعمه في السفر كما كفروا بها في الحضر، فأسرع الله في اسعاف ما اقترحوه فخرب بلادهم وفرق جمعهم وشتت شملهم. فقوله: (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا) اقتراح ضمنى لتخريب بلادهم، وقوله: (وظلموا أنفسهم) أي بالمعاصى. وقوله: (فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق) أي أزلنا أعيانهم وآثارهم فلم يبق منهم الا أحاديث يحدث بها فيما يحدث فعادوا أسماء لا مسمى لهم الا في وهم المتوهم وخيال المتخيل وفرقناهم كل تفرق فلم يبق من أجزاء وجودهم جزآن
________________________________________
[ 366 ]
مجتمعان الا فرقنا بينهما فصاروا كسدى لا شبح له بعد ما كانوا مجتمعا ذا قوة وشوكة حتى ضرب بهم المثل (تفرقوا أيادى سبأ). وقوله: (ان في ذلك لايات لكل صبار شكور) أي في هذا الذى ذكر من قصتهم لايات لكل من كثر صبره في جنب الله وكثر شكره لنعمه التى لا تحصى يستدل بتلك الايات على أن على الانسان أن يعبد ربه شكرا لنعمه وأن وراءه يوما يبعث فيه ويجزى بعمله. قوله تعالى: (ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين) أي حقق ابليس عليهم ظنه أو وجد ظنه صادقا عليهم إذ قال لربه: (لاغوينهم ولاضلنهم) (ولا تجد أكثرهم شاكرين)، وقوله: (فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين) بيان لتصديقه ظنه. ومنه يظهر أن ضمير الجمع في (عليهم) ههنا وكذا في الاية التالية لعامة الناس لا لسبأ خاصة وان كانت الاية منطبقة عليهم. قوله تعالى: (وما كان له عليهم من سلطان الا لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك) ظاهر السياق أن المراد أنهم لم يتبعوه عن سلطان له عليهم يضطرهم الى اتباعه حتى يكونوا معذورين بل انما اتبعوه عن سوء اختيارهم فهم يختارون اتباعه فيتسلط عليهم لاأنه يتسلط فيتبعونه، قال تعالى: (ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين) الحجر: 42، وقال حاكيا عن ابليس يوم القيامة: (وما كان لى عليكم من سلطان الا أن دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلوموني ولوموا أنفسكم) ابراهيم: 22. ومنشأ اتباعهم له ريب وشك في قلوبهم من الاخرة يظهر منهم بظهور أثره الذى هو الاتباع لابليس، فاذنه سبحانه لابليس أن يتسلط عليهم من طريق اختيارهم هذا المقدار من التسلط ليمتاز به أهل الشك في الاخرة من أهل الايمان به ولا يرفع ذلك مسؤليتهم في اتباعه لكونه عن اختيار منهم. فقوله: (وما كان له عليهم من سلطان) نفى لكل سلطان، وقوله: (الا لنعلم) أي لنميز (من يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك) استثناء لسلطانه عليهم من طريق
________________________________________
[ 367 ]
اتباعهم له عن اختيار منهم، وقد وضع فيه الغاية موضع ذى الغاية أي التمييز المذكور موضع التسلط من طريق الاتباع الاختياري. وتقييد الايمان والشك بالاخرة في الاية لمكان أن الرادع الوحيد عن المعصية والداعى إلى الطاعة هو الايمان بالاخرة دون الايمان بالله ورسوله لو لا الاخرة كما قال تعالى: (ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) صلى الله عليه وآله وسلم: 26. وقوله: (وربك على كل شئ حفيظ) أي عالم علما لا يفوته المعلوم بنسيان أو سهو أو غير ذلك وفيه تحذير عن الكفران والمعصية وانذار لاهل الكفر والمعصية. (بحث روائي) في كمال الدين باسناده إلى هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام في حديث يذكر فيه قصة داود عليه السلام قال: انه خرج يقرء الزبور وكان إذا قرء الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر الا أجابه. وفى تفسير القمى قوله عز وجل: (أن اعمل سابغات) قال: الدروع (وقدر في السرد) قال: المسامير التى في الحلقة، وقوله عز وجل: (ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر) قال: كانت الريح تحمل كرسى سليمان فتسير به في الغداة مسيرة شهر وبالعشي مسيرة شهر. وفى الكافي باسناده عن داود بن الحصين وعن أبان بن عثمان عن الفضل أبى العباس قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب) قال: ما هي تماثيل الرجال والنساء ولكنها تماثيل الشجر وشبهه. وفيه عن بعض أصحابنا مرفوعا عن هشام بن الحكم قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: يا هشام ثم مدح الله القلة فقال: (وقليل من عبادي الشكور). أقول: وقد وقع هذا المعنى في عدة روايات وهو ينطبق على أحد المعنيين المتقدمين في ذيل الاية. وفى العلل باسناده عن أبى جعفر عليه السلام قال: أمر سليمان بن داود الجن فصنعوا له قبة من قوارير فبينا هو متكئ على عصاه في القبة ينظر إلى الجن كيف ينظرون
________________________________________
[ 368 ]
إليه إذ حانت منه التفاتة فإذا رجل معه في القبة قال له: من أنت ؟ قال: أنا الذى لا أقبل الرشا ولا أهاب الملوك أنا ملك الموت. فقبضه وهو قائم متكئ على عصاه في القبة والجن ينظرون إليه. قال: فمكثوا سنة يدأبون له حتى بعث الله عز وجل الارضة فأكلت منسأته وهى العصا، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين الحديث. أقول: وبقاؤه ع على حال القيام متكئا على عصاه سنة وارد في عدة من روايات الشيعة وأهل السنة. وفى المجمع في الحديث عن فروة بن مسيك قال: سألت رسول الله ص عن سبأ أرجل هو أم امرأة ؟ فقال: هو رجل من العرب ولد عشرة تيامن منهم ستة وتشاؤم أربعة فأما الذين تيامنوا فالازد وكندة ومذحج والاشعرون وأنمار وحمير فقال رجل من القوم: ما انمار ؟ قال: الذين منهم خثعم وبجيلة. وأما الذين تشاءموا فعاملة وجذام ولخم وغسان. أقول: ورواه في الدر المنثور عن عدة من أرباب الجوامع والسنن عنه ص والمراد بالتيامن والتشاؤم السكونة باليمن والشام. وفى الكافي باسناده عن سدير قال: سأل رجل أبا عبد الله ع عن قول الله عز وجل: (قالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم) الاية فقال: هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض وأنهار جارية وأموال ظاهرة فكفروا نعم الله عز وجل وغيروا ما بأنفسهم من عافية الله فغير الله ما بهم من نعمه والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فأرسل الله عليهم سيل العرم ففرق قراهم وخرب ديارهم وذهب بأموالهم وأبدلهم مكان جنانهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل ثم قال: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازى الا الكفور). أقول: وورد في عدة من الروايات أن القرى التى بارك الله فيها هم أهل بيت النبي ص والقرى الظاهرة هم الوسائط بينهم وبين الناس من حملة أحاديثهم وغيرهم، وهو من بطن القرآن وليس من التفسير في شئ.
________________________________________
[ 369 ]
* * * قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير - 22. ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير - 23. قل من يرزقكم من السماوات والارض قل الله وانا أو اياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين - 24. قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون - 25. قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم - 26. قل أرونى الذين الحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم - 27. وما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون - 28. ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين - 29. قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون - 30. (بيان) آيات مقررة للتوحيد واحتجاجات حوله. قوله تعالى: (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة) إلى
________________________________________
[ 370 ]
آخر الاية، أمر النبي ص أن يحتج على ابطال ألوهية آلهتهم بعدم قدرتهم على استجابة الدعاء، فقوله: (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله) أي ادعوا الذين زعمتموهم آلهة من دون الله - فمفعولا (زعمتم) محذوفان لدلالة السياق عليهما - ودعاؤهم هو مسألتهم شيئا من الحوائج. وقوله: (لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض) واقع موقع الجواب كأنه قيل: فماذا يكون إذا دعوهم ؟ فقيل: لا يستجيبون لهم بشئ لانهم (لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض) ولو ملكوا لاستجابوا، ولا تتم الربوبية والالوهية الا بأن يملك الرب والاله شيئا مما يحتاج إليه الانسان فيملكه له وينعم عليه به فيستحق بازائه العبادة شكرا له فيعبد، أما إذا لم يملك شيئا فلا يكون ربا ولا الها. وقوله: (وما لهم فيهما من شرك) كان الملك المنفى في الجملة السابقة (لا يملكون) الخ، الملك المطلق المنبسط على الجميع والمنفى في هذه الجملة الملك المحدود المتبعض الذى ينبسط على البعض دون الكل اما مشاعا أو مفروزا، لكن المشركين ما كانوا يقولون بالملك المشترك بينهم وبين الله سبحانه مشاعا بل كانوا يقولون بملك كل من آلهتهم لنوع من الخلقة أو بعض منها، وأما الله سبحانه فهو رب الارباب واله الالهة. وعلى هذا كان من الواجب أن يستجيب آلهتهم إذا دعوا فيما يملكونه من الخلقة وعدم استجابتهم كاشف عن عدم ربوبيتهم وألوهيتهم. وقوله: (وما له منهم من ظهير) أي ليس لله سبحانه منهم كلا أو بعضا من معين يعينه فيما يفرض فيه عجزه عن القيام بأمر تدبيره إذ لو كان له منهم ظهير يظهره على التدبير كان مالكا فيستجيب إذا دعى فيما هو ظهير بالنسبة إليه واذ ليس فليس. فتبين مما تقدم أن احتجاج الاية على نفى الملك بانتفاء استجابتهم دعاء الداعي يجرى في جميع الصور الثلاث وهى ملكهم لما في السماوات وما في الارض مطلقا وملكهم على وجه الشركة مع الله سبحانه وكونهم أو بعضهم ظهيرا لله سبحانه. قوله تعالى: (ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن أذن له) المشركون كانوا يقولون بشفاعة آلهتهم كما حكاه الله سبحانه عنهم بقوله: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) يونس: 18،
________________________________________
[ 371 ]
وليس مرادهم بالشفاعة شفاعة يوم القيامة التى يثبتها القرآن الكريم فانهم ما كانوا يقولون بالمعاد بل الشفاعة في الدنيا لعبادهم عند الله سبحانه ليسعدهم بقضاء حوائجهم واصلاح شؤونهم بتوسط آلهتهم. واذ كانت الالهة مخلوقين لله مملوكين له من كل وجه فلا يملكون الشفاعة من عند أنفسهم مستقلين بها الا أن يملكهم الله سبحانه ذلك وهو الاذن لهم في أن يشفعوا فأصل شفاعتهم لو شفعوا باذن الله سبحانه. وقوله: (الا لمن أذن له) يحتمل أن يكون اللام في (لمن) لام الملك والمراد بمن أذن له الشافع من الملائكة، والمعنى: لا تنفع الشفاعة الا أن يملكه الشافع بالاذن من الله وأن يكون لام التعليل والمراد بمن أذن له المشفوع له، والمعنى: لا تنفع الشفاعة الا لاجل من أذن له من المشفوع لهم، قال في الكشاف: وهذا يعنى الوجه الثاني وجه لطيف وهو الوجه. انتهى. وهو الوجه فان الملائكة على ما يستفاد من كلامه تعالى وسائط لانفاذ الامر الالهى واجرائه، قال تعالى: (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) الانبياء: 27، وقال: (جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة) فاطر: 1، والوساطة المذكورة من الشفاعة كما تقدم في مباحث الشفاعة في الجزء الاول من الكتاب. فالملائكة جميعا شفعاء لكن لا في كل أمر ولكل أحد بل في أمر أذن الله فيه ولمن أذن له فنفى شفاعتهم الا مع الاذن يناسب المشفوع لهم دون الشفعاء، فالاية في معنى قوله تعالى: (ولا يشفعون الا لمن ارتضى) الانبياء: 28، لا في معنى قوله: (ما من شفيع الا من بعد اذنه) يونس: 3. قوله تعالى: (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير) التفزيع ازالة الفزع وكشفه وضمائر الجمع - على ما يعطيه السياق - للشفعاء وهم الملائكة. ولازم قوله: (حتى إذا فزع عن قلوبهم) - وهو غاية - أن يكون هناك أمر مغيى بها وهو كون قلوبهم في فزع ممتد في انتظار أمر الله سبحانه حتى يرتفع بصدور الامر منه، فالاية في معنى قوله تعالى: (ولله يسجد - إلى أن قال - والملائكة وهم
________________________________________
[ 372 ]
لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) النحل: 50، فالفزع هو التأثر والانقباض من الخوف وهو المراد بسجدتهم تذللا من خوف ربهم من فوقهم. وبذلك يظهر أن المراد بفزعهم حتى يفزع عنهم أن التذلل غشى قلوبهم وهو تذللهم من حيث أنهم أسباب وشفعاء في نفوذ الاوامر الالهية ووقوعه على ما صدر وكما أريد، وكشف هذا التذلل هو تلقيهم الامر الالهى واشتغالهم بالعمل كأنهم بحيث لا يظهر من وجودهم الا فعلهم وطاعتهم لله فيما أمرهم به وأنه لا واسطة بين الله سبحانه وبين الفعل الا أمره فافهم ذلك. وانما نسب الفزع والتفزيع إلى قلوبهم للدلالة على أنهم ذاهلون منصرفون عن أنفسهم وعن كل شئ الا ربهم وهم على هذه الحالة لا يشعرون بشئ غيره حتى إذا كشف الفزع عن قلوبهم عند صدور الامر الالهى بلا مهل ولا تخلف فليس الامر بحيث يعطل أو يتأخر عن الوقوع، قال تعالى: (انما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) يس: 82، فالمستفاد من الاية نظرا إلى هذا المعنى أنهم في فزع حتى إذا أزيل فزعهم بصدور الامر الالهى. وقوله: (قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق) يدل على أنهم طوائف كثيرون يسأل بعضهم بعضا عن الامر الالهى بعد صدوره وانكشاف الفزع عن قلوب السائلين. ويتبين منه أن كشف الفزع ونزول الامر إلى بعضهم أسبق منه إلى بعض آخر فان لازم السؤال أن يكون المسؤل عالما بما سئل عنه قبل السائل. فلهم مراتب مختلفة ومقامات متفاوتة بعضها فوق بعض تتلقى الدانية منها الامر الالهى من العالية من غير تخلف ولا مهلة وهو طاعة الدانى منهم للعالي، كما يستفاد ذلك أيضا بالتدبر في قوله تعالى: (وما منا الا له مقام معلوم) الصافات: 164، وقوله في وصف الروح الامين: (ذى قوة عند ذى العرش مكين مطاع ثم أمين) التكوير: 21. فبينهم مطاع ومطيع ولا طاعة مع ذلك الا لله سبحانه لان المطاع منهم لا شأن له الا ايصال ما وصل إليه من الامر الالهى إلى مطيعه الذى دونه، ويمكن أن يستفاد ذلك من توصيف القول بالحق في قوله: (قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق) أي قال
________________________________________
[ 373 ]
القول الثابت الذى لا سبيل للبطلان والتبدل إليه. وما ألطف ختم الاية بقوله تعالى: (وهو العلى الكبير) أي هو العلى الذى دونه كل شئ والكبير الذى يصغر عنده كل شئ فليس للملائكة المكرمين الا تلقى قوله الحق وامتثاله وطاعته كما يريد. فقد تحصل من الاية الكريمة أن الملائكة فزعون في أنفسهم متذللون في ذواتهم ذاهلون عن كل شئ الا عن ربهم محدقون إلى ساحة العظمة والكبرياء في انتظار صدور الامر حتى يكشف عن قلوبهم الفزع، بصدور الامر ونزوله وهم مع ذلك طوائف مختلفة ذووا مقامات متفاوتة علوا ودنوا يتوسط كل عال في ايصال الامر النازل إلى من هو دونه. فهم مع كونهم شفعاء وأسبابا متوسطة لا يشفعون ولا يتوسطون في حدوث حادث من حوادث الخلق والتدبير الا باذن خاص من ربهم في حدوثه فيتحملون الامر النازل إليهم حتى يحققوه في الكون من غير أن يستقلوا من أنفسهم في شئ أو يستبدوا برأى، ومن كان هذا شأنه لا يشعر بشئ الا طاعة ربه فيما يأمره به كيف يكون ربا مستقلا في أمره مفوضا إليه التدبير يعطى ما يشاء ويمنع ما يشاء ؟ وفى الاية أقوال مختلفة أخر: منها: أن ضمير (قلوبهم) و (قالوا) الثاني للمشركين دون الملائكة وضمير (قالوا) الاول للملائكة والمعنى: حتى اذاكشف الفزع عن قلوب المشركين وقت الفزع قالت الملائكة لهم: ماذا قال ربكم ؟ قالت المشركون لهم: الحق فيعترفون بما أنكروه في الدنيا. ومنها: أن ضمير (قلوبهم) للملائكة والمراد أن الملائكة الموكلين بالاعمال إذا صعدوا بأعمال العباد إلى السماء ولهم زجل وصوت عظيم خشيت الملائكة أنها الساعة فيفزعون ويخرون سجدا لله سبحانه حتى إذا كشف عن قلوبهم الفزع وعلموا أنه ليس الامر كذلك فسألوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا: الحق. ومنها: أن الله لما بعث النبي ص بعد فترة بينه وبين عيسى عليهما السلام لم ينزل فيها شئ من الوحى أنزل الله سبحانه جبريل بالوحى فلما نزل ظنت الملائكة أنه
________________________________________
[ 374 ]
نزل بشئ من أمر الساعة فصعقوا لذلك فجعل جبريل يمر بكل سماء ويكشف الفزع عن الملائكة الساكنين فيها فرفعوا رؤسهم وقال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم ؟ قالوا: الحق أي الوحى. ومنها: أن الضمير للملائكة والمراد أن الله سبحانه إذا أوحى إلى بعض الملائكة غشى على الملائكة عند سماع الوحى ويصعقون ويخرون سجدا للاية العظيمة فإذا فزع عن قلوبهم سألت الملائكة ذلك الملك الذى أوحى إليه ماذا قال ربك ؟ أو سأل بعضهم بعضا ماذا قال ربكم ؟ فيعلمون أن الامر في غيرهم. وأنت بعد التدبر في الاية الكريمة والتأمل فيما قدمناه تعلم وجه الضعف في هذه الاقوال وأن شيئا منها على تقدير صحته في نفسه لا يصلح تفسيرا لها. قوله تعالى: (قل من يرزقكم من السموات والارض قل الله) الخ، احتجاج آخر على المشركين من جهة الرزق الذى هو الملاك العمدة في اتخاذهم الالهة فانهم يتعللون في عبادتهم الالهة بأنها ترضيهم فيوسعون لهم في رزقهم فيسعدون بذلك. فأمر النبي ص أن يسألهم من يرزقهم من السماوات والارض ؟ والجواب عنه أنه الله سبحانه لان الرزق خلق في نفسه ولا خالق - حتى عند المشركين - الا الله عز اسمه لكنهم يستنكفون عن الاعتراف به بألسنتهم وان أذعنت به قلوبهم ولذلك أمر أن ينوبهم في الجواب فقال: (قل الله). وقوله: (وانا أو اياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) تتمة قول النبي ص وهذا القول بعد القاء الحجة القاطعة ووضوح الحق في مسألة الالوهية مبنى على سلوك طريق الانصاف، ومفاده أن كل قول اما هدى أو ضلال لا ثالث لهما نفيا واثباتا ونحن وأنتم على قولين مختلفين لا يجتمعان فاما أن نكون نحن على هدى وأنتم في ضلال واما أن تكونوا أنتم على هدى ونحن في ضلال فانظروا بعين الانصاف إلى ما ألقى اليكم من الحجة وميزوا المهدى من الضال والمحق من المبطل. واختلاف التعبير في قوليه: (على هدى) و (في ضلال) بلفظة على وفى - كما قيل - للاشارة إلى أن المهتدى كأنه مستعل على منار يتطلع على السبيل وغايتها التى فيها سعادته، والضال منغمر في ظلمة لا يدرى أين يضع قدمه والى أين يسير
________________________________________
[ 375 ]
وماذا يراد به ؟ قوله تعالى: (قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون) أي ان العمل وخاصة عمل الشر لا يتعدى عن عامله ولا يلحق وباله الا به فلا يسأل عنه غيره فلا تسألون عما أجرمنا بل نحن المسؤولون عنه ولا نسأل عما تعملون بل أنتم المسؤولون. وهذا تمهيد لما في الاية التالية من حديث الجمع والفتح فان الطائفتين إذا اختلفا في الاعمال خيرا وشرا كان من الواجب أن يفتح بينهما ويتميز كل من الاخرى حتى يلحق به جزاء عمله من خير أو شر أو سعادة أو شقاء والذى يفتح ويميز هو الرب تعالى. وفى التعبير عن عمل أنفسهم بالاجرام وفى ناحية المشركين بقوله: (تعملون) ولم يقل تجرمون أخذ بحسن الادب في المناظرة. قوله تعالى: (قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم) لما كان من الواجب أن يلحق بكل من المحسن والمسئ جزاء عمله وكان لازمه التمييز بينهما بالجمع ثم الفرق كان ذلك شأن مدبر الامر وهو الرب أمر نبيه ص أن يذكرهم أن الذى يجمع بين الجميع ثم يفتح بينهم بالحق هو الله، فهو رب هؤلاء وأولئك فانه هوالفتاح العليم يفتح بين كل شيئين بالخلق والتدبير فيتميز بذلك الشئ من الشئ كما قال: (أن السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما) الانبياء: 30، وهو العليم بكل شئ. فالاية تثبت البعث لتمييز المحسن من المسئ أولا ثم انحصار التمييز والجزاء في جانبه تعالى بانحصار الربوبية فيه ويبطل بذلك ربوبية من اتخذوه من الارباب. والفتاح من أسماء الله الحسنى والفتح ايجاد الفصل بين شيئين لفائدة تترتب عليه كفتح الباب للدخول بايجاد الفصل بين مصراعيه والفتح بين الشيئين ليتميز كل منهما عن الاخر بذاته وصفاته وأفعاله. قوله تعالى: (قل أرونى الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم) أمر آخر للنبى ص أن يسألهم أن يروه آلهتهم حتى يختبر هل فيهم الصفات الضرورية للاله المستحق للعبادة من الاستقلال بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر ؟ وهذا معنى قوله: (أرونى الذين ألحقتم به شركاء) أي ألحقتموهم به شركاء له.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page