• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 301 الي 325


[ 301 ]
فالمعنى: وإذا أظهرتم شدة في العمل وبأسا بالغتم في ذلك كما يبالغ الجبابرة في الشدة. ومحصل الآيات الثلاث أنكم مسرفون في جانبي الشهوة والغضب متعدون حد الاعتدال خارجون عن طور العبودية. قوله تعالى: " فاتقوا الله وأطيعون " تفريع على إسرافهم في جانبي الشهوة والغضب وخروجهم عن طور العبودية فليتقوا الله وليطيعوه فيما يأمرهم به من ترك الاتراف والاستكبار. قوله تعالى: " واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون - إلى قوله - وعيون " قال الراغب: أصل المد الجر، قال: وأددت الجيش بمدود والانسان بطعام قال: وأكثر ما جاء الامداد في المحبوب والمد في المكروه، قال تعالى: " وأمددنا هم بفاكهة " " ونمد له من العذاب مدا " انتهى ملخصا. وقوله: " واتقوا الذي أمدكم " الخ، في معنى تعليق الحكم بالوصف المشعر بالعلية أي اتقوا الله الذي يمدكم بنعمه لانه يمدكم بها فيجب عليكم أن تشكروه بوضع نعمه في موضعها من غير إتراف واستكبار فإن كفران النعمة يستعقب السخط والعذاب قال تعالى: " لئن شكرتم لا زيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " إبراهيم: 7. وقد ذكر النعم إجمالا بقوله أولا: " أمدكم بما تعلمون " ثم فصلها بقوله ثانيا: " أمدكم بأموال وبنين وجنات وعيون ". وفي قوله: " أمدكم بما تعلمون " نكتة أخرى هي أنكم تعلمون أن هذه النعم من إمداده تعالى وصنعه لا يشاركه في إيجادها والامداد بها غيره فهو الذي يجب لكم أن تتقوه بالشكر والعبادة دون الاوثان والاصنام فالكلام متضمن للحجة. قوله تعالى: " إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " تعليل للامر بالتقوى أي إني آمركم بالتقوى شكرا لاني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم إن تكفروا ولم تشكروا، والظاهر أن المراد باليوم العظيم يوم القيامة وإن جوز بعضهم أن يكون المراد به يوم عذاب الاستئصال.
________________________________________
[ 302 ]
قوله تعالى: " قالوا سواء علينا أو عظت أم لم تكن من الواعظين " نفي لاثر كلامه وإيآس له من إيمانهم بالكلية. قيل: الكلام لا يخلو من مبالغة فقد كان مقتضى الترديد أن يقال: أو عظت أم لم تعظ ففي العدول عنه إلى قوله: " أم لم تكن من الواعظين " النافي لاصل كونه واعظا ما لا يخفى من المبالغة. قوله تعالى: " إن هذا إلا خلق الاولين " الخلق بضم الخاء واللام أو سكونها قال الراغب: الخلق والخلق - أي بفتح الخاء وضمها - في الاصل واحد كالشرب والشرب والصرم والصرم لكن خص الخلق - بفتح الخاء - بالهيئات والاشكال والصور المدركة بالبصر، وخص الخلق - بضم الخاء - بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة، قال تعالى: " إنك لعلى خلق عظيم " وقرئ " إن هذا إلا خلق الاولين " انتهى. والاشارة بهذا إلى ما جاء به هود وقد سموه وعظا والمعنى: ليس ما تلبست به من الدعوة إلى التوحيد والموعظة إلا عادة البشر الاولين الماضين من أهل الاساطير والخرافات، وهذا كقولهم: إن هذا إلا أساطير الاولين. ويمكن أن تكون الاشارة بهذا إلى ما هم فيه من الشرك وعبادة الآلهة من دون الله اقتداء بآبائهم الاولين كقولهم: " وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ". واحتمل بعضهم أن يكون المراد ما خلقنا هذا إلا خلق الاولين نحيا كما حيوا ونموت كما ماتوا ولا بعث ولا حساب ولا عذاب. وهو بعيد من السياق. قوله تعالى: " وما نحن بمعذبين " إنكار للمعاد بناء على كون المراد باليوم العظيم في كلام هود عليه السلام يوم القيامة. قوله تعالى: " فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية - إلى قوله - الرحيم " معناه ظاهر مما تقدم. (بحث روائي) في كتاب كمال الدين وروضة الكافي مسندا عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد
________________________________________
[ 303 ]
بن علي الباقر عليه السلام في حديث: وقال نوح إن الله تبارك وتعالى باعث نبيا يقال له هود وانه يدعو قومه إلى الله عز وجل فيكذبونه وان الله عزوجل يهلكهم بالريح فمن أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه فإن الله تبارك وتعالى ينجيه من عذاب الريح. وأمر نوح ابنه سام ان يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة ويكون يوم عيد لهم فيتعاهدون فيه بعث هود وزمانه الذي يخرج فيه. فلما بعث الله تبارك وتعالى هودا نظروا فيما عندهم من العلم والايمان وميراث العلم والاسم الاكبر وآثار علم النبوة فوجدوا هودا نبيا وقد بشرهم أبوهم نوح به فآمنوا به وصدقوه واتبعوه فنجوا من عذاب الريح، وهو قول الله عزوجل: " وإلى عاد أخاهم هودا " وقوله: " كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون ". وفي المجمع في قوله تعالى: " آية تعبثون " أي ما لا تحتاجون إليه لسكناكم وإنما تريدون العبث بذلك واللعب وللهو كأنه جعل بناهم ما يستغنون عنه عبثا منهم عن ابن عباس في رواية عطاء، ويؤيده الخبر المأثور عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج فرأى قبة فقال: ما هذه ؟ فقالوا له أصحابه: هذا الرجل من الانصار فمكث حتى إذا جاء صاحبها فسلم في الناس أعرض عنه صنع ذلك مرارا حتى عرف الرجل الغضب به والاعراض عنه. فشكى ذلك إلى أصحابه و قال: والله إني لانكر نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أدري ما حدث في وما صنعت ؟ قالوا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأى قبتك فقال: لمن هذه ؟ فأخبرناه فرجع إلى قبته فسواها بالارض فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم فلم ير القبة فقال: ما فعلت القبة التي كانت ههنا ؟ قالوا: شكى الينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها. فقال: إن كل ما يبنى وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما لا بد منه. وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " وإذا بطشتم بطشتم جبارين " قال: تقتلون بالغضب من غير استحقاق.
________________________________________
[ 304 ]
* * * كذبت ثمود المرسلين - 141. إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون - 142. إني لكم رسول أمين - 143. فاتقوا الله وأطيعون - 144. وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين - 145. أتتركون فيما ههنا آمنين - 146. في جنات وعيون - 147. وزروع ونخل طلعها هضيم - 148. وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين - 149. فاتقوا الله وأطيعون - 150. ولا تطيعوا أمر المسرفين - 151. الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون - 152. قالوا إنما أنت من المسحرين - 153. ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين - 154. قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم - 155. ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم - 156. فعقروها فأصبحوا نادمين - 157. فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين - 158. وإن ربك لهو العزيز الرحيم - 159. (بيان) تشير الآيات إلى إجمال قصة صالح عليه السلام وقومه وهو من أنبياء العرب ويذكر في القرآن بعد هود عليه السلام. قوله تعالى: " كذبت ثمود المرسلين - إلى قوله - على رب العالمين " قد اتضح معناها مما تقدم.
________________________________________
[ 305 ]
قوله تعالى: " أتتركون فيما ههنا آمنين " الظاهر أن الاستفهام للانكار و " ما " موصولة والمراد بها النعم التي يفصلها بعد قوله: " في جنات وعيون " الخ، و " ههنا " إشارة إلى المكان الحاضر القريب وهو أرض ثمود و " آمنين " حال من نائب فاعل " تتركون ". والمعنى: لا تتركون في هذه النعم التي أحاطت بكم في أرضكم هذه وأنتم مطلقو العنان لا تسألون عما تفعلون آمنون من أي مؤاخذة إلهية. قوله تعالى: " في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم " بيان تفصيلي لقوله: " فيما ههنا "، وقد خص النخل بالذكر مع دخوله في الجنات لاهتمامهم به، والطلع في النخل كالنور في سائر الاشجار والهضيم - على ما قيل - المتداخل المنضم بعضه إلى بعض. قوله تعالى: " وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين " قال الراغب: الفره - بالفتح فالكسر صفة مشبهة - الاشر، وقوله تعالى: " وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين " أي حاذقين وقيل: معناه أشرين. انتهى ملخصا، وعلى ما اختاره تكون الآية من بيان النعمة، وعلى المعنى الآخر تكون مسوقة لانكار أشرهم وبطرهم. والآية على أي حال في حيز الاستفهام. قوله تعالى: " فاتقوا الله وأطيعون " تفريع على ما تقدم من الانكار الذي في معنى المنفي. قوله تعالى: " ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون " الظاهر أن المراد بالامر ما يقابل النهي بقرينة النهي عن طاعته وإن جوز بعضهم كون الامر بمعنى الشأن وعليه يكون المراد بطاعة أمرهم تقليد العامة واتباعهم لهم في أعمالهم وسلوكهم السبل التي يستحبون لهم سلوكها. والمراد بالمسرفين على أي حال أشراف القوم وعظماؤهم المتبوعون والخطاب للعامة التابعين لهم وأما السادة الاشراف فقد كانوا مأيوسا من إيمانهم واتباعهم للحق.
________________________________________
[ 306 ]
ويمكن أن يكون الخطاب للجميع من جهة أن الاشراف منهم أيضا كانوا يقلدون آباءهم ويطيعون أمرهم كما قالوا لصالح عليه السلام: " أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا " هود: 62، فقد كانوا جميعا يطيعون أمر المسرفين فنهوا عنه. وقد فسر المسرفين وهم المتعدون عن الحق الخارجون عن حد الاعتدال بتوصيفهم بقوله: " الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون " إشارة إلى علة الحكم الحقيقية فالمعنى اتقوا الله ولا تطيعوا أمر المسرفين لانهم مفسدون في الارض غير مصلحين والافساد لا يؤمن معه العذاب الالهي وهو عزيز ذو انتقام. وذلك أن الكون على ما بين أجزائه من التضاد والتزاحم مؤلف تأليفا خاصا يتلاءم معه أجزاؤه بعضها مع بعض في النتائج والآثار كالامر في كفتي الميزان فإنهما على اضطرابها واختلافها الشديد بالارتفاع والانخفاض متوافقتان في تعيين وزن المتاع الموزون وهو الغاية العالم الانساني الذي هو جزء من الكون كذلك ثم الفرد من الانسان بما له من القوى والادوات المختلفة المتضادة مفطور على تعديل أفعاله وأعماله بحيث تنال كل قوة من قواه حظها المقدر لها وقد جهز بعقل يميز بين الخير والشر ويعطي كل ذي حق حقه. فالكون يسير بالنظام الجاري فيه إلى غايات صالحة مقصودة وهو بما بين أجزائه من الارتباط التام يخط لكل من أجزائه سبيلا خاصا يسير فيها بأعمال خاصة من غير أن يميل عن حاق وسطها إلى يمين أو يسار أو ينحرف بإفراط أو تفريط فإن في الميل والانحراف إفسادا للنظام المرسوم، ويتبعه إفساد غايته وغاية الكل، ومن الضروري أن خروج بعض الاجزاء عن خطه المخطوط له وإفساد النظم المفروض له ولغيره يستعقب منازعة بقية الاجزاء له فإن استطاعت أن تقيمه وترده إلى وسط الاعتدال فهو وإلا أفنته وعفت آثاره حفظا لصلاح الكون واستبقاء لقوامه. والانسان الذي هو أحد أجزاء الكون غير مستثنى من هذه الكلية فإن جرى على ما يهديه إليه الفطرة فاز بالسعادة المقدرة له وإن تعدي حدود فطرته وأفسد في الارض أخذه الله سبحانه بالسنين والمثلات وأنواع النكال والنقمة لعله يرجع إلى الصلاح والسداد قال تعالى: " ظهر الفساد فالبر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم
________________________________________
[ 307 ]
بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون " الروم: 41. وإن أقاموا مع ذلك على الفساد لرسوخه في نفوسهم أخذهم الله بعذاب الاستئصال وطهر الارض من قذارة فسادهم قال تعالى: " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " الاعراف: 96. وقال: " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " هود: 117، وقال: " إن الارض يرثها عبادي الصالحون " الانبياء: 105، وذلك أنهم إذا صلحوا صلحت أعمالهم وإذا صلحت أعمالهم وافقت النظام العام وصلحت بها الارض لحياتهم الارضية. فقد تبين بما مر أولا: أن حقيقة دعوة النبوة هي إصلاح الحياة الانسانية الارضية قال تعالى حكاية عن شعيب: " إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت " هود: 88. وثانيا: أن قوله: " ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون الخ " على سذاجة بيانه معتمد على حجة برهانية. ولعل في قوله: " ولا يصلحون " بعد قوله: " الذين يفسدون في الارض " إشارة إلى أنه كان المتوقع منهم بما أنهم بشر ذوو فطرة إنسانية أن يصلحوا في الارض لكنهم انحرفوا عن الفطرة وبدلوا الاصلاح إفسادا. قوله تعالى: " قالوا إنما أنت من المسحرين " أي ممن سحر مرة بعد مرة حتى غلب على عقله، وقيل: إن السحر أعلى البطن والمسحر من له جوف فيكون كناية عن أنك بشر مثلنا تأكل وتشرب فيكون قوله بعده: " وما أنت إلا بشر مثلنا " تأكيدا له، وقيل: المسحر من لسحر أي رئة كأن مرادهم أنك متنفس بشر مثلنا. قوله تعالى: " وما أنت إلا بشر مثلنا - إلى قوله - عذاب يوم عظيم " الشرب بكسر الشين النصيب من الماء، والباقي ظاهر وقد تقدمت تفصيل القصة في سورة هود. قوله تعالى: " فعقروها فأصبحوا نادمين " نسبة العقر إلى الجميع - ولم يعقرها إلا واحد منهم - لرضاهم بفعله، وفي نهج البلاغة: أيها الناس إنما يجمع الناس الرضى والسخط وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمهم الله بالعذاب لما عموه بالرضا فقال سبحانه: " فعقروها فأصبحوا نادمين ".
________________________________________
[ 308 ]
وقوله: " فأصبحوا نادمين " لعل ندمهم إنما كان عند مشاهدتهم ظهور آثار العذاب وإن قالوا له بعد العقر تعجيزا واستهزاء: " يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين " الاعراف: 77. قوله تعالى: " فأخذهم العذاب - إلى قوله - العزيز الرحيم " اللام للعهد أي أخذهم العذاب الموعود فإن صالحا وعدهم نزول العذاب بعد ثلاثة أيام كما في سورة هود، والباقي ظاهر. * * * كذبت قوم لوط المرسلين - 160. إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون - 161. إني لكم رسول أمين - 162. فاتقوا الله وأطيعون - 163. وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين - 164. أتأتون الذكران من العالمين - 165. وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون - 166. قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين - 167. قال إني لعملكم من القالين - 168. رب نجني وأهلي مما يعملون - 169. فنجيناه وأهله أجمعين - 170. إلا عجوزا في الغابرين - 171. ثم دمرنا الآخرين - 172. وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين - 173. إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين - 174. وإن ربك لهو العزيز الرحيم - 175.
________________________________________
[ 309 ]
(بيان) تشير الآيات إلى قصة لوط النبي عليه السلام وهو بعد صالح عليه السلام. قوله تعالى: " كذبت قوم لوط المرسلين - إلى قوله - رب العالمين "، تقد تفسيره. قوله تعالى: " أتأتون الذكران من العالمين " الاستفهام للانكار والتوبيخ والذكران جمع ذكر مقابل الانثى وإتيانهم كناية عن اللواط وقد كان شاع فيما بينهم، والعالمين جمع عالم وهو الجماعة من الناس. وقوله: " من العالمين " يمكن أن يكون متصلا بضمير الفاعل في " تأتون " والمراد أتأتون أنتم من بين العالمين هذا العمل الشنيع ؟ فيكون في معنى قوله في موضع آخر: " ما سبقكم بها من أحد من العالمين " الاعراف: 80، العنكبوت: 28. ويمكن ان يكون متصلا بقوله: " الذكران " والمعنى على هذا أتنكحون من بين العالمين - على كثرتهم واشتمالهم على النساء - الرجال فقط ؟. قوله تعالى: " وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم " الخ " تذرون " بمعنى تتركون ولا ماضي له من مادته. والمتأمل في خلق الانسان وانقسام أفراده إلى صنفي الذكر والانثى وما جهز به كل من الصنفين من الاعضاء والادوات وما يختص به من الخلقة لا يرتاب في ان غرض الصنع والايجاد من هذا التصوير المختلف وإلقاء غريزة الشهوة في القبيلين وتفريق أمرهما بالفعل والانفعال أن يجمع بينهما بالنكاح ليتوسل بذلك إلى التناسل الحافظ لبقاء النوع حتى حين. فالرجل من الانسان بما هو رجل مخلوق للمرأة منه لا لرجل مثله والمرأة من الانسان بما هي امرأة مخلوقة للرجل منه لا لامرأة مثلها وما يختص به الرجل في خلقته للمرأة وما تختص به المرأة في خلقتها للرجل وهذه هي الزوجية الطبيعية التي عقدها الصنع والايجاد بين الرجل والمرأة من الانسان فجعلهما زوجين.
________________________________________
[ 310 ]
ثم الاغراض والغايات الاجتماعية أو الدينية سنت بين الناس سنة النكاح الاجتماعي الاعتباري الذي فيه نوع من الاختصاص بين الزوجين وقسم من التحديد للزوجية الطبيعية المذكورة فالفطرة الانسانية والخلقة الخاصة تهديه إلى ازدواج الرجال بالنساء دون الرجال وازدواج النساء بالرجال دون النساء، وأن الازدواج مبني على أصل التوالد والتناسل دون الاشتراك في مطلق الحياة. ومن هنا يظهر أن الاقرب ان يكون المراد بقوله: " ما خلق لكم ربكم " العضو المباح للرجال من النساء بالازدواج واللام لملك الطبيعي، وان من في قوله: " من أزواجكم " للتبعيض والزوجية هي الزوجية الطبيعية وإن أمكن ان يراد بها الزوجية الاجتماعية الاعتبارية بوجه. وأما تجويز بعضهم ان يراد بلفظة " ما " النساء ويكون قوله: " من أزواجكم " بيانا له فبعيد. وقوله: " بل أنتم قوم عادون " أي متجاوزون خارجون عن الحد الذي خطته لكم الفطرة والخلقة فهو في معنى قوله: " إنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل " العنكبوت: 29. وقد ظهر من جميع ما مر أن كلامه عليه السلام مبني على حجة برهانية أشير إليها. قوله تعالى: " قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين " أي المبعدين المنفيين من قريتنا كما نقل عنهم في موضع آخر: " أخرجوا آل لوط من قريتكم ". قوله تعالى: " قال إني لعملكم من القالين " المراد بعملهم - على ما يعطيه السياق - إتيان الذكران وترك الاناث. ولقالي المبغض، ومقابلة تهديدهم بالنفي بمثل هذا الكلام من غير تعرض للجواب عن تهديدهم يفيد من المعنى أني لا أخاف الخروج من قريتكم ولا أكترث به بل مبغض لعملكم راغب في النجاة من وباله النازل بكم لا محالة، ولذا أتبعه بقوله: " رب نجني وأهلي مما يعملون ". قوله تعالى: " رب نجنى وأهلي مما يعملون " أي من أصل عملهم الذي يأتون به بمرئى ومسمع منه فهو منزجر منه أو من وبال عملهم والعذاب الذي سيتبعه لا محالة. وإنما لم يذكر إلا نفسه وأهله إذ لم يكن آمن به من أهل القرية أحد، قال تعالى
________________________________________
[ 311 ]
في ذلك: " فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين " الذاريات: 36. قوله تعالى: " فنجيناه وأهله أجمعين - إلى قوله - الآخرين " الغابر كما قيل الباقي بعد ذهاب من كان معه، والتدمير الاهلاك، والباقي ظاهر. قوله تعالى: " وأمطرنا عليهم مطرا " الخ، وهو السجيل كما قال تعالى: " وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل " الحجر: 74. قوله تعالى: " إن في ذلك لآية - إلى قوله - العزيز الرحيم " تقدم تفسيره. * * * كذب أصحاب الايكة المرسلين - 176. إذ قال لهم شعيب ألا تتقون - 177. إني لكم رسول أمين - 178. فاتقوا الله وأطيعون - 179. وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين - 180. أفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين - 181. وزنوا بالقسطاس المستقيم - 182. ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الارض مفسدين - 183. واتقوا الذي خلقكم والجبلة الاولين - 184. قالوا إنما أنت من المسحرين - 185. وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين - 186. فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين - 187. قال ربي أعلم بما تعملون - 188. فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم - 189. إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين - 190. وإن ربك لهو العزيز الرحيم - 191.
________________________________________
[ 312 ]
(بيان) إجمال قصة شعيب عليه السلام وهو من أنبياء العرب، وهي آخر القصص السبع الموردة في السورة. قوله تعالى: " كذب أصحاب الئيكة المرسلين - إلى قوله - رب العالمين " الايكة الغيضة الملتف شجرها. قيل: إنها كانت غيضة بقرب مدين يسكنها طائفة وكانوا ممن بعث إليهم شعيب عليه السلام، وكان أجنبيا منهم ولذلك قيل: " إذ قال لهم شعيب " ولم يقل: أخوهم شعيب بخلاف هود وصالح فقد كانا نسيبين إلى قومهما وكذا لوط فقد كان نسيبا إلى قومه بالمصاهرة ولذا عبر عنهم بقوله: " أخوهم هود " " أخوهم صالح " " أخوهم لوط ". وقد تقدم تفسير باقي الآيات. قوله تعالى: " أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم " الكيل ما يقدر به المتاع من جهة حجمه وإيفاؤه أن لا ينقص الحجم، والقسطاس الميزان الذي يقدر به من جهة وزنه واستقامته أن يزن بالعدل، والآيتان تأمران بالعدل في الاخذ والاعطاء بالكيل والوزن. قوله تعالى: " ولا تبخسوا الناس أشياء هم ولا تعثوا في الارض مفسدين " البخس النقص في الوزن والتقدير كما أن الاخسار النقص في رأس المال. وظاهر السياق أن قوله: " ولا تبخسوا الناس أشياءهم " أي سلعهم وأمتعتهم قيد متمم لقوله: " وزنوا بالقسطاس المستقيم " كما أن قوله: " ولا تكونوا من المخسرين " قيد متمم لقوله " أوفوا الكيل " وقوله: " ولا تعثوا " في الارض مفسدين " تأكيد للنهيين جميعا أعني قوله: " لا تخسروا " وقوله: " لا تبخسوا " وبيان لتبعة التطفيف السيئة المشومة. وقوله: " ولا تعثوا في الارض مفسدين " العثي والعيث الافساد، فقوله: " مفسدين " حال مؤكد وقد تقدم في قصة شعيب من سورة هود وفي قوله: " وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا " الآية 35 من سورة الاسراء كلام في كيفية
________________________________________
[ 313 ]
إفساد التطفيف المجتمع الانساني، فراجع. قوله تعالى: " واتقوا الذي خلقكم والجبلة الاولين " قال في المجمع: الجبلة الخليقة التي طبع عليها الشئ. انتهى. فالمراد بالجبلة ذوو الجبلة أي اتقوا الله الذي خلقكم وآبائكم الاولين الذين فطرهم وقررفي جبلتهم تقبيح الفساد والاعتراف بشؤمه. ولعل هذا الذي أشرنا إليه من المعنى هو الموجب لتخصيص الجبلة بالذكر، وفي الآية على أي حال دعوة إلى توحيد العبادة فإنهم لم يكونوا يتقون الخالق الذي هو رب العالمين. قوله تعالى: " قالوا إنما أنت من المسحرين - إلى قوله - وإن نظنك لمن الكاذبين " تقدم تفسير الصدر، و " إن " في قوله: " إن نظنك " مخففة من الثقيلة. قوله تعالى: " فأسقط علينا كسفا من السماء " الخ، الكسف بالكسر فالفتح - على ما قيل - جمع كسفة وهي القطعة، والامر مبني على التعجيز والاستهزاء. قوله تعالى: " قال ربي أعلم بما تعملون " جواب شعيب عن قولهم واقتراحهم منه إتيان العذاب، وهو كناية عن أنه ليس له من الامر شئ وإنما الامر إلى الله لانه أعلم بما يعملون وأن عملهم هل يستوجب عذابا ؟ وما هو العذاب الذي يستوجبه إذا استوجب ؟ فهو كقول هود لقومه: " إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به " الاحقاف: 23. قوله تعالى: " فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة " الخ، يوم الظلة يوم عذب فيه قوم شعيب بظلة من الغمام، وقد تقدم تفصيل قصتهم في سورة هود. قوله تعالى: " إن في ذلك لآية - إلى قوله - العزيز الرحيم " تقدم تفسيره. (بحث روائي) في جوامع الجامع في قوله تعالى: " إذ قال لهم شعيب " وفي الحديث أن شعيبا أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الايكة. وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " واتقوا الذي خلقكم والجبلة الاولين " قال:
________________________________________
[ 314 ]
الخلق الاولين، وقوله: " فكذبوه " قال: قوم شعيب " فأخذهم عذاب يوم الظلة " قال: يوم حر وسمائم. * * * وإنه لتنزيل رب العالمين - 192. نزل به الروح الامين - 193. على قلبك لتكون من المنذرين - 194. بلسان عربي مبين - 195. وإنه لفي زبر الاولين - 196. أولم يكن لهم آية أن يعلمه علمؤا بني إسرائيل - 197. ولو نزلناه على بعض الاعجمين - 198. فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين - 199. كذلك سلكناه في قلوب المجرمين - 200. لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الاليم - 201. فيأتهيم بغتة وهم لا يشعرون - 202. فيقولوا هل نحن منظرون - 203. أفبعذابنا يستعجلون - 204. وأفرأيت إن متعنا هم سنين - 205. ثم جاءهم ما كانوا يوعدون - 206. ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون - 207. وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون - 208. ذكرى وما كنا ظالمين - 209. وما تنزلت به الشياطين - 210. وما ينبغي لهم وما يستطيعون - 211. إنهم عن السمع لمعزولون - 212. فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين - 213. وأنذر عشيرتك الاقربين - 214. واخفض جناحك لمن اتبعك من
________________________________________
[ 315 ]
المؤمنين - 215. فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون - 216. وتوكل على العزيز الرحيم - 217. الذي يريك حين تقوم - 218. وتقلبك في الساجدين - 219. إنه هو السميع العليم - 220. هل أنبئكم على من تنزل الشياطين - 221. تنزل على كل أفاك أثيم - 222. يلقون السمع وأكثرهم كاذبون - 223. والشعراء يتبعهم الغاون - 224. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون - 225. وأنهم يقولون ما لا يفعلون - 226. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون - 227. (بيان) تشير الآيات إلى ما هو كالنتيجة المستخرجة من القصص السبع السابقة ويتضمن التوبيخ والتهديد لكفار الامة. وفيها دفاع عن نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاحتجاج عليه بذكره في زبر الاولين وعلم علماء بني إسرائيل به، ودفاع عن كتابه بالاحتجاج على أنه ليس من إلقاءات الشياطين ولا من أقاويل الشعراء. قوله تعالى: " وإنه لتنزيل رب العالمين " الضمير للقرآن، وفيه رجوع إلى ما في صدر السورة من قوله: " تلك آيات الكتاب المبين " وتعقيب لحديث كفرهم به كما في قوله بعد ذلك: " وما يأتيهم من ذكر من الرحمان محدث إلا كانوا عنه معرضين، فقد كذبوا به " الآية.
________________________________________
[ 316 ]
والتنزيل الانزال بمعنى واحد، غير أن الغالب على باب الافعال الدفعة وعلى باب التفعيل التدريج، وأصل النزول في الاجسام انتقال الجسم من مكان عال إلى ما هو دونه وفي غير الاجسام بما يناسبه. وتنزيله تعالى إخراجه الشئ من عنده إلى موطن الخلق والتقدير وقد سمى نفسه بالعلي العظيم والكبير المتعال ورفيع الدرجات والقاهر فوق عباده فيكون خروج الشئ بإيجاده من عنده إلى عالم الخلق والتقدير - وإن شئت فقل: إخراجه من عالم الغيب إلى عالم الشهادة - تنزيلا منه تعالى له. وقد استعمل الانزال والتنزيل في كلامه تعالى في أشياء بهذه العناية كقوله تعالى: " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم " الاعراف: 26، وقوله: " وأنزل لكم من الانعام ثمانية أزواج " الزمر: 6، وقوله: " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد " الحديد: 25، وقوله: " ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم " البقرة: 105، وقد أطلق القول في قوله: " وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم " الحجر: 21. ومن الآيات الدالة على اعتبار هذا المعنى في خصوص القرآن قوله تعالى: " إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم " الزخرف: 4. وقد أضيف التنزيل إلى رب العالمين للدلالة على توحيد الرب تعالى لما تكرر مرارا أن المشركين إنما كانوا يعترفون به تعالى بما أنه رب الارباب ولا يرون أنه رب العالمين. قوله تعالى: " نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين " المراد بالروح الامين هو جبريل ملك الوحي بدليل قوله: " من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله " البقرة: 97، وقد سماه في موضع آخر بروح القدس: " قل نزله روح القدس من ربك بالحق " النحل: 102، وقد تقدم في تفسير سورتي النحل والاسراء ما يتعلق بمعنى الروح من الكلام. وقد وصف الروح بالامين للدلالة على أنه مأمون في رسالته منه تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لا يغير شيئا من كلامه تعالى بتبديل أو تحريف بعمد أو سهو أو نسيان كما أن
________________________________________
[ 317 ]
توصيفه في آية أخرى بالقدس يشير إلى ذلك. وقوله: " نزل به الروح " الباء للتعدية أي نزله الروح الامين، وأما قول من قال: إن الباء للمصاحبة والمعنى نزل معه الروح فلا يلتفت إليه لان العناية في المقام بنزول القرآن لا بنزول الروح مع القرآن. والضمير في " نزل به " للقرآن بما أنه كلام مؤلف من ألفاظ لها معانيها الحقة فإن الفاظ القرآن نازلة من عنده تعالى كما أن معانيها نازلة من عنده على ما هو ظاهر قوله: " فإذا قرأناه فاتبع قرآنه " القيامة: 18، وقوله: " تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق " آل عمران: 108، الجاثية: 6، إلى غير ذلك. فلا يعبؤ بقول من قال: إن الذي نزل به الروح الامين إنما هو معاني القرآن الكريم ثم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعبر عنها بما يطابقها ويحكيها من الالفاظ بلسان عربي. وأسخف منه قول من قال: إن القرآن بلفظه ومعناه من منشآت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألقته مرتبة من نفسه الشريفة تسمى الروح الامين إلى مرتبة منها تسمى القلب. والمراد بالقلب المنسوب إليه الادراك والشعور في كلامه تعالى هو النفس الانسانية التي لها الادراك واليها تنتهي أنواع الشعور والارادة دون اللحم الصنوبري المعلق عن يسار الصدر الذي هو أحد الاعضاء الرئيسة كما يستفاد من مواضع في كلامه تعالى، كقوله: " وبلغت القلوب الحناجر " الاحزاب: 10، أي الارواح، وقوله: " فإنه آثم قلبه " البقرة: 283، أي نفسه إذ لا معنى لنسبة الاثم إلى العضو الخاص. ولعل الوجه في قوله: " نزل به الروح الامين على قلبك " دون أن يقول: عليك هو الاشارة إلى كيفية تلقيه صلى الله عليه وآله وسلم القرآن النازل عليه، وأن الذي كان يتلقاه من الروح هو نفسه ان شريفة من غير مشاركة الحواس الظاهرة التي هي الادوات المستعملة في إدراك الامور الجزئية. فكان صلى الله عليه وآله وسلم يرى ويسمع حينما كان يوحي إليه من غير أن يستعمل حاستي البصر والسمع كما روي أنه كان يأخذه شبه إغماء يسمي برجاء الوحي. فكان صلى الله عليه وآله وسلم يرى الشخص ويسمع الصوت مثل ما نرى الشخص ونسمع الصوت غير أنه ما كان يستخدم حاستي بصره وسمعه الماديتين في ذلك كما نستخدمهما.
________________________________________
[ 318 ]
ولو كان رؤيته وسمعه بالبصر والسمع الماديين لكان ما يجده مشتركا بينه وبين غيره فكان سائر الناس يرون ما يراه ويسمعون ما يسمعه، والنقل القطعي يكذب ذلك فكثيرا ما كان يأخذه برجاء الوحي وهو بين الناس فيوحى إليه ومن حوله لا يشعرون بشئ ولا يشاهدون شخصا يكلمه ولا كلا ميلقى إليه. والقول بأن من الجائز أن يصرف الله تعالى حواس غيره صلى الله عليه وآله وسلم من الناس عن بعض ما كانت تناله حواسه وهي الامور الغيبية المستورة عنا. هدم لبنيان التصديق العلمي إذ لو جاز مثل هذا الخطأ العظيم على الحواس وهي مفتاح العلوم الضرورية والتصديقات البديهية وغيرها لم يبق وثوق على شئ من العلوم والتصديقات. على أن هذا الكلام مبني على أصالة الحس وأن لا وجود إلا لمحسوس وهو من أفحش الخطأ وقد تقدم في تفسير سورة مريم كلام في معنى تمثل الملك نافع في المقام. وربما قيل في وجه تخصيص القلب بالانزال أنه لكونه هو المدرك المكلف دون الجسد وإن كان يتلقى الوحي بتوسيط الادوات البدنية من السمع والبصر، وقد عرفت ما فيه. وربما قيل: لما كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم جهتان: جهة ملكية يستفيض بها، وجهة بشرية يفيض بها، جعل الانزال على روحه لانها المتصفة بالصفات الملكية التي يستفيض بها من الروح الامين، وللاشارة إلى ذلك قيل: " على قلبك " ولم يقل: عليك مع كونه أخصر. انتهى. وهذا أيضا مبني على مشاركة الحواس والقوى البدنية في تلقي الوحي فيرد عليه ما قدمناه. وذكر جمع من المفسرين أن المراد بالقلب هو العضو الخاص البدني وأن الادراك كيفما كان من خواصه. فمنهم من قال: إن جعل القلب متعلق الانزال مبني على التوسع لان الله تعالى يسمع القرآن جبريل بخلق الصوت فيحفظه وينزل به على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويقرؤه عليه فيعيه ويحفظه بقلبه فكأنه نزل به لى قلبه.
________________________________________
[ 319 ]
ومنهم من قال: إن تخصيص القلب بالانزال لان المعاني الروحانية تنزل أولا على الروح ثم تنتقل منها إلى القلب لما بينهما من التعلق ثم تنتقل منه إلى الدماغ فينتقش بها لوح المتخيلة. ومنهم من قال: إن تخصيصه به للاشارة إلى كمال تعقله صلى الله عليه وآله وسلم حيث لم يعتبر الوسائط من سمع وبصر وغيرهما. ومنهم من قال: إن ذلك للاشارة إلى صلاح قلبه صلى الله عليه وآله وسلم وتقدسه حيث كان منزلا لكلامه تعالى ليعلم به صلاح سائر أجزائه وأعضائه فإن القلب رئيس سائر الاعضاء وملكها وإذا صلح الملك صلحت رعيته. ومنهم من قال: إن ذلك لان الله تعالى جعل لقلب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم سمعا وبصرا مخصوصين يسمع ويبصر بهما تمييزا لشأنه من غيره كما يشعر به قوله تعالى: " ما كذب الفؤاد ما رأى " النجم: 11. وهذه الوجوه مضافا على اشتمال أكثرها على المجازفة مبنية على قياس هذه الامور الغيبية على ما عندنا من الحوادث المادية وإجراء حكمها فيها وقد بلغ من تعسف بعضهم أن قال: إن معنى إنزال الملك القرآن أن الله ألهمه كلامه وهو في السماء وعلمه قراءته ثم الملك أداه في الارض وهو يهبط في المكان وفي ذلك طريقتان: إحداهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انخلغ من صورة البشرية إلى صورة الملكية فأخذه من الملك، وثانيتهما أن الملك انخلع إلى صورة البشرية حتى يأخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاولى أصعب الحالين. انتهى. وليت شعري ما الذي تصوره من انخلاع الانسان من صورته إلى صورة الملكية وصيرورته ملكا ثم عوده إنسانا ومن انخلاع الملك إلى صورة الانسانية وقد فرض لكل منهما هوية مغايرة للآخر لا رابطة بين أحدهما والآخر ذاتا وأثرا وفي كلامه مواضع أخرى للنظر غير خفية على من تأمل فيه. وللبحث تتمة لعل الله سبحانه يوفقنا لاستيفائه بإيراد كلام جامع في الملك وآخر في الوحي. وقوله: " لتكون من المنذرين " أي من الداعين إلى الله سبحانه التخويف من عذابه وهو المراد بالانذار في عرف القرآن دون النبي أو الرسول بالخصوص، قال
________________________________________
[ 320 ]
تعالى في مؤمني الجن: " وإذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين " الاحقاف: 29، وقال في المتفقهين من المؤمنين: " ليتفقهوا في الدين لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم " براءة: 122. وإنما ذكر إنذاره صلى الله عليه وآله وسلم غاية لانزال القرآن دون نبوته أو رسالته لان سياق آيات السورة سياق التخويف والتهديد. وقوله " بلسان عربي مبين " أي ظاهر في عربيته أو مبين للمقاصد تمام البيان والجار والمجرور متعلق بنزل أي أنزله بلسان عربي مبين. وجوز بعضهم ان يكون متعلقا بقوله: " منذرين " والمعنى أنزله على قلبك لتدخل في زمرة الانبياء من العرب وقد ذكر منهم في القرآن هود وصالح وإسماعيل وشعيب عليهم السلام وأول الوجهين أحسنهما. قوله تعالى: " وإنه لفي زبر الاولين " الضمير للقرآن أو نزوله على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والزبر جمع زبور وهو الكتاب والمعنى وإن خبر القرآن أو خبر نزوله عليك في كتب الماضين من الانبياء. وقيل: الضمير لما في القرآن من المعارف الكلية اي إن المعارف القرآنية موجودة مذكورة في كتب الانبياء الماضين. وفيه أولا: ان المشركين ما كانوا يؤمنون بالانبياء وكتبهم حتى يحتج عليهم بما فيها من التوحيد والمعاد وغيرهما، وهذا بخلاف ذكر خبر القرآن ونزوله على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتب الاولين فإنه حينئذ يكون ملحمة تضطر النفوس إلى قبولها. وثانيا: أنه لا يلائم الاية التالية. قوله تعالى: " أو لم يكن لهم آية ان يعلمه علماء بني إسرائيل " ضمير " أن يعلمه " لخبر القرآن أو خبر نزوله على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي أو لم يكن علم علماء بني إسرائيل بخبر القرآن أو نزوله عليك على سبيل البشارة في كتب الانبياء الماضين آية للمشركين على صحة نبوتك وكانت اليهود تبشر بذلك وتستفتح على العرب به كما مر في قوله تعالى: " وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا " البقرة: 89. وقد أسلم عدة من علماء اليهود في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم واعترفوا بأنه مبشر به في
________________________________________
[ 321 ]
كتبهم، والسورة من أوائل السور المكية النازلة قبل الهجرة ولم تبلغ عداوة اليهود للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مبلغها بعد الهجرة وكان من المرجو أن ينطقوا ببعض ما عندهم من الحق ولو بوجه كلي. قوله تعالى: " ولو نزلناه على بعض الاعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين " قال في المفردات: العجمة خلاف الابانة والاعجام الابهام - إلى أن قال - والعجم خلاف العرب والعجمي منسوب إليهم، والاعجم من في لسانه عجمة عربيا كان أو غير عربي اعتبارا بقلة فهمهم عن العجم، ومنه قيل للبهيمة عجماء والاعجمي منسوب إليه قوله تعالى: " ولو نزلناه على بعض الاعجمين " على حذف الياءات انتهى. ومقتضى ما ذكره - كما ترى - ان أصل الاعجمين الاعجميين ثم حذفت ياء النسبة وبه صرح بعض آخر، وذكر بعضهم ان الوجه ان أعجم مؤنثه عجماء وأفعل فعلاء لا يجمع جمع السلامة لكن الكوفيين من النحاة يجوزون ذلك وظاهر اللفظ يؤيد قولهم فلا موجب للقول بالحذف. وكيف كان فظاهر السياق اتصال الآيتين بقوله: " بلسان عربي مبين "، فتكونان في مقام التعليل له ويكون المعنى: نزلناه عليك بلسان عربي ظاهر العربية واضح الدلالة ليؤمنوا به ولا يتعللوا بعدم فهمهم مقاصده ولو نزلناه على بعض الاعجمين بلسان أعجمي ما كانوا به مؤمنين وردوه بعدم فهم مقاصده. فيكون المراد بنزوله على بعض الاعجمين نزوله أعجميا وبلسانه، والآيتان والتي بعدهما في معنى قوله تعالى: " ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لو لا فصلت آياته ءأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى " حم السجدة: 44. وقال بعضهم: إن المعنى ولو نزلناه قرآنا عربيا كما هو بنظمه الرائق المعجز على بعض الاعجمين الذين لا يقدرون على التكلم بالعربية فقرأه عليهم قراءة صحيحة خارقة للعادات ما كانوا به مؤمنين مع انضمام إعجاز القراءة إلى إعجاز المقروء لفرط عنادهم وشدة شكيمتهم في المكابرة.
________________________________________
[ 322 ]
قال: وأما قول بعضهم: إن المعنى ولو نزلناه على بعض الاعجمين بلغة العجم فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين فليس بذاك فإنه بمعزل من المناسبة لمقام بيان تماديهم في المكابرة والعناد. انتهى ملخصا. وفيه أن إتصال الآيتين بقوله: " بلسان عربي مبين " أقرب اليهما من اتصالهما بسياق تمادي الكفار في كفرهم وجحودهم وقد عرفت توضيحه. ويمكن أن يورد على الوجه السابق أن الضمير في قوله: " ولو نزلناه على بعض الاعجمين " راجع إلى هذا القرآن الذي هو عربي فلو كان المراد تنزيله بلسان أعجمي لكان المعنى ولو نزلنا العربي غير عربي ولا محصل له. ويرده أنه من قبيل قوله تعالى: " إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " الزخرف: 3، ولا معنى لقولنا: إنا جعلنا العربي عربيا فالمراد بالقرآن على أي حال الكتاب المقروء. قوله تعالى: " كذلك سلكناه في قلوب المجرمين " الاشارة بقوله: " كذلك " إلى الحال التي عليها القرآن عند المشركين وقد ذكرت في الآيات السابقة وهي أنهم معرضون عنه لا يؤمنون به وإن كان تنزيلا من رب العالمين وكان عربيا مبينا غير أعجمي وكان مذكورا في زبر الاولين يعلمه علماء بني إسرائيل. والسلوك الادخال في الطريق والامرار، والمراد بالمجرمين هم الكفار والمشركون وذكرهم بوصف الاجرام للاشارة إلى علة الحكم وهو سلوكه في قلوبهم على هذه الحال المبغوضة والمنفورة وأن ذلك مجازاة إلهية جازاهم بها عن إجرامهم وليعم الحكم بعموم العلة. والمعنى على هذه الحال - وهي أن يكون بحيث يعرض عنه ولا يؤمن به - ندخل القرآن في قلوب هؤلاء المشركين ونمره في نفوسهم جزاء لاجرامهم وكذلك كل مجرم. وقيل: الاشارة إلى ما ذكر من أوصاف القرآن الكريمة والمعنى: ندخل القرآن ونمره في قلوب المجرمين بمثل ما بينا له الاوصاف فيرون أنه كتاب سماوي ذو نظم معجز خارج عن طوق البشر وأنه مبشربه في زبر الاولين يعلمه علماء بني إسرائيل وتتم الحجة به عليهم. وهو بعيد من السياق.
________________________________________
[ 323 ]
وقيل: الضمير في " نسلكه " للتكذيب بالقرآن والكفر به المدلول عليه بقوله: " ما كانوا به مؤمنين " هذا وهو قريب من الوجه الاول لكن الوجه الاول ألطف وأدق، وقد ذكره في الكشاف. وقد تبين بما تقدم أن المراد بالمجرمين مشركو مكة غير أن عموم وصف الاجرام يعمم الحكم، وقال بعضهم: إن المراد بالمجرمين غير مشركي مكة من معاصريهم ومن يأتي بعدهم، والمعنى: كما سلكناه في قلوب مشركي مكة نسلكه في قلوب غيرهم من المجرمين. ولعل الذي دعاه إلى اختيار هذا الوجه إشكال اتحاد المشبه والمشبه به على الوجه الاول مع لزوم المغايرة بينهما فاعتبر المشار إليه بقوله: " كذلك " السلوك في قلوب مشركي مكة وهو المشبه به وجعل المشبه غيرهم من المجرمين وفيه أن تشبيه الكلي ببعض أفراده للدلالة على سراية حكمه في جميع الافراد طريقة شائعة. ومن هنا يظهر أن هناك وجها آخر وهو أن يكون المراد بالمجرمين ما يعم مشركي مكة وغيرهم بجعل اللام فيه لغير العهد ولعل الوجه الاول أقرب من السياق. قوله تعالى: " لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الاليم - إلى قوله - منظرون " تفسيرو بيان لقوله: " كذلك نسلكه " الخ هذا على الوجه الاول والثالث من الوجوه المذكورة في الآية السابقة وأما على الوجه الثاني فهو استئناف غير مرتبطبما قبله. وقوله: " حتى يروا العذاب الاليم " أي حتى يشاهدوا العذاب الاليم فيلجئهم إلى الايمان الاضطراري الذي لا ينفعهم، والظاهر أن المراد بالعذاب الاليم ما يشاهدونه عند الموت واحتمل بعضهم ان يكون المراد به ما أصابهم يوم بدر من القتل، لكن عموم الحكم في الآية السابقة لمشركي مكة وغيرهم لا يلائم ذلك. وقوله: " فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون " كالتفسير لقوله: " حتى يروا العذاب الاليم " إذ لو لم يأتهم بغتة وعلموا به قبل موعده لاستعدوا له وآمنوا باختيار منهم غير ملجئين إليه. وقوله: " فيقولوا هل نحن منظرون " كلمة تحسر منهم. قوله تعالى: " أفبعذابنا يستعجلون " توبيخ وتهديد.
________________________________________
[ 324 ]
قوله تعالى: " أفرأيت إن متعناهم سنين - إلى قوله - يمتعون " متصل بقوله: " فيقولوا هل نحن منظرون " ومحصل المعنى أن تمني الامهال والانظار تمني أمر لا ينفعهم لو وقع على ما يتمنونه ولم يغن عنهم شيئا لو أجيبوا إلى ما سألوه فإن تمتيعهم أمدا محدودا طال أو قصر لا يرفع العذاب الخالد الذي قضي في حقهم. وهو قوله: " أفرأيت إن متعناهم سنين " معدودة ستنقضي " ثم جاءهم ما كانوا يوعدون " من العذاب بعد انقضاء سني الانظار والامهال " ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " أي تمتيعهم أمدا محدودا. قوله تعالى: " وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكري " الخ، الاقرب أن يكون قوله: " لها منذرون " حالا من " قرية " وقوله: " ذكرى " حالا من ضمير الجمع في " منذرون " أو مفعولا مطلقا عامله " منذرون " لكونه في معنى مذكرون والمعنى ظاهر، قيل غير ذلك مما لا جدوى في ذكره وإطالة البحث عنه. وقوله: " وما كنا ظالمين " ورود النفي على الكون دون ان يقال: وما ظلمناهم ونحو ذلك يفيد نفي الشأنية أي وما كان من شأننا ولا المترقب منا ان نظلمهم. والجملة في مقام التعليل للحصر السابق والمعنى: ما أهلكنا من قرية إلا في حال لها منذرون مذكرون تتم بهم الحجة عليهم لانا لو أهلكناهم في غير هذه الحال لكنا ظالمين لهم وليس من شأننا أن نظلم أحدا فالآية في معنى قوله تعالى: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " أسرى: 15. (كلام في معنى نفى الظلم عنه تعالى) من لوازم معنى الظلم المتساوية له فعل الفاعل وتصرفه ما لا يملكه من الفعل والتصرف، ويقابله العدل ولازمه أنه فعل الفاعل وتصرفه ما يملكه. ومن هنا يظهر ان أفعال الفواعل التكوينية من حيث هي مملوكة لها تكوينا لا يتحقق فيها معنى الظلم لان فرض صدور الفعل عن فاعله تكوينا مساوق لكونه مملوكا له بمعنى قيام وجوده به قياما لا يستقل دونه.
________________________________________
[ 325 ]
ولله سبحانه ملك مطلق منبسط على الاشياء من جميع جهات وجودها لقيامها به تعالى من غير غنى عنه واستقلال دونه فأي تصرف تصرف به فيها مما يسرها أو يسوؤها أو ينفعها أو يضرها ليس من الظلم في شئ وإن شئت فقل: عدل بمعنى ما ليس بظلم فله ان يفعل ما يشاء وله ان يحكم ما يريد كل ذلك بحسب التكوين. فله تعالى ملك مطلق بذاته، ولغيره من الفواعل التكوينية ملك تكويني بالنسبة إلى فعله حسب الاعطاء والموهبة الالهية وهو ملك في طول ملكه تعالى وهو المالك لما ملكها والمهيمن على ما عليه سلطها. ومن جملة هذه الفواعل النوع الانساني بالنسبة إلى أفعاله وخاصة ما نسميها بالافعال الاختيارية والاختيار الذي يتعين به هذه الافعال، فالواحد منا يجد من نفسه عيانا أنه يملك الاختيار بمعنى إمكان الفعل والترك معا، فإن شاء فعل وإن لم يشأ ترك فهو يرى نفسه حرا يملك الفعل والترك، أي فعل وترك كانا، بمعنى إمكان صدور كل منهما عنه. ثم إن اضطرار الانسان إلى الحياة الاجتماعية المدنية اضطر العقل أن يغمض عن بعض ما للانسان من حرية العمل ويرفع اليد عن بعض الافعال التي كان يرى أنه يملكها وهي التي يختل بإتيانها أمر المجتمع فيختل نظم حياته نفسه وهذه هي المحرمات والمعاصي التي تنهى عنها القوانين المدنية أو السنن القومية أو الاحكام الملوكية الدائرة في المجتمعات. ومن الضروري لتحكيم هذه القوانين والسنن أن يجعل نوع من الجزاء السيئ على المتخلف عنها - بشرط العلم وتمام الحجة لانه شرط تحقق التكليف - من ذم أو عقاب، ونوع من الاجر الجميل للمطيع الذي يحترمها من مدح أو ثواب. ومن الضرورى أن ينتصب على المجتمع والقوانين الجارية فيها من يجريها على ما هي عليه وهو مسؤل عما نصب له وخاصة بالنسبة إلى أحكام الجزاء، فلو لم يكن مسؤلا وجاز له أن يجازي وأن لا يجازي ويأخذ المحسن ويترك المسئ لغى وضع القوانين والسنن من رأس. هذه اصول عقلائية جارية في الجملة في المجتمعات الانسانية منذ استقر هذا النوع على الارض منبعثة عن فطرتهم الانسانية.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page