• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 276 الي 300


[ 276 ]
وقوله: " فلسوف تعلمون " تهديد لهم في سياق الابهام للدلالة على أنه في غني عن ذكره وأما هم فسوف يعلمونه. وقوله: " لاقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولا صلبنكم أجمعين " القطع من خلاف أن تقطع اليد اليمني مع الرجل اليسرى أو بالعكس والتصليب جعل المجرم على الصليب، وقد تقدم نظير الآية في سورتي الاعراف وطه. قوله تعالى: " قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون " الضير هو الضرر، وقوله: " إنا إلى ربنا منقلبون " تعليل لقولهم: لا ضيرأي إنا لا نستضر بهذا العذاب الذي توعدنا به لانا نصبر ونرجع بذلك إلى ربنا وما أكرمه من رجوع !. قوله تعالى: " إنا نطمع أن يغفرلنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين " تعليل لما يستفاد من كلامهم السابق أنهم لا يخافون الموت والقتل بل يشتاقون إلى لقاء ربهم يقولون: لا نخاف من عذابك شيئا لانا نرجع به إلى ربنا ولا نخاف الرجوع لانا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا بسبب كوننا أول المؤمنين بموسى وهارون رسولي ربنا. وفتح الباب في كل خير له أثر من الخير لا يرتاب فيه العقل السليم فلو أن الله سبحانه أكرم مؤمنا لايمانة بالمغفرة والرحمة لم تطفر مغفرته ورحمته أول الفاتحين لهذا الباب والواردين هذا المورد. قوله تعالى: " وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون " شروع في سرد الشطر الثاني من القصة وهو وصف عذاب آل فرعون بسبب ردهم دعوة موسى وهارون عليه السلام، وقد كان الشطر الاول رسالة موسى وهارون إليهم ودعوتهم إلى التوحيد، والاسراء والسري السير بالليل، والمراد بعبادي بنو إسرائيل وفي هذا التعبير نوع إكرام لهم. وقوله: " إنكم متبعون " تعليل للامر أي سر بهم ليلا ليتبعكم آل فرعون وفيه دلالة على أن لله في أتباعهم أمرا وأن فيه فرج بني إسرائيل وقد صرح بذلك في قوله: " فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون وأترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون "، الدخان: 24. قوله تعالى: " فأرسل فرعون في المدائن حاشرين - إلى قوله - ثم أغرقنا
________________________________________
[ 277 ]
الآخرين " قصة غرق آل فرعون وإنجاء بني إسرائيل في أربع عشرة آية وقد أوجز في الكلام بحذف بعض فصول القصة لظهوره من سياقها كخروج موسى وبني إسرائيل ليلا من مصر لدلالة قوله: " أن أسر بعبادي " عليه وعلى هذا القياس. فقال تعالى: " فأرسل فرعون " أي فأسري موسى بعبادي فلما علم فرعون بذلك أرسل " في المدائن " التي تحت سلطانه رجالا " حاشرين " يحشرون الناس ويجمعون الجموع قائلين للناس " إن هؤلاء " بني إسرائيل " لشرذمة قليلون " والشرذمة من كل شئ بقيته القليلة فتوصيفها بالقلة تأكيد " وإنهم لنا لغائظون " يأتون من الاعمال ما يغيظوننا به " وإنا لجميع " مجموع متفق فيما نعزم عليه " حاذرون " نحذر العدو أن يغتالنا أو يمكر بنا وإن كان ضيعفا قليلا، والمطلوب بقولهم هذا وهو لا محالة بلاغ من فرعون لحث الناس عليهم. " فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم " فيه قصورهم المشيدة وبيوتهم الرفيعة ولما كان خروجهم عن مكر إلهي بسبب داعية الاستعلاء والاستكبار التي فيهم نسب إلى نفسه أنه أخرجهم " كذلك " أي الامر كذلك " وأورثناها " أي تلك الجنات والعيون والكنوز والمقام الكريم " بني إسرائيل " حيث أهلكنا فرعون وجنوده وأبقينا بني إسرائيل بعدهم فكانوا هم الوارثين. " فأتبعوهم " أي لحقوا ببني إسرائيل " مشرقين " أي داخلين في وقت شروق الشمس وطلوعها " فلما تراءى الجمعان " أي دنا بعضهم من بعض فرأي كل من الجمعين جمع فرعون وجمع موسى الآخر، " قال أصحاب موسى " من بني إسرائيل خائفين فزعين " إنا لمدركون " يدركنا جنود فرعون. " قال موسى كلا " لن يدركونا " إن معي ربي سيهدين " والمراد بهذه المعية معية الحفظ والنصرة وهي التي وعدها له ربه أول ما بعثه وأخاه إلى فرعون: " إنني معكما " وأما معية الايجاد والتدبير فالله سبحانه مع موسى وفرعون على نسب سواء، وقوله: " سيهدين " أي سيدلني على طريق لا يدركني فرعون معها. " فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فأنفلق " والانفلاق إنشقاق الشئ وبينونة بعضه من بعض " فكان كل فرق " أي قطعة منفصلة من الماء " كالطود " وهو
________________________________________
[ 278 ]
القطعة من الجبل " العظيم " فدخلها موسى ومن معه من بني إسرائيل. " وأزلفنا ثم " أي وقربنا هناك " الآخرين " وهم فرعون وجنوده " وأنجينا موسى ومن معه أجمعين " بحفظ البحر على حاله وهيئته حتى قطعوه وخرجوا منه، " ثم أغرقنا الآخرين " بإطباق البحر عليهم وهم في فلقه. قوله تعالى: " إن في ذلك الآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم " ظاهر السياق - ويؤيده سياق القصص الآتية - أن المشار إليه مجموع ما ذكر في قصة موسى من بعثه ودعوته فرعون وقومه وإنجاء بني إسرائيل وغرق فرعون وجنوده، ففي ذلك كله آية تدل على توحيده تعالى بالربوبية وصدق الرسالة لمن تدبر فيها. وقوله: " وما كان أكثرهم مؤمنين " أي وما كان أكثر هؤلاء الذين ذكرنا قصتهم مؤمنين مع ظهور ما دل عليه من الآية وعلى هذا فقوله بعد كل من القصص الموردة في السورة: " وما كان أكثرهم مؤمنين " بمنزلة أخذ النتيجة وتطبيق الشاهد على المستشهد له كأنه يقال بعد إيراد كل واحدة من القصص: هذه قصتهم المتضمنة لآيتة تعالى وما كان أكثرهم مؤمنين كمالم يؤمن أكثر قومك فلا تحزن عليهم فهذا دأب كل من الامم التي بعثنا إليهم رسولا فدعاهم إلى توحيد الربوبية. وقيل: إن الضمير في " أكثرهم " راجع إلى قوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمعنى: أن في هذه القصة آية وما كان أكثر قومك مؤمنين بها ولا يخلو من بعد. وقوله: " وإن ربك لهو العزيز الرحيم " تقدم تفسيره في أول السورة. * * * واتل عليهم نبأ إبراهيم - 69. إذ قال لابيه وقومه ما تعبدون - 70. قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين - 71. قال هل يسمعونكم إذ تدعون - 72. أو ينفعونكم أو يضرون - 73.
________________________________________
[ 279 ]
قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون - 74. قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون - 75. أنتم وآباؤكم الاقدمون - 76. فإنهم عدو لي إلا رب العالمين - 77. الذي خلقني فهو يهدين - 78. والذي هو يطعمني ويسقين - 79. وإذا مرضت فهو يشفين - 80. والذي يميتني ثم يحيين - 81. والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين - 82. رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين - 83. واجعل لي لسان صدق في الآخرين - 84. واجعلني من ورثة جنة النعيم - 85. واغفر لابي إنه كان من الضالين - 86. ولا تخزني يوم يبعثون - 87. يوم لا ينفع مال ولا بنون - 88. إلا من أتى الله بقلب سليم - 89. وأزلفت الجنة للمتقين - 90. وبرزت الجحيم للغاوين - 91. وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون - 92. من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون - 93. فكبكبوا فيها هم والغاون - 94. وجنود إبليس أجمعون - 95. قالوا وهم فيها يختصمون - 96. تالله إن كنا لفي ضلال مبين - 97. إذ نسويكم برب العالمين - 98. وما أضلنا إلا المجرمون - 99. فما لنا من شافعين - 100. ولا صديق حميم - 101. فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين - 102. إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين - 103. وإن ربك لهو العزيز الرحيم - 104.
________________________________________
[ 280 ]
(بيان) تشير آيات بعد الفراغ عن قصة موسى إلى نبأ إبراهيم عليه السلام وهو خبره الخطير إذ انتهض لتوحيد الله سبحانه بفطرته الزاكية الطاهرة من بين قومه المطبقين على عبادة الاصنام فتبر أمنهم ودافع عن الحق ثم كان من أمره ما قد كان ففي ذلك آية ولم يؤمن به أكثر قومه كما سيشير إلى ذلك في آخر الآيات. قوله تعالى: " واتل عليهم نبأ إبراهيم " غير السياق عما كان عليه أول القصة " وإذ نادي ربك موسى " الخ، لمكان قوله: " عليهم " فإن المطلوب تلاوته على مشركي العرب وعمدتهم قريش وإبراهيم هذا أبوهم وقد قام لنشر التوحيد وإقامة الدين الحق ولم يكن بينهم يومئذ من يقول: لا إله إلا الله، فنصر الله ونصره حتى ثبتت كلمة التوحيد في الارض المقدسة وفي الحجاز. فلم يكن ذلك كله إلا عن دعوة من الفطرة وبعث من الله سبحانه ففي ذلك آية لله فليعتبروا به وليتبرؤا من دين الوثنية كما تبرأ منه ومن أبيه وقومه المنتحلين به أبوهم إبراهيم عليه السلام. قوله تعالى: " إذ قال لابيه وقومه ما تعبدون " مخاصمته ومنا ظرته عليه السلام مع أبيه غير مخاصمته مع قومه واحتجاجه عليهم كما حكاه الله تعالى في سورة الانعام وغيرها لكن البناء ههنا على الايجاز والاختصار ولذا جمع بين المحاجتين وسبكهما محاجة واحدة أورد فيها ما هو القدر المشترك بينهما. وقوله: " ما تعبدون " سؤال عن الحقيقة بوضع نفسه موضع من لا يعرف شيئا من حقيقتها وسائر شؤنها وهذا من طرق المناظرة سبيل من يريد أن يبين الخصم حقيقة مدعاه وسائر شؤنه حتى يأخذه بما سمع من إعترافه. على أن هذه المحاجة كانت من إبراهيم أول ما خرج من كهفه ودخل في مجتمع أبيه وقومه ولم يكن شهد شيئا من ذلك قبل اليوم فحاجهم عن فطرة ساذجة طاهرة كما تقدم تفصيل القول فيه في تفسير سورة الانعام. قوله تعالى: " قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين " ظل بمعني دام، والعكوف
________________________________________
[ 281 ]
على الشئ ملازمته والاقامة عنده، واللام في " لها " للتعليل أي ندوم عاكفين عليها لاجلها وهو تفريع على عبادة الا صنام. والصنم جثة مأخوذة من فلز أو خشب أو غير ذلك على هيئة خاصة يمثل بها ما في المعبود من الصفات، وهؤلاء كانوا يعبدون الملائكة والجن وهم يرون أنها روحانيات خارجة عن عالم الاجسام منزهة عن وخواص المادة وآثارها، ولما كان من الصعب عليهم التوجه العبادي إلى هذه الروحانيات باستحضارها للادراك توسلوا إلى ذلك باتخاذ صور وتماثيل جسمانية تمثل بأشكالها وهيئاتها ما هناك من المعنويات. وكذلك الحال في عبادة عباد الكواكب لها فإن المعبود الاصلي هناك روحانيات الكواكب ثم اتخذ أجرام الكواكب أصناما لروحانيانها ثم لما اختلفت أحوال الكواكب بالحضور والغيبة والطلوع والغروب اتخذوا لها أصناما تمثل ما للكواكب من القوى الفعالة فيما دونها من عالم العناصر كالقوة الفاعلة للطرب والسرور والنشاط في الزهرة فيصورونها في صورة فتاة، ولسفك الدماء في المريخ، وللعلم والمعرفة في عطارد وعلى هذا القياس الامر في أصنام القديسين من الانسان. فالاصنام إنما اتخذت ليكون الواحد منها مرآة لرب الصنم من ملك أو جن أو إنسان غير أنهم يعبدون الصنم نفسه بتوجيه العبادة إليه والتقرب منه ولو تعدوا عن الصنم إلى ربه عبدوه دون الله سبحانه. وهذا هو الذي يكذب قول القائل منهم: إن الصنم إنما هي قبلة لم تتخذ إلا جهة للتوجه العبادي لا مقصودة بالذات كالكعبة عند المسلمين وذلك أن القبلة هي ما يستقبل في العبادة ولا يستقبل بالعبادة وهم يستقبلون الصنم في العبادة وبالعبادة، وبعبارة أخرى التوجه إلى القبلة والعبادة لرب القبلة وهو الله عز اسمه وأما الصنم فالتوجه إليه والعبادة له لا لربه ولو فرض أن العبادة لربه وهو شئ من الروحانيات كانت له لا لله فالله سبحانه غير معبود في ذلك على أي حال. وبالجملة فجوابهم عن سؤال إبراهيم: " ما تعبدون " بقولهم: " نعبد أصناما " إبانة أن هذه الاجسام المعبودة ممثلات مقصودة لغيرها لا لنفسها، وقد أخذ إبراهيم قولهم: " نعبد " وخاصمهم به فإن استقلال الاصنام بالمعبودية لا يجامع كونها أصناما
________________________________________
[ 282 ]
ممثلة للغير فإذ كانت مقصودة بالعبادة فمن الواجب أن يشتمل على ما هو الغرض المقصود منها من جلب نفع أو دفع ضر بالتوجه العبادي والدعاء والمسألة والاصنام بمعزل من أن تعلم بمسأله أو تجيب مضطرا بإيصال نفع أو صرف ضر ولذلك سألهم إبراهيم بقوله: " هل يسمعونكم " الخ. قوله تعالى: " قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون " إعترض عليه السلام عليهم في عبادتهم الاصنام من جهتين: إحداهما: أن العبادة تمثيل لذلة العابد وحاجته إلى المعبود فلا يخلو من دعاء من العابد للمعبود، ولدعاء يتوقف على علم المعبود بذلك وسمعه ما يدعوه به، و الاصنام أجسام جمادية لا سمع لها فلا معنى لعبادتها. والثانية: أن الناس إنما يعبدون الاله أما طمعا في خيره ونفعه وإما اتقاء من شره وضره والاصنام جمادات لا قدرة لها على إيصال نفع أو دفع ضرر. فكل من الآيتين يتضمن جهة من جهتي الاعتراض، وقد أوردهما في صورة الاستفهام ليضطرهم على الاعتراف. قوله تعالى: " قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون " كان مقتضى المقام أن يجيبوا عن سؤاله عليه السلام بالنفي لكنه لما كان ينتج خلاف ما هم عليه من الانتحال بالوثنية أضربوا عنه إلى التشبث بذيل التقليد فذكروا أنهم لا مستند لهم في عبادتها إلا تقليد الآباء محضا. وقوله: " وجدنا آباءنا كذلك يفعلون " أي ففعلنا كما كانوا يفعلون وعبدناهم كما كانوا يعبدون، ولم يعدل عن قوله: " كذلك يفعلون " إلى مثل قولنا: يعبدونها ليكون أصرح في التقليد كأنهم لا يفهمون من هذه العبادات إلا أنها أفعال كأفعال آبائهم من غير أن يفقهوا منها شيئا أزيد من أشكالها وصورها. قوله تعالى: " قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الاقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين " لما انتهت محاجته مع أبيه وقومه إلى أن لا حجة لهم في عبادتهم الاصنام إلا تقليد آباءهم محضا تبرأ عليه السلام من آلهتم ومن أنفسهم وآبائهم بقوله: " أفرأيتم " الخ. فقوله: " أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الاقدمون " تفريع على ما ظهر مما
________________________________________
[ 283 ]
تقدم من عدم الدليل على عبادة الاصنام إلا التقليد بل بطلانها من أصلها أي فإذا كانت باطلة لا حجة لكم عليها إلا تقليد آبائكم فهذه الاصنام التي رأيتموها أي هذه بأعيانها التي تعبدونها أنتم وآباؤكم الاقدمون فإنها عدو لي لان عبادتها ضارة لديني مهلكة لنفسي فليست إلا عدوا لي. وذكر آبائهم الاقدمين للدلالة على أنه لا يأخذ بالتقليد كما أخذوا وأن لا وقع عنده ع لتقدم العهد، ولا أثر عليه السلام للسبق الزماني في إبطال حق أو إحقاق باطل، وإرجاع ضمير أولي العقل إلى الاصام المكان نسبة العبادة إليها وهي تستلزم الشعور والعقل، وهو كثير الوقوع في القرآن. وقوله: " إلا رب العالمين " استثناء منقطع من قوله: " فإنهم عدو لي " أي لكن رب العالمين ليس كذلك. قوله تعالى: " الذي خلقني فهو يهدين - إلى قوله - يوم الدين " لما استثنى رب العالمين جل اسمه وصفه بأوصاف تتم بها الحجة على أنه تعالى ليس عدوا له بل رب رحيم ذو عناية بحاله منعم عليه بكل خير دافع عنه كل شر فقال: " الذي خلقني " " الخ " وأما قول القائل: إن قوله: " الذي خلقني " الخ استيناف من الكلام لا يعبأ به. فقوله: " الذي خلقني " فهو يهدين بدأ بالخلق لان المطلوب بيان استناد تدبير أمره إليه تعالى بطريق إعطاء الحكم بالدليل، والبرهان على قيام التدبير به تعالى قيام الخلق والايجاد به لوضوح أن الخلق والتدبير لا ينفكان في هذه الموجودات الجسمانية التدريجية الوجود التي تستكمل الوجود على التدريج فليس من المعقول أن يقوم الخلق بشئ والتدبير بشئ وإذ كان الخلق والايجاد لله سبحانه فالتدبير له أيضا. ولهذا عطف الهداية على الخلق بفاء التفريع فدل على أنه تعالى هو الهادي لانه هو الخالق. وظاهر قوله: " فهو يهديني " - وهو مطلق - أن المراد به مطلق الهداية إلى المنافع دنيوية كانت أو أخرويه والتعبير بلفظ المضارع لافادة الاستمرار فالمعنى أنه الذي خلقني ولا يزال يهديني إلى ما فيه سعادة حياتي منذ خلقني ولن يزال كذلك. فيكون الآية في معنى ما حكاه الله عن موسى إذ قال لفرعون: " ربنا الذي أعطى
________________________________________
[ 284 ]
كل شئ خلقه ثم هدى " طه: 50، أي هداه إلى منافعه وهي الهداية العامة. وهذا هو الذي أشير إليه في أول السورة بقوله: " أولم يروا إلى الارض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم إن في ذلك لآية " وقد مر تقرير الحجة فيه. وعلى هذا فما سيأتي في قوله: " والذي هو يطعمني " الخ من الصفات المعدودة من قبيل ذكر الخاص بعد العام فإنها جميعا من مصاديق الهداية العامة بعضها هداية إلى منافع دنيوية وبعضها هداية إلى ما يرجع إلى الآخرة. ولو كان المراد بالهداية الهداية الخاصة الدينية فالصفات المعدودة على رسلها وذكر الهداية بعد الخلقه، وقديمها على سائر النعم والمواهب لكونها أفضل النعم بعد الوجود. وقوله: " والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين " هو كالكناية عن جملة النعم المادية التي يرزقه الله إياها لتتميم النواقص ورفع الحوائج الدنيوية، وقد خص بالذكر منها ما هو أهمها وهو الاطعام والسقي والشفاء إذا مرض. ومن هنا يظهر أن قوله: " وإذا مرضت " توطئة وتمهيد لذكر الشفاء، فالكلام في معنى يطعمني ويسقيني ويشفين، ولذا نسب المرض إلى نفسه لئلا يختل المراد بذكر ما هو سلب النعمة بين النعم، وأما قول القائل: إنه إنما نسب المرض إلى نفسه مع كونه من الله للتأدب فليس بذاك. وإنما أعاد الموصول فقال: " الذي هو يطعمني " الخ، ولم يعطف الصفات على ما في قوله: " الذي خلقني فهو يهدين " للدلالة على أن كلا من الصفات المذكورة في هذه الجمل المترتبة كان في إثبات كونه تعالى هو الرب المدبر لامره والقائم على نفسه المجيب لدعوته. وقوله: " والذي هو يميتني ثم يحيين " يريد الموت المقضي لكل نفس المدلول عليه بقوله: " كل نفس ذائقة الموت " الانبياء: 35، وليس بانعدام وفناء بل انتقال من دار إلى دار من جملة التدبير العام الجاري والمراد بالاحياء أفاضة الحياة بعد الموت. وقوله: " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " أي يوم الجزاء وهو يوم القيامة، ولم يقطع بالمغفرة كما قطع في الامور المذكورة قبلها لان المغفرة ليست
________________________________________
[ 285 ]
بالاستحقاق بل هي فضل من الله فليس يستحق أحد على الله سبحانه شيئا لكنه سبحانه قضي على نفسه الهداية و الرزق والاماتة والاحياء لكل ذي نفس ولم يقض المغفرة لكل ذي خطيئة فقال: " فو رب السماء والارض أنه لحق " الذاريات " 23، وقال: " كل نفس ذائقة الموت " الانبياء: 35، وقال: " إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا " يونس: 4، وقال في المغفرة: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " النساء: 48. ونسبة الخطيئة إلى نفسه وهو عليه السلام نبي معصوم من المعصية دليل على أن المراد بالخطيئة غير المعصية بمعني مخالفة الامر المولوي فإن للخطيئة والذنب مراتب تتقدر حسب حال العبد في عبوديته كما قيل: حسنات الابرار سيئات المقربين، وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: " واستغفر لذنبك ". فالخطيئة من مثل إبراهيم عليه السلام اشتغاله عن ذكر الله محضا بما تقتضيه ضروريات الحياة كالنوم والاكل والشرب ونحوها وإن كانت بنظر آخر طاعة منه عليه السلام كيف ؟ وقد نص تعالى على كونه عليه السلام مخلصا لله لا يشاركه تعالى فيه شئ إذ قال: " إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار " ص: 46، وقد قدمنا كلاما له تعلق بهذا المقام في آخر الجزء السادس وفي قصص إبراهيم في الجزء السابع من الكتاب. قوله تعالى: " رب هب لي حكما والحقني بالصالحين " لما ذكر عليه السلام نعم ربه المستمرة المتوالية المتراكمة عليه منذ خلق إلى ما لا نهاية له من أمد البقاء وصور بذلك شمول اللطف والحنان الالهي أخذته جاذبة الرحمة الملتئمة بالفقر العبودي فدعته إلى إظهار الحاجة وبث المسأله فالتفت من الغيبة إلى الخطاب فسأل ما سأل. فقوله: " رب " أضاف الرب إلى نفسه بعد ما كان يصفه بما أنه رب العالمين إثارة للرحمة الالهية وتهييجا للعناية الربانية لاستجابة دعائه ومسألته. وقوله: " هب لي حكما " يريد بالحكم ما تقدم في قول موسى عليه السلام: " فوهب لي ربي حكما " الآية 21 من السورة وهو - كما تقدم - صابة النظر والرأي في المعارف الاعتقادية والعملية الكلية وتطبيق العمل عليها كما يشير إليه قوله تعالى: " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " الانبياء: 25، وهو
________________________________________
[ 286 ]
وحي المعارف الاعتقادية والعملية التي يجمعها التوحيد والتقوى، وقوله تعالى: " وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين " الانبياء: 73، وهو وحي التسديد والهداية إلى الصلاح في مقام العمل، وتنكير الحكم لتفخيم أمره. وقوله: " والحقني بالصالحين " الصلاح - على ما ذكره الراغب - يقابل الفساد الذي هو تغير الشئ عن مقتضي طبعه الاصلي فصلاحه كونه على مقتضى الطبع الاصلي فيترتب عليه من الخير والنفع ما من شأنه أن يترتب عليه من غير أن يفسد فيحرم من آثاره الحسنة. وإذ كان " الصالحين " غير مقيد بالعمل ونحوه فالمراد به الصالحون ذاتا لا عملا فحسب وإن كان صلاح الذات لا ينفك عنه صلاح العمل، قال تعالى: " البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه " الاعراف: 58. فصلاح الذات كونها تامة الاستعداد لقبول الرحمة الالهية وإفاضة كل خير وسعادة من شأنها أن تتلبس به من غير أن يقارنها ما يفسدها من اعتقاد باطل أو عمل سيئ وبذلك يتبين أن الصلاح الذاتي من لوازم موهبة الحكم بالمعني الذي تقدم وإن كان الحكم أخص موردا من الصلاح وهو ظاهر. فمسألته الالحاق بالصالحين من لوازم مسألة موهبة الحكم وفروعها المترتبة عليها فيعود معنى قوله: " رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين " إلى مثل قولنا: رب هب لي حكما وتمم أثره في وهو الصلاح الذاتي. وقد تقدم في تفسير قوله تعالى: " وإنه في الآخرة لمن الصالحين " البقرة: 130 في الجزء الاول من الكتاب كلام له تعلق بهذا المقام. قوله تعالى: " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " إضافة اللسان إلى الصدق لامية تفيد اختصاصة بالصدق بحيث لا يتكلم إلا به، وظاهر جعل هذا اللسان له أن يكون مختصا به كلسانه لا يتكلم إلا بما في ضميره مما يتكلم هو به فيؤل المعنى إلى مسألة أن يبعث الله في الآخرين من يقوم بدعوته ويدعوا الناس إلى ملته وهي دين التوحيد. فتكون الآية في معنى قوله في سورة الصافات بعد ذكر إبراهيم عليه السلام: " وتركنا
________________________________________
[ 287 ]
عليه في الآخرين " الصافات: 108، وقد ذكر هذه الجملة بعد ذكر عدة من الانبياء غيره كنوح وموسى وهارون وإلياس، وكذا قال تعالى في سورة مريم بعد ذكر زكريا ويحيى وعيسى وإبراهيم وموسى وهارون: " وجعلنا لهم لسان صدق عليا " مريم: 50 فالمراد على أي حال إبقاء دعوتهم بعدهم ببعث رسل أمثالهم. وقيل: المراد به بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد روي عنه أنه قال: أنا دعوة أبي إبراهيم، ويؤيده تسمية دينه في مواضع من القرآن ملة إبراهيم، ويرجع معنى الآية حينئذ إلى معنى قوله حكاية عن إبراهيم وإسماعيل حين بناء الكعبة: " ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك - إلى أن قال - ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم " البقرة: 129. وقيل: المراد به أن يجعل الله له ذكرا جميلا وثناء حسنا بعده إلى يوم القيامة وقد استجاب الله دعاءه فأهل الاديان يثنون عليه ويذكرونه بالجميل. وفي صدق لسان الصدق على الذكر الجميل خفاء، وكذا كون هذا الدعاء والمحكي في سورة البقرة دعاء واحدا لا يخلو من خفاء. قوله تعالى: " واجعلني من ورثة جنة النعيم " تقدم معنى وراثة الجنة في تفسير قوله تعالى: " أولئك هم الوارثون " المؤمنون: 10. قوله تعالى: " واغفر لابي إنه كان من الضالين " استغفار لابيه حسب ما وعده في قوله: " سلام عليك سأستغفر لك ربي " مريم: 47، وليس ببعيد أن يستفاد من قوله تعالى: " وما كان استغفار إبراهيم لابيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه " التوبة: 114، أنه دعا لابيه بهذا الدعاء وهو حي بعد، وعلى هذا فمعني قوله: " إنه كان من الضالين " أنه كان قبل الدعاء بزمان من أهل الضلال. قوله تعالى: " ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " الخزي عدم النصر، ممن يؤمل منه النصر والضمير في " يبعثون " للناس ولا يضره عدم سبق الذكر لكونه معلوما من خارج. ويعلم من سؤاله عدم الاخزاء يوم القيامة أن الانسان في حاجة إلى النصر الالهي
________________________________________
[ 288 ]
يومئذ فهذه البنية الضعيفة لا تقوم دون الاهوال التي تواجهها يوم القيامة إلا بنصر وتأييد منه تعالى. وقوله: " يوم لا ينفع مال ولا بنون " الظرف بدل من قوله: " يوم يبعثون " وبه يندفع قول من قال: إن قول إبراهيم قد انقطع في " يبعثون " والآية إلى تمام خمسة عشر آية من كلام الله تعالى. والآية تنفي نفع المال والبنين يوم القيامة وذلك أن رابطة المال والبنين التي هي المناط في التناصر والتعاضد في الدنيا هي رابطة وهمية اجتماعية لا تؤثر أثرا في الخارج من ظرف الاجتماع المدني ويوم القيامة يوم انكشاف الحقائق وتقطع الاسباب فلا ينفع فيه مال بماليته ولا بنون بنسبة بنوتهم وقرابتهم، قال تعالى: " ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم " الانعام: 94، وقال: " فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون " المؤمنون: 101. فالمراد بنفي نفع المال والبنين يوم القيامة نفي سببيتهما الوضعية الاعتبارية في المجتمع الانساني في الدنيا فإن المال نعم السبب والوسيلة في المجتمع للظفر بالمقاصد الحيوية، وكذا البنون نعمت الوسيلة للقوة والعزة والغلبة والشوكة، المال والبنون عمدة ما يركن اليهما ويتعلق بهما الانسان في الحياة الدنيا فنفي نفعهما يوم القيامة كالكناية عن نفي نفع كل سبب وضعي إعتباري في المجتمع الانساني يتوسل به إلى جلب المنافع المادية كالعلم والصنعة والجمال وغيرها. وبعبارة أخرى نفي نفعهما في معنى الاخبار عن بطلان الاجتماع المدني بما يعمل فيه من الاسباب الوضعية الاعتبارية كما يشير إليه قوله تعالى: " ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون ". وقوله: " إلا من أتى الله بقلب سليم " قال الراغب: السلم والسلامة التعري من الآفات الظاهرة والباطنة. انتهى. والسياق يعطي أنه عليه السلام في مقام ذكر معنى جامع يتميز به اليوم من غيره وقد سأل ربه أولا أن ينصره ولا يخزيه يوم لا ينفعه ما كان ينفعه في الدنيا من المال والبنين، ومقتضي هذه التوطئة أن يكون المطلوب بقوله: " إلا من أتى الله بقلب سليم " بيان ما هو النافع يومئذ وقد ذكر فيه الاتيان بالقلب السليم.
________________________________________
[ 289 ]
فالاستثناء منقطع، والمعنى: لكن من أتى الله بقلب سليم فإنه ينتفع به، والمحصل أن مدار السعادة يومئذ على سلامة القلب سواء كان صاحبه ذا مال وبنين في الدنيا أو لم يكن. وقيل: الاستثناء متصل والمستثنى منه مفعول ينفع المحذوف والتقدير يوم لا ينفع مال ولا بنون أحدا إلا من أتى الله بقلب سليم. وقيل: الاستثناء متصل والكلام بتقدير مضاف، والتقدير لا ينفع مال ولا بنون إلا مال وبنو من أتى " الخ ". وقيل: المال والبنون في معنى الغنى والاستثناء منه بحذف مضاف من نوعه والتقدير يوم لا ينفع غني إلا غني من أتى الله بقلب سليم، وسلامة القلب من الغني فالاستثناء متصل ادعاء لا حقيقة. وقيل: الاستثناء منقطع وهناك مضاف محذوف، والتقدير لا ينفع مال ولا بنون إلا حال من أتى " الخ ". والاقوال الثلاثة الاول توجب اختصاص تميز اليوم بمن له مال وبنون فقط فإن الكلام عليها في معني قولنا: يوم لا ينفع المال والبنون أصحابهما إلا ذا القلب السليم منهم وأما من لا مال له ولا ولد فمسكوت عنه والسياق لا يساعده، وأما القول الرابع فمبنى على تقدير لا حاجة إليه. والآية قريبة المعنى من قوله تعالي: " المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا " الكهف: 46، غير أنها تسند النفع إلى القلب السليم وهو النفس السالمة من وصمه الظلم وهو الشرك والمعصية كما قال تعالى في وصف اليوم: " وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما " طه: 111. قال بعضهم: وفي الآيتين تأييد لكون استغفاره عليه السلام لابيه طلبا لهدايته إلى الايمان لاستحالة طلب مغفرته بعد موته كافرا مع علمه بعدم نفعه لانه من باب الشفاعة. انتهى. وهذا على تقدير أخذ الاستثناء متصلا كما ذهب إليه هذا القائل مبني على كون
________________________________________
[ 290 ]
إبراهيم عليه السلام ابن آزر لصلبه وقد تقدم في قصته عليه السلام من سورة الانعام فساد القول به وأن الآيات ناصة على خلافه. وأما إذا أخذ الاستثناء منقطعا فقوله: " إلا من أتى الله بقلب سليم " بضميمة قوله تعالى: " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " الانبياء: 28. دليل على كون الاستغفار قبل موته كما لا يخفى. قوله تعالى: " وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين " الازلاف التقريب والتبريز الاظهار، وفي المقابلة بين المتقين والغاوين واختيار هذين الوصفين لهاتين الطائفتين إشارة إلى ما قضي به الله سبحانه يوم رجم إبليس عند إبائه أن يسجد لآدم كما ذكر في سورة الحجر " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعودهم أجمعين - إلى أن قال - إن المتقين في جنات وعيون " الحجر: 45. قوله تعالى: " وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله ينصرونكم أو ينتصرون " أي هل يدفعون الشقاء والعذاب عنكم أو عن أنفسهم، والمحصل أنه يتببن لهم أنهم ضلوا في عبادتهم غير الله. قوله تعالى: " فكبكبوا فيها هم والغاون وجنود إبليس أجمعون " يقال: كبه فانكب أي ألقاه على وجهه وكبكبه أي ألقاه على وجهه مرة بعد اخرى فهو يفيد تكرار الكب كدب ودبدب وذب وذبذب وزل وزلزل ودك ودكدك. وضمير الجمع في قوله: " فكبكبوا فيها هم " للاصنام كما يدل عليه قوله: " انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " الانبياء: 98 وهؤلاء إحدي الطوائف الثلاث التي تذكر الآية أنها تكبكب في جهنم " يوم القيامة، والطائفة الثانية الغاون المقضي عليهم ذلك كما في آية الحجر المنقولة آنفا، والطائفة الثالثة جنود إبليس وهم قرناء الشياطين الذين يذكر القرآن أنهم لا يفارقون أهل الغواية حتى يدخلوا النار، قال تعالى: " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين - إلى أن قال - ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون " الزخرف: 39. قوله تعالى: " قالوا وهم فيها يختسمون - إلى قوله - إلى المجرمون " الظاهر أن القائلين هم الغاون، والاختصام واقع بينهم يخاصمون أنفسهم والشياطين على ما
________________________________________
[ 291 ]
ذكره الله سبحانه في مواضع من كلامه. وقوله: " تالله إن كنالفي ضلال مبين " اعتراف منهم بالضلال، والخطاب في قوله: " إذ نسويكم برب العالمين " للآلهة من الاصنام وهم معهم في النار، أو لهم وللشياطين أو لهما وللمتبوعين والرؤساء من الغاوين وخير الوجوه أو لها. وقوله: " وما أضلنا إلا المجرمون " الظاهر أن كلا من القائلين يريد بالمجرمين غيره من إمام ضلال اقتدى به في الدنيا وداع دعاه إلى الشرك فاتبعه وآباء مشركين قلدهم فيه وخليل تشبه به، والمجرمون على ما يستفاد من آيات القيامة هم الذين ثبت فيهم الاجرام وقضي عليهم بدخول النار قال تعالى: " وامتازوا اليوم أيها المجرمون " يس: 56. قوله تعالى: " فما لنا من شافعين ولا صديق حميم " الحميم على ما ذكره الراغب القريب المشفق. وهذا الكلام تحسر منهم على حرمانهم من شفاعه الشافعين وإغاثة الاصدقاء وفي التعبير بقوله: " فما لنا من شافعين " إشارة إلى وجود شافعين هناك يشفعون بعض المذنبين، ولو لا ذلك لكان من حق الكلام أن يقال: فما لنا من شافع إذ لا نكتة تقتضي الجمع، وقد روي أنهم يقولون ذلك لما يرون الملائكة والانبياء والمؤمنين يشفعون. قوله تعالى: " فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين " تمن منهم أن يرجعوا إلى الدنيا فيكونوا من المؤمنين حتى ينالوا ما ناله المؤمنون من السعادة. قوله تعالى: " إن في ذلك لآية " إلى آخر الآيتين أي في قصة إبراهيم عليه السلام ولزومه عن فطرته الساذجة دين التوحيد وتوجيه وجهه نحو رب العالمين وتبريه من الاصنام واحتجاجه على الوثنيين وعبد الاصنام آية لمن تدبر فيها على أن في سائر قصصه من محنه وابتلآته التي لم تذكر ههنا كإلقائه في النار ونزول الضيف من الملائكة عليه وقصة إسكانه إسماعيل وأمه بوادي مكة وبناء الكعبة وذبح إسماعيل آيات لاولي الالباب. وقوله: " وما كان أكثرهم مؤمنين " أي وما كان أكثر قوم إبراهيم مؤمنين والباقي ظاهر مما تقدم.
________________________________________
[ 292 ]
(بحث روائي) في تفسير القمي في قوله تعالى: " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " قال: هو امير المؤمنين عليه السلام. أقول: يحتمل التفسير والجري. وفي الكافي بإسناده عن يحيى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال امير المؤمنين عليه السلام: ولسان الصدق للمرء يجعله الله في الناس خير من المال يأكله ويورثه. الحديث. وفي الدر المنثور في قوله تعالى: " واغفر لابي " أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: " ولا تخزني يوم يبعثون " قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ليجيئن رجل يوم القيامة من المؤمنين آخذا بيد أب له مشرك حتى يقطعه النار ويرجو أن يدخله الجنة فيناديه مناد إنه لا يدخل الجنة مشرك، فيقول: ربي أبي ووعدت أن لا تخزيني. قال: فما يزال متشبثا به حتى يحوله الله في صورة سيئة وريح منتنة في صورة ضبعان فإذا رآه كذلك تبرأ منه وقال: لست بأبي. قال: فكنا نرى أنه يعني إبراهيم وما سمي به يومئذ. وفيه أخرج البخاري والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة يقول له إبراهيم: ألم أقل لك: لا تعصني ؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون فأي خزي أخزى من أبي الابعد ؟ فيقول الله: إني حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال: يا إبراهيم ما تحت رجليك ؟ فإذا هو بذيخ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار. أقول: الخبر ان من أخبار بنوة إبراهيم لآزر لصلبه وقد مر في قصص إبراهيم من سورة الانعام أنها مخالفة للكتاب وكلامه تعالى نص في خلافه. وفي الكافي بإسناده عن سفيان بن عيينة قال: سألته عن قول الله عزوجل: " إلا من أتى الله بقلب سليم " قال: السليم الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه.
________________________________________
[ 293 ]
قال: وكل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط وإنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم إلى الآخرة. وفي المجمع وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: هو القلب الذي سلم من حب الدنيا. ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: حب الدنيا رأس كل خطيئة. وفي الكافي بإسناده عن محمد بن سالم عن أبي جعفر عليه السلام في حديث " وجنود إبليس أجمعون " جنود إبليس ذريته من الشياطين. قال: وفقولهم: " وما أضلنا إلا المجرمون " إذ دعونا إلى سبيلهم ذلك قول الله عزوجل فيهم إذ جمعهم إلى النار: وقالت أولاهم لاخراهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار " وقوله: " كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا " برئ بعضهم من بعض ولعن بعضهم بعضا يريد بعضهم أن يحج بعضا رجاء الفلج فيفلتوا جميعا من عظيم ما نزل بهم وليس بأوان بلوى ولا اختبار ولا قبول معذرة ولا حين نجاة. وفي الكافي أيضا بسندين عن أبي بصير عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: " فكبكبوا فيها هم والغاون " هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثم خالفوه إلى غيره. أقول: وروي هذا المعنى القمي في تفسيره والبرقي في المحاسن عن أبي عبد الله عليه السلام، والظاهر أن الرواية كانت واردة في ذيل قوله تعالى: " والشعراء يتبعهم الغاون " لما بعده من قوله تعالى: " وأنهم يقولون ما لا يفعلون " وقد وقع الخطأ في إيرادها في ذيل قوله: " وكبكبوا فيها " الخ، وهو ظاهر للمتأمل. وفي المجمع وفي الخبر المأثور عن جابر بن عبد الله قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن الرجل يقول في الجنة: ما فعل صديقي ؟ وصديقه في الجحيم. فيقول الله: أخرجوا له صديقه إلى الجنة فيقول من بقي في النار: " فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ". وروي بالاسناد عن حمران بن اعين عن أبي عبد لله عليه السلام قال: والله لنشفعن لشيعتنا ثلاث مرات حتى يقول الناس: " فما لنا من شافعين ولا صديق حميم - إلى قوله - فنكون من المؤمنين " وفي رواية أخرى حتى يقول عدونا.
________________________________________
[ 294 ]
وفي تفسير القمي " فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين " قال: من المهتدين قال: لان الايمان قد لزمهم بالاقرار. أقول: مراده أنهم يؤمنون يومئذ إيمان إيقان لكنهم يرون أن الايمان يومئذ لا ينفعهم بل الايمان النافع هو الايمان في الدنيا فيتمنون أن يرجعوا إلى الدنيا ليكون ما عنده من الايمان من إيمان المهتدين وهم المؤمنون حقا المهتدون بإيمانهم يوم القيامة وهذا معنى لطيف، واليه يشير قوله تعالى: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " سجده: 13، فلم يقولوا فارجعنا نؤمن ونعمل صالحا بل قالوا فارجعنا نعمل صالحا فافهم ذلك. * * * كذبت قوم نوح المرسلين - 105. إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون - 106. إني لكم رسول أمين - 107. فاتقوا الله وأطيعون - 108. وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين - 109. فاتقوا الله وأطيعون - 110. قالوا أنؤمن لك واتبعك الارذلون - 111. قال وما علمي بما كانوا يعملون - 112. إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون - 113. وما أنا بطارد المؤمنين - 114. إن أنا إلا نذير مبين - 115. قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين - 116. قال رب إن قومي كذبون - 117. فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين - 118. فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون - 119. ثم
________________________________________
[ 295 ]
أغرقنا بعد الباقين - 120. إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مومنين - 121. وإن ربك لهو العزيز الرحيم - 12. (بيان) تشير الآيات بعد الفراغ عن قصتي موسى وإبراهيم عليهما السلام وهما من أولي العزم إلى قصة نوح عليه السلام وهو أول أولي العزم سادة الانبياء، وإجمال ما جرى بينه وبين قومه فلم يؤمن به أكثرهم فاغرقهم الله وأنجي نوحا ومن معه من المؤمنين. قوله تعالى: " كذبت قوم نوح المرسلين " قال في المفردات: القوم جماعة الرجال في الاصل دون النساء، ولذلك قال: " لا يسخر قوم من قوم " الآية، قال الشاعر: أقوم آل حصن أم نساء، وفي عامة القرآن أريدوا به والنساء جميعا. انتهى. ولفظ القوم قيل: مذكر وتأيث الفعل المسند إليه بتأويل الجماعة وقيل: مؤنث وقال في المصباح: يذكر ويؤنث. وعدا القوم مكذبين للمرسلين مع أنهم لم يكذبوا إلا واحدا منهم وهو نوح علليه السلام إنما هو من جهة أن دعوتهم واحدة وكلمتهم متفقة على التوحيد فيكون المكذب للواحد منهم مكذبا للجميع ولذا عد الله سبحانه الايمان ببعض رسله دو بعض كفرا بالجميع قال تعالى: " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا اولئك هم الكافرون حقا " النساء: 151. وقيل: هو من قبيل قولهم: فلان يركب الدواب ويلبس البرود وليس له إلا دابة واحدة وبردة واحدة فيكون الجمع كناية عن الجنس، والاول أوجه ونظير الوجهين جار في قوله الآتي: " كذبت عاد المرسلين " " كذبت ثمود المرسلين " وغيرهما. قوله تعالى: " إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون " المراد بالاخ النسيب كقولهم: اخو تميم واخو كليب والاستفهام للتوبيخ.
________________________________________
[ 296 ]
قوله تعالى: " إني لكم رسول أمين " أي رسول من الله سبحانه أمين على ما حملته من الرسالة لا أبلغكم إلا ما أمرني ربي وأراده منكم، ولذا فرع عليه قوله: " فاتقوا الله وأطيعون " فأمرهم بطاعته لان طاعته طاعة الله. قوله تعالى: " وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين " مسوق لنفي الطمع الدنيوي بنفي سؤال الاجر فيثبت بذلك أنه ناصح لهم فيما يدعوهم إليه لا يخونهم ولا يغشهم فعليهم أن يطيعوه فيما يأمرهم، ولذا فرع عليه ثانيا قوله: " فاتقوا الله وأطيعون ". والعدول في قوله: " إن أجري إلا على رب العالمين " عن إسم الجلالة إلى " رب العالمين " للدلالة على صريح التوحيد فإنهم كانوا يرون انه تعالى إله عالم الالهة وكانوا يرون لكل عالم إلها آخر يعبدونه من دون الله فإثباته تعالى رب اللعالمين جميعا تصريح بتوحيد لعبادة ونفي الآلهة من دون الله مطلقا. قوله تعالى: " فاتقوا الله وأطيعون " قد تقدم وجه تكرار الآية فهو يفيد أن كلا من الامانة وعدم سؤال الاجر سبب مستقل إيجاب طاعته عليهم. قوله تعالى: " قالوا انؤمن لك واتبعك الارذلون " الارذلون جمع أرذل على الصحة وهو اسم تفضيل من الرذالة والرذالة الخسة والدناءة، ومرادهم بكون متبعيه أراذل انهم ذوو أعمال رذيلة ومشاغل خسيسة ولذا أجاب عليه السلام عنه بمثل قوله: " وما علمي بما كانوا يعملون ".. والظاهر انهم كانوا يرون الشرف والكرامة في الاموال والجموع من البنين والاتباع كما يستفاد من دعاء نوح عليه السلام إذ يقول: " رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا "، نوح: 21. فمرادهم بالارذلين من يعدهم الاشراف والمترفون سفلة تجنبون معاشرتهم من العبيد والفقراء وأرباب الحرف الدنية. قوله تعالى: " قال وما علمي بما كانوا يعملون " الضمير لنوح عليه السلام، و " ما " استفهامية وقيل: نافية وعليه فالخبر محذوف لدلالة السياق عليه، والمراد على اي حال نفي علمه بأعمالهم قبل إيمانهم به لمكان قوله: " كانوا يعملون ". قوله تعالى: " إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون " المراد بقوله: " ربي " رب
________________________________________
[ 297 ]
العالمين فإنه الذي كان يختص نوح بالدعوة إليه من بينهم، وقوله: " تشعرون " مقطوع عن العمل أي لو كان لكم شعور، وقيل: المعنى لو تشعرون بشئ لعلمتم ذلك وهو كما ترى. والمعنى: بالنظر إلى الحصر الذي في صدر الآية انه لا علم لي بسابق أعمالهم وليس علي حسابهم حتى أتجسس وأبحث عن أعمالهم وإنما حسابهم على ربي " لو تشعرون " فيجازيهم حسب أعمالهم. قوله تعالى: " وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين "، الآية الثانية بمنزلة التعليل للاولى والمجموع متمم للبيان السابق والمعنى: لا شأن لي إلا الانذار والدعوة فلست أطرد من أقبل علي وآمن بي ولست أتفحص عن سابق أعمالهم لا حاسبهم عليها فحسابهم على ربي وهو رب العالمين لا علي. قوله تعالى: " قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين " المراد بالانتهاء ترك الدعوة، والرجم هو الرمي بالحجارة، وقيل: المراد به الشتم وهو بعيد، وهذا مما قالوه في آخر العهد من دعوتهم يهددونه عليه السلام بقول جازم كما يشهد به ما في الكلام من وجوه التأكيد. قوله تعالى: " قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا " الخ، هذا استفتاح منه عليه السلام وقد قدم له قوله: " رب إن قومي كذبون " على سبيل التوطئة أي تحقق منهم التكذيب المطلق الذي لا مطمع في تصديقهم بعده كما يستفاد من دعائه عليهم إذ يقول: " رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا " نوح: 27. وقوله: " فافتح بيني وبينهم فتحا " كناية عن القضاء بينه وبين قومه كما قال تعالى: " ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون " يونس: 47. وأصله من الاستعارة بالكناية كأنه وأتباعه والكفار من قومه اختلطوا واجتمعوا من غير تميز فسأل ربه أن يفتح بينهم بإيجاد فسحة بينه وبين قومه يبتعد بذلك أحد القبيلين من الآخر وذلك كناية عن نزول العذاب وليس يهلك إلا القوم الفاسقين والدليل عليه قوله بعد: " ونجني ومن معي من المؤمنين ".
________________________________________
[ 298 ]
وقيل: الفتح بمعنى الحكم والقضاء من الفتاحة بمعنى الحكومة. قوله تعالى: " فأجيناه ومن معه في الفلك المشحون " أي المملوء منهم ومن كل زوجين اثنين كما ذكره في سوره هود. قوله تعالى: " ثم أغرقنا بعد الباقين " أي أغرقنا بعد إنجائهم الباقين من قومه. قوله تعالى: " إن في ذلك لآية - إلى قوله - العزيز الرحيم " تقدم الكلام في معني الآيتين. (بحث روائي) في كتاب كمال الدين وروضة الكافي مسندا عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث: فمكث نوح ألف سنة إلا خمسين عاما لم يشاركه في نبوته أحد ولكنه قدم على قوم مكذبين للانبياء الذين كانوا بينه وبين آدم وذلك قوله عزوجل: " كذبت قوم نوح المرسلين " يعني من كان بينه وبين آدم إلى أن انتهى إلى قوله: " وإن ربك لهو العزيز الرحيم ". وقال فيه أيضا: فكان بينه وبين آدم عشرة آباء كلهم أنبياء، وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " واتبعك الارذلون " قال: الفقراء. وفيه وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: " الفلك المشحون " المجهز الذي قد فرغ منه ولم يبق إلا دفعه. * * * كذبت عاد المرسلين - 123. إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون - 124. إني لكم رسول أمين - 125. فاتقوا الله وأطيعون - 126. وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين - 127.
________________________________________
[ 299 ]
أتبنون بكل ريع آية تعبثون - 128. وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون - 129. وإذا بطشتم بطشتم جبارين - 130. فاتقوا الله وأطيعون - 131. واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون - 132. أمدكم بأنعام وبنين - 133. وجنات وعيون - 134. إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم - 135. قالوا سواء علينا أو عظت أم لم تكن من الواعظين - 136. إن هذا إلا خلق الاولين - 137. وما نحن بمعذبين - 138. فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين - 139. وإن ربك لهو العزيز الرحيم - 140. (بيان) تشير الآيات إلى قصة هود عليه السلام وقومه وهو قوم عاد. قوله تعالى: " كذبت عاد المرسلين " قوم عاد من العرب العاربة الاولى كانوا يسكنون الاحقاف من جزيرة العرب لهم مدنية راقية وأراض خصبة وديار معمورة فكذبوا الرسل وكفروا بأنعم الله وأطغوا فأهلكهم الله بالريح العقيم وخرب ديارهم وعفا آثارهم. وعاد فيما يقال اسم أبيهم فتسميتهم بعاد من قبيل تسمية القوم باسم أبيهم كما يقال تميم وبكر وتغلب ويراد بنو تميم وبنو بكر وبنو تغلب. وقد تقدم في نظير الآية من قصة نوح وجه عد القوم مكذبين للمرسلين ولم يكذبوا ظاهرا إلا واحدا منهم. قوله تعالى: " إني لكم رسول أمين - إلى قوله - رب العالمين " تقدم الكلام فيها في نظائرها من قصة نوح عليه السلام.
________________________________________
[ 300 ]
وذكر بعض المفسرين أن تصدير هذه القصص الخمس بذكر أمانة الرسل وعدم سؤالهم أعلى رسالتهم وأمرهم الناس بالتقوى والطاعة للتنبيه على ان مبنى البعثة هو الدعاء إلى معرفة الحق والطاعة فيما يقرب المدعو من الثواب ويبعده من العقاب وإن الانبياء ع مجتمعون على ذلك وإن اختلفوا في بعض فروع الشرائع المختلفة بإختلاف الازمنة الاعصار، وانهم منزهون عن المطامع الدنيوية بالكلية انتهى. ونظيره الكلام في ختم جميع القصص السبع الموردة في السورة بقوله: " إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم "، ففيه دلالة على أن اكثر الامم والاقوام معرضون عن آيات الله، وان الله سبحانه عزيز يجازيهم على تكذيبهم رحيم ينجي المؤمنين برحمته، وقد تقدمت الاشارة إلى ذلك في الكلام على غرض السورة. قوله تعالى: " اتبنون بكل ريع آية تعبثون " الريع هو المرتفع من الارض والآية العلامة، والعبث الفعل الذي لا غاية له، وكأنهم كانوا يبنون على قلل الجبال وكل مرتفع من الارض ابنيه كالاعلام يتنزهون فيها ويفاخرون بها من غير ضرورة تدعوهم إلى ذلك بل لهوا واتباعا للهوى فوبخهم عليه. وقد ذكر للآية معان أخر لا دليل عليها من جهة اللفظ ولا ملاءمة للسياق اضربنا عنها. قوله تعالى: " وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون "، المصانع على ما قيل: الحصون المنيعة والقصور المشيدة والابنية العالية واحدها مصنع. وقوله: " لعلكم تخلدون " في مقام التعليل لما قبله أي تتخذون هذه المصانع بسبب أنكم ترجون الخلود ولو لا رجاء الخلود ما عملتم مثل هذه الاعمال التي من طبعها أن تدوم دهرا طويلا لا يفي به أطول الاعمار الانسانية، وقيل في معنى الآية ومفرداتها وجوه أخرى أغمضنا عنها. قوله تعالى: " وإذا بطشتم بطشتم جبارين " قال في المجمع: البطش العسف قتلا بالسيف وضربا بالسوط، والجبار العالي على غيره بعظيم سلطانه. وهو في صفة الله سبحانه مدح وفي صفة غيره ذم لان معناه في العبد أنه يتكلف الجبرية. انتهى.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page