• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 226 الي 250


[ 226 ]
بنورها على أن هناك ظلا وبانبساطه شيئا فشيئا على تمدد الظل شيئا فشيئا ولولاها لم يتنبه لوجود الظل فإن السبب العام لتمييز الانسان بعض المعاني من بعض تحول الاحوال المختلفة عليه من فقدان ووجدان فإذا فقد شيئا كان يجده تنبه لوجود وإذا وجد ما كان يفقده تنبه لعدمه، وأما الامر الثابت الذي لا تتحول عليه الحال فليس إلى تصوره بالتنبه سبيل. وقوله: " ثم قبضناه الينا قبضا يسيرا " أي أزلنا الظل بإشراق الشمس وارتفاعها شيئا فشيئا حتى ينسخ بالكلية، وفي التعبير عن الازالة والنسخ بالقبض، وكونه إليه، وتوصيفه باليسير دلالة على كمال القدرة الالهية وأنها لا يشق عليها فعل، وأن فقدان الاشياء بعد وجودها ليس بالانعدام والبطلان بل بالرجوع إليه تعالى. وما تقدم من تفسير مد الظل بتمديد الفئ بعد زوال الشمس وإن كان معنى لم يذكره المفسرون لكن السياق - على ما أشرنا إليه - لا يلائم غيره مما ذكره المفسرون كقول بعضهم: إن المراد بالظل الممدود ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وقول بعض: ما بين غروب الشمس وطلوعها، وقول بعض: ما يحدث من مقابلة كثيف كجبل أو بناء أو شجر للشمس بعد طلوعها، وقول بعض - وهو أسخف الاقوال - هو ما كان يوم خلق الله السماء وجعلها كالقبة ثم دحا الارض من تحتها فألقت ظلها عليها. وفي الآية أعني قوله: " ألم تر إلى ربك " الخ، التفات من سياق التكلم بالغير في الآيات السابقة إلى الغيبة، والنكتة فيه أن المراد بالآية وما يتلوها من الآيات بيان أن أمر الهداية إلى الله سبحانه وليس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الامر شئ وهو تعالى لا يريد هدايتهم وأن الرسالة والدعوة الحقة في مقابلتها للضلال المنبسط على أهل الضلال ونسخها متنسخ منه من شعب السنة العامة الالهية في بسط الرحمة على خلقه نظير إطلاع الشمس على الارض ونسخ الظل الممدود فيها بها، ومن المعلوم أن الخطاب المتضمن لهذه الحقيقة مما ينبغي أن يختص به صلى الله عليه وآله وسلم وخاصة من جهة سلب القدرة على الهداية عنه، وأما الكفار المتخذون إلههم هواهم وهم لا يسمعون ولا يعقلون فلا نصيب لهم فيه.
________________________________________
[ 227 ]
وفي قوله: " ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه الينا " رجوع إلى السياق السابق، وفي ذلك مع ذلك من إظهار العظمة والدلالة على الكبرياء ما لا يخفي. والكلام في قوله الآتي: " وهو الذي جعلكم الليل " الخ، وقوله: " وهو الذي أرسل الرياح "، وقوله: " وهو الذي مرج البحرين "، وقوله: " وهو الذي خلق من الماء بشرا " كالكلام في قوله: " ألم تر إلى ربك " والكلام في قوله: " وأنزلنا من السماء ماء " الخ، وقوله: " ولقد صرفناه بينهم "، وقوله: " ولو شئنا لبعثنا "، كالكلام في قوله: " ثم جعلنا الشمس ". قوله تعالى: " وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا " كون الليل لباسا إنما هو ستره الانسان بغشيان الظلمة كما يستر اللباس لابسه. وقوله: " والنوم سباتا " أي قطعا للعمل، وقوله: " وجعل النهار نشورا " أي جعل فيه الانتشار وطلب الرزق على ما ذكره الراغب في معنى اللفظتين. وحال ستره تعالى الناس بلباس الليل وقطعهم به عن العمل والحركة ثم نشرهم للعمل والسعي بإظهار النهار وبسط النور كحال مد الظل ثم جعل الشمس عليه دليلا وقبض الظل بها إليه. قوله تعالى: " وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا " البشر بالضم فالسكون مخفف بشر بضمتين جمع بشور بمعنى مبشر أي هو الذي أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته وهي المطر. وقوله: " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " أي من جهة العلو وهي جو الارض ماء طهورا أي بالغا في طهارته فهو طاهر في نفسه مطهر لغيره يزيل الاوساخ ويذهب بالارجاس والاحداث - فالطهور على ما قيل صيغة مبالغة -. قوله تعالى: " لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا "، البلدة معروفة قيل: وأريد بها المكان كما في قوله: " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه " الاعراف: 58، ولذا اتصف بالميت وهو مذكر والمكان الميت ما لا نبات فيه وإحياؤه إنباته، والاناسي جمع إنسان، ومعنى الآية ظاهر.
________________________________________
[ 228 ]
وحال شمول الموت الارض والحاجة إلى الشرب والري للانعام والاناسي ثم إنزاله تعالى من السماء ماء طهورا ليحيي به بلدة ميتا ويسقيه أنعاما وأناسى كثيرا من خلقه كحال مد الظل ثم الدلالة عليه بالشمس ونسخه بها كما تقدم. قوله تعالى: " ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا " ظاهر إتصال الآية بما قبلها أن ضمير " صرفناه " للماء وتصريفه بينهم صرفه عن قوم إلى غيرهم تارة وعن غيرهم إليهم أخرى فلا يدوم في نزوله على قوم فيهلكوا ولا ينقطع عن قوم دائما فيهلكوا بل يدور بينهم حتى ينال كل نصيبه بحسب المصلحة، وقيل: المراد التصريف التحويل من مكان إلى مكان. وقوله: " ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا " تعليل للتصريف أي وأقسم لقد صرفنا الماء بتقسيمه بينهم ليتذكروا فيشكروا فأبى وامتنع أكثر الناس إلا كفران النعمة. قوله تعالى: " ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا " أي لو أردنا أن نبعث في كل قرية نذيرا ينذرهم ورسولا يبلغهم رسالاتنا لبعثنا ولكن بعثناك إلى القرى كلها نذيرا ورسولا لعظيم منزلتك عندنا. هكذا فسرت الآية ولا تخلو الآية التالية من تأييد لذلك، وهذا المعنى لما وجهنا به اتصال الآيات أنسب. أو أن المراد أنا قادرون على أن نبعث في كل قرية رسولا وإنما اخترناك لمصلحة في اختيارك. قوله تعالى: " فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا " متفرع على معنى الآية السابقة، وضمير " به " للقرآن بشهادة سياق الآيات، والمجاهدة والجهاد بذل الجهد والطاقة في مدافعة العدو وإذ كان بالقرآن فالمراد تلاوته عليهم وبيان حقائقه لهم وإتمام حججه عليهم. فمحصل مضمون الآية أنه إذا كان مثل الرسالة الالهية في رفع حجاب الجهل والغفلة المضروب على قلوب الناس بإظهار الحق لهم وإتمام الحجة عليهم مثل الشمس في الدلالة على الظل الممدود ونسخه بأمر الله، ومثل النهار بالنسبة إلى الليل وسبته، ومثل المطر بالنسبة إلى الارض الميتة والانعام والاناسي الظامئة، وقد بعثناك لتكون
________________________________________
[ 229 ]
نذيرا لاهل القرى فلا تطع الكافرين لان طاعتهم تبطل هذا الناموس العام المضروب للهداية. وابذل مبلغ جهدك ووسعك في تبليغ رسالتك وإتمام حجتك بالقرآن المشتمل على الدعوة الحقة وجاهدهم به مجاهدة كبيرة. قوله تعالى: " وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا " المرج الخلط ومنه أمر مريج أي مختلط، والعذب من الماء ما طاب طعمه، والفرات منه ما كثر عذوبته، والملح هو الماء المتغير طعمه. والاجاج شديد الملوحة، والبرزخ هو الحد الحاجز بين شيئين، وحجرا محجورا أي حراما محرما أن يختلط أحد الماءين بالآخر. وقوله: " وجعل بينهما " الخ قرينة على أن المراد بمرج لبحرين إرسال الماءين متقارنين لا الخلط بمعنى ضرب الاجزاء بعضها ببعض. والكلام معطوف على ما عطف عليه قوله: " وهو الذي أرسل الرياح " الخ، وفيه تنظير لامر الرسالة من حيث تأديتها إلى تمييز المؤمن من الكافر مع كون الفريقين يعيشان على أرض واحدة مختلطين وهما مع ذلك غير متمازجين كما تقدمت الاشارة إليه في أول الآيات التسع. قوله تعالى: " وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا " الصهر على ما نقل عن الخليل الختن وأهل بيت المرأة فالنسب هو التحرم من جهة الرجل والصهر هو التحرم من جهة المرأة - كما قيل - ويؤيده المقابلة بين النسب والصهر. وقد قيل: إن كلا من النسب والصهر بتقدير مضاف والتقدير فجعله ذا نسب وصهر، والضمير للبشر، والمراد بالماء النطفة، وربما احتمل أن يكون المراد به مطلق الماء الذي خلق الله منه الاشياء الحية كما قال: " وجعلنا من الماء كل شئ حي " الانبياء: 30. والمعنى: وهو الذي خلق من النطفة - وهي ماء واحد - بشرا فقسمه قسمين ذا نسب وذا صهر يعني الرجل والمرأة وهذا تنظير آخر يفيد ما تفيده الآية السابقة أن لله سبحانه أن يحفظ الكثرة في عين الوحدة والتفرق في عين الاتحاد وهكذا يحفظ
________________________________________
[ 230 ]
اختلاف النفوس والآراء بالايمان والكفر مع اتحاد المجتمع البشري بما بعث الله الرسل لكشف حجاب الضلال الذي من شأنه غشيانه لو لا الدعوة الحقة. وقوله: " وكان ربك قديرا " في إضافة الرب إلى ضمير الخطاب من النكتة نظير ما تقدم في قوله: " ألم تر إلى ربك ". قوله تعالى: " ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا " معطوف على قوله: " وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا ". والظهير بمعنى المظاهر على ما قيل والمظاهرة المعاونة. والمعنى: ويعبدون - هؤلاء الكفار المشركون - من دون الله ما لا ينفعهم بإيصال الخير على تقدير العبادة ولا يضرهم بإيصال الشر على تقدير ترك العبادة وكان الكافر معاونا للشيطان على ربه. وكون هؤلاء المعبودين وهم الاصنام ظاهرا لا ينفعون ولا يضرون لا ينافي كون عبادتهم مضرة فلا يستلزم نفي الضرر عنهم أنفسهم حيث لا يقدرون على شئ نفي الضرر عن عبادتهم المضرة المؤدية للانسان إلى شقاء لازم وعذاب دائم. قوله تعالى: " وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا " أي لم نجعل لك في رسالتك إلا التبشير والانذار وليس لك وراء ذلك من الامر شئ فلا عليك إن كانوا معاندين لربهم مظاهرين لعدوه عليه فليسوا بمعجزين لله وما يمكرون إلا بأنفسهم، هذا هو الذي يعطيه السياق. وعليه فقوله: " وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا " هذا الفصل من الكلام نظير قوله: " أفأنت تكون عليه وكيلا " في الفصل السابق. ومنه يظهر أن أخذ بعضهم الآية تسلية منه تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال والمراد ما أرسلناك إلا مبشرا للمؤمنين ونذيرا للكافرين فلا تحزن على عدم إيمانهم. غير سديد. قوله تعالى: " قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا " ضمير " عليه " للقرآن بما أن تلاوته عليهم تبلغ للرسالة كما قال تعالى: " إن هذه
________________________________________
[ 231 ]
تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا " المزمل: 19، الدهر: 29، وقال: " قل ما أسألكم عليه أجرا وما أنا من المتكلفين إن هو إلا ذكر للعالمين " ص: 87. وقوله: " إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا " استثناء منقطع في معنى المتصل فإنه في معنى إلا أن يتخذ إلى ربه سبيلا من شاء ذلك على حد قوله تعالى: " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " الشعراء: 89، أي إلا أن يأتي الله بقلب سليم من أتاه به. ففيه وضع الفاعل وهو من اتخذ السبيل موضع فعله وهو اتخاذ السبيل شكرا له ففي الكلام عد اتخاذهم سبيلا إلى الله سبحانه باستجابة الدعوة أجرا لنفسه ففيه تلويح إلى نهاية استغنائه عن أجر مالي أو جاهي منهم، وأنه لا يريد منهم وراء استجابتهم للدعوة واتباعهم للحق شيئا آخر من مال أو جاه أو أي أجر مفروض فليطيبوا نفسا ولا يتهموه في نصيحته. وقد علق اتخاذ السبيل على مشيتهم للدلالة على حريتهم الكاملة عن قبله صلى الله عليه وآله وسلم فلا إكراه ولا إجبار إذ لا وظيفة له عن قبل ربه وراء التبشير والانذار وليس عليهم بوكيل بل الامر إلى الله يحكم فيهم ما يشاء. فقوله: " قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ " الخ بعد ما سجل لنبيه ص أن ليس له إلا الرسالة بالتبشير والانذار يأمره أن يبلغهم أن لا بغية له في دعوتهم إلا أن يستجيبوا له ويتخذوا إلى ربهم سبيلا من غير غرض زائد من الاجر أياما كان، وأن لهم الخيرة في أمرهم من غير أي إجبار وإكراه فهم والدعوة إن شاؤا فليؤمنوا وإن شاؤا فليكفروا. هذا ما يرجع إليه صلى الله عليه وآله وسلم وهو تبليغ الرسالة فحسب من غير طمع في أجر ولا تحميل عليهم إكراه أو انتقام منهم بنكال، وأما ما وراء ذلك فهو لله فليرجعه إليه وليتوكل عليه كما أشار إليه في الآية التالية: " وتوكل على الحي الذي لا يموت ". وذكر جمهور المفسرين أن الاستثناء منقطع، والمعنى لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا أي بالانفاق القائم مقام الاجر كالصدقة والانفاق في سبيل الله فليفعل، وهو ضعيف لا دليل عليه لا من جهة لفظ الجملة ولا من جهة السياق.
________________________________________
[ 232 ]
وقال بعضهم: إنه متصل والكلام بحذف مضاف والتقدير إلا فعل من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا بالايمان والطاعة حسبما أدعو اليهما. وفيه أخذ استجابتهم له أجرا لنفسه وقطعا لشائبة الطمع بالكلية وتطييبا لانفسهم، ويرجع هذا الوجه بحسب المعنى إلى ما قدمناه ويمتاز منه بتقدير مضاف والتقدير خلاف الاصل. وقال آخرون: إنه متصل بتقدير مضاف والتقدير لا أسألكم عليه من أجر إلا أجر من شاء " الخ " أي إلا الاجر الحاصل لي من إيمانه فإن الدال على الخير كفاعله. وفيه أن مقتضى هذا المعنى أن يقال: الا من اتخذ إلى ربه سبيلا فلا حاجة إلى تعليق الاتخاذ بالمشية والاجر إنما يترتب على العمل دون مشيته. قوله تعالى: " وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا " لما سجل على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن ليس له من أمرهم شئ إلا الرسالة وأمره أن يبلغهم أن لا بغية له في دعوتهم إلا الاستجابة لها وأنهم علخيرة من أمرهم إن شاؤا آمنوا وإن شاؤا كفروا تمم ذلك بأمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يتخذ تعالى وكيلا في أمرهم فهو تعالى عليهم وعلى كل شئ وكيل وبذنوب عباده خبير. فقوله: " وتوكل على الحي الذي لا يموت " أي اتخذه وكيلا في أمرهم يحكم فيهم ما يشاء ويفعل بهم ما يريد فإنه الوكيل عليهم وعلى كل شئ وقد عدل عن تعليق التوكل بالله إلى تعليقه بالحي الذي لا يموت ليفيد التعليل فإن الحي الذي لا يموت لا يفوته فائت فهو المتعين لان يكون وكيلا. وقوله: " وسبح بحمده " أي نزهه عن العجز والجهل وكل ما لا يليق بساحة قدسه مقارنا ذلك للثناء عليه بالجميل فإن أمهلهم واستدرجهم بنعمه فليس عن عجز فعل بهم ذلك ولا عن جهل بذنوبهم وإن أخذهم بذنوبهم فبحكمة اقتضته وباستحقاق منهم استدعى ذلك فسبحانه وبحمده. وقوله: " وكفى به بذنوب عباده خبيرا " مسوق للدلالة على توحيده في فعله وصفته فهو الوكيل المتصرف في أمور عباده وحده وهو خبير بذنوبهم وحاكم فيهم وحده من غير حاجة إلى من يعينه في علمه أو في حكمه. ومن هنا يظهر أن الآية التالية: " الذي خلق السماوات والارض " متممة لقوله:
________________________________________
[ 233 ]
" وتوكل على الحي الذي لا يموت " الخ، لا شتمالها على توحيده في ملكه وتصرفه كما يشتمل قوله: " وكفى به " الخ على علمه وخبرته وبالحياة والملك والعلم معايتم معنى الوكالة وسنشير إليه. قوله تعالى: " الذي خلق السماوات والارض وفي ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا " ظاهر السياق أن الموصول صفة لقوله في الآية السابقة: " الحي الذي لا يموت " وبهذه الآية يتم البيان في قوله: " وتوكل على الحي الذي لا يموت " فإن الوكالة كما تتوقف على حياة الوكيل تتوقف على العلم، وقد ذكره في قوله: " وكفى به بذنوب عباده خبيرا " وتتوقف على السلطنة على الحكم والتصرف وهو الذي تتضمنه هذه الآية بما فيها من حديث خلق السماوات والارض والاستواء على العرش. وقد تقدم تفسير صدر الآية في مواضع من السور السابقة، وأما قوله: " الرحمن فاسأل به خبيرا " فالذي يعطيه السياق ويهدي إليه النظم أن يكون الرحمن خبرا لمبتدأ محذوف والتقدير هو الرحمن، وقوله: " فاسأل " متفرعا عليه والفاء للتفريع، والباء في قوله: " به " للتعدية مع تضمين السؤال معنى الاعتناء. وقوله: " خبيرا " حال من الضمير. والمعنى: هو الرحمن - الذي استوى على عرش الملك والذي برحمته وإفاضته يقوم الخلق والامر ومنه يبتدي كل شئ واليه يرجع - فاسأله عن حقيقة الحال يخبرك بها فإنه خبير. فقوله: " فاسأل به خبيرا " كناية عن أن الذي أخبر به حقيقة الامر التي لا معدل عنها وهذا كما يقول من سئل عن أمر: سلني أجبك إن كذا وكذا ومن هذا الباب قولهم: على الخبير سقطت. ولهم في قوله: " الرحمن فاسأل به خبيرا " أقوال أخرى كثيرة: فقيل: إن الرحمن مرفوع على القطع للمدح، وقيل: مبتدأ خبره قوله: " فاسأل به "، وقيل: خبر مبتدؤه " الذي " في صدر الآية، وقيل: بدل من الضمير المستكن في " استوى ". وقيل في " فاسأل به " إنه خبر للرحمن كما تقدم والفاء فصيحة، وقيل: جملة
________________________________________
[ 234 ]
مستقلة متفرعة على ما قبلها والفاء للتفريع ثم الباء في " به " للصلة أو بمعنى عن والضمير راجع إليه تعالى أو إلى ما تقدم من الخلق والاستواء. وقيل: " خبيرا " حال عن الضمير وهو راجع إليه تعالى، والمعنى فاسأل الله حال كونه خبيرا وقيل مفعول فاسأل والباء بمعنى عن والمعنى فاسأل عن الرحمن أو عن حديث الخلق والاستواء خبيرا، والمراد بالخبير هو الله سبحانه، وقيل جبريل وقيل: محمد صلى الله عليه وآله وسلم، قيل: من قرأ الكتب السماوية القديمة ووقف على صفاته وأفعاله تعالى وكيفية الخلق والايجاد، وقيل: كل من كان له وقوف على هذه الحقائق. وهذه الوجوه المتشتتة جلها أو كلها لا تلائم ما يعطيه سياق الآيات الكريمة ولا موجب للتكلم عليها والغور فيها. قوله تعالى: " وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا " هذا فصل آخر من معاملتهم السوء مع الرسول ودعوته الحقة يذكر فيه استكبارهم عن السجود لله سبحانه إذا دعوا إليه ونفورهم منه وللآية اتصال خاص بما قبلها من حيث ذكر الرحمن فيها وقد وصف في الآية السابقة بما وصف ولعل اللام فيه للعهد. فقوله: " وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن " الضمير للكفار، والقائل هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدليل قوله بعد: " أنسجد لما تأمرنا " ولم يذكر اسمه ليتوجه استكبارهم إلى الله سبحانه وحده. وقوله: " قالوا وما الرحمن " سؤال منهم عن هويته ومائيته مبالغة منهم في التجاهل به استكبارا منهم على الله ولو لا ذلك لقالوا: ومن الرحمن، وهذا كقول فرعون لموسى لما دعاه إلى رب العالمين: " وما رب العالمين " الشعراء: 23، وقول إبراهيم لقومه: " ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون " الانبياء: 52، ومراد السائل في مثل هذا السؤال أنه لا معرفة له من المسؤل عنه بشئ أزيد من اسمه كقول هود لقومه: " أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم " الاعراف: 71. وقوله حكاية عنهم: " أنسجد لما تأمرنا " في تكرار التعبير عنه تعالى بما إصرار على الاستكبار، والتعبير عن طلبه عنهم السجدة بالامر لا يخلو من تهكم واستهزاء.
________________________________________
[ 235 ]
وقوله: " وزادهم نفورا " معطوف على جواب إذا والمعنى: وإذا قيل لهم اسجدوا استكبروا وزادهم ذلك نفورا ففاعل (زادهم) ضمير راجع إلى القول المفهوم من سابق الكلام. وقول بعضهم: إن الفاعل ضمير راجع إلى السجود بناء على ما رووا أنه صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه سجدوا فتباعدوا عنهم مستهزئين ليس بسديد فإن وقوع واقعة ما لا يؤثر في دلالة اللفظ ما لم يتعرض له لفظا. ولا تعرض في الآية لهذه القصة أصلا. قوله تعالى: " تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا " الظاهر أن المراد بالبروج منازل الشمس والقمر من السماء أو الكواكب التي عليها كما تقدم في قوله: " ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظر ين وحفظناها من كل شيطان رجيم " الحجر: 17، وإنما خصت بالذكر في الآية للاشارة إلى الحفظ والرجم المذكورين. والمراد بالسراج الشمس بدليل قوله: " وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا " نوح: 16. وقد قرروا الآية أنها احتجاج بوحدة التدبير العجيب السماوي والارضي على وحدة المدبر فيجب التوجه بالعبادات إليه وصرف الوجه عن غيره. والتدبر في اتصال الآيتين بما قبلهما وسياق الآيات لا يساعد عليه لان مضمون الآية السابقة من استكبارهم على الرحمان إذا أمروا بالسجود له واستهزائهم بالرسول لار نسبة كافية بينه وبين الاحتجاج على توحيد الربوبية حتى يعقب به، وإنما المناسب لهذا المعنى إظهار العزة والغنى وأنهم غير معجزين لله بفعالهم هذا ولا خارجون عن ملكه وسلطانه. والذي يعطيه التدبر أن قوله: " تبارك الذي جعل في السماء بروجا " الخ، مسوق سوق التعزز والاستغناء، وأنهم غير معجزين باستكبارهم على الله واستهزائهم بالرسول بل هؤلاء ممنوعون عن الاقتراب من حضرة قربه والصعود إلى سماء جواره والمعارف الالهية مضيئة مع ذلك لاهله وعباده بما نورها الله سبحانه بنور هدايته وهو نور الرسالة.
________________________________________
[ 236 ]
وعلى هذا فقد أثنى الله سبحانه على نفسه بذكر تباركه بجعل البروج المحفوظة الراجمة للشياطين بالشهب في السماء المحسوسة وجعل الشمس المضيئة والقمر المنير فيها لاضاءة العالم المحسوس، وأشار بذلك إلى ما يناظره في الحقيقة من إضاءة العالم الانساني بنور الهداية من الرسالة ليتبصر به عباده، كما يذكر حالهم بعد هذه الآيات ودفع أولياء الشياطين عن الصعود إليه بماهيا لدفعهم من بروج محفوظة راجمة. هذا ما يعطيه السياق وعلى هذا النمط من البيان سيقت هذه الآيات والتي قبلها كما تقدمت الاشارة إليه في تفسير قوله: " ألم تر إلى ربك كيف مد الظل " فليس ما ذكرناه من التأويل بمعنى صرف الآيات عن ظاهرها. قوله تعالى: " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا " الخلفة هي الشئ يسد مسد شئ آخر وبالعكس وكأنه بناء نوع أريد به معنى الوصف فكون الليل والنهار خلفة أن كلا منهما يخلف الآخر، وتقييد الخلفة بقوله: " لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا " للدلالة على نيابة كل منهما عن الآخر في التذكر والشكر. والمقابلة بين التذكر والشكر يعطي أن المراد بالتذكر الرجوع إلى ما يعرفه الانسان بفطرته من الحجج الدالة على توحيد ربه وما يليق به تعالى من الصفات و الاسماء وغايته الايمان بالله، وبالشكور القول أو الفعل الذي ينبئ عن الثناء عليه بجميل ما أنعم، وينطبق على عبادته وما يلحق بها من صالح العمل. وعلى هذا فالآية اعتزاز أو امتنان بجعله تعالى الليل والنهار بحيث يخلف كل صاحبه فمن فاته الايمان به في هذه البرهة من الزمان تداركه في البرهة الاخرى منه، ومن لم يوفق لعبادة أو لاي عمل صالح في شئ منهما أتى به في الآخر. هذا ما تفيده الآية ولها مع ذلك ارتباط بقوله في الآية السابقة: " وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا " ففيه إشارة إلى أن الله سبحانه وإن دفع أولئك المستكبرين عن الصعود إلى ساحة قربه لكنه لم يمنع عباده عن التقرب إليه والاستضاءة بنوره فجعل نهارا ذا شمس طالعة وليلا ذا قمر منير وهما ذوا خلفة من فاته ذكر أو شكر في أحدهما أتى به في الآخر.
________________________________________
[ 237 ]
وفسر بعضهم التذكر بصلاة الفريضة والشكور بالنافلة والآية تقبل الانطباق على ذلك وإن لم يتعين حملها عليه. (بحث روائي) في الدر المنثور في قوله تعالى: " أرأيت من اتخذ إلهه هواه " أخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما تحت ظل السماء من إله يعبد من دون الله أعظم عند الله من هوى متبع. وفي تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: " ألم تر إلى ربك كيف مد الظل " فقال: الظل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. وفي المجمع في قوله تعالى: " وهو الذي خلق من الماء " الآية، قال ابن سيرين: نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي بن أبي طالب زوج فاطمة عليا فهو ابن عمه وزوج ابنته فكان نسبا وصهرا. وفي الدر المنثور أخرج ابن جرير وابن مردوديه عن ابن عباس في قوله: " وكان الكافر على ربه ظهيرا " يعني أبا الحكم الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا جهل بن هشام. أقول: والروايتان بالجري والتطبيق أشبه. وفي تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تبارك وتعالى: " تبارك الذي جعل في السماء بروجا " فالبروج الكواكب والبروج التي للربيع والصيف الحمل والثور والجوزاء والسرطان والاسد والسنبلة، وبروج الخريف والشتاء: الميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت - وهي اثنا عشر برجا. وفي الفقيه قال الصادق عليه السلام: كلمفاتك بالليل فاقضه بالنهار قال الله تبارك وتعالى: " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا " يعني أن يقضي الرجل ما فاتبا لليل بالنهار وما فاته بالنهار بالليل
________________________________________
[ 238 ]
* * * وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما - 63. والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما - 64. والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم أن عذابها كان غراما - 65. إنها ساعت مستقرا ومقاما - 66. والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا وكان بين ذلك قواما - 67. والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما - 68. يضاعف له العذاب يوم القيمة ويخلد فيه مهانا - 69. إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما - 70. ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا - 71. والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما - 72. والذين إذا ذكروا بايآت ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا - 73. والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما - 74. أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما - 75. خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما - 76.
________________________________________
[ 239 ]
قل ما يعبؤا بكم ربي لو لا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما - 77. (بيان) تذكر الآيات من محاسن خصال المؤمنين ما يقابل ما وصف من صفات الكفار السيئة ويجمعها أنهم يدعون ربهم ويصدقون رسوله والكتاب النازل عليه قبال تكذيب الكفار لذلك وإعراضهم عنه إلى اتباع الهوى، ولذلك تختتم الآيات بقوله: " قل ما يعبؤا بكم ربي لو لا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما " وبه تختتم السورة. قوله تعالى: " وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " لما ذكر في الآية السابقة استكبارهم على الله سبحانه وإهانتهم بالاسم الكريم: الرحمن، قابله في هذه الآية بذكر ما يقابل ذلك للمؤمنين وسماهم عبادا وأضافهم إلى نفسه متسميا باسم الرحمن الذي كان يحيد عنه الكفار وينفرون. وقد وصفتهم الآية بوصفين من صفاتهم: أحدهما: ما اشتمل عليه قوله: " الذين يمشون على الارض هونا " والهون على ما ذكره الراغب التذلل، والاشبه حينئذ أن يكون المشي على الارض كناية عن عيشتهم بمخالطة الناس ومعاشرتهم فهم في أنفسهم متذللون لربهم ومتواضعون للناس لما أنهم عباد الله غير مستكبرين على الله ولا مستعلين على غيرهم بغير حق، وأما التذلل لاعداء الله إبتغاء ما عندهم من العزة الوهمية فحاشاهم وإن كان الهون بمعنى الرفق واللين فالمراد أنهم يمشون من غير تكبر وتبختر. وثانيهما: ما اشتمل عليه قوله: " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " أي إذا خاطبهم الجاهلون خطابا ناشئا عن جهلهم مما يكرهون أن يخاطبوا به أو يثقل عليهم كما يستفاد من تعلق الفعل بالوصف أجابوهم بما هو سالم من القول وقالوا لهم قولا سلاما خاليا عن اللغو والاثم، قال تعالى: " لا يسمعون فيها لغوا ولا تاثيما إلا قيلا سلاما سلاما " الواقعة: 26، ويرجع إلى عدم مقابلتهم الجهل بالجهل.
________________________________________
[ 240 ]
وهذه - كما قيل - صفة نهارهم إذا انتشروا في الناس وأما صفة ليلهم فهي التي تصفها الآية التالية. قوله تعالى: " والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما " البيتوتة إدراك الليل سواء نام أم لا، و " لربهم " متعلق بقوله: " سجدا " والسجدو القيام جمعا ساجد وقائم، والمراد عبادتهم له تعالى بالخرور على الارض والقيام على السوق، ومن مصاديقه الصلاة. والمعنى: وهم الذين يدركون الليل حال كونهم ساجدين فيه لربهم وقائمين يتراوحون سجودا وقياما، ويمكن أن يراد به التهجد بنوافل الليل. قوله تعالى: " والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما " الغرام ما ينوب الانسان من شدة أو مصيبة فيلزمه لا يفارقه والباقي ظاهر. قوله تعالى: " إنها ساءت مستقرا ومقاما " الضمير لجهنم والمستقر والمقام إسما مكان من الاستقرار والاقامة، والباقي ظاهر. قوله تعالى: " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما "، الانفاق بذل المال وصرفه في رفع حوائج نفسه أو غيره، والاسراف الخروج عن الحد ولا يكون إلا في جانب الزيادة، وهو في الانفاق التعدي عما ينبغي الوقوف عليه في بذل المال، والقتر بالفتح فالسكون التقليل في الانفاق وهو بإزاء الاسراف على ما ذكره الراغب، والقتر والاقتار والتقتير بمعنى. والقوام بالفتح الواسط العدل، وبالكسر ما يقوم به الشئ وقوله: " بين ذلك " متعلق بالقوام، والمعنى: وكان إنفاقهم وسطا عدلا بين ما ذكر من الاسراف والقتر فقوله: " وكان بين ذلك قواما " تنصيص على ما يستفاد من قوله: " إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا "، فصدر الآية ينفي طرفي الافراط والتفريط في الانفاق، وذيلها يثبت الوسط. قوله تعالى: " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر " إلى آخر الآية هذا هو الشرك وأصول الوثنية لا تجيز دعاءه تعالى وعبادته أصلا لا وحده ولا مع آلهتهم وإنما توجب دعاء آلهتهم وعبادتهم ليقربوهم إلى الله زلفى ويشفعوا لهم عنده.
________________________________________
[ 241 ]
فالمراد بدعائهم مع الله إلها آخر إما التلويح إلى أنه تعالى إله مدعو بالفطرة على كل حال فدعاء غيره دعاء لاله آخر معه وإن لم يذكر الله. أو أنه تعالى ثابت في نفسه سواء دعي غيره أم لا فالمراد بدعاء غيره دعاء إله آخر مع وجوده وبعبارة أخرى تعديه إلى غيره. أو إشارة إلى ما كان يفعله جهلة مشركي العرب فإنهم كانوا يرون أن دعاء آلهتهم إنما ينفعهم في البر وأما البحر فإنه لله لا يشاركه فيه أحد فالمراد دعاؤه تعالى في مورد كما عند شدائد البحر من طوفان ونحوه ودعاء غيره معه في مورد وهو البر، وأحسن الوجوه أوسطها. و قوله: " ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق " أي لا يقتلون النفس الانسانية التي حرم الله قتلها في حال من الاحوال إلا حال تلبس القتل بالحق كقتلها قصاصا وحدا. وقوله تعالى: " ولا يزنون " أي لا يطؤون الفرج الحرام وقد كان شائعا بين العرب في الجاهلية، وكان الاسلام معروفا بتحريم الزنا والخمر من أول ما ظهرت دعوته. وقوله: " ومن يفعل ذلك يلق أثاما " الاشارة بذلك إلى ما تقدم ذكره وهو الشرك وقتل النفس المحترمة بغير حق والزنا، والاثام الاثم وهو وبال الخطيئة وهو الجزاء بالعذاب الذي سيلقاه يوم القيامة المذكور في الآية التالية. قوله تعالى: " يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا " بيان للقاء الاثام، وقوله: " ويخلد فيه مهانا " أي يخلد في العذاب وقد وقعت عليه الاهانة. والخلود في العذاب في الشرك لا ريب فيه، وأما الخلود فيه عند قتل النفس المحترمة والزنا وهما من الكبائر وقد صرح القرآن بذلك فيهما وكذا في أكل الربا فيمكن أن يحمل على اقتضاء طبع المعصية ذلك كما ربما استفيد من ظاهر قوله: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ".
________________________________________
[ 242 ]
أو يحمل الخلود على المكث الطويل أعم من المنقطع والمؤبد أو يحمل قوله: " ومن يفعل ذلك " على فعل جميع الثلاثة لان الآيات في الحقيقة تنزه المؤمنين عما كان الكفار مبتلين به وهو الجميع دون البعض. قوله تعالى: " إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما " استثناء من لقى الاثام والخلود فيه، وقد أخذ في المستثنى التوبة والايمان وإتيان العمل الصالح، أما التوبة وهي الرجوع عن المعصية وأقل مراتبها الندم فلو لم يتحقق لم ينتزع العبد عن المعصية ولم يزل مقيما عليها، وأما إتيان العمل الصالح فهو مما تستقر به التوبة وبه تكون نصوحا. وأما أخذ الايمان فيدل على أن الاستثناء إنما هو من الشرك فتختص الآية بمن أشرك وقتل وزنا أو بمن أشرك سواء أتى معه بشئ من القتل المذكور والزنا أو لم يأت، وأما من أتى بشئ من القتل والزنا من غير شرك فالمتكفل لبيان حكم توبته الآية التالية. وقوله: " فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات " تفريع على التوبة والايمان والعمل الصالح يصف ما يترتب على ذلك من جميل الاثر وهو أن الله يبدل سيئاتهم حسنات. وقد قيل في معنى ذلك أن الله يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة ويثبت مكانها لو احق طاعاتهم فيبدل الكفر إيمانا والقتل بغير حق جهادا وقتلا بالحق والزنا عفة وإحصانا. وقيل: المراد بالسيئات والحسنات ملكاتهما لا نفسهما فيبدل ملكة السيئة ملكة الحسنة. وقيل: المراد بهما العقاب والثواب عليهما لا نفسهما فيبدل عقاب القتل والزنا مثلا ثواب القتل بالحق والاحصان. وأنت خبير بأن هذه الوجوه من صرف الكلام عن ظاهره بغير دليل يدل عليه. والذي يفيد ظاهر قوله: " يبدل الله سيئاتهم حسنات " وقد ذيله بقوله: " وكان الله غفورا رحيما " أن كل سيئة منهم نفسها تتبدل حسنة، وليست السيئة هي متن
________________________________________
[ 243 ]
الفعل الصادر من فاعله وهو حركات خاصة مشتركة بين السيئة والحسنة كعمل المواقعة مثلا المشترك بين الزنا والنكاح، والاكل المشترك بين أكل المال غصبا وبإذن من مالكه بل صفة الفعل من حيث موافقته لامر الله ومخالفته له مثلا من حيث إنه يتأثر به الانسان ويحفظ عليه دون الفعل الذي هو مجموع حركات متصرمة متقضية فانية وكذا عنوانه القائم به الفاني بفنائه. وهذه الآثار السيئة التي يتبعها العقاب أعني السيئات لازمة للانسان حتى يؤخذ بها يوم تبلى السرائر. ولو لا شوب من الشقوة والمساءة فالذات لم يصدر عنها عمل سئ إذ الذات السعيدة الطاهرة من كل وجه لا يصدر عنها سيئة قذرة فالاعمال السيئة إنما تلحق ذاتا شقية خبيثة بذاتها أو ذاتا فيها شوب من شقاء خباثة. ولازم ذلك إذا تطهرت بالتوبة وطابت بالايمان والعمل الصالح فتبدلت ذاتا سعيدة ما فيها شوب من قذارة الشقاء أن تتبدل آثارها اللازمة التي كانت سيئات قبل ذلك فتناسب الآثار للذات بمغفرة من الله ورحمة وكان الله غفورا رحيما. وإلى مثل هذا يمكن أن تكون الاشارة بقوله: " فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ". قوله تعالى: " ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا " المتاب مصدر ميمي للتوبة، وسياق الآية يعطي أنها مسوقة لرفع استغراب تبدل السيئات حسنات بتعظيم أمر التوبة وأنها رجوع خاص إلى الله سبحانه فلا بدع في أن يبدل السيئات حسنات وهو الله يفعل ما يشاء. وفي الآية مع ذلك شمول للتوبة من جميع المعاصي سواء قارنت الشرك أم فارقته، والآية السابقة كما تقدمت الاشارة إليه - كانت خفية الدلالة إلى حال المعاصي إذا تجردت من الشرك. قوله تعالى: " والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما " قال في مجمع البيان: أصل الزور تمويه الباطل بما يوهم أنه حق. انتهى. فيشمل الكذب وكل
________________________________________
[ 244 ]
لهو باطل كالغناء والفحش والخناء بوجه، وقال أيضا: يقال: تكرم فلا عما يشينه إذا تنزه وأكرم نفسه منه انتهى. فقوله: " والذين لا يشهدون الزور " إن كان المراد بالزور الكذب فهو قائم مقام المفعول المطلق والتقدير لا يشهدون شهادة الزور، وإن كان المراد اللهو الباطل كالغناء ونحوه كان مفعولا به والمعنى لا يحضرون مجالس الباطل، وذيل الآية يناسب ثاني المعنيين. وقوله: " وإذا مروا باللغو مروا كراما " اللغو ما لا يعتد به من الافعال والاقوال لعدم اشتماله على غرض عقلائي ويعم - كما قيل - جميع المعاصي، والمراد بالمرور باللغو المرور بأهل اللغو وهم مشتغلون به. والمعنى: وإذا مروا بأهل اللغو وهم يلغون مروا معرضين عنهم منزهين أنفسهم عن الدخول فيهم والاختلاط بهم ومجالستهم. قوله تعالى: " والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا " الخرور على الارض السقوط عليها وكأنها في الآية كناية لزوم الشئ والانكباب عليه. والمعنى: والذين إذا ذكروا بآيات ربهم من حكمة أو موعظة حسنة من قرآن أو وحى لم يسقطوا عليه وهم صم لا يسمعون وعميان لا يبصرون بل تفكروا فيها وتعقلوها فأخذ وا بها عن بصيرة فآمنوا بحكمتها واتعظوا بموعظتها وكانوا على بصيرة من أمر هم وبينه من ربهم. قوله تعالى: " والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما " قال الراغب في المفردات: قرت عينه تقر سرت قال، تعالى: " كى تقر عينها " وقيل لمن يسر به قرة عين قال: " قرة عين لي ولك " وقوله تعالى: " هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين " قيل: أصله من القرأي البرد فقرت عينه قيل: معناه بردت فصحت، وقيل: بل لان للسرور دمعة باردة قارة ولحزن دمعة حارة ولذلك يقال فيمن يدعي عليه: أسخن الله عينه، وقيل: هو من القرار والمعنى أعطاه الله ما يسكن به عينه فلا تطمح إلى غيره انتهى.
________________________________________
[ 245 ]
ومرادهم بكون أزواجهم وذرياتهم قرة أعين لهم أن يسروهم بطاعة الله والتجنب عن معصيته فلا حاجة لهم في غير ذلك ولا إربة وهم أهل حق لا يتبعون الهوى. وقوله: " واجعلنا للمتقين إماما " أي متسابقين إلى الخيرات سابقين إلى رحمتك فيتبعنا غيرنا من المتقين كما قال تعالى: " فاستبقوا الخيرات " البقرة: 148، وقال: " سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة " الحديد: 21، وقال: " والسابقون السابقون أولئك المقربون " الواقعة: 11. وكأن المراد أن يكونوا صفا واحدا متقدما على غيرهم من المتقين ولذا جئ بالامام بلفظ الافراد. وقال بعضهم: إن الامام مما يطلق على الواحد والجمع، وقيل: إن إمام جمع آم بمعنى القاصد كصيام جمع صائم، والمعنى: اجعلنا قاصدين للمتقين متقيدين بهم، وفي قراءة أهل البيت " واجعل لنا من المتقين إماما ". قوله تعالى: " اولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما " الغرفة - كما قيل - البناء فوق البناء فهو الدرجة العالية من البيت، وهي كناية عن الدرجة العالية في الجنة، والمراد بالصبر الصبر على طاعة الله وعن معصيته فهذان القسمان من الصبر هما المذكوران في الآيات السابقة لكن لا ينفك ذلك عن الصبر عند النوائب والشدائد. والمعنى: اولئك الموصوفون بما وصفوا يجزون الدرجة الرفيعة من الجنة يلقون فيها أي يتلقاهم الملائكة بالتحية وهو ما يقدم للانسان مما يسره وبالسلام وهو كل ما ليس فيه ما يخافه ويحذره، وفي تنكير التحية والسلام دلالة على التفخيم والتعظيم، والباقي ظاهر. قوله تعالى: " قل ما يعبؤبكم ربي لو لا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما " قال في المفردات: ما عبأت به أي لم أبال به، وأصله من العب ء أي الثقل كأنه قال: ما أرى له وزنا وقدرا، قال تعالى: " قل ما يعبؤبكم ربي لو لا دعاؤكم " وقيل: من عبأت الطيب كأنه قيل: ما يبقيكم لو لا دعاؤكم. انتهى. قيل: " دعاؤكم من إضافة المصدر إلى المفعول وفاعله ضمير راجع إلى " ربي "
________________________________________
[ 246 ]
وعلى هذا فقوله: " فقد كذبتم " من تفريع السبب على المسبب بمعنى انكشافه بمسببه، وقوله: " فسوف يكون لزاما " أي سوف يكون تكذيبكم ملازما لكم أشد الملازمة فتجزون بشقاء لازم وعذاب دائم. والمعنى: قل لا قدر ولا منزلة لكم عند ربي فوجودكم وعدمكم عنده سواء لانكم كذبتم فلا خير يرجي فيكم فسوف يكون هذا التكذيب ملازما لكم أشد الملازمة، إلا أن الله يدعوكم ليتم الحجة عليكم أو يدعوكم لعلكم ترجعون عن تكذيبكم. وهذا معنى حسن. وقيل: " دعاؤكم " من إضافة المصدر إلى الفاعل، والمراد به عبادتهم لله سبحانه والمعنى: ما يبالي بكم ربي أو ما يبقيكم ربي لو لا عبادتكم له. وفيه أن هذا المعنى لا يلائم تفرع قوله: " فقد كذبتم " عليه وكان عليه من حق الكلام أن يقال: وقد كذبتم ! على أن المصدر المضاف إلى فاعله يدل على تحقق الفعل منه وتلبسه به وهم غير متلبسين بدعائه وعبادته تعالى فكان من حق الكلام على هذا التقدير أن يقال لو لا أن تدعوه فافهم. والآية خاتمة السورة وتنعطف إلى غرض السورة ومحصل القول فيه وهو الكلام على اعتراض المشركين على الرسول وعلى القرآن النازل عليه وتكذيبهما. (بحث روائي) في المجمع في قوله تعالى: " الذين يمشون على الارض هونا " قال أبو عبد الله عليه السلام: هو الرجل يمشي بسجيته التي جبل عليها لا يتكلف ولا يتبختر. وفي الدر المنثور أخرج عبد بن حميد عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: " إن عذابها كان غراما " قال: الدائم. وفي تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: " إن عذابها كان غراما " يقول: ملازما لا ينفك. وقوله عزوجل: " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا " الاسراف الانفاق في المعصية في غير حق " ولم يقتروا " لم يبخلوا
________________________________________
[ 247 ]
في حق الله عزوجل " وكان بين ذلك قواما " القوام العدل والانفاق فيما أمر الله به. وفي الكافي: أحمد بن محمد بن علي عن محمد بن سنان عن أبي الحسن عليه السلام في قول الله عزوجل: " وكان بين ذلك قواما " قال: القوام هو المعروف على الموسع قدره وعلى المقتر قدره على قدر عياله ومؤنتهم التي هي صلاح له ولهم لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها. وفي المجمع روي عن معاذ أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه السلام عن ذلك فقال: من أعطى في غير حق فقد أسرف، ومن منع من حق فقد قتر. أقول: والاخبار في هذه المعاني كثيرة جدا. وفي الدر المنثور أخرج الفاريابي وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الايمان عن ابن مسعود قال: سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي الذنب أكبر ؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قلت: ثم أي ؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قلت: ثم أي ؟ قال: أن تزاني حليلة جارك فأنزل الله تصديق ذلك " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ". أقول: لعل المراد الانطباق دون سبب النزول. وفيه أخرج عبد بن حميد عن علي بن الحسين " يبدل الله سيئاتهم حسنات " قال: في الآخرة، وقال الحسن: في الدنيا. وفيه أخرج أحمد وهناد ومسلم والترمذي وابن جرير والبيهقي في الاسماء والصفات عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه فتعرض عليه صغارها وينحى عنه كبارها فيقال: عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا وهو مقر ليس ينكر وهو مشفق من الكبار أن تجئ فيقال: أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة. أقول: هو من أخبارت بديل السيئات حسنات يوم القيامة وهي كثيرة مستفيضة من طرق أهل السنة والشيعة مروية عن النبي والباقر والصادق والرضا عليه وعليهم الصلاة والسلام.
________________________________________
[ 248 ]
وفي روضة الواعظين قال ص: ما جلس قوم يذكرون الله إلا نادى بهم مناد من السماء قوموا فقد بدل الله سيئاتكم حسنات وغفر لكم جميعا. وفي الكافي بإسناده عن أبي الصباح عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزوجل: " لا يشهدون الزور " قال: الغناء. أقول: وفي المجمع أنه مروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام ورواه القمي مسندا ومرسلا. وفي العيون بإسناده إلى محمد بن أبي عباد وكان مشتهرا بالسماع ويشرب النبيذ قال: سألت الرضا علليه السلام عن السماع فقال: لاهل الحجاز رأى فيه وهو في حيز الباطل واللهو أما سمعت الله عزوجل يقول: " وأذا مروا باللغو مروا كراما ". وفي روضة الكافي بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل: " والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا " قال: مستبصرين ليسوا بشكاك. وفي جوامع الجامع عن الصادق عليه السلام في قوله: " واجعلنا للمتقين إماما " قال: إيانا عني. أقول: وهناك عدة روايات في هذا المعنى وأخرى تتضمن قراءتهم عليهم السلام: " واجعلنا من المتقين إماما ". وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر في قوله: " أولئك يجزون الغرفة بما صبروا " قال: على الفقر في الدنيا. وفي المجمع روى العياشي بإسناده عن بريد بن معاوية العجلي قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: كثرة القراءة أفضل أو كثرة الدعاء ؟ قال: كثرة الدعاء أفضل وقرأ هذه الآية. أقول: وفي انطباق الآية على ما في الرواية إبهام. وفي تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عزوجل: " قل ما يعبؤبكم ربي لو لا دعاؤكم " يقول: ما يفعل ربي بكم فقد كذبتم فسوف يكون الزاما.
________________________________________
[ 249 ]
(سورة الشعراء مكية، وهي مائتان وسبع وعشرون آية) بسم الله الرحمن الرحيم. طسم - 1. تلك آيات الكتاب المبين - 2. لك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين - 3. إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين - 4. وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنها معرضين - 5. فقد كذبوا فسيأتيهم أنبؤ ما كانوا به يستهزؤن - 6. أو لم يروا إلى الارض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم - 7. إن في ذلك الآية وما كان أكثرهم مؤمنين - 8. وإن ربك لهو العزيز الرحيم - 9. (بيان) غرض السورة تسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبال ما كذبه قومه وكذبوا بكتابه النازل عليه من ربه - على ما يلوح إليه صدر السورة: تلك آيات الكتاب المبين - وقد رموه تارة بأنه مجنون وأخرى بأنه شاعر، وفيها تهديدهم مشفعا ذلك بإيراد قصص جمع من الانبياء وهم موسى وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ع وما انتهت إليه عاقبة تكذيبهم لتتسلى به نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يحزن بتكذيب أكثر قومه وليعتبر المكذبون.
________________________________________
[ 250 ]
والسورة من عتائق السورة المكية وأوائلها نزولا واشتملت على قوله تعالى: " وأنذر عشيرتك الاقربين ". وربما أمكن أن يستفاد من وقوع هذه الآية في هذه السورة ووقوع قوله: " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين " في سورة الحجر وقياس مضمونيهما كل مع الاخرى أن هذه السورة أقدم نزولا من سورة الحجر وظاهر سياق آيات السورة أنها جميعا مكية واستثنى بعضهم الآيات الخمس التي في آخرها، وبعض آخر قوله: " أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل " وسيجئ الكلام فيهما. قوله تعالى: " طسم تلك آيات الكتاب المبين " الاشارة بتلك إلى آيات الكتاب مما سينزل بنزول السورة ومنزل قبل، وتخصيصها بالاشارة البعيدة للدلالة على علو قدرها ورفعة مكانتها، والمبين من أبان بمعنى ظهر وانجلى. والمعنى: تلك الآيات العالية قدرا الرفيعة مكانا آيات الكتاب الظاهر الجلي كونه من عند الله سبحانه بما فيه من سمة الاعجاز وإن كذب به هؤلاء المشركون المعاندون ورموه تارة بأنه من إلقاء شياطين الجن وأخرى بأنه من الشعر. قوله تعالى: " لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين " البخوع هو إهلاك النفس عن وجد، وقوله: " ألا يكونوا مؤمنين " تعليل للبخوع، والمعنى: يرجي منك أن تهلك نفسك بسبب عدم إيمانهم بآيات هذا الكتاب النازل عليك. والكلام مسوق سوق الانكار والغرض منه تسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قوله تعالى: " إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين " تعلق المشية محذوف لدلالة الجزاء عليه، وقولة " فظلت " الخ، ظل فعل ناقص اسمه " أعناقهم " وخبره " خاضعين " ونسب الخضوع إلى أعناقهم وهو وصفهم أنفسهم لان الخضوع أول ما يظهر في عنق الانسان حيث يطأطئ رأسه تخضعافهو من المجاز العقلي. والمعنى: إن نشأ أن ننزل عليهم آية تخضعهم وتلجئهم إلى القبول وتضطرهم إلى الايمان ننزل عليهم آية كذلك فظلوا خاضعين لها خضوعا بينا بانحناء أعناقهم. وقيل: المراد بالاعناق الجماعات وقيل: الرؤساء والمقدمون منهم، وقيل:


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page