• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 326الي 350


[ 326 ]
ومنها: أن الحرام بمعنى الواجب أي واجب على قريه أهلكناها أنهم لا يرجعون واستدل على إتيان الحرام بمعنى الواجب بقول الخنساء: وإن حراما لا أرى الدهر باكيا * * على شجوة إلا بكيت على صخر. ومنها: أن متعلق الحرمة محذوف والتقدير حرام على قرية أهلكناها بالذنوب أي وجدناها هالكة بها أن يتقبل منهم عمل لانهم لا يرجعون إلى التوبة. ومنها: أن المراد بعدم الرجوع عدم الرجوع إلى الله سبحانه بالبعث لا عدم الرجوع إلى الدنيا والمعنى - على استقامة اللفظ - وممتنع على قرية أهلكناها بطغيان أهلها أن لا يرجعوا إلينا للمجازاه وأنت خبير بما في كل من هذه الوجوه من الضعف. قوله تعالى: " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون " الحدب بفتحتين الارتفاع من الارض بين الانخفاض، والنسول الخروج بإسراع ومنه نسلان الذئب والسياق يقتضى أن يكون قوله: حتى إذا فتحت " الخ. غاية. للتفصيل المذكور في قوله: " فمن يعمل من الصالحات " إلى آخر الايتين، وأن يكون ضمير الجمع راجعا إلى يأجوج ومأجوج. والمعنى: لا يزال الامر يجرى هذا المجرى نكتب الاعمال الصالحة للمؤمنين ونشكر سعيهم ونهلك القرى الظالمة ونحرم رجوعهم بعد الهلاك إلى الزمان الذي يفتح فيه يأجوج ومأجوج أي سدهم أو طريقهم المسدود وهم أي يأجوج ومأجوج يخرجون إلى سائر الناس من ارتفاعات الارض مسرعين نحوهم وهو من أشراط الساعة وأمارات القيامة كما يشير إليه بقوله: " فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا " الكهف: 99 وقد استوفينا الكلام في معنى يأجوج ومأجوج والسد المضروب دونهم في تفسير سورة الكهف. وقيل: ضمير الجمع للناس والمراد خروجهم من قبورهم إلى أرض المحشر. وفيه أن سياق ما قبل الجملة " حتى إذا فتحت " إلخ. وما بعدها " واقترب الوعد الحق " لا يناسب هذا المعنى، وكذا نفس الجملة من جهة كونها حالا. على أن النسول من كل حدب - وقد اشتملت عليه الجملة - لا يصدق على الخروج من القبور
________________________________________
[ 327 ]
ولذا قرء صاحب هذا القول وهو مجاهد الجدث بالجيم والثاء المثلثة وهو القبر. قوله تعالى: وأقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا " الخ. المراد بالوعد الحق الساعة، وشخوص البصر نظره بحيث لا تطرف أجفانه، كذا ذكره الراغب وهو لازم كمال اهتمام الناظر بما ينظر إليه بحيث لا يشتغل بغيره ويكون غالبا في الشر الذي يظهر للانسان بغتة. وقوله: " يا ويلنا إنا كنا في غفلة من هذا " حكاية قول الكفار إذا شاهدوا الساعة بغتة فدعوا لانفسهم بالويل مدعين أنهم غفلوا عما يشاهدونه كأنهم أغفلوا اغفالا ثم أضربوا عن ذلك بالاعتراف بأن الغفلة لم تنشأ إلا عن ظلمهم بالاشتغال بما ينسي الاخرة ويغفل عنها من أمور الدنيا فقالوا: " بل كنا ظالمين ". قوله تعالى: " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون " الحصب الوقود، وقيل: الحطب، وقيل " أصله ما يرمى في النار فيكون أعم. والمراد بقوله: " وما تعبدون من دون الله " ولم يقل: ومن تعبدون - مع تعبيره تعالى عن الاصنام في أغلب كلامه بألفاظ تختص بأولى العقل كما في قوله بعد: " ما وردوها " - الاصنام والتماثيل التى كانوا يعبدونها دون المعبودين من الانبياء والصلحاء والملائكة كما قيل ويدل على ذلك قوله بعد. " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى " الخ. والظاهر أن هذه الايات من خطابات يوم القيامة للكفار وفيها القضاء بدخولهم في النار وخلودهم فيها لا أنها إخبار في الدنيا بما سيجري عليهم في الاخرة واستدلال على بطلان عبادة الاصنام واتخاذهم آلهة من دون الله. وقوله: " أنتم لها واردون " اللام لتأكيد التعدي أو بمعنى إلى، وظاهر السياق أن الخطاب شامل للكفار والالهة جميعا أي أنتم وآلهتكم تردون جهنم أو تردون إليها. قوله تعالى: " لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون " تفريع وإظهار لحقيقة حال الالهة التي كانوا يعبدونها لتكون لهم شفعاء وقوله: " وكل فيها خالدون أي كل منكم ومن الالهة.
________________________________________
[ 328 ]
قوله تعالى: " لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون " الزفير هو الصوت برد النفس إلى داخل ولذا فسر بصوت الحمار، وكونهم لا يسمعون جزاء عدم سمعهم في الدنيا كلمة الحق كما أنهم لا يبصرون جزاء لاعراضهم عن النظر في آيات الله في الدنيا. وفي الاية عدول عن خطاب الكفار إلى خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إعراضا عن خطابهم ليبين سوء حالهم لغيرهم، وعليه فضمائر الجمع للكفار خاصة لا لهم وللالهة معا. قوله تعالى: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " الحسنى مؤنث أحسن وهي وصف قائم مقام موصوفه والتقدير العدة أو الموعدة الحسنى بالنجاة أو بالجنة والمودعدة بكل منهما وارد في كلامه تعالى قال: " ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا " مريم: 72، وقال: " وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات " التوبة، 72. قوله تعالى: " لا يسمعون حسيسها - إلى قوله - توعدون " الحسيس الصوت الذي يحس به، والفزع الاكبر الخوف الاعظم وقد أخبر سبحانه عن وقوعه في نفخ الصور حيث قال: " ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الارض " النمل: 87. وقوله:، وتتلقاهم الملائكة " أي بالبشرى وهي قولهم: " هذا يومكم الذي كنتم توعدون ". قوله تعالى: " يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده إلى آخر الاية، قال في المفردات، والسجل قيل: حجر كان يكتب فيه ثم سمي كل ما يكتب فبه سجلا قال تعالى: " كطي السجل للكتب " أي كطيه لما كتب فيه حفظا له، انتهى. وهذا أوضح معنى قيل في معنى هذه الكلمة وأبسطه. وعلى هذا فقوله: للكتب " مفعول طي كما أن السجل فاعله والمراد أن السجل وهو الصحيفة المكتوب فيها الكتاب إذا طوي انطوي بطيه الكتاب وهو الالفاظ أو المعاني التي لها نوع تحقق وثبوت في السجل بتوسط الخطوط والنقوش فغاب الكتاب بذلك ولم يظهر منه عين ولا أثر كذلك السماء تنطوي بالقدرة بالقدرة الالهية كما قال: " والسماوات مطويات بيمينه " الزمر: 67 فتغيب عن غيره ولا يظهر منها عين ولا أثر غير أنها لا تغيب عن عالم الغيب وإن غاب عن غيره كما لا يغيب الكتاب عن السجل
________________________________________
[ 329 ]
وإن غاب عن غيره. فطي السماء علي هذا رجوعها إلى خزائن الغيب بعد ما نزلت منها وقدرت كما قال تعالى: " وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم: الحجر: 21 وقال مطلقا: " وإلى الله المصير " آل عمران: 28 وقال: إن إلى ربك الرجعى " العلق: 8. ولعله بالنظر إلى هذا المعنى قيل: إن قوله: " كما بدأنا أول خلق نعيده " ناظر إلى رجوع كل شئ إلى حاله التى كان عليها حين ابتدئ خلقه وهي أنه لم يكن شيئا مذكورا كما قال تعالى وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا: مريم: 9، وقال: " هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا: الدهر: 1. وهذا معنى ما نسب إلى ابن عباس أن معنى الاية يهلك كل شئ كما كان أول مرة وهو وإن كان مناسبا للاتصال بقوله يوم نطوى السماء " الخ. ليقع في مقام التعليل له لكن الاغلب على سياق الايات السابقة بيان الاعادة بمعنى إرجاع الاشياء بعد فنائها لا الاعادة بمعنى إفناء الاشياء وإرجاعها إلى حالها قبل ظهورها بالوجود. فظاهر سياق الايات أن المراد نبعث الخلق كما بدأناه فالكاف في قوله: " كما بدأنا أول خلق نعيده " للتشبيه و " ما " مصدرية و " أول خلق " مفعول " بدأنا " والمراد أنا نعيد الخلق كابتدائه في السهولة من غير أن يعز علينا. وقوله:: " وعدا علينا إنا كنا فاعلين أي وعدناه وعدا الزمنا ذلك ووجب علينا الوفاء به وإنا كنا فاعلين لما وعدنا وسنتنا ذلك. قوله تعالى: " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الارض يرثها عبادي الصالحون " الظاهر أن المراد بالزبور كتاب داود عليه السلام وقد سمي بهذا الاسم في قوله: وآتينا داود زبورا " النساء: 163، أسرى: 55، وقيل: المراد به القرآن، وقيل: مطلق الكتب المنزلة على الانبياء أو على الانبياء بعد موسى ولا دليل على شئ من ذلك. والمراد بالذكر قيل: " هو التوراة وقد سماها الله به في موضعين من هذه السورة وهما قوله: " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " الاية 7 وقوله: " وذكرا للمتقين " الاية: 48 منها، وقيل هو القرآن وقد سماه الله ذكرا في مواضع من كلامه وكون
________________________________________
[ 330 ]
الزبور بعد الذكر على هذا القول بعدية رتبية لا زمانية وقيل: هو اللوح المحفوظ وهو كما ترى. وقوله: " أن الارض يرثها عبادي الصالحون الوراثة والارث على ما ذكره الراغب انتقال قنية إليك من غير معاملة. والمراد من وراثة الارض انتقال التسلط على منافعها إليهم واستقرار بركات الحياة بها فيهم، وهذه البركات أما دنيوية راجعة إلى الحياة الدنيا كالتمتع الصالح بأمتعتها وزيناتها فيكون مؤدي الاية أن الارض ستتطهر من الشرك والمعصية ويسكنها مجتمع بشري صالح يعبدون الله ولا يشركون به شيئا كما يشير إليه قوله تعالى: " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض - إلى قوله - يعبدونني لا يشركون بي شيئا: النور: 55. وإما أخروية وهى مقامات القرب التي اكتسبوها في حياتهم الدنيا فإنها من بركات الحياة الارضية وهي نعيم الاخرة كما يشير إليه قوله تعالى حكاية عن أهل الجنة: " وقالوا الحمد لله الذي أورثنا الارض نتبوء من الجنة حيث نشاء الزمر: 74، وقوله: " أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس " المؤمنون: 11. ومن هنا يظهر أن الاية مطلقة ولا موجب لتخصيصها بإحدى الوراثتين كما فعلوه فهم بين من يخصها بالوراثة الاخروية تمسكا بما يناسبها من الايات، وربما استدلوا لتعينه بأن الاية السابقة تذكر الاعادة ولا أرض بعد الاعادة حتى يرثها الصالحون، ويرده أن كون الاية معطوفة على سابقتها غير متعين فمن الممكن أن تكون معطوفة على قوله السابق: " فمن يعمل من الصالحات " كما سنشير إليه. وبين من يخصها بالوراثة الدنيوية ويحملها على زمان ظهور الاسلام أو ظهور المهدي عليه السلام الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الاخبار المتواترة المروية من طرق الفريقين، و يتمسك لذلك بالايات المناسبة له التي أومأنا إلى بعضها. وبالجملة الاية مطلقه تعم الوراثتين جميعا غير أن الذى تقتضيه الاعتبار بالسياق أن تكون معطوفة على قوله السابق فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن الخ.
________________________________________
[ 331 ]
المشير إلى تفصيل حال المختلفين في أمر الدين من حيث الجزاء الاخروي وتكون هذه الاية مشيرة إلى تفصيلها من حيث الجزاء الدنيوي ويكون المحصل أنا أمرناهم بدين واحد لكنهم تقطعوا واختلفوا فاختلف مجازاتنا لهم أما في الاخرة فللمؤمنين سعي مشكور وعمل مكتوب وللكافرين خلاف ذلك، وأما في الدنيا فللصالحين وراثة الارض بخلاف غيرهم. قوله تعالى: " إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين " البلاغ هو الكفاية، وأيضا ما به بلوغ البغية، وأيضا نفس البلوغ، ومعنى الاية مستقيم على كل من المعاني الثلاثة، والاشاره بهذا إلى ما بين في السورة من المعارف. والمعنى: أن فيما بيناه في السورة - أن الرب واحد لا رب غيره يجب أن يعبد من طريق النبوة ويستعد بذلك ليوم الحساب، وأن جزاء المؤمنين كذا وكذا وجزاء الكافرين كيت وكيت - كفاية لقوم عابدين إن أخذوه وعملوا به كفاهم وبلغوا بذلك بغيتهم. قوله تعالى: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " أي أنك رحمة مرسلة إلى الجماعات البشريه كلهم - والدليل عليه الجمع المحلى باللام - وذلك مقتضى عموم الرسالة. وهو صلى الله عليه وآله وسلم رحمة لاهل الدنيا من جهه إتيانه بدين في الاخذ به سعادة أهل الدنيا في دنياهم وأخراهم. وهو صلى الله عليه وآله وسلم رحمة لاهل الدنيا من حيث الاثار الحسنة التي سرت من قيامه بالدعوة الحقة في مجتمعاتهم مما يظهر ظهورا بالغا بقياس الحياة العامة البشرية اليوم إلى ما قبل بعثته صلى الله عليه وآله وسلم وتطبيق إحدى الحياتين على الاخرى. قوله تعالى: " قل إنما يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون " أي إن الذى يوحى إلى من الدين ليس إلا التوحيد وما يتفرع عليه وينحل إليه سواء كان عقيده أو حكما والدليل على هذا الذى ذكرنا ورود الحصر على الحصر وظهوره في الحصر الحقيقي. قوله تعالى " فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء الايذان - كما قيل - إفعال من الاذن وهو العلم بالاجازه في شئ وترخيصه ثم تجوز به عن مطلق العلم واشتق منه
________________________________________
[ 332 ]
الافعال وكثيرا ما يتضمن معنى التحذير والانذار. وقوله: " على سواء " الظاهر أنه حال من مفعول " آذنتكم " والمعنى فإن أعرضوا عن دعوتك وتولوا عن الاسلام لله بالتوحيد فقل: أعلمتكم أنكم على خطرها لكونكم مساوين في الاعلام أو في الخطر، وقيل: أعلمتكم بالحرب وهو بعيد في سورة مكية. قوله تعالى: " وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون " تتمة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم المأمور به. والمراد بقوله ما توعدون " ما يشير إليه قوله: " آذنتكم على سواء " من العذاب المهدد به أمر صلى الله عليه وآله وسلم أولا أن يعلمهم الخطر إن تولوا عن الاسلام، وثانيا أن ينفي عن نفسه العلم بقرب وقوعه وبعده ويعلله بقصر العلم بالجهر من قولهم - وهو طعنهم في الاسلام واستهزاؤهم علنا - وما يكتمون من ذلك في الله سبحانه فهو العالم بحقيقة الامر. ومنه يعلم أن منشأ توجه العذاب إليهم هو ما كانوا يطعنون به في الاسلام في الظاهر وما يبطنون من المكر كأنه قيل: إنهم يستحقون العذاب بإظهارهم القول في هذه الدعوة الالهية وإضمارهم المكر عليه فهددهم به لكن لما كنت لا تحيط بظاهر قولهم وباطن مكرهم ولا تقف على مقدار اقتضاء جرمهم العذاب من جهة قرب الاجل وبعده فأنف العلم بخصوصية قربة وبعده عن نفسك وارجع العلم بذلك إلى الله سبحانه وحده. وقد علم بذلك أن المراد بالجهر من القول ما أظهره المشركون من القول في الاسلام طعنا واستهزاء، وبما كانوا يكتمون ما أبطنوه عليه من المكر والخدعة. قوله تعالى: " وإن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين " من تتمة قول النبي صلى الله عليه وآله المأمور به وضمير " لعله " على ما قيل كناية عن غير مذكور ولعله راجع إلى الايذان المأمور به، والمعنى وما أدري لعل هذا الايذان الذي أمرت به أي مراده تعالى من أمره لى بإعلام الخطر امتحان لكم ليظهر به ما في باطنكم في أمر الدعوة فهو يريد به أن يمتحنكم و يمتعكم إلى حين وأجل استدراجا وإمهالا. قوله تعالى: " قال رب احكم بالحق و ربنا الرحمان المستعان على ما تصفون "
________________________________________
[ 333 ]
الضمير في " قال " للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والاية حكاية قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن دعوتهم إلى الحق وردهم له وتوليهم عنه فكأنه صلى الله عليه وآله وسلم لما دعاهم وبلغ إليهم ما أمر بتبليغه فأنكروا وشددوا فيه أعرض عنهم إلى ربه منيبا إليه وقال: " رب أحكم بالحق " وتقييد الحكم بالحق توضيحي لا احترازي فإن حكمه تعالى لا يكون إلا حقا فكأنه قيل: رب احكم بحكمك الحق والمراد ظهور الحق لمن كان وعلى من كان. ثم التفت صلى الله عليه وآله وسلم إليهم وقال: وربنا الرحمان المستعان على ما تصفون " وكأنه يشير به إلى سبب إعراضه عنهم ورجوعه إلى الله سبحانه وسؤاله أن يحكم بالحق فهو سبحانه ربه وربهم جميعا فله أن يحكم بين مربوبيه، وهو كثير الرحمة لا يخيب سائله المنيب إليه، وهو الذى يحكم لا معقب لحكمه وهو الذى يحق الحق ويبطل الباطل بكلماته فهو صلى الله عليه وآله وسلم في كلمته: " رب أحكم بالحق " راجع الذي هو ربه وربهم وسأله برحمته أن يحكم بالحق واستعان به على ما يصفونه من الباطل وهو نعتهم دينهم بما ليس فيه وطعنهم في الدين الحق بما هو برئ من ذلك. وقد ظهر بما تقدم بعض ما في مفردات الاية الكريمة من النكات كالالتفات من الخطاب إلى الغيبة في " قال " والتعبير عنه تعالى أولا بربي وثانيا بربنا وتوصيفه بالرحمان والمستعان إلى غير ذلك. (بحث روائي) وفي المجمع في قوله تعالى: " وحرام على قرية أهلكناها " الاية روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: كل قرية أهلكها الله بعذاب فانهم لا يرجعون. وفي تفسير القمى في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما نزلت هذه الاية يعنى قوله: " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " وجد منها أهل مكة وجدا شديدا فدخل عليهم عبد الله بن الزبعرى وكفار قريش يخوضون في هذه الاية، فقال ابن الزبعرى: أمحمد تكلم بهذه الاية ؟ فقالوا: نعم قال ابن الزبعرى: لئن اعترف بها لا خصمنه فجمع بينهما.
________________________________________
[ 334 ]
فقال: يا محمد أرأيت الاية التى قرأت آنفا فينا وفي آلهتنا خاصة أم الامم وآلهتهم ؟ فقال: بل فيكم وفي آلهتكم وفي الامم وفي آلهتهم إلا من استثنى الله فقال ابن الزبعرى: خصمتك والله ألست تثني على عيسى خيرا ؟ وقد عرفت أن النصارى يعبدون عيسى وأمه وأن طائفة من الناس يعبدون الملائكة أفليس هؤلاء مع الالهة في النار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا فضجت قريش وضحكوا قالت قريش: خصمك ابن الزبعرى. فقال رسول الله: قلتم الباطل أما قلت: إلا من استثنى الله وهو قوله تعالى: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ". أقول وقد روي الحديث أيضا من طرق أهل السنة لكن المتن في هذا الطريق أمتن مما ورد من طريقهم وأسلم وهو ما عن ابن عباس قال: لما نزلت: " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون " شق ذلك على أهل مكة وقالوا شتم الالهة فقال ابن الزبعرى: أنا أخصم لكم محمدا ادعوه لي فدعي فقال: يا محمد هذا شئ لالهتنا خاصة أم لكل من عبد من دون الله ؟ قال: بل لكل من عبد من دون الله فقال ابن الزبعرى: خصمت ورب هذه البنية يعنى الكعبة. ألست تزعم يا محمد أن عيسى عبد صالح وأن عزير عبد صالح وأن الملائكة صالحون ؟ قال: بلى قال: فهذه النصارى تعبد عيسى وهذه اليهود تعبد عزيرا وهذه بنو مليح تعبد الملائكة فضج أهل مكة وفرحوا. فنزلت: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى - عزير وعيسى والملائكة - أولئك عنها مبعدون: " ونزلت " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ". وفي هذا المتن أولا: ذكر اسم عزير والواقعة في أوائل البعثة بمكة ولم يذكر اسمه في شئ من السور المكية وإنما ذكر في سورة التوبة وهي من أواخر ما نزلت بالمدينة. وثانيا: قوله: " وهذه اليهود تعبد عزيرا " واليهود لا تعبد عزيرا وإنما قالوا عزير ابن الله تشريفا كما قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه. وثالثا: ما اشتمل عليه من نزول قوله: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " بعد اعتراف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعموم قوله: " إنكم وما تعبدون " لكل
________________________________________
[ 335 ]
معبود من دون الله، ونقض ابن الزبعرى ذلك بعيسى وعزير والملائكة وهذا من ورود البيان بعد وقت الحاجة وأشد تأييدا لوقوع التهمة. ورابعا: اشتماله على نزول قوله: ولما ضرب ابن مريم مثلا الاية في الواقعة ولا ارتباط لمضمونها بها أصلا. ونظيره ما شاع بينهم أن ابن الزبعرى اعترض بذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: يا غلام ما أجهلك بلغة قومك لاني قلت: وما تعبدون، وما لم يعقل، ولم أقل: ومن تعبدون. وفيه من الخلل ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: إنى قلت كذا ولم أقل كذا ومن الواجب أن يجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أن يتلفظ في آية قرآنية بمثل " قلت كذا ولم أقل كذا " ونقل عن الحافظ ابن حجر أن الحديث لا أصل له ولم يوجد في شئ من كتب الحديث لا مسند ولا غير مسند. ونظيره في الضعف ما ورد في حديث آخر يقص هذه القصة أن ابن الزبعرى قال: أأنت قلت ذلك ؟ قال: نعم قال: قد خصمتك ورب الكعبة أليس اليهود عبدوا عزيرا والنصارى عبدوا المسيح وبنو مليح عبدوا الملائكة ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك فأنزل الله: أن الذين سبقت لهم منا الحسنى " الحديث وذلك أن الحجة المنسوبة إليه صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث تنفع ابن الزبعرى أكثر مما تضره فإن الحجة كما تخرج عزيرا وعيسى والملائكة عن شمول الاية كذلك تخرج الالهة التي هي أصنام فإنها تشارك المذكورين في أنها لا خبر لها عن عبادة عابديها ولا رضى منها بذلك إذ لا شعور لها فتختص الاية بالشياطين ولا تشمل الاصنام وهو خلاف ما نسب إليه صلى الله عليه وآله وسلم من دعوى شمول الاية لالهتهم وتصديقه. ونظيره في الضعف ما في الدر المنثور عن البزار عن ابن عباس قال: نزلت هذه الاية " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون " ثم نسخها قوله: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون. ووجه الضعف ظاهر ولو كان هناك شئ فهو التخصيص.
________________________________________
[ 336 ]
وفي أمالي الصدوق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث: يا علي أنت وشيعتك على الحوض تسقون من أحببتم وتمنعون من كرهتم وأنتم الامنون يوم الفزع الاكبر في ظل العرش، يفزع الناس ولا تفزعون ويحزن الناس ولا تحزنون فيكم نزلت هذه الاية " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " وفيكم نزلت " لا يحزنهم الفزع الاكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ". أقول: معنى نزولها فيهم جريها فيهم أو دخولهم فيمن نزلت فيه وقد وردت روايات كثيرة في جماعة من المؤمنين عدوا ممن تجرى فيه الايتان وخاصة الثانية كمن قرء القرآن محتسبا وأم به قوما محتسبا، ورجل أذن محتسبا، ومملوك أدى حق الله وحق مواليه رواه في المجمع عن أبي سعيد الخدرى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمتحابين في الله والمدلجين في الظلم والمهاجرين روى في الدر المنثور الاول عن أبي الدرداء، والثانى عن أبي أمامة، والثالث عن الخدري جميعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد عد في أحاديث أئمه أهل البيت عليه السلام ممن تجري فيه الاية خلق كثير. وفي الدر المنثور أخرج عبد بن حميد عن على: في قوله: " كطي السجل " قال: ملك. أقول ورواه أيضا عن ابن أبي حاتم وابن عساكر عن الباقر عليه السلام في حديث. وفي تفسير القمى: وأما قوله: " يوم نطوي " السماء كطى السجل للكتب " قال: السجل اسم الملك الذي يطوي الكتب، ومعنى يطويها يفنيها فتتحول دخانا والارض نيرانا. وفي نهج البلاعة في وصف الاموات: استبدلوا بظهر الارض بطنا وبالسعة ضيقا، وبالاهل غربة وبالنور ظلمة، فجاؤها كما فارقوها حفاة عراة قد ظعنوا عنها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة والدار الباقية كما قال سبحانه: " كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا أنا كنا فاعلين. أقول: استشهاده عليه السلام بالاية يقبل الانطباق على كل من معنيى الاعاده أعني إعادة الخلق إلى ما بداوا منه وإعاده الخلق بمعنى إحيائهم بعد موتهم كما كانوا قبل موتهم، وقد تقدم المعنيان في بيان الاية.
________________________________________
[ 337 ]
وفي المجمع ويروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال تحشرون يوم القيامة حفاة عراة عزلا " كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين: ". أقول: وروى مثله في نور الثقلين عن كتاب الدوربستي بإسناده عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وآله وسلم. وفي تفسير القمى: " وقوله ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر " قال الكتب كلها ذكر " أن الارض يرثها عبادي الصالحون " قال: القائم واصحابه قال: والزبور فيه ملاحم والتحميد والتمجيد والدعاء. أقول: والروايات في المهدي عليه السلام وظهوره وملئه الارض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا من طرق العامة والخاصة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمه أهل البيت عليهم السلام بالغة حد التواتر: من أراد الوقوف عليها فليراجع مظانها من كتب العامة والخاصة. وفي الدر المنثور أخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا رحمة مهداة.
________________________________________
[ 338 ]
* * * سورة الحج مدنية وهي ثمان وسبعون آية بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعه شئ عظيم (1) - يوم ترونها تذهل كل مرضعه عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد (2). (بيان) السورة تخاطب المشركين بأصول الدين إنذارا وتخويفا كما كانوا يخاطبون في السور النازلة قبل الهجرة في سياق يشهد بأن لهم بعد شوكة وقوة، وتخاطب المؤمنين بمثل الصلاة ومسائل الحج وعمل الخير والاذن في القتال والجهاد في سياق يشهد بأن لهم مجتمعا ؟ ؟ حديث العهد بالانعقاد قائما على ساق لا يخلو من عدة وعدة وشوكة. ويتعين بذلك أن السورة مدنية نزلت بالمدينة ما بين هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغزوة بدر وغرضها بيان أصول الدين بيانا تفصيليا ينتفع بها المشرك والموحد وفروعها بيانا إجماليا ينتفع بها الموحدون من المؤمنين إذ لم يكن تفاصيل الاحكام الفرعية مشرعة يومئذ إلا مثل الصلاة والحج كما في السورة. ولكون دعوة المشركين إلى الاصول من طريق الانذار وكذا ندب المؤمنين إلى إجمال الفروع بلسان الامر بالتقوى بسط الكلام في وصف يوم القيامة وافتتح السورة بالزلزلة التي هي من أشراطها وبها خراب الارض واندكاك الجبال. قوله تعالى: " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم " الزلزلة والزلزال شدة الحركة على الحال الهائلة وكأنه مأخوذ بالاشتقاق الكبير من زل بمعنى زلق فكرر للمبالغة والاشارة إلى تكرر الزلة وهو شائع في نظائره مثل ذب وذبذب ودم ودمدم وكب وكبكب ودك ودكدك ورف ورفرف وغيرها.
________________________________________
[ 339 ]
الخطاب يشمل الناس جميعا من مؤمن وكافر وذكر وأنثى وحاضر وغائب وموجود بالفعل ومن سيوجد منهم، وذلك بجعل بعضهم من الحاضرين وصلة إلى خطاب الكل لاتحاد الجميع بالنوع. وهو أمر الناس أن يتقواربهم فيتقيه الكافر بالايمان والمؤمن بالتجنب عن مخالفة أوامره ونواهيه في الفروع، وقد علل الامر بعظم زلزلة الساعة فهو دعوة من طريق الانذار. وإضافة الزلزلة إلى الساعة لكونها من أشراطها وأماراتها، وقيل: المراد بزلزلة الساعة شدتها وهو لها، ولا يخلو من بعد من جهة اللفظ. قوله تعالى: " يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت الذهول الذهاب عن الشئ مع دهشة، والحمل بالفتح الثقل المحمول في الباطن كالولد في البطن وبالكسر الثقل المحمول في الظاهر كحمل بعير قاله الراغب. وقال في مجمع البيان: الحمل بفتح الحاء ما كان في بطن أو على رأس شجرة، والحمل بكسر الحاء ما كان على ظهر أو على رأس. قال في الكشاف: إن قيل: لم قيل: " مرضعة " دون مرضع ؟ قلت: المرضعة التي هي في حال الارضاع ملقمة ثديها الصبي، والمرضع التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الارضاع في حال وصفها به فقيل: مرضعة ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة. وقال: فإن قلت: لم قيل أولا: ترون ثم قيل: ترى على الافراد ؟ قلت: لان الرؤية أولا علقت بالزلزلة فجعل الناس جميعا رائين لها، وهي معلقة أخيرا بكون الناس على حال السكر فلا بد أن يجعل كل واحد منهم رائيا لسائرهم. انتهى. وقوله: " وترى الناس سكارى وما هم بسكارى " نفي السكر بعد إثباته للدلالة على أن سكرهم وهو ذهاب العقول وسقوطها في مهبط الدهشة والبهت ليس معلولا للخمر بل شدة عذاب الله هي التي أوقعتها فيما وقعت وقد قال تعالى: " إن أخذه أليم شديد " هود: 102. وظاهر الاية أن هذه الزلزلة قبل النفخة الاولى التي يخبر تعالى عنها بقوله: " ونفخ في الصور فصعق من في السماوات والارض إلي من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم
________________________________________
[ 340 ]
قيام ينظرون " الزمر: 68 وذلك لان الاية تفرض الناس في حال عادية تفاجؤهم فيها زلزلة الساعة فتنقلب حالهم من مشاهدتها إلى ما وصف، وهذا قبل النفخة التي تموت بها الاحياء قطعا. وقيل: إنها تمثيل شدة العذاب أي لو كان هناك راء يراها لكانت الحال هي الحال، ووقوع الاية في مقام الانذار والتخويف لا يناسبه تلك المناسبة إذ الانذار بعذاب لا يعلم به لا وجه له. (بحث روائي) في الدر المنثور أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق عن الحسن وغيره عن عمران بن حصين قال: لما نزلت " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم إلى قوله: " ولكن عذاب الله شديد " أنزلت عليه هذه وهو في سفر فقال: أتدرون أي يوم ذلك ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: ذلك يوم يقول الله لادم: ابعث بعث النار. قال: يا رب وما بعث النار ؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة. فأنشأ المسلمون يبكون فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قاربوا وسددوا فإنها لم تكن نبوه قط إلا كان بين يديها جاهلية فتؤخذ العدة من الجاهلية فإن تمت وإلا أكملت من المنافقين، وما مثلكم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير. ثم قال: إنى لارجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبروا ثم قال: إنى لارجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا، ثم قال: إني لارجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا. قال فلا أدري قال: الثلثين، أم لا ؟. أقول: وهي مروية بطرق أخرى كثيرة عن عمران وابن عباس وأبي سعيد الخدرى وأبى موسى وأنس مع اختلاف في المتون وأعدلها ما أوردناه. وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " وترى الناس سكارى " قال: يعني ذاهبة
________________________________________
[ 341 ]
عقولهم من الحزن والفزع متحيرين. * * * ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد (3) - كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير (4) - يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الارحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الارض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج (5) - ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيى الموتى وأنه على كل شئ قدير (6) - وإن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور (7) - ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير (8) ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيمة عذاب الحريق (9) - ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد (10) ومن الناس من
________________________________________
[ 342 ]
يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وأن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين (11) - يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد (12) - يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير (13) - إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الانهار إن الله يفعل ما يريد (14) - من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والاخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ (15) - وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدى من يريد (16). (بيان) تذكر الايات أصنافا من الناس من مصر على الباطل مجادل في الحق أو متزلزل فيه وتصف حالهم وتبين ضلالهم وسوء مآلهم وتذكر المؤمنين وأنهم مهتدون في الدنيا منعمون في الاخرة. قوله تعالى، " ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد " المريد الخبيث وقيل المتجرد للفساد والمعرى من الخير، والمجادلة في الله بغير علم التكلم فيما يرجع إليه تعالى من صفاته وأفعاله بكلام مبني على الجهل بالاصرار عليه. وقوله: " ويتبع كل شيطان مريد " بيان لمسلكه في الاعتقاد والعمل بعد بيان مسلكه في القول كأنه قيل: إنه يقول في الله بغير علم ويصر على جهله، ويعتقد بكل
________________________________________
[ 343 ]
باطل ويعمل به وإذ كان الشيطان هو الذى يهدى الانسان إلى الباطل والانسان إنما يميل إليه بإغوائه فهو يتبع في كل ما يعتقده ويعمل به الشيطان فقد وضع اتباع الشيطان في الاية موضع الاعتقاد والعمل للدلالة على الكيفية وليبين في الاية التالية أنه ضال عن طريق الجنة سالك إلى عذاب السعير. وقد قال تعالى: " ويتبع كل شيطان: " ولم يقل: ويتبع الشيطان المريد وهو إبليس للدلالة على تلبسه بفنون الضلال وأنواعه فإن أبواب الباطل مختلفة وعلى كل باب شيطانا من قبيل إبليس وذريته وهناك شياطين من الانس يدعون إلى الضلال فيقلدهم أولياؤهم الغاون ويتبعونهم وإن كان كل تسويل ووسوسة منتهيا إلى إبليس لعنه الله. والكلمة أعني قوله: " ويتبع كل شيطان " مع ذلك كناية عن عدم انتهائه في اتباع الباطل إلى حد يقف عليه لبطلان استعداده للحق وكون قلبه مطبوعا عليه فهو في معنى قوله وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا " الاعراف: 146. قوله تعالى: " كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير " التولي أخذه وليا متبعا، وقوله: " فإنه يضله " الخ مبتدا محذوف الخبر، والمعنى ويتبع كل شيطان مريد من صفته انه كتب عليه أن من أتخذه وليا واتبعه فإضلاله له وهدايته إياه إلى عذاب السعير ثابت لازم. والمراد بكتابته عليه القضاء الالهي في حقه بإضلاله متبعيه أولا وإدخاله إياهم النار ثانيا، وهذان القضاءان هما اللذان أشار إليهما في قوله: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين " الحجر: 43 وقد تقدم الكلام في توضيح ذلك في الجزء الثاني عشر من الكتاب. وبما تقدم يظهر ضعف ما قيل: إن المعنى من تولى الشيطان فإن الله يضله إذ لا شاهد من كلامه تعالى على هذه الكتابة المدعاة وإنما المذكور في كلامه تعالى القضاء بتسليط إبليس على من تولاه واتبعه كما تقدم. على أن لازمه اختلاف الضمائر ورجوع ضمير " فأنه " إلى ما لم يتقدم ذكره من
________________________________________
[ 344 ]
غير موجب. وأضعف منه قول من قال: إن المعنى كتب على هذا الذي يجادل في الله بغير علم أنه من تولاه فأنه - يضله بإرجاع الضمائر إلى الموصول في " من يجادل " - وهو كما ترى. ويظهر من الاية أن القضاء على إبليس قضاء على قبيله وذريته وأعوانه، وأن إضلالهم وهدايتهم إلى عذاب السعير وبالجملة فعلهم فعله، ولا يخفى ما في الجمع بين يضله ويهديه في الاية من اللطف. قوله تعالى: " يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب - إلى قوله - شيئا " المراد بالبعث إحياء الموتى والرجوع إلى الله سبحانه وهو ظاهر، والعلقة القطعة من الدم الجامد، والمضغة القطعة من اللحم الممضوغه والمخلقة على ما قيل - تامة الخلقة غير المخلقة غير تامتها وينطبق على تصوير الجنين الملازم لنفخ الروح فيه، وعليه ينطبق القول بأن المراد بالتخليق التصوير. وقوله: " لنبين لكم " ظاهر السياق أن المراد لنبين لكم أن البعث ممكن ونزيل الريب عنكم فإن مشاهدة الانتقال من التراب الميت إلى النطفة ثم إلى العلقة ثم إلى المضغة ثم إلى الانسان الحي لا تدع ريبا في إمكان تلبس الميت بالحياة ولذلك وضع قوله: " لنبين لكم في هذا الموضع ولم يؤخر إلى آخر الاية. وقوله: " ونقر في الارحام ما نشاء إلى أجل مسمى " أي ونقر فيها ما نشاء من الا جنة ولا نسقطه إلى تمام مدة الحمل ثم نخرجكم طفلا قال في المجمع: أي نخرجكم من بطون أمهاتكم وأنتم أطفال، والطفل الصغير من الناس، وإنما وحد والمراد به الجمع لانه مصدر كقولهم: رجل عدل ورجال عدل، وقيل أراد ثم نخرج كل واحد منكم. طفلا. انتهى، والمراد ببلوغ الاشد حال اشتداد الاعضاء والقوى. وقوله: " ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر المقابلة بين الجملتين تدل على تقيد الاولى بما يميزها من الثانية والتقدير ومنكم من يتوفى من قبل أن يرد إلى ارذل العمر والمراد بأرذل العمر أحقره وأهونه وينطبق على حال الهرم فإنه أرذل الحياه إذا قيس إلى ما قبله.
________________________________________
[ 345 ]
وقوله: " لكيلا يعلم من بعد علم شيئا " أي شيئا يعتد به أرباب الحياة ويبنون عليه حياتهم، واللام للغاية أي ينتهي أمره إلى ضعف القوى والمشاعر بحيث لا يبقى له من العلم الذي هو أنفس محصول للحياة شئ يعتد به لها. قوله تعالى: " وترى الارض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج " قال الراغب: يقال همدت النار طفئت ومنه أرض هامدة لا نبات فيها ونبات هامد يابس، قال تعالى: " وترى الارض هامدة أنتهى ويقرب منه تفسيرها بالارض الهالكة. وقال أيضا: الهز التحريك الشديد يقال: " هززت الرمح فاهتز واهتز النبات إذا تحرك لنضارته، وقال أيضا: ربا إذا زاد وعلا، قال تعالى فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت أي زادت زيادة المتربى انتهى بتلخيص ما. وقوله: " وأنبتت من كل زوج بهيج " أي وأنبتت الارض من كل صنف من النبات متصف بالبهجة وهي حسن اللون وظهور السرور فيه، أو المراد بالزوج ما يقابل الفرد فإن كلامه يثبت للنبات ازدواجا كما يثبت له حياة وقد وافقته العلوم التجريبية اليوم. والمحصل أن للارض في إنباتها النبات وإنمائها له شأنا يماثل شأن الرحم في إنباته الحيوي للتراب الصائر نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى أن يصير إنسانا حيا. قوله تعالى: " ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيى الموتى وأنه على كل شئ قدير " ذلك اشارة إلى ما ذكر في الايه السابقة من خلق الانسان والنبات وتدبير أمرهما حدوثا وبقاء خلقا وتدبيرا واقعيين لا ريب فيهما. والذي يعطيه السياق أن المراد بالحق نفس الحق - أعني أنه ليس وصفا قائما مقام موصوف محذوف هو الخبر - فهو تعالى نفس الحق الذي يحقق كل شئ حق ويجري في الاشياء النظام الحق فكونه تعالى حقا يتحقق به كل شئ حق هو السبب لهذه الموجودات الحقة والنظامات الحقة الجارية فيها، وهي جميعا تكشف عن كونه تعالى هو الحق.
________________________________________
[ 346 ]
وقوله وأنه يحيى الموتى " معطوف على ما قبله أي المذكور في الاية السابقة من صيرورة التراب الميت بالانتقال من حال إلى حال إنسانا حيا وكذا صيرورة الارض الميتة بنزول الماء نباتا حيا واستمرار هذا الامر بسبب أن الله يحيى الموتى ويستمر منه ذلك. وقوله: " وأنه على كل شئ قدير " معطوف على سابقه كسابقه والمراد أن ما ذكرناه بسبب أن الله على كل شئ قدير وذلك أن إيجاد إلانسان والنبات وتدبير أمرهما في الحدوث والبقاء مرتبط بما في الكون من وجود أو نظام جار في الوجود وكما أن إيجادهما وتدبير أمرهما لا يتم إلا مع القدرة عليهما كذلك القدرة عليهما لا تتم إلا مع القدرة على كل شئ فخلقهما وتدبير أمرهما بسبب عموم القدرة وإن شئت فقل: ذلك يكشف عن عموم القدرة. قوله تعالى: " وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور " الجملتان معطوفتان على " أن " في قوله: " ذلك بأن الله ". وأما الوجه في اختصاص هذه النتائج الخمس المذكورة في الايتين بالذكر مع أن بيان السابقة ينتج نتائج أخرى مهمة في أبواب التوحيد كربوبيته تعالى ونفي شركاء العبادة وكونه تعالى عليما ومنعما وجوادا وغير ذلك. فالذي يعطيه السياق - والمقام مقام إثبات البعث - وعرض هذه الايات على سائر الايات المثبتة للبعث أن الاية تؤم إثبات البعث من طريق إثبات كونه تعالى حقا على الاطلاق فإن الحق المحض لا يصدر عنه إلا الفعل الحق دون الباطل، ولو لم يكن هناك نشأه أخرى يعيش فيها الانسان بما له من سعادة أو شقاء واقتصر في الخلقة على الايجاد ثم الاعدام ثم الايجاد ثم الاعدام وهكذا كان لعبا باطلا فكونه تعالى حقا لا يفعل إلا الحق يستلزم نشأة البعث استلزاما بينا فإن هذه الحياه الدنيا تنقطع بالموت فبعدها حياة أخرى باقية لا محالة. فالاية أعنى قوله: " فإنا خلقناكم من تراب إلى قوله - ذلك بأن الله هو الحق " في مجرى قوله: " وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق " الدخان: 39 وقوله: " وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا " ص - 27 وغيرهما من الايات المتعرضة لاثبات المعاد، وإنما الفرق أنها
________________________________________
[ 347 ]
تثبته من طريق حقية فعله تعالى والاية المبحوث عنها تثبته من طريق حقيته تعالى في نفسه المستلزمة لحقية فعله. ثم لما كان من الممكن أن يتوهم استحالة إحياء الموتى فلا ينفع البرهان حينئذ دفعه بقوله: " وأنه يحيى الموتى فإحياؤه تعالى الموتى بجعل التراب الميت إنسانا حيا وجعل الارض الميتة نباتا حيا واقع مستمر مشهود فلا ريب في امكانه وهذه الجملة أيضا في مجرى قوله تعالى: " قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ": يس: 79 وسائر الايات المثبتة لامكان البعث والاحياء ثانيا من طريق ثبوت مثله أولا. ثم لما أمكن أن يتوهم أن جواز الاحياء الثاني لا يستلزم الوقوع بتعلق القدرة به استبعادا له واستصعابا دفعه بقوله: " وأنه على كل شئ قدير " فإن القدرة لما كانت غير متناهية كانت نسبتها إلى الاحياء الاول والثاني وما كان سهلا في نفسه أو صعبا على حد سواء فلا يخالطها عجز ولا يطرء عليها عي وتعب. وهذه الجملة أيضا في مجرى قوله تعالى: " أفعيينا بالخلق الاول: ق 15 وقوله: " إن الذى أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شئ قدير: حم السجدة: 39 وسائر الايات المثبتة للبعث بعموم القدرة وعدم تناهيها. فهذه أعني ما في قوله تعالى: " ذلك بأن الله " إلى آخر الاية نتائج ثلاث مستخرجة من الاية السابقة عليها مسوقه جميعا لغرض واحد وهو ذكر ما يثبت به البعث وهو الذى تتضمنه الاية الاخيرة " وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ". ولم تتضمن الاية إلا بعث الاموات والظرف الذى يبعثون فيه فأما الظرف وهو الساعة فذكره في قوله: " وأن الساعة آتية لا ريب فيها " ولم ينسب إتيانها إلى نفسه بأن يقال مثلا: " وأن الله يأتي بالساعة أو ما في معناه ولعل الوجه في ذلك اعتبار كونها لا تأتي إلا بغتة لا يتعلق به علم قط كما قال: " لا تأتيكم إلا بغته. وقال: " قل إنما علمها عند الله " الاعراف " 187: " وقال إن الساعة آتيه أكاد أخفيها " طه: 15 فكان عدم نسبتها إلى فاعل كعدم ذكر وقتها وكتمان مرساها
________________________________________
[ 348 ]
مبالغه في أخفائها وتأييدا لكونها مباغتة مفاجئة، وقد كثر ذكرها في كلامه ولم يذكر في شئ منه لها فاعل بل كان التعبير مثل " آتية " " تأتيهم " " قائمه " " تقوم " ونحو ذلك. وأما المظروف وهو إحياء الموتى من الانسان فهو المذكور في قوله: " وأن الله يبعث من في القبور ". فإن قلت الحجة المذكورة تنتج البعث لجميع الاشياء لا للانسان فحسب لان الفعل بلا غاية لغو باطل سواء كان هو الانسان أو غيره لكن الاية تكتفى بالانسان فقط. قلت: قصر الاية النتيجة في الانسان فقط لا ينافي ثبوت نظير الحكم في غيره لكن الذى تمسه الحاجة في المقام بعث الانسان على أنه يمكن أن يقال: أن نفى المعاد عن الاشياء غير الانسان لا يستلزم كون فعلها باطلا منه تعالى لانها مخلوقة لاجل الانسان فهو الغاية لخلقها والبعث غاية لخلق الانسان. هذا ما يعطيه التدبر في سياق الايات الثلاث وعرضها على سائر الايات المتعرضة لاثبات المعاد على تفننها، وبه يظهر وجه الاكتفاء من النتائج المترتبة عليها بهذه النتائج المعدودة بحسب المترائى من اللفظ خمسا وهي في الحقيقة ثلاث موضوعة في الاية الثانية مستخرجة من الاولى، وواحدة موضوعة في الاية الثالثة مستخرجة من الثلاث الموضوعة في الثانية. وبه يندفع أيضا شبهة التكرار المتوهم من قوله: " وأنه يحيي الموتى " " وأن الساعة آتية " " وأن الله يبعث من في القبور " إلى غير ذلك. وللقوم في تفسير الايات الثلاث وتقرير حجتها وجوه كثيرة مختلفة لا ترجع إلى جدوى وقد أضافوا في جميعها إلى حجة الاية مقدمات أجنبية تختل بها سلاسه النظم واستقامة الحجة، وقد طوينا ذكرها فمن أراد الوقوف عليها فليراجع مطولات التفاسير. قوله تعالى: " ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير " صنف آخر من الناس المعرضين عن الحق، قال في كشف الكشاف على ما نقل: " إن الاظهر في النظم والاوفق للمقام أن هذه الاية في المقلدين بفتح اللام والاية السابقة " ومن الناس من يجادل إلى قوله: مريد " في المقلدين بكسر اللام انتهى محصلا.
________________________________________
[ 349 ]
وهو كذلك بدليل قوله هنا ذيلا: " ليضل عن سبيل الله " وقوله هناك: " ويتبع كل شيطان مريد " والاضلال من شأن المقلد بفتح اللام والاتباع من شان المقلد بكسر اللام. والترديد في الاية بين العلم والهدى والكتاب مع كون كل من العلم والهدى يعم الاخرين دليل على أن المراد بالعلم علم خاص وبالهدى هدى خاص فقيل: أن المراد بالعلم العلم الضرورى وبالهدى الاستدلال والنظر الصحيح الهادي إلى المعرفة وبالكتاب المنير الوحي السماوي المظهر للحق. وفيه أن تقييد العلم بالضروري وهو البديهى لا دليل عليه. على أن الجدال سواء كان المراد به مطلق الاصرار في البحث أو الجدل المصطلح وهو القياس المؤلف من المشهورات والمسلمات من طرق الاستدلال ولا استدلال على ضروري البتة. ويمكن أن يكون المراد بالعلم ما تفيده الحجة العقلية وبالهدى ما تفيضه الهداية الالهية لمن أخلص لله في عبادته وعبوديته فاستنار قلبه بنور معرفته أو بالعكس بوجه وبالكتاب المنير الوحى الالهى من طريق النبوه، وتلك طرق ثلاث إلى مطلق العلم العقل والبصر والسمع وقد أشار تعالى إليها في قوله: " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا " اسرى: 36 والله أعلم. قوله تعالى: " ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله " إلى آخر الاية الثني الكسر والعطف بكسر العين الجانب، وثني العطف كناية عن الاعراض كأن المعرض يكسر أحد جانبيه على الاخر. وقوله: " ليضل عن سبيل الله " متعلق بقوله: " يجادل " واللام للتعليل أي يجادل في الله بجهل منه مظهر للاعراض والاستكبار ليتوصل بذلك إلى إضلال الناس وهؤلاء هم الرؤساء المتبوعون من المشركين. وقوله: " له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق " تهديد بالخزي - وهو الهوان والذلة والفضيحة في الدنيا، وإلى ذلك آل أمر صناديد قريش وأكابر مشركي مكة، وإيعاد بالعذاب في الاخرة. قوله تعالى: " ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد " إشارة إلى ما
________________________________________
[ 350 ]
تقدم في الاية السابقة من الايعاد بالخزي والعذاب، والباء في " بما قدمت " للمقابلة كقولنا بعت هذا بهذا أو للسببية أي إن الذى تشاهده من الخزي والعذاب جزاء ما قدمت يداك أو بسبب ما قدمت يداك من المجادلة في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب معرضا مستكبرا لا ضلال الناس وفي الكلام التفات من الغيبه إلى الخطاب لتسجيل اللوم والعتاب. وقوله: " وأن الله ليس بظلام للعبيد " معطوف على " ما قدمت " أي ذلك لان الله لا يظلم عباده بل يعامل كلا منهم بما يستحقه بعمله ويعطيه ما يسأله بلسان حاله. قوله تعالى: " ومن الناس من يعبد الله على حرف " إلى آخر الاية الحرف والطرف والجانب بمعنى، والاطمئنان: الاستقرار والسكون، والفتنة - كما قيل - المحنة والانقلاب الرجوع. وهذا صنف آخر من الناس غير المؤمنين الصالحين وهو الذى يعبد الله سبحانه بانيا عبادته على جانب واحد دون كل جانب وعلى تقدير لا على كل تقدير وهو جانب الخير ولازمه استخدام الدين للدنيا فإن أصابه خير استقر بسبب ذلك الخير على عبادة الله واطمأن إليها، وأن أصابته فتنة ومحنة انقلب ورجع على وجهه من غير أن يلتفت يمينا وشمالا وأرتد عن دينه تشؤما من الدين أو رجاء أن ينجو بذلك من المحنة والمهلكة وكان ذلك دأبهم في عبادتهم الاصنام فكانوا يعبدونها لينالوا بذلك الخير أو ينجو من الشر بشفاعتهم في الدنيا وأما الاخرة فما كانوا يقولون بها فهذا المذبذب المنقلب على وجهه خسر الدنيا بوقوعه في المحنة والمهلكة، وخسر الاخرة بانقلابه عن الدين على وجهه وارتداده وكفره ذلك هو الخسران المبين. هذا ما يعطيه التدبر في معنى الاية، وعليه فقوله: " يعبد الله على حرف " من قبيل الاستعارة بالكناية، وقوله: " فإن أصابه خير " الخ. تفسير لقوله: " يعبد الله على حرف " وتفصيل له، وقوله: خسر الدنيا " أي بإصابة الفتنة وقوله: " والاخرة " أي بانقلابه على وجهه. قوله تعالى: " يدعوا من دون الله ما لا يضره ما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد " المدعو هو الصنم فإنه لفقده الشعور والارادة لا يتوجه منه إلى عابده نفع أو


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page