• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 376 الي 407


[ 376 ]
وإذا ساقتهم سذاجة الفهم في فرضية سهلة التصور عند أهله في تلك الاعصار هذا المساق فما ظنك بهم لو ألقى إليهم ما لا يصدقه ظاهر حسهم ولا يسعه ظرف فكرهم. وفي الدر المنثور أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق عثمان بن أبي حاضر أن ابن عباس ذكر له أن معاوية بن أبي سفيان قرأ الايي التي في سورة الكهف " تغرب في عين حامية " قال ابن عباس: فقلت لمعاوية: ما نقرؤها إلا حمئة فسأل معاوية عبد الله بن عمرو كيف تقرؤه ؟ فقال عبد الله كما قرأتها. قال ابن عباس: فقلت لمعاوية: في بيتي نزل القرآن فأرسل إلى كعب فقال له: أين تجد الشمس تغرب في التوراة ؟ فقال له كعب: سل أهل العربية فإنهم أعلم بها، وأما انا فاني أجد الشمس تغرب في التوراة في ماء وطين، واشار بيده إلى المغرب. قال ابن أبي حاضر: لو اني عندكما ايدتك بكلام تزداد به بصيرة في حمئة. قال ابن عباس: وما هو ؟ قلت: فيما نأثر قول تبع فيما ذكر به ذا القرنين في كلفه بالعلم واتباعه إياه: قد كان ذو القرنين عمر مسلما * * ملكا تدين له الملوك وتحشد فأتى المشارق والمغارب يبتغي * * أسباب ملك من حكيم مرشد فرأى مغيب الشمس عند غروبها * * في عين ذي خلب وثأط حرمد فقال ابن عباس: ما الخلب ؟ قلت: الطين بكلامهم. قال: فما الثأط ؟ قلت: الحمأة. قال: فما الحرمد ؟ قلت: الاسود فدعا ابن عباس غلاما فقال له: اكتب ما يقول هذا الرجل. اقول: والحديث لا يلائم ما ذهبوا إليه من تواتر القراءات تلك الملائمة وعن التيجان لابن هشام الحديث وفيه أن ابن عباس انشد هذه الاشعار لمعاوية وان معاوية سأله عن معنى الخلب والثاط والحرمد قال: الخلب الحماة والثأط ما تحتها من الطين والحرمد ما تحته من الحصى والحجر، وقد أورد القصيدة، وهذا الاختلاف يؤذن بشئ في الرواية. في تفسير العياشي عن ابي بصير عن ابي جعفر عليه السلام في قول الله عزوجل: " لم نجعل لهم من دونها سترا " قال: لم يعلموا صنعة البيوت.
________________________________________
[ 377 ]
وفي تفسير القمي في الاية قال: لم يعلموا صنعة الثياب. وفي الدر المنثور أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله حتى إذا بلغ بين السدين " قال الجبلين أرمينيه وآذربيجان. وفي تفسير العياشي عن المفضل قال: سألت الصادق عليه السلام عن قوله: " أجعل بينكم وبينهم ردما: " قال: التقية فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا إذا عملت بالتقية لم يقدروا لك على حيلة، وهو الحصن الحصين، وصار بينك وبين أعداء الله سدا لا يستطيعون له نقبا. وفيه أيضا عن جابر عنه عليه السلام في الاية قال: التقيه. أقول: الروايتان من الجرى وليستا بتفسير. وفي تفسير العياشي عن الاصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام: " وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض " يعنى يوم القيامة. أقول: ظاهر الاية بحسب السياق أنه من أشراط الساعة ولعله المراد بيوم القيامة فربما تطلق على ظهور مقدماتها. وفيه عن محمد بن حكيم قال: كتبت رقعة إلى أبي عبد الله عليه السلام فيها: أتستطيع النفس المعرفة ؟ قال: فقال لا فقلت: يقول الله: " الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا " قال: هو كقوله: " وما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون " قلت: فعابهم ؟ قال لم يعبهم بما صنع هو بهم ولكن عابهم بما صنعوا، ولو لم يتكلفوا لم يكن عليهم شئ. أقول: يعنى أنهم تسببوا لهذا الحجاب فرجع إليهم تبعته. وفي تفسير القمي في الاية قال: كانوا لا ينظرون إلى ما خلق الله من الايات والسموات والارض. أقول: وفي العيون عن الرضا عليه السلام تطبيق الاية على منكري الولاية وهو من الجرى
________________________________________
[ 378 ]
(كلام حول قصة ذي القرنين) وهو بحث قرآني وتاريخي في فصول: 1 - قصة ذي القرنين في القرآن: لم يعترض لاسمه ولا لتاريخ زمان ولادته وحياته ولا لنسبه وسائر مشخصاته على ما هو دأبه في ذكر قصص الماضين بل اكتفى على ذكر ثلاث رحلات منه فرحلة اولى إلى المغرب حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة (أو حامية) ووجد عندها قوما، ورحلة ثانيه إلى المشرق حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم يجعل الله لهم من دونها سترا، ورحله ثالثة حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا فشكوا إليه إفساد يأجوج ومأجوج في الارض وعرضوا عليه أن يجعلوا له خرجا على أن يجعل بين القوم وبين يأجوج ومأجوج سدا فأجابهم إلى بناء السد ووعدهم أن يبني لهم فوق ما يأملون وأبى أن يقبل خرجهم وإنما طلب منهم أن يعينوه بقوة وقد اشير منها في القصة إلى الرجال وزبر الحديد والمنافخ والقطر. والخصوصيات والجهات الجوهرية التي تستفاد من القصة هي أولا أن صاحب القصة كان يسمى قبل نزول قصته في القرآن بل حتى في زمان حياته بذي القرنين كما يظهر في سياق القصة من قوله: " يسألونك عن ذي القرنين " " قلنا يا ذا القرنين " " و قالوا يا ذا القرنين ". وثانيا: أنه كان مؤمنا بالله واليوم الآخر ومتدينا بدين الحق كما يظهر من قوله: " هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربى جعله دكاء و كان وعد ربي حقا " وقوله: " أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا وأما من آمن وعمل صالحا " الخ ويزيد في كرامته الدينية أن قوله تعالى: " قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا " يدل على تأييده بوحي أو إلهام أو نبي من أنبياء الله كان عنده يسدده بتبليغ الوحي. وثالثا: أنه كان ممن جمع الله له خير لدنيا ولاخرة، أما خير الدنيا فالملك العظيم الذي بلغ به مغرب الشمس ومطلعها فلم يقم له شئ وقد ذلت له الاسباب، وأما خير الاخرة فبسط العدل وإقامة الحق والصفح والعفو والرفق وكرامة النفس وبث الخير ودفع الشر، وهذا كله مما يدل
________________________________________
[ 379 ]
عليه قوله تعالى: " إنا مكنا له في الارض وآتيناه من كل شئ سببا " مضافا إلى ما يستفاد من سياق القصة من سيطرته الجسمانية والروحانية. ورابعا: أنه صادف قوما ظالمين بالمغرب فعذبهم. وخامسا: أن الردم الذي بناه هو في غير مغرب الشمس ومطلعها فإنه بعد ما بلغ مطلع الشمس أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين. ومن مشخصات ردمه مضافا إلى كونه واقعا في غير المغرب والمشرق أنه واقع بين جبلين كالحائطين، وأنه ساوى بين صدفيهما وأنه استعمل في بنائه زبر الحديد والقطر، ولا محالة هو في مضيق هو الرابط بين ناحيتين من نواحي الارض المسكونة. 2 - ذكرى ذى القرنين والسد ويأجوج ومأجوج: في اخبار الماضين، لم يذكر القدماء من المؤرخين في أخبارهم ملكا يسمى في عهده بذي القرنين أو ما يؤدي معناه من غير اللفظ العربي ولا يأجوج ومأجوج بهذين اللفظين ولا سدا ينسب إليه باسمه نعم ينسب إلى بعض ملوك حمير من اليمنيين أشعار في المباهاة يذكر فيها ذا القرنين وأنه من أسلافه التبابعة، وفيها ذكر سيره إلى المغرب والمشرق وسد يأجوج ومأجوج وسيوافيك نبذة منها في بعض الفصول الاتية. وورد ذكر " مأجوج " و " جوج ومأجوج " في مواضع من كتب العهد العتيق ففي الاصلاح (1) العاشر من سفر التكوين من التوراة. " وهذه مواليد بنى نوح: سام وحام ويافث. وولد لهم بنون بعد الطوفان. بنو يافث جومر ومأجوج وماداي وباوان ونوبال وما شك ونبراس ". وفي كتاب حزقيال (1) الاصحاح الثامن والثلثون " وكان إلى كلام الرب قائلا: يا بن آدم اجعل وجهك على جوج أرض مأجوج رئيس روش ما شك ونوبال، وتنبأ عليه وقل: هكذا قال السيد الرب: ها أنا ذا عليك ياجوج رئيس روش وما شك ونوبال وأرجعك وأضع شكائم في فكيك وأخرجك أنت وكل جيشك خيلا وفرسانا
________________________________________
(1) كتب العهدين مطبوعة بيروت 1870 ومنها سائر ما نقل في هذه الفصول. (2) وكان بين اليهود أيام أسارتهم ببابل. (*)
________________________________________
[ 380 ]
كلهم لا بسين أفخر لباس جماعة عظيمة مع أتراس ومجان كلهم ممسكين السيوف. فارس وكوش وفوط معهم كلهم بمجن وخوذة، وجومر وكل جيوشه وبيت نوجرمه من أقاصى الشمال مع كل جيشه شعوبا كثيرين معك " قال: " لذلك تنبأ يابن آدم وقل لجوج: هكذا قال السيد الرب في ذلك اليوم عند سكنى شعب اسرائيل آمنين أفلا تعلم وتأتي من موضعك من أقاصى الشمال " الخ وقال في الاصحاح التاسع والثلاثين ماضيا في الحديث السابق: وأنت يابن آدم تنبأ على جوج وقل: هكذا قال السيد الرب ها أنا ذا عليك ياجوج رئيس روش ما شك ونوبال وأردك وأقودك وأصعدك من أقاصي الشمال. وآتي بك على جبال إسرائيل وأضرب قوسك من يدك اليسرى واسقط سهامك من يدك اليمنى فتسقط على جبال إسرائيل أنت وكل جيشك والشعوب الذين معك أبذلك مأكلا للطيور الكاسرة من كل نوع ولوحوش الحفل، على وجه الحفل تسقط لاني تكلمت بقول السيد الرب، وارسل نارا على مأجوج وعلى الساكنين في الجزائر آمنين فيعلمون أني أنا الرب " الخ. وفي رؤيا يوحنا في الاصحاح العشرين: " ورأيت ملاكا نازلا من السماء معه مفتاح الهاوية وسلسلة عظيمة على يده فقبض على التنين الحية القديمة الذي هو ابليس والشيطان، وقيده ألف سنة وطرحه في الهاوية وأغلق عليه وختم عليه لكيلا يضل الامم فيما بعد حتى تتم الالف سنة وبعد ذلك لا بد أن يحل زمانا يسيرا. قال: " ثم متى تمت الالف سنة لن يحل الشيطان من سجنه ويخرج ليضل الامم الذين في أربع زوايا الارض جوج ومأجوج ليجمعهم للحرب الذين عددهم مثل رمل البحر فصعدوا على عرض الارض، وأحاطوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة فنزلت نار من عند الله من السماء وأكلتهم، وإبليس الذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبى الكذاب وسيعذبون نهارا وليلا إلى أبد الابدين ". ويستفاد منها أن " مأجوج " أو " جوج ومأجوج " امة أو امم عظيمة كانت قاطنه في أقاصي شمال آسيا من معمورة الارض يومئذ، وأنهم كانوا امما حربية معروفة بالمغازي والغارات.
________________________________________
[ 381 ]
ويقرب حينئذ أن يحدس أن ذا القرنين هذا هو أحد الملوك العظام الذين سدوا الطريق على هذه الامم المفسدة في الارض، وأن السد المنسوب إليه يجب أن يكون فاصلا بين منطقة شمالية من قارة آسيا وجنوبها كحائط الصين أو سد باب الابواب أو سد " داريال " أو غير هذه. وقد تسلمت تواريخ الامم اليوم من أن ناحية الشمال الشرقي من آسيا وهي الاحداب والمرتفعات في شمال الصين كانت موطنا لامة كبيره بدوية همجيه لم تزل تزداد عددا وتكثر سوادا فتكر على الامم المجاورة لها كالصين وربما نسلت من أحدابها وهبطت إلى بلاد آسيا الوسطى والدنيا وبلغت إلى شمال أو ربه فمنهم من قطن في أراض أغار عليها كأغلب سكنه أو ربه الشمالية فتمدين بها واشتغل بالزراعة والصناعة، ومنهم من رجع ثم عاد وعاد (1). وهذا أيضا مما يؤيد ما استقربناه آنفا أن السد الذي نبحث عنه هو أحد الاسداد الموجودة في شمال آسيا الفاصلة بين الشمال وجنوبه. 3 - من هو ذو القرنين ؟ وأين سده ؟ للمؤرخين وأرباب التفسير في ذلك أقوال بحسب اختلاف انظارهم في تطبيق القصة: 1 - ينسب إلى بعضهم أن السد المذكور في القرآن هو حائط الصين، وهو حائط طويل يحول بين الصين وبين منغوليا بناه " شين هوانك تي " أحد ملوك الصين لصد هجمات المغول عن الصين، طوله ثلاثة آلاف كيلو متر في عرض تسعة أمتار وارتفاع خمسة عشر مترا، وقد بني بالاحجار شرع في بنائه سنه 264 ق م وقد تم بناؤه في عشر أو عشرين وعلى هذا فذو القرنين هو الملك المذكور. ويدفعه أن الاوصاف والمشخصات المذكورة في القرآن لذي القرنين وسدة لا تنطبق على هذا الملك وحائط الصين الكبير فلم يذكر من هذا الملك أنه سار من أرضه إلى المغرب
________________________________________
(1) وذكر بعضهم أن يأجوج ومأجوج هم الامم الذين كانوا يشغلون الجزء الشمالي من آسيا تمتد بلادهم من التبت والصين إلى المحيط المنجد الشمالي وتنتهي غربا بما بلى بلاد تركستان ونقل ذلك عن فاكهلة الخلفاء وتهذيب الاخلاق لابن مسكويه ورسائل إخوان الصفا. (*)
________________________________________
[ 382 ]
الاقصى، والسد الذي يذكره القرآن يصفه بأنه ردم بين جبلين وقد استعمل فيه زبر الحديد والقطر وهو النحاس المذاب والحائط الكبير يمتد ثلاثه آلاف كيلو متر يمر في طريقه على السهول والجبال، وليس بين جبلين وهو مبنى بالحجارة لم يستعمل فيه حديد ولا قطر. ب - نسب إلى بعضهم أن الذي بنى السد هو أحد ملوك آشور (1) وقد كان يهجم في حوالى القرن السابع قبل الميلاد أقوام (2) سيت من مضيق جبال قفقاز إلى أرمينستان ثم غربي إيران وربما بلغوا بلاد آشور وعاصمتها نينوا فأحاطوا بهم قتلا وسبيا ونهبا فبني ملك آشور السد لصدهم، وكأن المراد به سد باب الابواب المنسوب تعميره أو ترميمه إلى كسرى أنو شيروان من ملوك الفرس هذا. ولكن الشأن في انطباق خصوصيات القصة عليه. ج - قال في روح المعاني: وقيل: هو يعني ذا القرنين فريدون بن أثفيان بن جمشيد خامس ملوك الفرس الفيشدادية، وكان ملكا عادلا مطيعا لله تعالى، وفي، كتاب صور الاقاليم لابي زيد البلخى: أنه كان مؤيدا بالوحى وفي عامة التواريخ أنه ملك الارض وقسمها بين بنيه الثلاثة: إيرج وسلم وتور فأعطى إيرج العراق والهند والحجاز وجعله صاحب التاج، وأعطى سلم الروم وديار مصر والمغرب، وأعطى تور الصين والترك والمشرق، ووضع لكل قانونا يحكم به، وسميت القوانين الثلاثة " سياسة " وهي معربة " سي أيسا " أي ثلاثه قوانين. ووجه تسميته ذا القرنين أنه ملك طرفي الدنيا أو طول أيام سلطنته فإنها كانت على ما في روضة الصفا خمسمائة سنة، أو عظم شجاعته وقهره الملوك انتهى. وفيه أن التاريخ لا يعترف بذلك. د - وقيل: إن ذا القرنين هو الاسكندر المقدوني وهو المشهور في الالسن وسد
________________________________________
(1) منقول عن كتاب كيهان شناخت " للحسن بن قطان المروزي الطبيب المنجم المتوفى سنة 548 ه‍ وذكر فيه أن اسمه " بلينس " وسماه أيضا اسكندر. (2) كانت هذه الاقوام يسمون - على ما ذكروا - عند الغربيين " سيت " ولهم ذكر في بعض النقوش الباقية من زمن " داريوش " ويسمون عند اليونانيين " ميكاك ". (*)
________________________________________
[ 383 ]
الاسكندر كالمثل السائر بينهم وقد ورد ذلك في بعض الروايات كما في رواية قرب الاسناد عن موسي بن جعفر عليهما السلام ورواية عقبه بن عامر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورواية وهب بن منبه المرويتين في الدر المنثور. وبه قال بعض قدماء المفسرين من الصحابة والتابعين كمعاذ بن جبل على ما في مجمع البيان، وقتادة على ما رواه في الدر المنثور، ووصفه الشيخ أبو على بن سينا عندما ذكره في كتاب الشفاء بذي القرنين، وأصر على ذلك الامام الرازي في تفسيره الكبير. قال فيه ما ملخصه: ان القرآن دل على أن ملك الرجل بلغ إلى أقصى المغرب وأقصى المشرق وجهة الشمال، وذلك تمام المعمورة من الارض، ومثل هذا الملك يجب أن يبقى اسمه مخلدا، والملك الذي اشتهر في كتب التواريخ أن ملكه بلغ هذا المبلغ ليس إلا الاسكندر. وذلك أنه بعد موت أبيه جمع ملوك الروم والمغرب وقهرهم، وانتهى إلى البحر الاخضر ثم إلى مصر، وبنى الاسكندرية ثم دخل الشام وقصد بنى إسرائيل وورد بيت المقدس، وذبح في مذبحه. ثم انعطف إلى أرمينية وباب الابواب، ودان له العراقيون والقبط والبربر، واستولى على إيران، وقصد الهند والصين وغزا الامم البعيدة، ورجع إلى خراسان وبنى المدن الكثيرة ثم رجع إلى العراق ومات في شهر زور أو رومية المدائن وحمل إلى اسكندرية ودفن بها، وعاش ثلاثا وثلاثين سنة، ومدة ملكه اثنتا عشرة سنة. فلما ثبت بالقرآن أن ذا القرنين ملك أكثر المعمورة، وثبت بالتواريخ أن الذي هذا شأنه هو الاسكندر وجب القطع بأن المراد بذي القرنين هو الاسكندر. انتهى. وفيه أولا: أن الذي ذكره من انحصار ملك معظم المعمورة في الاسكندر المقدوني غير مسلم في التاريخ ففي الملوك من يماثله أو يزيد عليه ملكا. وثانيا: أن الذي يذكره القرآن من أوصاف ذي القرنين لا يتسلمه التاريخ للاسكندر أو ينفيه عنه فقد ذكر القرآن أن ذا القرنين كان مؤمنا بالله واليوم الاخر وهو دين التوحيد وكان الاسكندر وثنيا من الصابئين كما يحكى أنه ذبح ذبيحته للمشترى، وذكر
________________________________________
[ 384 ]
القرآن أن ذا القرنين كان من صالحي عباد الله ذا عدل ورفق والتاريخ يقص للاسكندر خلاف ذلك. وثالثا: أنه لم يرد في شئ من تواريخهم أن الاسكندر المقدونى بنى سد يأجوج ومأجوج على ما يذكره القرآن. وقال في البداية والنهاية في خبر ذي القرنين: وقال إسحاق بن بشر عن سعيد بن بشير عن قتادة قال: إسكندر هو ذو القرنين وأبوه أول القياصرة، وكان من ولد سام ابن نوح. فأما ذو القرنين الثاني فهو إسكندر بن فيلبس (وساق نسبه إلى عيص بن إسحاق بن إبراهيم المقدوني اليونانى المصري باني أسكندرية الذى يؤرخ بأيامه الروم، وكان متأخرا عن الاول بدهر طويل. وكان هذا قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة وكان أرسطاطاليس الفيلسوف وزيره، وهو الذي قتل دارا بن دارا وأذل ملوك الفرس وأوطا أرضهم. قال: وإنما نبهنا عليه لان كثيرا من الناس يعتقد أنهما واحد وأن المذكور في القرآن هو الذي كان أرسطاطاليس وزيره فيقع بسبب ذلك خطأ كبير، وفساد عريض طويل كثير فإن الاول كان عبدا مؤمنا صالحا، وملكا عادلا، وكان وزيره الخضر، وقد كان نبيا على ما قررناه قبل هذا، وأما الثاني فكان مشركا، وقد كان وزيره فيلسوفا، وقد كان بين زمانيهما، أزيد من ألفي سنة فأين هذا من هذا لا يستويان ولا يشتبهان إلا على غبي لا يعرف حقائق الامور انتهى. وفيه تعريض بالامام الرازي في مقاله السابق لكنك لو أمعنت فيما نقلنا من كلامه ثم راجعت كتابه فيما ذكره من قصة ذي القرنين وجدته لا يرتكب من الخطأ أقل مما ارتكبه الامام الرازي فلا أثر في التاريخ عن ملك كان قبل المسيح بأكثر من ألفين وثلاثمائة سنة ملك الارض من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق وجهة الشمال وبنى السد وكان مؤمنا صالحا بل نبيا ووزيره الخضر ودخل الظلمات في طلب ماء الحياة سواء كان اسمه الاسكندر أو غير ذلك.
________________________________________
[ 385 ]
ه‍ - ذكر جمع من المؤرخين أن ذا القرنين أحد التبابعة (1) الاذواء اليمنيين من ملوك حمير باليمن كالاصمعي في تاريخ العرب قبل الاسلام، وابن هشام في السيرة والتيجان وأبى ريحان البيرونى في الاثار الباقية ونشوان بن سعيد الحميرى في شمس العلوم - على ما نقل عنهم - وغيرهم. وقد اختلفوا في اسمه فقيل اسمه مصعب بن عبد الله، وقيل: صعب بن ذي المرائد وهو أول التبابعة، وهو الذى حكم لابراهيم في بئر السبع، وقيل: تبع الاقرن واسمه حسان، وذكر الاصمعي أنه أسعد الكامل الرابع من التبابعة بن حسان الاقرن ملكي كرب تبع الثاني ابن الملك تبع الاول، وقيل: اسمه " شمر يرعش ". وقد ورد ذكر ذي القرنين والافتخار به في عدة من أشعار الحميريين وبعض شعراء الجاهلية ففي البداية والنهاية: أنشد ابن هشام للاعشى: والصعب ذو القرنين أصبح ثاويا. بالجنو في جدث أشم مقيما. وقد مر في البحث الروائي السابق أن عثمان بن أبي الحاضر أنشد لابن عباس قول بعض الحميريين: قد كان ذو القرنين جدي مسلما * * ملكا تدين له الملوك وتحشد. بلغ المشارق والمغارب يبتغي * * أسباب أمر من حكيم مرشد
________________________________________
(1) كانت مملكة اليمن ينقسم إلى اربعة وثمانين مخلافا، والمخلاف بمنزلة القضاء والمديرية في العرف الحاضر، وكل مخلاف يشتمل على عدة قلاع يسمى كل قلعة قصرا أو محفدا يسكنه جماعة من الامة يحكم فيهم كبير لهم، وكان صاحب القصر الذي يتولى أمره يسمى بذي كذي غمدان وذي معين أي صاحب غمدان وصاحب معين والجمع أذواء وذوين، والذي يتولى أمر المحلاف يسمى القيل والجمع أقيال، والذي يتولى أمر مجموع المخاليف يسمى الملك: والملك الذي يضم حضر موت والشحر إلى اليمين ويحكم في الثلاث يسمى تبع اما إذا ملك اليمن فقط فملك وليس بتبع. وقد عثر على اسماء خمس وخمسين من الاذواء لكن الملوك منهم ثمانية اذواء هم من ملوك حمير وهم من ملوك الدولة الاخيرة من الدول الحاكمة في قبل، وقد عد منهم أربعة عشر ملكا، والذي يتحصل من تاريخ ملوك اليمن من طريق والرواية مبهم جدا لا اعتماد على تفاصيله. (*)
________________________________________
[ 386 ]
فرأى مغيب الشمس عند غروبها * * في عين ذي خلب وثأط حرمد قال المقريزى في الخطط: إعلم أن التحقيق عند علماء الاخبار أن ذا القرنين الذي ذكره الله في كتابه العزيز فقال: " ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الارض وآتيناه من كل شئ سببا " الايات عربي قد كثر ذكره في أشعار العرب. وان اسمه الصعب بن ذي مرائد بن الحارث الرائش ابن الهمال ذي سدد بن عاد ذي منح بن عار الملطاط بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبا بن يشجب بن يعرب ابن قحطان بن هود بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام. وأنه ملك من ملوك حمير وهم العرب (1) العاربة، ويقال لهم أيضا العرب العرباء، وكان ذو القرنين تبعا متوجا، ولما ولي الملك تجبر ثم تواضع لله، واجتمع بالخضر وقد غلط من ظن أن الاسكندر بن فيلبس هو ذو القرنين الذى بنى السد فإن لفظة ذو عربيه، وذو القرنين من القاب العرب ملوك اليمن، وذاك رومي يوناني. قال أبو جعفر الطبري: وكان الخضر في ايام افريدون الملك بن الضحاك في قول عامه علماء أهل الكتاب الاول، وقيل: موسى بن عمران عليه السلام، وقيل: إنه كان على مقدمة ذي القرنين الاكبر الذي كان على أيام ابراهيم الخليل عليه السلام وان الخضر بلغ مع ذي القرنين أيام مسيره في البلاد نهر الحياة فشرب من مائه وهو لا يعلم به ذو القرنين ولا من معه فخلد وهو حي عندهم إلى الان، وقال آخرون إن ذا القرنين الذي كان على عهد ابراهيم الخليل عليه السلام هو أفريدون بن الضحاك وعلى مقدمته كان الخضر. وقال ابو محمد عبد الملك بن هشام في كتاب التيجان في معرفة ملوك الزمان بعد ما ذكر نسب ذي القرنين الذي ذكرناه: وكان تبعا متوجا لما ولي الملك تجبر ثم تواضع واجتمع بالخضر ببيت المقدس، وسار معه مشارق الارض ومغاربها واوتي من كل شئ سببا كما اخبر الله تعالى، وبنى السد على يأجوج ومأجوج ومات بالعراق. وأما الاسكندر فإنه يونانى، ويعرف بالاسكندر المجدونى (ويقال المقدوني)
________________________________________
(1) العرب العارية هم العرب قبل إسماعيل وأما إسماعيل وبنوه فهم العرب المستعربة. (*)
________________________________________
[ 387 ]
سئل ابن عباس عن ذي القرنين: ممن كان ؟ فقال: من حمير وهو الصعب بن ذي مرائد الذي مكنه الله في الارض وآتاه من كل شئ سببا فبلغ قرنى الشمس ورأس الارض وبنى السد على يأجوج ومأجوج. قيل له: فالاسكندر ؟ قال: كان رجلا صالحا روميا حكيما بنى على البحر في أفريقية منارا، وأخذ أرض رومة، وأتى بحر العرب، وأكثر عمل الاثار في العرب من المصانع والمدن. وسئل كعب الاحبار عن ذي القرنين فقال: الصحيح عندنا من أحبارنا وأسلافنا أنه من حمير وأنه الصعب بن ذي مرائد، والاسكندر كان رجلا من يونان من ولد عيصو بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، ورجال الاسكندر (1) أدركوا المسيح بن مريم منهم جالينوس وأرسطاطاليس. وقال الهمداني في كتاب الانساب وولد كهلان بن سبا زيدا فولد، زيد عريبا ومالكا وغالبا وعميكرب، وقال الهيثم: عميكرب بن سبا أخو حمير وكهلان فولد عميكرب أبا مالك فدرحا ومهيليل ابني عميكرب، وولد غالب جنادة بن غالب وقد ملك بعد مهيليل بن عميكرب بن سبا، وولد عريب عمرا فولد عمرو زيدا والهميسع ويكنى أبا الصعب وهو ذو القرنين الاول، وهو المساح والبناء، وفيه يقول النعمان ابن بشير. فمن ذا يعادونا من الناس معشرا * * كراما فذو القرنين منا وحاتم. وفيه يقول الحارثي: سموا لنا واحدا منكم فنعرفه * * في الجاهلية لاسم الملك محتملا كالتبعين وذي القرنين يقبله * * أهل الحجى فأحق القول ما قبلا وفيه يقول ابن أبي ذئب الخزائي: ومنا الذى بالخافقين تغربا * * واصعد في كل البلاد وصوبا فقد نال قرن الشمس شرقا ومغربا * * وفي ردم يأجوج بنى ثم نصبا
________________________________________
وهذا لا يوافق ما قطع به التاريخ انه ملك 356 - 324 ق م. (*)
________________________________________
[ 388 ]
وذلك ذو القرنين تفخر حمير * * بعسكر فيل ليس يحصى فيحسبا قال الهمداني: وعلماء همدان تقول ذو القرنين الصعب بن مالك بن الحارث الاعلى ابن ربيعة بن الحيار بن مالك وف ذي القرنين أقاويل كثيرة. انتهى كلام المقريزى. وهو كلام جامع، ويستفاد منه أولا أن لقب ذي القرنين تسمى به أكثر من واحد من ملوك حمير وأن هناك ذا القرنين الاول (الكبير) وغيره. وثانيا: أن ذا القرنين الاول وهو الذى بنى سد يأجوج ومأجوج قبل الاسكندر المقدونى بقرون كثيرة سواء كان معاصرا للخليل عليه السلام أو بعده كما هو مقتضى ما نقله ابن هشام من ملاقاته الخضر ببيت المقدس المبني بعد إبراهيم بعدة قرون في زمن داود وسليمان عليهما السلام فهو على أي حال قبله مع ما في تاريخ ملوك حمير من الابهام. ويبقى الكلام على ما ذكره واختاره من جهتين: أحدهما: أنه أين موضع هذا السد الذى بناه تبع الحميري ؟. وثانيهما: أنه من هم هذه الامة المفسدة في الارض التي بنى السد لصدهم فهل هذا السد أحد الاسداد المبنية في اليمن أو ما والاها كسد مأرب وغيره فهي أسداد مبنية لادخار المياه للشرب والسقي لا للصد على أنها لم يعمل فيها زبر الحديد والقطر كما ذكره الله في كتابه، أو غيرها ؟ وهل كان هناك امة مفسده مهاجمة، وليس فيما يجاورهم إلا أمثال القبط والاشور وكلدان وغيرهم وهم أهل حضارة ومدنية. وذكر بعض أجله المحققين (1) من معاصرينا في تأييد هذا القول ما محصله: أن ذا القرنين المذكور في القرآن قبل الاسكندر المقدوني بمآت من السنين فليس هو هو بل هو أحد الملوك الصالحين من التبابعة الاذواء من ملوك اليمن، وكان من شيمة طائفه منهم التسمى بذي كذى همدان وذي غمدان وذي المنار وذي الاذعار وذي يزن وغيرهم. وكان مسلما موحدا وعادلا حسن السيرة وقويا ذا هيبة وشوكه سار في جيش كثيف نحو المغرب فاستولى على مصر وما وراءها ثم لم يزل يسير على سواحل البحر
________________________________________
(1) وهو العلامة السيد هبة الدين الشهرستاني. (*)
________________________________________
[ 389 ]
الابيض حتى بلغ ساحل المحيط الغربي فوجد الشمس تغيب في عين حمئة أو حامية. ثم رجع سائرا نحو المشرق وبنى في مسيره " أفريقية (1). وكان شديد الولع وذا خبرة في البناء والعمارة ولم يزل يسير حتى مر بشبه جزيرة وبراري آسيا الوسطى وبلغ تركستان وحائط الصين ووجد هناك قوما لم يجعل الله لهم من دون الشمس سترا. ثم مال إلى الجانب الشمالي حتى بلغ مدار السرطان، ولعله الذي شاع في الالسن أنه دخل الظلمات، فسأله أهل تلك البلاد أن يبني لهم سدا يصد عنهم يأجوج ومأجوج لما أن اليمنيين - وذو القرنين منهم - كانوا معروفين بعمل السد والخبرة فيه فبنى لهم السد. فإن كان هذا السد هو الحائط الكبير الحائل بين الصين ومنغوليا فقد كان ذلك ترميما منه لمواضع تهدمت من الحائط بمرور الايام وإلا فأصل الحائط إنما بناه بعض ملوك الصين قبل ذلك، وإن كان سدا آخر غير الحائط فلا إشكال. ومما بناه ذو القرنين واسمه الاصلي " شمر يرعش " في تلك النواحي مدينة سمرقند (2) على ما قيل. وأيد ذلك بأن كون ذي القرنين ملكا عربيا صالحا يسأل عنه الاعراب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويذكره القرآن الكريم للتذكر والاعتبار أقرب للقبول من أن يذكر قصة بعض ملوك الروم أو العجم أو الصين، وهم من الامم البعيدة التي لم يكن للاعراب هوى في أن يسمعوا أخبارهم أو يعتبروا بآثارهم، ولذا لم يتعرض القرآن لشئ من أخبارهم. انتهى ملخصا. والذي يبقى عليه أن كون حائط الصين هو سد ذي القرنين لا سبيل إليه فإن ذا القرنين قبل الاسكندر بعدة قرون على ما ذكره وقد بنى حائط الصين بعد الاسكندر بما يقرب من نصف قرن وأما غير الحائط الكبير ففي ناحية الشمال الغربي من الصين بعض أسداد اخر لكنها مبنية من الحجارة على ما يذكر لا أثر فيها من زبر الحديد والقطر.
________________________________________
(1) بناها التبع أفريقس الملك ويقال إنه ذو القرنين، وقيل إنه أبوذي القرنين أو أخوه وبه سميت القارة افريقيا. (2) يقال انه مر بناحية تركستان فخرب " سند " وبنى " سمرقند " فقيل " شمركند " أي شمر قلع وخرب سند فبقي شمراسماله كند ثم عربت الكلمة فصارت سمرقند. (*)
________________________________________
[ 390 ]
وقال في تفسير الجواهر بعد ذكر مقدمة ملخصها أن المعروف من دول اليمن بمعونة من النقوش المكشوفة في خرائب اليمن ثلاث دول: دولة معين وعاصمتها قرناء وقد قدر العلماء أن آثار دولة معين تبتدئ من القرن الرابع عشر قبل الميلاد إلى القرن السابع أو الثامن قبله، وقد عثروا على بعض ملوك هذه الدولة وهم ستة وعشرون ملكأ مثل " أب يدع " و " أب يدع ينيع " أي المنقد. ودولة سبا وهم من القحطانيين كانوا أولا أذواء فأقيالا، والذى نبغ منهم " سبا " صاحب قصر صرواح شرقي صنعاء فاستولى على الجميع، ويبتدئ ملكهم من 850 ق م إلى 115 ق م والمعروف من ملوكهم سبعة وعشرون ملكا خمسة عشر منهم يسمى مكربا كالمكرب " يثعمر " والمكرب " ذمر على " واثنا عشرة منهم يسمى ملكا فقط كالملك " ذرح " والملك " يريم أيمن ". ودولة الحميريين وهم طبقتان الاولى ملوك سبا وريدان من سنة 115 ق م إلى سنة 275 ق م وهؤلاء ملوك فقط، والطبقة الثانية ملوك سبا وريدان وحضر موت وغيرها، وهؤلاء أربعه عشر ملكا أكثرهم تبابعه أولهم " شمر يرعش " وثانيهم " ذو القرنين " وثالثهم " عمرو " زوج بلقيس (1) ونتهي إلي ذي جدن ويبتدئ ملكهم من سنة 275 م إلى سنة 525. ثم قال: فقد ظهرت صلة الاتصاف بلقب " ذي " بملوك اليمن ولا نجد في غيرهم كملوك الروم مثلا من يلقب بذي فذو القرنين من ملوك اليمن، وقد تقدم من ملوكهم من يسمي بذي القرنين، ولكن هل هذا هو ذو القرنين المذكور في القرآن ؟ نحن نقول: كلا لان هذا مذكور في ملوك قريبي العهد منا جدا، ولم ينقل ذلك عنهم اللهم إلا في روايات ذكرها القصاصون في التاريخ مثل أن " شمر يرعش " وصل إلى بلاد العراق وفارس وخراسان والصغد وبنى مدينة سمرقند وأصله شمر كند، وأن
________________________________________
(1) بلقيس هذه غير ملكة سبأ التي يقال إن سليمان بن داود عليه السلام تزوج بها بعدما أحضرها من سبأ وهو سابق على الميلاد بما يقرب من الف سنة. (*)
________________________________________
[ 391 ]
أسعد أبو كرب غزا آذربيجان، وبعث حسانا ابنه إلى الصغد، وابنه يعفر إلى الروم، وابن أخيه إلى الفرس، وأن من الحميريين من بقوا في الصين لهذا العهد بعد غزو ذلك الملك لها. وكذب ابن خلدون وغيره هذه الاخبار، ووسموها بأنها مبالغ فيها ونقضوها بأدلة جغرافية وأخرى تاريخية. إذن يكون ذو القرنين من أمة العرب ولكنه في تاريخ قديم قبل التاريخ المعروف. انتهى ملخصا. و - وقيل: إن ذا القرنين هو كورش أحد ملوك الفرس الهخامنشيين (539 - 560 ق م وهو الذي أسس الامبراطورية الايرانية، وجمع بين مملكتي الفارس وماد، وسخر بابل وأذن في رجوع اليهود من بابل إلى اورشليم وساعد في بناء الهيكل وسخر مصر ثم اجتاز إلى يونان فغلبهم وبلغ المغرب ثم سار إلى أقاصي المعمورة في المشرق. ذكر بعض من قارب (1) عصرنا ثم بذل الجهد في إيضاحه وتقريبه بعض محققي (2) الهند في هذه الاواخر بيان ذلك إجمالا أن الذي ذكره القرآن من وصف ذي القرنين منطبق على هذا الملك العظيم فقد كان مؤمنا بالله بدين التوحيد عادلا في رعيته سائرا بالرأفة والرفق والاحسان سائسا لاهل الظلم والعدوان، وقد آتاه الله من كل شئ سببا فجمع بين الدين والعقل وفضائل الاخلاق والعدة والقوة والثروة والشوكة ومطاوعة الاسباب. وقد سار كما ذكره الله في كتابه مره نحو المغرب حتى استولى علي ليديا وحواليها ثم سار ثانيا نحو المشرق حتى بلغ مطلع الشمس ووجد عنده قوما بدويين همجيين يسكنون في البراري ثم بنى السد وهو على ما يدل عليه الشواهد السد المعمول في مضيق داريال بين جبال قفقاز بقرب " مدينة تفليس " هذا إجمال الكلام ودونك التفصيل. ايمانه بالله واليوم الاخر: يدل على ذلك ما في كتب العهد العتيق ككتاب عزرا
________________________________________
(1) سر احمد خان الهندي. (2) الباحث المحقق مولانا أبو الكلام آزاد. (*)
________________________________________
[ 392 ]
(الاصحاح 1) وكتاب دانيال (الاصحاح 6) وكتاب أشعياء (الاصحاح 44 و 45) من تجليله وتقديسه حتى سماه في كتاب الاشعياء " راعي الرب " وقال في الاصحاح الخامس والاربعين: " هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكت بيمينه لادوس أمامه امما وأحقاء ملوك أحل لا فتح أمامه المصراعين والابواب لا تغلق. أنا أسير قدامك والهضاب أمهد أكسر مصراعي النحاس ومغاليق الحديد أقصف. وأعطيك ذخائر الظلمة وكنوز المخابي. لكي تعرف أني أنا الرب الذي يدعوك باسمك. لقبتك وأنت لست تعرفني. ولو قطع النظر عن كونه وحيا فاليهود على ما بهم من العصبية المذهبية لا يعدون رجلا مشركا مجوسيا أو وثنيا - لو كان كورش كذلك - مسيحا إلهيا مهديا مؤيدا وراعيا للرب. على أن النقوش والكتابات المخطوطة بالخط المسماري المأثور عن داريوش الكبير وبينهما من الفصل الزماني ثماني سنين ناطقة بكونه موحدا غير مشرك، وليس من المعقول أن يتغير ما كان عليه كورش في هذا الزمن القصير. وأما فضائله النفسانية فيكفي في ذلك الرجوع إلى المحفوظ من أخباره وسيرته وما قابل به الطغاة والجبابرة الذين خرجوا عليه أو حاربهم كملوك " ماد " و " ليديا " و " بابل " و " مصر " وطغاة البدو في أطراف " بكتريا " وهو البلخ وغيرهم، وكان كلما ظهر على قوم عفا عن مجرميهم، وأكرم كريمهم ورحم ضعيفهم وساس مفسدهم وخائنهم. وقد أثنى عليه كتب العهد القديم، واليهود يحترمه أعظم الاحترام لما نجاهم من أساره بابل وأرجعهم إلى بلادهم وبذل لهم الاموال لتجديد بناء الهيكل ورد إليهم نفائس الهيكل المنهوبة المخزونة في خزائن ملوك بابل، وهذا في نفسه مؤيد آخر لكون ذي القرنين هو كورش فان السؤال عن ذي القرنين إنما كان بتلقين من اليهود على ما في الروايات. وقد ذكره مؤرخو يونان القدماء كهرودت وغيره فلم يسعهم إلا أن يصفوه
________________________________________
[ 393 ]
بالمروة والفتوة والسماحة والكرم والصفح وقلة الحرص والرحمة والرأفة ويثنوا عليه بأحسن الثناء. واما تسميته بذي القرنين فالتواريخ وإن كانت خاليه عما يدل على شئ في ذلك لكن اكتشاف تمثاله الحجري اخيرا في مشهد مرغاب في جنوب إيران يزيل الريب في اتصافه بذي القرنين فانه مثل فيه ذا قرنين نابتين من أم رأسه من منبت واحد أحد القرنين مائل إلى قدام والاخر آخذ جهة الخلف. وهذا قريب من قول من قال من القدماء في وجه تسمية ذي القرنين أنه كان له تاج أو خوذة فيه قرنان. وقد ورد في كتاب دانيال ذكر رؤيا رأى كورش فيه في صورة كبش ذي قرنين قال فيه (1). " في السنة الثالثة من ملك " بيلشاصر " الملك ظهرت لي انا دانيال رؤيا بعد التي ظهرت لي في الابتداء. فرأيت في الرؤيا وكأن في رؤياي وانا في " شوشن " القصر الذي في ولاية عيلام. ورأيت في الرؤيا وأنا عند نهر " اولاي " فرفعت عيني وإذا بكبش واقف عند النهر وله قرنان والقرنان عاليان والواحد اعلى من الاخر والاعلى طالع اخيرا. رأيت الكبش ينطح غربا وشمالا وجنوبا فلم يقف حيوان قدامه ولا منفذ من يده وفعل كمرضاته وعظم. وبينما كنت متأملا إذا بتيس من المعزجاء من المغرب على وجه كل الارض ولم يمس الارض وللتيس قرن معتبر بين عينيه. وجاء إلى الكبش صاحب القرنين الذي رأيته واقفا عند النهر وركض إليه بشدة قوته ورايته قد وصل إلى جانب الكبش فاستشاط عليه وضرب الكبش وكسر قرنيه فلم تكن للكبش قوة على الوقوف امامه وطرحه على الارض وداسه ولم يكن للكبش منفذ من يده. فتعظم تيس المعز جدا. ثم ذكر بعد تمام الرؤيا ان جبرئيل تراءى له وعبر رؤياه بما ينطبق فيه الكبش ذو القرنين على كورش، وقرناه مملكتا الفارس وماد، والتيس ذو القرن الواحد على
________________________________________
(1) كتاب دانيال الاصحاح الثامن 1 - 9. (*)
________________________________________
[ 394 ]
الاسكندر المقدونى. واما سيره نحو المغرب والمشرق فسيره نحو المغرب كان لدفع طاغية " ليديا " وقد سار بجيوشه نحو كورش ظلما وطغيانا من غير أي عذر يجوز له ذلك فسار إليه وحاربه وهزمه ثم عقبه حتى حاصره في عاصمة ملكه ثم فتحها وأسره ثم عفا عنه وعن سائر أعضاده وأكرمه وإياهم وأحسن إليهم وكان له أن يسوسهم ويبيدهم وانطباق القصة على قوله تعالى: " حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة - ولعلها الساحل الغربي من آسيا الصغرى - ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا " وذلك لاستحقاقهم العذاب بطغيانهم وظلمهم وفسادهم. ثم إنه سار نحو الصحراء الكبير بالمشرق حوالي بكتريا لاخماد غائلة قبائل بدوية همجية انتهضوا هناك للمهاجمة والفساد وانطباق قوله تعالى: " حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا عليه ظاهر. واما بناؤه السد: فالسد الموجود في مضيق جبال قفقاز الممتدة من بحر الخزر إلى البحر الاسود، ويسمى المضيق " داريال " (1) وهو واقع بلدة " تفليس " وبين " ولادي كيوكز ". وهذا السد واقع في مضيق بين جبلين شاهقين يمتدان من جانبيه وهو وحده الفتحة الرابطة بين جانبي الجبال الجنوبي والشمالي والجبال مع ما ينضم إليها من بحر الخزر والبحر الاسود حاجز طبيعي في طول الوف من الكيلو مترات يحجز جنوب آسيا من شمالها. وكان يهجم في تلك الاعصار أقوام شريرة من قاطني الشمال الشرقي من آسيا من مضيق جبال قفقاز إلى ما يواليها من الجنوب فيغيرون على ما دونها من أرمينستان ثم إيران حتى الاشور وكلده، وهجموا في حوالي المائة السابعة قبل الميلاد فعمموا البلاد قتلا وسبيا ونهبأ حتى بلغوا نينوى عاصمة الاشور وكان ذلك في القرن السابق على عهد
________________________________________
(1) ولعله محرف " داريول " بمعنى المضيق بالتركية، ويسمى السد باللغة المحيلة " دمير قابو " ومعناه باب الحديد. (*)
________________________________________
[ 395 ]
كورش تقريبا. وقد ذكر المؤرخون من القدماء كهرودوت اليونانى سير كورش إلى شمال إيران لاخماد نوائر فتن اشتعلت هناك، والظاهر أنه بنى السد في مضيق داريال في مسيره هذا لاستدعاء من أهل الشمال وتظلم منهم، وقد بناه بالحجارة والحديد وهو الردم الوحيد الذي استعمل فيه الحديد، وهو بين سدين جبلين، وانطباق قوله تعالى: " فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما آتوني زبر الحديد " الايات عليه ظاهر. ومما أيد به هذا المدعى وجود نهر بالقرب منه يسمى " سايروس " وهو اسم كورش عند الغربيين، ونهر آخر يمر بتفليس يسمى " كر " وقد ذكر هذا السد " يوسف " اليهودي المؤرخ عند ذكر رحلته إلى شمال قفقاز وليس هو الحائط الموجود في باب الابواب على ساحل بحر الخزر فان التاريخ ينسب بناءه إلى كسرى أنو شيروان وكان يوسف قبله (1). على أن سد باب الابواب غير سد ذي القرنين المذكور في القرآن قطعا إذ لم يستعمل فيه حديد قط. وأما يأجوج ومأجوج فالبحث عن التطورات الحاكمة على اللغات يهدينا إلى أنهم المغول فان الكلمة بالتكلم الصيني " منكوك " أو " منجوك " ولفظتا يأجوج ومأجوج كأنهما نقل عبرانى وهما في التراجم اليونانية وغيرها للعهد العتيق " كوك " و " مأكوك " والشبه الكامل بين " ماكوك " و " منكوك " يقضي بأن الكلمة متطورة من التلفظ الصيني " منكوك " كما اشتق منه " منغول " و " مغول " ولذلك في باب تطورات الالفاظ نظائر لا تحصى. فيأجوج ومأجوج هما المغول وكانت هذه الامة القاطنة بالشمال الشرقي من آسيا من أقدم الاعصار امة كبيرة مهاجمة تهجم برهة إلى الصين وبرهة من طريق داريال قفقاز إلى أرمينستان وشمال إيران وغيرها وبرهة وهى بعد بناء السد إلى شمال اوربة وتسمى
________________________________________
(1) فهو على ما يقال كان يعيش في القرن الاول الميلادي. (*)
________________________________________
[ 396 ]
عندهم بسيت ومنهم الامة الهاجمة على الروم وقد سقطت في هذه الكرة دولة رومان، وقد تقدم أيضا أن المستفاد من كتب العهد العتيق أن هذه الامة المفسدة من سكنة أقاصى الشمال. هذه جملة ما لخصناه من كلامه، وهو وإن لم يخل عن اعتراض ما في بعض أطرافه لكنه أوضح انطباقا على الايات وأقرب إلى القبول من غيره. ز - ومما قيل في ذي القرنين ما سمعته عن بعض مشايخي أنه من أهل بعض الادوار السابقة على هذه الدورة الانسانية وهو غريب ولعله لتصحيح ما ورد في الاخبار من عجائب حالات ذي القرنين وغرائب ما وقع منه من الوقائع كموته وحياته مرة بعد مرة ورفعه إلى السماء ونزوله إلى الارض وقد سخر له السحاب يسير به إلى المغرب والمشرق، وتسخير النور والظلمة والرعد والبرق له، ومن المعلوم أن تاريخ هذه الدورة لا يحفظ شيئا من ذلك فلا بد أن يكون ذلك في بعض الادوار السابقة هذا، وقد بالغ في حسن الظن بتلك الاخبار. 4 - أمعن أهل التفسير والمؤرخون في البحث حول القصة، وأشبعوا الكلام في أطرافها، وأكثرهم على أن يأجوج ومأجوج امة كبيرة في شمال آسيا، وقد طبق جمع منهم ما أخبر به القرآن من خروجهم في آخر الزمان وإفسادهم في الارض على هجوم التتر في النصف الاول من القرن السابع الهجري على غربي آسيا، وإفراطهم في إهلاك الحرث والنسل بهدم البلاد وإبادة النفوس ونهب الاموال وفجائع لم يسبقهم إليها سابق. وقد أخضعوا أولا الصين ثم زحفوا إلى تركستان وإيران والعراق والشام وقفقاز إلى آسيا الصغرى، وأفنوا كل ما قاومهم من المدن والبلاد والحصون كسمرقند وبخارا وخوارزم ومرو ونيسابور والري وغيرها، فكانت المدينة من المدن تصبح وفيها مآت الالوف من النفوس وتمسي ولم يبق من عامة أهلها نافخ نار، ولا من هامة أبنيتها حجر على حجر. ثم رجعوا إلى بلادهم ثم عادوا وحملوا على الروس ودمروا أهل بولونيا وبلاد المجر
________________________________________
[ 397 ]
وحملوا على الروم وألجأوهم على الجزية كل ذلك في فجائع يطول شرحها. لكنهم أهملوا البحث عن أمر السد من جهة خروجهم منه وحل مشكلته فإن قوله تعالى: " فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا وجعلنا بعضهم يومئذ يموج في بعض الايات ظاهره على ما فسروه أن هذه الامة المفسدة محبوسون فيما وراءه لا مخرج لهم إلى سائر الارض مادام معمورا قائما على ساقه حتى إذا جاء وعد الله سبحانه جعله دكاء مثلما أو منهدما فخرجوا منه إلى الناس وساروا بالفساد والشر. فكان عليهم - على هذا - أن يقرروا للسد وصفه هذا فإن كانت هذه الامة المذكورة هي التتر وقد ساروا من شمال الصين إلى إيران والعراق والشام وقفقاز إلى آسيا الصغرى فأين كان هذا السد الموصوف في القرآن الذى وطؤوه ثم طلعوا منه إلى هذه البلاد وجعلوا عاليها سافلها ؟ وإن لم تكن هي التتر أو غيرها من الامم المهاجمة في طول التاريخ فأين هذا السد المشيد بالحديد ومن صفته أنه يحبس امة كبيرة منذ الوف من السنين من أن تهجم على سائر أقطار الارض ولا مخرج لهم إلى سائر الدنيا دون السد المضروب دونهم وقد ارتبطت اليوم بقاع الارض بعضها ببعض بالخطوط البرية والبحرية والهوائية وليس يحجز حاجز طبيعي كجبل أو بحر أو صناعي كسد أو سور أو خندق أمة من أمة فأي معنى لانصداد قوم عن الدنيا بسد بين جبلين بأي وصف وصف وعلى أي نحو فرض ؟. بيان والذي أرى في دفع هذا الاشكال - والله أعلم - أن قوله: " دكاء " من الدك بمعنى الذلة قال في لسان العرب: وجبل دك: ذليل. انتهى. والمراد بجعل السد دكاء جعله ذليلا لا يعبأ بأمره ولا ينتفع به من جهة اتساع طرق الارتباط وتنوع وسائل الحركة والانتقال برا وبحرا وجوا. فحقيقة هذا الوعد هو الوعد برقي المجتمع البشري في مدنيته، واقتراب شتى اممه إلى حيث لا يسده سد ولا يحوطه حائط عن الانتقال من أي صقع من أصقاع الارض إلى غيره ولا يمنعه من الهجوم والزحف إلى أي قوم شاؤا. ويؤيد هذا المعنى سياق قوله تعالى في موضع آخر يذكر فيه هجوم يأجوج ومأجوج
________________________________________
[ 398 ]
" حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون " حيث عبر بفتح يأجوج ومأجوج ولم يذكر السد. وللدك معنى آخر وهو الدفن بالتراب ففي الصحاح: دككت الركى - وهو البئر - دفنته بالتراب انتهى، ومعنى آخر وهو صيرورة الجبل رابية من طين، قال في الصحاح وتد كدكت الجبال أي صارت روابي من طين واحدتها دكاء انتهى. فمن الممكن أن يحتمل أن السد من جملة أبنية العهود القديمة التي ذهبت مدفونة تحت التراب عن رياح عاصفة أو غريقة بانتقال البحار أو اتساع بعضها على ما تثبتها الابحاث الجيولوجية، وبذلك يندفع الاشكال لكن الوجه السابق أوجه والله أعلم قل هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا (103). الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (104). أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيمه وزنا (105). ذلك جزآوهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا (106). إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا (107). خالدين فيها لا يبغون عنها حولا (108). (بيان) الايات الست في منزلة الاستنتاج مما تقدم من آيات السورة الشارحه لافتنان المشركين بزينة الحياة الدنيا واطمئنانهم بأولياء من دون الله وابتلائهم بما ابتلوا به من غشاوة الابصار ووقر الاذان وما يتعقب ذلك من سوء العاقبة وتمهيد لما سيأتي من قوله
________________________________________
[ 399 ]
في آخر السورة: " قل إنما أنا بشر مثلكم الاية. قوله تعالى: " قل هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا ظاهر السياق أن الخطاب للمشركين وهو مسوق سوق الكناية وهم المعنيون بالتوصيف وسيقترب من التصريح في قوله: " اولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه " فالمنكرون للنبوة والمعاد هم المشركون. قيل: ولم يقل: بالاخسرين عملا، مع أن الاصل في التمييز أن يأتي مفردا والمصدر شامل للقليل والكثير للايذان بتنوع أعمالهم وقصد شمول الخسران لجميعها. قوله تعالى: " الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " إنباء بالاخسرين أعمالا وهم الذين عرض في الايه السابقة على المشركين أن ينبئهم بهم ويعرفهم إياهم فعرفهم بأنهم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وضلال السعي خسران ثم عقبه بقوله: " وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وبذلك تم كونهم أخسرين. بيان ذلك: أن الخسران والخسار في المكاسب والمساعي المأخوذة لغاية الاسترباح إنما يتحقق إذا لم يصب الكسب والسعي غرضه وانتهى إلى نقص في رأس المال أو ضيعة السعي وهو المعبر عنه في الاية بضلال السعي كأنه ضل الطريق فانتهى به السير إلى خلاف غرضه. والانسان ربما يخسر في كسبه وسعيه لعدم تدرب في العمل أو جهل بالطريق أو لعوامل اخر اتفاقيه وهي خسران يرجى زواله فإن من المرجو أن يتنبه به صاحبه ثم يستأنف العمل فيتدارك ما ضاع منه ويقضي ما فات، وربما يخسر وهو يذعن بأنه يربح، ويتضرر وهو يعتقد أن ينتفع لا يرى غير ذلك وهو أشد الخسران لا رجاء لزواله. ثم الانسان في حياته الدنيا لا شأن له إلا السعي لسعادته ولا هم له فيما وراء ذلك فإن ركب طريق الحق وأصاب الغرض وهو حق السعادة فهو، وإن أخطا الطريق وهو لا يعلم بخطإه فهو خاسر سعيا لكنه مرجو النجاة، وان أخطا الطريق وأصاب غير الحق وسكن إليه فصار كلما لاح له لائح من الحق ضربت عليه نفسه بحجاب الاعراض وزينت له ما هو فيه من الاستكبار وعصبية الجاهلية فهو أخسر عملا وأخيب سعيا لانه خسران لا يرجى زواله ولا مطمع في أن يتبدل يوما سعادة وهو قوله تعالى في تفسير الاخسرين أعمالا الذين: " ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ".
________________________________________
[ 400 ]
وحسبانهم عملهم حسنا مع ظهور الحق وتبين بطلان أعمالهم لهم إنما هو من جهة انجذاب نفوسهم إلى زينات الدنيا وزخارفها وانغمارهم في الشهوات فيحبسهم ذلك عن الميل إلى اتباع الحق والاصغاء إلى داعي الحق ومنادي الفطرة قال تعالى: " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم " النمل: 14 وقال: " وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم " البقرة: 206 فاتباعهم هوى أنفسهم ومضيهم على ما هم عليه من الاعراض عن الحق عنادا واستكبارا والانغمار في شهوات النفس ليس إلا رضى منهم بما هم عليه واستحسانا منهم لصنعهم. قوله تعالى: " أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه " تعريف ثان وتفسير بعد تفسير للاخسرين أعمالا، والمراد بالايات - على ما يقتضيه إطلاق الكلمة - آياته تعالى في الافاق والانفس وما يأتي به الانبياء والرسل من المعجزات لتأييد رسالتهم فالكفر بالايات كفر بالنبوة، على أن النبي نفسه من الايات، والمراد بلقاء الله الرجوع إليه وهو المعاد. فآل تعريف الاخسرين أعمالا إلى أنهم المنكرون للنبوة والمعاد وهذا من خواص الوثنيين. قوله تعالى: " فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا " وجه حبط أعمالهم أنهم لا يعملون عملا لوجه الله ولا يريدون ثواب الدار الاخرة وسعادة حياتها ولا أن الباعث لهم على العمل ذكر يوم الحساب وقد مر كلام في الحبط في مباحث الاعمال في الجزء الثاني من هذا الكتاب. وقوله: " فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا " تفريع على حبط أعمالهم والوزن يوم القيامة بثقل الحسنات على ما يدل عليه قوله تعالى: " والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فاولئك الذين خسروا أنفسهم " الاعراف: 9، وإذ لا حسنة للحبط فلا ثقل فلا وزن. قوله تعالى: " ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا " الاشارة إلى ما أورده من وصفهم، واسم الاشارة خبر لمبتدء محذوف والتقدير: الامر ذلك أي حالهم ما وصفناه وهو تأكيد وقوله: " جزاؤهم جهنم " كلام مستأنف ينبئ عن
________________________________________
[ 401 ]
عاقبه أمرهم وقوله بما كفروا واتخذوا آياتى ورسلي هزوا " في معنى بما كفروا وازدادوا كفرا باستهزاء آياتي ورسلي. قوله تعالى: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا " الفردوس يذكر ويؤنث قيل: هي البستان بالرومية، وقيل: الكرم بالنبطية وأصله فرداسا وقيل: جنة الاعناب بالسريانية وقيل الجنة بالحبشية، وقيل: عربية وهي الجنة الملتفة بالاشجار والغالب عليه الكرم. وقد استفاد بعضهم من عده جنات الفردوس نزلا وقد عد سابقا جهنم للكافرين نزلا أن وراء الجنة والنار من الثواب والعقاب ما لم يوصف بوصف وربما أيده أمثال قوله تعالى: " لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد " ق: 35 وقوله: " فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين " الم السجدة: 17، وقوله: " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون. قوله تعالى: " خالدين فيها لا يبغون عنها حولا " البغي الطلب، والحول التحول، والباقي ظاهر. (بحث روائي) في الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن أبي الطفيل قال: سمعت علي بن أبي طالب وسأله ابن الكوا فقال: من " هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا " ؟ قال: فجرة قريش. وفي تفسير العياشي عن امام بن ربعي قال: قال ابن الكوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أخبرني عن قول الله: " قل هل ننبئكم إلى قوله - صنعا " قال: اولئك أهل الكتاب كفروا بربهم، وابتدعوا في دينهم فحبطت أعمالهم وما أهل النهر منهم ببعيد. أقول: وروى أنهم النصاري، القمي عن أبي جعفر عليه السلام والطبرسي في الاحتجاج عن علي عليه السلام أنهم أهل الكتاب وفي الدر المنثور عن ابن المنذر وابن أبي حاتم عن
________________________________________
[ 402 ]
أبي خميصة عبد الله بن قيس عن علي عليه السلام: أنهم الرهبان الذين حبسوا أنفسهم في السواري. والروايات جميعا من قبيل الجرى، والايتان واقعتان في سياق متصل وجه الكلام فيه مع المشركين والاية الثالثة " اولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه " الاية وهي تفسير الثانية أوضح انطباقا على الوثنيين منها على غيرهم كما مر فما عن القمي في تفسيره في ذيل الاية أنها نزلت في اليهود وجرت في الخوارج ليس بصواب. في تفسير البرهان عن محمد بن العباس بإسناده عن الحارث عن على عليه السلام قال: لكل شئ ذروة وذروه الجنة الفردوس، وهي لمحمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الدر المنثور أخرج البخاري ومسلم وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمان ومنه تفجر أنهار الجنة. وفي المجمع روى عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: الجنة مائه درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والارض، الفردوس أعلاها درجة منها تفجر أنهار الجنة الاربعة فإذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس. أقول: وفي هذا المعنى روايات اخر. وفي تفسير القمي عن جعفر بن أحمد عن عبيد الله بن موسى عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: قلت قوله: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا " قال: نزلت في أبي ذر وسلمان والمقداد وعمار بن ياسر جعل الله لهم جنات الفردوس نزلا أي مأوي ومنزلا. أقول: وينبغي أن يحمل على الجري أو المراد نزولها في المؤمنين حقا وإنما ذكر الاربعة لكونهم من أوضح المصاديق وإلا فالسورة مكية وسلمان رضي الله عنه ممن آمن بالمدينة. على أن سند الحديث لا يخلو عن وهن
________________________________________
[ 403 ]
قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا (109). بيان الاية بيان مستقل لسعة كلمات الله تعالى وعدم قبولها النفاد وليس من البعيد أن تكون نازلة وحدها لا في ضمن آيات السورة لكنها لو كانت نازلة في ضمن آياتها كانت مرتبطة بجميع ما بحثت عنه السورة. وذلك أن السورة أشارت في أولها إلى أن هناك حقائق إلهية وذكرت أولا في تسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن حزنه من إعراضهم عن الذكر أن عامتهم في رقدة عن التنبه لها وسيستيقظون عن نومتهم، وأورد في ذلك قصة أصحاب الكهف ثم ذكر بامور أورد في ذيلها قصة موسى والخضر حيث شاهد موسى عنه أعمالا ذات تأويل لم يتنبه لتأويلها وأغفله ظاهرها عن باطنها حتى بينها له الخضر فسكن عند ذلك قلقه ثم اورد قصة ذي القرنين والسد الذي ضربه بامر من الله في وجه المفسدين من ياجوج وماجوج فحجزهم عن ورود ما وراءه والافساد فيه. فهذه - كما ترى - امور تحتها حقائق واسرار وبالحقيقة كلمات تكشف عن مقاصد إلهية وبيانات تنبئ عن خبايا يدعو الذكر الحكيم الناس إليها، والاية - والله أعلم - تنبئ أن هذه الامور وهي كلماته تعالى المنبئة عن مقاصده لا تنفد والاية في وقوعها بعد استيفاء السورة ما استوفتها من البيان بوجه مثل قول القائل وقد طال حديثه: ليس لهذا الحديث منتهى فلنكتف بما أوردناه. قوله تعالى: " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي إلى آخر الاية، الكلمة تطلق على الجملة كما تطلق على المفرد ومنه قوله تعالى: " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله " الاية آل عمران: 64 وقد استعملت كثيرا في القرآن الكريم فيما قاله الله وحكم به كقوله: " وتمت كلمة ربك الحسنى على
________________________________________
[ 404 ]
بنى إسرائيل بما صبروا " الاعراف: 137، وقوله: " كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون " يونس: 33، وقوله: " ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم " يونس 19 إلى غير ذلك من الايات الكثيرة جدا. ومن المعلوم أنه تعالى لا يتكلم بشق الفم وإنما قوله فعله وما يفيضه من وجود كما قال: " إنما قولنا لشئ إذا اردناه أن نقول له كن فيكون " النحل: 40 وإنما تسمى كلمة لكونها آية دالة عليه تعالى ومن هنا سمى المسيح كلمة في قوله: " إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته " النساء 171. ومن هنا يظهر أنه ما من عين يوجد أو واقعة تقع إلا وهي من حيث كونها آية دالة عليه كلمة منه إلا أنها خصت في عرف القرآن بما دلالته ظاهرة لاخفاء فيها ولا بطلان ولا تغير كما قال: " والحق أقول " ص: 84 وقال: " ما يبدل القول لدي ق: 29 وذلك كالمسيح عليه السلام وموارد القضاء المحتوم. ومن هنا يظهر أن حمل الكلمات في الايي على معلوماته أو مقدوراته تعالى أو مواعده لاهل الثواب والعقاب إلى غير ذلك مما ذكره المفسرون غير سديد. فقوله: " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي " أي فرقمت الكلمات وأثبتت من حيث دلالتها بذاك البحر المأخوذ مدادا لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي. وقوله: " ولو جئنا بمثله مددا " أي ولو أمددناه ببحر آخر لنفد أيضا قبل أن تنفد كلمات ربى. وذكر بعضهم: أن المراد بمثله جنس المثل لا مثل واحد، وذلك لان المثل كلما اضيف إلى الاصل لم يخرج عن التناهي، وكلماته يعني معلوماته غير متناهية والمتناهي لا يضبط غير المتناهي انتهي. ملخصا. وما ذكره حق لكن لا لحديث التناهي واللاتناهي وإن كانت الكلمات غير متناهية بل لان الحقائق المدلول عليها والكلمات من حيث دلالتها غالبة على المقادير كيف ؟ وكل ذرة من ذرات البحر وإن فرض ما فرض لا تفى بثبت دلالة نفسها في مدي وجودها على ما تدل عليه من جماله وجلاله تعالى فكيف إذا اضيف إليها غيرها.
________________________________________
[ 405 ]
وفي تكرار " البحر " في الايه بلفظه وكذا " ربى " وضع الظاهر موضع المضمر والنكتة فيه التثبيت والتأكيد وكذا في تخصيص الرب بالذكر وإضافته إلى ضمير المتكلم مع ما فيه من تشريف المضاف إليه. (بحث روائي) في تفسير القمي بإسناده عن أبي بصير عن أبى عبد الله عليه السلام في الاية قال: أخبرك أن كلام الله ليس له آخر ولا غاية ولا ينقطع أبدا. أقول: في تفسيره الكلمات بالكلام تأييد لما قدمناه. قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما ألهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا (110). بيان الاية خاتمة السورة وتلخص غرض البيان فيها وقد جمعت اصول الدين الثلاثة وهي التوحيد والنبوة والمعاد فالتوحيد ما في قوله: " إنما إلهكم إله واحد " والنبوة ما في قوله " إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى " وقوله " فليعمل عملا صالحا " الخ والمعاد ما في قوله " فمن كان يرجوا لقاء ربه ". قوله تعالى: " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد " القصر الاول قصره صلى الله عليه وآله وسلم في البشرية المماثلة لبشرية الناس لا يزيد عليهم بشئ ولا يدعيه لنفسه قبال ما كانوا يزعمون أنه إذا ادعى النبوة فقد ادعى كينونة إلهية وقدرة غيبية ولذا كانوا يقترحون عليه بما لا يعلمه إلا الله ولا يقدر عليه إلا الله لكنه صلى الله عليه وآله وسلم نفى ذلك كله بأمر الله عن نفسه ولم يثبت لنفسه إلا أنه يوحى إليه. والقصر الثاني قصر الاله الذى هو إلههم في إله واحد وهو التوحيد الناطق بأن إله الكل إله واحد. وقوله: " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل ا " لخ مشتمل على إجمال الدعوة الدينية
________________________________________
[ 406 ]
وهو العمل الصالح لوجه الله وحده لا شريك له وقد فرعه على رجاء لقاء الرب تعالى وهو الرجوع إليه إذ لو لا الحساب والجزاء لم يكن للاخذ بالدين والتلبس بالاعتقاد والعمل موجب يدعو إليه كما قال تعالى: " إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب " ص: 26. وقد رتب على الاعتقاد بالمعاد العمل الصالح وعدم الاشراك بعبادة الرب لان الاعتقاد بالوحدانية مع الاشراك في العمل متناقضان لا يجتمعان فالاله تعالى لو كان واحدا فهو واحد في جميع صفاته ومنها المعبودية لا شريك له فيها. وقد رتب الاخذ بالدين على رجاء المعاد دون القطع به لان احتماله كاف في وجوب التحذر منه لوجوب دفع الضرر المحتمل، وربما قيل: إن المراد باللقاء لقاء الكرامة وهو مرجو لا مقطوع به. وقد فرع رجاء لقاء الله على قوله: " أنما إلهكم إله واحد " لان رجوع العباد إلى الله سبحانه من تمام معنى الالوهية فله تعالى كل كمال مطلوب وكل وصف جميل ومنها فعل الحق والحكم بالعدل وهما يقتضيان رجوع عباده إليه والقضاء بينهم قال تعالى: " وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض أم نجعل المتقين كالفجار " ص: 28. (بحث روائي) في الدر المنثور أخرج ابن مندة وأبو نعيم في الصحابة وابن عساكر من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان جندب بن زهير إذا صلى أو صام أو تصدق فذكر بخير ارتاح له فزاد في ذلك لمقالة الناس فلامه الله فنزل في ذلك " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ". أقول: وورد نحو منه في عدة روايات اخر من غير ذكر الاسم وينبغي أن يحمل على انطباق الآية على المورد فمن المستبعد أن ينزل خاتمة سورة من السور لسبب خاص بنفسها. وفيه عن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم إن ربكم يقول: أنا
________________________________________
[ 407 ]
خير شريك فمن أشرك معي في عمله أحدا من خلقي تركت العمل كله له، ولم أقبل إلا ما كان لي خالصا ثم قرء النبي صلى الله عليه وسلم: " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ". وفي تفسير العياشي عن علي بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال الله تبارك وتعالى: أنا خير شريك من أشرك بي في عمله لم أقبله إلا ما كان لي خالصا. قال العياشي: وفي رواية اخري عنه عليه السلام قال: إن الله يقول: أنا خير شريك من عمل لي ولغيري فهو لمن عمل له دوني. وفي الدر المنثور أخرج أحمد وابن أبي الدنيا وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي عن شداد بن أوس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك ومن تصدق يرائي فقد أشرك ثم قرء " فمن كان يرجو لقاء ربه " الآية. وفي تفسير العياشي عن زرارة وحمران عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: لو أن عبدا عمل عملا يطلب به رحمة الله ولدار الآخرة ثم أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا. اقول: والروايات في هذا الباب من طرق الشيعة وأهل السنة فوق حد الاحصاء والمراد بالشرك فيها الشرك الخفي غير المنافي لاصل الايمان بل لكماله قال تعالى: " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " يوسف: 106 فالآية تشمله بباطنها لا بتنزيلها. وفي الدر المنثور أخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي حكيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو لم ينزل على امتي إلا خاتمة سورة الكهف لكفتهم. أقول: تقدم وجهه في البيان السابق. وفيه عن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم إن ربكم يقول: أنا
________________________________________
[ 407 ]
خير شريك فمن أشرك معي في عمله أحدا من خلقي تركت العمل كله له، ولم أقبل إلا ما كان لي خالصا ثم قرء النبي صلى الله عليه وسلم: " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ". وفي تفسير العياشي عن علي بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال الله تبارك وتعالى: أنا خير شريك من أشرك بي في عمله لم أقبله إلا ما كان لي خالصا. قال العياشي: وفي رواية اخري عنه عليه السلام قال: إن الله يقول: أنا خير شريك من عمل لي ولغيري فهو لمن عمل له دوني. وفي الدر المنثور أخرج أحمد وابن أبي الدنيا وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي عن شداد بن أوس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك ومن تصدق يرائي فقد أشرك ثم قرء " فمن كان يرجو لقاء ربه " الآية. وفي تفسير العياشي عن زرارة وحمران عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: لو أن عبدا عمل عملا يطلب به رحمة الله ولدار الآخرة ثم أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا. اقول: والروايات في هذا الباب من طرق الشيعة وأهل السنة فوق حد الاحصاء والمراد بالشرك فيها الشرك الخفي غير المنافي لاصل الايمان بل لكماله قال تعالى: " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " يوسف: 106 فالآية تشمله بباطنها لا بتنزيلها. وفي الدر المنثور أخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي حكيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو لم ينزل على امتي إلا خاتمة سورة الكهف لكفتهم. أقول: تقدم وجهه في البيان السابق. تم والحمد لله



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page