• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 351 الي 375


[ 351 ]
موسى وسأله أن يتبعه فيعلمه شيئا ذا رشد مما علمه الله. قال العالم: انك لن تستطيع معى صبرا على ما تشاهده من اعمالي التى لا علم لك بتأويلها، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا فوعده موسى ان يصبر ولا يعصيه في أمر ان شاء الله فقال له العالم بانيا على ما طلبه منه ووعده به: فإن اتبعتنى فلا تسألني عن شئ حتى احدث لك منه ذكرا. فانطلق موسى والعالم حتى ركبا سفينة وفيها ناس من الركاب وموسى خالي الذهن عما في قصد العالم فخرق العالم السفينة خرقا لا يؤمن معه الغرق فأدهش ذلك موسى وانساه وما وعده فقال للعالم: أخرقتها لتغرق اهلها لقد جئت شيئا امرا قال له العالم ألم اقل انك لن تسطيع معى صبرا ؟ فاعتذر إليه موسى بأنه نسي ما وعده من الصبر قائلا: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من امري عسرا. فانطلقا فلقيا غلاما فقتله العالم فلم يملك موسى نفسه دون ان تغير وانكر عليه ذلك قائلا: أقتلت نفسا زكية بغير نفس ؟ لقد جئت شيئا نكرا. قال له العالم ثانيا: لم اقل لك انك لن تستطيع معي صبرا ؟ فلم يكن عند موسى ما يعتذر به ويمتنع به عن مفارقته ونفسه غير راضية بها فاستدعى منه مصاحبة مؤجلة بسؤال آخر ان اتى به كان له فراقه واستمهله قائلا: ان سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا وقبله العالم. فانطلقا حتى اتيا قرية وقد بلغ بهما الجوع فاستطعما اهلها فلم يضيفهما أحد منهم وإذا بجدار فيها يريد أن ينقض ويتحذر منه الناس فأقامه العالم. قال له موسى: " لو شئت لتخذت على عملك منهم اجرا فتوسلنا به إلى سد الجوع فنحن في حاجة إليه والقوم لا يضيفوننا. فقال له العالم: هذا فراق بيني وبينك سانبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ثم قال: اما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ويتعيشون بها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا فخرقتها لتكون معيبة لا يرغب فيها. وأما الغلام فكان كافرا وكان ابواه مؤمنين، ولو انه عاش لارهقهما بكفره
________________________________________
[ 352 ]
وطغيانه فشملتهما الرحمة الالهية فأمرني ان اقتله ليبدلهما ولدا خيرا منه زكاه واقرب رحما فقتلته. وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان ابوهما صالحا فشملتهما الرحمة الالهية لصلاح ابيهما فأمرني أن اقيمه فيستقيم حتى يبلغا اشدهما ويستخرجا كنزهما ولو انقض لظهر أمر الكنز وانتهبه الناس. قال: وما فعلت الذي فعلت عن امري بل عن أمر من الله، وتأويلها ما أنبأتك به ثم فارق موسى. 2 - قصة الخضر عليه السلام - لم يرد ذكره في القرآن إلا ما في قصة رحلة موسى إلى مجمع البحرين، ولا ذكر شئ من جوامع أوصافه إلا ما في قوله تعالى. " فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما " الاية 65 من السورة والذى يتحصل من الروايات النبوية أو الواردة من طرق أئمه أهل البيت في قصته ففي رواية (1) محمد بن عمارة عن الصادق عليه السلام أن الخضر كان نبيا مرسلا بعثه الله تبارك وتعالى إلى قومه فدعاهم إلى توحيده والاقرار بأنبيائه ورسله وكتبه، وكان آيته أنه لا يجلس على خشبة يابسة ولا أرض بيضاء إلا أزهرت خضراء وإنما سمي خضرا لذلك، وكان اسمه تاليا بن مالك بن عابر بن ارفخشد بن سام بن نوح الحديث ويؤيد ما ذكر من وجه تسميته ما في الدر المنثور عن عدة من أرباب الجوامع عن ابن عباس وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما سمي الخضر خضرا لانه صلى على فروة بيضاء فاهتزت خضراء وفي بعض الاخبار - كما فيما رواه العياشي عن بريد عن أحدهما عليهما السلام الخضر وذو القرنين كانا عالمين ولم يكونا نبيين الحديث لكن الايات النازلة في قصته مع موسى لا تخلو عن ظهور في كونه نبيا كيف ؟ وفيها نزول الحكم عليه. ويظهر من أخبار متفرقة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أنه حى لم يمت بعد وليس بعزيز على الله سبحانه أن يعمر بعض عباده عمرا طويلا إلى أمد بعيد ولا أن هناك برهانا عقليا يدل على استحالة ذلك.
________________________________________
(1) الاتية في البحث الروائي الاتي. (*)
________________________________________
[ 353 ]
وقد ورد في سبب ذلك في بعض الروايات (1) من طرق العامة أنه ابن آدم لصلبه ونسئ له في أجله حتى يكذب الدجال، وفي بعضها (2) أن آدم عليه السلام دعا له بالبقاء إلى يوم القيامة وفي عدة روايات من طرق الفريقين أنه شرب من عين الحياة التي هي في الظلمات حين دخلها ذو القرنين في طلبها وكان الخضر في مقدمته فرزقه الخضر ولم يرزقه ذو القرنين، وهذه وأمثالها آحاد غير قطعية من الاخبار لا سبيل إلى تصحيحها بكتاب أو سنة قطعية أو عقل. وقد كثرت القصص والحكايات وكذا الروايات في الخضر بما لا يعول عليها ذو لب كرواية خصيف (3): أربعة من الانبياء أحياء اثنان في السماء: عيسى وإدريس، واثنان في الارض الخضر والياس فأما الخضر فإنه في البحر وأما صاحبه فإنه في البر. ورواية (4) العقيلي عن كعب قال: الخضر على منبر بين البحر الاعلى والبحر الاسفل، وقد أمرت دواب البحر أن تسمع له وتطيع، وتعرض عليه الارواح غدوة وعشية. ورواية (5) كعب الاحبار أن الخضر بن عاميل ركب في نفر من اصحابه حتى بلغ بحر الهند وهو بحر الصين فقال لاصحابه: يا أصحابي أدلوني فدلوه في البحر اياما وليالي ثم صعد فقالوا: يا خضر ما رأيت فلقد اكرمك الله وحفظ لك نفسك في لجة هذا البحر فقال استقبلني ملك من الملائكة فقال لي: ايها الادمي الخطاء إلى اين ؟ ومن اين ؟ فقلت: اني اردت ان انظر عمق هذا البحر. فقال لي كيف ؟ وقد اهوى رجل من زمان داود عليه السلام - لم يبلغ ثلث قعره حتى الساعة، وذلك منذ ثلاث مائة سنة، إلى غير ذلك من الروايات المشتملة على نوادر القصص
________________________________________
(1) الدر المنثور عن الدار قطني وابن عساكر عن ابن عباس. (2) الدر المنثور عن ابن عساكر عن ابن اسحاق. (3) الدر المنثور عن ابن شاهين عنه. (4) الدر المنثور عنه. (5) الدر المنثور عن ابي الشيخ في العظمة وابي نعيم في الحلية عنه. (*)
________________________________________
[ 354 ]
" بحث روائي في تفسير البرهان عن ابن بابويه باسناده عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن جعفر بن محمد عليه السلام في حديث: إن موسى لما كلمه الله تكليما، وأنزل عليه التوراة، وكتب له في الالواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ، وجعل آية في يده وعصاه وفي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وفلق البحر وغرق الله فرعون وجنوده عملت البشرية فيه حتى قال في نفسه: ما أرى الله عزوجل خلق خلقا أعلم مني فأوحى الله إلى جبرئيل: أدرك عبدى قبل أن يهلك، وقل له: إن عند ملتقى البحرين رجلا عابدا فاتبعه وتعلم منه. فهبط جبرئيل على موسى بما أمره به ربه عزوجل فعلم موسى أن ذلك لما حدثته به نفسه فمضى هو وفتاه يوشع بن نون حتى انتهيا إلى ملتقى البحرين فوجدا هناك الخضر يعبد الله عزوجل كما قال الله في كتابه: " فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما " الحديث. اقول: والحديث طويل يذكر فيه صحبته للخضر وما جرى بينهما مما ذكره الله في كتابه في القصة. وروى القصة العياشي في تفسيره بطريقين، والقمي في تفسيره بطريقين مسندا ومرسلا، ورواه في الدر المنثور بطرق كثيرة من أرباب الجوامع كالبخاري ومسلم والنسائي والترمذي وغيرهم عن ابن عباس عن ابي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. والاحاديث متفقة في معنى ما نقلناه من صدر حديث محمد بن عمارة، وفي أن الحوت الذي حملاه حي عند الصخرة واتخذ سبيله في البحر سربا لكنها تختلف في امور كثيرة أضافتها إلى ما في القرآن من أصل القصة. منها ما يتحصل من رواية ابن بابويه والقمى أن مجمع البحرين من أرض الشامات وفلسطين بقرينة ذكرهما أن القرية التي ورداها هي الناصرة التي تنسب إليها النصارى، وفي بعضها أن الارض كانت آذربيجان وهو يوافق ما في الدر المنثور عن السدي أن
________________________________________
[ 355 ]
البحرين هما الكر والرس حيث يصبان في البحر وأن القرية كانت تسمى باجروان وكان أهلها لئاما وروى عن أبي أنه أفريقية، وعن القرظي أنه طنجة وعن قتادة أنه ملتقى بحر الروم وفارس. ومنها ما في بعض الروايات أن الحوت كان مشويا وفي أكثرها أنه كان مملوحا. ومنها ما في مرسلة القمي وروايات الشيخين والنسائي والترمذي وغيرهم أنه كانت عند الصخرة عين الحياة حتى في رواية مسلم وغيره أن الماء كان ماء الحياة من شرب منه خلد ولا يقاربه شئ ميت إلا حي فلما نزلا ومس الحوت الماء حي. الحديث وفي غيرها أن فتى موسى توضأ من الماء فقطرت منه قطرة على الحوت فحي وفي غيرها أنه شرب منه ولم يكن له ذلك فأخذه الخضر وطابقه في سفينة وتركها في البحر فهو بين أمواجها حتى تقوم الساعة وفي بعضها أنه كانت عند الصخرة عين الحياة التي كان يشرب منها الخضر وبقية الروايات خالية عن ذكرها. ومنها ما في رواية الصحاح الاربع وغيرها أن الحوت سقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا فأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق الحديث، وفي بعض هذه الروايات أن موسى بعد ما رجع أبصر اثر الحوت فأخذ أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر العرب، وفى حديث الطبري عن ابن عباس في القصة: فرجع يعني موسى حتى أتى الصخرة فوجد الحوت فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت وجعل الحوت لا يمس شيئا من البحر الا يبس حتى يكون صخرة الحديث وبعضها خال عن ذلك. ومنها ما في أكثرها ان موسى لقي الخضر عند الصخرة، وفي بعضها انه ذهب من سرب الحوت أو على الماء حتى وجده في جزيرة من جزائر البحر، وفي بعضها وجده على سطع الماء جالسا أو متكئا. ومنها اختلافها في أن الفتى هل صحبهما أو تركاه وذهبا. ومنها اختلافها في كيفية خرق السفينة وفي كيفيه قتل الغلام وفي كيفية إقامه الجدار وفي الكنز الذي تحته لكن أكثر الروايات أنه كان لوحا من ذهب مكتوبا
________________________________________
[ 356 ]
فيه مواعظ، وفي الاب الصالح فظاهر أكثرها أنه أبوهما الاقرب، وفي بعضها أنه أبوهما العاشر وفي بعضها السابع وفي بعضها بينهما وبينه سبعون ابا وفي بعضها كأن بينهما وبينه سبعمائة سنة، إلى غير ذلك من جهات الاختلاف. وفي تفسير القمي عن محمد بن علي بن بلال عن يونس في كتاب كتبوه إلى الرضا عليه السلام يسألونه عن العالم الذي اتاه موسى ايهما كان اعلم ؟ وهل يجوز ان يكون على موسى حجة في وقته ؟ فكتب في الجواب اتى موسى العالم فأصابه في جزيرة من جزائر البحر إما جالسا وإما متكئا فسلم عليه موسى فأنكر السلام إذ كان الارض ليس بها سلام. قال: من انت ؟ قال: انا موسى بن عمران. قال: انت موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما: قال: نعم. قال: فما حاجتك ؟ قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدا. قال: اني وكلت بأمر لا تطيقه، ووكلت بأمر لا اطيقه الحديث. اقول: وهذا المعنى مروي في أخبار اخر من طرق الفريقين. وفي الدر المنثور أخرج الحاكم وصححه عن ابي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما لقى موسى الخضر جاء طير فألقى منقاره في الماء فقال الخضر لموسى: تدري ما يقول هذا الطائر ؟ قال: وما يقول ؟ قال: يقول: ما علمك وعلم موسى في علم الله إلا كما أخذ منقاري من الماء. اقول: قصة هذا الطائر وارد في اغلب روايات القصة. وفى تفسير العياشي عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله عليه السلام قال: كان موسى اعلم من الخضر. وفيه عن ابي حمزه عن ابي جعفر عليه السلام قال: كان وصي موسى يوشع بن نون، وهو فتاه الذي ذكره في كتابه. وفيه عن عبد الله بن ميمون القداح عن ابي عبد الله عن ابيه عليهما السلام قال: بينما موسى قاعد في ملاء من بني اسرائيل إذ قال له رجل: ما ارى احدا اعلم بالله منك قال موسى: ما ارى فأوحى الله إليه بلى عبدي الخضر فسأل السبيل إليه وكان
________________________________________
[ 357 ]
له الحوت آية إن افتقده، وكان من شانه ما قص الله. اقول: وينبغى أن يحمل اختلاف الروايات في علمهما على اختلاف نوع العلم. وفيه عن ابي بصير عن ابي عبد الله عليه السلام في قوله: " فخشينا " خشي إن أدرك الغلام ان يدعو ابويه إلى الكفر فيجيبانه من فرط حبهما له. وفيه عن عثمان عن رجل عن ابي عبد الله عليه السلام في قول الله: " فاردنا ان يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة واقرب رحما " قال: إنه ولدت لهما جارية فولدت غلاما فكان نبيا. اقول: وفي اكثر الروايات انها ولد منها سبعون نبيا والمراد ثبوت الواسطة. وفيه عن إسحاق بن عمار قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: ان الله ليصلح بصلاح الرجل المؤمن ولده وولد ولده ويحفظه في دويرته ودويرات حوله فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله. ثم ذكر الغلامين فقال: " وكان ابوهما صالحا " ألم تر ان الله شكر صلاح ابويهما لهما ؟ وفيه عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله ليخلف العبد الصالح بعد موته في أهله وماله وإن كان اهله اهل سوء ثم قرأ هذه الاية إلي آخرها " وكان ابوهما صالحا ". وفي الدر المنثور اخرج ابن مردويه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وآله وسلم ان الله يصلح بصلاح الرجل الصالح ولده وولد ولده واهل دويرات حوله فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم. اقول والروايات في هذا المعنى كثيرة مستفيضه. في الكافي باسناده عن صفوان الجمال قال: سالت ابا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل واما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما ". فقال: اما إنه ما كان ذهبا ولا فضه، وانما كان اربع كلمات: لا إله إلا الله، من ايقن بالموت لم يضحك ومن ايقن بالحساب لم يفرح قلبه، ومن ايقن بالقدر لم يخش إلا الله. اقول: وقد تكاثرت الروايات من طرق الشيعة واهل السنة ان الكنز الذى كان
________________________________________
[ 358 ]
تحت الجدار كان لوحا مكتوبا فيه الكلمات، وفي أكثرها أنه كان لوحا من ذهب، ولا ينافيه قوله في هذه الرواية: " ما كان ذهبا ولا فضة لان المراد به نفي الدينار والدرهم كما هو المتبادر والروايات مختلفة في تعيين الكلمات التى كانت مكتوبة على اللوح لكن أكثرها متفقة في كلمة التوحيد ومسألتي الموت والقدر. وقد جمع في بعضها بين الشهادتين كما رواه في الدر المنثور عن البيهقى في شعب الايمان عن على بن أبي طالب في قول الله عزوجل: " وكان تحته كنز لهما " قال: كان لوحا من ذهب مكتوب فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله عجبا لمن يذكر أن الموت حق كيف يفرح ؟ وعجبا لمن يذكر أن النار حق كيف يضحك ؟ وعجبا لمن يذكر أن القدر حق كيف يحزن ؟ وعجبا لمن يرى الدنيا وتصرفها بأهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها ؟ ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا (83). إنا مكنا له في الارض وآتيناه من كل شئ سببا (84). فاتبع سببا (85). حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وأما أن تتخذ فيهم حسنا (86) - قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا (87). وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا (88) - ثم اتبع سببا (89). حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا (90) - كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا (91). ثم اتبع سببا (92). حتى إذا بلغ بين السدين
________________________________________
[ 359 ]
وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا (93) قالوا يا ذا القرنين إن ياجوج وماجوج مفسدون في الارض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا (94). قال ما مكنى فيه ربى خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما (95). آتونى زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا (96). فما اسطاعوا ان يظهروه وما استطاعوا له نقبا (97). قال هذا رحمه من ربي فإذا جاء وعد ربى جعله دكاء وكان وعد ربي حقا (98). وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا (99). وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا (100). الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكرى وكانوا لا يستطيعون سمعا (101). أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا (102). بيان الايات تشتمل على قصة ذى القرنين وفيها شئ من ملاحم القرآن: قوله تعالى: " ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا " أي يسألونك عن شأن ذي القرنين. والدليل على ذلك جوابه عن السؤال بذكر شانه لا تعريف شخصه حتى اكتفى بلقبه فلم يتعد منه إلى ذكر اسمه.
________________________________________
[ 360 ]
والذكر إما مصدر بمعنى المفعول والمعنى قل سأتلو عليكم منه أي من ذى القرنين شيئا مذكورا، وإما المراد بالذكر القرآن - وقد سماه الله في مواضع من كلامه بالذكر والمعنى قل سأتلو عليكم منه أي من ذى القرنين أو من الله قرآنا وهو ما يتلو هذه الاية من قوله: " إنا مكنا له " إلى آخر القصة، والمعنى الثاني أظهر. قوله تعالى: إنا مكنا له في الارض وآتيناه من كل شئ سببا " التمكين الاقدار يقال مكنته ومكنت له أي أقدرته فالتمكن في الارض القدرة على التصرف فيه بالملك كيفما شاء وأراد. وربما يقال: إنه مصدر مصوغ من المكان بتوهم أصالة الميم فالتمكين إعطاء الاستقرار والثبات بحيث لا يزيله عن مكانه أي مانع مزاحم. والسبب الوصلة والوسيلة فمعنى إيتائه سببا من كل شئ أن يؤتى من كل شئ يتوصل به إلى المقاصد الهامة الحيوية ما يستعمله ويستفيد منه كالعقل والعلم والدين وقوة الجسم وكثرة المال والجند وسعه الملك وحسن التدبير وغير ذلك وهذا امتنان منه تعالى على ذي القرنين وإعظام لامره بأبلغ بيان، وما حكاه تعالى من سيرته وفعله وقوله المملوءة حكمة وقدرة يشهد بذلك. قوله تعالى: " فاتبع سببا " الاتباع اللحوق أي لحق سببا واتخذ وصلة وسيلة يسير بها نحو مغرب الشمس. قوله تعالى: " حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما " تدل " حتى " على فعل مقدر وتقديره " فسار حتى إذا بلغ " والمراد بمغرب الشمس آخر المعمورة يومئذ من جانب الغرب بدليل قوله: " ووجد عندها قوما ". وذكروا أن المراد بالعين الحمئة العين ذات الحمأه وهي الطين الاسود، وأن المراد بالعين البحر فربما تطلق عليه، وأن المراد بوجد ان الشمس تغرب في عين حمئة أنه وقف على ساحل بحر لا مطمع في وجود بر وراءه فرآى الشمس كأنها تغرب في البحر لمكان انطباق الافق عليه قيل: وينطبق هذه العين الحمئة على المحيط الغربي
________________________________________
[ 361 ]
وفيه الجزائر الخالدات التي كانت مبدء الطول سابقا ثم غرقت. وقرئ " في عين حامية أي حارة وينطبق على النقاط القريبة من خط الاستواء من المحيط الغربي المجاورة لافريقية ولعل ذا القرنين في رحلته الغربية بلغ سواحل إفريقية. قوله تعالى: " قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا " القول المنسوب إليه تعالى في القرآن يستعمل في الوحي النبوى وفي الابلاغ بواسطة الوحى كقوله تعالى: " وقلنا يا آدم اسكن " البقرة: 35 وقوله: " وإذ قلنا ادخلو هذه القرية " البقرة: 58، ويستعمل في الالهام الذي ليس من النبوة كقوله " وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه " القصص " 7. وبه يظهر أن قوله: " قلنا يا ذا القرنين " الخ لا يدل على كونه نبيا يوحى إليه لكون قوله تعالى أعم من الوحى المختص بالنبوة ولا يخلو قوله ثم يرد إلى ربه فيعذبه " الخ حيث أورد في سياق الغيبة بالنسبة إليه تعالى من إشعار بأن مكالمته كانت بتوسط نبي كان معه فملكه نظير ملك طالوت في بنى إسرائيل بإشارة من نبيهم وهدايته. وقوله: " إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا " أي إما أن تعذب هؤلاء القوم وإما أن تتخذ فيهم أمرا ذا حسن، فحسنا مصدر بمعنى الفاعل قائم مقام موصوفه أو هو وصف للمبالغة، وقد قيل: إن في مقابلة العذاب باتخاذ الحسن إيماء إلى ترجيحه والكلام ترديد خبري بداعي الاباحة فهو إنشاء في صورة الاخبار، والمعنى لك أن تعذبهم ولك أن تعفو عنهم كما قيل، لكن الظاهر أنه استخبار عما سيفعله بهم من سياسة أو عفو، وهو الاوفق بسياق الجواب المشتمل على التفصيل بالتعذيب والاحسان " أما من ظلم فسوف نعذبه " الخ إذ لو كان قوله: " إما أن تعذب " الخ حكما تخييريا لكان قوله: " أما من ظلم " الخ تقريرا له وإيذانا بالقبول ولا كثير فائدة فيه. ومحصل المعنى استخبرناه ماذا تريد أن تفعل بهم من العذاب والاحسان وقد غلبتهم واستوليت عليهم ؟ فقال: نعذب الظالم ؟ منهم ثم يرد إلى ربه فيعذ به العذاب النكر، ونحسن إلى المؤمن الصالح ونكلفه بما فيه يسر. ولم يذكر المفعول في قوله: " إما أن تعذب " بخلاف قوله: " إما أن تتخذ فيهم حسنا " لان جميعهم لم يكونوا ظالمين، وليس من الجائز تعميم العذاب لقوم هذا شأنهم
________________________________________
[ 362 ]
بخلاف تعميم الاحسان لقوم فيهم الصالح والطالح. قوله تعالى: " أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا " النكر والمنكر غير المعهود أي يعذبه عذابا لا عهد له به، ولا يحتسبه ويترقبه. وقد فسر الظلم بالاشراك. والتعذيب بالقتل فمعنى " أما من ظلم فسوف نعذبه " أما من أشرك ولم يرجع عن شركه فسوف نقتله، وكأنه مأخوذ من مقابلة " من ظلم " بقوله: من آمن وعمل صالحا " لكن الظاهر من المقابلة أن يكون المراد بالظالم أعم ممن أشرك ولم يؤمن بالله أو آمن ولم يشرك لكنه لم يعمل صالحا بل أفسد في الارض، ولو لا تقييد مقابله بالايمان لكان ظاهر الظلم هو الافساد من غير نظر إلى الشرك لان المعهود من سيرة الملوك إذا عدلوا أن يطهروا أرضهم من فساد المفسدين، وكذا لا دليل على تخصيص التعذيب بالقتل. قوله تعالى: " وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى " الخ " صالحا " وصف اقيم مقام موصوفه وكذا الحسنى، " وجزاء " حال أو تمييز أو مفعول مطلق والتقدير: وأما من آمن وعمل عملا صالحا فله المثوبة الحسنى حال لكونه مجزيا أو من حيث الجزاء أو نجزيه جزاء. وقوله: " وسنقول له من أمرنا يسرا " اليسر بمعني الميسور وصف اقيم مقام موصوفه والظاهر أن المراد بالامر الامر التكليفى وتقدير الكلام: وسنقول له قولا ميسورا من أمرنا أي نكلفه بما يتيسر له ولا يشق عليه. قوله تعالى: " ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس " الخ أي ثم هيأ سببا للسير فسار نحو المشرق حتى إذا بلغ الصحراء من الجانب الشرقي فوجد الشمس تطلع على قوم بدويين لم نجعل لهم من دونها سترا. والمراد بالستر ما يستتر به من الشمس وهو البناء واللباس أو خصوص البناء أي كانوا يعيشون على الصعيد من غير أن يكون لهم بيوت يأوون إليها ويستترون بها من الشمس وعراة لا لباس عليهم، وإسناد ذلك إلى الله سبحانه في قوله: " لم نجعل لهم " الخ إشارة إلى أنهم لم يتنبهوا بعد لذلك ولم يتعلموا بناء البيوت واتخاذ الخيام ونسج الاثواب وخياطتها.
________________________________________
[ 363 ]
قوله تعالى: " كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا " الظاهر أن قوله: " كذلك " إشارة إلى وصفهم المذكور في الكلام وتشبيه الشئ بنفسه مبنيا على دعوى المغايرة يفيد نوعا من التأكيد، وقد قيل في المشار إليه بذلك وجوه اخر بعيدة عن الفهم. وقوله: " وقد أحطنا بما لديه خبرا " الضمير لذي القرنين والجملة حالية والمعنى أنه اتخذ وسيلة السير وبلغ مطلع الشمس ووجد قوما كذا وكذا في حال أحاط فيها علمنا وخبرنا بما عنده من عدة وعدة وما يجريه أو يجري عليه. والظاهر أن إحاطة علمه تعالى بما عنده كناية عن كون ما اختاره وأتى به بهداية من الله وأمر، فما كان يرد ولا يصدر إلا عن هداية يهتدي بها وأمر يأتمره كما أشار إلى مثل هذا المعنى عند ذكر مسيره إلى المغرب بقوله: " قلنا يا ذا القرنين " الخ فالاية أعني قوله: " وقد أحطنا " الخ في معناها الكنائي نظيرة قوله: " واصنع الفلك بأعيننا ووحينا " هود: 37، وقوله: " أنزله بعلمه " النساء: 166، وقوله: " وأحاط بما لديهم: الجن: 28. وقيل: " إن الاية لافادة تعظيم أمره وأنه لا يحيط بدقائقه وجزئياته إلا الله أو لتهويل ما قاساه ذو القرنين في هذا المسير وأن ما تحمله من المصائب والشدائد في علم الله لم يكن ليخفى عليه، أو لتعظيم السبب الذي اتبعه، وما قدمناه أوجه. قوله تعالى: " ثم اتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين " إلى آخر الاية. السد الجبل وكل حاجز يسد طريق العبور وكأن المراد بهما الجبلان، وقوله: " وجد من دونهما: قوما أي قريبا منهما، وقوله: لا يكادون يفقهون قولا " كناية عن بساطتهم وسذاجة فهمهم، وربما قيل كناية عن غرابة لغتهم وبعدها عن اللغات المعروفة عندهم، ولا يخلو عن بعد. قوله تعالي: " قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون " الخ الظاهر أن القائلين هم القوم الذين وجدهم من دون الجبلين، ويأجوج ومأجوج جيلان من الناس كانوا يأتونهم من وراء الجبلين فيغيرون عليهم ويعمونهم قتلا وسبيا ونهبا والدليل عليه السياق بما فيه من ضمائر اولي العقل وعمل السد بين الجبلين وغير ذلك.
________________________________________
[ 364 ]
وقوله: " فهل نجعل لك خرجا " الخرج ما يخرج من المال ليصرف في شئ من الحوائج عرضوا عليه أن يعطوه مالا على أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدا يمنع من تجاوزهم وتعديهم عليهم. قوله تعالى: " قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما " أصل مكنى " مكنني ثم ادغمت إحدى النونين في الاخرى، والردم السد وقيل السد القوي وعلى هذا فالتعبير بالردم في الجواب وقد سألوه سدا إجابة ووعد بما هو فوق ما استدعوه وأملوه. وقوله: " قال ما مكني فيه ربي خير " استغناء من ذي القرنين عن خرجهم الذي عرضوه عليه على أن يجعل لهم سدا يقول: ما مكنني فيه وأقرني عليه ربي من السعة والقدرة خير من المال الذي تعدونني به فلا حاجه لي إليه. وقوله: " فأعينوني بقوة الخ القوة ما يتقوى به على الشئ والجملة تفريع على ما يتحصل من عرضهم وهو طلبهم منه أن يجعل لهم سدا، ومحصل المعنى أما الخرج فلا حاجة لي إليه، وأما السد فإن أردتموه فأعينوني بما أتقوى به على بنائه كالرجال وما يستعمل في بنائه - وقد ذكر منها زبر الحديد والقطر والنفخ بالمنافخ - أجعل لكم سدا قويا. وبهذا المعنى يظهر أن مرادهم بما عرضوا عليه من الخرج الاجر على عمل السد. قوله تعالى: " آتونى زبر الحديد " إلى آخر الاية، الزبر بالضم فالفتح جمع زبرة كغرف وغرفة وهي القطعي، وساوى بمعنى سوى على ما قيل وقرئ " سوى " والصدفين تثنية الصدف وهو أحد جانبي الجبل ذكر بعضهم أنه لا يقال إلا إذا كان هناك جبل آخر يوازيه بجانبه فهو من الاسماء المتضائفة كالزوج والضعف وغيرهما والقطر النحاس أو الصفر المذاب وإفراغه صبه على الثقب والخلل والفرج. وقوله: " آتوني زبر الحديد " أي أعطوني إياها لاستعملها في السد وهي من القوة التي استعانهم فيها، ولعله خصها بالذكر ولم يذكر الحجارة وغيرها من لوازم البناء لانها الركن في استحكام بناء السد فجملة آتوني زبر الحديد " بدل البعض من الكل من جملة
________________________________________
[ 365 ]
" فأعينوني بقوة " أو الكلام بتقدير قال، وهو كثير في القرآن. وقوله: " حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا: في الكلام إيجاز بالحذف والتقدير فاعانوه بقوة وآتوه ما طلبه منهم فبنى لهم السد ورفعه حتى إذا سوى بين الصدفين قال: انفخوا. وقوله: " قال انفخوا " الظاهر أنه من الاعراض عن متعلق الفعل للدلالة على نفس الفعل والمراد نصب المنافخ على السد لاحماء ما وضع فيه من الحديد وإفراغ القطر على خلله وفرجه. وقوله: " حتى إذا جعله نارا قال " الخ في الكلام حذف وإيجاز، والتقدير فنفخ حتى إذا جعله أي المنفوخ فيه أو الحديد نارا أي كالنار في هيئته وحرارته فهو من الاستعارة. وقوله: قال آتوني أفرغ عليه قطرا " أي آتوني قطرا افرغه واصبه عليه ليسد بذلك خلله ويصير السد به مصمتا لا ينفذ فيه نافذ. قوله تعالى: " فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا " اسطاع واستطاع واحد، والظهور العلو والاستعلاء، والنقب الثقب، قال الراغب في المفردات: النقب في الحائط والجلد كالثقب في الخشب انتهى وضمائر الجمع ليأجوج ومأجوج. وفي الكلام حذف وإيجاز، والتقدير فبنى السد فما استطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوه لارتفاعه وما استطاعوا ان ينقبوه لاستحكامه. قوله تعالى: " قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربى حقا " الدكاء الدك وهو أشد الدق مصدر بمعنى اسم المفعول، وقيل: المراد الناقة الدكاء وهي التي لا سنام لها وهو على هذا من الاستعارة والمراد به خراب السد كما قالوا. وقوله: " قال هذا رحمة من ربى " أي قال ذو القرنين - بعد ما بنى السد - هذا أي السد رحمة من ربى أي نعمة ووقايه يدفع به شر يأجوج ومأجوج عن امم من الناس. وقوله: " فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء " في الكلام حذف وإيجاز والتقدير
________________________________________
[ 366 ]
وتبقى هذه الرحمة إلى مجئ وعد ربى فإذا جاء وعد ربى جعله مدكوكا وسوى به الارض. والمراد بالوعد إما وعد منه تعالى خاص بالسد أنه سيندك عند اقتراب الساعة فيكون هذا ملحمة أخبر بها ذو القرنين، وإما وعده تعالى العام بقيام الساعة الذي يدك الجبال ويخرب الدنيا، وقد أكد القول بجملة " وكان وعد ربى حقا ". قوله تعالى. " وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض " الخ ظاهر السياق أن ضمير الجمع للناس ويؤيده رجوع ضمير " فجمعناهم " إلى الناس قطعا لان حكم الجمع عام. وفي قوله: " بعضهم يومئذ يموج في بعض " استعارة، والمراد أنهم يضطربون يومئذ من شدة الهول اضطراب البحر باندفاع بعضه إلى بعض فيرتفع من بينهم النظم ويحكم فيهم الهرج والمرج ويعرض عنهم ربهم فلا يشملهم برحمته، ولا يصلح شأنهم بعنايته. فالاية بمنزلة التفصيل للاجمال الذي في قول ذي القرنين: " فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء " ونظيرة قوله تعالى في موضع آخر: " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين " الانبياء: 97. وهي على أي حال من الملاحم. وقد بان مما مر أن الترك في الاية بمعناه المتبادر منه وهو خلاف الاخذ ولا موجب لما ذكره بعضهم: أن الترك بمعنى الجعل وهو من الاضداد انتهى. والاية من كلام الله سبحانه وليست من تمام كلام ذى القرنين والدليل عليه تغيير السياق من الغيبة إلى التكلم مع الغير الذي هو سياق كلامه السابق " انا مكنا له " " قلنا يا ذا القرنين ولو كان من تمام كلام ذي القرنين لقيل: وترك بعضهم على حذاء قوله: " جعله دكاء ". وقوله: " ونفخ في الصور " الخ هي النفخة الثانية التي فيها الاحياء بدليل قوله " فجمعناهم جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ". قوله تعالى: " الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا "
________________________________________
[ 367 ]
تفسير للكافرين وهؤلاء هم الذين ضرب الله بينهم وبين ذكره سدا حاجزا - وبهذه المناسبة تعرض لحالهم بعد ذكر سد يأجوج ومأجوج - فجعل أعينهم في غطاء عن ذكره وأخذ استطاعة السمع عن آذانهم فانقطع الطريق بينهم وبين الحق وهو ذكر الله. فإن الحق إنما ينال إما من طريق البصر بالنظر إلى آيات الله سبحانه والاهتداء إلى ما تدل عليه وتهدى إليه، وإما من طريق السمع باستماع الحكمة والموعظة والقصص والعبر، ولا بصر لهؤلاء ولا سمع. قوله تعالى: " أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء " الخ الاستفهام للانكار قال في المجمع: معناه أفحسب الذين جحدوا توحيد الله أن يتخذوا من دوني أربابا ينصرونهم ويدفعون عقابي عنهم قال: ويدل على هذا المحذوف قوله: " إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا انتهى. وهناك وجه ثان منقول عن ابن عباس وهو أن المعنى أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا من دوني آلهة وأنا لا أغضب لنفسي عليهم ولا اعاقبهم. ووجه ثالث: وهو أن " أن يتخذوا " الخ مفعول أول لحسب بمعنى ظن ومفعوله الثاني محذوف، والتقدير أفحسب الذين كفروا اتخاذهم عبادي من دوني أولياء نافعا لهم أو دافعا للعقاب عنهم، والفرق بين هذا الوجه والوجهين السابقين أن " أن " وصلته قائمة مقام المفعولين فيهما والمحذوف بعض الصلة فيهما بخلاف الوجه الثالث فأن وصلته فيه مفعول أول لحسب، والمفعول الثاني محذوف. ووجه رابع: وهو أن يكون أن وصلته سادة مسد المفعولين وعنايي الكلام متوجهة إلى إنكار كون الاتخاذ اتخاذا حقيقة على معنى أن ذلك ليس من الاتخاذ في شئ إذ الاتخاذ إنما يكون من الجانبين والمتخذون متبرؤن منهم لقولهم: " سبحانك أنت ولينا من دونهم ". والوجوه الاربعة مترتبة في الوجاهة وأوجهها أولها وسياق هذه الايات يساعد عليه فإن هذه الايات بل عامة آيات السورة مسوقة لبيان أنهم فتنوا بزينة الحياه الدنيا واشتبه عليهم الامر فاطمأنوا إلى ظاهر الاسباب فاتخذوا غيره تعالى أولياء من دونه
________________________________________
[ 368 ]
فهم يظنون أن ولايتهم تكفيهم وتنفعهم وتدفع عنهم الضر والحال أن ما سيلقونه بعد النفخ والجمع يناقض ذلك فالاية تنكر عليهم هذا الظن والحسبان بعد ما كان مال امرهم ذلك. ثم إن إمكان قيام أن وصلته مقام مفعولي حسب وقد ورد في كلامه تعالى كثيرا كقوله: " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا " الجاثية: 21 وغيره يغني عن تقدير مفعول ثان محذوف وقد منع عنه بعض النحاة. وتؤيده الايات التالية: " قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا: الخ وكذا القراءة المنسوبة إلى علي عليه السلام وعدة منهم " أفحسب " بسكون السين وضم الباء والمعنى أفاتخاذ عبادي من دوني أولياء كاف لهم. والمراد بالعباد في قوله: " أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء " كل من يعبده الوثنيون من الملائكة والجن والكملين من البشر. وأما ما ذكره المفسرون أن المراد بهم المسيح عليه السلام والملائكة ونحوهم من المقربين دون الشياطين لان الاكثر في مثل هذا اللفظ " عبادي " أن تكون الاضافة لتشريف المضاف. ففيه أولا أن المقام لا يناسب التشريف. وهو ظاهر. وثانيا أن قيد " من دوني " في الكلام صريح في أن المراد بالذين كفروا هم الوثنيون الذين لا يعبدون الله مع الاعتراف بالوهيته وإنما يعبدون الشركاء الشفعاء ؟ وأما أهل الكتاب مثلا النصارى في اتخاذهم المسيح وليا فإنهم لا ينفون ولاية الله بل يثبتون الولايتين معا ثم يعدونهما واحدا فافهم ذلك فالحق أن قوله: " عبادي " لا يعم المسيح ومن كان مثله من البشر بل يختص بآلهة الوثنيين والمراد بقوله: " الذين كفروا " الوثنيون فحسب. وقوله: إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا " أي شيئا يتمتعون به عند أول نزولهم الدار الاخرة شبه الدار الاخرة بالدار ينزلها الضيف وجهنم بالنزل الذي يكرم به الضيف النزيل لدى أول وروده، ويزيد هذا التشبيه لطفا وجمالا ما سيأتي بعد آيتين أنهم لا يقام لهم وزن يوم القيامة فكأنهم لا يلبثون دون ان يدخلوا النار، وفي الاية من التهكم ما لا يخفى وكأنما قوبل به ما سيحكى من تهكمهم في الدنيا بقوله: " واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ".
________________________________________
[ 369 ]
بحث روائي في تفسير القمي: فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخبر موسى وفتاه والخضر قالوا له فأخبرنا عن طائف طاف الارض: المشرق والمغرب من هو ؟ وما قصته فأنزل الله: " ويسألونك عن ذى القرنين " الايات. اقول: وقد تقدم في الكلام على قصة أصحاب الكهف تفصيل هذه الرواية وروى أيضا ما في معناه في الدر لمنثور عن ابن ابى حاتم عن السدي وعن عمر مولى غفرة. واعلم أن الروايات المروية من طرق الشيعة وأهل السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن طرق الشيعه عن أئمه أهل البيت عليهم السلام وكذا الاقوال المنقولة عن الصحابة والتابعين ويعامل معها أهل السنة معاملة الاحاديث الموقوفة في قصة ذي القرنين مختلفة اختلافا عجيبا متعارضة متهافتة في جميع خصوصيات القصه وكافة أطرافها وهي مع ذلك مشتملة على غرائب يستوحش منها الذوق السليم أو يحيلها العقل وينكرها الوجود لا يرتاب الباحث الناقد إذا قاس بعضها إلى بعض وتدبر فيها أنها غير سليمة عن الدس والوضع ومبالغات عجيبة في وصف القصة وأغربها ما روى عن علماء اليهود الذين أسلموا كوهب بن منبه وكعب الاحبار أو ما يشعر القرائن أنه مأخوذ منهم فلا يجدينا والحال هذه نقلها بالاستقصاء على كثرتها وطولها، وإنما نشير بعض الاشارة إلى وجوه اختلافها، ونقتصر على نقل ما يسلم عن الاختلاف في الجملة. فمن الاختلاف اختلافها في نفسه فمعظم الروايات على أنه كان بشرا، وقد ورد (1) في بعضها أنه كان ملكا سماويا أنزله الله إلى الارض وآتاه من كل شئ سببا. وفى خطط المقريزي عن الجاحظ في كتاب الحيوان ان ذا القرنين كانت امه آدمية وأبوه من الملائكة. ومن ذلك الاختلاف في سمته ففي أكثر الروايات أنه كان عبدا صالحا أحب الله
________________________________________
(1) رواه في الدر المنثور عن الاحوص بن حكيم عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الشيرازي عن جبير بن نفير عن النبي صلى الله عليه وآله وعن عدة عن خالد بن معدان عن النبي صلى الله عليه وآله وعن عدة عن عمر بن الخطاب. (*)
________________________________________
[ 370 ]
فأحبه وناصح الله فناصحه وفي بعضها (1) أنه كان محدثا يأتيه الملك فيحدثه وفي بعضها (2) أنه كان نبيا. ومن ذلك الاختلاف في اسمه ففي بعضها أن أسمه (3) عياش، وفي بعضها (4) اسكندر، وفى بعضها (5) مرزيا بن مرزبة اليونانى من ولد يونن بن يافث بن نوح، وفي بعضها (6) مصعب بن عبد الله من قحطان وفي بعضها (7) صعب بن ذي المراثد أول التبابعة وكأنه التبع أبو كرب، وفى بعضها (8) عبد الله بن ضحاك بن معد إلى غير ذلك وهي كثيرة. ومن ذلك الاختلاف في وجه تسميته بذي القرنين ففي بعضها (9) أنه دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه الايمن فغاب عنهم زمانا ثم جاءهم ودعاهم إلى الله ثانيا فضربوه على قرنه الايسر فغاب عنهم زمانا ثم آتاه الله الاسباب فطاف شرق الارض وغربها فسمي بذلك ذا القرنين وفى بعضها (10) أنهم قتلوه بالضربة الاولى ثم أحياه الله
________________________________________
(1) رواه في الدر المنثور عن ابن ابي حاتم وابي الشيخ عن الباقر عليه السلام وفي البرهان عن جبرئيل بن احمد عن الاصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام وفي نور الثقلين عن اصول الكافي عن الحارث ابن المغيرة عن ابي جعفر عليه السلام. (2) رواه العياشي عن ابي حمزة الثمالي عن ابن جعفر عليه السلام ورواه في الدر المنثور عن ابي الشيخ عن ابي الورقاء عن علي عليه السلام وفي هذا المعنى روايات اخرى. (3) كما في تفسير العياشي عن الاصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام، وفي البرهان عن الثمالي عن الباقر عليه السلام. (4) كما يظهر من رواية قرب الاسناد للحميري عن الكاظم عليه السلام ورواية الدر المنثور عن عدة عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وآله، وروايته ايضا عن عدة عن وهب. (5) في الدر المنثور عن ابن المنذر وابن ابي حاتم وابي الشيخ من طريق ابن اسحاق عن بعض من اسلم من اهل الكتاب. (6) البداية والنهاية. (7) البداية والنهاية عن ابن هشام في التيجان. (8) في الخصال عن محمد بن خالد مرفوعا، وفي البداية والنهاية عن زبير بن بكار عن ابن عباس. (9) في البرهان عن الصدوق عن الاصبغ عن علي عليه السلام، وفي تفسير القمي عن ابي بصير عن الصادق عليه السلام وفي الخصال عن ابي بصير عن الصادق عليه السلام. (10) في تفسير العياشي عن الاصبغ عن علي عليه السلام وفي الدر المنثور عن ابن مردويه من طريق ابي الطفيل عن علي عليه السلام ورواه العياشي ايضا وروى ايضا في روايات اخر. (*)
________________________________________
[ 371 ]
فجاءهم ودعاهم فضربوه وقتلوه ثانيا ثم أحياه الله ورفعه إلى السماء الدنيا ثم أنزله إلى الارض وآتاه من كل شئ سببا. وفي بعضها (1) أنه نبت له بعد الاحياء الثاني قرنان في موضعي الشجتين وسخر الله له النور والظلمة ثم لما نزل إلى الارض سار فيها ودعا إلى الله وكان يزأر كالاسد ويبرق ويرعد قرناه وإذا استكبر عن دعوته قوم سلط عليهم الظلمة فأعيتهم حتى اضطروا إلى إجابتها. وفي بعضها (2) أنه كان له قرنان في رأسه وكان يتعم عليهما يواريهما بذلك وهو أول من تعمم وقد كان يخفيهما عن الناس ولم يكن يطلع على ذلك أحد إلا كاتبه وقد نهاه أن يخبر به أحدا فضاق صدر الكاتب بذلك فأتى الصحراء فوضع فمه بالارض ثم نادى ألا إن للملك قرنين فأنبت الله من كلمته قصبتين فمر بهما راع فأعجبهما فقطعهما واتخذهما مزمارا فكان إذا زمر خرج من القصبتين: ألا إن للملك قرنين فانتشر ذلك في المدينة فأرسل إلى الكاتب واستنطقه وهدده بالقتل إن لم يصدق فقص عليه القصه فقال ذو القرنين هذا أمر أراد الله أن يبديه فوضع العمامة عن رأسه. وقيل: (3) سمى ذا القرنين لانه ملك قرنى الارض وهما المشرق والمغرب وقيل: (4) " لانه رأي في المنام أنه أخذ بقرنى الشمس فعبر له بملك الشرق والغرب وسمى بذي القرنين، وقيل: (5) لانه كان له عقيصتان في رأسه وقيل (6) لانه ملك الروم وفارس، وقيل (7): لانه كان له في رأسه شبه قرنين وقيل (8) لانه كان على تاجه
________________________________________
(1) تفسير العياشي عن الاصبغ عن علي عليه السلام وفي الدر المنثور عن عدة عن وهب بن منبه ما في معناه. (2) في الدر المنثور عن ابي الشيخ عن وهب بن منبه. (3) في الدر المنثور عن عدة عن أبي العالية وابن شهاب. (4) في نور الثقلين عن الخرائج والحرائج عن العسكري عليه السلام عن علي عليه السلام. (5) في الدر المنثور عن الشيرازي عن قتادة. (6) في الدر المنثور عن عدة عن وهب. (7) المصدر السابق. (8) نقله في روح المعاني. (*)
________________________________________
[ 372 ]
قرنان من الذهب إلى غير ذلك مما قيل. ومن ذلك اختلافها في سيره إلى المغرب والمشرق وفيه أشد الاختلاف فقد روى (1) أنه سخر له السحاب فكان يركب السحاب ويسير في الارض غربا وشرقا. وروي (2) أنه بلغ جبل قاف وهو جبل اخضر محيط بالدنيا منه خضرة السماء. وروى (3) انه طلب عين الحياة فاشير عليه أنها في الظلمات فدخلها وفي مقدمته الخضر فلم يرزق ذو القرنين أن يشرب منها وشرب الخضر واغتسل منها فكان له البقاء المؤبد وفي هذه الروايات أن الظلمات في جانب المشرق. ومن ذلك اختلافها في موضع السد الذي بناها ففي بعضها أنه في (4) المشرق وفى بعضها أنه في الشمال وقد بلغ من مبالغه بعض الروايات أن ذكرت (6) أن طول السد وهو مسافة ما بين الجبلين مائة فرسخ وعرضه خمسون فرسخا وارتفاعه ارتفاع الجبلين وقد حفر له أساسا حتى بلغ الماء وقد جعل حشوه الصخور وطينه النحاس ثم علاه بزبر الحديد والنحاس المذاب وجعل خلاله عرقا من نحاس اصفر فصار كأنه برد محبر. ومن ذلك اختلافها في وصف يأجوج ومأجوج فروي (7) انهم من الترك ومن ولد يافث بن نوح كانوا يفسدون في الارض فضرب السد دونهم. وروى (8) انهم من غير ولد آدم وفي (9) عده من الروايات انهم قوم ولود لا يموت الواحد منهم من ذكر أو انثى
________________________________________
(1) في عدة من روايات العامة والخاصة الموردة في الدر المنثور والبرهان ونور الثقلين والبحار. (2) في البرهان عن جميل عن الصادق عليه السلام وفي الدر المنثور عن عبد بن حميد وغيره عن عكرمة. (3) في تفسير القمي عن علي عليه السلام وفي تفسير العياشي عن هشام عن بعض آل محمد عليهم السلام وفي الدر المنثور عن ابن ابي حاتم وغيره عن الباقر عليه السلام. (4) الدر المنثور عن ابن اسحاق وغيره عن وهب. (5) الدر المنثور عن ابن المنذر عن ابن عباس. (6) الدر المنثور عن ابن اسحاق وغيره عن وهب. (7) الدر المنثور عن ابن المنذر عن علي عليه السلام وعن ابن ابي حاتم عن قتادة. وفي نور الثقلين عن علل الشرائع عن العسكري. (8) نور الثقلين عن روضة الكافي عن ابن عباس. (9) الطبري عن عبد الله بن عمير، وعن عبد الله بن سلام، وفي الدر المنثور عن النسائي وابن مردويه عن اوس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيه عن ابن ابي حاتم عن السدي عن علي عليه السلام.
________________________________________
[ 373 ]
حتى يولد له الف من الاولاد وانهم اكثر عددا من سائر البشر حتى عدوا في (1) بعض الروايات تسعة اضعاف البشر، وروى (2) انهم من الشدة والبأس بحيث لا يمرون ببهيمة أو سبع أو انسان الا افترسوه واكلوه ولا على زرع أو شجر ألا رعوه ولا على ماء نهر الا شربوه وشفوه، وروي (3) انهم امتان كل منهما اربعمائه الف امة كل امة لا يحصي عددهم الا الله سبحانه. وروى (4) انهم طوائف ثلاث فطائفة كالارز وهو شجر طوال وطائفه يستوى طولهم وعرضهم، اربعة اذرع في اربعه اذرع وطائفة وهم اشدهم للواحد منهم اذنان يفترش باحداهما ويلتحف بالاخرى يشتو في احداهما لابسا له وهي وبرة ظهرها وبطنها ويصيف في الاخرى وهي زغبة ظهرها وبطنها، وهم صلب على اجسادهم من الشعر ما يواريها، وروى ان الواحد (5) منهم شبر أو شبران أو ثلاثة وروي (6) ان الذين كانوا يقاتلونهم كان وجوههم وجوه الكلاب. ومن ذلك اختلافها في زمان ملكه ففى بعضها (7) أنه كان بعد نوح، وروى (8) أنه كان في زمن إبراهيم ومعاصره وقد حج البيت ولقيه وصافحه وهي أول مصافحة على وجه الارض، وروى (9) انه كان في زمن داود.
________________________________________
(1) في الدر المنثور عن عبد الرزاق وغيره عن عبد الله بن عمر. (2) الدر المنثور عن ابن اسحاق وغيره عن وهب. (3) في الدر المنثور عن ابن المنذر وأبي الشيخ عن حسان بن عطية. وعن ابن ابي حاتم وغيره. عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله وقد بلغ من مبالغة الروايات في عددهم أنه روى عن النبي صلى الله عليه وآله أن يأجوج ومأجوج يعدل الف ضعف للمسلمين (البداية والنهاية عن الصحيحة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله) وهو ذا يقال: ان المسلمين خمس اهل الارض ولازمه ان يكون يأجوج ومأجوج مائتا ضعف اهل الارض. (4) في الدر المنثور عن ابن المنذر وابن ابي حاتم عن كعب الاحبار. (5) في الدر المنثور عن ابن المنذر والحاكم وغيرهما عن ابن عباس. (6) في الدر المنثور عن عدة عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وآله. (7) في تفسير العياشي عن الاصبغ عن علي عليه السلام. (8) الدر المنثور عن ابن مردويه وغيره عن عبيد بن عمير، وفي نور الثقلين عن امالي الشيخ عن الباقر عليه السلام وفي العرائس لابن اسحاق. (9) الدر المنثور عن ابن ابي حاتم وابن عساكر عن مجاهد. (*)
________________________________________
[ 374 ]
ومن ذلك اختلافها في مدة ملكه فروي (1) ثلاثون سنة وروى (2) اثنتا عشرة سنة إلى غير ذلك من جهات الاختلاف التي يعثر عليها من راجع أخبار القصة من جوامع الحديث وخاصة الدر المنثور والبحار والبرهان ونور الثقلين. وفي كتاب كمال الدين باسناده عن الاصبغ بن نباتة قال: قام ابن الكواء إلى علي عليه السلام وهو على المنبر فقال: " يا أمير المؤمنين أخبرني عن ذى القرنين أنبيا كان أم ملكا ؟ وأخبرني عن قرنيه أمن ذهب أم من فضة ؟ فقال له: لم يكن نبيا ولا ملكا، ولم يكن قرناه من ذهب ولا فضة ولكن كان عبدا أحب الله فأحبه الله ونصح الله فنصحه الله وإنما سمي ذا القرنين لانه دعا قومه إلى الله عزوجل فضربوه على قرنه فغاب عنهم حينا ثم عاد إليهم فضرب على قرنه الاخر، وفيكم مثله. اقول: الظاهر أن " الملك " في الرواية بفتح اللام لا بكسرها لاستفاضة الروايات عنه وعن غيره عليه السلام بملك ذي القرنين فنفيه عليه السلام أن يكون ذو القرنين نبيا أو ملكا بفتح اللام إنكار منه لصحة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الروايات أنه كان نبيا وفى بعضها الاخر أنه كان ملكا من الملائكة وبه كان يقول عمر بن الخطاب كما تقدمت الاشاره إليه. وقوله: " وفيكم مثله " أي مثل ذي القرنين في شجتيه يشير عليه السلام إلى نفسه فإنه أصيب بضربة من عمرو بن عبدود وبضربة من عبد الرحمان بن ملجم لعنه الله فاستشهد بها، ولروايه مستفيضة عنه عليه السلام روته عنه الشيعه وأهل السنة بألفاظ مختلفة، وأبسط الفاظها ما أوردناه، وقد لعبت به يد النقل بالمعنى فأظهرته في صور عجيبة وبلغ بها التحريف غايته. وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن سالم بن أبي الجعد قال: سئل علي عن ذي القرنين أنبي هو ؟ فقال سمعت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم يقول: هو عبد ناصح الله فنصحه. وفي احتجاج الطبرسي عن الصادق عليه السلام في حديث طويل وفيه قال السائل
________________________________________
(1) البرهان عن البرقي عن موسى بن جعفر عليه السلام. (2) الدر المنثور عن ابن ابي حاتم عن وهب. (*)
________________________________________
[ 375 ]
أخبرني عن الشمس أين تغيب ؟ قال: " إن بعض العلماء قال: إذا انحدرت أسفل القبة دار بها الفلك إلى بطن السماء صاعدة أبدا إلى أن تنحط إلى موضع مطلعها. يعنى أنها تغيب في عين حمئة ثم تخرق الارض راجعة إلى موضع مطلعها فتحير تحت العرش حتى يؤذن لها بطلوع ويسلب نورها كل يوم وتتجلل نورا احمر. اقول: قوله: " إذا انحدرت أسفل القبة - إلى قوله: مطلعها " بيان لسير الشمس من حين غروبها إلى أبان طلوعها في مدارها السماوي على ما تفرضه هيئة بطلميوس الدائرة في تلك الاعصار المبنية على سكون الكرة الارضية وحركة الاجرام السماوية حولها، ولذا نسبه عليه السلام إلى بعض العلماء. وقوله: " يعنى انها تغيب في عين حمئة ثم تخرق الارض راجعة إلى موضع مطلعها " من كلام بعض رواه الخبر لا من كلامه فالراوي لقصور منه في الفهم فسر قوله تعالى: " تغرب في عين حمئه بسقوط القرص في العين وغيبوبته فيها ثم سبحه فيها كالسمكة في الماء وخرقة الارض حتى يبلغ المطلع ثم ذهابه إلى تحت العرش وهو على زعمه سماء فوق السماوات السبع أو جسم نوراني كأعظم ما يكون موضوع فوق السماء السابعة ومكثه هناك حتى يؤذن له في الطلوع فيكسى نورا أحمر ويطلع. والراوي يشير بقوله: " فتحير تحت العرش حتى يؤذن لها " الخ إلى رواية اخرى مأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الملائكة تذهب بالشمس بعد غروبها فتوقفها تحت العرش وهي مسلوبة النور فتمكث هناك وهي لا تدري ما تؤمر به غدا حتى تكسى نورا وتؤمر بالطلوع، الرواية. وقد ارتكب فهمه في تفسير العرش هناك نظير ما ارتكبه في تفسير الغروب ههنا فزاد عن الحق بعدا على بعد. ولم يرد تفسير العرش في كتاب ولا سنة قابلة للاعتماد بالفلك التاسع أو بجسم نوراني علوي كهيئة السرير التي اختلقها فهمه وقد قدمنا معظم روايات العرش في أوائل الجزء الثامن من هذا الكتاب. وفي النسبة أعنى قوله: " قال بعض العلماء " بعض الاشارة إلى أن هذا القول لم يكن مرضيا عنده عليه السلام ومع ذلك لم يسعه ان يسمح بحق القول في المسألة كيف ؟


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page