• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 276 الي 300


[ 276 ]
مختلفان بحسب الغرض فإن الغرض هناك كان متعلقا بنفي العجب من آية الكهف بقياسها إلى آية جعل ما على الارض زينة لها فالانسب به استحقار المدة والغرض هيهنا بيان كون اللبث آية من آياته وحجة على منكري البعث والانسب به استكثار المدة والمدة بالنسبتين تحتمل الوصفين فهي بالنسبة إليه تعالي شئ هين وبالنسبة الينا دهر طويل. وإضافة تسع سنين إلى ثلاثمائة سنة مدة اللبث تعطي أنهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنه شمسية فإن التفاوت في ثلاثمائة سنه إذا أخذت تارة شمسيه واخرى قمرية بالغ هذا المقدار تقريبا ولا ينبغى الارتياب في أن المراد بالسنين في الاية السنون القمرية لان السنة في عرف القرآن هي القمرية المؤلفة من الشهور الهلالية وهي المعتبرة في الشريعة الاسلامية. وفي التفسير الكبير شدد النكير على ذلك لعدم تطابق العددين تحقيقا وناقش في ما روي عن علي عليه السلام ع في هذا المعنى مع أن الفرق بين العددين الثلاث مائة شمسية والثلاث مائه وتسع سنين قمرية أقل من ثلاثه أشهر والتقريب في أمثال هذه النسب ذائع في الكلام بلا كلام. قوله تعالى: " قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والارض " إلى آخر الاية مضي في حديث أصحاب الكهف بالاشارة إلى خلاف الناس في ذلك وأن ما قصه الله تعالى من قصتهم هو الحق الذي لا ريب فيه. فقوله: قل الله أعلم بما لبثوا " مشعر بأن مدة لبثهم المذكورة في الاية السابقة لم تكن مسلمة عند الناس فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يحتج في ذلك بعلم الله وأنه أعلم بهم من غيره. وقوله: " له غيب السماوات والارض " تعليل لكونه تعالى أعلم بما لبثوا " واللام للاختصاص الملكي والمراد أنه تعالى وحده يملك ما في السماوات والارض من غيب غير مشهود فلا يفوته شئ وإن فات السماوات والارض، وإذ كان مالكا للغيب بحقيقي معنى الملك وله كمال البصر والسمع فهو أعلم بلبثهم الذي هو من الغيب. وعلى هذا فقوله: " أبصر به واسمع " - وهما من صيغ التعجب معناهما كمال
________________________________________
[ 277 ]
بصره وسمعه - لتتميم التعليل كأنه قيل: وكيف لا يكون أعلم بلبثهم وهو يملكهم على كونهم من الغيب وقد رأى حالهم وسمع مقالهم. ومن هنا يظهر أن قول بعضهم: إن اللام في " له غيب " الخ للاختصاص العلمي أي له تعالى ذلك علما، ويلزم منه ثبوت علمه لسائر المخلوقات لان من علم الخفي علم غيره بطريق أولى. انتهى. غير سديد لان ظاهر قوله: " أبصر به واسمع " أنه للتأسيس دون التأكيد، وكذا ظاهر اللام مطلق الملك دون الملك العلمي. وقوله: " ما لهم من دونه من ولي " الخ المراد بالجملة الاولى منه نفي ولاية غير الله لهم مستقلا بالولاية دون الله، وبالثانية نفى ولاية غيره بمشاركته إياه فيها أي ليس لهم ولى غير الله لا مستقلا بالولاية ولا غير مستقل. ولا يبعد أن يستفاد من النظم - بالنظر إلى التعبير في الجملة الثانية " ولا يشرك في حكمه أحدا " بالفعل دون الوصف وتعليق نفى الاشراك بالحكم دون الولاية - أن الجملة الاولى تنفي ولاية غيره تعالى لهم سواء كانت بالاستقلال فيستقل بتدبير أمرهم دون الله أو بالشركة بأن يلي بعض امورهم دون الله، والجملة الثانيه تنفي شركة غيره تعالى في الحكم والقضاء في الحكم بأن تكون ولايتهم لله تعالى لكنه وكل عليهم غيره وفوض إليه أمرهم والحكم فيهم كما يفعله الولاة في نصب الحكام والعمال في الشعب المختلفة من امورهم فيباشر الحكام والعمال من الاحكام ما لا علم به من الولاة. ويؤول المعنى إلى أنه كيف لا يكون تعالى أعلم بلبثهم وهو تعالى وحده وليهم المباشر للحكم الجاري فيهم وعليهم. والضمير في قوله: " لهم " لاصحاب الكهف أو لجميع ما في السماوات والارض المفهوم من الجملة السابقة بتغليب جانب اولي العقل أو لمن في السماوات والارض والوجوه الثلاثة مترتبة جودة وأجودها أولها. وعليه فالاية تتضمن حجتين على أن الله أعلم بما لبثوا إحداهما: حجة عامة لهم ولغيرهم وهي قوله: " له غيب السماوات والارض أبصر به وأسمع " فهو أعلم بجميع الاشياء ومنها لبث أصحاب الكهف، وثانيتهما حجة خاصة بهم وهي قوله: " ما لهم "
________________________________________
[ 278 ]
إلى اخر الاية فهو تعالى وليهم المباشر للقضاء الجارى عليهم فكيف لا يكون أعلم بهم من غيره ؟ ولمكان العلية في الجملتين جئ بهما مفصولتين من غير عطف. بحث روائي. في تفسير القمى في قوله تعالى: " أم حسبت أن أصحاب الكهف " الاية قال: يقول: قد اتيناك من الايات ما هو أعجب منه، وهم فتية كانوا في الفترة بين عيسى بن مريم ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأما الرقيم فهما لوحان من نحان مرقوم أي مكتوب فيهما أمر الفتية وأمر إسلامهم وما أراد منهم دقيانوس الملك وكيف كان أمرهم وحالهم. وفيه حدثنا أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان سبب نزول سورة الكهف أن قريشا بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران: النضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط والعاص بن وائل السهمي ليتعلموا من اليهود مسائل يسألونها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فخرجوا إلى نجران إلى اليهود فسألوهم فقالوا: اسألوه عن ثلاث مسائل فإن أجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق ثم اسألوا عن مسألة واحدة فإن ادعى علمها فهو كذب. قالوا: وما هذه المسائل ؟ قالوا: سلوه عن فتية كانوا في الزمن الاول فخرجوا وغابوا وناموا، كم بقوا في نومهم حتى انتهبوا ؟ وكم كان عددهم ؟ وأي شئ كان معهم من غيرهم ؟ وما كان قصتهم ؟ وسلوه عن موسى حين أمره الله أن يتبع العالم ويتعلم منه من هو ؟ وكيف تبعه ؟ وما كان قصته معه ؟ وسلوه عن طائف طاف مغرب الشمس ومطلعها حتى بلغ سد يأجوج ومأجوج من هو ؟ وكيف كان قصته ؟ ثم أملؤوا عليهم أخبار هذه المسائل الثلاث وقالوا لهم: إن أجابكم بما قد أملينا عليكم فهو صادق، وإن أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدقوه. قالوا: فما المسألة الرابعة ؟ قالوا: سلوه متى تقوم الساعة ! فإن ادعى علمها فهو كاذب فإن قيام الساعة لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى.
________________________________________
[ 279 ]
فرجعوا إلى مكة واجتمعوا إلى أبى طالب فقالوا: يا أبا طالب إن أبن أخيك يزعم أن خبر السماء يأتيه ونحن نسأله عن مسائل فإن أجابنا عنها علمنا أنه صادق وإن لم يخبرنا علمنا أنه كاذب فقال أبو طالب: سلوه عما بدا لكم فسألوه عن الثلاث المسائل. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غدا اخبركم ولم يستثن، فاحتبس الوحي عنه أربعين يوما حتى اغتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشك أصحابه الذين كانوا آمنوا به، وفرحت قريش واستهزؤا وآذوا، وحزن أبو طالب. فلما كان بعد أربعين يوما نزل عليه سورة الكهف فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا جبرئيل لقد أبطأت فقال: أنا لا نقدر أن ننزل إلا بإذن الله فأنزل الله تعالى: أم حسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ثم قص قصتهم فقال: إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا. قال: فقال الصادق عليه السلام: إن أصحاب الكهف والرقيم كانوا في زمن ملك جبار عات، وكان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الاصنام فمن لم يجبه قتله، وكان هؤلاء قوما مؤمنين يعبدون الله عزوجل، ووكل الملك بباب المدينة ولم يدع أحدا يخرج حتى يسجد للاصنام فخرجوا هؤلاء بعلة الصيد وذلك أنهم مروا براع في طريقهم فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم وكان مع الراعي كلب فأجابهم الكلب وخرج معهم. قال عليه السلام: فخرج أصحاب الكهف من المدينة بعلة الصيد هربا من دين ذلك الملك فلما أمسوا دخلوا إلى ذلك الكهف والكلب معهم فألقى الله عليهم النعاس كما قال الله: " فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا " فناموا حتى أهلك الله ذلك الملك وأهل المدينة وذهب ذلك الزمان وجاء زمان آخر وقوم آخرون. ثم انتبهوا فقال بعضهم لبعض: كم نمنا ههنا ؟ فنظروا إلى الشمس قد أرتفعت فقالوا: نمنا يوما أو بعض يوم ثم قالوا لواحد منهم: خذ هذه الورق وادخل المدينة متنكرا لا يعرفونك فاشتر لنا طعاما فإنهم إن علموا بنا وعرفونا قتلونا أو ردونا في دينهم. فجاء ذلك الرجل فرأى مدينة بخلاف التى عهدها ورأى قوما بخلاف أولئك لم
________________________________________
[ 280 ]
يعرفهم ولم يعرفوا لغتة ولم يعرف لغتهم فقالوا له: من أنت، ومن أين جئت ؟ فأخبرهم فخرج ملك تلك المدينة مع أصحابه والرجل معهم حتى وقفوا على باب الكهف وأقبلوا يتطلعون فيه فقال بعضهم: هؤلاء ثلاثة رابعهم كلبهم، وقال بعضهم: خمسة سادسهم كلبهم، وقال بعضهم سبعة وثامنهم كلبهم. وحجبهم الله بحجاب من الرعب فلم يكن يقدم بالدخول عليهم غير صاحبهم فإنه لما دخل عليهم وجدهم خائفين أن يكونوا أصحاب دقيانوس شعروابهم فأخبرهم صاحبهم أنهم كانوا نائمين هذا الزمن الطويل، وأنهم آيه للناس فبكوا وسألوا الله أن يعيدهم إلى مضاجعهم نائمين كما كانوا. ثم قال الملك: ينبغى أن نبني ههنا مسجدا نزوره فإن هؤلاء قوم مؤمنون. فلهم في كل سنة تقلبان ينامون ستة أشهر على جنوبهم (1) اليمنى وستة أشهر على جنوبهم (2) اليسرى والكلب معهم باسط ذراعيه بفناء الكهف وذلك قوله تعالى: " نحن نقص عليك نبأهم بالحق " إلى آخر الايات. اقول: والرواية من أوضح روايات القصة متنا وأسلمها من التشوش وهي مع ذلك تتضمن أن الذين اختلفوا في عددهم فقالوا: ثلاثة أو خمسة أو سبعة هم أهل المدينة الذين اجتمعوا على باب الكهف بعد انتباه الفتية وهو خلاف ظاهر الاية، وتتضمن أن أصحاب الكهف لم يموتوا ثانيا بل عادوا إلى نومتهم وكذلك كلبهم باسطا ذراعيه بالوصيد وان لهم في كل سنه تقلبين من اليمين إلى اليسار وبالعكس وأنهم بعد على هيئتهم. ولا كهف معهودا على وجه الارض وفيه قوم نيام على هذه الصفة. على أن في ذيل هذه الرواية. وقد تركنا نقله ههنا لاحتمال أن يكون من كلام القمى أو رواية اخرى - أن قوله تعالى: " ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا " من كلام أهل الكتاب، وأن قوله بعده: " قل الله أعلم بما لبثوا " رد له، وقد عرفت في البيان المتقدم أن السياق يدفعه والنظم البليغ لا يقبله.
________________________________________
(1) جنبهم الايمن خ. (2) جنبهم الايسر خ.
________________________________________
[ 281 ]
وقد تكاثرت الروايات في بيان القصة من طرق الفريقين لكنها متهافتة مختلفة لا يكاد يوجد منها خبران متوافقا المضمون من جميع الجهات. فمن الاختلاف ما في بعض الروايات كالرواية المتقدمة أن سؤالهم كان عن أربعة نباء أصحاب الكهف ونبا موسى والعالم ونباء ذى القرنين وعن الساعة متى تقوم ؟ وفي بعضها أن السؤال كان عن خبر أصحاب الكهف وذي القرنين وعن الروح وقد ذكروا أن آية صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يجيب آخر الاسؤلة فأجاب عن نبأ أحصاب الكهف ونبأ ذي القرنين، ونزل " قل الروح من أمر ربي " الاية فلم يجب عنها، وقد عرفت في بيان آية الروح أن الكلام مسوق سوق الجواب وليس بتجاف. ومن ذلك ما في أكثر الروايات أنهم جماعة واحدة سموا أصحاب الكهف والرقيم، وفي بعضها أن أصحاب الرقيم غير أصحاب الكهف، وأن الله سبحانه أشار في كلامه إليهما معا لكنه قص قصة أصحاب الكهف وأعرض عن قصة أصحاب الرقيم، وذكروا لهم قصة وهي أن قوما وهم ثلاثة خرجوا يرتادون لاهلهم فأخذتهم السماء فأووا إلى كهف وانحطت صخرة من أعلى الجبل وسدت بابه. فقال بعضهم لبعض ليذكر كل منا شيئا من عمله الصالح وليدع الله به لعله يفرج عنا فذكر واحد منهم منه عمله لوجه الله ودعا الله به فتنحت الصخرة قدر ما دخل عليهم الضوء ثم الثاني فتنحت حتى تعارفوا ثم الثالث ففرج الله عنهم فخرجوا ؟ رواه (1) النعمان بن بشير مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. والمستأنس باسلوب الذكر الحكيم يأبى أن يظن به أن يشير في دعوته إلى قصتين ثم يفصل القول في إحداهما وينسى الاخرى من أصلها. ومن ذلك ما تذكره الروايات أن الملك الذي هرب منه الفتية هو دقيانون (ديوكليس 285 م - 305 م) ملك الروم وفي بعضها كان يدعي الالوهية، وفي بعض أنه كان دقيوس (دسيوس 249 - 254 م) ملك الروم وبينهما عشرات من السنين وكان الملك يدعو إلى عبادة الاصنام ويقتل أهل التوحيد، وفي بعض الروايات
________________________________________
(1) الدو المنثور. (*)
________________________________________
[ 282 ]
كان مجوسيا يدعو إلى دين المجوس ولم يذكر التاريخ شيوع المجوسية هذا الشيوع في بلاد الروم، وفي بعض الروايات انهم كانوا قبل عيسى عليه السلام. ومن ذلك أن بعض الروايات تذكر أن الرقيم اسم البلد الذى خرجوا منه وفي بعضها اسم الوادي وفي بعضها اسم الجبل الذى فيه الكهف، وفي بعضها اسم كلبهم، وفي بعضها هو لوح من حجر، وفى بعضها من رصاص وفى بعضها من نحاس وفي بعضها من ذهب رقم فيه أسماؤهم وأسماء آبائهم وقصتهم ووضع على باب الكهف وفي بعضها داخله، وفي بعضها كان معلقا على باب المدينة وفي بعضها في بعض خزائن الملوك وفي بعضها هما لوحان. ومن ذلك ما في بعض الروايات أن الفتية كانوا من أولاد الملوك، وفى بعضها من أولاد الاشراف، وفى بعضها من أولاد العلماء، وفي بعضها أنهم سبعة سابعهم كان راعي غنم لحق بهم هو وكلبه في الطريق، وفي حديث (1) وهب بن منبه أنهم كانوا حماميين يعملون في بعض حمامات المدينة وساق لهم قصة دعوة الملك إلى عبادة الاصنام وفي بعضها أنهم كانوا من وزراء الملك يستشيرهم في اموره. ومن ذلك ما في بعض الروايات أنهم أظهروا المخالفة وعلم بها الملك قبل الخروج وفي بعضها أنه لم يعلم إلا بعد خروجهم وفي بعضها أنهم تواطؤوا على الخروج فخرجوا وفي بعضها أنهم خرجوا على غير معرفة من بعضهم لحال بعض وعلى غير ميعاد ثم تعارفوا واتفقوا في الصحراء وفي بعضها أن راعي غنم لحق بهم وهو سابعهم وفي بعضها أنه لم يتبعهم وتبعهم كلبه وسار معهم. ومن ذلك ما في بعض الروايات أنهم لما هربوا واطلع الملك على أمرهم افتقدهم ولم يحصل منهم على أثر، وفي بعضها أنه فحص عنهم فوجدهم نياما في كهفهم فأمر أن يبنى على باب الكهف بنيان ليحتبسوا فيموتوا جوعا وعطشا جزاء لعصيانهم فبقوا على هذه الحال حتى إذا أراد الله أن ينبههم بعث راعي غنم فخرب البنيان ليتخذ حظيرة لغنمه وعند ذلك بعثهم الله أيقاظا وكان من أمرهم ما قصه الله. ومن ذلك ما في بعض الروايات أنه لما ظهر أمرهم أتاهم الملك ومعه الناس فدخل
________________________________________
(1) الدر المنثور وقد أي رده ابن الاثير في الكامل. (*)
________________________________________
[ 283 ]
عليهم الكهف فكلمهم فبينا هو يكلمهم ويكلمونه إذ ودعوه وسلموا عليه وقضوا نحبهم، وفي بعضها أنهم ماتوا أو ناموا قبل أن يدخل الملك عليهم وسد باب الكهف وغاب عن أبصارهم فلم يهتدوا للدخول فبنوا هناك مسجدا يصلون فيه. ومن ذلك ما في بعض الروايات أنهم قبضت أرواحهم، وفي بعضها أن الله أرقدهم ثانيا فهم نيام إلى يوم القيامة ويقلبهم كل عام مرتين من اليمين إلى الشمال وبالعكس. ومن ذلك اختلاف الروايات في مده لبثهم ففي أكثرها أن الثلاث مائة وتسع سنين المذكور في الاية قول الله تعالى، وفي بعضها أنه محكي قول أهل الكتاب، وقوله تعالى: " قل الله أعلم بما لبثوا " رد له، وفي بعضها أن الثلاثمائة قوله سبحانه وزيادة التسع قول أهل الكتاب. إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف بين الروايات، وقد جمعت أكثرها من طرق أهل السنه في الدر المنثور، ومن طرق الشيعة في البحار وتفسيري البرهان ونور - الثقلين من أراد الاطلاع عليها فليراجعها، والذي يمكن أن تعد الروايات متفقه أو كالمتفقة عليه أنهم كانوا قوما موحدين هربوا من ملك جبار كان يجبر الناس على الشرك فأووا إلى الكهف فناموا إلى آخر ما قصه الله تعالى. وفي تفسير العياشي عن سليمان بن جعفر الهمداني قال: قال لي جعفر بن محمد عليه السلام يا سليمان من الفتى ؟ فقلت له ؟ جعلت فداك الفتى عندنا الشاب. قال لي: أما علمت أن أصحاب الكهف كانوا كلهم كهولا فسماهم الله فتية بإيمانهم يا سليمان من آمن بالله واتقى فهو الفتى اقول: وروى ما في معناه في الكافي عن القمي مرفوعا عن الصادق عليه السلام وقد روى عن (1) ابن عباس أنهم كانوا شبانا. وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر قال: كان أصحاب الكهف صيارفة.
________________________________________
(1) الدر المنثور في قوله تعالى، " نحن نقص عليك نبأهم " الاية. (*)
________________________________________
[ 284 ]
اقول: وروى القمي أيضا باسناده عن سدير الصيرفى عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان أصحاب الكهف صيارفة: لكن في تفسير العياشي عن درست عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه ذكر أصحاب الكهف فقال: كانوا صيارفة كلام ولم يكونوا صيارفة دراهم. وفى تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ان أصحاب الكهف أسروا الايمان وأظهروا الكفر فآجرهم الله مرتين. اقول: وروى في الكافي ما في معناه عن هشام بن سالم عنه عليه السلام وروى ما في معناه العياشي عن الكاهلى عنه عليه السلام، وعن درست في خبرين عنه عليه السلام وفي أحد الخبرين: أنهم كانوا ليشدون الزنانير ويشهدون الاعياد. ولا يرد عليه أن ظاهر قوله تعالى حكاية عنهم: " إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والارض لن ندعو من دونه إلها " الاية أنهم كانوا لا يرون التقية كما احتمله المفسرون في تفسير قوله تعالى حكاية عنهم: " أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا " الاية وقد تقدم. وذلك لانك عرفت أن خروجهم من المدينة كان هجره من دار الشرك التي كانت تحرمهم إظهار كلمة الحق والتدين بدين التوحيد غير أن تواطيهم على الخروج وهم ستة من المعاريف وأهل الشرف وإعراضهم عن الاهل والمال والوطن لم يكن لذلك عنوان إلا المخالفة لدين الوثنية فقد كانوا على خطر عظيم لو ظهر عليهم القوم ولم ينته أمرهم إلا إلى أحد أمرين الرجم أو الدخول في ملة القوم. وبذلك يظهر أن قيامهم أول مرة وقولهم: " ربنا رب السماوات والارض لن ندعوا من دونه إلها " لم يكن بتظاهر منهم على المخالفة وتجاهر على ذم ملة القوم ورمي طريقتهم فما كانت الاوضاع العامة تجيز لهم ذلك، وإنما كان ذلك منهم قياما لله وتصميما على الثبات على كلمة التوحيد ولو سلم دلالة قوله: " إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والارض " على التظاهر ورفض التقية فقد كان في آخر أيام مكثهم بين القوم وكانوا قبل ذلك سائرين على التقية لا محاله، فقد بان أن سياق شئ من الايتين لا ينافى كون الفتية سائرين على التقية ما داموا بين القوم وفي المدينة.
________________________________________
[ 285 ]
وفى تفسير العياشي أيضا عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خرج أصحاب الكهف على غير معرفة ولا ميعاد فلما صاروا في الصحراء أخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق - فأخذ هذا على هذا وهذا على هذا ثم قالوا أظهروا أمركم فأظهروه فإذا هم على أمر واحد. اقول: وفي معناه ما عن ابن عباس في الخبر الاتي. في الدر المنثور أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: غزونا مع معاوية غزوه المضيق نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف الذى ذكر الله في القرآن فقال معاوية: لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال له ابن عباس: ليس ذلك لك قد منع الله ذلك عمن هو خير منك فقال: " لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا " فقال معاوية لا أنتهي حتى أعلم علمهم فبعث رجالا فقال: اذهبوا فادخلوا الكهف فانظروا فذهبوا فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحا فأخرجتهم فبلغ ذلك ابن عباس فأنشا يحدث عنهم. فقال: إنهم كانوا في مملكة ملك من الجبابرة فجعلوا يعبدون حتى عبدوا الاوثان وهؤلاء الفتية في المدينة فلما رأوا ذلك خرجوا من تلك المدينة - فجمعهم الله على غير ميعاد فجعل بعضهم يقول لبعض: أين تريدون ؟ أين تذهبون ؟ فجعل بعضهم يخفي على بعض لانه لا يدري هذا على ما خرج هذا ولا يدري هذا فأخذوا العهود والمواثيق أن يخبر بعضهم بعضا فإن اجتمعوا على شئ وإلا كتم بعضهم بعضا فاجتمعوا على كلمة واحدة فقالوا: " ربنا رب السماوات والارض - إلى قوله - مرفقا ". قال فقعدوا فجاء أهلهم يطلبونهم لا يدرون أين ذهبوا ؟ فرفع امرهم إلى الملك فقال: ليكونن لهؤلاء القوم بعد اليوم شأن، ناس خرجوا لا يدري اين ذهبوا في غير خيانة ولا شئ يعرف، فدعا بلوح من رصاص فكتب فيه اسماءهم ثم طرح في خزانته فذلك قول الله: " ام حسبت ان اصحاب الكهف والرقيم " والرقيم هو اللوح الذي كتبوا، فانطلقوا حتى دخلوا الكهف فضرب الله على آذانهم فناموا فلو ان الشمس تطلع عليهم لاحرقتهم، ولولا انهم يقلبون لاكلتهم الارض، وذلك قول الله: " وترى الشمس الاية.
________________________________________
[ 286 ]
قال ثم ان ذلك الملك ذهب وجاء ملك آخر فعبد الله وترك تلك الاوثان وعدل في الناس فبعثهم الله لما يريد فقال قائل منهم كم لبثتم ؟ فقال بعضهم: يوما وقال بعضهم: يومين وقال بعضهم: أكثر من ذلك فقال كبيرهم: لا تختلفوا فإنه لم يختلف قوم قط إلا هلكوا فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة. فرأى شارة (1) أنكرها ورأى بنيانا أنكره ثم دنا إلى خباز فرمى إليه بدرهم وكانت دراهمهم كخفاف الربع يعني ولد الناقة فأنكر الخباز الدرهم فقال: من أين لك هذا الدرهم ؟ لقد وجدت كنزا لتدلني عليه أو لارفعنك إلى الامير فقال: أو تخوفني بالامير ؟ وأتى الدهقان الامير قال: من أبوك ؟ قال: فلان فلم يعرفه قال: فمن الملك ؟ قال: فلان فلم يعرفه فاجتمع عليهم الناس فرفع إلى عالمهم فسأله فأخبره فقال - علي باللوح فجئ به فسمى أصحابه فلانا وفلانا وهم مكتوبون في اللوح فقال للناس: إن الله قد دلكم على إخوانكم. وانطلقوا وركبوا حتى أتوا إلى الكهف فلما دنوا من الكهف قال الفتى: مكانكم أنتم حتى أدخل أنا على أصحابي، ولا تهجموا فيفزعون منكم وهم لا يعلمون أن الله قد أقبل بكم وتاب عليكم فقالوا: لتخرجن علينا ؟ قال: نعم إن شاء الله فدخل فلم يدروا أين ذهب ؟ وعمي عليهم فطلبوا وحرضوا فلم يقدروا على الدخول عليهم فقالوا: لنتخذن عليهم مسجدا فاتخذوا عليهم مسجدا يصلون عليهم ويستغفرون لهم. اقول: والرواية مشهورة أوردها المفسرون في تفاسيرهم وتلقوها بالقبول وهي بعد غير خالية عن أشياء منها أن ظاهرها أنهم بعد على هيئة النيام لا يمكن الاطلاع عليهم بصرف إلهي والكهف الذي في المضيق وهو كهف إفسوس المعروف اليوم ليس على هذا النعت. والاية التي تمسك بها ابن عباس إنما تمثل حالهم وهم رقود قبل البعث لا بعده وقد وردت عن ابن عباس رواية اخرى تخالف هذه الرواية وهي ما في الدر المنثور عن عبد الرزاق وأبن أبي حاتم عن عكرمة وقد ذكرت فيها القصه وفي آخرها: فركب
________________________________________
(1) الشارة الهيئة والزينة والمنظر واللباس. (*)
________________________________________
[ 287 ]
الملك وركب معه الناس حتى انتهى إلى الكهف فقال الفتي: دعوني أدخل إلى أصحابي فلما أبصروه وأبصرهم ضرب على آذانهم فلما استبطؤوه دخل الملك ودخل الناس معه فإذا أجساد لا يبلى منها شئ غير أنها لا أرواح فيها فقال الملك: هذه آية بعثها الله لكم. فغزا ابن عباس مع حبيب بن مسلمة فمروا بالكهف فإذا فيه عظام فقال رجل: هذه عظام أهل الكهف فقال ابن عباس ذهبت عظامهم أكثر من ثلاثمائة سنه الحديث. وتزيد هذه الرواية إشكالا أن قوله: ذهبت عظامهم " الخ " يؤدي إلى وقوع القصة في أوائل التاريخ الميلادى أو قبله فتخالف حينئذ عامة الروايات إلا ما تقول إنهم كانوا قبل المسيح. ومنها ما في قوله: " فقال بعضهم: يوما وقال بعضهم: يومين الخ والذى وقع في القرآن قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم وهو المعقول الموافق للاعتبار من قوم ناموا ثم انتبهوا وتكلموا في مده لبثهم أخذا بشواهد الحال وأما احتمال اليومين وأزيد فمما لا سبيل إليه ولا شاهد يشهد عليه عادة على أن اختلافهم في تشخيص مده اللبث لم يكن من الاختلاف المذموم الذي هو الاختلاف في العمل في شئ حتى يؤدي إلى الهلاك فينهى عنه وإنما هو اختلاف في النظر ولا مناص. ومنها ما في آخرها أنه دخل فلم يدروا أين ذهب ؟ وعمى عليهم " الخ " كأن المراد به ما في بعض الروايات أن باب الكهف غاب عن أنظارهم بأن مسحه الله وعفاه، ولا يلائم ذلك ما في صدر الرواية أنه كان ظاهرا معروفا في تلك الديار فهل مسحه الله لذلك الملك وأصحابه ثم أظهره للناس ؟ وما في صدر الرواية من قول ابن عباس " إن الرقيم لوح من رصاص مكتوب فيه أسماؤهم " روى ما في معناه العياشي في تفسيره عن أحمد بن علي عن أبي عبد الله عليه السلام وقد روي في روايات اخرى عن ابن عباس إنكاره كما في الدر المنثور عن سعيد بن منصور وعبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم والزجاجى في أمالية وابن مردويه عن ابن عباس قال: لا أدري ما الرقيم ؟ وسألت كعبا فقال: اسم القرية التي خرجوا منها.
________________________________________
[ 288 ]
وفيه أيضا عن عبد الرزاق عن ابن عباس قال: كل القرآن أعلمه إلا أربعا: غسلين (1) وحنانا وأواه ورقيم. وفى تفسير القمى: في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: " لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا " يعنى جورا على الله إن قلنا له شريك. وفي تفسير العياشي عن محمد بن سنان عن البطيخي عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله: " لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا " قال: إن ذلك لم يعن به النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما عني به المؤمنون بعضهم لبعض لكنه حالهم التي هم عليها. وفى تفسير روح المعاني أسماؤهم على ما صح عن ابن عباس: مكسلمينا ويمليخا ومرطولس وثبيونس ودر دونس وكفاشيطيطوس ومنطنواسيس وهو الراعي والكلب اسمه قطير. قال: وروي عن علي كرم الله وجهه أن أسماءهم: يمليخا ومكسلينيا ومسلينيا وهؤلاء أصحاب يمين الملك، ومرنوش ودبرنوش وشاذنوش، وهؤلاء أصحاب يساره، وكان يستشير الستة والسابع الراعي ولم يذكر في هذه الرواية اسمه وذكر فيها أن اسم كلبهم قطير. قال: وفي صحة نسبة هذه الرواية لعلي كرم الله وجهه مقال وذكر العلامة السيوطي في حواشي البيضاوي أن الطبراني روى ذلك عن ابن عباس في معجمه الاوسط بإسناد صحيح، والذي في الدر المنثور، رواية الطبراني في الاوسط بإسناد صحيح ما قدمناه عن ابن عباس. قال: وقد سموا في بعض الروايات بغير هذه الاسماء، وذكر الحافظ ابن حجر في شرح البخاري أن في النطق بأسمائهم اختلافا كثيرا ولا يقع الوثوق من ضبطها، وفي البحر أن أسماء أصحاب الكهف أعجمية لا تنضبط بشكل ولا نقط والسند في معرفتها ضعيف انتهى كلامه (2).
________________________________________
1 - اختلاف اعراب الكلمات من جهة حكاية لفظ القرآن. 2 - الروايات في قصة اصحاب الكهف - على ما لخصه بعض علماء الغرب - اربع وهى = (*)
________________________________________
[ 289 ]
والرواية التي نسبها إلى علي عليه السلام هي التي رواها الثعلبي في العرائس والديلمي في كتابه مرفوعة وفيها أعاجيب.
________________________________________
مشتركة في اصل القصة مختلفة في خصوصياتها:. 1 - الرواية السريانية واقدم ما يوجد منها ما ذكره Jrmes of sarug المتوفى سنة 521). 2 - الرواية الاتينية وهي مأخوذة من السريانية عن Symeon Meta Phrastos 4 - الرواية الاسلامية وتنتهي الي السريانية. وهناك روايات واردة في المتون القبطية والحبشية والارمنية وتنتهي جميعا إلى السريانية. واسماء اصحاب الكهف في الروايات الاسلامية مأخوذة من روايات غيرهم، وقد ذكر Gregory ان بعض هذه الاسماء كانت اسماءهم قبل التنصر والتعميد وهذه اسماميهم باليونانية والسريانية. مكس منيانوس 1 - Maximilianos امليخوس - مليخا 2 - Iamblichos مرتيانوس - مرطلوس - مرطولس. (3 - Martinos -) Martelos ذوانيوس - دوانيوانس - دنياسيوس. 4 - Dionysios ينيوس - يوانيس - نواسيس. 5 - Joannes اكساكدثودنيانوسنن - كسقسططيونس - اكسقوسطط كشفوطط. 6 - Exakoustodianos انطونس (افطونس) - اندونيوس - انطينوس. 7 - Antonios قطمير. واسماؤهم باللاتينية:. Koimeterion مكس ميانوس. 1 - Maximianus امليخوس. 2 - Malchus مرتيانوس. 4 - Dionysius ذيووانيوس. 5 - Johannes ينيوس. 6 - Constantinu قسطنطيوس. 3 - Martinianus ساريبوس - ساريبون. 7 - Serapion وذكر Gregory ان اسماءهم قبل التنصر هي: ارشليدس - ارخليدس. 1 - achilles ديوماديوس. 2 - Diomedes اوخانيوس. 3 - Eugenius استفانوس - اساطونس. 4 - Stephanus ابروفاديوس. 5 - Probatius صامنديوس. 6 - Sabbatius كيوياكوس. 7 - Kyriakos ويرى بعضهم ان الاسماء الاعربية مأخوذة عن القبطية المأخوذة عن السريانية.
________________________________________
[ 290 ]
وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصحاب الكهف أعوان المهدي. وفى البرهان عن ابن الفارسى قال الصادق عليه السلام: يخرج للقائم عليه السلام من ظهر الكعبة سبعة وعشرون رجلا من قوم موسى الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وأبو دجانة الانصاري، ومقداد بن الاسود ومالك الاشتر فيكونون بين يديه انصارا وحكاما.، وفي تفسير العياشي عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام قال: إذا حلف رجل بالله فله ثنياها إلى أربعين يوما وذلك أن قوما من اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن شئ فقال: ائتونى غدا - ولم يستثن - حتى أخبركم فاحتبس عنه جبرئيل أربعين يوما ثم أتاه وقال: " ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت ". اقول: الثنيا بالضم فالسكون مقصورا اسم الاستثناء وفي هذا المعنى روايات أخر عن الصادقين عليه السلام والظاهر من بعضها أن المراد بالحلف بت الكلام وتأكيده كما يلوح إليه استشهاده عليه السلام في هذه الرواية بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأما البحث في تقييد اليمين به بعد انعقاده ووقوع الحنث معه وعدمه فموكول إلى الفقه. " كلام حول قصه أصحاب الكهف في فصول " 1 - وردت قصة الكهف مفصلة كاملة في عدة روايات عن الصحابة والتابعين وأئمه أهل البيت عليهم السلام كرواية القمي ورواية ابن عباس ورواية عكرمة ورواية مجاهد وقد أوردها في الدر المنثور ورواية ابن اسحاق في العرائس وقد أوردها في البرهان ورواية وهب بن منبه وقد أوردها في الدر المنثور وفي الكامل من غير نسبة ورواية النعمان بن بشير في أصحاب الرقيم وقد أوردها في الدر المنثور. وهذه الروايات - وقد أوردنا في البحث الروائي السابق بعضها وأشرنا إلى بعضها
________________________________________
[ 291 ]
الاخر - من الاختلاف في متونها بحيث لا تكاد تتفق في جهة بارزه من جهات القصة، وأما الروايات الواردة في بعض جهات القصة كالمتعرضة لزمان قيامهم والملك الذي قاموا في عهده ونسبهم وسمتهم وأسمائهم ووجه تسميتهم بأصحاب الرقيم إلى غير ذلك من جزئيات القصة فالاختلاف فيها أشد والحصول فيها على ما تطمئن إليه النفس أصعب. والسبب العمدة في اختلاف هذه الاحاديث مضافا إلى ما تطرق إلى أمثال هذه الروايات من الوضع والدس أمران. أحدهما: أن القصة مما اعتنت به أهل الكتاب كما يستفاد من رواياتها أن قريشا تلقتها عنهم وسألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها بل يستفاد من التماثيل وقد ذكرها أهل التاريخ عن النصارى ومن الصور الموجودة في كهوف شتى في بقاع الارض المختلفة من آسيا واوربا وافريقيا أن القصة اكتسبت بعد شهرة عالمية ومن شأن القصص التي كذلك أن تتجلى لكل قوم في صورة تلائم ما عندهم من الاراء والعقائد وتختلف رواياتها. ثم إن المسلمين بالغوا في أخذ الرواية وضبطها وتوسعوا فيه وأخذوا ما عند غيرهم كما أخذوا ما عند أنفسهم وخاصة وقد اختلط بهم قوم من علماء أهل الكتاب دخلوا في الاسلام كوهب بن منبه وكعب الاحبار وأخذ عنهم الصحابة والتابعون كثيرا من أخبار السابقين ثم اخذ الخلف عن السلف وعاملوا مع رواياتهم معاملة الاخبار الموقوفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكانت بلوى. وثانيهما: ان دأب كلامه تعالى فيما يورده من القصص أن يقتصر على مختارات من نكاتها المهمة المؤثرة في إيفاء الغرض من غير أن يبسط القول بذكر متنها بالاستيفاء والتعرض لجميع جهاتها والاوضاع والاحوال المقارنة لها فما كتاب الله بكتاب تاريخ وإنما هو كتاب هدى. وهذا من أوضح ما يعثر عليه المتدبر في القصص المذكورة في كلامه تعالى كالذي ورد فيه من قصة أصحاب الكهف والرقيم فقد أورد أولا شطرا من محاورتهم يشير إلى معنى قيامهم لله وثباتهم على كلمة الحق واعتزالهم الناس إثر ذلك ودخولهم الكهف ورقودهم فيه وكلبهم معهم دهرا طويلا ثم يذكر بعثهم من الرقدة ومحاوره ثانية لهم هي المؤدية
________________________________________
[ 292 ]
إلى انكشاف حالهم وظهور أمرهم للناس. ثم يذكر إعثار الناس عليهم بما يشير إلى توفيهم ثانيا بعد حصول الغرض الالهى وما صنع بعد ذلك من اتخاذ مسجد عليهم هذا هو الذي جرى عليه كلامه تعالى. وقد أضرب عن ذكر أسمائهم وأنسابهم وموالدهم وكيفية نشأتهم وما اتخذوه لانفسهم من المشاغل وموقعهم من مجتمعهم وزمان قيامهم واعتزالهم واسم الملك الذي هربوا منه والمدينة التي خرجوا منها والقوم الذين كانوا فيهم واسم الكلب الذي لازمهم وهل كان كلب صيد لهم أو كلب غنم للراعي ؟ وما لونه ؟ - وقد أمعن فيه الروايات - إلى غير ذلك من الامور التي لا يتوقف غرض الهداية على العلم بشئ منها كما يتوقف عليه غرض البحث التاريخي. ثم إن المفسرين من السلف لما أخذوا في البحث عن آيات القصص راموا بيان اتصال الايات بضم المتروك من أطراف القصص إلى المختار المأخوذ منها لتصاغ بذلك قصة كاملة الاجزاء مستوفاة الاطراف فأدى اختلاف أنظارهم إلى اختلاف يشابه اختلاف النقل فآل الامر إلى ما نشاهده. 2 - قصة اصحاب الكهف في القرآن: وقد قال تعالى مخاطبا لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم " ولا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا " كانت أصحاب الكهف والرقيم فتية نشأوا في مجتمع مشرك لا يرى إلا عبادة الاوثان فتسرب في المجتمع دين التوحيد فآمن بالله قوم منهم فأنكروا عليهم ذلك وقابلوهم بالتشديد والتضييق والفتنة والعذاب، وأجبروهم على عبادة الاوثان ورفض دين التوحيد فمن عاد إلى ملتهم تركوه ومن أصر على المخالفة قتلوه شر قتلة. وكانت الفتية ممن آمن بالله إيمانا على بصيرة فزادهم الله هدى على هداهم وأفاض عليهم المعرفة والحكمة وكشف بما آتاهم من النور عما يهمهم من الامر وربط على قلوبهم فلم يخشوا إلا الله ولا أوحشهم ما يستقبلهم من الحوادث والمكاره فعلموا أنهم لو أداموا المكث في مجتمعهم الجاهل المتحكم لم يسعهم دون أن يسيروا بسيرتهم فلا يتفوهوا بكلمه الحق ولا يتشرعوا بشريعة الحق، وعلموا أن سبيلهم أن يقوموا على التوحيد ورفض الشرك ثم اعتزال القوم وعلموا أن لو اعتزلوهم ودخلوا الكهف أنجاهم الله مما هم فيه من البلاء.
________________________________________
[ 293 ]
فقاموا وقالوا ردا على القوم في اقتراحهم وتحكمهم: ربنا رب السماوات والارض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لو لا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا. ثم قالوا: وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهئ لكم من أمركم مرفقا. ثم دخلوا الكهف واستقروا على فجوة منه وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد فدعوا ربهم بما تفرسوا من قبل أنه سيفعل بهم ذلك فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا فضرب الله على آذانهم في الكهف سنين ولبثوا في كهفهم وكلبهم معهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ويقلبهم الله ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا. ثم إن الله بعثهم بعد هذا الدهر الطويل وهو ثلاثمائة وتسع سنين من يوم دخلوا الكهف ليريهم كيف نجاهم من قومهم فاستيقظوا جميعا ووجدوا أن الشمس تغير موقعها وفيهم شئ من لوثة نومهم الثقيل قال قائل منهم: كم لبثتم ؟ قال قوم منهم: لبثنا يوما أو بعض يوم لما وجدوا من تغير موقع الشعاع وترددوا هل مرت عليهم ليله أو لا ؟ وقال آخرون منهم: بل ربكم أعلم بما لبثتم ثم قال: فابعثوا بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه فإنكم جياع وليتلطف الذاهب منكم إلى المدينة في مسيره إليها وشرائه الطعام ولا يشعرن بكم أحدا إنهم إن علموا بمكانكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا. وهذا أو ان أن يعثر الله سبحانه الناس عليهم فإن القوم الذين اعتزلوهم وفارقوهم يوم دخلوا الكهف قد انقرضوا وذهب الله بهم وبملكهم وملتهم وجاء بقوم آخرين الغلبة فيهم لاهل التوحيد والسلطان وقد اختلفوا أعني أهل التوحيد وغيرهم في أمر المعاد فأراد الله سبحانه أن يظهر لهم آية في ذلك فأعثرهم على أصحاب الكهف.
________________________________________
[ 294 ]
فخرج المبعوث من الفتية وأتى المدينة وهو يظن أنها التي فارقها البارحة لكنه وجد المدينة قد تغيرت بما لا يعهد مثله في يوم ولا في عمر والناس غير الناس والاوضاع والاحوال غير ما كان يشاهده بالامس فلم يزل على حيرة من الامر حتى أراد أن يشتري طعاما بما عنده من الورق وهي يومئذ من الورق الرائجة قبل ثلاثه قرون فأخذت المشاجرة فيها ولم تلبث دون أن كشفت عن أمر عجيب وهو أن الفتى ممن كانوا يعيشون هناك قبل ذلك بثلاثة قرون، وهو أحد الفتية كانوا في مجتمع مشرك ظالم فهجروا الوطن واعتزلوا الناس صونا لايمانهم ودخلوا الكهف فأنامهم الله هذا الدهر الطويل ثم بعثهم وها هم الان في الكهف في انتظار هذا الذي بعثوه إلى المدينة ليشتري لهم طعاما يتغذون به. فشاع الخبر في المدينة لساعته واجتمع جم غفير من أهلها فساروا إلى الكهف ومعهم الفتى المبعوث من أصحاب الكهف فشاهدوا ما فيه تصديق الفتى فيما أخبرهم من نبأ رفقته وظهرت لهم الايه الالهية في أمر المعاد. ولم يلبث أصحاب الكهف بعد بعثهم كثيرا دون أن توفاهم الله سبحانه وعند ذلك اختلف المجتمعون على باب الكهف من أهل المدينة ثانيا فقال المشركون منهم: ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم وهم الموحدون لنتخذن عليهم مسجدا. 3 - القصة عند غير المسلمين: معظم أهل الرواية والتاريخ على أن القصة وقعت في الفتره بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين المسيح عليه السلام ولذلك لم يرد ذكرها في كتب العهدين ولم يعتوره اليهود وإن اشتملت عده من الروايات على أن قريشا تلقت القصة من اليهود، وإنما اهتم بها النصارى واعتوروها قديما وحديثا، وما نقل عنهم في القصة قريب مما أورده ابن اسحاق في العرائس عن ابن عباس غير أنهم يختلف رواياتهم عن روايات المسلمين في امور. أحدها: أن المصادر السريانية تذكر عدد أصحاب الكهف ثمانية في حين يذكره المسلمون وكذا المصادر اليونانية والغربيه سبعة. ثانيها: أن قصتهم خالية من ذكر كلب أصحاب الكهف.
________________________________________
[ 295 ]
ثالثها: أنهم ذكروا أن مدة لبث أصحاب الكهف فيه مائتا سنة أو أقل والمسلمون يذكر معظمهم أنه ثلاثمائة وتسع سنين على ما هو ظاهر القرآن الكريم والسبب في تحديدهم ذلك أنهم ذكروا أن الطاغية الذي كان يجبر الناس على عبادة الاصنام وقد هرب منه الفتية هو دقيوس الملك 449 - 451 وقد استيقظ أهل الكهف على ما ذكروا سنة 425 م أو سنه 437 م أو سنة 439 م فلا يبقى للبثهم في الكهف إلا مائتا سنة أو اقل واول من ذكره من مؤرخبهم على ما يذكر هو " جيمس " الساروغي السرياني الذي ولد سنه 451 م ومات سنه 521 م ثم أخذ عنه الاخرون وللكلام تتمة ستوافيك. 4 - اين كهف اصحاب الكهف: عثر في مختلف بقاع الارض على عدة من الكهوف والغيران وعلى جدرانها تماثيل رجال ثلاثة أو خمسة أو سبعة ومعهم كلب وفي بعضها بين أيديهم قربان يقربونه، ويتمثل عند الانسان المطلع عليها قصص أصحاب الكهف ويقرب من الظن أن هذه النقوش والتماثيل إشاره إلى قصة الفتية وأنها انتشرت وذاعت بعد وقوعها في الاقطار فأخذت ذكرى يتذكر بها الرهبان والمتجردون للعبادة في هذه الكهوف. وأما الكهف الذى التجأ إليه واستخفى فيه أهل الكهف فجرى عليهم ما جرى فالناس فيه في اختلاف وقد ادعي ذلك في عدة مواضع: احدها: كهف إفسوس وإفسوس (1) هذا مدينة خربة أثرية واقعة في تركيا على مسافة 73 كيلو مترا من بلدة إزمير، والكهف على مساحة كيلو متر واحد أو أقل من إفسوس بقرب قرية " اياصولوك " بسفح جبل " ينايرداغ ". وهو كهف وسيع فيه - على ما يقال مآت من القبور مبنية من الطوب وهو في سفح الجبل وبابه متجه نحو الجهة الشمالية الشرقية وليس عنده أثر من مسجد أو صومعة أو كنيسة، وهذا الكهف هو الاعرف عند النصارى، وقد ورد ذكره في عدة من روايات المسلمين. وهذا الكهف - على الرغم من شهرته البالغة - لا ينطبق عليه ما ورد في الكتاب
________________________________________
(1) بكسر الهمزة والفاء وقد ضبطه في مراصد الاطلاع بالضم فالسكون ولعله سهو. (*)
________________________________________
[ 296 ]
العزيز من المشخصات. أما أولا: فقد قال تعالى: " وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقضرضهم ذات الشمال " وهو صريح في أن الشمس يقع شعاعها عند الطلوع على جهة اليمين من الكهف وعند الغروب على الجانب الشمالي منه، ويلزمه أن يواجه باب الكهف جهة الجنوب، وباب الكهف الذي في إفسوس متجه نحو الشمال الشرقي. وهذا الامر أعني كون باب كهف إفسوس متجها نحو الشمال وما ورد من مشخص إصابة الشمس منه طلوعا وغروبا هو الذي دعا المفسرين إلى أن يعتبروا يمين الكهف ويساره بالنسبة إلى الداخل فيه لا الخارج منه مع أنه المعروف المعمول - كما تقدم في تفسير الاية - قال البيضاوي في تفسيره: إن باب الكهف في مقابلة بنات النعش، وأقرب المشارق والمغارب إلى محاذاته مشرق رأس السرطان ومغربه والشمس إذا كان مدارها ماره تطلع مائلة عنه مقابلة لجانبه الايمن وهو الذي يلي المغرب، وتغرب محاذية لجانبه الايسر فيقع شعاعها على جانبه ويحلل عفونته ويعدل هواءه ولا يقع عليهم فيؤذي أجسادهم وييلي ثيابهم. انتهى ونحو منه ما ذكره غيره. على أن مقابلة الباب للشمال الشرقي لا للقطب الشمالي وبنات النعش كما ذكروه تستلزم عدم انطباق الوصف حتى على الاعتبار الذي اعتبروه فإن شعاع الشمس حينئذ يقع على الجانب الغربي الذي يلي الباب عند طلوعها وأما عند الغروب فالباب وما حوله مغمور تحت الظلل وقد زال الشعاع بعيد زوال الشمس وانبسط الظل. اللهم إلا أن يدعى أن المراد بقوله: " وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال " عدم وقوع الشعاع أو وقوعه خلفهم لا على يسارهم هذا. وأما ثانيا: فلان قوله تعالى: " وهم في فجوة منه " أي في مرتفع منه ولا فجوة في كهف إفسوس - على ما يقال - وهذا مبني على كون الفجوة بمعنى المرتفع وهو غير مسلم وقد تقدم أنها بمعنى الساحة. وأما ثالثا فلان قوله تعالى: " قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا " ظاهر في أنهم بنوا على الكهف مسجدا، ولا أثر عند كهف إفسوس من مسجد أو
________________________________________
[ 297 ]
صومعة أو نحوهما، وأقرب ما هناك كنيسة على مسافة ثلاث كيلو مترات تقريبا ولا جهة تربطها بالكهف أصلا. على أنه ليس هناك شئ من رقيم أو كتابة أو أمر آخر يشهد ولو بعض الشهادة على كون بعض هاتيك القبور وهي مآت هي قبور أصحاب الكهف أو انهم لبثوا هناك صفه من الدهر راقدين ثم بعثهم الله ثم توفاهم. الكهف الثاني: كهف رجيب وهذا الكهف واقع على مسافة ثمانية كيلو مترات من مدينه عمان عاصمة الاردن بالقرب من قرية تسمى رجيب والكهف في جبل محفورا على الصخرة في السفح الجنوبي منه، واطرافه من الجانبين الشرقي والغربي مفتوحة يقع عليه شعاع الشمس منها، وباب الكهف يقابل جهة الجنوب وفي داخل الكهف صفة صغيرة تقرب من ثلاثة امتار في مترين ونصف على جانب من سطح الكهف المعادل لثلاثة في ثلاثه تقريبا وفى الغار عدة قبور على هيئة النواويس البيزنطية كأنها ثمانية أو سبعة. وعلى الجدران نقوش وخطوط باليوناني القديم والثمودي منمحية لا تقرء وايضا صورة كلب مصبوغة بالحمرة وزخارف وتزويقات اخرى. وفوق الغار آثار صومعة بيزنطيه تدل النقود والاثار الاخرى المكتشفة فيها على كونها مبنية في زمان الملك جوستينوس الاول 418 - 427 وآثار اخرى على ان الصومعة بدلت ثانيا بعد استيلاء المسلمين على الارض مسجدا اسلاميا مشتملا على المحراب و المأذنة والميضاة وفي الساحة المقابلة لباب الكهف آثار مسجد آخر بناه المسلمون في صدر الاسلام ثم عمروها وشيدوها مرة بعد مرة، وهو مبني على أنقاض كنيسة بيزنطية كما أن المسجد الذي فوق الكهف كذلك. وكان هذا الكهف - على الرغم من اهتمام الناس بشأنه وعنايتهم بأمره كما يكشف عنه الاثار - متروكا منسيا وبمرور الزمان خربة ورد ما متهدما حتى اهتمت دائرة الاثار الاردنية اخيرا (1) بالحفر والتنقيب فيه فاكتشفته فظهر ثانيا بعد خفائه قرونا،
________________________________________
(1) وقد وقع هذا الحفر والاكتشاف سنة 1963 م المطابقة 1342 ه‍ ش والف في ذلك متصديه. = (*)
________________________________________
[ 298 ]
وقامت عدة من الامارات والشواهد الاثرية على كونه هو كهف اصحاب الكهف المذكورين في القرآن.
________________________________________
= الاثري الفاضل " رفيق وفا الدجاني " كتابا سماه " اكتشاف كهف اهل الكهف " نشره سنة 1964 م يفصل القول فيه في مساعي الدائرة وما عاناه في البحنث والتنقيب، ويصف فيه خصوصيات حصل عليها في هذا الكهف، والاثار التي اكتشفت مما يؤيد كون هذا الكهف هو كهف اصحاب الكهف الذي ورد ذكره في الكتاب العزيز، ويذكر انطباق الامارات المذكورة فيه وسائر العلائم التي وجدت هناك على هذا الكهف دون كهف افسوس والذي في دمشق أو البتراء أو اسكاندنافيه. وقد استقرب فيه ان الطاغية الذي هرب سنه اصحاب الكهف فدخلوا الكهف هو " طراجان الملك 98 - 117 م " لادقيوس الملك 249 - 251 م الذي ذكره المسيحيون وبعض المسلمين ولا دقيانوس الملك 285 - 305 الذي ذكره بعض اخر من المسلمين في رواياتهم. واستدل عليه بأن الملك الصالح الذي بعث الله اصحاب الكهف في زمانه هو ثئودوسيوس الملك 408 - 450 باجماع مؤرخي المسيحيين والمسلمين وإذا طرحنا زمان الفترة الذي ذكره القرآن لنوم اهل الكهف وهي 309 سنين من متوسط حكم هذا الملك الصالح وهو 421 بقي 112 سنة وصادف زمان حكم طراجان الملك وقد اصدر طراجان في هذه السنة مرسوما يقضي ان كل عيسوي يرفض عبادة الالهة يحاكم كخائن للدولة ويعرض للموت. وبهذا الوجه يندفع اعتراض بعض مؤرخي المسيحيين كجيبون في كتاب " انحطاط وسقوط الامبراطورية الرومية " على زمان لبث الفتية 309 سنين المذكورة في القرآن بأنه لا يوافق ما ضبطه واثبته التاريخ انهم بعثوا في زمن حكم الملك الصالح ثئودسيوس 408 - 451 م وقد دخلوا الكهف في زمن حكم دقيوس 249 - 251 م والفصل بين الحكمين مائتا سنة أو اقل وهذا منه شكر الله سعيه استدلال وجيه بيد انه يتوجه عليه امور: منها: طرحه 309 سنين المذكورة في القرآن وهي سنون قمرية على الظاهر وكان ينبغي ان يعتبرها 300 سنة لتكون شمسية فيطرحها من 430 متوسط سني حكم الملك الصالح. ومنها: انه ذكر اجماع المؤرخين من المسلمين والمسيحيين على ظهور امر الفتية في زمن حكم ثئودوسيوس ولا اجماع هناك مع سكوت اكثر رواياتهم عن تسمية هذا الملك الصالح ولم يذكره باسمه الا قليل منهم ولعلهم اخذوا ذلك من مؤرخي المسيحيين ولعل ذلك حدس منهم عما ينسب إلى جيمس الساروغي 452 - 521 م انه ذكر القصة في كتاب له الفه سنة 474 فطبقوا الملك على ثئودوسيوس على ان مثل هذا الاجماع اجماعهم المركب على ان طاغيتهم اما دقيوس أو دقيانوس فانه ينفي على اي حال كونه هو " طراجان ". ومنها: انه ذكر ان الصومعة التي على الكهف تدل البينات الاثرية على كونها مبنية في زنم جستينوس الاول 518 - 527 م ولازم ذلك ان يكون بناؤها بعد مائة سنة تقريبا من ظهور امر الفتية، وظاهر الكتاب العزيز ان بناءها مقارن لزمان اعثار الناس عليهم، وعلى هذا ينبغي ان يعتقد ان بنائها بناء مجدد ما هو بالبناء الاولي عند ظهور امرهم. وبعد هذا كله فالمشخصات التي وردت في القرآن الكريم للكهف اوضح انطباقا على كهف الرجيب من غيره. (*)
________________________________________
[ 299 ]
وقد ورد كون كهف أصحاب الكهف بعمان في بعض روايات المسلمين كما أشرنا إليه فيما تقدم وذكره الياقوت في معجم البلدان وأن الرقيم اسم قرية بالقرب من عمان كان فيها قصر ليزيد بن عبد الملك وقصر آخر في قرية اخرى قريبة منها تسمى الموقر واليهما يشير الشاعر بقوله: يزرن على تنانيه يزيدا * * بأكناف الموقر والرقيم. وبلدة عمان أيضا مبنية في موضع مدينة " فيلادلفيا " التي كانت من أشهر مدن عصرها وأجملها قبل ظهور الدعوة الاسلامية وكانت هي وما والاها تحت استيلاء الروم منذ أوائل القرن الثاني الميلادي حتى فتح المسلمون الارض المقدسة. والحق أن مشخصات كهف أهل الكهف أوضح انطباقا على هذا الكهف من غيره. والكهف الثالث: كهف بجبل قاسيون بالقرب من الصالحية بدمشق الشام ينسب إلى أصحاب الكهف. والكهف الرابع: كهف بالبتراء من بلاد فلسطين ينسبونه إلى اصحاب الكهف. والكهف الخامس: كهف اكتشف - على ما قيل - في شبه جزيرة اسكاندنافية من الاوربة الشمالية عثروا فيه على سبع جثث غير بالية على هيئة الرومانيين يظن أنهم الفتية أصحاب الكهف. وربما يذكر بعض كهوف أخر منسوب إلى اصحاب الكهف كما يذكر أن بالقرب من بلدة نخجوان من بلاد قفقاز كهفا يعتقد أهل تلك النواحي أنه كهف أصحاب الكهف وكان الناس يقصدونه ويزورونه. ولا شاهد يشهد على كون شئ من هذه الكهوف هو الكهف المذكور في القرآن الكريم. على أن المصادر التاريخية تكذب الاخيرين إذ القصة على أي حال قصة رومانية، وسلطتهم حتى في أيام مجدهم وسؤددهم لم تبلغ هذه النواحي نواحي أوربة الشمالية وقفقاز
________________________________________
[ 300 ]
وأتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا - 27. واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداوة والعشي يريدون وجهة ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحيوة الدنيا ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكأن أمره فرطا - 28. وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا - 29. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا - 30. أولئك لهم جنات عدن تجرى من تحتهم الانهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس واستبرق متكئين فيها على الارائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا - 31. بيان رجوع وانعطاف على ما انتهى إليه الكلام قبل القصة من بلوغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم حزنا وأسفا على عدم إيمانهم بالكتاب النازل عليه وردهم دعوته الحقة ثم تسليته بأن الدار دار البلاء والامتحان وما عليها زينة لها سيجعله الله صعيدا جرزا فليس ينبغى له صلى الله عليه وآله وسلم أن يتحرج لاجلهم إن لم يستجيبوا دعوته ولم يؤمنوا بكتابه. بل الذي عليه أن يصبر نفسه مع اولئك الفقراء من المؤمنين الذين لا يزالون يدعون ربهم ولا يلتفت إلى هؤلاء الكفار المترفين الذين يباهون بما عندهم من زينة الحياة الدنيا


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page