• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 151 الي 175


[ 151 ]
الشيطان: قوله: " وشاركهم في الاموال والاولاد " قال: ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان. قال ويكون مع الرجل حتى يجامع فيكون من نطفته ونطفة الرجل إذا كان حراما. اقول: والروايات في هذه المعاني كثيرة، وهي من قبيل ذكر المصاديق، وقد تقدم المعنى الجامع لها. وما ذكر فيها على مشاركته الرجل في الوقاع والنطفة وغير ذلك كناية عن ان له نصيبا في جميع ذلك فهو من التمثيل بما يتبين به المعنى المقصود، ونظائرة كثيرة في الروايات. * * * ربكم الذى يزجى لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما (66). وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الانسان كفورا (67). أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا (68). أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا (69). ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (70). يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتى كتابه بيمينه فأولئك يقرؤن كتابهم ولا يظلمون فتيلا (71). ومن كان في هذه أعمى فهو في الاخرة أعمى وأضل سبيلا (72).
________________________________________
[ 152 ]
بيان الايات كالمكملة للايات السابقة تثبت لله سبحانه من استجابة الدعوه وكشف الضر ما نفاه القبيل السابق عن أصنامهم وأوثانهم فإن الايات السابقة تبتدي بقوله تعالى: " قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا " وهذه الايات تفتتح بقوله: " ربكم الذى يزجى لكم الفلك في البحر " الخ. وإنما قلنا: هي كالمكملة لبيان الايات السابقة مع أن ما تحتويه كل من القبلين حجة تامة في مدلولها تبطل إحداهما الوهية آلهتهم وتثبت الاخرى ألوهية الله سبحانه لافتتاح القبيل الاول بقوله: " قل " دون الثاني وظاهره كون مجموع القبيلين واحدا من الاحتجاج أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإلقائه إلى المشركين لالزامهم بالتوحيد. ويؤيده السياق السابق المبدو بقوله: " قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا " وقد لحقه قوله ثانيا: " وقالوا أإذا متنا - أن قال - قل كونوا حجارة أو حديدا. وقد ختم الايات بقوله: " يوم ندعوا كل اناس بإمامهم " الخ فأشار به إلى أن هذا الذى يذكر من الهدى والضلالة في الدنيا يلازم الانسان في الاخرة فالنشأة الاخرى على طبق النشأه الاولى فمن أبصر في الدنيا أبصر في الاخرة ومن كان في هذه أعمى فهو من الاخرة أعمى وأضل سبيلا. قوله تعالى: " ربكم الذى يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما " الازجاء على ما في مجمع البيان سوق الشئ حالا بعد حال فالمراد به إجراء السفن في البحر بإرسال الرياح ونحوه وجعل الماء رطبا مائعا يقبل الجري والخرق، والفلك جمع الفلكة وهي السفينة. وابتغاء الفضل طلب الرزق فإن الجواد إنما يجود غالبا بما زاد على مقدار حاجة نفسه وفضل الشئ ما زاد وبقي منه ومن ابتدائيي، وربما قيل: إنها للتبعيض وذيل
________________________________________
[ 153 ]
الاية تعليل للحكم بالرحمة والمعنى ظاهر. والايه تمهيد لتاليها. قوله تعالى: " وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه " إلى آخر الاية الضر الشدة، ومس الضر في البحر هو خوف الغرق بالاشراف عليه بعصف الرياح وتقاذف الامواج ونحو ذلك. وقوله: " ضل من تدعون إلا إياه " المراد بالضلال - على ما ذكروا - الذهاب عن الخواطر دون الخروج عن الطريق وقيل: هو بمعنى الضياع من قولهم ضل عن فلان كذا أي ضاع عنه ويعود على أي حال إلي معنى النسيان. والمراد بالدعاء دعاء المسألة دون دعاء العبادة فيعم قوله: " من تدعون الاله الحق والالهة الباطلة التى يدعوها المشركون، والاستثناء متصل، والمعنى وإذا اشتد عليكم الامر في البحر بالاشراف على الغرق نسيتم كل إله تدعونه وتسألونه حوائجكم إلا الله. وقيل: المراد دعاء العبادة دون المسألة فيختص بمن يعبدونه من دون الله والاستثناء منقطع، والمعنى إذا مسكم الضر في البحر ذهب عن خواطركم الالهة الذين تعبدونهم لكن الله سبحانه لا يغيب عنكم ولا ينسى. والظاهر أن المراد بالضلال معناه المعروف وهو خلاف الهدى والكلام مبني على تمثيل لطيف كأن الانسان إذا مسه الضر في البحر ووقع في قلبه أن يدعو لكشف ضره قصده آلهته الذين كان يدعوهم ويستمر في دعائهم قبل ذلك وأخذوا يسعون نحوه ويتسابقون في قطع الطريق إلى ذكره ليذكرهم ويدعوهم ويستغيث بهم لكنهم جميعا يضلون الطريق ولا ينتهون إلى ذكره فينساهم والله سبحانه مشهود لقلبه حاضر في ذكره يذكره الانسان عند ذلك فيدعوه وقد كان معرضا عنه فيجيبه وينجيه إلى البر. وبذلك يظهر أن المراد بالضلال معناه المعروف، وبمن تدعون آلهتهم من دون الله فحسب وأن الاستثناء منقطع والوجه في جعل الاستثناء منقطعا أن الذى يبتني عليه الكلام من معنى التشبيه لا يناسب ساحة قدسه تعالى لتنزهه من السعي والوقوع في الطريق وقطعه ونحو ذلك. مضافا إلى أن قوله: " فلما نجاكم إلى البر أعرضتم " ظاهر في أن المراد بالدعوة
________________________________________
[ 154 ]
دعاء المسألة وأنهم في البر أي في حالهم العادى غير حال الضر معرضون عنه تعالى لا يدعونه فقوله: " من تدعون " الظاهر في استمرار الدعوة المراد به آلهتهم الذين كانوا يدعونهم فاستثناؤه تعالى استثناء منقطع. وقوله: " فلما نجاكم إلى البر أعرضتم " أي فلما نجاكم من الغرق وكشف عنكم الضر رادا لكم إلى البر اعرضتم عنه أو عن دعائه وفيه دلالة على أنه تعالى غير مغفول عنه للانسان في حال وأن فطرته تهديه إلى دعائه في الضراء والسراء والشدة والرخاء جميعا فإن الاعراض إنما يتحقق عن أمر ثابت موجود فقوله: إن الانسان يدعوه في الضر ويعرض عنه بعد كشفه في معنى أنه مهدي إليه بالفطرة دائما. وقوله، " وكان الانسان كفورا: أي إن الكفران من دأب الانسان من حيث ان له الطبيعة الانسانية فإنه يتعلق بالاسباب الظاهرية فينسى مسبب الاسباب فلا يشكره تعالى وهو يتقلب في نعمه الظاهره والباطنة. وفى تذييل الكلام بهذه الجملة تنبيه على أن إعراض الانسان عن ربه في غير حال الضر ليس بحال غريزي فطري له حتى يستدل بنسيانه ربه على نفي الربوبية بل هو دأب سئ من الانسان يوقعه فيه كفران النعمة. وفى الاية حجة على توحده تعالى في ربوبيته ومحصله ان الانسان إذا انقطع عن جميع الاسباب الظاهرية وأيس منها لم ينقطع عن التعلق بالسبب من اصله ولم يبطل منه رجاء النجاة من رأس بل رجى النجاة وتعلق قلبه بسبب ما يقدر على ما لا يقدر عليه سائر الاسباب، ولا معنى لهذا التعلق الفطري لو لا أن هناك سببا فوق الاسباب إليه يرجع الامر كله وهو الله سبحانه، وليس يصرف الانسان عنه الا الاشتغال بزخارف الحياة الدنيا والتعلق بالاسباب الظاهرية والغفلة عما وراءها. قوله تعالى: " أفأمنتم ان يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا " خسوف القمر استتار قرصه بالظلمة والظل وخسف الله به الارض أي ستره فيها، والحاصب - كما في المجمع - الريح التى ترمي بالحصباء والحصا الصغار وقيل: الحاصب الريح المهلكة في البر والقاصف الريح المهلكة في البحر.
________________________________________
[ 155 ]
والاستفهام للتوبيخ يوبخهم الله تعالى على إعراضهم عن دعائه في البر فإنهم لا مؤمن لهم من مهلكات الحوادث في البر كما لا مؤمن لهم حال مس الضر في البحر إذ لا علم لهم بما سيحدث لهم وعليهم فمن الجائز أن يخسف الله بهم جانب البر أو يرسل عليهم ريحا حاصبا فيهلكهم بذلك ثم لا يجدوا لانفسهم وكيلا يدفع عنهم الشدة والبلاء ويعيد إليهم الامن والسلام. قوله تعالى: " أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى: إلى آخر الايه القصف الكسر بشدة وقاصف الريح هي التي تكسر السفن والابنية وقيل: القاصف الريح المهلكة في البحر والتبيع هو التابع يتبع الشئ وضمير " فيه للبحر وضمير " به " للغرق أو للارسال أو لهما معا باعتبار ما وقع ولكل قائل، والاية من تمام التوبيخ. والمعنى أم هل أمنتم بنجاتكم إلى البر أن يعيدكم الله في البحر تارة اخرى فيرسل عليكم ريحا كاسرة للسفن أو مهلكة فيغرقكم بسبب كفركم ثم لا تجدوا بسبب الاغراق أحدا يتبع الله لكم عليه فيسأله لم فعل هذا بكم ؟ ويؤاخذه على ما فعل. وفي قوله: " ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا " التفات من الغيبة إلى التكلم بالغير وكأن النكتة فيه الظهور على الخصم بالعظمة والكبرياء. وهو المناسب في المقام، وليكون مع ذلك توطئة لما في الايات التالية من سياق التكلم بالغير. قوله تعالى: " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " الاية مسوقة للامتنان مشوبا بالعتاب كأنه تعالى لما ذكر وفور نعمه وتواتر فضله ورحمته على الانسان، وحمله في البحر ابتغاء فضله ورزقه، ورفاه حاله في البر ثم نسيانه لربه واعراضه عن دعائه إذا نجاه وكشف ضره كفرانا مع أنه متقلب دائما بين نعمة التى لا تحصى نبه على جملة تكريمه وتفضيله ليعلم بذلك مزيد عنايته بالانسان وكفران الانسان لنعمه على كثرتها وبلوغها. وبذلك يظهر أن المراد بالاية بيان حال لعامة البشر مع الغض عما يختص به بعضهم من الكرامة الخاصة الالهية والقرب والفضيلة الروحية المحضة فالكلام يعم المشركين والكفار والفساق والا لم يتم معنى الامتنان والعتاب.
________________________________________
[ 156 ]
فقوله: " ولقد كرمنا بني آدم " المراد بالتكريم تخصيص الشئ بالعناية وتشريفه بما يختص به ولا يوجد في غيره، وبذلك يفترق عن التفضيل فإن التكريم معنى نفسي وهو جعله شريفا ذا كرامة في نفسه، والتفضيل معنى إضافي وهو تخصيصه بزيادة العطاء بالنسبة إلى غيره مع اشتراكهما في أصل العطية والانسان يختص من بين الموجودات الكونية بالعقل ويزيد على غيره في جميع الصفات والاحوال التى توجد بينها والاعمال التي يأتي بها. وينجلي ذلك بقياس ما يتفنن الانسان به في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه ومنكحه ويأتى به من النظم والتدبير في مجتمعه، ويتوسل إليه من مقاصده باستخدام سائر الموجودات الكونية وقياس ذلك مما لسائر الحيوان والنبات وغيرهما من ذلك فليس عندها من ذلك إلا وجوه من التصرف ساذجة بسيطة أو قريب من البساطة وهي واقفة في موقفها المحفوظ لها يوم خلقت من غير تغير أو تحول محسوس وقد سار الانسان في جميع وجوه حياته الكمالية إلى غايات بعيدة ولا يزال يسعى ويرقي. وبالجملة بنو آدم مكرمون بما خصهم الله به من بين سائر الموجودات الكونية وهو الذى يمتازون به من غيرهم وهو العقل الذي يعرفون به الحق من الباطل والخير من الشر والنافع من الضار. وأما ما ذكره المفسرون أو وردت به الرواية أن الذي كرمهم الله به النطق أو تعديل القامة وامتدادها أو الاصابع يفعلون بها ما يشاؤن أو الاكل باليد أو الخط أو حسن الصورة أو التسلط على سائر الخلق وتسخيرهم له أو أن الله خلق أباهم آدم بيده أو أنه جعل محمدا صلى الله عليه وآله وسلم منهم أو جميع ذلك، وما ذكر منها فإنما ذكر على سبيل التمثيل. فبعضها مما يتفرع على العقل كالخط والنطق والتسلط على غيره من الخلق وبعضها من مصاديق التفضيل دون التكريم وقد تقدم الفرق بينهما، وبعضها خارج عن مدلول الاية كالتكريم بخلق أبيهم آدم عليه السلام بيده وجعل محمد صلى الله عليه وآله وسلم منهم فإن ذلك من التكريم الاخروي والتشريف المعنوي الخارج عن مدلول الاية كما تقدم. وبذلك يظهر ما في قول بعضهم: إن التكريم بجميع ذلك وقد أخطأ صاحب
________________________________________
[ 157 ]
روح المعاني حيث قال بعد ذكر الاقوال: والكل في الحقيقة على سبيل التمثيل ومن ادعى الحصر في واحد كابن عطية حيث قال: إنما التكريم بالعقل لا غيره فقد ادعى غلطا ورام شططا وخالف صريح العقل وصحيح النقل. انتهى. ووجه خطأه ظاهر مما تقدم. وقوله: " وحملناهم في البر والبحر " أي حملناهم على السفن والدواب وغير ذلك يركبونها إلى مقاصدهم وابتغاء فضل ربهم ورزقه، وهذا أحد مظاهر تكريمهم. وقوله: " ورزقناهم من الطيبات " أي من الاشياء التي يستطيبونها من أقسام النعم من الفواكه والثمار وسائر ما يتنعمون به ويستلذونه مما يصدق عليه الرزق، وهذا أيضا أحد مظاهر التكريم فمثل الانسان في هذا التكريم الالهي مثل من يدعى إلى الضيافة وهي تكريم ثم يرسل إليه مركوب يركبه للحضور لها وهو تكريم ثم يقدم عليه أنواع الاغذية والاطعمه الطيبة اللذيذة وهو تكريم. وبذلك يظهر أن عطف قوله: " وحملناهم " الخ وقوله " ورزقناهم " الخ على التكريم من قبيل عطف المصاديق المترتبة على العنوان الكلي المنتزع منها. وقوله: " وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " لا يبعد أن يكون المراد بمن لقناهم أنواع الحيوان ذوات الشعور والجن الذي يثبته القرآن فإن الله سبحانه يعد أنواع الحيوان امما أرضيه كالامة الانسانية ويجريها مجرى اولي العقل كما قال: " وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه إلا امم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم إلى ربهم يحشرون. وهذا هو الانسب بمعنى الاية وقد عرفت أن الغرض منها بيان ما كرم الله به بني آدم وفضلهم على سائر الموجودات الكونية وهي - فيما نعلم - الحيوان والجن وأما الملائكة فليسوا من الموجودات الكونية الواقعة تحت تأثير النظام المادى الحاكم في عالم المادة. فالمعنى: وفضلنا بني آدم على كثير مما خلقنا وهم الحيوان والجن واما غير
________________________________________
[ 158 ]
الكثير وهم الملائكة فهم خارجون عن محل الكلام لانهم موجودات نورية غير كونية ولا داخلة في مجرى النظام الكوني، والايه إنما تتكلم في الانسان من جهة أنه أحد الموجودات الكونية وقد انعم عليه بنعم نفسية وإضافيه. وقد تبين مما تقدم: أولا: أن كلا من التكريم والتفضيل في الاية ناظر إلى نوع من الموهبة الالهية التي اوتيها الانسان، أما تكريمه فيما يختص بنوعه من الموهبة لا يتعداه إلى غيره وهو العقل الذى يميز به الخير من الشر والنافع من الضار والحسن من القبيح ويتفرع عليه مواهب اخرى كالتسلط على غيره واستخدامه في سبيل مقاصده والنطق والخط وغيره. وأما تفضيله فبما يزيد به على غيره في الامور المشتركة بينه وبين غيره كما أن الحيوان يتغذى بما وجده من لحم أو فاكهة أو حب أو عشب ونحو ذلك على وجه ساذج والانسان يتغذى بذلك ويزيد عليه بما يبدعه من ألوان الغذاء المطبوخ وغير المطبوخ على أنحاء مختلفة وفنون مبتكرة وطعوم مستطابة لذيذه لا تكاد تحصى ولا تزال تزداد نوعا وصنفا، وقس على ذلك الحال في مشربه وملبسه ومسكنه ونكاحه و اجتماعه المنزلي والمدني وغير ذلك. وقال في مجمع البيان: ومتى قيل: إذا كان معنى التكريم والتفضيل واحدا فما معنى التكرار ؟ فجوابه أن قوله " كرمنا " ينبئ عن الانعام ولا ينبئ عن التفضل فجاء بلفظ التفضيل ليدل عليه، وقيل: ان التكريم يتناول نعم الدنيا والتفضيل يتناول نعم الاخرة وقيل: إن التكريم بالنعم التى يصح بها التكليف، والتفضل بالتكليف الذي عرضهم به للمنازل العالية. انتهى. أما ما ذكره أن التفضيل يدل علي نكتة زائده على مدلول التكريم وهو كونه تفضلا وإعطاء لا عن استحقاق ففيه أنه ممنوع والتفضيل كما يصح لا عن استحقاق من المفضل كذلك يصح عن استحقاق منه لذلك، وأما ما نقله عن غيره فدعوى من غير دليل. وقال الرازي في تفسيره في الفرق بينهما: أن الاقرب في ذلك أن يقال: إنه تعالى فضل الانسان على سائر الحيوانات بامور خلقية طبيعية ذاتية مثل العقل والنطق والخط
________________________________________
[ 159 ]
والصوره الحسنة والقامة المديدة ثم إنه عزوجل عرضه بواسطة العقل والفهم لاكتساب العقائد الحقة والاخلاق الفاضلة فالاول هو التكريم والثاني هو التفضيل فكأنه قيل: فضلناهم بالتعريض لاكتساب ما فيه النجاة والزلفى بواسطة ما كرمناهم به من مبادى ذلك فعليهم أن يشكروا ويصرفوا ما خلق لهم لما خلق له فيوحدوا الله تعالى ولا يشركوا به شيئا ويرفضوا ما هم عليه من عبادة غيره. انتهى. ومحصله الفرق بين التكريم والتفضيل بأن الاول إنما هو في الامور الذاتية أو ما يلحق بها من الغريزيات والثاني في الامور الاكتسابية، وأنت خبير بأن الانسان وإن وجد فيه من المواهب الالهية والكمالات الوجودية امور ذاتية وامور اكتسابيه على ما ذكره لكن اختصاص التكريم بالنوع الاول والتفضيل بالنوع الثاني لا يساعد عليه لغة ولا عرف فالوجه ما قدمناه. وثانيا: أن الاية ناظرة إلى الكمال الانساني من حيث وجوده الكوني وتكريمه وتفضيله بالقياس إلى سائر الموجودات الكونية الواقعة تحت النظام الكوني فالملائكة الخارجون عن النظام الكوني خارجون عن محل الكلام، والمراد بتفضيل الانسان على كثير ممن خلق تفضيله على غير الملائكة من الموجودات الكونية، وأما الملائكة فوجودهم غير هذا الوجود فلا تعرض لهم في ذلك بوجه. وبذلك يظهر فساد ما استدل بعضهم بالاية على كون الملائكة أفضل من الانسان حتى الانبياء عليهم السلام قال: لان قوله تعالى: " وفضلناهم على كثير ممن خلقنا " يدل على أن هاهنا من لم يفضلهم عليه، وليس إلا الملائكه لان بني آدم أفضل من كل حيوان سوى الملائكة بالاتفاق. وجه الفساد: أن الذي تعرضت له الاية إنما هو التفضيل من حيث الوجود الكوني الدنيوي والملائكة غير موجودين بهذا النحو من الوجود، وإلى هذا يرجع ما أجاب به بعضهم أن التفضيل في الاية لم يرد به الثواب لان الثواب لا يجوز التفضيل به ابتداء، وإنما المراد بذلك ما فضلهم الله به من فنون النعم التي اوتيها في الدنيا. وأما ما أجابوا عنه بأن المراد بالكثير في الاية الجميع ومن بيانية، والمعنى وفضلناهم على من خلقنا وهم كثير.
________________________________________
[ 160 ]
ففيه أنه وجه سخيف لا يساعد عليه كلامهم ولا سياق الايه، وما قيل: أنه من قبيل قولهم: بذلت له العريض من جاهي وأبحته المنيع من حريمي ولا يراد به أني بذلت له عريض جاهي ومنعته ما ليس بعريض وابحته منيع حريمي ولم أبحه ما ليس بمنيع بل المراد بذلت له جاهي الذى من صفته أنه عريض وأبحته حريمي الذى هو منيع، يرده أنه إن اريد بما فسر به المثالان أن العناية في الكلام مصروفة إلى أخذ كل الجاه عريضا وكل الحريم منيعا لم ينقسم الجاه والحريم حينئذ إلى عريض وغير عريض ومنيع وغير منيع ولم ينطبق على مورد الاية المدعى أنه اطلق فيها البعض واريد به الكل، وإن اريد به أن المعنى بذلت له عريض جاهي فكيف بغير العريض وأبحته المنيع من حريمي فكيف بغير المنيع كان شمول حكم البعض للكل بالاولوية ولم يجز في مورد الاية قطعا. وربما اجيب عن ذلك بأنا أن سلمنا أن المراد بالكثير غير الملائكة ولفظة من للتبعيض فغايه ما في الباب أن تكون الاية ساكتة عن تفضيل بني آدم على الملائكة وهو أعم من تفضيل الملك على الانسان لجواز التساوى، ولو سلم أنها تدل على التفضيل فغايته أن تدل على تفضيل جنس الملائكة على جنس بني آدم وهذا لا ينافى أن يكون بعض بني آدم أفضل من الملائكة كالانبياء عليهم السلام. والحق كما عرفت أن الاية غير متعرضة للتفضيل من جهة الثواب والفضل الاخروي وبعبارة أخرى هي متعرضة للتفضيل من جهة الوجود الكونة والمراد بكثير ممن خلقنا غير الملائكة ومن تبعيضية والمراد بمن خلقنا الملائكة وغيرهم من الانسان والحيوان والجن. والانسان مفضل بحسب وجوده الكوني على الحيوان والجن هذا، وسيوافيك كلام في معنى تفضيل الانسان على الملك إن شاء الله. كلام في الفضل بين الانسان والملك اختلف المسلمون في أن الانسان والملك أيهما أفضل فالمعروف المنسوب إلى الا شاعره أن الانسان أفضل والمراد به أفضلية المؤمنين منهم إذ لا يختلف اثنان في أن من الانسان من هو أضل من الانعام وهو أهل الجحود منهم فكيف يمكن أن
________________________________________
[ 161 ]
يفضل على الملائكه المقربين ؟ وقد استدل عليه بالاية الكريمة: " وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " على أن يكون الكثير بمعنى الجميع كما أومانا إليه في تفسير الاية وبما ورد من طريق الرواية أن المؤمن أكرم على الله من الملائكة. وهو المعروف أيضا من مذهب الشيعة وربما استدلوا عليه بأن الملك مطبوع على الطاعة من غير أن يتاتى منه المعصية لكن الانسان من جهة اختياره تتساوى نسبته إلى الطاعة والمعصية وقد ركب من قوى رحمانية وشيطانية وتألف من عقل وشهوة وغضب فالانسان المؤمن المطيع يطيعه وهو غير ممنوع من المعصية بخلاف الملك فهو أفضل من الملك. ومع ذلك فالقول بأفضليه الانسان بالمعنى الذي تقدم ليس باتفاقي بينهم فمن الاشاعرة من قال بأفضلية الملك مطلقا كالزجاج ونسب إلى ابن عباس. ومنهم من قال بأفضليه الرسل من البشر، مطلقا ثم الرسل من الملائكة على من سواهم من البشر والملائكة ثم عامه الملائكة على عامة البشر. ومنهم من قال بأفضلية الكروبيين من الملائكة مطلقا ثم الرسل من البشر ثم الكمل منهم ثم عموم الملائكة من عموم البشر، كما يقول به الامام الرازي ونسب إلى الغزالي. وذهبت المعتزلة إلى أفضلية الملائكة من البشر واستدلوا على ذلك بظاهر قوله تعالى: " ولقد كرمنا بني آدم. إلى قوله - وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " وقد مر تقرير حجتهم في تفسير الاية. وقد بالغ الزمخشري في التشنيع على القائلين بأفضلية الانسان من الملك ممن فسر الكثير في الاية بالجميع فقال في الكشاف في ذيل قوله تعالى: " وفضلناهم على كثير ممن خلقنا " هو ما سوى الملائكة وحسب بني آدم تفضيلا أن ترفع عليهم الملائكة وهم هم ومنزلتهم عند الله منزلتهم. والعجب من المجبرة كيف عكسوا في كل شئ وكابروا حتى جسرتهم عادة المكابرة
________________________________________
[ 162 ]
على العظيمة التي هي تفضيل الانسان الملك، وذلك بعد ما سمعوا تفخيم الله أمرهم وتكثيره مع التعظيم ذكرهم وعلموا أين أسكنهم ؟ وأني قربهم ؟ وكيف نزلهم من انبيائه منزلة انبيائه من اممهم ؟ ثم جرهم فرط التعصب عليهم إلى أن لفقوا أقوالا واخبارا منها: قالت الملائكة ربنا إنك أعطيت بنى آدم الدنيا يأكلون منها ويتمتعون ولم تعطنا ذلك فأعطناه في الاخرة فقال: وعزتي وجلالي لا اجعل ذرية من خلقت بيدي كمن قلت: له كن فكان، ورووا عن ابي هريره انه قال المؤمن اكرم على الله من الملائكة الذين عنده ومن ارتكابهم انهم فسروا كثيرا بمعنى جميع في هذه الاية وخذلوا حتى سلبوا الذوق فلم يحسوا ببشاعة قولهم: وفضلناهم على جميع ممن خلقنا على ان معنى قولهم: على جميع ممن خلقنا اشجى لحلوقهم واقذى لعيونهم ولكنهم لا يشعرون فانظر في تمحلهم وتشبثهم بالتأويلات البعيدة في عداوة الملا الاعلى كأن جبريل عليه السلام غاظهم حين اهلك مدائن قوم لوط فتلك السخيمة لا تنحل عن قلوبهم انتهى. وما أشار إليه من رواية سؤال الملائكة أن يجعل لهم الاخرة كما جعل لبني آدم الدنيا رويت عن ابن عمر وأنس بن مالك وزيد بن أسلم وجابر بن عبد الله الانصاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولفظ الاخير قال لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة: يا رب خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون الخيل فاجعل لهم الدنيا ولنا الاخرة فقال الله تعالى: لا أجعل من خلقته بيدي كمن قلت له: كن فكان. ومتن الرواية لا يخلو عن شئ فان الاكل والشرب والنكاح ونحوها في الانسان استكمالات مادية إنما يلتذ الانسان بها لما أنه يعالج البقاء لشخصه أو لنوعه بما جهز الله به بنيته المادية والملائكة واجدون في أصل وجودهم كمال ما يتوسل إلى بعضه الانسان بقواه المادية وأعماله المملة المتعبة منزهون عن مطاوعه النظام المادي الجاري في الكون فمن المحال أن يسألوا ذلك فليسوا بمحرومين حتى يحرصوا على ذلك فيرجوه أو يتمنوه. ونظير هذا وارد على ما تقدم من استدلالهم على أفضلية الانسان من الملك بأن وجود الانسان مركب من القوى الداعية إلى الطاعة والقوى الداعية إلى المعصية فإذا
________________________________________
[ 163 ]
اختار الطاعة على المعصية وانتزع إلى الاسلام والعبودية كانت طاعته أفضل من طاعة الملائكه المفطورين على الطاعة المجبولين على ترك المعصية فهو أكثر قربا وزلفى وأعظم ثوابا وأجرا. وهذا مبني على أصل عقلائي معتبر في المجتمع الانساني وهو أن الطاعة التي هي امتثال الخطاب المولوي من امر ونهى ولها الفضل والشرف على المعصية وبها يستحق الاجر والثواب لو استحق إنما يترتب عليها أثرها إذا كان الانسان المتوجة إليه الخطاب في موقف يجوز له فيه الفعل والترك متساوي النسبة إلى الجانبين، وكلما كان أقرب إلى المعصية منه إلى الطاعه قوي الاثر والعكس بالعكس فليس يستوى في امتثال النهى عن الزنا مثلا العنين والشيخ الهرم ومن يصعب عليه تحصيل مقدماته والشاب القوي البنية الذى ارتفع عنه غالب موانعه من لا مانع له عنه أصلا إلا تقوى الله فبعض هذه التروك لا يعد طاعة وبعضها طاعة وبعضها افضل الطاعة على هذا القياس. ولما كانت الملائكة لا سبيل لهم إلى المعصية لفقدهم غرائز الشهوة والغضب ونزاهتهم عن هوى النفس كان امتثالهم للخطابات المولوية الالهية أشبه بامتثال العنين والشيخ الهرم لنهي الزنا وكان الفضل للانسان في طاعتة عليهم. وفيه أنه لو تم ذلك لم يكن لطاعة الملائكة فضل أصلا إذ لا سبيل لهم إلى المعصية ولا لهم مقام استواء النسبة ولم يكن لهم شرف ذاتي وقيمة جوهريه إذ لا شرف على هذا إلا بالطاعة التي تقابلها معصية وتسميه المطاوعة الذاتية التى لا تتخلف عن الذات طاعة مجاز، ولو كان كذلك لم يكن لقربهم من ربهم موجب ولا لاعمالهم منزلة. لكن الله سبحانه أقامهم مقام القرب والزلفى وأسكنهم في حظائر القدس ومنازل الانس، وجعلهم خزان سره وحملة أمره ووسائط بينه وبين خلقه وهل هذا كله لارادة منه جزافية من غير صلاحية منهم واستحقاق من ذواتهم ؟ وقد أثنى الله عليهم أجزل الثناء إذ قال فيهم: " بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " الانبياء: 27 وقال: " لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " التحريم 6 فوصف ذواتهم بالاكرام من غير تقييده بقيد ومدح طاعتهم واستنكافهم عن المعصية.
________________________________________
[ 164 ]
وقال مادحا لعبادتهم وتذللهم لربهم وهم من خشيته مشفقون: الانبياء 28 وقال: " فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسامون: حم السجدة 38 وقال: " واذكر ربك في نفسك - إلى أن قال - ولا تكن من الغافلين إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون " الاعراف: 206 فأمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ان يذكره كذكرهم ويعبده كعبادتهم. وحق الامر أن كون العمل جائز الفعل والترك ووقوف الانسان في موقف استواء النسبة ليس في نفسه ملاك أفضليه طاعته بل بما يكشف ذلك عن صفاء طينته وحسن سريرته والدليل على ذلك أن لا قيمه للطاعه مع العلم بخباثة نفس المطيع وقبح سريرته وإن بلغ في تصفية العمل وبذل المجهود فيه ما بلغ كطاعة المنافق ومريض القلب الحابط عمله عند الله الممحوة حسنته عن ديوان الاعمال فصفاء نفس المطيع وجمال ذاته وخلوصه في عبوديته الذي يكشف عنه انتزاعه من المعصية إلى الطاعة وتحمله المشاق في ذلك هو الموجب لنفاسة عمله وفضل طاعته. وعلى هذا فذوات الملائكة ولا قوام لها إلا الطهارة والكرامة ولا يحكم في أعمالهم إلا ذل العبودية وخلوص النية أفضل من ذات الانسان المتكدرة بالهوى المشوبة بالغضب والشهوه وأعماله التي قلما تخلو عن خفايا الشرك وشامة النفس ودخل الطبع. فالقوام الملكي أفضل من القوام الانساني والاعمال الملكية الخالصة لوجه الله أفضل من أعمال الانسان وفيها لون قوامه وشوب من ذاته، والكمال الذي يتوخاه الانسان لذاته في طاعته وهو الثواب اوتيه الملك في أول وجوده كما تقدمت الاشاره إليه. نعم لما كان الانسان إنما ينال الكمال الذاتي تدريجا بما يحصل لذاته من الاستعداد سريعا أو بطيئا كان من المحتمل أن ينال عن استعداده مقاما من القرب وموطنا من الكمال فوق ما قد ناله الملك ببهاء ذاته في أول وجوده، وظاهر كلامه تعالى يحقق هذا الاحتمال. كيف وهو سبحانه يذكر في قصة جعل الانسان خليفة في الارض فضل الانسان واحتماله لما لا يحتمله الملائكة من العلم بالاسماء كلها، وأنه مقام من الكمال لا يتداركه
________________________________________
[ 165 ]
تسبيحهم بحمده وتقديسهم له، ويطهره مما سيظهر منه من الفساد في الارض وسفك الدماء كما قال: " وإذ قال ربك للملائكة إلي جاعل في الارض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون " إلى آخر الايات البقرة: 30 - 33 وقد فصلنا القول في ذلك في ذيل الايات في الجزء الاول من الكتاب. ثم ذكر سبحانه أمر الملائكة بالسجود لادم ثم سجدودهم له جميعا فقال: " فسجد الملائكة كلهم أجمعون " الحجر: 30 وقد أوضحنا في تفسير الايات في القصة في سورة الاعراف أن السجدة إنما كان خضوعا منهم لمقام الكمال الانساني ولم يكن آدم عليه السلام إلا قبلة لهم ممثلا للانسانية قبال الملائكة. فهذا ما يفيده ظاهر كلامه تعالى، وفي الاخبار ما يؤيده، وللبحث جهة عقلية يرجع فيها إلى مظانه. قوله تعالى: " يوم ندعو كل اناس بإمامهم " اليوم يوم القيامة والظرف متعلق بقدر أي اذكر يوم كذا، والامام المقتدى وقد سمى الله سبحانه بهذا الاسم أفرادا من البشر يهدون الناس بأمر الله كما في قوله: " قال إني جاعلك للناس إماما " البقرة: 124 وقوله: " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا " الانبياء: 73 وأفرادا آخرين يقتدي بهم في الضلال كما في قوله: " فقالوا أئمة الكفر " التوبة: 12. وسمى به أيضا التوراة كما في قوله: " ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة " هود: 17، وربما استفيد منه أن الكتب السماوية المشتملة على الشريعه ككتاب نوح وابراهيم وعيسى ومحمد عليه السلام جميعا أئمه. وسمى به أيضا اللوح المحفوظ كما هو ظاهر قوله تعالى: " وكل شئ أحصيناه في إمام مبين " يس: 12. ولما كان ظاهر الاية أن لكل طائفة من الناس إماما غير ما لغيرها فإنه المستفاد من إضافة الامام إلى الضمير الراجع إلى كل اناس لم يصلح أن يكون المراد بالامام في الاية اللوح لكونه واحدا لا اختصاص له باناس دون أناس. وأيضا ظاهر الاية أن هذه الدعوة تعم الناس جميعا من الاولين والاخرين وقد
________________________________________
[ 166 ]
تقدم في تفسير قوله تعالى: " كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب " البقرة: 213 أن أول الكتب السماوية المشتملة على الشريعة هو كتاب نوح عليه السلام ولا كتاب قبله في هذا الشأن، وبذلك يظهر عدم صلاحية كون الامام في الاية مرادا به الكتاب وإلا خرج من قبل نوح من شمول الدعوة في الاية. فالمتعين أن يكون المراد بإمام كل اناس من يأتمون به في سبيلى الحق والباطل كما تقدم أن القرآن يسميهما إمامين أو إمام الحق خاصة وهو الذي يجتبيه الله سبحانه في كل زمان لهداية أهله بأمره نبيا كان كابراهيم ومحمد عليهما السلام أو غير نبى، وقد تقدم تفصيل الكلام فيه في تفسير قوله: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " البقرة: 124. لكن المستفاد من مثل قوله في فرعون وهو من أئمة الضلال: " يقدم قومه يوم القيامة فاوردهم النار " هود: 98، وقوله: " ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم ": الانفال: 37 وغيرهما من الايات وهي، كثيرة أن أهل الضلال لا يفارقون أولياءهم المتبوعين يوم القيامة، ولازم ذلك أن يصاحبوهم في الدعوة والاحضار. على أن قوله: " بإمامهم مطلق لم يقيد بالامام الحق الذي جعله الله إماما هاديا بأمره، وقد سمى مقتدى الضلال إماما كما سمى مقتدى الهدى إماما وسياق ذيل الاية والاية الثانية أيضا مشعر بأن الامام المدعو به هو الذي اتخذه الناس إماما واقتدوا به في الدنيا لا من اجتباه الله للامامة ونصبه للهداية بأمره سواء اتبعه الناس أو رفضوه. فالظاهر أن المراد بإمام كل أناس في الاية من ائتموا به سواء كان إمام حق أو إمام باطل، وليس كما يظن أنهم ينادون بأسماء أئمتهم فيقال يا أمة إبراهيم ويا أمة محمد ويا آل فرعون ويا آل فلان فإنه لا يلائمه ما في الاية من التفريع أعنة قوله: " فمن أوتي كتابه بيمينه " " ومن كان في هذه أعمى " الخ إذ لا تفرع بين الدعوة بالامام بهذا المعنى وبين إعطاء الكتاب باليمين أو العمى. بل المراد بالدعوة - على ما يعطيه سياق الذيل - هو الاحضار فهم محضرون
________________________________________
[ 167 ]
بإمامهم ثم يأخذ من اقتدى بامام حق كتابه بيمينه ويظهر عمى من عمي عن معرفة الامام الحق في الدنيا واتباعه، هذا ما يعطيه التدبر في الاية. وللمفسرين في تفسير الامام في الاية مذاهب شتى مختلفة: منها: أن المراد بالامام الكتاب الذي يؤتم به كالتوراة والانجيل والقرآن فينادي يوم القيامة يا أهل التوراة ويا أهل الانجيل ويا أهل القرآن، وقد تقدم بيانه وبيان ما يرد عليه. ومنها: أن المراد بالامام النبي لمن كان على الحق والشيطان وإمام الضلال لمبتغي الباطل فيقال: هاتوا متبعي ابراهيم هاتوا متبعي موسى هاتوا متبعي محمد فيقوم أهل الحق الذين اتبعوهم فيعطون كتب أعمالهم بأيمانهم ثم يقال: هاتوا متبعي الشيطان هاتوا متبعي رؤساء الضلال. وفيه أنه مبني على أخذ الامام في الاية بمعناه العرفي وهو من يؤتم به من العقلاء، ولا سبيل إليه مع وجود معنى خاص له في عرف القرآن وهو الذي يهدي بأمر الله والمؤتم به في الضلال. ومنها: أن المراد كتاب أعمالهم فيقال: يا أصحاب كتاب الخير ويا أصحاب كتاب الشر ووجه كونه إماما بأنهم متبعون لما يحكم به من جنة أو نار. وفيه أنه لا معنى لتسمية كتاب الاعمال إماما وهو يتبع عمل الانسان من خير أو شر فان يسمى تابعا أولى به من أن يسمى متبوعا، وأما ما وجه به أخيرا ففيه أن المتبع من الحكم ما يقضي به الله سبحانه بعد نشر الصحف والسؤال والوزن والشهادة وأما الكتاب فإنما يشتمل على متون أعمال الخير والشر من غير فصل القضاء. ومنه يظهر أن ليس المراد بالامام اللوح المحفوظ ولا صحيفة عمل الامة وهي التي يشير إليها قوله: " كل امة تدعى إلى كتابها " الجاثية: 28 لعدم ملائمته قوله ذيلا: " فمن اوتي كتابه بيمينه " الظاهر في الفرد دون الجماعة. ومنها: أن المراد به الامهات - بجعل إمام جمعا لام - فيقال: يا ابن فلان ولا يقال يا ابن فلان، وقد رووا فيه رواية.
________________________________________
[ 168 ]
وفيه أنه لا يلائم لفظ الاية فقد قيل: " ندعوا كل اناس بامامهم ولم يقل ندعو الناس بامامهم أو ندعو كل انسان بامه ولو كان كما قيل لتعين أحد التعبيرين الاخيرين وما اشير إليه من الرواية على تقدير صحتها وقبولها رواية مستقله غير واردة في تفسير الاية. على أن جمع الام بالامام لغه نادرة لا يحمل على مثلها كلامه تعالى وقد عد في الكشاف هذا القول من بدع التفاسير. ومنها: أن المراد به المقتدى به والمتبع عاقلا كان أو غيره حقا كان أو باطلا كالنبي والولي والشيطان ورؤساء الضلال والاديان الحقة والباطلة والكتب السماوية وكتب الضلال والسنن الحسنة والسيئة، ولعل دعوة كل اناس بامامهم على هذا الوجه كناية عن ملازمة كل تابع يوم القيامة، لمتبوعه، والباء للمصاحبة. وفيه ما أوردناه على القول بأن المراد به الانبياء ورؤساء الضلال فالحمل على المعنى اللغوي إنما يحسن فيما لم يكن للقرآن فيه عرف، وقد عرفت أن الامام في عرف القرآن هو الذي يهدي بأمر الله أو المقتدي في الضلال ومن الممكن أن يكون الباء في " بامامهم " للالة فافهم ذلك. على أن هداية الكتاب والسنة والدين وغير ذلك بالحقيقة ترجع إلى هداية الامام وكذا النبي إنما يهدي بما أنه إمام يهدي بأمر الله، وأما من حيث إنبائه عن معارف الغيب أو تبليغه ما ارسل به فإنما هو نبي أو رسول وليس بامام، وكذا إضلال المذاهب الباطلة وكتب الضلال والسنن المبتدعة بالحقيقة إضلال مؤسسيها والمبتدعين بها. قوله تعالى: " فمن اوتي كتابه بيمينه فاولئك يقرؤن كتابهم ولا يظلمون فتيلا " الفتيل هو المفتول الذي في شق النواة، وقيل: الفتيل هو الذي في بطن النواة والنقير في ظهرها والقطمير شق النواة. وتفريع التفصيل على دعوتهم بامامهم دليل على أن ائتمامهم هو الموجب لانقسامهم إلى قسمين وتفرقهم فريقين: من اوتى كتابه بيمينه ومن كان أعمى وأضل سبيلا فالامام إمامان: امام هدى وإمام، ضلال وهذا هو الذي قدمناه أن تفريع التفصيل يشهد بكون المراد بالامام أعم من إمام الهدى.
________________________________________
[ 169 ]
ويشهد به أيضا تبديل إيتاء الكتاب بالشمال أو من وراء الظهر كما وقع في غير هذا الموضع من قوله " ومن كان في هذه أعمى فهو في الاخرة أعمى " الخ. والمعنى - باعانه من السياق - فيتفرقون حينئذ فريقين فالذين أعطوا صحيفة أعمالهم بأيمانهم فاولئك يقرؤن كتابهم فرحين مستبشرين مسرورين بالسعادة ولا يظلمون مقدار فتيل بل يوفون اجورهم تامة كاملة. قوله تعالى: " ومن كان في هذه أعمى فهو في الاخرة أعمى وأضل سبيلا " المقابلة بين قوليه: " في هذه " و " في الاخرة " دليل على أن الاشارة بهذه إلى الدنيا كما أن كون الاية مسوقة لبيان التطابق بين الحياة الدنيا والاخرة دليل على أن المراد بعمى الاخرة عمى البصيرة كما أن المراد بعمى الدنيا ذلك قال تعالى: " إنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " ويؤيد ذلك أيضا تعقيب عمى الاخرة بقوله " وأضل سبيلا ". و المعني: ومن كان في هذه الحياه الدنيا لا يعرف الامام الحق ولا يسلك سبيل الحق فهو في الحياة الاخرة لا يجد السعادة والفلاح ولا يهتدي إلى المغفره والرحمة. وبما تقدم يتبين ما في قول بعضهم: إن الاشاره بقوله: " في هذه إلى النعم المذكورة والمعنى ومن كان في هذه النعم التي رزقها أعمى لا يعرفها ولا يشكر الله على ما أنعمها فهو في الاخرة أعمى. وكذا ما ذكره بعضهم أن المراد بعمي الدنيا عمى البصيرة وبعمي الاخرة عمى البصر، وقد تقدم وجه الفساد على أن عمى البصر في الاخرة ربما رجع إلى عمى البصيرة لقوله تعالى: " يوم تبلى ". السرائر وظاهر بعض المفسرين أن الاعمى الثاني في الاية تفيد معنى التفضيل حيث فسره أنه في الاخرة أشد عمى وأضل سبيلا والسياق يساعده على ذلك. بحث روائي في أمالى الشيخ بإسناده عن زيد بن على عن أبيه عليه السلام في قوله: " ولقد كرمنا
________________________________________
[ 170 ]
بنى آدم " يقول: فضلنا بني آدم على سائر الخلق " وحملناهم في البر والبحر " يقول: على الرطب واليابس " ورزقناهم من الطيبات " يقول: من طيبات الثمار كلها " وفضلناهم " يقول: ليس من دابة ولا طائر إلا هي تأكل وتشرب بفيها لا ترفع يدها إلى فيها طعاما ولا شرابا غير ابن آدم فإنه يرفع إلى فيه بيده طعامه فهذا من التفضيل. وفي تفسير العياشي عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام " وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " قال: خلق كل شئ منكبا غير الانسان خلق منتصبا. أقول: وما في الروايتين من قبيل ذكر بعض المصاديق والدليل عليه قوله في آخر الرواية الاولى: فهذا من التفضيل. وفيه عن الفضيل قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله: " يوم ندعوا كل اناس بإمامهم قال: يجئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قومه وعلي عليه السلام في قومه والحسن في قومه والحسين في قومه وكل من مات بين ظهرانى إمام جاء معه. وفى تفسير البرهان عن ابن شهر آشوب عن الصادق عليه السلام ألا تحمدون الله ؟ إنه إذا كان يوم القيامة يدعى كل قوم إلى من يتولونه، وفزعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفزعتم أنتم الينا. أقول: ورواه في المجمع عنه عليه السلام وفيه دلالة على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إمام الائمة كما أنه شهيد الشهداء وأن حكم الدعوة بالامام جار بين الائمة أنفسهم. وفي مجمع البيان روى الخاص والعام عن علي بن موسى الرضا عليه السلام بالاسانيد الصحيحة أنه روى عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال فيه: يدعى كل اناس بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم. اقول: ورواه في تفسير البرهان عن ابن شهر آشوب عنه عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظه وقد أسنده أيضا إلى رواية الخاص والعام. وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " يوم ندعوا كل اناس بإمامهم " قال: يدعى كل قوم بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم. وفي تفسير العياشي عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يترك الارض
________________________________________
[ 171 ]
بغير امام يحل حلال الله ويحرم حرامه، وهو قول الله: " يوم ندعوا كل اناس بامامهم " ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية. الحديث. اقول: ووجه الاحتجاج بالاية عموم الدعوة فيها لجميع الناس. وفيه عن اسماعيل بن همام عن أبى عبد الله عليه السلام: في قول الله: " يوم ندعوا كل اناس بإمامهم " قال: إذا كان يوم القيامة قال الله: أليس العدل من ربكم أن يولوا كل قوم من تولوا - قالوا بلى قال فيقول تميزوا فيتميزون. اقول وفيه تأييد لما قدمنا أن المراد بالدعوه بالامام احضارهم معه دون النداء بالاسم والروايات في المعاني السابقة كثيرة. وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " ولا يظلمون فتيلا " قال: قال الجلدة التي في ظهر النواة. وفي تفسير العياشي عن المثنى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأله أبو بصير وأنا أسمع فقال له: رجل له مائة الف فقال: العام أحج العام أحج حتى يجيئه الموت فحجبه البلاء ولم يحج حج الاسلام فقال يا با بصير أو ما سمعت قول الله: " من كان في هذه أعمى فهو في الاخرة أعمى وأضل سبيلا " عمي عن فريضة من فرائض الله. * * * وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لا تخذوك خليلا (73). ولو لا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا (74). إذا لاذقناك ضعف الحيوة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا (75). وإن كادوا ليستفزونك من الارض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا (76). سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا (77). أقم الصلوة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان
________________________________________
[ 172 ]
مشهودا (78). ومن الليل فتهجد به نافله لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (79). وقل رب ادخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا (80). وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا (81): بيان تذكر الايات بعض مكر المشركين بالقرآن وبالنبى صلى الله عليه وآله وسلم - بعد ما ذمتهم على تماديهم في إنكار التوحيد والمعاد واحتجت عليهم في ذلك - حيث أرادوا أن يفتنوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بعض ما أوحي إليه ليداهنهم فيه بعض المداهنة وأرادوا أن يخرجوه من مكة. وقد أوعد الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشد الوعيد إن مال إلى الركون إليهم بعض الميل، وأوعدهم إن أخرجوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالهلاك. وفي الايات إيصاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصلوات والالتجاء بربه في مدخله ومخرجه وإعلام ظهور الحق. قوله تعالى: " وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا " إن مخففة بدليل اللام في " ليفتنونك " والفتنة الازلال والصرف، والخليل من الخلة بمعنى الصداقة وربما قيل: هو من الخلة بمعنى الحاجة وهو بعيد. وظاهر السياق أن المراد بالذى أوحينا إليك القرآن بما يشتمل عليه من التوحيد ونفى الشريك والسيرة الصالحة وهذا يؤيد ما ورد في بعض أسباب النزول أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يكف عن ذكر آلهتهم بسوء ويبعد عن نفسه عبيدهم المؤمنين به والسقاط حتى يجالسوه ويسمعوا منه فنزلت الايات.
________________________________________
[ 173 ]
والمعنى: وإن المشركين اقتربوا أن يزلوك ويصرفوك عما أوحينا إليك لتتخذ من السيرة والعمل ما يخالفه فيكون في ذلك افتراء علينا لانتسابه بعملك إلينا وإذا لاتخذوك صديقا. قوله تعالى: " ولو لا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا " التثبيت - كما يفيده السياق هو العصمة الالهية وجعل جواب لو لا قوله: " لقد كدت تركن " دون نفس الركون والركون هو الميل أو أدنى الميل كما قيل دليل على أنه صلى الله عليه وآله لم يركن ولم يكد، ويؤكده إضافه الركون إليهم دون إجابتهم إلى ما سألوه. والمعنى: " ولو لا أن ثبتناك بعصمتنا دنوت من أن تميل إليهم قليلا لكنا ثبتناك فلم تدن من أدنى الميل إليهم فضلا من أن تجيبهم إلى ما سألوا فهو صلى الله عليه وآله وسلم لم يجبهم إلى ما سألوا ولا مال إليهم شيئا قليلا ولا كاد أن يميل. قوله تعالى: " إذا لاذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا " سياق الاية سياق توعد فالمراد بضعف الحياة والممات المضاعف من عذاب الحياة والممات، والمعنى لو قارنت أن تميل إليهم بعض الميل لاذقناك الضعف من العذاب الذي نعذب به المجرمين في حياتهم والضعف مما نعذبهم به في مماتهم أي ضعف عذاب الدنيا والاخرة. ونقل في المجمع عن أبان بن تغلب أن المراد بالضعف العذاب المضاعف ألمه والمعنى لاذقناك عذاب الدنيا وعذاب الاخرة وأنشد قول الشاعر: لمقتل مالك إذ بان منى * * أبيت الليل في ضعف أليم أي في عذاب اليم. وما في ذيل الاية من قوله: " ثم لا تجد لك علينا نصيرا " تشديد في الايعاد أي إن العذاب واقع حينئذ لا مخلص منه. قوله تعالى وأن كادوا ليستفزونك من الارض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا " الاستفزاز الازعاج والتحريك بخفة وسهولة، واللام في
________________________________________
[ 174 ]
الارض للعهد والمراد بها مكة، والخلاف بمعنى بعد والمراد بالقليل اليسير من الزمان. والمعنى وإن المشركين قاربوا أن يزعجوك من إرض مكة لاخراجك منها ولو كان منهم وخرجت منها لم يمكثوا بعدك فيها إلا قليلا فهم هالكون لا محالة. وقيل: هؤلاء الذين كادوا يستفزونه هم اليهود أرادوا أن يخرجوه من المدينة وقيل: المراد المشركون واليهود أرادوا جميعا أن يخرجوه من أرض العرب. ويبعد ذلك أن السورة مكية والايات ذات سياق واحد وابتلاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم باليهود إنما كان بالمدينة بعد الهجرة. قوله تعالى: " سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا " التحويل نقل الشئ من حال إلى حال وقوله: " سنه " أي كسنة من قد أرسلنا وهو متعلق بقوله: " لا يلبثون " أي لا يلبثون بعدك إلا قليلا كسنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا. و هذه السنة وهي إهلاك المشركين الذين أخرجوا رسولهم من بلادهم وطردوه من بينهم سنة لله سبحانه، وإنما نسبها إلى رسله لانها مسنونة لاجلهم بدليل قوله بعد: " ولن تجد لسنتنا تحويلا " وقد قال تعالى: " وقال الذين كفروا لرسلهم ليخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين: إبراهيم: 13. والمعنى وإذا نهلكهم لسنتنا التي سنناها لاجل من قد أرسلنا قبلك من رسلنا وأجريناها ولست تجد لسنتنا تحويلا وتبديلا. قوله تعالى: " أقم الصلاه لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا: " قال في مجمع البيان: الدلوك الزوال، وقال المبرد: دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها وقيل: هو الغروب واصله من الدلك فسمي الزوال دلوكا لان الناظر إليها يدلك عينيه لشده شعاعها وسمي الغروب دلوكا لان الناظر يدلك عينيه ليثبتها انتهى. وقال فيه غسق الليل ظهور ظلامه يقال غسقت القرحة إذا انفجرت فظهر
________________________________________
[ 175 ]
ما فيها انتهى، وفي المفردات غسق الليل شده ظلمته. انتهى. وقد اختلف المفسرون في تفسير صدر الاية والمروى عن أئمه أهل البيت عليهم السلام من طرق الشيعة تفسير دلوك الشمس بزوالها وغسق الليل بمنتصفه وسيجئ الاشاره إلى الروايات في البحث الروائي الاتى ان شاء الله. وعليه فالاية تشمل من الوقت ما بين زوال الشمس ومنتصف الليل، والواقع في هذا المقدار من الوقت من الفرائض اليومية أربع صلاه الظهر والعصر والمغرب والعشاء الاخرة. وبانضمام صلاه الصبح المدلول عليها بقوله: " وقرآن الفجر " الخ إليها تتم الصلوات الخمس اليومية. وقوله: " وقرآن الفجر معطوف " على الصلاه أي وأقم قرآن الفجر والمراد به صلاة الصبح لما تشتمل عليه من القرائة وقد اتفقت الروايات على ان صلاه الصبح هي المراد بقرآن الفجر. وكذا اتفقت الروايات من طرق الفريقين على تفسير قوله ذيلا " إن قرآن الفجر كان مشهودا " بأنه يشهده ملائكة الليل وملائكه النهار وسنشير إلى بعض هذه الروايات عن قريب ان شاء الله. قوله تعالى: " ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا التهجد من الهجود وهو النوم في الاصل ومعنى التهجد التيقظ والسهر بعد النوم على ما ذكره غير واحد منهم، والضمير في " به " للقرآن أو للبعض المفهوم من قوله ومن الليل " والنافلة من النفل وهو الزيادة، وربما قيل: " إن قوله: " ومن الليل " من قبيل الاغراء نظير قولنا: عليك بالليل، والفاء في قوله: " فتهجد به " نظير قوله: " فإياي فارهبون: النحل: 51. والمعنى: واسهر بعض الليل بعد نومتك بالقرآن - وهو الصلاة حال كونها صلاة زائده لك على الفريضة. وقوله: " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " من الممكن أن يكون المقام مصدرا ميميا وهو البعث فيكون مفعولا مطلقا ليبعثك من غير لفظه، والمعنى عسى أن يبعثك ربك بعثا محمودا، ومن الممكن أن يكون اسم مكان والبعث بمعنى الاقامة أو مضمنا معنى الاعطاء ونحوه، والمعنى عسى أن يقيمك ربك في مقام محمود أو يبعثك معطيا لك مقاما محمودا أو يعطيك باعثا مقاما محمودا.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page