• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 201 الي 225


[ 201 ]
(سورة النحل مكية وهى مائة وثمان وعشرون آية) بسم الله الرحمن الرحيم أتى امر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون - 1 ينزل الملائكة بالروح من امره على من يشاء من عباده ان انذروا انه لا اله الا انا فاتقون - 2 خلق السموات والارض بالحق تعالى عما يشركون - 3 خلق الانسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين - 4. والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون - 5 ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون - 6 وتحمل اثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الانفس ان ربكم لرؤف رحيم - 7 والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون - 8 وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم اجمعين - 9 هو الذى انزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون - 10 ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والاعناب ومن كل الثمرات ان في ذلك لاية لقوم يتفكرون - 11 وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ان في ذلك لايات لقوم يعقلون - 12 وما ذرأ لكم في الارض مختلفا
________________________________________
[ 202 ]
الوانه ان في ذلك لاية لقوم يذكرون - 13 وهو الذى سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون - 14 والقى في الارض رواسي ان تميد بكم وانهارا وسبلا لعلكم تهتدون - 15 وعلامات وبالنجم هم يهتدون - 16 أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون - 17 وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ان الله لغفور رحيم - 18 والله يعلم ما تسرون وما تعلنون - 19 والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون - 20 اموات غير احياء وما يشعرون ايان يبعثون - 21 (بيان) الغالب على الظن إذا تدبرنا السورة ان صدر السورة مما نزلت في اواخر عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة قبيل الهجرة وهى اربعون آية يذكر الله سبحانه في شطر منها انواع نعمه السماوية والارضية مما تقوم به حياة الانسان وينتفع به في معاشه نظاما متقنا وتدبيرا متصلا يدل على وحدانيته تعالى في ربوبيته. ويحتج في شطر آخر على بطلان مزاعم المشركين وخيبة مساعيهم وانه سيجازيهم كما جازى امثالهم من الامم الماضية وسيفصل القضاء بينهم يوم القيامة. وقد افتتح سبحانه هذه الايات بقوله اتى امر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون مفرعا آيات الاحتجاج على ما فيه من التنزيه والتسبيح ومن ذلك يعلم ان عمدة الغرض في صدر السورة الانباء باشراف الامر الالهى ودنوه منهم وقرب
________________________________________
[ 203 ]
نزوله عليهم وفيه ابعاد للمشركين فقد كانوا يستعجلون النبي صلى الله عليه وآله وسلم استهزاء به لما كانوا يسمعون كلام الله سبحانه يذكر كثيرا نزول امره تعالى وينذرهم به وفيه مثل قوله للمؤمنين فاعفوا واصفحوا حتى ياتي الله بامره وليس الا امره تعالى بظهور الحق على الباطل والتوحيد على الشرك والايمان على الكفر هذا ما يعطيه التدبر في صدر السورة. واما ذيلها وهى ثمان وثمانون آية من قوله والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا إلى آخر السورة على ما بينها من الاتصال والارتباط فسياق الايات فيه يشبه ان تكون مما نزلت في اوائل عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة بعيد الهجرة فصدر السورة وذيلها متقاربا النزول وذلك لما فيها من آيات لا تنطبق مضامينها الا على بعض الحوادث الواقعة بعيد الهجرة كقوله تعالى: " والذين هاجروا في الله " الاية وقوله ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر الاية النازلة على قول في سلمان الفارسى وقد آمن بالمدينة وقوله من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره الاية النازلة في عمار كما سيأتي وكذا الايات النازلة في اليهود والايات النازلة في الاحكام كل ذلك يفيد الظن بكون الايات مدنية. ومع ذلك فاختلاف النزول لائح من بعضها كقوله: " والذين هاجروا الخ " الاية: 41 وقوله: " وإذا بدلنا آية مكان آية " الاية 101 إلى تمام آيتين أو خمس آيات وقوله: " من كفر بالله من بعد ايمانه " الاية: 106 وعدة آيات تتلوها. والانصاف بعد ذلك كله ان قوله تعالى: " والذين هاجروا " الاية: 41 إلى تمام آيتين وقوله: " من كفر بالله من بعد ايمانه " الاية: 106 وبضع آيات بعدها وقوله: " وان عاقبتم فعاقبوا " الاية: 126 وآيتان بعدها مدنية لشهادة سياقها بذلك والباقى اشبه بالمكية منها بالمدنية وهذا وان لم يوافق شيئا من المأثور لكن السياق يشهد به وهو اولى بالاتباع وقد مر في تفسير آية 118 من سورة الانعام احتمال ان تكون نازلة بعد سورة النحل وهى مكية والغرض الذى هو كالجامع لايات ذيل السورة ان فيها امرا بالصبر ووعدا حسنا على الصبر في ذات الله. وغرض السورة الاخبار باشراف امر الله وهو ظهور الدين الحق عليهم ويوضح
________________________________________
[ 204 ]
تعالى ذلك ببيان ان الله هو الاله المعبود لا غير لقيام تدبير العالم به كما إن الخلقة قائمة به ولانتهاء جميع النعم إليه وانتفاء ذلك عن غيره فالواجب ان يعبد الله ولا يعبد غيره وبيان ان الدين الحق لله فيجب ان يؤخذ به ولا يشرع دونه دين ورد ما ابداه المشركون من الشبهة على النبوة والتشريع وبيان امور من الدين الالهى هذا هو الذى يرومه معظم آيات السورة وتنعطف إلى بيانه مرة بعد مرة وفي ضمنها آيات تتعرض لامر الهجرة وما يناسب ذلك مما يحوم حولها. قوله تعالى: " اتى امر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون " ظاهر السياق ان الخطاب للمشركين لان الايات التالية مسوقة احتجاجا عليهم إلى قوله في الاية الثانية والعشرين: " الهكم اله واحد " ووجه الكلام فيها إلى المشركين وهى جميعا كالمتفرعة على قوله في ذيل هذه الاية سبحانه وتعالى عما يشركون ومقتضاه ان يكون الامر الذى اخبر باتيانه امرا يطهر ساحة الربوبية من شركهم بحسم مادته ولم تقع في كلامه حكاية استعجال من المؤمنين في امر بل المذكور استعجال المشركين بما كان يذكر في كلامه تعالى من امر الساعة وامر الفتح وامر نزول العذاب كما يشير إليه قوله: " قل أرايتم ان اتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون إلى قوله ويستنبئونك أحق هو قل أي وربى انه لحق وما انتم بمعجزين " يونس: 53 إلى غير ذلك من الايات. وعلى هذا فالمراد بالامر ما وعد الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذين آمنوا واوعد المشركين مرة بعد مرة في كلامه انه سينصر المؤمنين ويخزى الكافرين ويعذبهم ويظهر دينه بأمر من عنده كما قال: " فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره " البقرة: 109 واليه يعود ايضا ضمير فلا تستعجلوه على ما يفيده السياق أو يكون المراد باتيان الامر اشرافه على التحقق وقربه من الظهور وهذا شائع في الكلام يقال لمن ينتظر ورود الامير هذا الامير جاء وقد دنا مجيئه ولم يجئ بعد. وعلى هذا أيضا يكون قوله سبحانه وتعالى عما يشركون من قبيل الالتفات من الخطاب إلى الغيبه اشارة إلى انهم ينبغى أن يعرض عن مخاطبتهم ومشافهتهم لانحطاط افهامهم لشركهم ولم يستعجلوا نزول الامر الا لشركهم استهزاء وسخرية.
________________________________________
[ 205 ]
وبما مر يندفع ما ذكره بعضهم ان الخطاب في الاية للمؤمنين أو للمؤمنين والمشركين جميعا فان السياق لا يلائمه. على انه تعالى يخص في كلامه الاستعجال بغير المؤمنين وينفيه عنهم قال: " يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون انها الحق " الشورى: 18. وكذا ما ذكروه ان المراد بالامر هو يوم القيامة وذلك ان المشركين وان كانوا يستعجلونه ايضا كما يدل عليه قولهم على ما حكاه الله تعالى: " متى هذا الوعد ان كنتم صادقين " يس: 48 لكن سياق الايات لا يساعد عليه كما عرفت. ومن العجيب ما استدل به جمع منهم على ان المراد بالامر يوم القيامة انه تعالى لما قال في آخر سورة الحجر فو ربك لنسألنهم اجمعين وكان فيه تنبيه على حشر هؤلاء وسؤالهم قال في مفتتح هذه السورة: " اتى امر الله " فاخبر بقرب يوم القيامة وكذا قوله في آخر الحجر واعبد ربك حتى يأتيك اليقين وهو مفسر بالموت شديد المناسبة بأن يكون المراد بالامر في هذه السورة يوم القيامة ومما يؤكد المناسبة قوله هناك ياتيك وههنا اتى وامثال هذه الاقاويل الملفقة مما لا ينبغى ان يلتفت إليه. ونظيره قول بعضهم ان المراد بالامر واحدة الاوامر ومعناه الحكم كأنه يشير به إلى ما في السورة من احكام العهد واليمين ومحرمات الاكل وغيرها والخطاب على هذا للمؤمنين خاصة وهو كما ترى. قوله تعالى ينزل الملائكة بالروح من امره على من يشاء من عباده إلى آخر الاية الناس على اختلافهم الشديد قديما وحديثا في حقيقة الروح لا يختلفون في انهم يفهمون منه معنى واحدا وهو ما به الحياة التى هي ملاك الشعور والارادة فهذا المعنى هو المراد في الاية الكريمة. واما حقيقته اجمالا فالذي يفيده مثل قوله تعالى: " يوم يقوم الروح والملائكة صفا " النبأ: 38 وقوله: " تعرج الملائكة والروح إليه " المعارج: 4 وغيرهما انه موجود مستقل ذو حياة وعلم وقدرة وليس من قبيل الصفات والاحوال القائمة بالاشياء
________________________________________
[ 206 ]
كما ربما يتوهم وقد افاد بقوله قل الروح من امر ربى انه من سنخ امره وعرف ايضا امره بمثل قوله: " انما امره إذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فسبحان الذى بيده ملكوت كل شئ " يس: 83 فدل على انه كلمة الايجاد التى يوجد سبحانه بها الاشياء أي الوجود الذى يفيضه عليها لكن لا من كل جهة بل من جهة استناده إليه تعالى بلا مادة ولا زمان ولا مكان كما يفيده قوله: " وما امرنا إلا واحدة كلمح بالبصر " القمر: 50 فان هذا التعبير انما يورد فيما لا تدريج فيه أي لا مادة ولا حركة له وليكن هذا الاجمال عندك حتى يرد عليك تفصيله فيما سيأتي ان شاء الله في تفسير سورة الاسراء. فتحصل ان الروح كلمة الحياة التى يلقيها الله سبحانه إلى الاشياء فيحييها بمشيئته ولذلك سماه وحيا وعد القاءه وانزاله على نبيه ايحاء في قوله: " وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا " الشورى: 52 فان الوحى هو الكلام الخفى والتفهيم بطريق الاشارة والايماء فيكون القاء كلمته تعالى كلمة الحياة إلى قلب النبي عليه السلام وحيا للروح إليه فافهم ذلك. فقوله تعالى: " ينزل الملائكة بالروح من امره " الباء للمصاحبة أو للسببية ولا كثير تفاوت بينهما في المآل كما هو ظاهر عند المتأمل فان تنزيل الملائكة بمصاحبة الروح انما هو لالقائه في روح النبي عليه السلام ليفيض عليه المعارف الالهية وكذا تنزيلهم بسبب الروح لان كلمته تعالى اعني كلمة الحياة تحكم في الملائكة وتحييهم كما تحكم في الانسان وتحييه وضمير ينزل له تعالى والجملة استئناف تفيد تعليل قوله في الاية السابقة سبحانه وتعالى عما يشركون. والمعنى ان الله منزه ومتعال عن شركهم أو عن الشريك الذى يدعونه له ولتنزهه وتعاليه عن الشريك ينزل سبحانه الملائكة بمصاحبة الروح الذى هو من سنخ امره وكلمته في الايجاد أو بسببه على من يشاء من عباده ان انذروا انه لا اله الا انا فاتقون. وذكر بعضهم ان المراد بالروح الوحى أو القرآن وسمى روحا لان به حياة القلوب كما ان الروح الحقيقي به حياة الابدان قال وقوله من امره أي
________________________________________
[ 207 ]
بأمره ونظيره قوله يحفظونه من امر الله أي بامر الله لان احدا لا يحفظه عن امره انتهى. اما قوله ان من في قوله من امره بمعنى الباء استنادا إلى قوله يحفظونه من امر الله أي بامر الله الخ فقد مر في تفسير سورة الرعد ان من على ظاهر معناه وان بعض امره تعالى يحفظ الاشياء من بعض امره فلا وجه لاخذ من امره بمعنى بامره بل قوله بالروح من امره معناه بالروح الكائن من امره على ان الظرف مستقر لا لغو كما في قوله قل الروح من امر ربى ومعناه ما تقدم. واما قوله ان الروح بمعنى الوحى أو القرآن وكذا قول بعضهم انه بمعنى النبوة فلا يخلو عن وجه بحسب النتيجة بمعنى ان نتيجة نزول الملائكة بالروح من امره هو الوحى أو النبوة واما في نفسه وهو ان يسمى الوحى أو النبوة روحا باشتراك لفظي أو مجازا من حيث انه يحيى القلوب ويعمرها كما ان الروح به حياة الابدان وعمارتها فهو فاسد لما بيناه مرارا ان الطريق إلى تشخيص مصاديق الكلمات في كلامه تعالى هو الرجوع إلى سائر ما يصلح من كلامه لتفسيره دون الرجوع إلى العرف وما يراه في مصاديق الالفاظ. والمتحصل من كلامه سبحانه ان الروح خلق من خلق الله وهو حقيقة واحدة ذات مراتب ودرجات مختلفة منها ما في الحيوان وغير المؤمنين من الانسان ومنها ما في المؤمنين من الانسان قال تعالى: " وايدهم بروح منه " المجادلة: 22 ومنها ما يتأيد به الانبياء والرسل كما قال: " وايدناه بروح القدس " البقرة: 87 وقال: " وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا " الشورى: 52 على ما سيأتي تفصيله ان شاء الله. هذا ما تفيده الايات الكريمة واما ان اطلاق اللفظ على هذا المعنى هل هي حقيقة أو مجاز وما امعنوا في البحث انه من الاستعارة المصرحة أو استعارة بالكناية أو ان قوله بالروح من امره من قبيل التشبيه لذكر المشبه صريحا بناء على كون من في قوله من امره بيانية كما صرحوا في قوله: " حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر " البقرة: 187 انه من التشبيه للتصريح بالمشبه
________________________________________
[ 208 ]
في متن الكلام فكل ذلك من الابحاث الادبية الفنية التى ليس لها كثير تأثير في الحصول على الحقائق. وذكر بعضهم ان من امره بيان للروح ومن للتبيين والمراد بالروح الوحى كما تقدم. وفيه انه مدفوع بقوله تعالى قل الروح من امر ربى فان من الواضح ان الايتين تسلكان مسلكا واحدا وظاهر آية الاسراء ان من فيها للابتداء أو للنشوء والمراد بيان ان الروح من سنخ الامر وشأن من شؤنه ويقرب منها قوله تعالى: " تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر " القدر: 4. وذكر بعضهم ان المراد بالروح هو جبريل وايده بقوله: " نزل به الروح الامين على قلبك " الشعراء: 194 فان من المسلم ان المراد به في الايه هو جبريل والباء للمصاحبة والمراد بالملائكة ملائكة الوحى وهم اعوان جبريل والمراد بالامر واحد الاوامر والمعنى ينزل تعالى ملائكة الوحى بمصاحبة جبريل بامره وارادته. وفيه ان هذه الاية نظيرة قوله تعالى: " يلقى الروح من امره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق " المؤمن: 15 وظاهره لا يلائم كون المراد بالروح هو جبريل. واردأ الوجوه ما ذكره بعضهم ان المراد بالروح ارواح الناس لا ينزل ملك الا ومعه واحد من الارواح وهو منقول عن مجاهد وفساده ظاهر. وقوله على من يشاء من عباده أي ان بعث الرسل وتنزيل الملائكة بالروح من امره عليهم متوقف على مجرد المشية الالهية من غير ان يقهره تعالى في ذلك قاهر غيره فيجبره على الفعل أو يمنعه من الفعل كما في سائر افعاله تعالى فانه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. فلا ينافى ذلك كون فعله ملازما لحكم ومصالح ومختلفا باختلاف الاستعدادات لا يقع الا عن استعداد في المحل وصلاحية للقبول فان استعداد المستعد ليس الا كسؤال السائل فكما ان سؤال السائل انما يقربه من جود المسؤل وعطائه من غير ان يجبره على الاعطاء ويقهره كذلك الاستعداد في تقريبه المستعد لافاضته تعالى وحرمان غير المستعد من ذلك فهو تعالى يفعل ما يشاء من غير ان يوجبه عليه شئ أو يمنعه عنه شئ
________________________________________
[ 209 ]
لكنه لا يفعل شيئا ولا يفيض رحمة الا عن استعداد فيما يفيض عليه وصلاحية منه وقد افاد ذلك في خصوص الرسالة حيث قال: " وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتى رسل الله الله اعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين اجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون " الانعام: 124 فان الاية ظاهرة في ان الموارد مختلفة في قبول كرامة الرسالة وان الله سبحانه اعلم بالمورد الذى يصلح لها ويستأهل لتلك الكرامة وهو غير هؤلاء المجرمين الماكرين واما هم فليس لهم عند الله الا الصغار والعذاب لاجرامهم ومكرهم هذا. ومن هنا يظهر فساد استدلال بعضهم بالاية على نفى المرجح في مورد الرسالة ومحصل ما ذكره ان الاية تعلق الرسالة على مجرد المشية الالهية من غير ان تقيدها بشئ فالرسول انما ينال الرسالة بمشية من الله لا لاختصاصه بصفات تؤهله لذلك ويرجحه على غيره ووجه الفساد ظاهر مما تقدم. ونظيره في الفساد الاستدلال بالاية على كون الرسالة عطائية غير كسبية وذلك انه تعالى غير محكوم عليه في ما ينسب إليه من الفعل لا يفعل الا ما يشاء والامور العطائية والكسبية في ذلك سواء ولا شئ يقع في الوجود الا باذنه. وقوله ان انذروا انه لا اله الا انا فاتقون بيان لقوله ينزل الملائكة بالروح لكونه في معنى الوحى أو بيان للروح بناء على كونه بمعنى الوحى والانذار هو اخبار فيه تخويف كما ان التبشير هو اخبار فيه سرور على ما ذكره الراغب أو اعلام بالمحذور كما ذكره غيره والتقدير على الاول اخبروهم مخوفين بوحدانيتى في الالوهية ووجوب تقواى وعلى الثاني اعلموهم ذلك على ان يكون انه مفعولا ثانيا لا منصوبا بنزع الخافض. وقد علم بذلك ان قوله فاتقون متفرع على قوله لا اله الا انا والجملتان جميعا مفعول ثان أو في موضعه لقوله انذروا ويوضح ذلك ان لا اله وهو الذى يبتدئ منه وينتهى إليه كل شئ أو المعبود بالحق من لوازم صفة الوهيته ان يتقيه الانسان لتوقف كل خير وسعادة إليه فلو فرض انه واحد لا شريك له في
________________________________________
[ 210 ]
الوهيته كان لازمه ان يتقى وحده لان التقوى وهو اصلاح مقام العمل فرع لما في مقام الاعتقاد والنظر فعبادة الالهة الكثيرين والخضوع لهم لا يجامع الاعتقاد باله واحد لا شريك له الذى هو القيوم على كل شئ وبيده زمام كل امر ولذا لم يؤمر نبى ان يدعو إلى توحيد من غير عمل أو إلى عمل من غير توحيد قال تعالى: " وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي إليه انه لا اله الا انا فاعبدون " الانبياء: 25. فالذي امر الرسل بالانذار به في الاية هو مجموع قوله انه لا اله الا انا فاتقون وهو تمام الدين لاندراج الاعتقادات الحقة في التوحيد والاحكام العملية جميعا في التقوى ولا يعبؤ بما ذكره بعضهم ان قوله فاتقون للمستعجلين من الكفار المذكورين في الاية الاولى أو لخصوص كفار قريش من غير أن يكون داخلا فيما امر به الرسل من الانذار. قوله تعالى خلق السماوات والارض بالحق تعالى عما يشركون تقدم معنى خلق السماوات والارض بالحق ولازم خلقها بالحق ان لا يكون للباطل فيها اثر ولذلك عقبه بتنزيهه عن الشركاء الذين يدعونهم ليشفعوا لهم عند الله ويهدوهم إلى الخير ويقوهم الشر فانهم من الباطل الذى لا اثر له. وفي الاية والايات التالية لها احتجاج على وحدانيته تعالى في الالوهية والربوبية من جهتى الخلق والتدبير جميعا فان الخلق والايجاد آية الالوهية وكون الخلق بعضها نعمة بالنسبة إلى بعض آية الربوبية لان الشئ لا يكون نعمه بالنسبة إلى آخر الا عن ارتباط بينهما واتصال من احدهما بالاخر يؤدى إلى نظام جامع بينهما وتدبير واحد يجمعهما ووحدة التدبير آية وحدة المدبر فكون ما في السماوات والارض من مخلوق نعما للانسان يدل على ان الله سبحانه وحده ربه ورب كل شئ. قوله تعالى: " خلق الانسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين " المراد به الخلق الجارى في النوع الانساني وهو جعل نسله من النطفة فلا يشمل آدم وعيسى عليهم السلام والخصيم صفة مشبهة من الخصومة وهى الجدال والاية وان امكن ان تحمل على الامتنان حيث ان من عظيم المن ان يبدل الله سبحانه بقدرته التامة قطرة من ماء مهين انسانا كامل الخلقة منطيقا متكلما ينبئ عن كل ما جل ودق ببيانه البليغ لكن كثرة
________________________________________
[ 211 ]
الايات التى توبخ الانسان وتقرعه على وقاحته في خصامه في ربه كقوله تعالى: " أو لم ير الانسان انا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحى العظام وهى رميم " يس: 78 ترجح ان يكون المراد بذيل الاية بيان وقاحة الانسان. ويؤيد ذلك ايضا بعض التأييد ما في ذيل الاية السابقة من تنزيهه تعالى من شركهم. قوله تعالى: " والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون " الانعام جمع نعم وهى الابل والبقر والغنم سميت بذلك لنعمة مسها بخلاف الحافر الذى يصلب كذا في المجمع وفي المفردات الدف ء خلاف البرد انتهى وكأن المراد بالدف ء ما يحصل من جلودها واصوافها واوبارها من الحرارة للاتقاء من البرد أو المراد بالدف ء ما يدفؤ به. والمراد بالمنافع سائر ما يستفاد منها لغير الدف ء من اصوافها واوبارها وجلودها والبانها وشحومها وغير ذلك وقوله لكم يمكن ان يكون متعلقا بقوله خلقها ويكون قوله فيها دف ء ومنافع حالا من ضمير خلقها ويمكن ان يكون لكم ظرفا مستقرا متعلقا بالجملة الثانية أي في الانعام دف ء كائنا لكم. قوله تعالى: " ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون " الجمال الزينة وحسن المنظر قال في المجمع الاراحة رد الماشية بالعشى من مراعيها إلى منازلها والمكان الذى تراح فيه مراح والسروح خروج الماشية إلى المرعى بالغداة يقال سرحت الماشية سرحا وسروحا وسرحها اهلها انتهى. يقول تعالى: " ولكم في الانعام منظر حسن حين تردونها بالعشى إلى منازلها وحين تخرجونها بالغداة إلى مراعيها. قوله تعالى وتحمل اثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الانفس ان ربكم لرؤف رحيم " الاثقال جمع ثقل وهو المتاع الذى يثقل حمله والمراد بقوله بشق الانفس مشقة تتحملها الانفس في قطع المسافات البعيدة والمسالك الصعبة. والمراد ان الانعام كالابل وبعض البقر تحمل امتعتكم الثقيلة إلى بلد ليس يتيسر
________________________________________
[ 212 ]
لكم بلوغها الا بمشقة تتحملها انفسكم فرفع عنكم المشاق بخلقها وتسخيرها لكم ان ربكم رؤف رحيم. قوله تعالى: " والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون " معطوف على الانعام فيما مر أي والخيل والبغال والحمير خلقها لكم لتركبوها وزينة أي ان في خلقها ارتباطا بمنافعكم وذلك انكم تركبونها وتتخذونها زينة وجمالا وقوله ويخلق ما لا تعلمون أي يخلق ما لا علم لكم به من الحيوان وغيره وسخرها لكم لتنتفعوا بها والدليل على ما قدرناه هو السياق. قوله تعالى وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم اجمعين القصد على ما ذكره الراغب وغيره استقامة الطريق وهو كونه قيما على سالكيه يوصلهم إلى الغاية والظاهر ان المصدر بمعنى الفاعل والاضافة من اضافة الصفة إلى موصوفها والمراد السبيل القاصد بدليل مقابلته بقوله ومنها جائر أي ومن السبيل ما هو جائر أي مائل عن الغاية يورد سالكيه غيرها ويضلهم عنها والمراد بكون قصد السبيل على الله وجوب جعل سبيل قاصد عليه تعالى يسلكه عباده فيوردهم مورد السعادة والفلاح واذ لا حاكم غيره يحكم عليه فهو الذى اوجب على نفسه ان يجعل لهم طريقا هذا نعته ثم يهديهم إليه اما الجعل فهو ما جهز الله كل موجود ومنها الانسان من القوى والادوات بما لو استعملها كما نظمت ادته إلى سعادته وكماله المطلوب قال تعالى: " الذى اعطى كل شئ خلقه ثم هدى " طه: 50 وقال في الانسان خاصة: " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " الروم: 30. واما الهداية فهى التى فعلها من ناحية الفطرة وتناها بما من طريق بعث الرسل وانزال الكتب وتشريع الشرائع قال تعالى: " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها " الشمس: 8 وقال: " انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا " الدهر: 3. وانما ادرج سبحانه هذه الاية بين هذه الايات التى سياقها عد النعم العلوية والسفلية من السماء والارض والانعام والخيل والبغال والحمير والماء النازل من السماء والزرع ونظائرها لما ان الكلام انجر في آيتى الانعام والخيل إلى معنى قطع الطرق
________________________________________
[ 213 ]
وركوب المراكب فناسب ان يذكر ما انعم به من الطريق المعنوي الموصل للانسان إلى غايته الحقيقية يبتغيها في مسير الحياة كما انعم بمثله في عالم المادة ونشأة الصورة. فذكر سبحانه ان من نعمه التى من بها على عباده أن اوجب على نفسه لهم سبيلا قاصدا يوصلهم إلى سعادة حياتهم فجعله لهم وهداهم إليه. وقد نسب سبحانه قصد السبيل إلى نفسه دون السبيل الجائر لان سبيل الضلال ليس سبيلا مجعولا له وفي عرض سبيل الهدى وانما هو الخروج عن السبيل وعدم التلبس بسلوكه فليس بسبيل حقيقة وانما هو عدم السبيل. وكيف كان فالاية ظاهرة في نسبة قصد السبيل إليه تعالى وترك نسبة السبيل الجائر المؤدى بسبب المقابلة إلى نفى نسبته إليه تعالى. واذ كان من الممكن ان يتوهم ان لازم جعله قصد السبيل ان يكون مكفورا في نعمته مغلوبا في تدبيره وربوبيته حيث جعل السبيل ولم يسلكه الاكثرون وهدى إليه ولم يهتد به المدعوون دفعه بقوله تعالى: " ولو شاء لهداكم اجمعين " أي ان عدم اهتداء الجميع ليس لعجز منه سبحانه عن ذلك أو غلبة من هؤلاء المتخلفين وظهورهم عليه بل لانه تعالى لم يشأ ذلك ولو شاء لم يسعهم الا ان يهتدوا جميعا فهو القاهر الغالب على كل حال. وبعبارة اخرى السبيل القاصد الذى جعله الله تعالى هو السبيل المبنى على اختيار الانسان يقطعه باتيان الاعمال الصالحة واجتناب المعاصي عن اختيار منه وما هذا شأنه لم يكن مما يجبر عليه ولا عاما للجميع فان الطبائع متنوعة والتراكيب مختلفة ولا محالة تتنوع آثارها ويختلف الافراد بالايمان والكفر والتقوى والفجور والطاعة والمعصية. والاية مما تشاجرت فيها الاشاعرة والمعتزلة من فرق المسلمين فاستدلت المعتزلة بأن تغيير الاسلوب يجعل قصد السبيل على الله دون السبيل الجائر للدلالة على ما يجوز اضافته إليه تعالى وما لا يجوز كما ذكره في الكشاف. وتكلفت الاشاعرة في الجواب عنه فمن مجيب بان السبيلين جميعا منه تعالى وانما لم ينسب السبيل الجائر إليه تأدبا ومن مجيب بان المراد بقوله وعلى الله قصد
________________________________________
[ 214 ]
السبيل ان عليه تعالى بيان السبيل الحق فضلا وكرما منه دون بيان السبيل الجائر واما اصل الجعل فهما جميعا مجعولان له تعالى ومن منكر ان يكون تغيير الاسلوب في الاية لامر مطلوب. والحق ان دلالة الاية على كون قصد السبيل مضافا إليه تعالى دون السبيل الجائر مما لا ريب فيه لكن ذلك لا يستلزم كون السبيل الجائر مخلوقا لغيره تعالى لما تقدم ان سبيل الضلال ليس بسبيل حقيقة بل حقيقته عدم سلوك سبيل الهدى كما ان الضلال عدم الهدى فليس بامر موجود حتى ينسب خلقه وايجاده إليه تعالى وانما ينسب الضلال إليه تعالى فيما ينسب بمعنى عدم هدايته للضال أي عدم ايجاده الهدى في نفسه. ومع ذلك فالذي ينسب إليه من الضلال كما في قوله: " يضل من يشاء ويهدى من يشاء " فاطر: 8 وقوله: " يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا " البقرة: 26 هو الضلال بطريق المجازاة دون الضلال الابتدائي كما يفسره قوله: " وما يضل به الا الفاسقين البقرة: 26 فإذا فسق الانسان وخرج بسوء اختياره عن زى العبودية بأن عصى ولم يرجع وهو ضلاله الابتدائي من قبل نفسه جازاه الله بالضلال بأن اثبته على حاله ولم يقض عليه الهدى. واما الضلال الابتدائي من الانسان فانما هو انكفاف وقصور عن الطاعة وقد هداه الله من طريق الفطرة ودعوة النبوة. قوله تعالى: " هو الذى انزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون " شروع في نوع آخر من النعم وهى النعم النباتية التى يقتات بها الانسان وغيره وما سخر له لتدبير امرها كالليل والنهار والشمس والقمر وما يحذو حذوها ولذلك غير السياق فقال هو الذى الخ ولم يقل وانزل من السماء. وقوله تسيمون من الاسامة وهى رعى المواشى ومنه السائمة للماشية الراعية ومن الاولى تبعيضية والثانية نشوئية والشجر من النبات ما له ساق وورق وربما توسع فاطلق على ذى الساق وغيره جميعا ومنه الشجر المذكور في الاية لمكان قوله فيه تسيمون والباقى واضح.
________________________________________
[ 215 ]
قوله تعالى: " ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والاعناب ومن كل الثمرات " الخ الزيتون شجر معروف ويطلق على ثمره ايضا يقال انه اسم جنس جمعى واحده زيتونة وكذا النخيل ويطلق على الواحد والجمع والاعناب جمع عنبة وهى ثمرة شجرة الكرم ويطلق على نفس الشجرة كما في الاية والسياق يفيد ان قوله ومن كل الثمرات تقديره ومن كل الثمرات انبت اشجارها ولعل التصريح باسماء هذه الثمرات الثلاث بخصوصها وعطف الباقي عليها لكونها مما يقتات بها غالبا. ولما كان في هذا التدبير العام الوسيع الذى يجمع شمل الانسان والحيوان في الارتزاق به حجة على وحدانيته تعالى في الربوبية ختم الاية بقوله ان في ذلك لاية لقوم يتفكرون. قوله تعالى: " وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر " إلى آخر الاية قد تكرر الكلام في معنى تسخير الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم ولكون كل من المذكورات وكذا مجموع الليل والنهار ومجموع الشمس والقمر والنجوم ذا خواص وآثار في نفسه من شأنه ان يستقل باثبات وحدانيته في ربوبيته تعالى ختم الاية بقوله ان في ذلك لايات لقوم يعقلون فجمع الايات في هذه الاية بخلاف الايتين السابقة واللاحقة. قوله تعالى: " وما ذرأ لكم في الارض مختلفا الوانه ان في ذلك لاية لقوم يذكرون " الذرء الخلق واختلاف الوان ما ذرأه في الارض غير ما مر كما يختلف الوان المعادن وسائر المركبات العنصرية التى ينتفع بها الانسان في معاشه ولا يبعد ان يكون اختلاف الالوان كناية عن الاختلاف النوعى بينها فتقرب الايه مضمونا من قوله تعالى: " وفي الارض قطع متجاورات وجنات من اعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل " الرعد: 4 وقد تقدم تقريب الاستدلال به واختلاف الالوان فيما ذرأ في الارض كانبات الشجر والثمر امر واحد يستدل به على وحدانيته في الربوبية ولذا قال ان في ذلك لاية ولم يقل لايات. وهذه حجج ثلاث نسب الاولى إلى الذين يتفكرون والثانية إلى الذين
________________________________________
[ 216 ]
يعقلون والثالثة إلى الذين يتذكرون وذلك ان الحجة الاولى مؤلفة من مقدمات ساذجة يكفى في انتاجها مطلق التفكر والثانية مؤلفة من مقدمات علمية لا يتيسر فهمها الا لمن غار في اوضاع الاجرام العلوية والسفلية وعقل آثار حركاتها وانتقالاتها والثالثة مؤلفة من مقدمات كلية فلسفية انما ينالها الانسان بتذكر ما للوجود من الاحكام العامة الكلية كاحتياج هذه النشأة المتغيرة إلى المادة وكون المادة العامة واحدة متشابهة الامر ووجوب انتهاء هذه الاختلافات الحقيقية إلى امر آخر وراء المادة الواحدة المتشابهة. قوله تعالى: " وهو الذى سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها " الخ وهذا فصل آخر من النعم الالهية وهو نعم البحر والجبال والانهار والسبل والعلامات وكأن ما تقدمه من الفصل مشتملا على نعم البر والسهل من الاشجار والاثمار ونحوها ولذلك قال وهو الذى سخر ولم يقل وسخر الخ. والطرى فعيل من الطراوة وهو الغض الجديد من الشئ على ما ذكره في المفردات والمخر شق الماء عن يمين وشمال يقال مخرت السفينة تمخر مخرا فهى ماخرة ومخر الارض ايضا شقها للزراعة على ما في المجمع والمراد بأكل اللحم الطرى من البحر هو اكل لحوم الحيتان المصطادة منه و باستخراج حلية تلبسونها ما يستخرج منه بالغوص من امثال اللؤلؤ والمرجان التى تتحلى وتتزين بها النساء. وقوله: " وترى الفلك مواخر فيه أي تشاهد السفائن تشق ماءه عن اليمين والشمال ولعل قوله وترى من الخطابات العامة التى لا يقصد بها مخاطب خاص وكثيرا ما يستعمل كذلك ومعناه يراه كل راء ويشاهده كل من له ان يشاهد فليس من قبيل الالتفات من خطاب الجمع السابق إلى خطاب الواحد. وقوله ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون أي ولتطلبوا بعض رزقه في ركوب البحر وارسال السفائن فيه والجملة معطوفة على محذوف والتقدير وترى الفلك مواخر فيه لتنالوا بذلك كذا وكذا ولتبتغوا من فضله وهو كثير النظير في كلامه تعالى. و قوله ولعلكم تشكرون أي ومن الغايات في تسخير البحر واجراء الفلك
________________________________________
[ 217 ]
فيه شكركم له المرجو منكم إذ هو من زيادته تعالى في النعمة فقد اغناكم بما انعم عليكم في البر عن ان تتصرفوا في البحر بالغوص واجراء السفن وغير ذلك لكنه تعالى زادكم بتسخير البحر لكم نعمة لعلكم تشكرونه على هذا الزائد فان الانسان قليلا ما يتنبه في الضروريات انها نعمة موهوبة من لدنه سبحانه ولو شاء لقطعها واما الزوائد النافعة فهى اقرب من هذا التنبه والانتقال. قوله تعالى: " والقى في الارض رواسي ان تميد بكم وانهارا وسبلا لعلكم تهتدون " قال في المجمع الميد الميل يمينا وشمالا وهو الاضطراب ماد يميد ميدا انتهى. وقوله ان تميد بكم أي كراهة ان تميد بكم أو ان لا تميد بكم والمراد انه طرح على الارض جبالا ثوابت لئلا تضطرب وتميل يمينا وشمالا فيختل بذلك نظام معاشكم. وقوله وانهارا أي وجعل فيها انهارا تجرى بمائها وتسوقه إلى مزارعكم وبساتينكم وتسقيكم وما عندكم من الحيوان الاهلى. وقوله وسبلا لعلكم تهتدون معطوف على قوله وانهارا أي وجعل سبلا لغاية الاهتداء المرجو منكم والسبل منها ما هي طبيعية وهى المسافات الواقعة بين بقعتين من الارض الواصلة احداهما بالاخرى من غير ان يقطع ما بينهما بحاجب أو مانع كالسهل بين الجبلين ومنها ما هي صناعية وهى التى تتكون بعبور المارة وآثار الاقدام أو يعملها الانسان. والظاهر من السياق عموم السبل لكلا القسمين ولا ضير في نسبة ما جعله الانسان إلى جعله تعالى كما نسب الانهار والعلامات إلى جعله تعالى واكثرها من صنع الانسان وكما نسب ما عمله الانسان من الاصنام وغيرها إلى خلقه تعالى في قوله: " والله خلقكم وما تعملون " الصافات 96. وذلك انها كائنة ما كانت من آثار مجعولاته تعالى وجعل الشئ ذى الاثر جعل لاثره بوجه وان لم يكن جعلا مستقيما من غير واسطة. قوله تعالى: " وعلامات وبالنجم هم يهتدون " العلامات جمع علامة وهى ما يعلم به الشئ وهو معطوف على قوله انهارا أي وجعل علامات تستدلون بها على
________________________________________
[ 218 ]
الاشياء الغائبة عن الحس وهى كل آية وامارة طبيعية أو وضعية تدل على مدلولها ومنها الشواخص والنصب واللغات والاشارات والخطوط وغيرها. ثم ذكر سبحانه الاهتداء بالنجوم فقال وبالنجم هم يهتدون ولعل الالتفات فيه من الخطاب إلى الغيبة للتحرز عن تكرار تهتدون بصيغة الخطاب في آخر الايتين. والاية السابقة وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم اجمعين المتضمنة لمسألة الهداية المعنوية التى هي كالمعترضة بين الايات العادة للنعم الصورية وان كان الانسب ظاهرا ان يوضع بعد هذه الاية اعني قوله وبالنجم هم يهتدون المتعرضة هي وما قبلها للهداية الصورية غير ان ذلك لم يكن خاليا من اللبس وايهام التناقض بخلاف موقعها الذى هي واقعة فيه وان كانت كالمعترضة كما هو ظاهر. قوله تعالى: " أفمن يخلق كمن لا يخلق إلى قوله الهكم اله واحد " الايات تقرير اجمالي للحجة المذكورة تفصيلا في ضمن الايات الست عشرة الماضية واستنتاج للتوحيد وهى حجة واحدة اقيمت لتوحيد الربوبية وملخصها ان الله سبحانه خالق كل شئ فهو الذى انعم بهذه النعم التى لا يحيط بها الاحصاء التى ينتظم بها نظام الكون وهو تعالى عالم بسرها وعلنها فهو الذى يملك الكل ويدبر الامر فهو ربها وليس شئ مما يدعونه على شئ من هذه الصفات فليست اربابا فالاله واحد لا غير وهو الله عز اسمه. ومن هنا يظهر فساد ما ذكره بعضهم ان الايات تثبت التوحيد من طريقين طريق الخلقة وطريق النعمة بيان الفساد ان طريق الخلقة وحدها انما تثبت الصانع ووحدانيته في الخلق والايجاد والوثنيون واليهم وجه الكلام في الايات لا ينكرون وجود الصانع ولا ان الله سبحانه خالق الكل حتى اوثانهم وان اوثانهم ليسوا بخالقين لشئ وانما يدعون لاوثانهم تدبير امر العالم بتفويض من الله لذلك إليهم والشفاعة عند الله فلا يفيد اثبات الصانع تجاه هؤلاء شيئا. وانما سيقت آيات الخلقة لتثبيت امر النعمة إذ من البين انه إذا كان الله سبحانه خالقا لكل شئ موجودا له كانت آثار وجودات الاشياء وهى النعم التى يتنعم بها
________________________________________
[ 219 ]
له سبحانه كما ان وجوداتها له ملكا طلقا لا يقبل بطلانا ولا نقلا ولا تبديلا فهو سبحانه المنعم بها حقيقة لا غيره من شئ حتى الذى نفس النعمة من آثار وجوده فانه وما له من اثر هو لله وحده. ولذلك ضم إلى حديث الخلق والانعام قوله تعالى: " والله يعلم ما تسرون وما تعلنون " لان مجرد استناد الخلق والانعام إلى شئ لا يستلزم ربوبيته ولا يستوجب عبادته لو لا انضمام العلم اليهما ليتم بذلك انه مدبر يهدى كل شئ إلى كماله المطلوب له وسعادته المكتوبة في صحيفة عمله ومن المعلوم ان العبادة انما تستقيم عبادة إذا كان المعبود موسوما بسمة العلم عالما بعبادة من يعبده شاهدا لخضوعه. فمجموع ما تتضمنه الايات من حديث الخلق والنعمة والعلم مقدمات لحجة واحدة اقيمت على توحيد الربوبية الذى ينكره الوثنية كما عرفت. فقوله: " أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون " قياس ما له سبحانه من النعت إلى ما لغيره منه ونفى للمساواة والاستفهام للانكار والمراد بمن لا يخلق آلهتهم الذين يدعونهم من دون الله. وبيانه كما ظهر مما تقدم ان الله سبحانه يخلق الاشياء ويستمر في خلقها فلا يستوى هو ومن لا يخلق شيئا فانه تعالى لخلقه الاشياء يملك وجوداتها وآثار وجوداتها التى هي الانظمة الخاصة بها والنظام العام الجارى عليها. وقوله وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها الخ اشارة إلى كثرة النعم الالهية كثرة خارجة عن حيطة الاحصاء وبالحقيقة ما من شئ الا وهو نعمة إذا قيس إلى النظام الكلى وان كان ربما وجد بينها ما ليس بنعمة إذا قيس إلى بعض آخر. وقد علل سبحانه ذلك بقوله ان الله لغفور رحيم وهو من الطف التعليل وادقه فافاد سبحانه ان خروج النعمة عن حد الاحصاء انما هو من بركات اتصافه تعالى بصفتي المغفرة والرحمة فانه بمغفرته والمغفرة هي الستر يستر ما في الاشياء من وبال النقص وشوهة القصور وبرحمته والرحمة اتمام النقص ورفع الحاجة يظهر فيها الخير والكمال ويحليها بالجمال فببسط المغفرة والرحمة على الاشياء يكون كل شئ نافعا في غيره خيرا مطلوبا عنده فيصير نعمة بالنسبة إليه فالاشياء بعضها نعمة
________________________________________
[ 220 ]
لبعض فللنعمة الالهية من السعة والعرض ما لمغفرته ورحمته من ذلك فان تعدوا نعمة الله لا تحصوها فافهم ذلك. والاية من الموارد التى استعملت فيها المغفره في غير الذنب والمعصية للامر المولوي كما هو المعروف عند المتشرعة. وقوله والله يعلم ما تسرون وما تعلنون اشارة إلى الركن الثالث من اركان الربوبية وهو العلم فان الاله لو كان غير متصف بالعلم استوت العبادة واللاعبادة بالنسبة إليه فكانت عبادته لغوا لا اثر لها. فمن الواجب في الرب المعبود ان يكون له علم ولا كل علم كيفما كان بل العلم بظاهر من يعبده وباطنه فان العبادة متقومة بالنية فهى انما تقع عبادة حقيقة إذا اتى بها عن نية صالحة وهو مما يرجع إلى الضمير فلا يتم العلم بكون صورة العبادة واجدة لحقيقة معناها الا بعد احاطة المعبود بظاهر من يعبده وباطنه لكن الله سبحانه عليم بما يسره الانسان وما يعلنه كما انه خالق منعم ويستحق بذلك ان يعبد. ومن هنا يظهر وجه اختيار ما في الاية من التعبير لبيان علمه فلم يعبر بمثل قوله عالم الغيب والشهادة وقوله والله بكل شئ عليم بل قال والله يعلم ما تسرون وما تعلنون فذكر العلم بالاسرار والاعلان واضافه إلى الانسان لان الكلام في عبادة الانسان لربه والواجب في العلم بالعبادة المرتبطة بعمل الجوارح والقلب جميعا ان يكون عالما بما يسره الانسان وما يعلنه من النية القلبية والاحوال والحركات البدنية. وقوله والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون اشارة إلى فقدان الركن الاول من اركان الربوبية في آلهتهم الذين يدعون من دون الله ويتفرع عليه الركن الثاني وهو ايتاء النعمة فليس الذين يدعونهم آلهة واربابا والله الرب. وقوله اموات غير احياء وما يشعرون ايان يبعثون اشارة إلى فقدان الركن الثالث من اركان الربوبية في اصنامهم وهو العلم بما يسرون وما يعلنون وقد بالغ في نفى ذلك فنفى اصل الحياة المستلزم لنفى مطلق العلم فضلا عن نوعه الكامل الذى هو العلم بما يسرون وما يعلنون فقال اموات غير احياء فاثبت الموت اولا
________________________________________
[ 221 ]
وهو لا يجامع الشعور ثم اكده بنفى الحياة ثانيا وخص من وجوه جهلهم عدم شعورهم متى يبعث عبادهم من الناس فقال وما يشعرون ايان يبعثون أي ما يدرى الاصنام ايان يبعث عبادهم فان العبادة هي التى يجزى بها الانسان يوم البعث فمن الواجب في الاله المعبود ان يعلم متى يوم البعث حتى يجزى عباده فيه عن عبادتهم وهؤلاء لا يدرون شيئا من ذلك. ومن هنا يظهر ان اول ضميري الجمع يشعرون للاصنام والثانى يبعثون للمشركين واما ارجاعهما كليهما إلى الاصنام فغير مرضى لان العلم بالبعث مختص به سبحانه محجوب عن غيره ولا يختص الجهل به بالاصنام واردأ منه قول بعضهم إن ضميري الجمع معا في الاية عائدان إلى المشركين هذا. والايات وان كانت مسوقة بظاهرها لنفى ربوبية الاصنام لكن البيان بعينه بأدنى دقة جار في ارباب الاصنام كالملائكة المقربين والجن والكملين من البشر والكواكب من كل ما يعبده الوثنيون فان صفات الخلق والانعام والعلم لا تقوم بالاصالة والاستقلال الا بالله سبحانه ولا ربوبية حقيقة الا بالاصالة والاستقلال فافهم. وفي الايتين اعني قوله والذين يدعون من دون الله إلى قوله يبعثون التفات من الخطاب إلى الغيبة ولعل النكتة فيه ذكر يوم البعث فيهما والمشركون لا يقولون به فحول الخطاب منهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتوسل بذلك إليه من غير اعتراض. وقوله الهكم اله واحد بيان لنتيجة الحجة التى اقيمت في الايات السابقة أي إذا كان الله سبحانه هو الواجد لما تتوقف عليه الالوهية وهى المعبودية بالحق وغيره تعالى ممن يدعون من دونه غير واجد لشئ مما تتوقف عليه وهو الخلق والانعام والعلم فالهكم الذى يحق له ان يعبد واحد ولازم معناه انه الله عز اسمه. (بحث روائي) في المجمع اربعون آية من اولها مكية والباقى من قوله والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم إلى آخر السورة مدنية عن الحسن وقتادة وقيل مكية كلها غير ثلاث آيات نزلت في انصراف النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أحد وان عاقبتم فعاقبوا
________________________________________
[ 222 ]
إلى آخر السورة نزلت فيما بين مكة والمدينة عن ابن عباس وعطاء والشعبى وفي احدى الروايات عن ابن عباس بعضها مكى وبعضها مدنى فالمكي من اولها إلى قوله ولكم عذاب عظيم والمدنى قوله ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إلى قوله بأحسن ما كانوا يعملون. اقول وقد قدمنا ان الذى يعطيه السياق خلاف ذلك كله فراجع. وفي تفسير العياشي عن هشام بن سالم عن بعض اصحابنا عن ابى عبد الله عليه السلام قال سألته عن قول الله: " اتى امر الله فلا تستعجلوه قال إذا اخبر الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشئ إلى وقت فهو قوله: " أتى أمر الله فلا تستعجلوه " حتى يأتي ذلك الوقت وقال ان الله إذا أخبر ان شيئا كائن فكأنه قد كان اقول كأنه اشارة إلى إن التعبير في الآية بلفظ الماضي لتحقق الوقوع وفى الدر المنثور اخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزلت أتى أمر الله ذعر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل فلا تستعجلوه فسكنوا وفيه اخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريد قال لما نزلت هذه الآية: " اتى امر الله فلا تستعجلوه " قال رجال من المنافقين بعضهم لبعض ان هذا يزعم إن امر الله قد أتى فامسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن فلما رأوا إنه لا ينزل شئ قالوا ما نراه نزل فنزلت: " اقترب للناس حسابهم " الآية فقالوا إن هذا يزعم مثلها ايضا فلما رأوا إنه لا ينزل شئ قالوا ما نراه نزل شئ فنزل: " ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى امة معدودة " الآية اقول والرواية تدل على إن المسلمين كان بينهم قبل الهجرة منافقون كما يشهد به بعض آخر من الروايات وفيه اخرج ابن ابي حاتم والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس فلا تزال ترتفع في السماء حتى تملا السماء ثم ينادي مناد يا ايها الناس فيقبل الناس بعضهم على بعض هل سمعتم ؟ فمنهم من يقول نعم ومنهم من
________________________________________
[ 223 ]
يشك ثم ينادى الثانية يا ايها الناس فيقول الناس هل سمعتم ؟ فيقولون نعم ثم ينادى ايها الناس اتى امر الله فلا تستعجلوه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فو الذى نفسي بيده ان الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه وان الرجل ليملؤ حوضه فما يسقى فيه شيئا وان الرجل ليحلب ناقته فما يشربه ويشغل الناس. اقول وقد رام بعضهم ان يستفيد من هذه الروايات الثلاث وفي معناها بعض روايات اخر ان المراد بالامر هو يوم القيامة ولا دلالة فيها على ذلك. اما الرواية الاولى فلا يدل ذعرهم انهم فهموا منها ذلك فان امر الله ايا ما كان مما يهيب عباده على انه لا حجة في فهمهم وليس الشبهة مفهومية حتى يرجع إليهم بما هم اهل اللسان. على ان الرواية لا تخلو عن شئ فان الله سبحانه يعد الاستعجال بالقيامة من صفات الكفار ويذمهم عليه ويبرئ المؤمنين منه قال: " والذين آمنوا مشفقون منها " الشورى: 18 وقد مرت الاشارة إليه في البيان المتقدم هذا إذا كان الخطاب في قوله فلا تستعجلوه للمؤمنين واما إذا كان المخاطب به المشركين وهم كانوا يستعجلونه فمعنى النهى عن استعجالهم هو حلول الاجل وقرب الوقوع لا الامهال والانظار ولا معنى حينئذ لسكونهم لما سمعوا قوله فلا تستعجلوه. واما الرواية الثانية فظاهرها انهم فهموا منها العذاب الدنيوي دون الساعة فهى تؤيد ما قدمناه في البيان لا ما ذكروه. واما الرواية الثالثة فاقصى ما تدل عليه ان قيام الساعة من مصاديق اتيان امر الله ولا ريب في ذلك وهو غير كون المراد بالامر في الاية هو الساعة. وفي كتاب الغيبة للنعماني باسناده عن عبد الرحمان بن كثير عن ابى عبد الله عليه السلام: في قوله عز وجل: " اتى امر الله فلا تستعجلوه قال هو امرنا امر الله عز وجل فلا يستعجل به يؤيده بثلاثة اجناد الملائكة والمؤمنون والركب وخروجه كخروج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك قوله كما اخرجك ربك من بيتك بالحق. اقول ورواه المفيد في كتاب الغيبة عن عبد الرحمان عنه عليه السلام ومراده
________________________________________
[ 224 ]
ظهور المهدى عليه السلام كما صرح به في روايات اخر وهو من جرى القرآن أو بطنه. وفي الكافي باسناده عن سعد الاسكاف قال: اتى رجل امير المؤمنين عليه السلام يسأله عن الروح أليس هو جبرئيل ؟ فقال له امير المؤمنين عليه السلام جبرئيل من الملائكة والروح غير جبرئيل فكبر ذلك على الرجل فقال له لقد قلت عظيما من القول ما احد يزعم ان الروح غير جبرئيل فقال له امير المؤمنين عليه السلام انك ضال تروى عن اهل الضلال يقول الله لنبيه اتى امر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون ينزل الملائكة بالروح والروح غير الملائكة. اقول وهو يؤيد ما قدمناه وفي روايات اخر انه خلق اعظم من جبرئيل. وفي تفسير القمى: في قوله تعالى فإذا هو خصيم مبين قال عليه السلام خلقه من قطرة من ماء مهين فيكون خصيما متكلما بليغا وفيه: في قوله تعالى حين تريحون وحين تسرحون قال عليه السلام حين ترجع من المرعى وحين تخرج إلى المرعى وفي تفسير العياشي عن زرارة عن احدهما عليه السلام قال سألته عن ابوال الخيل والبغال والحمير قال نكرهها قلت أليس لحمها حلالا ؟ قال فقال أليس قد بين الله لكم والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون وقال في الخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة فجعل الاكل من الانعام التى قص الله في الكتاب وجعل للركوب الخيل والبغال والحمير وليس لحومها بحرام ولكن الناس عافوها. اقول والروايات في الخيل والبغال والحمير مختلفة ومذهب اهل البيت عليهم السلام حلية اكل لحومها على كراهية. وفي تفسير القمى: في قوله تعالى ويخلق ما لا تعلمون قال قال عليه السلام العجائب التى خلقها الله في البر والبحر وفي الدر المنثور في قوله تعالى: " وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر " اخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن الانباري في المصاحف عن على انه كان يقرء هذه الاية فمنكم جائر وفي تفسير العياشي عن اسماعيل بن ابى زياد عن جعفر بن محمد عن ابيه عن آبائه
________________________________________
[ 225 ]
عن على عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله: وبالنجم هم يهتدون قال هو الجدى لانه نجم لا يدور عليه بناء القبلة وبه يهتدى اهل البر والبحر. اقول وهو مروى عن الصادق عليه السلام ايضا وفي الكافي بإسناده عن داود الجصاص قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: وعلامات وبالنجم هم يهتدون قال - النجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعلامات الائمة عليهم السلام أقول ورواه ايضا بطريقين آخرين عنه وعن الرضا عليه السلام ورواه العياشي والقمى في تفسيريهما والشيخ في أماليه عن الصادق عليه السلام. وليس بتفسير وإنما هو من البطن ومن الدليل عليه ما رواه الطبرسي في المجمع قال قال أبو عبد الله عليه السلام: نحن العلامات والنجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولقد قال إن الله جعل النجوم أمانا لاهل السماء - وجعل أهل بيتى امانا لاهل الارض * * * الهكم اله واحد فالذين لا يؤمنون بالاخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون - 22 لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين - 23 وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الاولين - 24 ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم الا ساء ما يزرون - 25 قد مكر الذين من قبلهم فاتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون - 26


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page