• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 176 الي 200


[ 176 ]
ووضع يده فوق يده وبسط يده على يده وفيه اخرج ابن المبارك وهناد وابن ابى شيبة وعبد بن حميد واحمد في الزهد وابن ابى الدنيا في صفة النار وابن جرير وابن ابى حاتم والبيهقي في البعث من طرق عن على قال: ابواب جهنم سبعة بعضها فوق بعض فيملا الاول ثم الثاني ثم الثالث حتى يملا كلها وفيه اخرج ابن مردويه والخطيب في تاريخه عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى لكل باب منهم جزء مقسوم قال جزء اشركوا بالله وجزء شكوا في الله وجزء غفلوا عن الله. اقول هو تعداد اجزاء الابواب دون نفسها والظاهر ان الكلام غير مسوق للحصر. وفيه اخرج ابن مردويه عن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجهنم باب لا يدخل منه الا من اخفرنى في اهل بيتى وأراق دماءهم من بعدى. اقول يقال خفره أي غدر به ونقض عهده. وفيه اخرج احمد وابن حبان والطبري وابن مردويه والبيهقي في البعث عن عتبة ابن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: للجنة ثمانية ابواب وللنار سبعة ابواب وبعضها افضل من بعض. اقول والروايات كما ترى تؤيد من قدمناه. وفي تفسير القمى ": في قوله تعالى ونزعنا ما في صدورهم من غل الاية قال قال العداوة وفي تفسير البرهان عن الحافظ ابى نعيم عن رجاله عن ابى هريرة قال قال على ابن ابى طالب: يا رسول الله ايما انا احب اليك ام فاطمة ؟ قال فاطمة احب إلي منك وانت اعز علي منها وكأني بك وانت على حوضى تذود عنه الناس وان عليه اباريق عدد نجوم السماء - وانت والحسن والحسين وحمزة وجعفر في الجنة اخوانا على سرر متقابلين وانت معى وشيعتك ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اخوانا على سرر متقابلين لا ينظر احدكم في قفاء صاحبه
________________________________________
[ 177 ]
وفيه عن ابن المغازلى في المناقب يرفعه إلى زيد بن ارقم قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إنى مواخ بينكم كما آخى الله بين الملائكة ثم قال لعلى أنت اخى ثم تلا هذه الاية: " اخوانا على سرر متقابلين الاخلاء في الله ينظر بعضهم إلى بعض " اقول ورواه ايضا عن احمد في مسنده مرفوعا إلى زيد بن اوفى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والرواية مبسوطة. وفي الروايتين تفسير قوله تعالى على سرر متقابلين بقوله لا ينظر احدهم في قفاء صاحبه وقوله الاخلاء في الله ينظر بعضهم إلى بعض وفيه اشارة إلى ان التقابل في الاية كناية عن عدم تتبع احدهم عورات اخوانه وزلاتهم كما يفعل ذلك من في صدره غل وهو معنى لطيف. وما قرأه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الاية انما هو من باب الجرى والانطباق لا ان الاية نازلة في اهل البيت عليهم السلام فسياق الايات لا يلائمه البتة. ونظيرها ما روى عن على عليه السلام: إن الاية نزلت فينا اهل بدر وفي رواية اخرى عنه عليه السلام: انها نزلت في ابى بكر وعمر وفي رواية اخرى عن على بن الحسين عليه السلام: انها نزلت في ابى بكر وعمر وعلى وفي رواية اخرى ": انها نزلت في على والزبير وطلحة وفي رواية اخرى ": انها نزلت في على وعثمان وطلحة والزبير وفي رواية اخرى عن ابن عباس ": انها نزلت في عشرة ابى بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود. والروايات على ما بها من الاختلاف تطبيقات من الرواة والاية تأبى بسياقها عن أن تكون نازلة في بعض المذكورين كيف ؟ وهى في جملة آيات تقص ما قضاه الله وحكم به يوم خلق آدم وامر الملائكة وابليس بالسجود له فأبى ابليس فرجمه ثم قضى ما قضى ولا تعلق لذلك باشخاص بخصوصيتهم هذا * * * نبئ عبادي إنى أنا الغفور الرحيم - 49 وإن عذابي هو العذاب
________________________________________
[ 178 ]
الاليم - 50 ونبئهم عن ضيف ابراهيم - 51 إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون - 52 قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم - 53 قال أبشرتموني على أن مسنى الكبر فبم تبشرون - 54 قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين - 55 قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون - 56 قال فما خطبكم ايها المرسلون - 57 قالوا إنا ارسلنا إلى قوم مجرمين - 58 إلا آل لوط إنا لمنجوهم اجمعين - 59 الا امراته قدرنا انها لمن الغابرين - 60 فلما جاء آل لوط المرسلون - 61 قال انكم قوم منكرون - 62 قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون - 63 واتيناك بالحق وانا لصادقون - 64 فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع ادبارهم ولا يلتفت منكم احد وامضوا حيث تؤمرون - 65 وقضينا إليه ذلك الامر ان دابر هؤلاء مقطوع مصبحين - 66 وجاء اهل المدينة يستبشرون - 67 قال ان هؤلاء ضيفي فلا تفضحون - 68 واتقوا الله ولا تخزون - 69 قالوا أو لم ننهك عن العالمين - 70 قال هؤلاء بناتى إن كنتم فاعلين - 71 لعمرك انهم لفى سكرتهم يعمهون - 72 فاخذتهم الصيحة مشرقين - 73 فجعلنا عاليها سافلها وامطرنا عليهم حجارة من سجيل - 74 إن
________________________________________
[ 179 ]
في ذلك لايات للمتوسمين - 75 وانها لبسبيل مقيم - 76 ان في ذلك لاية للمؤمنين - 77 وان كان اصحاب الايكة لظالمين - 78 فانتقمنا منهم وانهما لبإمام مبين - 79 ولقد كذب اصحاب الحجر المرسلين - 80 وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين - 81 وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين - 82 فأخذتهم الصيحة مصبحين - 83 فما اغنى عنهم ما كانوا يكسبون - 84 (بيان) بعد ما تكلم سبحانه حول استهزائهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وما انزل إليه من الكتاب واقتراحهم عليه ان ياتيهم بالملائكه وهم ليسوا بمؤمنين وان سمح لهم باوضح الايات اتى سبحانه في هذه الايات ببيان جامع في التبشير والانذار وهو ما في قوله نبئ عبادي إلى آخر الايتين ثم اوضحه وايده بقصة جامعة للجهتين متضمنة للامرين معا وهى قصة ضيف ابراهيم وفيها بشرى ابراهيم بما لا مطمع فيه عادة وعذاب قوم لوط بأشد انواع العذاب. ثم ايده تعالى باشارة اجمالية إلى تعذيب اصحاب الايكة وهم قوم شعيب واصحاب الحجر وهم ثمود قوم صالح عليه السلام. قوله تعالى: " نبئ عبادي انى انا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب الاليم " المراد بقوله عبادي على ما يفيده سياق الايات مطلق العباد ولا يعبؤ بما ذكره بعضهم ان المراد بهم المتقون السابق ذكرهم أو المخلصون. وتاكيد الجملتين بالاسمية وان وضمير الفصل واللام في الخبر يدل على ان الصفات المذكورة فيها اعني المغفرة والرحمة والم العذاب بالغة في معناها النهاية بحيث لا تقدر بقدر ولا يقاس بها غيرها فما من مغفرة أو رحمة الا ويمكن ان يفرض لها مانع يمنع
________________________________________
[ 180 ]
من ارسالها أو مقدر يقدرها ويحدها لكنه سبحانه يحكم لا معقب لحكمه ولا مانع يقاومه فلا يمنع عن انجاز مغفرته ورحمته شئ ولا يحدهما امر الا أن يشاء ذلك هو عز وجل فليس لاحد ان ييأس من مغفرته أو يقنط من روحه ورحمته استنادا إلى مانع يمنع أو رادع يردع الا أن يخافه تعالى نفسه كما قال: " لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم وانيبوا إلى ربكم " الزمر - 54. وليس لاحد ان يحقر عذابه أو يؤمل عجزه أو يأمن مكره والله غالب على امره ولا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون قوله تعالى ونبئهم عن ضيف ابراهيم الضيف معروف ويطلق على المفرد والجمع وربما يجمع على اضياف وضيوف وضيفان لكن الافصح كما قيل ان لا يثنى ولا يجمع لكونه مصدرا في الاصل. والمراد بالضيف الملائكة المكرمون الذين ارسلوا لبشارة ابراهيم بالولد ولهلاك قوم لوط سماهم ضيفا لانهم دخلوا عليه في صورة الضيف. قوله تعالى: " إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال انا منكم وجلون قالوا لا توجل انا نبشرك بغلام عليم ضمير الجمع في دخلوا وقالوا في الموضعين للملائكة فقولهم سلاما تحية وتقديره نسلم عليك سلاما وقول ابراهيم عليه السلام انا منكم وجلون أي خائفون والوجل الخوف. وانما قال لهم ابراهيم ذلك بعد ما استقر بهم المجلس وقدم إليهم عجلا حنيذا فلم يأكلوا منه فلما رأى ايديهم لا تصل إليه نكرهم واوجس منهم خيفة كما في سورة هود فالقصة مذكورة على نحو التلخيص. وقولهم لا توجل تسكين لوجله وتأمين له وتطييب لنفسه بانهم رسل ربه وقد دخلوا عليه ليبشروه بغلام عليم أي بولد يكون غلاما وعليما ولعل المراد كونه عليما بتعليم الله ووحيه فيقرب من قوله في موضع " آخر فبشرناه باسحاق نبيا " الصافات: 112. قوله تعالى: " قال أبشرتموني على ان مسنى الكبر فبم تبشرون " تلقى ابراهيم عليه السلام البشرى وهو شيخ كبير هرم لا عقب له من زوجه وقد ايأسته العادة الجارية
________________________________________
[ 181 ]
عن الولد وان كان يجل ان يقنط من رحمه الله ونفوذ قدرته ولذا تعجب من قولهم واستفهمهم كيف يبشرونه بالولد وحاله هذه الحال وزوجه عجوز عقيم كما وقع في موضع آخر من كلامه تعالى. فقوله ا بشرتموني على ان مسنى الكبر الكبر كنايه عن الشيخوخه ومسه هو نيله منه ما نال بافناء شبابه واذهاب قواه والمعنى انى لا تعجب من بشارتكم اياى والحال انى شيخ هرم فنى شبابى و فقدت قوى بدنى والعاده تستدعى ان لا يولد لمن هذا شانه ولد. وقوله فبم تبشرون تفريع على قوله مسنى الكبر وهو استفهام عما بشروه به كانه يشك في كون بشارتهم بشرى بالولد مع تصريحهم بذلك لا استبعاد ذلك فيسأل ما هو الذى تبشرون به فان الذى يدل عليه ظاهر كلامكم امر عجيب وهذا شائع في الكلام يقول الرجل إذا اخبر بما يستبعده أو لا يصدقه ما تقول ؟ وما تريد ؟ وماذا تصنع ؟ قوله تعالى: " قالوا بشرناك بالحق إلى قوله الا الضالون " الباء في بالحق للمصاحبة أي ان بشارتنا ملازمة للحق غير منفكة منه فلا تدفعها بالاستبعاد فتكون من القانطين من رحمة الله وهذا جواب للملائكة وقد قابلهم ابراهيم عليه السلام على نحو التكنية فقال ومن يقنط من رحمة ربه الا الضالون والاستفهام انكاري أي ان القنوط من رحمة الله مما يختص بالضالين ولست انا بضال فليس سؤالي سؤال قانط مستبعد. قوله تعالى: " قال فما خطبكم ايها المرسلون " الخطب الامر الجليل والشأن العظيم وفي خطابهم بالمرسلين دلالة على انهم ذكروا له ذلك قبلا ومعنى الاية ظاهر. قوله تعالى: " قالوا إنا ارسلنا إلى قوم مجرمين " إلى قوله لمن الغابرين قال في المفردات الغابر الماكث بعد مضى من هو معه قال تعالى: " إلا عجوزا في الغابرين " يعنى فيمن طال اعمارهم وقيل فيمن بقى ولم يسر مع لوط وقيل فيمن بقى بعد في العذاب وفي آخر إلا امرأتك كانت من الغابرين وفي آخر قدرنا انها لمن الغابرين إلى ان قال والغبار ما يبقى من التراب المثار وجعل على بناء
________________________________________
[ 182 ]
الدخان والعثار ونحوهما من البقايا انتهى ولعله من هنا ما ربما يسمى الماضي والمستقبل معا غابرا اما الماضي فبعناية انه بقى فيما مضى ولم يتعد إلى الزمان الحاضر واما المستقبل فبعناية انه باق لم يفن بعد كالماضي. والايات جواب الملائكة لسؤال ابراهيم قالوا انا ارسلنا من عند الله سبحانه إلى قوم مجرمين نكروهم ولم يسموهم صونا للسان عن التصريح باسمهم تنفرا منه ومستقبل الكلام يعينهم ثم استثنوا وقالوا الا آل لوط وهم لوط وخاصته وظهر به ان القوم قومه انا لمنجوهم أي مخلصوهم من العذاب اجمعين وظاهر السياق كون الاستثناء منقطعا ثم استثنوا امرأة لوط من آله للدلالة على إن النجاة لا تشملها وإن العذاب سيأخذها ويهلكها فقالوا: " إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين " اي الباقين من القوم بعد خروج آل لوط من قريتهم وقد تقدم تفصيل القول في ضيف ابراهيم عليه السلام في سورة هود في الجزء العاشر من الكتاب وعقدنا هناك بحثا مستقلا فيه قوله تعالى: " فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون " إنما قال لهم لوط عليه السلام ذلك لكونهم ظاهرين بصور غلمان مرد حسان وكان يشقه ما يراه منهم وشأن قومه شأنهم من الفحشاء كما تقدم في سورة هود والمعنى ظاهر قوله تعالى: " قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون وأتيناك بالحق وإنا لصادقون " الامتراء من المرية وهو الشك والمراد بما كانوا فيه يمترون العذاب الذي كان ينذرهم به لوط وهو يشكون فيه والمراد باتيانهم بالحق اتيانهم بقضاء حق في أمر القوم لا معدل عنه كما وقع في موضع آخر من قولهم: " وانهم آتيهم عذاب غير مردود " هود: 76 وقيل: المراد وأتيناك بالعذاب الذي لا شك فيه وما ذكرناه هو الوجه وفى آيات القصة تقديم وتأخير لا بمعنى اختلال ترتيبها بحسب النزول عند التأليف بوضع ما هو مؤخر في موضع المقدم وبالعكس بل بمعنى ذكره تعالى بعض اجزاء القصة في غير محله الذي يقتضيه الترتيب الطبعي وتعينه له سنة الاقتصاص لنكتة توجب ذلك
________________________________________
[ 183 ]
وترتيب القصة بحسب اجزائها على ما ذكرها الله سبحانه في سورة هود وغيرها والاعتبار يساعد ذلك مقتضاه أن يكون قوله: " فلما جاء آل لوط " إلى تمام آيتين قبل سائر الايات ثم قوله وجاء اهل المدينة إلى تمام ست آيات ثم قوله قالوا بل جئناك إلى تمام اربع آيات ثم قوله فأخذتهم الصيحة مشرقين إلى آخر الايات. وحقيقة هذا التقديم والتأخير ان للقصة فصولا اربعة وقد اخذ الفصل الثالث منها فوضع بين الاول والثانى اعني ان قوله وجاء اهل المدينة إلى آخره أخر في الذكر ليتصل آخره وهو قوله لعمرك انهم لفى سكرتهم يعمهون بأول الفصل الاخير فأخذتهم الصيحة مشرقين وذلك ليتمثل به الغرض في الاستشهاد بالقصة وينجلى اوضح الانجلاء وهو نزول عذاب هائل كعذابهم في حال سكرة منهم وأمن منه لا يخطر ببالهم شئ من ذلك وذلك ابلغ في الدهشة وأوقع في الحسرة يزيد في العذاب الما على الم. ونظير هذا في التلويح بهذه النكتة ما في آخر قصة اصحاب الحجر الاتية من اتصال قوله وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين بقوله فأخذتهم الصيحة مصبحين كل ذلك ليجلى معنى قوله تعالى في صدر المقال وان عذابي هو العذاب الاليم فافهم ذلك. قوله تعالى: " فأسر بأهلك بقطع من الليل " إلى آخر الاية الاسراء هو السير بالليل فقوله بقطع من الليل يؤكده وقطع الليل شطر مقطوع منه والمراد باتباعه ادبارهم هو ان يسير وراءهم فلا يترك احدا يتخلف عن السير ويحملهم على السير الحثيث كما يشعر به قوله ولا يلتفت منكم احد. والمعنى واذ جئناك بعذاب غير مردود وامر من الله ماض يجب عليك ان تسير بأهلك ليلا وتأخذ انت وراءهم لئلا يتخلفوا عن السير ولا يساهلوا فيه ولا يلتفت احد منكم إلى ورائه وامضوا حيث تؤمرون وفيه دلالة على انه كانت امامهم هداية الهية تهديهم وقائد يقودهم. قوله تعالى وقضينا إليه ذلك الامر إن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين القضاء
________________________________________
[ 184 ]
مضمن معنى الوحى ولذا عدى بإلى كما قيل والمراد بالامر امر العذاب كما يفسره قوله إن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين والاشارة إليه بلفظة ذلك للدلالة على عظم خطره وهول امره. والمعنى وقضينا امرنا العظيم في عذابهم موحيا ذلك إلى لوط وهو إن دابر هؤلاء واثرهم الذى من شأنه ان يبقى بعدهم من نسل وبناء وعمل مقطوع حال كونهم مصبحين أو التقدير اوحينا إليه قاضيا الخ. قوله تعالى: " وجاء اهل المدينة يستبشرون إلى قوله ان كنتم فاعلين " يدل نسبة المجئ إلى اهل المدينة على كونهم جماعة عظيمة يصح عدهم اهل المدينة لكثرتهم. فالمعنى وجاء إلى لوط اهل المدينة جمع كثير منهم يريدون اضيافه وهم يستبشرون لولعهم بالفحشاء وخاصة بالداخلين في بلادهم من خارج فاستقبلهم لوط مدافعا عن اضيافه قال ان هؤلاء ضيفي فلا تفضحون بالعمل الشنيع بهم واتقوا الله ولا تخزون قالوا المهاجمون من اهل المدينة ألم نقطع عذرك في ايوائهم أو لم ننهك عن العالمين ان تؤويهم وتشفع فيهم وتدافع عنهم فلما يئس لوط عليه السلام منهم عرض عليهم بناته ان ينصرفوا عن اضيافه بنكاحهن كما تقدم بيانه في سورة هود قال ان هؤلاء بناتى ان كنتم فاعلين. قوله تعالى: " لعمرك انهم لفى سكرتهم يعمهون " إلى قوله من سجيل " قال في المفردات العمارة ضد الخراب قال والعمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة فهو دون البقاء فإذا قيل طال عمره فمعناه عمارة بدنه بروحه وإذا قيل بقاؤه فليس يقتضى ذلك فان البقاء ضد الفناء ولفضل البقاء على العمر وصف الله به وقلما وصف بالعمر قال والعمر بالضم والعمر بالفتح واحد لكن خص القسم بالعمر بالفتح دون العمر بالضم نحو لعمرك انهم لفى سكرتهم انتهى. والخطاب في لعمرك للنبى صلى الله عليه وآله وسلم فهو قسم ببقائه وقول بعضهم انه خطاب من الملائكة للوط عليه السلام وقسم بعمره لا دليل عليه من سياق الايات. والعمه هو التردد على حيرة والسجيل حجارة العذاب وقد تقدم تفصيل القول في معناه في تفسير سورة هود.
________________________________________
[ 185 ]
والمعنى اقسم بحياتك وبقائك يا محمد انهم لفى سكرتهم وهى غفلتهم بانغمارهم في الفحشاء والمنكر يترددون متحيرين فاخذتهم الصيحة وهى الصوت الهائل مشرقين أي حال كونهم داخلين في اشراق الصبح فجعلنا عالى بلادهم سافلها وفوقها تحتها وامطرنا وانزلنا من السماء عليهم حجارة من سجيل. قوله تعالى: " إن في ذلك لايات للمتوسمين " إلى قوله للمؤمنين الاية العلامة والمراد بالايات اولا العلامات الدالة على وقوع الحادثة من بقايا الاثار وبالاية ثانيا العلامة الدالة للمؤمنين على حقية الانذار والدعوة الالهية والتوسم التفرس والانتقال من سيماء الاشياء على حقيقة حالها. والمعنى ان في ذلك أي فيما جرى من الامر على قوم لوط وفي بلادهم لعلامات من بقايا الاثار للمتفرسين وان تلك العلامات لبسبيل للعابرين مقيم لم تعف ولم تنمح بالكلية بعد ان في ذلك لاية للمؤمنين تدل على حقية الانذار والدعوة وقد تبين بذلك وجه ايراد الايات جمعا ومفردا في الموضعين قوله تعالى: " وان كان اصحاب الايكة لظالمين - فانتقمنا منهم وانهما لبإمام مبين " الايكة واحدة الايك وهو الشجر الملتف بعضه ببعض فقد كانوا كما قيل في غيضة أي بقعة كثيفة الاشجار. وهؤلاء كما ذكروا هم قوم شعيب عليه السلام أو طائفة من قومه كانوا يسكنون الغيضة ويؤيده قوله تعالى ذيلا وانهما لبامام مبين أي مكانا قوم لوط واصحاب الايكة لفى طريق واضح فان الذى على طريق المدينة إلى الشام هي بلاد قوم لوط وقوم شعيب الخربة اهلكهم الله بكفرهم وتكذيبهم لدعوة شعيب عليه السلام وقد تقدمت قصتهم في سورة هود وقوله فانتقمنا منهم الضمير لاصحاب الايكة وقيل لهم ولقوم لوط ومعنى الايتين ظاهر. قوله تعالى: " ولقد كذب اصحاب الحجر المرسلين إلى قوله ما كانوا يكسبون " اصحاب الحجر هم ثمود قوم صالح والحجر اسم بلدة كانوا يسكنونها وعدهم مكذبين لجميع المرسلين وهم انما كذبوا صالحا المرسل إليهم انما هو لكون دعوة الرسل دعوة واحدة والمكذب لواحد منهم مكذب للجميع.
________________________________________
[ 186 ]
وقوله وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين ان كان المراد بالايات المعجزات والخوارق كما هو الظاهر فالمراد بها الناقة وشربها وما ظهر لهم بعد عقرها إلى ان أهلكوا وقد تقدمت القصة في سورة هود وان كان المراد بها المعارف الالهية التى بلغها صالح عليه السلام ونشرها فيهم أو المجموع من المعارف الحقة والاية المعجزة فالامر واضح. وقوله وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين أي كانوا يسكنون الغيران والكهوف المنحوتة من الحجارة آمنين من الحوادث الارضية والسماوية بزعمهم. وقوله فاخذتهم الصيحة مصبحين أي صيحة العذاب التى كان فيها هلاكهم وقد تقدمت الاشارة إلى مناسبة اجتماع الامن مع الصيحة في الايتين لقوله في صدر الايات وان عذابي هو العذاب الاليم. وقوله فما اغنى عنهم ما كانوا يكسبون أي من الاعمال لتأمين سعادتهم في الحياة. (بحث روائي) في الدر المنثور اخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم عن مصعب بن ثابت قال: مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ناس من اصحابه يضحكون قال اذكروا الجنة واذكروا النار فنزلت " نبئ عبادي انى أنا الغفور الرحيم ". اقول وفي معناه روايات اخر لكن في انطباق معنى الاية على ما ذكر فيها من السبب خفاء. وفيه اخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد في قوله ان في ذلك لايات للمتوسمين قال هم المتفرسون. وفيه اخرج البخاري في تاريخه والترمذي وابن جرير وابن ابى حاتم وابن السنى وابو نعيم معا في الطب وابن مردويه والخطيب عن ابى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ثم قرأ ان في ذلك لايات للمتوسمين قال المتفرسين
________________________________________
[ 187 ]
وفي اختصاص المفيد باسناده عن ابى بكر بن محمد الحضرمي عن ابى جعفر عليه السلام قال قال: ما من مخلوق الا وبين عينيه مكتوب مؤمن أو كافر وذلك محجوب عنكم وليس بمحجوب عن الائمة من آل محمد ثم ليس يدخل عليهم احد إلا عرفوه مؤمنا أو كافرا ثم تلا هذه الاية إن في ذلك لايات للمتوسمين فهم المتوسمون. اقول والروايات في هذا المعنى متظافرة متكاثرة وليس معناها نزول الاية فيهم عليهم السلام وفي الدر المنثور اخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن مدين واصحاب الايكة أمتان بعث الله اليهما شعيبا. اقول وقد اوردنا ما يجب ايراده من الروايات في قصة بشرى ابراهيم وقصص لوط وشعيب وصالح عليهم السلام في تفسير سورة هود في الجزء العاشر من الكتاب واكتفينا بذلك عن ايرادها ههنا فليرجع إلى هناك * * * وما خلقنا السموات والارض وما بينهما الا بالحق وان الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل - 85 ان ربك هو الخلاق العليم - 86 ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم - 87 لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به ازواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين - 88 وقل إنى أنا النذير المبين - 89 كما انزلنا على المقتسمين - 90 الذين جعلوا القرآن عضين - 91 فو ربك لنسألنهم اجمعين - 92 عما كانوا يعملون - 93 فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين - 94 إنا كفيناك المستهزئين - 95
________________________________________
[ 188 ]
الذين يجعلون مع الله الها آخرفسوف يعلمون - 96 ولقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون - 97 فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين - 98 واعبد ربك حتى يأتيك اليقين - 99 (بيان) في الايات تخلص إلى غرض البيان السابق وهو امر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصدع بما يؤمر وياخذ بالصفح والاعراض عن المشركين ولا يحزن عليهم ولا يضيق صدره بما يقولون فان من القضاء الحق ان يجازى الناس باعمالهم في الدنيا والاخرة وخاصة يوم القيامة الذى لا ريب فيه وهو اليوم الذى لا يغادر احدا ولا يدع مثقال ذرة من الخير والشر الا الحقه بعامله فلا ينبغى أن يؤسف لكفر كافر فان الله عليم به سيجازيه ولا يحزن عليه فان الاشتغال بالله سبحانه اهم وأوجب. ولقد كرر سبحانه امره بالصفح والاعراض عن اولئك المستهزئين به وهم الذين مر ذكرهم في مفتتح السورة والاشتغال بتسبيحه وتحميده وعبادته واخبره انه كفاه شرهم فليشتغل بما امره الله به وبذلك تختتم السورة. قوله تعالى: " وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما الا بالحق وان الساعة لآتية الباء في قوله بالحق للمصاحبة أي ان خلقها جميعا لا ينفك عن الحق ويلازمه فللخلق غاية سيرجع إليها قال تعالى: " إن إلى ربك الرجعى " العلق: 8 ولو لا ذلك لكان لعبا باطلا قال تعالى: " وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما الا بالحق " الدخان: 39 وقال: " وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا " ص: 27 ومن الدليل على كون المراد بالحق ما يقابل اللعب الباطل تذييل الكلام بقوله وان الساعة لآتية وهو ظاهر. وبذلك يظهر فساد ما ذكره بعضهم ان المراد بالحق العدل والانصاف والباء للسببية والمعنى ما خلقنا ذلك الا بسبب العدل والانصاف يوم الجزاء بالاعمال.
________________________________________
[ 189 ]
وذلك ان كون الحق في الاية بمعنى العدل والانصاف لا شاهد عليه من اللفظ على ان الذى ذكره من المعنى انما يلائم كون الباء بمعنى لام الغرض أو للمصاحبة دون السببية. وكذا ما ذكره بعضهم ان الحق بمعنى الحكمة وان الجملة الاولى وما خلقنا الخ ناظرة إلى العذاب الدنيوي والثانية وان الساعة لآتية إلى العذاب الاخروي والمعنى وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما إلا متلبسا بالحق والحكمة بحيث لا يلائم استمرار الفساد واستقرار الشرور وقد اقتضت الحكمة اهلاك امثال هؤلاء دفعا لفسادهم وارشادا لمن بقى إلى الصلاح وان الساعة لآتية فينتقم ايضا فيها من امثال هؤلاء. وفي الاية مشاجرة بين اصحاب الجبر والتفويض كل من الفريقين يجر نارها إلى قرصته فاستدل بها اصحاب الجبر على ان افعال العباد مخلوقة لله لان اعمالهم من جملة ما بينهما فهى مخلوقه له. واستدل بها اصحاب التفويض على ان افعال العباد ليست مخلوقة له بل لانفسهم فان المعاصي وقبائح الاعمال من الباطل فلو كانت مخلوقة له لكانت مخلوقة بالحق والباطل لا يكون مخلوقا بالحق والحق ان الحجتين جميعا من الباطل فان جهات القبح والمعصية في الافعال حيثيات عدمية إذ الطاعة والمعصية كالنكاح والزنا وأكل المال من حله وبالباطل وامثال ذلك مشتركة في اصل الفعل وانما تختلف طاعة ومعصية بموافقة الامر ومخالفته والمخالفة جهة عدمية وإذا كان كذلك فاستناد الفعل إلى الخلقة من جهة الوجود لا يستلزم استناد القبيح أو المعصية إليها فان ذلك من جهاته العدمية فليس الفعل بجهته العدمية مما بين السماوات والارض حتى تشمله الاية ولا بجهته الوجودية من الباطل حتى يكون خلقه خلقا للباطل بالحق. على ان الضرورة قائمة على حكومة نظام العلل والمعلولات في الوجود وان قيام وجود شئ بشئ بحيث لا يستقل دونه هو ملاك الاتصاف فالمتصف بالطاعة والمعصية وحسن الفعل وقبيحه هو الانسان دون الذى خلقه ويسر له ان يفعل كذا وكذا كما
________________________________________
[ 190 ]
ان المتصف بالسواد والبياض الجسم الذى يقوم به هذان اللونان دون الذى اوجده. وقد استوفينا الكلام في هذا البحث في تفسير قوله: " وما يضل به إلا الفاسقين " البقرة: 26 الجزء الاول من الكتاب. قوله تعالى فاصفح الصفح الجميل ان ربك هو الخلاق العليم قال في المفردات صفح الشئ عرضه وجانبه كصفحة الوجه وصفحة السيف وصفحة الحجر والصفح ترك التثريب وهو ابلغ من العفو ولذلك قال فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره وقد يعفوا الانسان ولا يصفح قال تعالى: " فاصفح عنهم وقل سلام فاصفح الصفح الجميل أفنضرب عنكم الذكر صفحا. وصفحت عنه اوليته صفحة جميلة معرضا عن ذنبه أو لقيت صفحته متجافيا عنه أو تجاوزت الصفحة التى اثبت فيها ذنبه من الكتاب إلى غيرها من قولك تصفحت الكتاب وقوله: " إن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل " فأمر له عليه السلام ان يخفف كفر من كفر كما قال ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون والمصافحة الافضاء بصفحة اليد انتهى. وسيأتى ما في الرواية من تفسير على عليه السلام الصفح بالعفو من غير عتاب. وقوله فاصفح الصفح الجميل تفريع على سابقه أي إذا كانت الخلقة بالحق وهناك يوم فيه يحاسبون ويجازون لا ريب فيه فلا تشغل نفسك بما ترى منهم من التكذيب والاستهزاء واعف عنهم من غير ان تقع فيهم بعتاب أو مناقشة وجدال فان ربك الذى خلقك وخلقهم هو عليم بحالك وحالهم ووراءهم يوم لا يفوتونه. ومن هنا يظهر ان قوله ان ربك هو الخلاق العليم تعليل لقوله فاصفح الصفح الجميل. وهذه الايات الحافة لقوله فاصدع بما تؤمر تسلية للنبى صلى الله عليه وآله وسلم وتطييب لنفسه ليأخذ قوله فاصدع بما تؤمر موقعه فقد عرفت في اول السورة ان الغرض الاصيل منها هو الامر باعلان الدعوة وعرفت ايضا بالتدبر في الايات السابقة انها مسرودة ليتخلص بها إلى تسليته صلى الله عليه وآله وسلم عما لقى من قومه من الايذاء والاهانة والاستهزاء ويتخلص من ذلك إلى الامر المطلوب.
________________________________________
[ 191 ]
قوله تعالى: " ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم " السبع المثانى هي سورة الحمد على ما فسر في عدة من الروايات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وائمة اهل البيت عليهم السلام فلا يصغى إلى ما ذكره بعضهم انها السبع الطوال وما ذكره بعض آخر انها الحواميم السبع وما قيل انها سبع صحف من الصحف النازلة على الانبياء فلا دليل على شئ منها من لفظ الكتاب ولا من جهة السنة. وقد كثر اختلافهم في قوله من المثانى من جهة كون من للتبعيض أو للتبيين وفي كيفية اشتقاق لفظة المثانى ووجه تسميتها بالمثاني. والذى ينبغى ان يقال والله اعلم ان من للتبعيض فانه سبحانه سمي جميع آيات كتابه مثانى إذ قال: " كتابا متشابها مثانى تقشعر منه قلوب الذين يخشون ربهم " الزمر: 23 وآيات سورة الحمد من جملتها فهى بعض المثانى لا كلها. والظاهر ان المثانى جمع مثنية اسم مفعول من الثنى بمعنى اللوى والعطف والاعادة قال تعالى: " يثنون صدورهم " هود - 5 وسميت الايات القرآنية مثانى لان بعضها يوضح حال البعض ويلوى وينعطف عليه كما يشعر به قوله كتابا متشابها مثانى حيث جمع بين كون الكتاب متشابها يشبه بعض آياته بعضا وبين كون آياته مثانى وفي كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم: في صفة القرآن يصدق بعضه بعضا وعن على عليه السلام: فيه ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض أو هي جمع مثنى بمعنى التكرير والاعادة كناية عن بيان بعض الايات ببعض. ولعل في ذلك كفاية وغنى عما ذكروه من مختلف المعاني كما في الكشاف وحواشيه والمجمع وروح المعاني وغيرها كقولهم انها من التثنية أو الثنى بمعنى التكرير والاعادة سميت آيات القرآن مثانى لتكرر المعاني فيها وكقولهم سميت الفاتحة مثانى لوجوب قراءتها في كل صلاة مرتين أو لانها تثنى في كل ركعة بما يقرؤ بعدها من القرآن أو لان كثيرا من كلماتها مكررة كالرحمان والرحيم واياك والصراط وعليهم أو لانها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة أو لما فيها من الثناء على الله أو لان الله استثناها وادخرها لهذه الامة ولم ينزلها على الامم الماضين كما في الرواية إلى غير ذلك من الوجوه المذكورة في التفاسير.
________________________________________
[ 192 ]
وفي قوله سبعا من المثانى والقرآن العظيم من تعظيم امر الفاتحة والقرآن ما لا يخفى اما القرآن فلتوصيفه من ساحة العظمة والكبرياء بالعظيم واما الفاتحة فلمكان التعبير عنه بالنكرة غير الموصوفة سبعا وفيه من الدلالة على عظمة قدرها وجلالة شأنها ما لا يخفى وقد قوبل بها القرآن العظيم وهى بعضه. والاية كما تبين في مقام الامتنان وهى مع ذلك لوقوعها في سياق الدعوة إلى الصفح والاعراض تفيد ان في هذه الموهبة العظمى المتضمنة لحقائق المعارف الالهية الهادية إلى كل كمال وسعادة باذن الله عدة ان تحملك على الصفح الجميل والاشتغال بربك والتوغل في طاعته. قوله تعالى: " لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به ازواجا منهم " إلى قوله المبين الايتان في مقام بيان الصفح الجميل الذى تقدم الامر به ولذلك جئ بالكلام في صورة الاستئناف. والمذكور فيهما اربعة دساتير منفيان ومثبتان فقوله لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به ازواجا منهم مد العينين إلى ما متعوا به من زهرة الحياة الدنيا كناية عن التعدي عن قصر النظر على ما آتاه الله من نعمة والمراد بالازواج الازواج من الرجال والنساء أو الاصناف من الناس كالوثنيين واليهود والنصارى والمجوس والمعنى لا تتجاوز عن النظر عما انعمناك به من النعم الظاهرة والباطنة إلى ما متعنا به ازواجا قليلة أو اصنافا من الكفار. وربما اخذ بعضهم قوله لا تمدن عينيك كناية عن اطالة النظر وادامته وانت تعلم ان الغرض على أي حال النهى عن الرغبة والميل والتعلق القلبى بما في ايديهم من امتعة الحياة كالمال والشوكة والصيت والذى يكنى به عن ذلك هو النهى عن اصل النظر إليه لا عن اطالته وادامته ويشهد به ما سننقله من آية الكهف. وقوله ولا تحزن عليهم أي من جهة تماديهم في التكذيب والاستهزاء واصرارهم على ان لا يؤمنوا بك. وقوله واخفض جناحك للمؤمنين قالوا هو كناية عن التواضع ولين الجانب والاصل فيه ان الطائر إذا اراد ان يضم إليه افراخه بسط جناحه عليها ثم
________________________________________
[ 193 ]
خفضه لها هذا والذى ذكروه وان امكن ان يتأيد بآيات اخر كقوله: " فبما رحمة من الله لنت لهم " آل عمران: 159 وقوله في صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤمنين رؤف رحيم " التوبة: 128 لكن الذى وقع في نظير الاية مما يمكن ان يفسر به خفض الجناح هو صبر النفس مع المؤمنين وهو يناسب ان يكون كناية عن ضم المؤمنين إليه وقصر الهم على معاشرتهم وتربيتهم وتأديبهم بأدب الله أو كناية عن ملازمتهم والاحتباس فيهم من غير مفارقة كما ان الطائر إذا خفض الجناح لم يطر ولم يفارق قال تعالى: " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا " الاية الكهف: 28. وقوله وقل انى انا النذير المبين أي لا دعوى لى الا انى نذير انذركم بعذاب الله سبحانه مبين ابين لكم ما تحتاجون إلى بيانه وليس لى وراء ذلك من الامر شئ. فهذه الامور الاربعة اعني ترك الرغبة بما في ايديهم من متاع الحياة الدنيا وترك الحزن عليهم إذا كفروا واستهزؤا وخفض الجناح للمؤمنين واظهار انه نذير مبين هو الصفح الجميل الذى يليق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو اسقط منها واحد لاختل الامر. ومن ذلك يظهر ان قول بعضهم ان قوله فاصفح الصفح الجميل منسوخ بآية السيف غير وجيه فان هذا الصفح الذى تأمر به الاية ويفسره قوله لا تمدن عينيك باق على احكامه واعتباره حتى بعد نزول آية السيف فلا وجه لنسبة النسخ إليه. قوله تعالى: " كما انزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين " قال في المجمع عضين جمع عضة واصله عضوة فنقصت الواو لذلك جمعت عضين بالنون كما قيل عزوة وعزون والاصل عزوة والتعضية التفريق مأخوذ من الاعضاء يقال عضيت الشئ أي فرقته وبعضته قال رؤبة وليس دين الله بالمعضى انتهى موضع الحاجة. وقوله كما انزلنا على المقتسمين لا يخلو السياق من دلالة على انه متعلق بمقدر يلوح إليه قوله وقل إنى أنا النذير المبين أي بعذاب منزل ينزل عليكم كما انزلنا على المقتسمين والمراد بالمقتسمين هم الذين يصفهم قوله بعد الذين
________________________________________
[ 194 ]
جعلوا القرآن عضين وهم على ما وردت به الرواية قوم من كفار قريش جزؤا القرآن اجزاء فقالوا سحر وقالوا اساطير الاولين وقالوا مفترى وتفرقوا في مداخل طرق مكة ايام الموسم يصدون الناس الواردين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما سيأتي في البحث الروائي ان شاء الله. وقيل قوله كما انزلنا متعلق بما تقدم من قوله ولقد آتيناك سبعا من المثانى أي انزلنا عليك القرآن كما انزلنا على المقتسمين والمراد بالمقتسمين اليهود والنصارى الذين فرقوا القرآن اجزاء وابعاضا وقالوا نؤمن ببعض ونكفر ببعض. وفيه ان السورة مكية نازلة في اوائل البعثة ولم يبتل الاسلام يومئذ باليهود والنصارى ذاك الابتلاء وقولهم: " آمنوا بالذى انزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره " آل عمران: 72 مما قالته اليهود بعد الهجرة وكذا ما اشبه ذلك والدليل على ما ذكرنا سياق الايات. وربما قيل سموا مقتسمين لانهم اقتسموا انبياء الله وكتبه المنزلة إليهم فآمنوا ببعض وكفروا ببعض ويدفعه ان الاية التالية تفسر المقتسمين بالذين جعلوا القرآن عضين لا بالذين فرقوا بين انبياء الله أو بين كتبه. فالظاهر أن الآيتين تذكران قوما نهضوا في أوائل البعثة على اطفاء نور القرآن وبعضوه ابعاضا ليصدوا عن سبيل الله فأنزل الله عليهم العذاب وأهلكهم، وهم الذين ذكروا في الآيتين ثم يذكر الله مآل أمرهم بقوله: " فو ربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ". قوله تعالى: " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين " قال في المجمع: الصدع والفرق والفصل نظائر، وصدع بالحق إذا تكلم به جهارا، انتهى. والآية تفريع على ما تقدم، ومن حقها ان تتفرع لانها الغرض في الحقيقة من السورة اي إذا كان الامر على ما ذكر وأمرت بالصفح الجميل وكنت نذيرا بعذابنا كما أنزلنا على المقتسمين فأظهر كلمة الحق وأعلن الدعوة. وبذلك يظهر أن قوله: " إنا كفيناك المستهزئين " في مقام التعليل لقوله: فاصدع الخ، كما يشعر الكلام أو يدل على أن هؤلاء المستهزئين هم المقتسمون
________________________________________
[ 195 ]
المذكورون قبل، ومعنى الآية إذا كان الامر كما ذكرناه وكنت نذيرا بعذابنا كما انزلناه على المقتسمين " فاصدع بما تؤمر " وأعلن الدعوة وأظهر الحق " وأعرض عن المشركين إنا " اي لاننا كفيناك المستهزئين بانزال العذاب عليهم وهم " الذين يجعلون مع الله الها آخر فسوف يعلمون ". قوله تعالى: " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون " رجع ثانيا إلى حزنه صلى الله عليه وآله وسلم وضيق صدره من استهزائهم لمزيد العناية بتسليته وتطييب نفسه وتقوية روحه، وقد أكثر سبحانه في كلامه وخاصة في السور المكية من ذلك لشدة الامر عليه صلى الله عليه وآاه وسلم. قوله تعالى: " فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين وصاه سبحانه بالتسبيح والتحميد والسجدة والعبادة أو ادامة العبودية مفرعا ذلك على ضيق صدره بما يقولون ففى ذلك استعانة على الغم والمصيبة وقد امره في الايات السابقة بالصفح والصبر ويستفاد الامر بالصبر ايضا من قوله واعبد ربك حتى يأتيك اليقين فان ظاهره الامر بالصبر على العبودية حتى حين وبذلك يصير الكلام قريب المضمون من قوله تعالى لدفع الشدائد والمقاومة على مر الحوادث استعينوا بالصبر والصلاة " البقرة: 153. وبذلك يتأيد ان المراد بالساجدين المصلون وانه امر بالصلاة وقد سميت سجودا تسمية لها باسم افضل اجزائها ويكون المراد بالتسبيح والتحميد اللفظى منهما كقول سبحان الله والحمد لله أو ما في معناهما نعم لو كان المراد بالصلاة في آية البقرة التوجه إلى الله سبحانه امكن ان يكون المراد بالتسبيح والتحميد أو بهما وبالسجود المعنى اللغوى وهو تنزيهه تعالى عما يقولون والثناء عليه بما انعم به عليه من النعم والتذلل له تذلل العبودية. واما قوله واعبد ربك حتى يأتيك اليقين فان كان المراد به الامر بالعبادة كان كالمفسر للاية السابقة وان كان المراد الاخذ بالعبودية كما هو ظاهر السياق وخاصة سياق الايات السابقة الآمرة بالصفح والاعراض ولازمهما الصبر كان بقرينة تقييده بقوله حتى يأتيك اليقين امرا بانتهاج منهج التسليم والطاعة والقيام بلوازم العبودية.
________________________________________
[ 196 ]
وعلى هذا فالمراد باتيان اليقين حلول الاجل ونزول الموت الذى يتبدل به الغيب من الشهادة ويعود به الخبر عيانا ويؤيد ذلك تفريع ما تقدم من قوله فاصفح الصفح الجميل على قوله وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما الا بالحق وان الساعة لآتية فانه بالحقيقة امر بالعفو والصبر على ما يقولون لان لهم يوما ينتقم الله منهم ويجازيهم باعمالهم فيكون معنى الآية دم على العبودية واصبر على الطاعة وعن المعصية وعلى مر ما يقولون حتى يدركك الموت وينزل عليك عالم اليقين فتشاهد ما يفعل الله بهم ربك. وفي التعبير بمثل قوله حتى ياتيك اليقين اشعار ايضا بذلك فان العناية فيه بان اليقين طالب له وسيدركه فليعبد ربه حتى يدركه ويصل إليه وهذا هو عالم الاخرة الذى هو عالم اليقين العام بما وراء الحجاب دون الاعتقاد اليقيني الذى ربما يحصل بالنظر أو بالعبادة. وبذلك يظهر فساد ما ربما قيل ان الاية تدل على ارتفاع التكليف بحصول اليقين وذلك لان المخاطب به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد دلت آيات كثيرة من كتاب الله انه من الموقنين وانه على بصيرة وانه على بينة من ربه وانه معصوم وانه مهدى بهداية الله سبحانه إلى غير ذلك مضافا إلى ما قدمناه من دلالة الاية على كون المراد باليقين هو الموت. وسنفرد لدوام التكليف بحثا عقليا بعد الفراغ عن البحث الروائي ان شاء الله تعالى (بحث روائي) في الدر المنثور اخرج ابن مردويه وابن النجار عن على بن ابى طالب: في قوله فاصفح الصفح الجميل قال الرضا بغير عتاب وفي المجمع حكى عن على بن ابى طالب عليه السلام: ان الصفح الجميل هو العفو من غير عتاب وفي العيون باسناده عن على بن الحسن بن فضال عن ابيه عن الرضا عليه السلام: في
________________________________________
[ 197 ]
الاية قال العفو من غير عتاب وفي التهذيب باسناده عن محمد بن مسلم قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن السبع المثانى والقرآن العظيم هي فاتحة الكتاب ؟ قال نعم قلت بسم الله الرحمن الرحيم من السبع ؟ قال نعم هي افضلهن. اقول وهو مرومن طرق الشيعة عن امير المؤمنين عليه السلام وغير واحد من ائمة اهل البيت عليهم السلام ومن طرق اهل السنة عن على وعدة من الصحابة كعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وابن عباس وابى بن كعب وابى هريرة وغيرهم. وفي الدر المنثور اخرج الطبراني في الاوسط عن ابن عباس قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أرايت قول الله كما انزلنا على المقتسمين ؟ قال اليهود والنصارى قال الذين جعلوا القرآن عضين قال آمنوا ببعض وكفروا ببعض. اقول وقد عرفت فيما مر ان مضمون الرواية لا يلائم كون السورة مكية. وفي تفسير العياشي عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن ابى جعفر وابى عبد الله عليه السلام: عن قوله الذين جعلوا القرآن عضين قالا هم قريش وفي المعاني باسناده عن عبد الله بن على الحلبي قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: مكث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد ما جاء الوحى - عن الله تبارك وتعالى ثلاث عشرة سنة مستخفيا منها ثلاث سنين خائفا لا يظهر - حتى امر الله عز وجل أن يصدع بما امر فاظهر حينئذ الدعوة وفي الدر المنثور اخرج ابن جرير عن ابى عبيدة ان عبد الله بن مسعود قال ": ما زال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مستخفيا حتى نزل فاصدع بما تؤمر فخرج هو واصحابه وفي تفسير العياشي عن محمد بن على الحلبي عن ابى عبد الله عليه السلام قال اكتتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة سنين ليس يظهر وعلى معه وخديجة ثم امره الله ان يصدع بما يؤمر فظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجعل يعرض نفسه على قبائل العرب فإذا اتاهم قالوا كذاب امض عنا وفي تفسير العياشي عن ابان بن عثمان الاحمر رفعه قال كان المستهزؤن خمسة
________________________________________
[ 198 ]
من قريش الوليد بن المغيرة المخزومى والعاص بن وائل السهمى والحارث بن حنظلة (1) والاسود بن عبد يغوث بن وهب الزهري والاسود بن المطلب بن اسد فلما قال الله إنا كفيناك المستهزئين علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قد اخزاهم فأماتهم الله بشر ميتات اقول ورواه الصدوق في المعاني باسناده عن ابان وروى فيه ايضا والطبرسي في الاحتجاج عن موسى بن جعفر عن آبائه عن على عليه السلام ما في هذا المعنى وهو حديث طويل فيه تفصيل هلاك كل من هؤلاء الخمسة لعنهم الله وروى كون المستهزئين خمسة من قريش عن على وعن ابن عباس مع سبب هلاكهم والروايات مع ذلك مختلفة من طرق اهل السنة من جهة عددهم واسمائهم واسباب هلاكهم والذى اتفق فيه حديث الفريقين هو ما قدمناه. وفي الدر المنثور اخرج ابن مردويه والديلمي عن ابى الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما اوحى إلى أن أكون تاجراولا اجمع المال متكاثرا ولكن اوحى إلى أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين. اقول وروى ما في معناه ايضا عن ابن مردويه عن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وآله وسلم وفيه اخرج البخاري وابن جرير عن ام العلاء ": ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل على عثمان ابن مظعون وقد مات فقلت رحمة الله عليك ابا السائب فشهادتي عليك لقد اكرمك الله فقال - وما يدريك ان الله اكرمه ؟ اما هو فقد جاءه اليقين انى لارجو له الخير وفي الكافي باسناده عن حفص بن غياث قال قال أبو عبد الله عليه السلام: ان من صبر صبر قليلا ومن جزع جزع قليلا. ثم قال عليك بالصبر في جميع امورك فان الله عز وجل بعث محمدا وامره بالصبر والرفق فقال واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا وذرنى والمكذبين اولى النعمة وقال تبارك وتعالى: " ادفع بالتى هي احسن السيئة فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم وما يلقاها الا الذين صبرواوما يلقاها الا ذو حظ عظيم ".
________________________________________
(1) طلاطلة ط. (*)
________________________________________
[ 199 ]
فصبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى نالوه بالعظائم ورموه بها وضاق صدره وقال الله: " ولقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين " (بحث فلسفي في كيفية وجود التكليف ودوامه) قد تقدم في خلال ابحاث النبوة وكيفية انتشاء الشرائع السماوية في هذا الكتاب ان كل نوع من انواع الموجودات له غاية كمالية هو متوجه إليها ساع نحوها طالب لها بحركة وجودية تناسب وجوده لا يسكن عنها دون ان ينالها الا ان يمنعه عن ذلك مانع مزاحم فيبطل دون الوصول إلى غايته كالشجرة تقف عن الرشد والنمو قبل ان تبلغ غايتها لآفات تعرضها وتقدم ايضا ان الحرمان من بلوغ الغايات انما هو في افراد خاصة من الانواع واما النوع بنوعيته فلا يتصور فيه ذلك. وان الانسان وهو نوع وجودي له غاية وجودية لا ينالها الا بالاجتماع المدنى كما يشهد به تجهيز وجوده بما لا يستغنى به عن سائر امثاله كالذكورة والانوثة والعواطف والاحساسات وكثرة الحوائج وتراكمها. وان تحقق هذا الاجتماع وانعقاد المجتمع الانساني يحوج افراد المجتمع إلى احكام وقوانين ينتظم باحترامها والعمل بها شتات امورهم ويرتفع بها اختلافاتهم الضرورية ويقف بها كل منهم في موقفه الذى ينبغى له ويحوز بها سعادته وكماله الوجودى وهذه الاحكام والقوانين العملية في الحقيقة منبعثة عن الحوائج التى تهتف بها خصوصية وجود الانسان وخلقته الخاصة بما لها من التجهيزات البدنية والروحية كما ان خصوصية وجوده وخلقته مرتبطة بخصوصيات العلل والاسباب التى تكون وجود الانسان من الكون العام. وهذا معنى كون الدين فطريا أي انه مجموع احكام وقوانين يرشد إليها وجود الانسان بحسب التكوين وان شئت فقل سنن يستدعيها الكون العام فلو اقيمت اصلحت المجتمع وبلغت بالافراد غايتها في الوجود وكمالها المطلوب ولو تركت وابطلت افسدت العالم الانساني وزاحمت الكون العام في نظامه. وان هذه الاحكام والقوانين سواء كانت معاملية اجتماعية تصلح بها حال المجتمع
________________________________________
[ 200 ]
ويجمع بها شمله أو عبادية تبلغ بالانسان غاية كماله من المعرفة والصلاح في مجتمع صالح فانها جميعا يجب ان يتلقاها الانسان من طريق نبوة الهية ووحى سماوي لا غير. وبهذه الاصول الماضية يتبين ان التكليف الالهى يلازم الانسان ما عاش في هذه النشأة الدنيوية سواء كان في نفسه ناقصا لم يكمل وجودا بعد أو كاملا علما وعملا اما لو كان ناقصا فظاهر واما لو كان كاملا فلان معنى كماله أن يحصل له في جانبى العلم والعمل ملكات فاضلة يصدر عنها من الاعمال المعاملية ما يلائم المجتمع ويصلحه ويتمكن من كمال المعرفة وصدور الاعمال العبادية الملائمة للمعرفة كما تقتضيه العناية الالهية الهادية للانسان إلى سعادته. ومن المعلوم ان تجويز ارتفاع التكليف عن الانسان الكامل ملازم لتجويز تخلفه عن الاحكام والقوانين وهو فيما يرجع إلى المعاملات يوجب فساد المجتمع والعناية الالهية تأباه وفيما يرجع إلى العبادات يوجب تخلف الملكات عن آثارها فان الافعال مقدمات معدة لحصول الملكات ما لم تحصل وإذا حصلت عادت تلك الافعال آثارا لها تصدر عنها صدورا لا تخلف فيه. ومن هنا يظهر فساد ما ربما يتوهم ان الغرض من التكليف تكميل الانسان وايصاله غاية وجوده فإذا كمل لم يكن لبقاء التكليف معنى. وجه الفساد إن تخلف الانسان عن التكليف الالهى وان كان كاملا في المعاملات يفسد المجتمع وفيه ابطال العناية الالهية بالنوع وفي العبادات يستلزم تخلف الملكات عن آثارها وهو غير جائز ولو جاز لكان فيه ابطال الملكة وفيه ايضا ابطال العناية نعم بين الانسان الكامل وغيره فرق في صدور الافعال وهو ان الكامل مصون عن المخالفة لمكان الملكة الراسخة بخلاف غير الكامل والله المستعان


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page