• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 126 الي 150


[ 126 ]
وبالجملة الروايات السابقة كما ترى آحاد محفوفة بالقرائن القطعية نافية للتحريف بالزيادة والتغيير قطعا دون النقص الا ظنا ودعوى بعضهم التواتر من حيث الجهات الثلاث لا مستند لها. والتعويل في ذلك على ما قدمناه من الحجة في اول هذه الابحاث ان القرآن الذى بايدينا واجد للصفات الكريمة التى وصف الله سبحانه بها القرآن الواقعي الذى انزله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ككونه قولا فصلا ورافعا للاختلاف وذكرا وهاديا ونورا ومبينا للمعارف الحقيقية والشرائع الفطرية وآية معجزة إلى غير ذلك من صفاته الكريمة. ومن الحرى أن نعول على هذا الوجه فان حجة القرآن على كونه كلام الله المنزل على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم هي نفسه المتصفة بهاتيك الصفات الكريمة من غير ان يتوقف في ذلك على امر آخر وراء نفسه كائنا ما كان فحجته معه اينما تحقق وبيد من كان ومن أي طريق وصل. وبعبارة اخرى لا يتوقف القرآن النازل من عند الله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كونه متصفا بصفاته الكريمة على ثبوت استناده إليه صلى الله عليه وآله وسلم بنقل متواتر أو متظافر وان كان واجدا لذلك بل الامر بالعكس فاتصافه بصفاته الكريمة هو الحجة على الاستناد فليس كالكتب والرسائل المنسوبة إلى المصنفين والكتاب والاقاويل المأثورة عن العلماء واصحاب الانظار المتوقفة صحة استنادها إلى نقل قطعي وبلوغ متواتر أو مستفيض مثلا بل نفس ذاته هي الحجة على ثبوته. وثانيا إن ترتيب السور انما هو من الصحابة في الجمع الاول والثانى ومن الدليل عليه ما تقدم في الروايات من وضع عثمان الانفال وبراءة بين الاعراف ويونس وقد كانتا في الجمع الاول متاخرتين. ومن الدليل عليه ما ورد من مغايرة ترتيب مصاحف سائر الصحابة للجمع الاول والثانى كليهما كما روى ان مصحف على عليه السلام كان مرتبا على ترتيب النزول فكان اوله اقرء ثم المدثر ثم نون ثم المزمل ثم تبت ثم التكوير وهكذا إلى آخر المكى والمدنى نقله في الاتقان عن ابن فارس وفي تاريخ اليعقوبي ترتيب آخر لمصحفه عليه السلام.
________________________________________
[ 127 ]
ونقل عن ابن اشتة في المصاحف باسناده عن ابى جعفر الكوفى ترتيب مصحف ابى وهو يغاير المصحف الدائر مغايرة شديدة وكذا عنه فيه باسناده عن جرير بن عبد الحميد ترتيب مصحف عبد الله بن مسعود آخذا من الطوال ثم المئين ثم المثانى ثم المفصل وهو ايضا مغاير للمصحف الدائر. وقد ذهب كثير منهم إلى إن ترتيب السور توقيفي وان النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذى امر بهذا الترتيب باشارة من جبريل بامر من الله سبحانه حتى افرط بعضهم فادعى ثبوت ذلك بالتواتر وليت شعرى اين هذا التواتر وقد تقدمت عمدة روايات الباب ولا اثر فيها من هذا المعنى وسياتى استدلال بعضهم على ذلك بما ورد من نزول القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة ثم منها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدريجا. وثالثا إن وقوع بعض الايات القرآنية التى نزلت متفرقة موقعها الذى هي فيه الان لم يخل عن مداخلة من الصحابة بالاجتهاد كما هو ظاهر روايات الجمع الاول وقد تقدمت. واما رواية عثمان بن ابى العاص عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اتانى جبريل فأمرني أن اضع هذه الاية بهذا الموضع من السورة: " إن الله يأمر بالعدل والاحسان " الاية فلا تدل على ازيد من فعله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الايات في الجملة لا بالجملة وعلى تقدير التسليم لا دلالة لما بأيدينا من الروايات المتقدمة على مطابقة ترتيب الصحابة ترتيبه صلى الله عليه وآله وسلم ومجرد حسن الظن بهم لا يسمح للروايات بدلالة تدل بها على ذلك وانما يفيد انهم ما كانوا ليعمدوا إلى مخالفة ترتيبه صلى الله عليه وآله وسلم فيما علموه لا فيما جهلوه وفي روايات الجمع الاول المتقدمة اوضح الشواهد على إنهم ما كانوا على علم بمواضع جميع الايات ولا بنفسها. ويدل على ذلك الروايات المستفيضة التى وردت من طرق الشيعة واهل السنة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين إنما كانوا يعلمون تمام السورة بنزول البسملة كما رواه أبو داود والحاكم والبيهقي والبزار من طريق سعيد بن جبير على ما في الاتقان عن ابن عباس قال ": كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم زاد البزار فإذا نزلت عرف إن السورة قد ختمت واستقبلت أو ابتدأت سورة اخرى وايضا عن الحاكم من وجه آخر عن سعيد عن ابن عباس قال ": كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم فإذا نزلت علموا إن السورة
________________________________________
[ 128 ]
قد انقضت اسناده على شرط الشيخين. وايضا عنه من وجه آخر عن سعيد عن ابن عباس ": ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا جاءه جبريل فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم علم انها سورة اسناده صحيح. اقول وروى ما يقرب من ذلك في عدة روايات اخر وروى ذلك من طرق الشيعة عن الباقر عليه السلام. والروايات كما ترى صريحة في دلالتها على ان الايات كانت مرتبة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحسب ترتيب النزول فكانت المكيات في السورة المكية والمدنيات في سورة مدنية اللهم إلا أن يفرض سورة نزل بعضها بمكة وبعضها بالمدينة ولا يتحقق هذا الفرض الا في سورة واحدة. ولازم ذلك ان يكون ما نشاهده من اختلاف مواضع الايات مستندا إلى اجتهاد من الصحابة. توضيح ذلك ان هناك ما لا يحصى من روايات اسباب النزول يدل على كون آيات كثيرة في السور المدنية نازلة بمكة وبالعكس وعلى كون آيات من القرآن نازلة مثلا في اواخر عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهى واقعة في سور نازلة في اوائل الهجرة وقد نزلت بين الوقتين سور اخرى كثيرة وذلك كسورة البقرة التى نزلت في السنة الاولى من الهجرة وفيها آيات الربا وقد وردت الروايات على انها من آخر ما نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى ورد عن عمر انه قال مات رسول الله ولم يبين لنا آيات الربا وفيها قوله تعالى: " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله " الاية البقرة: 281 وقد ورد انها آخر ما نزل من القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فهذه الايات النازلة مفرقة الموضوعة في سور لا تجانسها في المكية والمدنية موضوعة في غير موضعها بحسب ترتيب النزول وليس الا عن اجتهاد من الصحابة. ويؤيد ذلك ما في الاتقان عن ابن حجر ": وقد ورد عن علي انه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم اخرجه ابن ابى داود وهو من مسلمات مداليل روايات الشيعة. هذا ما يدل عليه ظاهر روايات الباب المتقدمة لكن الجمهور اصروا على أن
________________________________________
[ 129 ]
ترتيب الايات توقيفي فآيات المصحف الدائر اليوم وهو المصحف العثماني مرتبة على ما رتبها عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم باشارة من جبريل وأولوا ظاهر الروايات بأن جمع الصحابة لم يكن جمع ترتيب وانما كان جمعا لما كانوا يعلمونه ويحفظونه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السور وآياتها المرتبة بين دفتين وفي مكان واحد. وأنت خبير بأن كيفية الجمع الاول الذى تدل عليها الروايات تدفع هذه الدعوى دفعا صريحا. وربما استدل عليه بما ادعاه بعضهم من الاجماع على ذلك فقد نقل السيوطي في الاتقان عن الزركشي دعوى الاجماع عليه وعن ابى جعفر بن الزبير نفى الخلاف فيه بين المسلمين وهو اجماع منقول لا يعتمد عليه بعد وجود الخلاف في اصل التحريف ودلالة ما تقدم من الروايات على خلافه. وربما استدل عليه بالتواتر ويوجد ذلك في كلام كثير منهم ادعوا تواتر الترتيب الموجود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو عجيب وقد نقل في الاتقان بعد نقله ما رواه البخاري وغيره بعدة طرق عن انس انه قال ": مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير اربعة أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وابو زيد وفي رواية ": ابى بن كعب بدل ابى الدرداء عن المازرى انه قال ": وقد تمسك بقول انس هذا جماعة من الملاحدة ولا متمسك لهم فيه فأنا لا نسلم حمله على ظاهره سلمناولكن من اين لهم ان الواقع في نفس الامر كذلك ؟ سلمناه لكن لا يلزم من كون كل من الجم الغفير لم يحفظه كله أن لا يكون حفظ مجموعة الجم الغفير وليس من شرط التواتر ان يحفظ كل فرد جميعه بل إذا حفظ الكل الكل ولو على التوزيع كفى انتهى. اما دعواه ان ظاهر كلام انس غير مراد فهو مما لا يصغى إليه في الابحاث اللفظية المبنية على ظاهر اللفظ الا بقرينة من نفس كلام المتكلم أو ما ينوب منابه اما مجرد الدعوى والاستناد إلى قول آخرين فلا. على انه لو حمل كلام انس على خلاف ظاهره كان من الواجب ان يحمل على ان هؤلاء الاربعة انما جمعوا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم معظم القرآن واكثر سوره وآياته لا على
________________________________________
[ 130 ]
انهم وغيرهم من الصحابة جمعوا جميع القرآن على ما في المصحف العثماني وحفظوا ترتيب سوره وآياته وضبطوا موضع كل واحدة واحدة منها عن آخرها فهذا زيد بن ثابت نفسه وهو احد الاربعة المذكورين في حديث انس والمتصدي للجمع الاول والثانى كليهما يصرح في رواياته انه لم يحفظ جميع الايات. ونظيره ما في الاتقان عن ابن اشتة في المصاحف بسند صحيح عن محمد بن سيرين قال ": مات أبو بكر ولم يجمع القرآن وقتل عمر ولم يجمع القرآن. واما قوله سلمناه ولكن من اين لهم ان الواقع في نفس الامر كذلك ؟ فمقلوب على نفسه فمن اين لهذا القائل ان الواقع في نفس الامر كما يدعيه وقد عرفت الشواهد على خلاف ما يدعيه ؟ واما قوله انه يكفى في تحقق التواتر ان يحفظ الكل كل القرآن على سبيل التوزيع فمغالطة واضحة لانه انما يفيد كون مجموع القرآن من حيث المجموع منقولا بالتواتر واما كون كل واحدة واحدة من الايات القرآنية محفوظة من حيث محلها وموضعها بالتواتر فلا وهو ظاهر ونقل في الاتقان عن البغوي انه قال في شرح السنة الصحابة جمعوا بين الدفتين القرآن الذى انزله الله على رسوله من غير ان زادوا أو نقصوا منه شيئا خوف ذهاب بعضه بذهاب حفظته فكتبوه كما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غير أن قدموا شيئا أو أخروه أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلقن اصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذى هو الان في مصاحفنا بتوقيف جبريل اياه على ذلك واعلامه عند نزول كل آية ان هذه الاية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا. فثبت إن سعى الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه فان القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب انزله الله جملة إلى السماء الدنيا ثم كان ينزله مفرقا عند الحاجة وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة انتهى ونقل عن ابن الحصار انه قال ترتيب السور ووضع الايات مواضعها انما كان بالوحى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ضعوا آية كذا في موضع كذا وقد حصل اليقين
________________________________________
[ 131 ]
من النقل المتواتر بهذا الترتيب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانما اجمع الصحابة على وضعه هكذا في المصحف انتهى: ونقل ايضا ما يقرب من ذلك عن جماعة غيرهم كالبيهقي والطيبى وابن حجر. اما قولهم إن الصحابة انما كتبوا المصحف على الترتيب الذى اخذوه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير ان يخالفوه في شئ فمما لا يدل عليه شئ من الروايات المتقدمة وانما المسلم من دلالتها انهم انما اثبتوا ما قامت عليه البينة من متن الايات ولا اشارة في ذلك إلى كيفية ترتيب الايات النازلة مفرقة وهو ظاهر نعم في رواية ابن عباس المتقدمة عن عثمان ما يشير إلى ذلك غير ان الذى فيه انه كان صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بعض كتاب الوحى بذلك وهو غير اعلامه جميع الصحابة ذلك على إن الرواية معارضة بروايات الجمع الاول واخبار نزول بسم الله وغيرها. واما قولهم ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقن الصحابة هذا الترتيب الموجود في مصاحفنا بتوقيف من جبريل ووحى سماوي فكأنه اشارة إلى حديث عثمان بن ابى العاص المتقدم في آية ان الله يأمر بالعدل والاحسان وقد عرفت مما تقدم انه حديث واحد في خصوص موضع آية واحدة واين ذلك من مواضع جميع الايات المفرقة. واما قولهم ان القرآن مكتوب على هذا الترتيب في اللوح المحفوظ انزله الله إلى السماء الدنيا ثم انزله الله مفرقا عند الحاجة الخ فاشارة إلى ما روى مستفيضا من طرق الشيعة واهل السنة من نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم نزوله منها نجوما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكن الروايات ليس فيها ادنى دلالة على كون القرآن مكتوبا في اللوح المحفوظ منظما في السماء الدنيا على الترتيب الموجود في المصحف الذى عندنا وهو ظاهر. على انه سيأتي ان شاء الله الكلام في معنى كتابة القرآن في اللوح المحفوظ ونزوله إلى السماء الدنيا في ذيل ما يناسب ذلك من الايات كأول سورتي الزخرف والدخان وسورة القدر. واما قولهم انه قد حصل اليقين بالنقل المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الترتيب الموجود في المصاحف فقد عرفت انه دعوى خالية عن الدليل وان هذا التواتر
________________________________________
[ 132 ]
لا خبر عنه بالنسبة إلى كل آية آية كيف وقد تكاثرت الروايات ان ابن مسعود لم يكتب في مصحفه المعوذتين وكان يقول انهما ليستا من القرآن وإنما نزل بهما جبريل تعويذا للحسنين وكان يحكهما عن المصاحف ولم ينقل عنه انه رجع عن قوله فكيف خفى عليه هذا التواتر طول حياته بعد الجمع الاول. الفصل - 7 يتعلق بالبحث السابق البحث في روايات الانساء وقد مرت اشارة اجمالية إليها وهى عدة روايات وردت من طرق اهل السنة في نسخ القرآن وانسائه حملوا عليها ما ورد من روايات التحريف سقوطا وتغييرا. فمنها ما في الدر المنثورعن ابن ابى حاتم والحاكم في الكنى وابن عدى وابن عساكر عن ابن عباس قال ": كان مما ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوحى بالليل وينسأه بالنهار فانزل الله: " ما ننسخ من آية أو ننسأها نأت بخير منها أو مثلها " وفيه عن ابى داود في ناسخه والبيهقي في الدلائل عن ابى امامة ": ان رهطا من الانصار من اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم اخبروه إن رجلا قام من جوف الليل يريد أن يفتتح سورة كان قد وعاها فلم يقدر منها على شئ الا بسم الله الرحمن الرحيم ووقع ذلك لناس من اصحابه فاصبحوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن السورة فسكت ساعة لم يرجع إليهم شيئا ثم قال نسخت البارحة فنسخت من صدورهم ومن كل شئ كانت فيه. اقول والقصة مروية بعدة طرق في الفاظ متقاربة مضمونا. وفيه عن عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابى داود في ناسخه وابنه في المصاحف والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم والحاكم وصححه عن سعد بن ابى وقاص ": انه قرأ ما ننسخ من آية أو ننسأها " فقيل له إن سعيد بن المسيب يقرأ ننسها فقال سعد ان القرآن لم ينزل على المسيب ولا آل المسيب قال الله: " سنقرئك فلا تنسى " واذكر ربك إذا نسيت ". اقول يريد بالتمسك بالايتين ان الله رفع النسيان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيتعين ان يقرأ ننسأها من النسئ بمعنى الترك والتاخير فيكون المراد بقوله ما ننسخ من
________________________________________
[ 133 ]
آية ازالة الاية عن العمل دون التلاوة كآية صدقة النجوى وبقوله أو ننسأها ترك الاية ورفعها من عندهم بالمرة وازالتها عن العمل والتلاوة كما روى تفسيرها بذلك عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم. وفيه اخرج ابن الانباري عن ابى ظبيان قال ": قال لنا ابن عباس أي القراءتين تعدون اول ؟ قلنا قراءة عبد الله وقراءتنا هي الاخيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض عليه جبريل القرآن كل سنة مرة في شهر رمضان وانه عرضه عليه في آخر سنة مرتين فشهد منه عبد الله ما نسخ ما بدل. اقول وهذا المعنى مروى بطرق اخرى عن ابن عباس وعبد الله بن مسعود نفسه وغيرهما من الصحابة والتابعين وهناك روايات أخر في الانساء. ومحصل ما استفيد منها إن النسخ قد يكون في الحكم كالايات المنسوخة المثبتة في المصحف وقد يكون في التلاوة مع نسخ حكمها أو من غير نسخ حكمها وقد تقدم في تفسير قوله: " ما ننسخ من آية " البقرة: 106 وسيأتى في قوله: " وإذا بدلنا آية مكان آية " النحل: 101 ان الايتين اجنبيتان عن الانساء بمعنى نسخ التلاوة وتقدم ايضا في الفصول السابقة ان هذه الروايات مخالفة لصريح الكتاب فالوجه عطفها على روايات التحريف وطرح القبيلين جميعا * * * ولقد ارسلنا من قبلك في شيع الاولين - 10 وما يأتيهم من رسول الا كانوا به يستهزؤن - 11 كذلك نسلكه في قلوب المجرمين - 12 لا يؤمنون به وقد خلت سنة الاولين - 13 ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون - 14 لقالوا إنما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون - 15
________________________________________
[ 134 ]
(بيان) لما ذكر استهزاءهم بكتابه ونبيه وما اقترحوا عليه من الاتيان بالملائكة آية للرسالة عقبه بثلاث طوائف من الايات وهى المصدرة بقوله: " ولقد ارسلنا من قبلك " الخ وقوله ولقد جعلنا في السماء بروجا الخ وقوله ولقد خلقنا الانسان من صلصال الخ. فبين في اوليها ان هذا الاستهزاء دأب وسنة جارية للمجرمين وليسوا بمؤمنين ولو جاءتهم آية آية وفي الثانية أن هناك آيات سماوية وأرضية كافية لمن وفق للايمان وفي الثالثة أن الاختلاف بالايمان والكفر في نوع الانسان وضلال أهل الضلال مما تعين لهم يوم أبدع الله خلق الانسان فخلق آدم وجرى هنالك ما جرى من أمر الملائكة بالسجود وإباء ابليس عن ذلك. قوله تعالى: " ولقد ارسلنا من قبلك في شيع الاولين " إلى آخر الايتين الشيع جمع شيعة وهى الفرقة المتفقة على سنة أو مذهب يتبعونه قال تعالى: " من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون " لروم: 32 وقوله ولقد ارسلنا أي رسلا وقد حذف للاستغناء عنه فان العناية بأصل تحقق الارسال من قبل من غير نظر إلى من ارسل بل بيان ان البشر الاولين كالاخرين جرت عادتهم على ان لا يحترموا الرسالة الالهية ويستهزؤا بمن أتى بها ويمضوا على إجرامهم لتكون في ذلك تعزية للنبى صلى الله عليه وآله وسلم فلا يضيق صدره بما قابلوه به من الانكار والاستهزاء كما سيعود إليه في آخر السورة بقوله: " ولقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون " الخ الاية: 97 من السورة. والمعنى طب نفسا فنحن نزلنا الذكر عليك ونحن نحفظه ولا يضيقن صدرك بما يقولون فهو دأب المجرمين من الامم الانسانية أقسم لقد ارسلنا من قبلك في فرق الاولين وشيعهم وحالهم هذه الحال ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤن قوله تعالى: " كذلك نسلكه في قلوب المجرمين " إلى آخر الايتين السلوك النفاذ والانفاذ يقال سلك الطريق أي نفذ فيه وسلك الخيط في الابرة أي أنفذه فيها
________________________________________
[ 135 ]
وادخله وذكروا ان سلك واسلك بمعنى. والضميران في نسلكه وبه للذكر المتقدم ذكره وهو القرآن الكريم والمعنى ان حال رسالتك ودعوتك بالذكر المنزل اليك تشبه حال الرسالة من قبلك فكما ارسلنا من قبلك فقابلوها بالرد والاستهزاء كذلك ندخل هذا الذكر وننفذه في قلوب هؤلاء المجرمين ونبأ به انهم لا يؤمنون بالذكر وقد مضت طريقة الاولين وسنتهم في انهم يستهزؤن بالحق ولا يتبعونه فالايتان قريبتا المعنى من قوله فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل. وربما قيل ان الضميرين للشرك أو الاستهزاء المفهوم من الايات السابقة والباء في به للسببية والمعنى كذلك ننفذ الشرك أو الاستهزاء في قلوب المجرمين لا يؤمنون بسبب الشرك أو الاستهزاء وهو معنى بعيد والمتبادر إلى الذهن من لفظة لا يؤمنون به إن الباء للتعدية دون السببية. وربما قيل ان الضمير الاول للاستهزاء المفهوم من سابق الكلام والثانى للذكر المذكور سابقا والمعنى مثل ما سلكنا الاستهزاء في قلوب شيع الاولين نسلك الاستهزاء وننفذه في قلوب هؤلاء المجرمين لا يؤمنون بالذكر الخ. ولا بأس به وان كان يستلزم التفرقة بين الضميرين المتواليين لكن اباء قوله لا يؤمنون به أن يرجع ضميره إلى الاستهزاء يكفى قرينة لذلك. وكذا لا يرد على الوجهين ما اورد ان رجوع ضمير نسلكه إلى الاستهزاء يوجب كون المشركين ملجئين إلى الشرك مجبرين عليه. وجه عدم الورود انه تعالى علق السلوك على المجرمين فيكون مفاده انهم كانوا متلبسين بالاجرام قبل فعل السلوك بهم ثم فعل بهم ذلك فينطبق على الاضلال الالهى مجازاة ولا مانع منه وانما الممنوع هو الاضلال الابتدائي ولا دليل عليه في الاية بل الدليل على خلافه والاية من قبيل قوله تعالى: " يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وما يضل به الا الفاسقين " البقرة: 26 وقد تقدم تفصيل القول فيه. وقد ظهر مما تقدم ان المراد بسنة الاولين السنة التى سنها الاولون لا السنة التى
________________________________________
[ 136 ]
سنها الله في الاولين فالسنة سنتهم دون سنة الله فيهم كما ذكره بعض المفسرين فهو الانسب لمقام ذمهم وتعزيته صلى الله عليه وآله وسلم بذكر ردهم واستهزائهم لرسلهم. قوله تعالى ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا انما سكرت ابصارنا الخ العروج في السماء الصعود إليها والتسكير الغشاوة. والمراد بفتح باب من السماء عليهم ايجاد طريق يتيسر لهم به الدخول في العالم العلوى الذى هو مأوى الملائكة وليس كما يظن سقفا جرمانيا له باب ذو مصراعين يفتح ويغلق وقد قال تعالى: " ففتحنا ابواب السماء بماء منهمر " القمر: 11. وقد اختار سبحانه من بين الخوارق التى يظن انها ترفع عنهم الشبهة وتزيل عن نفوسهم الريب فتح باب من السماء وعروجهم فيه لانه كان يعظم في اعينهم اكثر من غيره ولذلك لما اقترحوا عليه امورا من الخوارق العظيمة ذكروا الرقى في السماء في آخر تلك الخوارق المذكورة على سبيل الترقي كما حكاه الله عنهم بقوله: " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا " إلى ان قال " أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه " اسرى: 93 فالرقي في السماء والتصرف في امورها كتنزيل كتاب مقرو منها أي نفوذ البشر في العالم العلوى وتمكنه فيه ومنه اعجب الخوارق عندهم. على ان السماء مأوى الملائكة الكرام ومحل صدور الاحكام والاوامر الالهية وفيها الواح التقادير ومنها مجارى الامور ومنبع الوحى واليها صعود كتب الاعمال فعروج الانسان فيها يوجب اطلاعه على مجارى الامور واسباب الخوارق وحقائق الوحى والنبوة والدعوة والسعادة والشقاوة وبالجملة يوجب اشرافه على كل حقيقة وخاصة إذا كان عروجا مستمرا لا مرة ودفعة كما يشير إليه قوله تعالى فظلوا فيه يعرجون حيث عبر بقوله ظلوا ولم يقل فعرجوا فيه. فالفتح والعروج بهذا النعت يطلعهم على اصول هذه الدعوة الحقة واعراقها لكنهم لما في قلوبهم من الفساد وفي نفوسهم من قذارة الريبة والشبهة المستحكمة يخطؤن ابصارهم فيما يشاهدون بل يتهمون النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه سحرهم فهم مسحورون من قبله. فالمعنى ولو فتحنا عليهم بابا من السماء ويسرنا لهم الدخول في عالمها فداموا
________________________________________
[ 137 ]
يعرجون فيه عروجا بعد عروج حتى يتكرر لهم مشاهدة ما فيه من اسرار الغيب وملكوت الاشياء لقالوا انما غشيت ابصارنا فشاهدت امورا لا حقيقة لها بل نحن قوم مسحورون * * * ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين - 16 وحفظناها من كل شيطان رجيم - 17 إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين - 18 والارض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون - 19 وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين - 20 وان من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم - 21 وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما انتم له بخازنين - 22 وإنا لنحن نحيى ونميت ونحن الوارثون - 23 ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين - 24 وان ربك هو يحشرهم انه حكيم عليم - 25. (بيان) لما ذكر سبحانه اعراضهم عن آية القرآن المعجزة واقتراحهم آية اخرى وهى الاتيان بالملائكة وأجاب عنه إنه ممتنع وملازم لفنائهم عدل إلى عد عدة من آيات السماء والارض الدالة على التوحيد ليعتبروا بها إن كانوا يعقلون وتتم الحجة بها على المجرمين وقد ضمن سبحانه فيها طرفا عاليا من المعارف الحقيقية والاسرار الالهية. قوله تعالى: " ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين " إلى آخر الايات
________________________________________
[ 138 ]
الثلاث البروج جمع برج وهو القصر سميت بها منازل الشمس والقمر من السماء بحسب الحس تشبيها لها بالقصور التى ينزلها الملوك. والضمير في قوله وزيناها للسماء كما في قوله وحفظناها وتزيينها للناظرين هو ما نشاهده في جوها من البهجة والجمال الذى يوله الالباب بنجومها الزاهرة وكواكبها اللامعة على اختلاف اقدارها وتنوع لمعاتها وقد كرر سبحانه ذكر هذا التزيين الكاشف عن مزيد عنايته به كقوله: " وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا " حم السجدة: 12 وقوله: " إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملا الاعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب " الصافات: 10. واستراق السمع اخذ الخبر المسموع في خفية كمن يصغى خفية إلى حديث قوم يسرونه فيما بينهم واستراق السمع من الشياطين هو محاولتهم ان يطلعوا على بعض ما يحدث به الملائكة فيما بينهم كما يدل عليه ما تقدم آنفا من آيات سورة الصافات. والشهاب هو الشعلة الخارجة من النار ويطلق على ما يشاهد في الجو من اجرام مضيئة كأن الواحد منها كوكب ينقض دفعة من جانب إلى آخر فيسير سيرا سريعا ثم لا يلبث دون ان ينطفئ. فظاهر معنى الايات ولقد جعلنا في السماء وهى جهة العلو بروجا وقصورا هي منازل الشمس والقمر وزيناها أي السماء للناظرين بزينة النجوم والكواكب وحفظناها أي السماء من كل شيطان رجيم أن ينفذ فيها فيطلع على ما تحتويه من الملكوت الا من استرق السمع من الشياطين بالاقتراب منه ليسمع ما يحدث به الملائكة من احاديث الغيب المتعلقة بمستقبل الحوادث وغيرها فانه يتبعه شهاب مبين. وسنتكلم ان شاء الله في الشهب ومعنى رمى الشياطين فيما سيأتي من تفسير سورة الصافات. قوله تعالى: " والارض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون " مد الارض بسطها طولا وعرضا وبذلك صلحت للزرع والسكنى ولو اغشيت جبالا شاهقة مضرسة لفقدت كمال حياة الحيوان عليها.
________________________________________
[ 139 ]
والرواسي صفة محذوفة الموصوف والتقدير والقينا فيها جبالا رواسي وهو جمع راسية بمعنى الثابتة اشارة إلى ما وقع في غير هذا الموضع انها تمنع الارض من الميدان كما قال: " وألقى في الارض رواسي أن تميد بكم " النحل: 15. والموزون من الوزن وهو تقدير الاجسام من جهة ثقلها ثم عمم لكل تقدير لكل ما يمكن ان يتقدر بوجه كتقدير الطول بالشبر والذراع ونحو ذلك وتقدير الحجم وتقدير الحرارة والنور والقدرة وغيرها وفي كلامه تعالى: " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة " الانبياء: 47 وهو توزين الاعمال ولا يتصف بثقل وخفة من نوع ما للاجسام الارضية منهما. وربما يكنى به عن كون الشئ بحيث لا يزيد ولا ينقص عما يقتضيه الطبع أو الحكمة كما يقال كلامه موزون وقامته موزونه وافعاله موزونة أي مستحسنة متناسبة الاجزاء لا تزيد ولا تنقص مما يقتضيه الطبع أو الحكمة. وبالنظر إلى اختلاف اعتباراته المذكورة ذكر بعضهم ان المراد به اخراج كل ما يوزن من المعدنيات كالذهب والفضة وسائر الفلزات وقال بعضهم انه انبات النباتات على ما لكل نوع منها من النظام البديع الموزون وقيل انه خلق كل امر مقدر معلوم. والذى يجب التنبه له التعبير بقوله من كل شئ موزون دون أن يقال من كل نبات موزون فهو يشمل غير النبات مما يظهر وينمو في الارض كما انه يشمل النبات لمكان قوله وانبتنا دون أن يقال اخرجنا أو خلقنا وقد جئ بمن وظاهرها التبعيض فالمراد والله اعلم انبات كل امر موزون ذى ثقل مادى يمكن أن يزيد وينقص من الاجسام النباتية والارضية ولا مانع على هذا من اخذ الموزون بكل من معنييه الحقيقي والكنائي. والمعنى والارض بسطناها وطرحنا فيها جبالا ثابتة لتسكنها من الميد وانبتنا فيها من كل شئ موزون ثقيل واقع تحت الجاذبة أو متناسب مقدارا تقتضيه الحكمة. قوله تعالى: " وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين المعايش جمع
________________________________________
[ 140 ]
معيشة وهى ما به يعيش الحيوان ويديم حياته من المأكول والمشروب وغيرهما وياتى مصدرا كالعيش والمعاش. وقوله ومن لستم له برازقين معطوف على الضمير المجرور في لكم على ما ذهب إليه من النحاة الكوفيون ويونس والاخفش من جواز العطف على الضمير المجرور من غير اعادة الجار واما على قول غيرهم فربما يعطف على معايش والتقدير وجعلنا لكم من لستم له برازقين كالعبيد والحيوان الاهلى وربما جعل من مبتدأ محذوف الخبر والتقدير ومن لستم له برازقين جعلنا له فيها معايش وهذا كله تكلف ظاهر. وكيف كان المراد بمن العبيد والدواب على ما قيل اتى بلفظة من وهى لاولى العقل تغليبا هذا وليس من البعيد ان يكون المراد به كل ما عدا الانسان من الحيوان والنبات وغيرهما فانها تسأل الرزق كما يسأله العقلاء ومن دأبة سبحانه في كلامه ان يطلق الالفاظ المختصة بالعقلاء على غيرهم إذا اضيف إليها شئ من الاثار المختصة بهم كقوله تعالى في الاصنام: " فاسألوهم إن كانوا ينطقون " الانبياء: 63 وقوله: " فانهم عدو لى " الشعراء: 77 إلى غير ذلك من الايات المتعرضة لحال الاصنام التى كانوا يعبدونها ولا يستقيم للمعبود الا أن يكون عاقلا وكذا قوله: " فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " حم السجدة: 11 وغير ذلك. والمعنى وجعلنا لكم معشر البشر في الارض اشياء تعيشون بها مما تدام به الحياة ولغيركم من ارباب الحياة مثل ذلك قوله تعالى: " وإن من شئ الا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم " الخزائن جمع خزانة وهى مكان خزن المال وحفظه وادخاره والقدر بفتحتين أو فتح فسكون مبلغ الشئ وكميته المتعينة. ولما كانت الاية واقعة في سياق الكلام في الرزق الذى يعيش به الانسان والحيوان كان المراد بالشئ الموصوف في الاية النبات وما يتبعه من الحبوب والثمرات فالمراد بخزانته التى عند الله وهو ينزل بقدر معلوم المطر النازل من السماء الذى ينبت به النبات فيأتى بالحبوب والاثمار ويعيش بذلك الانسان والحيوان هذا ملخص ما ذكره جمع
________________________________________
[ 141 ]
من المفسرين. ولا يخفى عليك ما فيه من التكلف فتخصيص ما في قوله وان من شئ من العموم وحصره في النبات من تخصيص الاكثر من غير شك والمورد لا يخصص وأردى منه تسمية المطر خزائن النبات وليس الا سببا من اسبابه وجزء من اجزاء كثيرة يتكون النبات بتركبها الخاص على ان المطر انما تتكون حينما ينزل فكيف يسمى خزانة وليس بموجود ولا ان الذى هو خزانته موجود فيه. وذكر بعض المفسرين ان المراد بكون خزائن كل شئ عند الله سبحانه شمول قدرته المطلقة له. فله تعالى من كل نوع من انواع الاشياء كالانسان والفرس والنخلة وغير ذلك من الاعيان وصفاتها وآثارها وافعالها مقدورات في التقدير غير متناهية عددا لا يخرج منها دائما من التقدير والفرض إلى التحقق والفعلية إلا قدر معلوم وعدد معين محدود. وعلى هذا فالمراد من كل شئ نوعه لا شخصه كالانسان مثلا لا كزيد وعمرو والمراد من القدر المعلوم الكمية المعينة من الافراد والمراد من وجود خزائنه ووجوده في خزائنه وجوده بحسب التقدير لا بحسب التحقق فيرجع إلى نوع من التشبيه والمجاز. وانت خبير بأن فيه تخصيصا للشئ من غير مخصص وفيه قصر للقدر في العدد من غير دليل والقدر في اللغة قريب المعنى من الحد وهو المفهوم من سياق قوله تعالى: " قد جعل الله لكل شئ قدرا " الطلاق: 3 وقوله: " وكل شئ عنده بمقدار " الرعد 8 وقوله: " إنا كل شئ خلقناه بقدر " القمر: 49 وقوله: " وخلق كل شئ فقدره تقديرا " الفرقان: 2 إلى غير ذلك. وفيه ارجاع الكلام إلى معنى مجازى استعارى من غير موجب مع ما فيه من ورود الخزائن بصيغة الجمع من غير نكتة ظاهرة. وذكر بعض معاصري المفسرين وجها آخر وهو ان المراد بالخزائن العناصر المختلفة التى تتألف منها الارزاق وغيرها وقد اعد الله منها في عالمنا المشهود كمية عظيمة لا تنفد بعروض التركيب والاسباب الكلية التى تعمل في تركب المركبات كالضوء والحرارة والرياح الدائمة المنظمة وغيرها التى تتكون منها الاشياء مما يحتاج إليه الانسان
________________________________________
[ 142 ]
في ادامة حياته وغيره. فكل من هذه الاشياء مدخرة باجزائها والقوى الفعالة فيها في تلك الخزائن غير القابلة للنفاد من جهة عظمة مقداره ومن جهة ما يعود إليه من الاجزاء الجديدة بانحلال تركيب المركبات بموت أو فساد ورجوعها إلى عناصرها الاولية كالنبات يفسد والحيوان يموت فيعود عناصرها بانحلال التركيب إلى مقارها ويتسع بذلك المكان لكينونة نبات وحيوان آخر يخلفان سلفهما. فالضوء وخاصة ضوء الشمس الذى يعمل الليل والنهار والفصول الاربعة ويربى النبات والحيوان وسائر المركبات ويسوقها إلى غاياتها ومقاصدها من خزائن الله تعالى والرياح التى تلقح النبات وتسوق السحب وتنقل الاهوية من مكان إلى مكان وتدفع فاسد الهواء وتجرى السفن خزانة اخرى والماء النازل من السماء الذى تحتاج إليه المركبات ذوات الحياة في كينونتها وبقائها خزانة اخرى وكذلك العناصر البسيطة التى تتركب منها المركبات كل منها خزانة تنزل من مجموعها أو من عدة منها الاشياء المركبة ولا ينزل قط الا عدد معلوم من كل نوع من غير ان تنفد به الخزائن. وعلى هذا فمراد الاية بالشئ هو نوعه لا شخصه كما تقدم في الوجه الاول والمراد بخزائنه مجموع ما في الكون من اصوله وعناصره واسبابه العامة المادية ومجموع الشئ موجود في مجموع خزائنه لا في كل واحد منها والمراد بنزوله بقدر معلوم كينونة عدد محدود منه في كل حين من غير ان يستوفى عدد جميع ما في خزائنه. وهذا وجه حسن في نفسه تؤيده الابحاث العلمية عن كينونة هذه الحوادث وتصدقه آيات كثيرة متفرقة في الكتاب العزيز كقوله في الاية التالية: " وأرسلنا الرياح لواقح وانزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه " وقوله: " وجعلنا من الماء كل شئ حى " الانبياء: 30 وقوله: " وسخر لكم الشمس والقمر دائبين " ابراهيم: 33 وقوله: " والسحاب المسخر بين السماء والارض " البقرة: 164 إلى غير ذلك من الايات. لكن الاية وهى من آيات القدر كما يعطيه سياقها تأبى الحمل عليه كما تأبى عنه اخواتها وكيف يحمل عليه قوله: " وخلق كل شئ‌فقدره تقديرا " ؟ الفرقان: 2 وقوله: " الذى خلق فسوى والذى قدر فهدى " الاعلى: 3 وقوله: " وكل شئ
________________________________________
[ 143 ]
عنده بمقدار " الرعد: 8 وقوله: " الا امرأته قدرناها من الغابرين " النمل: 57 وقوله: " من أي شئ خلقه من نطفة خلقه فقدره " عبس: 19 وقوله: " إنا انزلناه في ليلة القدر " إلى آخر السورة إلى غير ذلك من الايات. على انه يرد عليه بعض ما اورد على الوجهين السابقين كتخصيص عموم شئ من غير مخصص وغير ذلك. والذى يعطيه التدبر في الاية وما يناظرها من الايات الكريمة إنها من غرر كلامه تعالى تبين ما هو ادق مسلكا وابعد غورا مما فسروها به وهو ظهور الاشياء بالقدر والاصل الذى لها قبل احاطته بها واشتماله عليها. وذلك إن ظاهر قوله وان من شئ على ما به من العموم بسبب وقوعه في سياق النفى مع تأكيده بمن كل ما يصدق عليه انه شئ من دون ان يخرج منه الا ما يخرجه نفس السياق وهو ما تدل عليه لفظة نا وعند وخزائن وما عدا ذلك مما يرى ولا يرى مشمول للعام. فشخص زيد مثلا وهو فرد انسانى من الشئ ونوع من الانسان ايضا الموجود في الخارج بأفراده من الشئ والاية تثبت لذلك خزائن عند الله سبحانه فلننظر ما معنى كون زيد مثلا له خزائن عند الله ؟ والذى يسهل الامر فيه انه تعالى يعد هذا الشئ المذكور نازلا من عنده والنزول يستدعى علوا وسفلا ورفعة وخفضة وسماء وارضا مثلا ولم ينزل زيد المخلوق مثلا من مكان عال إلى آخر سافل بشهادة العيان فليس المراد بانزاله إلا خلقه لكنه ذو صفة يصدق عليه النزول بسببها ونظير الاية قوله تعالى: " وأنزل لكم من الانعام ثمانية ازواج " الزمر: 6 وقوله: " وانزلنا الحديد " الحديد: 25. ثم قوله: " وما ننزله إلا بقدر معلوم " يقرن النزول وهو الخلقة بالقدر قرنا لازما غير جائز الانفكاك لمكان الحصر والباء اما للسببية أو الآلة أو المصاحبة والمال واحد فكينونة زيد وظهوره بالوجود انما هو بماله من القدر المعلوم فوجوده محدود لا محالة كيف ؟ وهو تعالى يقول: " انه بكل شئ محيط " حم السجدة: 54 ولو لم يكن محدودا لم يكن محاطا له تعالى فمن المحال ان يحاط بما لا حد له ولا نهاية
________________________________________
[ 144 ]
وهذا القدر هو الذى بسببه يتعين الشئ ويتميز من غيره ففى زيد مثلا شئ به يتميز من عمرو وغيره من افراد الانسان ويتميز من الفرس والبقر والارض والسماء ويجوز لنا به ان نقول ليس هو بعمرو ولا بالفرس والبقر والارض والسماء ولو لا هذا الحد لكان هو هي وارتفع التميز. وكذلك ما عنده من القوى والاثار والاعمال محدودة مقدرة فليس ابصاره مثلا ابصارا مطلقا في كل حال وفي كل زمان وفي كل مكان ولكل شئ وبكل عضو مثلا بل ابصار في حال وزمان ومكان خاص ولشئ خاص وبعضو خاص وعلى شرائط خاصة ولو كان ابصارا مطلقا لاحاط بكل ابصار خاص وكان الجميع له ونظيره الكلام في سائر ما يعود إليه من خصائص وجوده وتوابعه فافهم ذلك. ومن هنا يظهر إن القدر خصوصية وجود الشئ وكيفية خلقته كما يستفاد ايضا من قوله تعالى: " الذى خلق فسوى والذى قدر فهدى " الاعلى: 3 وقوله: " الذى اعطى كل شئ خلقه ثم هدى " طه: 50 فان الاية الاولى رتبت الهداية وهى الدلالة على مقاصد الوجود على خلق الشئ وتسويته وتقديره والاية الثانية رتبتها على اعطائه ما يختص به من الخلق ولازم ذلك على ما يعطيه سياق الايتين كون قدر الشئ خصوصية خلقه غير الخارجة عنه. ثم انه تعالى وصف قدر كل شئ بأنه معلوم إذ قال: " وما ننزله الا بقدر معلوم " ويفيد بحسب سياق الكلام ان هذا القدر معلوم له حينما يتنزل الشئ ولما يتم نزوله ويظهر وجوده فهو معلوم القدر معينه قبل ايجاده واليه يؤل معنى قوله: " وكل شئ عنده بمقدار " الرعد: 8 فان ظاهر الاية إن كل شئ بما له من المقدار حاضر عنده معلوم له فقوله هناك عنده بمقدار في معنى قوله هاهنا بقدر معلوم ونظير ذلك قوله في موضع آخر: " قد جعل الله لكل شئ قدرا " الطلاق: 3 أي قدرا لا يتجاوزه معينا غير مبهم معلوما غير مجهول وبالجملة للقدر تقدم على الشئ بحسب العلم والمشية وان كان مقارنا له غير منفك عنه في وجوده. ثم انه تعالى اثبت بقوله عندنا خزائنه وما ننزله الخ للشئ عنده قبل نزوله إلى هذه النشأة واستقراره فيها خزائن وجعل القدر متأخرا عنها ملازما
________________________________________
[ 145 ]
لنزوله فالشئ وهو في هذه الخزائن غير مقدر بقدر ولا محدود بحد وهو مع ذلك هو وقد جمع في تعريف هذه الخزائن بين كونها فوق القدر الذى يلحق الشئ وبين كونها خزائن فوق الواحدة والاثنتين ومن المعلوم ان العدد لا يلحق الا الشئ المحدود وإن هذه الخزائن لو لم تكن محدودة متميزة بعضها من بعض كانت واحدة البتة. ومن هنا يتبين ان هذه الخزائن بعضها فوق بعض وكل ما هو عال منها غير محدود بحد ما هو دان غير مقدر بقدره ومجموعها غير محدود بالحد الذى يلحق الشئ وهو في هذه النشأة ولا يبعد ان يكون التعبير بالتنزيل الدال على نوع من التدريج في قوله وما ننزله اشارة إلى كونه يطوى في نزوله مرحلة بعد مرحلة وكلما ورد مرحلة طرأه من القدر امر جديد لم يكن قبل حتى إذا وقع في الاخيرة احاط به القدر من كل جانب قال تعالى: " هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا " الدهر: 1 فقد كان الانسان ولكنه لم يكن شيئا مذكورا. وهذه الخزائن جميعا فوق عالمنا المشهود لانه تعالى وصفها بأنها عنده وقد اخبرنا بقوله ما عندكم ينفد وما عند الله باق إن ما عنده ثابت لا يزول ولا يتغير عما هو عليه فهذه الخزائن كائنة ما كانت امور ثابتة غير زائلة ولا متغيرة والاشياء في هذه النشأة المادية المحسوسة متغيرة فانية لا ثابتة ولا باقية فهذه الخزائن الالهية فوق عالمنا المشهود. هذا ما يعطيه التدبر في الاية الكريمة وهو وان كان لا يخلو من دقة وغموض يعضل على بادئ الفهم لكنك لو امعنت في التدبر وبذلت في ذلك بعض جهدك استنار لك ووجدته من واضحات كلامه ان شاء الله تعالى وعلى من لم يتيسر له قبوله ان يعتمد الوجه الثالث المتقدم فهو احسن الوجوه الثلاثة المتقدمة والله ولى الهداية وسنرجع إلى بحث القدر في كلام مستقل يختص به ان شاء الله في موضع يناسبه. قوله تعالى: " وأرسلنا الرياح لواقح فانزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما انتم له بخازنين " اللواقح جمع لاقحة من اللقح بالفتح فالسكون يقال لقح النخل لقحا أي وضع اللقاح بفتح اللام وهو طلع الذكور من النخل على الاناث لتحمل بالتمر
________________________________________
[ 146 ]
وقد ثبت بالابحاث الحديثة في علم النبات ان حكم الزوجية جار في عامة النبات وان فيه ذكورية وانوثية وان الرياح في مهبها تحمل الذرات من نطفة الذكور فتلقح بها الاناث وهو قوله تعالى وارسلنا الرياح لواقح. وقوله: " وأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه " اشارة إلى المطر النازل من السحاب وقد تسلم الابحاث العلمية الحديثة ان الماء الموجود في الكرة الارضية من الامطار النازلة عليها من السماء على خلاف ما كانت تعتقده القدماء انه كرة ناقصة محيطة بكرة الارض احاطة ناقصة وهو عنصر من العناصر الاربعة. وهذه الاية التى تثبت بشطرها الاول وارسلنا الرياح لواقح مسألة الزوجية واللقاح في النبات وبشطرها الثاني وأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه إن المياه الموجودة المدخرة في الارض تنتهى إلى الامطار وقوله تعالى السابق وانبتنا فيها من كل شئ موزون الظاهر في ان للوزن دخلا خاصا في الانبات والانماء من نقود العلم التى سبق إليها القرآن الكريم الابحاث العلمية وهى تتلو المعجزة أو هي هي. قوله تعالى: " وانا لنحن نحيى ونميت ونحن الوارثون " الكلام مسوق للحصر يريد بيان رجوع كل التدبير إليه وقد كان ما عده من النعم كالسماء ببروجها والارض برواسيها وانبات كل شئ موزون وجعل المعايش وارسال اللواقح وانزال الماء من السماء انما يتم نظاما مبنيا على الحكمة والعلم إذا انضم إليه الحياة والموت والحشر وكان مما ربما يظن ان بعض الحياة والموت ليس إليه تعالى ولذا اكد الكلام وأتى بالحصر دفعا لذلك. ثم جاء بقوله ونحن الوارثون أي الباقون بعد إماتتكم المتصرفون فيما خولناكموه من امتعة الحياة كأنه تعالى يقول الينا تدبير امركم ونحن محيطون بكم نحييكم بعد ما لم تكونوا فنحن قبلكم ونميتكم ونرثكم فنحن بعدكم. قوله تعالى: " ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستاخرين " لما كانت الايات السابقة التى تعد النعم الالهية وتصف التدبير مسوقة لبيان وحدانيته تعالى في ربوبيته وكان لا ينفع الخلق والنظم من غير انضمام علمه تعالى وخاصة بمن يحييه ويميته
________________________________________
[ 147 ]
عقبها بهذه الاية الدالة على علمه بمن استقدم منهم بالوجود ومن استأخر أي المتقدمين من الناس والمتاخرين على ما يفيده السياق. وقيل المراد بالمستقدمين المستقدمون في الخير وقيل المستقدمون في صفوف الحرب وقيل المستقدمون إلى الصف الاول في صلاة الجماعة والمستأخرون خلافهم وهى اقوال ردية. قوله تعالى: " وان ربك هو يحشرهم انه حكيم عليم " الكلام مسوق للحصر أي هو يحشرهم لا غير فهو الرب. واورد عليه انه في مثل ذلك من الحصر يكون الفعل مسلم الثبوت والنزاع انما هو في الفاعل وههنا ليس كذلك فان الخصم لا يسلم الحشر من اصله هذا وقد ذهب على هذا المعترض ان الاية حولت الخطاب السابق للناس عنهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم التفاتا فقيل وان ربك هو يحشرهم ولم يقل ان ربكم هو يحشركم والنبى صلى الله عليه وآله وسلم مسلم للحشر. وبذلك يظهر نكتة الالتفات في الاية في مورده تعالى من التكلم مع الغير إلى الغيبة وفي مورد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الغيبة إلى الخطاب وفي مورد الناس بالعكس. وقد ختمت الاية بقوله انه حكيم عليم لان الحشر يتوقف على الحكمة المقتضية لحساب الاعمال ومجازاة المحسن باحسانه والمسئ باساءته وعلى العلم حتى لا يغادر منهم احد. (بحث روائي) في تفسير القمى في قوله تعالى: " ولقد جعلنا في السماء بروجا " قال قال منازل الشمس والقمر وفيه في قوله تعالى: " إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين " قال قال لم يزل الشياطين تصعد إلى السماء - وتجس حتى ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي المعاني عن البرقى عن ابيه عن جده عن البزنطى عن ابان عن ابى عبد الله
________________________________________
[ 148 ]
عليه السلام قال: كان ابليس يخترق السماوات السبع فلما ولد عيسى عليه السلام حجب عن ثلاث سماوات وكان يخترق اربع سماوات فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجب عن السبع كلها ورميت الشياطين بالنجوم الحديث. وفي الدر المنثور اخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال قال جرير بن عبد الله: حدثنى يا رسول الله عن السماء الدنيا والارض السفلى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اما السماء الدنيا فان الله خلقها من دخان ثم رفعها وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وزينها بمصابيح النجوم وجعلها رجوما للشياطين وحفظها من كل شيطان رجيم. اقول وسياتى ان شاء الله ما يتبين به معنى هذه الاحاديث. وفي تفسير القمى في قوله وجعلنا لكم فيها معايش قال لكل ضرب من الحيوان قدرنا شيئا مقدرا وفيه في رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلام في قوله وانبتنا فيها من كل شئ موزون فان الله انبت في الجبال الذهب والفضة والجوهر والصفر والنحاس والحديد والرصاص والكحل والزرنيخ واشباه ذلك لا تباع الا وزنا. اقول ينبغى ان يحمل على بيان بعض المصاديق على ما في متنه وسنده من الوهن. وفي روضة الواعظين لابن الفارسى روى عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عليهم السلام انه قال: في العرش تمثال جميع ما خلق الله في البر والبحر قال وهذا تأويل قوله وان من شئ الا عندنا خزائنه الحديث. وفي المعاني باسناده عن مقاتل بن سليمان قال قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام لما صعد موسى عليه السلام الطور فنادى ربه عز وجل قال رب ارنى خزائنك قال يا موسى انما خزائني إذا اردت شيئا ان اقول له كن فيكون وفي الدر المنثور اخرج البزار وابن مردويه في العظمة عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خزائن الله الكلام فإذا اراد شيئا قال له كن فكان. اقول والروايات الثلاث الاخيرة تؤيد ما قدمناه في تقرير معنى الاية والمراد بقول كن كلمة الايجاد الذى هو وجود الاشياء وهو مما يؤيد عموم الشئ في الاية وكذا كان يفهمه الصحابة واهل عصر النزول كما يؤيده ما رواه في الدر المنثورعن ابن ابى
________________________________________
[ 149 ]
حاتم عن معاوية انه قال ": ألستم تعلمون ان كتاب الله حق ؟ قالوا بلى قال فاقرؤا هذه الاية: " وان من شئ الا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم " ألستم تؤمنون بهذا وتعلمون انه حق ؟ قالوا بلى قال فكيف تلومونني بعد هذا ؟ فقام الاحنف وقال يا معاوية والله ما نلومك على ما في خزائن الله ولكن انما نلومك على ما انزله الله من خزائنه - فجعلته انت في خزائنك واغلقت عليه بابك فسكت معاوية وفيه اخرج ابن مردويه والحاكم عن مروان بن الحكم قال ": كان اناس يستأخرون في الصفوف من اجل النساء فأنزل الله: " ولقد علمنا المستقدمين منكم " الاية اقول وروى فيه ايضا عن عدة عن ابى الجوزاء عن ابن عباس قال ": كانت امرأة تصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسناء من احسن الناس فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الاول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت ابطيه فانزل الله ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين. والاية لا تنطبق على ما في هاتين الروايتين لا من جهة اللفظ ولا من جهة السياق الذى وقعت هي فيه وهو ظاهر. وفيه اخرج ابن ابى حاتم من طريق معتمر بن سليمان عن شعيب بن عبد الملك عن مقاتل بن سليمان ": في قوله ولقد علمنا المستقدمين منكم الاية قال بلغنا انه في القتال قال معتمر فحدثت ابى فقال لقد نزلت هذه الاية قبل ان يفرض القتال. اقول يعنى انها مكية. وفي تفسير العياشي عن جابر عن ابى جعفر عليه السلام قال: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين قال هم المؤمنون من هذه الامة وفي تفسير البرهان عن الشيباني في نهج البيان عن الصادق جعفر بن محمد: أن المستقدمين اصحاب الحسنات والمستأخرين اصحاب السيئات * * * ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون - 26
________________________________________
[ 150 ]
والجان خلقناه من قبل من نار السموم - 27 واذ قال ربك للملائكة انى خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون - 28 فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين - 29 فسجد الملائكة كلهم اجمعون - 30 إلا ابليس أبى أن يكون مع الساجدين - 31 قال يا ابليس ما لك أن لا تكون مع الساجدين - 32 قال لم أكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون - 33 قال فاخرج منها فانك رجيم - 34 وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين - 35 قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون - 36 قال فانك من المنظرين - 37 إلى يوم الوقت المعلوم - 38 قال رب بما أغويتني لازينن لهم في الارض ولاغوينهم اجمعين - 39 إلا عبادك منهم المخلصين - 40 قال هذا صراط علي مستقيم - 41 إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين - 42 وإن جهنم لموعدهم اجمعين - 43 لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزء مقسوم - 44 إن المتقين في جنات وعيون - 45 ادخلوها بسلام آمنين - 46 ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين - 47 لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين - 48


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page