• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 326الي 350


[ 326 ]
لقمان: 25 الزمر: 38 وقد كرر تعالى نقل ذلك عنهم. فهؤلاء الوثنيون ما كانوا يرون لله سبحانه شريكا في الخلق والايجاد وانما كانوا ينازعون الاسلام في توحيد الربوبية لا في توحيد الالوهية بمعنى الخلق والايجاد وتسليمهم توحيد الخالق المبدع وقصر ذلك على الله يبطل قولهم بالشركاء في الربوبية وتتم الحجة عليهم لان اختصاص الخلق والايجاد بالله سبحانه ينفى استقلال الوجود والعلم والقدرة عن غيره تعالى ولا ربوبية مع انتفاء هذه النعوت الكمالية. ولذلك لم يبق لهم في القول بربوبية شركائهم مع الله سبحانه الا ان ينكروا توحده تعالى في الخلق والايجاد ويثبتوا بعد الخلق والايجاد لالهتهم وهم لا يفعلونه وهذا هو الموجب لذكره تعالى هذا الاحتمال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم من دون ان يخاطبهم به أو يامره ان يخاطبهم. فكأنه تعالى: " إذ يقول ام جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم " يقول لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم هؤلاء تمت عليهم الحجة في توحيد الربوبية من جهة اختصاصه تعالى بالخلق والايجاد فلم يبق لهم الا ان يقولوا بشركة شركائهم في الخلق والايجاد فهل هم قائلون بأن شركائهم خلقوا خلقا كخلقه ثم تشابه الخلق عليهم فقالوا بربوبيتهم اجمالا مع الله. ثم امر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان يلقى إليهم ما يقطع دابر هذا الاحتمال فقال: " قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار " والجملة صدرها دعوى دليلها ذيلها أي انه تعالى واحد في خالقيته لا شريك له فيها وكيف يكون له فيها شريك وله وحدة يقهر كل عدد وكثرة وقد تقدم في تفسير قوله تعالى: " ءأرباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار " يوسف: 39 بعض الكلام في معنى كونه تعالى هو الواحد القهار وتبين هناك ان مجموع هاتين الصفتين ينتج صفة الاحدية. وقد بان مما ذكرناه وجه تغيير السياق في قوله: " أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم " والاعراض عن سياق الخطاب السابق فتأمل في ذلك واعلم ان اكثر المفسرين اشتبه عليهم الحال في الحجج التى تقيمها الايات القرآنية لاثبات ربوبيته تعالى وتوحيده فيها ونفى الشريك عنه فخلطوا بينها وبين ما اقيمت لاثبات الصانع فتنبه لذلك.
________________________________________
[ 327 ]
(بحث روائي) في الكافي باسناده عن عبد الرحيم القصير عن ابى جعفر (ع): في قول الله تبارك وتعالى: " انما انت منذر ولكل قوم هاد " فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انا المنذر وعلي الهادى الحديث. اقول وروى هذا المعنى الكليني في الكافي والصدوق في المعاني والصفار في البصائر والعياشي والقمى في تفسيريهما وغيرهم باسانيد كثيرة مختلفة. ومعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم انا المنذر وعلي الهادى انى مصداق المنذر والانذار هداية مع دعوة وعلي مصداق للهادي من غير دعوة وهو الامام لا ان المراد بالمنذر هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمراد بالهادي هو على (ع) فان ذلك مناف لظاهر الاية البتة. وفي الدر المنثور اخرج ابن جرير وابن مردويه وابو نعيم في المعرفة والديلمي وابن عساكر وابن النجار قال: لما نزلت انما انت منذر ولكل قوم هاد وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على صدره فقال انا المنذر واومأ بيده إلى منكب علي فقال انت الهادى يا علي بك يهتدى المهتدون من بعدى:. اقول ورواه الثعلبي في الكشف عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي مستدرك الحاكم باسناده عن ابراهيم بن الحكم بن ظهير عن ابيه عن الحكم بن جرير عن ابى بريدة الاسلمي قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالطهور وعنده علي بن ابى طالب فاخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي بعد ما تطهر فألصقها بصدره ثم قال: " انما انت منذر " ويعنى نفسه ثم ردها إلى صدر علي ثم قال ولكل قوم هاد ثم قال له انت منار الانام وغاية الهدى وامير القراء اشهد على ذلك انك كذلك. اقول ورواه ابن شهرآشوب عن الحاكم في شواهد التنزيل والمرزباني في ما نزل من القرآن في امير المؤمنين
________________________________________
[ 328 ]
وفي الدر المنثور اخرج عبد الله بن احمد في زوائد المسند وابن ابى حاتم والطبراني في الاوسط والحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر عن علي بن ابى طالب في قوله تعالى: " انما انت منذر ولكل قوم هاد " قال رسول الله المنذر وانا الهادي وفي لفظ والهادي رجل من بنى هاشم يعنى نفسه. اقول ومن طرق اهل السنة في هذا المعنى روايات اخرى كثيرة. وفي المعاني باسناده عن محمد بن مسلم قال: قلت لابي عبد الله (ع) في قوله تعالى: " انما انت منذر ولكل قوم هاد " قال كل امام هاد لكل قوم في زمانهم وفي الكافي باسناده عن فضيل قال: سألت ابا عبد الله (ع) عن قول الله عزوجل: " ولكل قوم هاد " فقال كل امام هاد للقرن الذى هو فيهم. وفيه باسناده عن ابى بصير قال: قلت لابي عبد الله (ع) انما انت منذر ولكل قوم هاد فقال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انا المنذر وعلي الهادى يا با محمد هل من هاد اليوم ؟ فقلت جعلت فداك ما زال منكم هاد من بعد هاد حتى رفعت اليك فقال رحمك الله يا با محمد لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثم مات ذلك الرجل ماتت الاية مات الكتاب ولكنه يجرى فيمن بقى كما جرى فيما مضى. اقول والرواية تشهد على ما قدمناه ان شمول الاية لعلي (ع) من الجرى وكذلك يجرى في باقى الائمة وهذا الجرى هو المراد مما ورد انها نزلت في علي (ع). وفى تفسير العياشي عن محمد بن مسلم قال: سألت ابا عبد الله (ع) عن قول الله " الله يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيض الارحام " قال ما لم يكن حملا وما تزداد قال الذكر والانثى جميعا. اقول وقوله الذكر والانثى جميعا يريد ما يزيد على الواحد من الواحد بدليل الرواية التالية. وفيه عن محمد بن مسلم وغيره عنهما (ع) قال: ما تحمل كل من انثى أو ذكر وما تغيض الارحام قال ما لم يكن حملا وما تزداد عن انثى أو ذكر
________________________________________
[ 329 ]
وفى الكافي باسناده عن حريز عمن ذكره عن احدهما (ع): في قول الله عز وجل: " الله يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيض الارحام وما تزداد " قال الغيض كل حمل دون تسعة اشهر وما تزداد كل شئ تزداد على تسعة اشهر فكلما رأت المرأة الدم الخالص في حملها من الحيض فانها تزداد بعدد الايام التى رات في حملها من الدم. اقول وهذا معنى آخر ونقل عن بعض قدماء المفسرين. وفى المعاني باسناده عن ثعلبة بن ميمون عن بعض اصحابنا عن ابى عبد الله (ع): في قول الله عزوجل: " عالم الغيب والشهادة " قال الغيب ما لم يكن والشهادة ما قد كان. اقول ليس المراد من ما لم يكن المعدوم الذى ليس بشئ بل الامر الذى بالقوة ما لم يدخل في ظرف الفعلية وما ذكره (ع) بعض المصاديق وهو ظاهر. وفي الدر المنثور اخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم والطبراني في الكبير وابن مردويه وابو نعيم في الدلائل من طريق عطاء بن يسار عن ابن عباس: ان اربد بن قيس وعامر بن الطفيل قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانتهيا إليه وهو جالس فجلسا بين يديه فقال عامر ما تجعل لى ان اسلمت ؟ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم قال أتجعل لى ان اسلمت الامر من بعدك ؟ قال ليس لك ولا لقومك ولكن لك اعنة الخيل قال فاجعل لى الوبر ولك المدر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا فلما قفى من عنده قال لاملانها عليك خيلا ورجالا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمنعك الله. فلما خرج اربد وعامر قال عامر يا اربد انى سألهى محمدا عنك بالحديث فاضربه بالسيف فان الناس إذا قتلت محمدا لم يزيدوا على ان يرضو بالدية ويكرهوا الحرب فسنعطيهم الدية فقال اربد - افعل فاقبلا راجعين فقال عامر يا محمد قم معى اكلمك فقام منه فخليا إلى الجدار ووقف معه عامر يكلمه وسل اربد السيف فلما وضع يده على سيفه يبست على قائم السيف فلا يستطيع سل سيفه وابطأ اربد على عامر بالضرب فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأى اربد وما يصنع فانصرف عنهما وقال عامر لاربد ما لك حشمت قال وضعت يدى على قائم السيف فيبست. فلما خرج عامر واربد من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كانا بحرة رقم نزلا فخرج
________________________________________
[ 330 ]
اليهما سعد بن معاذ واسيد بن حضير فقال اشخصا ياعدوى الله لعنكما الله ووقع بهما. فقال عامر من هذا يا سعد ؟ فقال سعد هذا اسيد بن حضير الكتائب فقال اما و الله ان كان حضير صديقا لى. حتى إذا كان بالرقم ارسل الله على اربد صاعقة فقتلته وخرج عامر حتى إذا كان بالخريب ارسل الله عليه قرحة فأدركه الموت فيها فانزل الله: " الله يعلم ما تحمل كل انثى " إلى قوله له معقبات من بين يديه قال المعقبات من امر الله يحفظون محمدا صلى الله عليه وآله وسلم. ثم ذكر اربد وما قتله فقال هو الذى يريكم البرق إلى قوله وهو شديد المحال. اقول وروى ما في معناه عن الطبري وابى الشيخ عن ابن زيد وفي آخره وقال لبيد في اخيه اربد وهو يبكيه. اخشى على اربد الحتوف ولا * ارهب نوء السماء والاسد فجعني الرعد والصواعق با * لفارس يوم الكريهة النجد وما تذكره الرواية من نزول هذه الايات في القصة لا يلائم سياق آيات السورة الظاهر في كونها مكية بل لا يناسب سياق نفس الايات ايضا على ما مر من معناها. وفي الدر المنثور ايضا اخرج ابن المنذر وابو الشيخ عن علي: " له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله " قال ليس من عبد الا ومملائكة يحفظونه من ان يقع عليه حائط أو يتردى في بئر أو ياكله سبع أو غرق أو حرق فإذا جاء القدر خلوا بينه وبين القدر. اقول وروى ايضا ما في معناه عن ابى داود في القدر وابن ابى الدنيا وابن عساكر عنه وروى ما في معناه عن الصادقين (ع). وفي تفسير العياشي عن فضيل بن عثمان عن ابى عبد الله (ع): قال حدثنا هذه الاية " له معقبات من بين يديه ومن خلفه " الاية قال من المقدمات المؤخرات المعقبات الباقيات الصالحات. اقول ظاهره ان الباقيات الصالحات من مصاديق المعقبات المذكورة في الاية تحفظ صاحبها من سوء القضاء ولا تحفظه الا بالملائكة الموكلة عليها فيرجع معناه إلى ما قدمناه
________________________________________
[ 331 ]
في بيان الاية ويمكن ان تكون المقدمات المؤخرات نفس الباقيات الصالحات ورجوعه إلى ما قدمناه ظاهر. وفيه عن ابى عمرو المدائني عن ابى عبد الله (ع) قال: ان ابى كان يقول ان الله قضى قضاء حتما لا ينعم على عبد بنعمة فسلبها اياه قبل ان يحدث العبد ما يستوجب بذلك الذنب سلب تلك النعمة وذلك قول الله: " ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " وفيه عن احمد بن محمد عن ابى الحسن الرضا (ع): في قول الله ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا اراد الله بقوم سوء فلا مرد له " فصار الامر إلى الله تعالى. اقول اشارة إلى ما قدمناه من معنى الاية. وفى المعاني باسناده عن عبد الله بن الفضل عن ابيه قال سمعت ابا خالد الكابلي يقول سمعت زين العابدين علي بن الحسين (ع) يقول: الذنوب التى تغير النعم البغى على الناس والزوال عن العادة في الخير واصطناع المعروف وكفران النعم وترك الشكر قال الله عز وجل: " ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم " وفيه باسناده عن الحسن بن فضال عن الرضا (ع): في قوله: " هو الذى يريكم البرق خوفا وطمعا قال خوفا للمسافر وطمعا للمقيم وفى تفسير النعماني عن الاصبغ بن نباتة عن علي (ع): في قوله تعالى: " وهو شديد المحال يريد المكر " وفى امالي الشيخ باسناده عن انس بن مالك: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث رجلا إلى فرعون من فراعنة العرب يدعوه إلى الله عزوجل فقال للرسول اخبرني عن هذا الذى تدعوني إليه أمن فضة هو ام من ذهب ام من حديد ؟ فرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاخبره بقوله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ارجع إليه فادعه قال يا نبى الله انه اعتاص من ذلك قال ارجع إليه فرجع فقال كقوله فبينا هو يكلمه إذ رعدت سحابه رعدة فالقت على رأسه صاعقة ذهبت بقحف راسه فانزل الله جل ثناؤه: " ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم
________________________________________
[ 332 ]
يجادلون في الله وهو شديد المحال. اقول الكلام في آخره كالكلام في آخر ما مر من قصة عامر واربد ويزيد هذا الخبر ان قوله ويرسل الصواعق الخ بعض من آية ولا وجه لتقطيع الايات في النزول. وفى التفسير القمى قال وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر (ع): في قوله: " ولله يسجد من في السماوات والارض " الاية اما من يسجد من اهل السماوات طوعا فالملائكة يسجدون لله طوعا واما من يسجد من اهل الارض ممن ولد في الاسلام فهو يسجد له طوعا واما من يسجد له كرها فمن جبر على الاسلام واما من لم يسجد فظله يسجد له بالغدو والاصال. اقول ظاهر الرواية يخالف سياق الاية الكريمة فان الاية مسوقة لبيان عموم قهره تعالى بعظمته وعلوه من في السماوات والارض انفسهم واظلالهم وهى تنبئ عن سجودها له تعالى بحقيقة السجدة وظاهر الرواية ان السجدة بمعنى الخرور ووضع الجبهة أو ما يشبه السجدة عامة موجودة اما فيهم واما في ظلالهم فان سجدوا حقيقه طوعا أو كرها فهى والا فسقوط ظلالهم على الارض يشبه السجدة وهذا معنى لا جلالة فيه لله الكبير المتعال. على انه لا يوافق العموم المتراآى من قوله وظلالهم بالغدو والاصال واوضح منه العموم الذى في قوله: " أو لم يروا إلى ما خلق الله شئ يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السماوات وما في الارض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون " النحل: 49 * * * انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما
________________________________________
[ 333 ]
ينفع الناس فيمكث في الارض كذلك يضرب الله الامثال - 17. للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو ان لهم ما في الارض جميعا ومثله معه لافتدوا به اولئك لهم سوء الحساب وماويهم جهنم وبئس المهاد - 18. أفمن يعلم انما انزل اليك من ربك الحق كمن هو اعمى انما يتذكر اولوا الالباب - 19 الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق - 20. والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب - 21. والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم واقاموا الصلوة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرؤن بالحسنة السيئة اولئك لهم عقبى الدار - 22. جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب - 23. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار - 24. والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار - 25 الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحيوة الدنيا وما الحيوة الدنيا في الاخرة الا متاع - 26.
________________________________________
[ 334 ]
(بيان) لما اتم الحجة على المشركين في ذيل الايات السابقة ثم ابان لهم الفرق الجلى بين الحق والباطل والفرق بين من ياخذ بهذا أو يتعاطى ذاك بقوله: " قل هل يستوى الاعمى والبصير ام هل تستوى الظلمات والنور " اخذ في البيان التفصيلي للفرق بين الطريقين طريق الحق الذى هو الايمان بالله والعمل الصالح وطريق الباطل الذى هو الشرك والعمل السئ واهلهما الذين هم المؤمنون والمشركون وان للاولين السلام وعاقبة الدار وللاخرين اللعنة ولهم سوء الدار والله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وبدء سبحانه الكلام في ذلك كله بمثل يبين به حال الحق والباطل واثر كل منهما الخاص به ثم بنى الكلام على ذلك في وصف حال الطريقين والفريقين. قوله تعالى: " انزل من السماء ماء " إلى آخر الاية قال في مجمع البيان الوادي سفح الجبل العظيم المنخفض الذى يجتمع فيه ماء المطر ومنه اشتقاق الدية لانه جمع المال العظيم الذى يؤدى عن القتيل والقدر اقتران الشئ بغيره من غير زيادة ولا نقصان والوزن يزيد وينقص فإذا كان مساويا فهو القدر وقرء الحسن بقدرها بسكون الدال وهما لغتان يقال اعطى قدر شبر وقدر شبر والمصدر بالتخفيف لا غير. قال والاحتمال رفع الشئ على الظهر بقوة الحامل له ويقال علا صوته على فلان فاحتمله ولم يغضبه والزبد وضر الغليان وهو خبث الغليان ومنه زبد القدر وزبد السيل والجفاء ممدود مثل الغثاء واصله الهمز يقال جفا الوادي جفاء قال أبو زيد يقال جفأت الرجل إذا صرعته واجفات القدر بزبدها إذا القيت زبدها عنها قال الفراء كل شئ ينضم بعضه إلى بعض فانه يجئ على فعال مثل الحطام القماش والغثاء والجفاء والايقاد القاء الحطب في النار استوقدت النار وانقدت وتوقدت والمتاع ما تمتعت به والمكث السكون في المكان على مرور الزمان يقال مكث ومكث بفتح الكاف وضمها وتمكث أي تلبث انتهى. وقال الراغب الباطل نقيض الحق وهو ما لا ثبات له عند الفحص عنه قال
________________________________________
[ 335 ]
تعالى: " ذلك بأن الله هو الحق وان ما تدعون من دونه الباطل " وقد يقال ذلك في الاعتبار إلى المقال والفعال يقال بطل بطولا وبطلا بطلانا وابطله غيره قال عزوجل: " وبطل ما كانوا يعملون " وقال " لم تلبسون الحق بالباطل " انتهى موضع الحاجة. فبطلان الشئ هو ان يقدر للشئ نوع من الوجود ثم إذا طبق على الخارج لم يثبت على ما قدر ولم يطابقه الخارج والحق بخلافه فالحق والباطل يتصف بهما أو لا الاعتقاد ثم غيره بعناية ما. فالقول نحو السماء فوقنا والارض تحتنا يكون حقا لمطابقة الواقع اياه إذا فحص عنه وطبق عليه ولقولنا السماء تحتنا والارض فوقنا كان باطلا لعدم ثباته في الواقع على ما قدر له من الثبات والفعل يكون حقا إذا وقع على ما قدر له من الغاية أو الامر كالاكل للشبع والسعى للرزق وشرب الدواء للصحة مثلا إذا اثر اثره وبلغ غرضه ويكون باطلا إذا لم يقع على ما قدر عليه من الغاية أو الامر والشئ الموجود في الخارج حق من جهة انه موجود كما اعتقد كوجود الحق تعالى والشئ غير الموجود وقد اعتقد له الوجود باطل وكذا لو كان موجودا لكن قدر له من خواص الوجود ما ليس له كتقدير الاستقلال والبقاء للموجود الممكن فالموجود الممكن باطل من جهة عدم الاستقلال أو البقاء المقدر له وان كان حقا من جهة اصل الوجود قال: الا كل شئ ما خلا الله باطل * وكل نعيم لا محالة زائل والاية الكريمة من غرر الايات القرآنية تبحث عن طبيعة الحق والباطل فتصف بدء تكونهما وكيفية ظهورهما والاثار الخاصة بكل منهما وسنة الله سبحانه الجارية في ذلك " ولن تجد لسنة الله تحويلا ولن تجد لسنة الله تبديلا ". بين تعالى ذلك بمثل ضربه للناس وليس بمثلين كما قاله بعضهم ولا بثلاثة امثال كما ذكره آخرون كما سنشير إليه ان شاء الله وانما هو مثل واحد ينحل إلى امثال فقال تعالى: " انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا " وقوله انزل فعل فاعله هو الله سبحانه لم يذكر لوضوحه وتنكير ماء للدلالة على النوع وهو الماء الخالص الصافى يعنى نفس الماء من غير ان يختلط بشئ أو يشوبه تغير وتنكير اودية
________________________________________
[ 336 ]
للدلالة على اختلافها في الكبر والصغر والطول والقصر وتغايرها في السعة والوعى ونسبة السيلان إلى الاودية نسبة مجازية نظير قولنا جرى الميزاب وتوصيف الزبد بالرابى لكونه طافيا يعلو السيل دائما وهذا كله بدلالة السياق وانما مثل بالسيل لان احتمال الزبد الرابى فيه اظهر. والمعنى انزل الله سبحانه من السماء وهى جهة العلو ماء بالامطار فسالت الاودية الواقعة في محل الامطار المختلفة بالسعة والضيق والكبر والصغر بقدرها أي كل بقدره الخاص به فالكبير بقدره والصغير بقدره فاحتمل السيل الواقع في كل واحد من الاودية المختلفة زبدا طافيا عاليا هو الظاهر على الحس يستر الماء سترا. ثم قال تعالى: " ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله " من نشوية ما يوقدون عليه انواع الفلزات والمواد الارضية القابلة للاذابة المصوغة منها آلات الزينة وامتعة الحياة التى يتمتع بها والمعنى ويخرج من الفلزات والمواد الارضية التى يوقدون عليها في النار طلبا للزينة كالذهب والفضة أو طلبا لمتاع كالحديد وغيره يتخذ منه الالات والادوات زبد مثل الزبد الذى يربو السيل يطفو على المادة المذابة ويعلوه. ثم قال تعالى: " كذلك يضرب الله الحق والباطل " أي يثبت الله الحق والباطل نظير ما فعل في السيل وزبده وما يوقدون عليه في النار وزبده. فالمراد بالضرب والله اعلم نوع من التثبيت من قبيل قولنا ضربت الخيمة أي نصبتها وقوله ضربت عليهم الذلة والمسكنة أي اوقعت واثبتت وضرب بينهم بسور أي اوجد وبني واضرب لهم طريقا في البحر أي افتح وثبت وإلى هذا المعنى ايضا يعود ضرب المثل لانه تثبيت ونصب لما يماثل الممثل حتى يتبين به حاله والجميع في الحقيقة من قبيل اطلاق الملزوم وارادة اللازم فان الضرب وهو ايقاع شئ على شئ بقوة وعنف لا ينفك عادة عن تثبيت امر في ما وقع عليه الضرب كثبوت الوتد في الارض بضرب المطرقة وحلول الالم في جسم الحيوان بضربه فقد اطلق الضرب وهو الملزوم واريد التثبيت وهو الامر اللازم. ومن هنا يظهر ان قول المفسرين ان في الجملة حذفا أو مجازا والتقدير كذلك يضرب الله مثل الحق والباطل أو مثل الحق ومثل الباطل على اختلاف تفسيرهم في غير محله فانه تكلف من
________________________________________
[ 337 ]
غير موجب ولا دليل يدل عليه. على انه لو اريد به ذلك لكان موضعه المناسب له هو آخر الكلام وقد وقع فيه قوله تعالى: " كذلك يضرب الله الامثال " وهو يغنى عنه. على ان ما ذكروه من المعنى يرجع إلى ما ذكرناه بالاخرة فان كون حديث السيل والزبد أو ما يوقد عليه والزبد مثلا للحق والباطل يوجب كون ثبوت الحق نظير ثبوت السيل وثبوت ما يوقد عليه وكون ثبوت الباطل نظير ثبوت الزبد فلا موجب للتقدير مع استقامة المعنى بدونه. ثم قال تعالى: " فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض " جمع بين الزبدين اعني زبد السيل وزبد ما يوقدون عليه وقد كانا متفرقين في الذكر لاشتراك الجميع فيما يذكر من الخاصة وهو انه يذهب جفاء ولذا قدمنا آنفا ان الاية تتضمن مثلا واحدا وان انحل إلى غير واحد من الامثال. وقد عدل عن ذكر الماء وغيره إلى قوله واما ما ينفع الناس للدلالة على خاصة يختص بها الحق وهو ان الناس ينتفعون به وهو الغاية المطلوبة لهم. والمعنى فأما الزبد الذى كان يطفو على السيل ويعلوه أو يخرج مما يوقدون عليه في النار فيذهب جفاء ويصير باطلا متلاشيا واما الماء الخالص أو العين الارضية المصوغة وفيهما انتفاع الناس وتمتعهم في معاشهم فيمكث في الارض ينتفع به الناس. ثم قال تعالى: " كذلك يضرب الله الامثال " وختم به القول أي ان الامثال المضروبة للناس في كلامه تعالى يشابه المثل المضروب في هذه الاية في انها تميز الحق من الباطل وتبين للناس ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم. ولا يبعد ان تكون الاشارة بقوله كذلك إلى ما ذكره من امر نزول المطر وجريان الاودية بسيولها المزبدة وايقاد المواد الارضية وخروج زبدها اعني ان تكون الاشارة إلى نفس هذه الحوادث الخارجية والتكونات العينية لا القول فيدل على ان هذه الوقائع الكونية والحوادث الواقعة في عالم الشهادة امثال مضروبة تهدى اولى النهى
________________________________________
[ 338 ]
والبصيرة إلى ما في عالم الغيب من الحقائق كما ان ما في عالم الشهادة آيات دالة على ما في عالم الغيب على ما تكرر ذكره في القرآن الكريم ولا كثير فرق بين كون هذه المشهودات امثالا مضروبه أو آيات دالة وهو ظاهر وقد تبين بهذا المثل المضروب في الاية امور هي من كليات المعارف الالهية احدها ان الوجود النازل من عنده تعالى على الموجودات الذى هو بمنزلة الرحمة السماوية والمطر النازل من السحاب على ساحة الارض خال في نفسه عن الصور والاقدار وانما يتقدر من ناحية الاشياء انفسها كماء المطر الذى يحتمل من القدر والصورة ما يطرء عليه من ناحية قوالب الاودية المختلفة في الاقدار والصور فانما تنال الاشياء من العطية الالهية بقدر قابليتها واستعداداتها وتختلف باختلاف الاستعدادات والظروف والاوعية وهذا اصل عظيم يدل عليه أو يلوح إليه آيات كثيرة من كلامه تعالى كقوله: " وان من شئ الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم " الحجر: 21 وقوله: " وانزل لكم من الانعام ثمانية ازواج " الزمر: 6 ومن الدليل عليه جميع آيات القدر. ثم ان هذه الامور المسماة بالاقدار وان كانت خارجة عن الافاضة السماوية مقدرة لها لكنها غير خارجة عن ملك الله سبحانه وسلطانه ولا واقعة من غير اذنه وقد قال تعالى: " إليه يرجع الامر كله " هود: 123 وقال: " بل لله الامر جميعا " الاية: 31 من السورة وبانضمام هذه الايات إلى الايات السابقة يظهر اصل آخر ادق معنى واوسع مصداقا وثانيها: ان تفرق هذه الرحمة السماوية في اودية العالم وتقدرها بالاقدار المقارنة لها لا ينفك عن اخباث وفضولات تعلوها وتظهر منها غير انها باطلة أي زائلة غير ثابتة بخلاف تلك الرحمة النازلة المتقدرة بالاقدار فانها باقية ثابتة أي حقة وعند ذلك ينقسم ما في الوجود إلى حق وهو الثابت الباقي وباطل وهو الزائل غير الثابت. والحق من الله سبحانه والباطل ليس إليه وان كان باذنه قال تعالى: " الحق من ربك " آل عمران: 60 وقال: " وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا " ص: 27 فهذه الموجودات يشتمل كل منها على جزء حق ثابت غير زائل سيعود إليه ببطلان ما هو الباطل منها كما قال: " ما خلقنا السماوات والارض وما بينهما الا بالحق واجل مسمى " الاحقاف: 3 وقال: " ويحق الله الحق بكلماته " يونس: 82 وقال: " ان الباطل كان
________________________________________
[ 339 ]
زهوقا " اسرى: 81 وقال: " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق " الانبياء: 18. وثالثها ان من حكم الحق انه لا يعارض حقا غيره ولا يزاحمه بل يمده وينفعه في طريقه إلى كماله ويسوقه إلى ما يسلك إليه من السعادة يدل على ذلك تعليقه البقاء والمكث في الاية على الحق الذى ينفع الناس. وليس المراد بنفى التعارض ارتفاع التنازع والتزاحم من بين الاشياء في عالمنا المشهود فانما هو دار التنازع والتزاحم لا يرى فيه الا نار يخمدها ماء وماء تفنيها نار وارض يأكلها نبات ونبات يأكله حيوان ثم الحيوان يأكل بعضه بعضا ثم الارض ياكل الجميع بل المراد ان هذه الاشياء على ما بينها من الافتراس والانتهاش تتعاون في تحصيل الاغراض الالهية ويتسبب بعضها ببعض للوصول إلى مقاصدها النوعية فمثلها مثل القدوم والخشب فانهما مع تنازعهما يتعاونان في خدمة النجار في صنعة الباب مثلا ومثل كفتى الميزان فانهما في تعارضهما وتصارعهما يطيعان من بيده لسان الميزان لتقدير الوزن وهذا بخلاف الباطل كوجود كلال في القدوم أو بخس في المثقال فانه يعارض الغرض الحق ويخيب السعي فيفسد من غير اصلاح ويضر من غير نفع. ومن هذا الباب غالب آيات التسخير في القرآن كقوله: " وسخر لكم ما في السماوات وما في الارض جميعا منه " الجاثية: 13 فكل شئ منها يفعل ما يقتضيه طبعه غير انه يسلك في ذلك إلى تحصيل ما اراده الله سبحانه من الامر. وهذه الاصول المستفادة من الاية الكريمة هي المنتجة لتفاصيل احكام الصنع والايجاد ولئن تدبرت في الايات القرآنية التى تذكر الحق والباطل وامعنت فيها رأيت عجبا. واعلم ان هذه الاصول كما تجرى في الامور العينية والحقائق الخارجية كذلك تجرى في العلوم والاعتقادات فمثل الاعتقادات الحق في نفس المؤمن مثل الماء النازل من السماء الجارى في الاودية على اختلاف سعتها وينتفع به الناس وتحيى قلوبهم ويمكث فيهم الخير والبركة ومثل الاعتقاد الباطل في نفس الكافر كمثل الزبد الذى يربو السيل لا يلبث دون ان يذهب جفاء ويصير سدى قال تعالى: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفى الاخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " ابراهيم: 27.
________________________________________
[ 340 ]
قوله تعالى: " للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له " إلى آخر الاية المهاد الفراش الذى يوطأ لصاحبه والمكان الممهد الموطا وسميت جهنم مهادا لانها مهدت لاستقرارهم فيها لكفرهم واعمالهم السيئة. والاية وما بعدها من الايات التسعة متفرعة على المثل المضروب في الاية السابقة كما تقدمت الاشارة إليه يبين الله سبحانه فيها آثار الاعتقاد الحق والايمان به والاستجابة لدعوته وآثار الاعتقاد الباطل والكفر به وعدم استجابة دعوته ويشهد بذلك سياق الايات فان الحديث فيها يدور حول عاقبة الايمان والكفر وان العاقبة المحمودة التى للايمان لا يقوم مقامها شئ ولو كان ضعف ما في الدنيا من نعمة. وعلى هذا فالاظهر ان يكون المراد بالحسنى العاقبة الحسنى وما ذكره بعضهم ان المراد بها المثوبة الحسنى أو الجنة وان كان حقا بحسب المآل فان عاقبة الايمان والعمل الصالح المحمودة هي المثوبة الالهية الحسنى وهى الجنة لكن المثوبة أو الجنة غير مقصودة في المقام بما انها مثوبة أو جنة بل بما انها عاقبة امرهم وينتهى إليها سعيهم. ويؤيده بل يدل عليه قوله تعالى فيهم في الايات التالية بعد تعريفهم بصفاتهم المختصة بهم: " اولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها " الاية. وعلى هذا ايضا فقوله: " لو ان لهم ما في الارض جميعا مثله معه لافتدوا به " موضوع موضع الغاية المحذوفة للدلالة على فخامة امرها وبلوغها الغاية من حمل الهول والدهشة والشر والشقوة بما لا يذكر. والمعنى والذين لم يستجيبوا لربهم يحل بهم امر أو يفوتهم امر وهو نتيجة الاستجابة وعاقبتها الحسنى من صفته انه لو ان لهم ما في الارض من نعمة تلتذ بها النفس الانسانية وهو غاية ما يمكن لانسان ان يأمله ويتمناه ثم اضيف إليه مثله وهو فوق منية الانسان وبعبارة ملخصة لو كانوا يملكون غاية مناهم في الحياة وما فوق هذه الغاية رضوا ان يفتدوا بهذا الذى يملكونه فرضا عما يفوتهم من الحسنى وفى بعض كلمات علي (ع): في وصفه غير موصوف ما نزل بهم. ثم اخبر تعالى عن هذا الذى لا يوصف من عاقبة امرهم فقال: " اولئك لهم سوء
________________________________________
[ 341 ]
الحساب ومأواهم جهنم " وسوء الحساب الحساب الذى يسوؤهم ولا يسرهم فهو من اضافة الصفة إلى الموصوف ثم ذم تعالى ذلك مشيرا إلى سوء العاقبة بقوله وبئس المهاد أي بئس المهاد مهادهم الذى مهد لهم ويستقرون فيه ومجموع قوله " اولئك لهم سوء الحساب " الخ في موضع التعليل لما ذكر من الافتداء والتعليل بالاشارة كثير في الكلام يقال افعل بفلان كذا وكذا ذاك الذى من صفته كذا وكذا. ومعنى الاية والله اعلم للذين استجابوا لدعوة ربهم الحقة العاقبة الحسنى والذين لم يستجيبوا له لهم من عاقبة الامر ما يرضون ان يفدوا للتخلص منه فوق ما يمكنهم ان يتمنوه لان الذى يحل بهم من العاقبة السيئة يتضمن أو يقارن سوء الحساب والقرار في وبئس المهاد مهادهم. وقد وضع في الاية الاستجابة وعدم الاستجابة مكان الايمان والكفر لمناسبة المثل المضروب في الاية السابقة من نزول الماء من السماء وقبول الاودية منه كل بقدره والاستجابة قبول الدعوة. قوله تعالى: " أفمن يعلم انما انزل اليك من ربك الحق كمن هو اعمى انما يتذكر اولوا الالباب " استفهام انكاري وهو في موضع التعليل لما تتضمنه الاية السابقة وبيان تفصيلي لعاقبة حال الفريقين من حيث استجابة دعوة الحق وعدمها. وملخص البيان ان الحق يستقر في قلوب هؤلاء الذين استجابوا لربهم فتصير قلوبهم البابا وقلوبا حقيقية لها آثارها وبركاتها وهو التذكر والتبصر ومن خواص هذه القلوب التى يعرف بها صاحبوها ان اولى الالباب يثبتون على الوفاء بعهد الله المأخوذ عنهم بفطرتهم فلا ينقضون ميثاق ربهم ويثبتون على احترام ما وصلهم الله به وهى الرحم التى اجرى الله الخلقة من طريقها فيصلونها وهم خاشعون خائفون ويثبتون بالصبر عند المصائب وعن المعصية وعلى الطاعة ويجرون بالتوجه إلى ربهم وهو الصلاة واصلاح المجتمع وهو الانفاق ودرء السيئات بالحسنات. فهؤلاء لهم عاقبة الدار المحمودة وهى الجنة يدخلونها وتنعكس إليهم فيها مثوبات اعمالهم الحسنة المذكورة فيصاحبون فيها الصالحين من آبائهم وازواجهم وذرياتهم كما وصلوا الرحم في الدنيا والملائكة يدخلون عليهم من كل باب مسلمين عليهم بما صبروا كما
________________________________________
[ 342 ]
فتحوا ابواب العبادات والطاعات المختلفة في الدنيا فهذا هو اثر الحق. وقوله: " أفمن يعلم انما انزل اليك من ربك الحق كمن هو اعمى " الاستفهام فيه للانكار كما تقدم وفيه نفى التساوى بين من استقر في قلبه العلم بالحق ومن جهل الحق وفى توصيف الجاهل بالحق بالاعمى ايماء إلى ان العالم به يصير وقد سماه بالاعمى والبصير في قوله آنفا " قل هل يستوى الاعمى والبصير " الاية فالعلم بالحق بصيرة والجهل به عمى والتبصر يفيد التذكر ولذا عده من خواص اولى العلم بقوله انما يتذكر. وقوله: " انما يتذكر اولوا الالباب " في مقام التعليل لما سبقه اعني قوله أفمن يعلم الخ أي انهما لا يستويان لان لاولى العلم تذكر ليس لاولى العمى والجهل وقد وضع في موضع اولى العلم اولوا الالباب فدل على دعوى اخرى تفيد فائدة التعليل كأنه قيل لا يستويان لان لاحد الفريقين تذكرا ليس للاخر وانما اختص التذكر بهم لان لهم البابا وقلوبا وليس ذلك لغيرهم. قوله تعالى: " الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق " ظاهر السياق ان الجملة الثانية عطف تفسيرى على الجملة الاولى فالمراد بالميثاق الذى لا ينقضونه هو عهد الله الذى يوفون به والمراد بهذا العهد والميثاق بقرينة ما ذكر في الاية السابقة من تذكرهم هو ما عاهدوا به ربهم وواثقوه بلسان فطرتهم ان يوحدوه ويجروا على ما يقتضيه توحيده من الاثار فان الانسان مفطور على توحيده تعالى وما يهتف به توحيده وهذا عهد عاهدته الفطرة وعقد عقدته. واما العهود والمواثيق المأخوذة بوسيلة الانبياء والرسل عن امر من الله والاحكام والشرائع فكل ذلك من فروع الميثاق الفطري فان الدين فطرى. قوله تعالى: " والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل " الخ الظاهر ان المراد بالامر هو الامر التشريعي النازل بشهادة ذيل الاية ويخافون سوء الحساب فان الحساب على الاحكام النازلة في الشريعة ظاهرا وان كانت مدركة بالفطرة كقبح الظلم وحسن العدل فان المستضعف الذى لم يبلغه الحكم الالهى ولم يقصر لا يحاسب عليه كما يحاسب غيره وقد تقدم في ابحاثنا السابقة ان الحجة لا تتم على الانسان بمجرد الادراك الفطري لولا انضمام طريق الوحى إليه قال تعالى: " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " النساء: 165.
________________________________________
[ 343 ]
والاية مطلقة فالمراد به كل صلة امر الله سبحانه بها ومن اشهر مصاديقه صلة الرحم التى امر الله بها واكد القول في وجوبها قال تعالى: " واتقوا الله الذى تساءلون به والارحام " النساء: 1. وقد اكد القول فيه بما في ذيل الاية من قوله " ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب " فأشار إلى ان في ترك الصلة مخالفة لامر الله فليخش الله في ذلك وعملا سيئا مكتوبا في صحيفة العمل محفوظا على الانسان يجب ان يخاف من حسابه السئ. والظاهر ان الفرق بين الخشية والخوف ان الخشية تأثر القلب من اقبال الشر أو ما في حكمه والخوف هو التاثر عملا بمعنى الاقدام على تهيئة ما يتقى به المحذور وان لم يتاثر القلب ولذا قال سبحانه في صفة انبيائه: " ولا يخشون احدا الا الله " الاحزاب: 39 فنفى عنهم الخشية عن غيره وقد اثبت الخوف لهم عن غيره في مواضع من كلامه كقوله: " فأوجس في نفسه خيفة موسى " طه: 67 وقوله: " واما تخافن من قوم خيانة " الانفال: 58. ولعله إليه يرجع ما ذكره الراغب في الفرق بينهما ان الخشية خوف يشوبه تعظيم واكثر ما يكون ذلك عن علم ولذا خص العلماء بها في قوله: " انما يخشى الله من عباده العلماء " وكذا قول بعضهم ان الخشية اشد الخوف لانها مأخوذة من قولهم شجرة خشية أي يابسة وكذا قول بعضهم ان الخوف يتعلق بالمكروه وبمنزله يقال خفت المرض وخفت زيدا بخلاف الخشية فانها تتعلق بالمنزل دون المكروه نفسه يقال خشيت الله. ولولا رجوعها إلى ما قدمناه لكانت ظاهرة النقض وذكر بعضهم ان الفرق اغلبي لا كلى والاخرون ان لا فرق بينهما اصلا وهو مردود بما قدمناه من الايات. قوله تعالى: " والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم واقاموا الصلاة وانفقوا " إلى آخر الاية اطلاق الصبر يدل على اتصافهم بجميع شعبه واقسامه وهى الصبر عند المصيبة والصبر على الطاعة والصبر عن المعصية لكنه مع ذلك مقيد بقوله ابتغاء وجه ربهم أي طلبا لوجه ربهم فصفتهم التى يمدحون بها ان يكون صبرهم لوجه الله لان الكلام في
________________________________________
[ 344 ]
صفاتهم التى تنشأ وتنمو فيهم من استجابتهم لربهم وعلمهم بحقية ما انزل إليهم من ربهم لا كل صفة يمدحها الناس فيما بينهم وان لم ترتبط بعبوديتهم وايمانهم بربهم كالصبر عند الكريهة تمنعا وعجبا بالنفس أو طلبا لجميل الثناء ونحوه كما قيل وقولى كلما جشأت وجاشت * مكانك تحمدى أو تستريحي والمراد بوجه الرب تعالى هو الجهة المنسوبة إليه تعالى من العمل ونحوه وهى الجهة التى عليها يظهر ويستقر العمل عنده تعالى اعني المثوبة التى له عنده الباقية ببقائه وقد قال تعالى: " والله عنده حسن الثواب " آل عمران: 195 وقال: " وما عند الله باق " النحل - 96 وقال: " كل شئ هالك الا وجهه " القصص: 88. وقوله: " واقاموا الصلاة " أي جعلوها قائمة غير ساقطة بالاخلال باجزائها وشرائطها أو بالاستهانة بأمرها وعطف الصلاة وما بعدها على الصبر من عطف الخاص على العام اعتناء بشأنه وتعظيما لامره كما قيل. وقوله: " وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية " المراد به مطلق الانفاق اعم من الواجب وغيره والاية مكية لم ينزل وجوب الزكاة عند نزولها بعد وتقييد الانفاق بقوله سرا وعلانية للدلالة على استيفائهم حقه فان من الانفاق ما يحسن فيه الاسرار ومنه ما يحسن فيه الاعلان فعلى من آمن بما انزله الله بالحق ان يستوفى من كل حقه فيسر بالانفاق إذا كان في اعلانه مظنة الرياء أو السمعة أو اهانة أو اذهاب ماء الوجه ويعلن فيه فيما كان في اعلانه تشويق الناس على البر والمعروف ودفع التهمة ونحو ذلك. وقوله: " ويدرؤن بالحسنة السيئة " الدرء الدفع والمعنى إذا صادفوا سيئة جاؤا بحسنة تزيد عليها أو تعادلها فيدفعون بها السيئة وهذا اعم من ان يكون ذلك في سيئة صدرت من انفسهم فدفعوها بحسنة جاؤا بها فان الحسنات يذهبن السيئات أو دفعوها بتوبة إلى ربهم فان التائب من الذنب كمن لا ذنب له أو في سيئة اتى بها غيرهم بالنسبة إليهم كمن ظلمهم فدفعوه بالعفو أو بالاحسان إليه أو من جفاهم فقابلوه بحسن الخلق والبشر كما إذا خاطبهم الجاهلون فقالوا سلاما أو اتى بمنكر فنهوا عنه أو ترك معروف فأمروا به.
________________________________________
[ 345 ]
فذلك كله من درء السيئة بالحسنة ولا دليل من جانب اللفظ يدل على التخصيص ببعض هذه الوجوه البتة. وقد اختلف التعبير في هذه الصفات المذكورة لاولى الالباب " الذين يوفون ولا ينقضون ويصلون ويخشون ويخافون وصبروا واقاموا وانفقوا ويدرؤن " فأتى في بعضها وهى ستة بلفظ المضارع وفى بعضها وهى ثلاثة بلفظ الماضي. وقد نقل عن بعضهم في وجه ذلك ان التعبير في قوله: " والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم " الخ بلفظ الماضي وفيما تقدم بلفظ المضارع على سبيل التفنن في الفصاحة لان هذه الافعال وقعت صلة للموصول يعنى الذين والموصول وصلته في معنى اسم الشرط مع الجملة الشرطية والماضي والمضارع يستويان معنى في الجملة الشرطية نحو ان ضربت ضربت وان تضرب اضرب فكذا فيما بمعناه. ولذا قال النحويون إذا وقع الماضي صلة أو صفة لنكرة عامة احتمل ان يراد به المضى وان يراد به الاستقبال فمن الاول الذين قال لهم الناس ومن الثاني الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم. وفيه ان الغاء خصوصية زمان الفعل من المضى والاستقبال في الشرط وما في معناه لا يستوجب الغاء لوازم الازمنة كالتحقق في الماضي والجريان والاستمرار ونحوهما في المضارع فان في الماضي مثلا عناية بالتحقق وان كان ملغى الزمان فصحة السؤال عن نكتة اختلاف التعبير في محله بعد. ويستفاد من كلام بعض آخر في وجهه ان المراد بالاوصاف المتقدمة اعني الوفاء بالعهد والصلة والخشية والخوف الاستصحاب والاستمرار لكن الصبر لما كان مما يتوقف على تحققة التلبس بتلك الاوصاف اعتنى بشأنه فعبر بلفظ الماضي الدال على التحقق وكذا في الصلاة والانفاق اعتناء بشأنهما. وفيه ان بعض الصفات السابقة لا يقصر في الاهمية عن الصبر والصلاة والانفاق كالوفاء بعهد الله الذى اريد به الايمان بالله باجابة دعوة الفطرة فلو كان الاعتناء بالشأن هو الوجه كان من الواجب ان يعبر عنه بلفظ الماضي كغيره من الصبر والصلاة والانفاق
________________________________________
[ 346 ]
والذى احسب والله اعلم ان مجموع قوله تعالى: " والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرؤن بالحسنة السيئة " مسوق لبيان معنى واحد وهو الاتيان بالعمل الصالح اعني اتيان الواجبات وترك المحرمات و تدارك ما يقع فيه من الخلل استثناء بالحسنة فالعمل الصالح هو المقصود بالاصالة ودرء السيئة بالحسنة الذى هو تدارك الخلل الواقع في العمل مقصود بالتبع كالمتمم للنقيصة. فلو جرى الكلام على السياق السابق وقيل: " والذين يصبرون ابتغاء وجه ربهم ويقيمون الصلاة وينفقون مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرؤن بالحسنة السيئة " فأتت هذه العناية وبطل ما ذكر من حديث الاصالة والتبعية لكن قيل " والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم " فأخذ جميع الصبر المستقر امرا واحدا مستمرا ليدل على وقوع كل الصبر منهم ثم قيل ويدرؤن الخ ليدل على دوام مراقبتهم بالنسبة إليه لتدارك ما وقع فيه من الخلل وكذا في الصلاة والانفاق فافهمه. وهذه العناية بوجه نظيرة العناية في قوله تعالى: " ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة " الاية حيث يدل على تفرع تنزل الملائكة على تحقق قولهم ربنا الله واستقامتهم دون الاستمرار عليه. وقوله " اولئك لهم عقبى الدار " أي عاقبتها المحمودة فانها هي العاقبة حقيقة لان الشئ لا ينتهى بحسب ما جبله الله عليه الا إلى عاقبة تناسبه وتكون فيها سعادته واما العاقبة المذمومة السيئة ففيها بطلان عاقبة الشئ لخلل واقع فيه وانما تسمى عاقبة بنحو من التوسع ولذلك اطلق في الاية عقبى الدار واريدت بها العاقبة المحمودة وقوبلت فيما يقابلها من الايات بقوله ولهم سوء الدار ومن هنا يظهر ان المراد بالدار هذه الدار الدنيا أي حياة الدار فالعاقبة عاقبتها. قوله تعالى: " جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم " العدن الاستقرار يقال عدن بمكان كذا إذا استقر فيه ومنه المعدن لمستقر الجواهر الارضية وجنات عدن أي جنات نوع من الاستقرار فيه خلود وسلام من كل جهة. وجنات عدن الخ بدل أو عطف بيان من قوله عقبى الدار أي عاقبة هذه الدار المحمودة هي جنات العدن والخلود فليست هذه الحياة الدنيا بحسب ما طبعها الله
________________________________________
[ 347 ]
عليه الا حياة واحدة متصلة اولها عناء وبلاء وآخرها رخاء نعيم وسلام وهذا الوعد هو الذى يحكى وفاءه تعالى به حكاية عن اهل الجنة بقوله: " وقالوا الحمد لله الذى صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوء من الجنة حيث نشاء " الزمر: 74. والاية كما سمعت تحاذى قوله يصلون ما امر الله به ان يوصل وبيان لعاقبة هذا الحق الذى اخذوه وعملوا به وبشرى لهم انهم سيصاحبون الصالحين من ارحامهم واهليهم من الاباء والامهات والذراري والاخوان والاخوات وغيرهم ويشمل الجميع قوله آبائهم وازواجهم وذرياتهم لان الامهات ازواج الاباء والاخوان والاخوات والاعمام والاخوال واولادهم ذريات الاباء والاباء من الداخلين فمعهم ازواجهم وذرياتهم ففى الاية ايجاز لطيف قوله تعالى: " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " وهذا عقبى اعمالهم الصالحة التى داموا عليها في كل باب من ابواب الحياة بالصبر على الطاعة وعن المعصية وعند المصيبة مع الخشية والخوف. وقوله " سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " قول الملائكة وقد خاطبوهم بالامن والسلام الخالد وعقبى محمودة لا يعتريها ذم وسوء ابدا. قوله تعالى: " والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه " إلى آخر الاية بيان حال غير المؤمنين بطريق المقابلة وقد قوبل بقوله: " ويفسدون في الارض " بقية ما ذكر في الايات السابقة بعد الوفاء بعهد الله والصلة من الاعمال الصالحة وفيه ايماء إلى ان الاعمال الصالحة هي التى تضمن صلاح الارض وعمارة الدار على نحو يؤدى إلى سعادة النوع الانساني ورشد المجتمع البشرى وقد تقدم بيانه في دليل النبوة العامة. وقد بين تعالى جزاء عملهم وعاقبة امرهم بقوله " اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار " واللعن الابعاد من الرحمة والطرد من كل كرامة وليس ذلك الا لانكبابهم على الباطل ورفضهم الحق النازل من الله وليس للباطل الا البوار. قوله تعالى: " الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر " إلى آخر الاية بيان ان ما اوتى الفريقان من العاقبة المحمودة والجنة الخالدة ومن اللعنة وسوء الدار هو من الرزق الذى يرزقه الله من يشاء وكيف يشاء من غير حجر عليه أو الزام.
________________________________________
[ 348 ]
وقد بين ان فعله تعالى يستمر على وفق ما جعله من نظام الحق والباطل فالاعتقاد الحق والعمل به ينتهى إلى الارتزاق بالجنة والسلام والباطل من الاعتقاد والعمل به ينتهى إلى اللعنة وسوء الدار ونكد العيش. وقوله " وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الاخرة الا متاع " يريد به على ما يفيده السياق ان الرزق هو رزق الاخرى لكنهم لميلهم إلى ظاهر الحياة الدنيا وزينتها ركنوا إليها وفرحوا بها وقد اخطأوا فانها حياة غير مقصودة بنفسها ولا خالدة في بقائها بل مقصودة لغيرها الذى هو الحياة الاخرة فهى بالنسبة إلى الاخرة متاع يتمتع به في غيره ولغيره غير مطلوب لنفسه فالحياة الدنيا بالقياس إلى الحياة الاخرة انما تكون من الحق إذا اخذت مقدمة لها يكتسب بها رزقها واما إذا اخذت مطلوبة بالاستقلال فليست الا من الباطل الذى يذهب جفاء ولا ينتفع به في شئ قال تعالى: " وما هذه الحياة الدنيا الا لهو ولعب وان الدار الاخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون " العنكبوت: 64. (بحث روائي) في الاحتجاج عن امير المؤمنين (ع): في حديث يذكر فيه احوال الكفار قوله " فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض " الزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين اثبتوه في القرآن فهو يضمحل ويبطل ويتلاشى عند التحصيل والذى ينفع الناس منه فالتنزيل الذى لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والقلوب تقبله والارض في هذا الموضع هي محل العلم وقراره. اقول المراد بالتنزيل المراد الحقيقي من كلامه تعالى وبكلام الملحدين المثبت في القرآن هو ما فسروه برأيهم وما ذكره (ع) بعض المصاديق والاية اعم مدلولا كما مر. وفى الدر المنثور اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن قتادة: في قوله " الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق " عليكم بالوفاء بالعهد ولا تنقضوا الميثاق فان الله قد نهى عنه وقدم فيه اشد التقدمة وذكره في بضع وعشرين آية نصيحة لكم وتقدمة
________________________________________
[ 349 ]
اليكم وحجة عليكم وانما يعظم الامور بما عظمها الله عند اهل الفهم واهل العقل واهل العلم بالله وذكر لنا ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في خطبته لا ايمان لمن لا امانة له ولا دين لمن لا عهد له. اقول ظاهر كلامه حمل العهد والميثاق في الاية الكريمة على ما يدور بين الناس انفسهم وقد عرفت ان ظاهر السياق خلافه. وفى الكافي باسناده عن عمر بن يزيد قال: سألت ابا عبد الله (ع) عن قول الله عزوجل: " الذين يصلون ما امر الله به ان يوصل " قال قرابتك وفيه ايضا باسناد آخر عنه قال: قلت لابي عبد الله (ع) الذين يصلون ما امر الله به ان يوصل قال نزلت في رحم آل محمد وقد يكون في قرابتك ثم قال ولا تكونن ممن يقول في الشئ انه في شئ واحد. اقول يعنى لا تقصر القرآن على معنى واحد إذا احتمل معنى آخر فان للقرآن ظهرا وبطنا وقد جعل الله مودة ذى القربى وهى من الصلة اجر الرسالة في قوله: " قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى " الشورى: 23 ويدل على ما ذكرنا الرواية الاتية. وفى تفسير العياشي عن عمر بن مريم قال: سألت ابا عبد الله (ع) عن قول الله " الذين يصلون ما امر الله به ان يوصل " قال من ذلك صلة الرحم وغاية تأويلها صلتك ايانا وفيه عن محمد بن الفضيل قال سمعت العبد الصالح يقول: الذين يصلون ما امر الله به ان يوصل قال هي رحم آل محمد معلقة بالعرش تقول اللهم صل من وصلنى و اقطع من قطعني وهى تجرى في كل رحم. اقول وفي هذه المعاني روايات اخر وقد تقدم معنى تعلق الرحم بالعرش في تفسير اوائل سورة النساء في الجزء الرابع من الكتاب. وفى الكافي باسناده عن سماعة بن مهران عن ابى عبد الله (ع) قال: ومما فرض الله عزوجل ايضا في المال من غير الزكاة قوله عزوجل: " الذين يصلون ما امر الله به
________________________________________
[ 350 ]
ان يوصل ". اقول ورواه العياشي في تفسيره. وفى تفسير العياشي عن حماد بن عثمان عن ابى عبد الله (ع): انه قال لرجل: يا فلان مالك ولاخيك ؟ قال جعلت فداك كان لى عليه حق فاستقصيت منه حقي قال أبو عبد الله (ع) اخبرني عن قول الله " ويخافون سوء الحساب " أتراهم خافوا ان يجور عليهم أو يظلمهم لا والله خافوا الاستقصاء والمداقة اقول ورواه في المعاني وتفسير القمى وفيه عن هشام بن سالم عن ابى عبد الله (ع): في قوله ويخافون سوء الحساب قال الاستقصاء والمداقة وقال يحسب عليهم السيئات ولا يحسب لهم الحسنات. اقول وذيل الحديث مروى بطرق مختلفه عنه (ع) وعدم حساب الحسنات انما هو لمكان المداقة والحصول على وجوه الخلل الخفية كما تدل عليه الرواية التالية. وفيه عن هشام عنه (ع): في الاية قال يحسب عليهم السيئات ولا يحسب لهم الحسنات وهو الاستقصاء وفيه عن جابر عن ابى جعفر (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بر الوالدين وصلة الرحم يهون الحساب ثم تلا هذه الاية: " الذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب " وفى الدر المنثور: في قوله جنات عدن اخرج ابن مردويه عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جنة عدن قضيب غرسه الله بيده ثم قال له كن فكان وفى الكافي باسناده عن عمرو بن شمر اليماني يرفع الحديث إلى علي (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الصبر ثلاثة صبر عند المصيبة وصبر على الطاعة وصبر عن المعصية فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الارض ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الارض إلى العرش ومن صبر عن المعصية كتب
________________________________________
[ 351 ]
الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الارض إلى منتهى العرش. * * * ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه آية من ربه قل ان الله يضل من يشاء ويهدى إليه من اناب - 27. الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب - 28. الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب - 29. كذلك ارسلناك في امة قد خلت من قبلها امم لتتلو عليهم الذى اوحينا اليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربى لا اله الا هو عليه توكلت واليه متاب - 30. ولو ان قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى بل لله الامر جميعا أفلم يايئس الذين آمنوا ان لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى ياتي وعد الله ان الله لا يخلف الميعاد - 31. ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم اخذتهم فكيف كان عقاب - 32. أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم ام تنبؤنه بما لا يعلم في الارض ام
________________________________________
[ 352 ]
بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد - 33. لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الاخرة اشق وما لهم من الله من واق - 34. مثل الجنة التى وعد المتقون تجرى من تحتها الانهار اكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار - 35. (بيان) عود ثان إلى قول الكفار لولا انزل عليه آية من ربه نراها فنهتدى بها ونعدل بذلك عن الشرك إلى الايمان ويجيب تعالى عنه بأن الهدى والضلال ليس شئ منهما إلى ما ينزل من آية بل ان ذلك إليه تعالى يضل من يشاء ويهدى من يشاء وقد جرت السنة الالهية على هداية من اناب إليه وكان له قلب يطمئن إلى ذكره واولئك لهم حسن المآب وعقبى الدار واضلال من كفر باياته الواضحة واولئك لهم عذاب في الدنيا ولعذاب الاخرة اشق وما لهم من دون الله من واق. وان الله انزل عليهم آية معجزة مثل القرآن لو امكنت هداية احد من غير مشية الله لكانت به لكن الامر إلى الله وهو سبحانه لا يريد هداية من كتب عليهم الضلال من اهل الكفر والمكر ومن يضلل الله فما له من هاد. قوله تعالى: " ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه آية من ربه قل ان الله يضل من يشاء ويهدى إليه من اناب " عود إلى قول الكفار لولا انزل عليه آية من ربه وانما ارادوا به انه لو انزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم آية من ربه لاهتدوا به واستجابوا له وهم لا يعدون القرآن النازل إليه آية. والدليل على ارادتهم هذا المعنى قوله بعده " قل ان الله يضل من يشاء " الخ


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page