• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 226 الي 250


[ 226 ]
ومن هنا يظهر ان الاستثناء يفيد انه كان من دين الملك ان يؤخذ المجرم بما يرضاه لنفسه من الجزاء وهو اشق وكان ذلك متداولا في كثير من السنن القومية وسياسات الملوك. وقوله " نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم " ا متنان على يوسف (ع) بما رفعه الله على اخوته وبيان لقوله كذلك كدنا ليوسف وكان امتنانا عليه. وفى قوله وفوق كل ذى علم عليم بيان ان العلم من الامور التى لا يقف على حد ينتهى إليه بل كل ذى علم يمكن ان يفرض من هو اعلم منه. وينبغى ان يعلم ان ظاهر قوله ذى علم هو العلم الطارئ على العالم الزائد على ذاته لما في لفظه ذى من الدلالة على المصاحبة والمقارنة فالله سبحانه وعلمه الذى هو صفة ذاته عين ذاته وهو تعالى علم غير محدود كما ان وجوده احدى غير محدود خارج بذاته عن اطلاق الكلام. على ان الجملة وفوق كل ذى علم عليم انما تصدق فيما امكن هناك فرض فوق والله سبحانه لا فوق له ولا تحت له ولا وراء لوجوده ولا حد لذاته ولا نهاية. ولا يبعد ان يكون قوله " وفوق كل ذى علم عليم " اشارة إلى كونه تعالى فوق كل ذى علم بان يكون المراد بعليم هو الله سبحانه اورد في هيئة النكرة صونا للسان عن تعريفه للتعظيم. قوله تعالى: " قالوا ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل " إلى آخر الاية القائلون هم اخوة يوسف (ع) لابيه ولذلك نسبوا يوسف إلى اخيهم المتهم بالسرقة لانهما كانا من ام واحدة والمعنى انهم قالوا ان يسرق هذا صواع الملك فليس ببعيد منه لانه كان له اخ وقد تحققت السرقة منه من قبل فهما يتوارثان ذلك من ناحية امهما ونحن مفارقوهما في الام. وفى هذا نوع تبرئة لانفسهم من السرقة لكنه لا يخلو من تكذيب لما قالوه آنفا " وما كنا سارقين " لانهم كانوا ينفون به السرقة عن ابناء يعقوب جميعا والا لم يكن ينفعهم البتة فقولهم فقد سرق اخ له من قبل يناقضه وهو ظاهر على انهم اظهروا
________________________________________
[ 227 ]
بهذه الكلمة ما في نفوسهم من الحسد ليوسف واخيه ولعلهم لم يشعروا به وهذا يكشف عن امور مؤسفة كثيرة فيما بينهم. وبهذا يتضح بعض الاتضاح معنى قول يوسف انتم شر مكانا كما ان الظاهر ان قوله انتم شر مكانا إلى آخر الاية كالبيان لقوله " فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم " وكما ان قوله ولم يبدها لهم عطف تفسير لقوله فأسرها يوسف في نفسه. والمعنى والله اعلم فأسرها أي اخفى هذه الكلمة التى قالوها أي لم يتعرض لما نسبوا إليه من السرقة ولم ينفه ولم يبين حقيقة الحال بل اسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم وكان هناك قائلا يقول كيف اسرها في نفسه فاجيب انه قال انتم شر مكانا واسوء حالا لما في اقوالكم من التناقض وفى نفوسكم من غريزة الحسد الظاهرة واجترائكم على الكذب في حضرة العزيز بعد هذا الاكرام والاحسان كله والله اعلم بما تصفون انه قد سرق اخ له من قبل فلم يكذبهم في وصفهم ولم ينفه. وذكر بعض المفسرين ان معنى قوله انتم شر مكانا الخ انكم اسوء حالا منه لانكم سرقتم اخاكم من ابيكم والله اعلم أسرق اخ له من قبل ام لا. وفيه ان من الجائز ان يكون هذا المعنى بعض ما قصده يوسف بقوله انتم شر مكانا لكن الكلام فيما تلقاه اخوته من قوله هذا والظرف هذا الظرف هم ينكرون يوسف (ع) وهو لا يريد ان يعرفهم نفسه ولا ينطبق قوله في مثل هذا الظرف الا بما تقدم. وربما ذكر بعضهم ان التى اسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم هي كلمته انتم شر مكانا فلم يخاطبهم بها ثم جهر بقوله " والله اعلم بما تصفون " وهذا بعيد غير مستفاد من السياق. قوله تعالى: " قالوا يا ايها العزيز ان له ابا شيخا كبيرا فخذ احدنا مكانه انا نراك من المحسنين " سياق الايات يدل على انهم انما قالوا هذا القول لما شاهدوا انه استحق الاخذ والاستعباد وذكروا انهم اعطوا اباهم موثقا من الله ان يرجعوه إليه فلم يكن في مقدرتهم ان يرجعوا إلى ابيهم ولا يكون معهم فعند ذلك عزموا ان يفدوه بواحد منهم ان قبل
________________________________________
[ 228 ]
العزيز وكلموا العزيز في ذلك ان ياخذ أي من شاء منهم ويخلى عن سبيل اخيهم المتهم ليرجعوه إلى ابيه. ومعنى الاية ظاهر وفي اللفظ ترقيق واسترحام واثارة لصفة الفتوة والاحسان من العزيز. قوله تعالى: " قال معاذ الله ان ناخذ الا من وجدنا متاعنا عنده انا إذا لظالمون " رد منه (ع) لسؤالهم ان ياخذ احدهم مكانه ومعنى الاية ظاهر. قوله تعالى: " فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا " إلى آخر الاية قال في المجمع اليأس قطع الطمع من الامر يقال يئس يياس وايس يأيس لغة واستفعل مثل استيأس واستأيس قال ويئس واستيأس بمعنى مثل سخر واستسخر وعجب واستعجب. والنجى القوم يتناجون الواحد والجمع فيه سواء قال سبحانه وقربناه نجيا وانما جاز ذلك لانه مصدر وصف به والمناجاة المسارة واصله من النجوة هو المرتفع من الارض فانه رفع السر من كل واحد إلى صاحبه في خفية والنجوى يكون اسما ومصدرا قال سبحانه " واذ هم نجوى " أي يتناجون وقال في المصدر انما النجوى من الشيطان وجمع النجى انجية قال وبرح الرجل براحا إذا تنحى عن موضعه انتهى. والضمير في قوله فلما استيأسوا منه ليوسف ويمكن ان يكون لاخيه والمعنى فلما استيأسوا أي اخوة يوسف منه أي من يوسف ان يخلى عن سبيل اخيه ولو بأخذ احدهم بد لا منه خلصوا وخرجوا من بين الناس إلى فراغ نجيا يتناجون في امرهم أيرجعون إلى ابيهم وقد اخذ منهم موثقا من الله ان يعيدوا اخاهم إليه ام يقيمون هناك ولا فائدة في اقامتهم ؟ ماذا يصنعون ؟ قال كبيرهم مخاطبا لسائرهم " ألم تعلموا ان اباكم قد اخذ عليكم موثقا من الله " الا ترجعوا من سفركم هذا إليه الا باخيكم ومن قبل هذه الواقعة ما فرطتم أي تفريطكم وتقصيركم في امر يوسف عهدتم اباكم ان تحفظوه وتردوه إليه سالما فألقيتموه في الجب ثم بعتموه من السيارة ثم اخبرتم اباكم انه اكله الذئب. " فلن ابرح الارض " أي فإذا كان الشأن هذا الشان لن اتنحى ولن افارق ارض
________________________________________
[ 229 ]
مصر حتى يأذن لى ابى برفعه اليد عن الموثق الذى واثقته به أو يحكم الله لى وهو خير الحاكمين فيجعل لى طريقا إلى النجاة من هذه المضيقة التى سدت لى كل باب وذلك اما بخلاص اخى من يد العزيز من طريق لا احتسبه أو بموتى أو بغير ذلك من سبيل ! ! اما انا فأختار البقاء ههنا واما انتم فارجعوا إلى ابيكم إلى آخر ما ذكر في الايتين التاليتين. قوله تعالى: " ارجعوا إلى ابيكم وقولوا يا ابانا ان ابنك سرق وما شهدنا الا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين " قيل المراد بقوله: " وما شهدنا الا بما علمنا " انا لم نشهد في شهادتنا هذه ان ابنك سرق الا بما علمنا من سرقته وقيل المراد ما شهدنا عند العزيز ان السارق يؤخذ بسرقته ويسترق الا بما علمنا من حكم المسالة قيل وانما قالوا ذلك حين قال لهم يعقوب ما يدرى الرجل ان السارق يؤخذ بسرقته ويسترق ؟ وانما علم ذلك بقولكم واقرب المعنيين إلى السياق أو لهما. وقوله: " وما كنا للغيب حافظين " قيل أي لم نكن نعلم ان ابنك سيسرق فيؤخذ ويسترق وانما كنا نعتمد على ظاهر الحال ولو كنا نعلم ذلك لما بادرنا إلى تسفيره معنا ولا اقدمنا على الميثاق. والحق ان المراد بالغيب كونه سارقا مع جهلهم بها ومعنى الاية ان ابنك سرق وما شهدنا في جزاء السرقة الا بما علمنا وما كنا نعلم انه سرق السقاية وانه سيؤخذ بها حتى نكف عن تلك الشهادة فما كنا نظن به ذلك قوله تعالى: " واسأل القرية التى كنا فيها والعير التى اقبلنا فيها وانا لصادقون " أي واسال جميع من صاحبنا في هذه السفرة أو شاهد جريان حالنا عند العزيز حتى لا يبقى لك ادنى ريب في انا لم نفرط في امره بل انه سرق فاسترق. فالمراد بالقرية التى كانوا فيها بلدة مصر على الظاهر وبالعير التى اقبلوا فيها القافلة التى كانوا فيها وكان رجالها يصاحبونهم في الخروج إلى مصر والرجوع منها ثم اقبلوا مصاحبين لهم ولذلك عقبوا عرض السؤال بقولهم وانا لصادقون أي فيما نخبرك من سرقته واسترقاقه لذلك ونكلفك السؤال لازالة الريب من نفسك
________________________________________
[ 230 ]
* * * قال بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل عسى الله ان ياتيني بهم جميعا انه هو العليم الحكيم 83 وتولى عنهم وقال يا اسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم - 84. قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين - 85. قال انما اشكوا بثى وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون - 86 يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون - 87 فلما دخلوا عليه قالوا يا ايها العزيز مسنا واهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ان الله يجزى المتصدقين - 88 قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه إذ انتم جاهلون - 89 قالواء إنك لانت يوسف قال انا يوسف وهذا اخى قد من الله علينا انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين - 90 قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين - 91 قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم
________________________________________
[ 231 ]
وهو ارحم الراحمين - 92 (بيان) الايات تتضمن محاورة يعقوب بنيه بعد رجوعهم ثانيا من مصر واخبارهم اياه خبر اخى يوسف وامره برجوعهم ثالثا إلى مصر وتحسسهم من يوسف واخيه إلى ان عرفهم يوسف (ع) نفسه. قوله تعالى: " قال بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل عسى الله ان يأتيني بهم جميعا انه هو العليم الحكيم " في المقام حذف كثير يدل عليه قوله ارجعوا إلى ابيكم فقولوا إلى آخر الايتين والتقدير ولما رجعوا إلى ابيهم وقالوا ما وصاهم به كبيرهم قال ابوهم بل سولت لكم انفسكم امرا الخ. وقوله " قال بل سولت لكم انفسكم امرا حكاية ما اجابهم به يعقوب (ع) ولم يقل (ع) هذا القول تكذيبا لهم فيما اخبروه به وحاشاه ان يكذب خبرا يحتف بقرائن الصدق وتصاحبه شواهد يمكن اختباره بها ولا رماهم بقوله بل سولت لكم انفسكم امر ارميا بالمظنة بل ليس الا انه وجد بفراسة الهية ان هذه الواقعة ترتبط وتتفرع على تسويل نفساني منهم اجمالا وكذلك كان الامر فان الواقعة من اذناب واقعة يوسف وكانت واقعته من تسويل نفساني منهم. ومن هنا يظهر انه (ع) لم ينسب إلى تسويل انفسهم عدم رجوع اخى يوسف فحسب بل عدم رجوعه وعدم رجوع كبيرهم الذى توقف بمصر ولم يرجع إليه ويشهد لذلك قوله " عسى الله ان يأتيني بهم جميعا " فجمع في ذلك بين يوسف واخيه وكبير الاخوة فلم يذكر اخا يوسف وحده ولا يوسف واخاه معا فظاهر السياق ان ترجيه رجوع بنيه الثلاثة مبنى على صبره الجميل قبال ما سولت لهم انفسهم امرا. فالمعنى والله اعلم ان هذه الواقعة مما سولت لكم انفسكم كما قلت ذلك في
________________________________________
[ 232 ]
واقعة يوسف فصبر جميل قبال تسويل انفسكم عسى الله ان ياتيني بابنائى الثلاثة جميعا. ومن هنا يظهر ان قولهم ان المعنى ما عندي ان الامر على ما تصفونه بل سولت لكم انفسكم امرا فيما اظن ليس في محله. وقوله " عسى الله ان يأتيني بهم جميعا انه هو العليم الحكيم " ترج مجرد لرجوعهم جميعا مع ما فيه من الاشارة إلى ان يوسف حى لم يمت على ما يراه وليس مشربا معنى الدعاء ولو كان في معنى الدعاء لم يختمه بقوله انه هو العليم الحكيم بل بمثل قولنا انه هو السميع العليم أو الرؤف الرحيم أو ما يناظرهما كما هو المعهود في الادعية المنقولة في القرآن الكريم. بل هو رجاء لثمرة الصبر فهو يقول ان واقعة يوسف السابقة وهذه الواقعة التى اخذت منى ابنين آخرين انما هما لامر ما سولته لكم انفسكم فسا صبر صبرا وارجو به ان ياتيني الله بابنائى جميعا ويتم نعمته على آل يعقوب كما وعدنيه انه هو العليم بمورد الاجتباء واتمام النعمة حكيم في فعله يقدر الامور على ما تقتضيه الحكمة البالغة فلا ينبغى للانسان ان يضطرب عند البلايا والمحن بالطيش والجزع ولا ان ييأس من روحه ورحمته. والاسمان العليم الحكيم هما اللذان ذكرهما يعقوب ليوسف (ع) لاول مرة اول رؤياه فقال ان ربك عليم حكيم ثم ذكرهما يوسف ليعقوب (ع) ثانيا حيث رفع ابويه على العرش وخروا له سجدا فقال يا ابت هذا تأويل رؤياي إلى ان قال وهو العليم الحكيم. قوله تعالى: " وتولى عنهم وقال يا اسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم " قال الراغب في المفردات الاسف الحزن والغضب معا وقد يقال لكل واحد منهما على الانفراد وحقيقته ثوران دم القلب شهوة الانتقام فمتى كان ذلك على من دونه انتشر فصار غضبا ومتى كان على من فوقه انقبض فصار حزنا إلى ان قال وقوله تعالى: " فلما آسفونا " انتقمنا منهم أي اغضبونا قال أبو عبد الله (1) الرضا: ان الله لا ياسف كأسفنا ولكن له اولياء ياسفون ويرضون - فجعل رضاهم رضاه وغضبهم
________________________________________
(1) كذا في النسخة المنقولة عنها والصحيح أبو الحسن. (*)
________________________________________
[ 233 ]
غضبه قال وعلى ذلك قال - من اهان لى وليا فقد بارزنى بالمحاربة انتهى. وقال الكظم مخرج النفس يقال اخذ بكظمه والكظوم احتباس النفس ويعبر به عن السكوت كقولهم فلان لا يتنفس إذا وصف بالمبالغة في السكوت وكظم فلان حبس نفسه قال تعالى: " إذ نادى وهو مكظوم " وكظم الغيظ حبسه قال تعالى: " والكاظمين الغيظ " ومنه كظم البعير إذا ترك الاجترار وكظم السقاء شدة بعد ملئه مانعا لنفسه انتهى. وقوله " وابيضت عيناه من الحزن " ابيضاض العين أي سوادها هو العمى وبطلان الابصار وربما يجامع قليل ابصار لكن قوله الاتى: " اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه ابى يأت بصيرا " الاية: 93 من السورة يشهد بانه كناية عن ذهاب البصر. ومعنى الاية ثم تولى واعرض يعقوب (ع) عنهم أي عن ابنائه بعد ما خاطبهم بقوله بل سولت لكم انفسكم امرا وقال يا اسفى ويا حزني على يوسف وابيضت عيناه وذهب بصره من الحزن على يوسف فهو كظيم حابس غيظه متجرع حزنه لا يتعرض لبنيه بشئ. قوله تعالى: " قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين " الحرض والحارض المشرف على الهلاك وقيل هو الذى لا ميت فينسى ولا حى فيرجى والمعنى الاول انسب بالنظر إلى مقابلته الهلاك والحرض لا يثنى ولا يجمع لانه مصدر. والمعنى نقسم بالله لا تزال تذكر يوسف وتديم ذكره منذ سنين لا تكف عنه حتى تشرف على الهلاك أو تهلك وظاهر قولهم هذا انهم انما قالوه رقة بحاله ورأفة به ولعلهم انما تفوهوا به تبر ما ببكائه وسأمة من طول نياحه ليوسف وخاصة من جهة انه كان يكذبهم في ما كانوا يدعونه من امر يوسف وكان ظاهر بكائه وتأسفه انه يشكوهم كما ربما يؤيده قوله: " انما اشكوا " الخ. قوله تعالى: " قال انما اشكوا بثى وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون " قال في المجمع البث الهم الذى لا يقدر صاحبه على كتمانه فيبثه أي يفرقه وكل شئ فرقته فقد بثثته ومنه قوله: " وبث فيها من كل دابة انتهى فهو من المصدر بمعنى المفعول أي المبثوث.
________________________________________
[ 234 ]
والحصر الذى في قوله انما اشكوا الخ من قصر القلب فيكون مفاده انى لست اشكو بثى وحزني اليكم معاشر ولدى واهلى ولو كنت اشكوه اليكم لا نقطع في اقل زمان كما يجرى عليه دأب الناس في بثهم وحزنهم عند المصائب وانما اشكو بثى وحزني إلى الله سبحانه ولا ياخذه ملل ولا سأمة فيما يسأله عنه عباده ويبرمه ارباب الحوائج ويلحون عليه واعلم من الله ما لا تعلمون فلست ايأس من روحه ولا اقنط من رحمته. وفى قوله " واعلم من الله ما لا تعلمون " اشارة اجمالية إلى علمه بالله لا يستفاد منه الا ما يساعد على فهمه المقام كما اشرنا إليه. قوله تعالى: " يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون " قال في المجمع التحسس بالحاء طلب الشئ بالحاسة والتجسس بالجيم نظيره وفي الحديث: لا تحسسوا ولا تجسسوا وقيل ان معناهما واحد ونسق احدهما على الاخر لاختلاف اللفظين كقول الشاعر " متى ادن " منه ينأ عنه ويبعد. وقيل التجسس بالجيم البحث عن عورات الناس وبالحاء الاستماع لحديث قوم وسئل ابن عباس عن الفرق بينهما ؟ قال: لا يبعد احدهما عن الاخر التحسس في الخير والتجسس في الشر انتهى. وقوله " ولا تيأسوا من روح الله " الروح بالفتح فالسكون النفس أو النفس الطيب ويكنى به عن الحالة التى هي ضد التعب وهى الراحة وذلك ان الشدة التى فيها انقطاع الاسباب وانسداد طرق النجاة تتصور اختناقا وكظما للانسان وبالمقابلة الخروج إلى فسحة الفرج والظفر بالعافية تنفسا وروحا لقولهم يفرج الهم وينفس الكرب فالروح المنسوب إليه تعالى هو الفرج بعد الشدة باذن الله ومشيته وعلى من يؤمن بالله ان يعتقد ان الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا قاهر لمشيته ولا معقب لحكمه وليس له ان ييأس من روح الله ويقنط من رحمته فانه تحديد لقدرته وفي معنى الكفر باحاطته وسعة رحمته كما قال تعالى حاكيا عن لسان يعقوب (ع) " انه لا يياس من روح الله الا القوم الكافرون " وقال حاكيا عن لسان ابراهيم (ع) " ومن يقنط من رحمه ربه الا الضالون " الحجر: 56 وقد عد اليأس من روح الله في الاخبار المأثورة من الكبائر الموبقة.
________________________________________
[ 235 ]
ومعنى الاية ثم قال يعقوب لبنيه آمرا لهم " يا بنى اذهبوا فتحسسوا " من يوسف واخيه " الذى اخذ بمصر وابحثوا عنهما لعلكم تظفرون بهما ولا تياسوا من روح الله والفرج الذى يرزقه الله بعد الشدة " انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون " الذين لا يؤمنون بان الله يقدر ان يكشف كل غمة وينفس عن كل كربة قوله تعالى: " فلما دخلوا عليه قالوا يا ايها العزيز مسنا واهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة " الخ البضاعة المزجاة المتاع القليل وفي الكلام حذف والتقدير فساروا بنى يعقوب إلى مصر ولما دخلوا على يوسف قالوا الخ. كانت لهم على ما يدل عليه السياق حاجتان إلى العزيز ولا مطمع لهم بحسب ظاهر الاسباب إلى قضائهما واستجابته عليهم فيهما. احداهما ان يبيع منهم الطعام ولا ثمن عندهم يفى بما يريدونه من الطعام على انهم عرفوا بالكذب وسجل عليهم السرقة من قبل وهان امرهم على العزيز لا يرجى منه ان يكرمهم بما كان يكرمهم به في الجيئة الاولى. وثانيتهما ان يخلى عن سبيل اخيهم المأخوذ بالسرقة وقد استيأسوا منه بعد ما كانوا الحوا عليه فأبى العزيز حتى عن تخلية سبيله بأخذ احدهم مكانه. ولذلك لما حضروا عند يوسف العزيز وكلموه وهم يريدون اخذ الطعام واعتاق اخيهم اوقفوا انفسهم موقف التذلل والخضوع وبالغوا في رقة الكلام استرحاما واستعطافا فذكروا أو لا ما مسهم واهلهم من الضر وسوء الحال ثم ذكروا قلة ما اتوا به من البضاعة ثم سألوه ايفاء الكيل واما حديث اخيهم المأخوذ فلم يصرحوا بسؤال تخلية سبيله بل سألوه ان يتصدق عليهم وانما يتصدق بالمال والطعام مال واخوهم المسترق مال العزيز ظاهرا ثم حرضوه بقولهم: " ان الله يجزى المتصدقين " وهو في معنى الدعاء. فمعنى الاية يا ايها العزيز مسنا واهلنا الضر واحاط بنا جميعا المضيقة وسوء الحال وجئنا اليك ببضاعة مزجاة ومتاع قليل لا يعدل ما نسألك من الطعام غير انه نهاية ما في وسعنا فأوف لنا الكيل وتصدق علينا وكأنهم يريدون به اخاهم أو اياه والطعام ان الله يجزى المتصدقين خيرا.
________________________________________
[ 236 ]
وقد بدؤا القول بخطاب " يا ايها العزيز " وختموه بما في معنى الدعاء واتوا خلاله بذكر سوء حالهم والاعتراف بقلة بضاعتهم وسؤاله ان يتصدق عليهم وهو من امر السؤال والموقف موقف الاسترحام ممن لا يستحق ذلك لسوء سابقته وهم عصبة قد اصطفوا امام عزيز مصر. وعند ذلك تمت الكلمة الالهية انه سيرفع يوسف واخاه ويضع عنده سائر بنى يعقوب لظلمهم ولذلك لم يلبث يوسف (ع) دون ان اجابهم بقوله " هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه " وعرفهم نفسه وقد كان يمكنه (ع) ان يخبر اباه واخوته مكانه وانه بمصر طول هذه المدة غير القصيرة لكن الله سبحانه شاء ان يوقف اخوته امامه ومعه اخوه المحسود موقف المذلة والمسكنة وهو متك على اريكه العزة. قوله تعالى قال: " هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه إذ انتم جاهلون " انما يخاطب المخطئ المجرم بمثل هل علمت وأتدرى وأرايت ونحوها وهو عالم بما فعل لتذكيره جزاء عمله ووبال ذنبه لكنه (ع) اعقب استفهامه بقوله " إذ انتم جاهلون " وفيه تلقين عذر. فقوله " هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه " مجرد تذكير لعملهم بهما من غير توبيخ ومؤاخذة ليعرفهم من الله عليه وعلى اخيه وهذا من عجيب فتوة يوسف (ع) ويا لها من فتوة. قوله تعالى: " قالواء انك لانت يوسف قال انا يوسف وهذا اخى قد من الله علينا " إلى آخر الاية تأكيد الجملة المستفهم عنها للدلالة على ان الشواهد القطعية قامت على تحقق مضمونها وانما يستفهم لمجرد الاعتراف فحسب. وقد قامت الشواهد عندهم على كون العزيز هو اخاهم يوسف ولذلك سألوه بقولهم " ء إنك لانت يوسف " مؤكدا بان واللام وضمير الفصل فأجابهم بقوله انا يوسف وهذا اخى " وانما الحق اخاه بنفسه ولم يسالوا عنه وما كانوا يجهلونه ليخبر عن من الله عليهما وهما معا المحسودان ولذا قال " قد من الله علينا ". ثم اخبر عن سبب المن الالهى بحسب ظاهر الاسباب فقال " انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين " وفيه دعوتهم إلى الاحسان وبيان انه يتحقق بالتقوى
________________________________________
[ 237 ]
والصبر. قوله تعالى: " قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين " الايثار هو الاختيار والتفضيل والخطأ ضد الصواب والخاطئ والمخطئ من خطا خطا واخطا اخطاء بمعنى واحد ومعنى الاية ظاهر وفيها اعترافهم بالخطأ وتفضيل الله يوسف عليهم. قوله تعالى: " قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين " التثريب التوبيخ والمبالغة في اللوم وتعديد الذنوب وانما قيد نفى التثريب باليوم ليدل على مكانة صفحه واغماضه عن الانتقام منهم والظرف هذا الظرف هو عزيز مصر اوتى النبوة والحكم وعلم الاحاديث ومعه اخوه وهم اذلاء بين يديه معترفون بالخطيئة وان الله آثره عليهم بالرغم من قولهم اول يوم " ليوسف واخوه احب إلى ابينا منا ونحن عصبة ان ابانا لفى ضلال مبين ". ثم دعا لهم واستغفر بقوله " يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين " وهذا دعاء واستغفار منه لاخوته الذين ظلموه جميعا وان كان الحاضرون عنده اليوم بعضهم لا جميعهم كما يستفاد من قوله تعالى الاتى " قالوا تالله انك لفى ضلالك القديم " وسيجئ ان شاء الله تعالى. (بحث روائي) في تفسير العياشي عن ابى بصير قال سمعت ابا جعفر (ع) يحدث قال: لما فقد يعقوب يوسف (ع) اشتد حزنه عليه وبكاؤه حتى ابيضت عيناه من الحزن واحتاج حاجة شديدة وتغيرت حالته وكان يمتار القمح من مصر لعياله في السنة مرتين للشتاء والصيف وانه بعث عدة من ولده ببضاعة يسيرة إلى مصر فرفع لهم رفقة خرجت. فلما دخلوا على يوسف وذلك بعد ما ولاه العزيز مصر فعرفهم يوسف ولم يعرفه اخوته لهيبة الملك وعزته فقال لهم هلموا بضاعتكم قبل الرفاق وقال لفتيانه عجلوا لهؤلاء الكيل واو فهم فإذا فرغتم فاجعلوا بضاعتهم هذه في رحالهم ولا تعلموهم بذلك ففعلوا ثم قال لهم يوسف قد بلغني انه قد كان لكم اخوان من ابيكم فما فعلا ؟ قالوا اما
________________________________________
[ 238 ]
الكبير منهما فان الذئب اكله واما الصغير فخلفناه عند ابيه وهو به ضنين وعليه شفيق قال فانى احب ان تأتوني به معكم إذا جئتم لتمتاروا فان لم تاتونى به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه اباه وانا لفاعلون. فلما رجعوا إلى ابيهم وفتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم في رحالهم قالوا يا ابانا ما نبغى ؟ هذه بضاعتنا ردت الينا وكيل لنا كيل قد زاد حمل بعير فارسل معنا اخانا نكتل وانا له لحافظون قال هل آمنكم عليه الا كما امنتكم على اخيه من قبل. فلما احتاجوا بعد ستة اشهر بعثهم يعقوب وبعث معهم بضاعة يسيرة وبعث معهم ابن يامين واخذ عنهم بذلك موثقا من الله لتأتنني به الا ان يحاط بكم اجمعين فانطلقوا مع الرفاق حتى دخلوا على يوسف فقال هل معكم ابن يامين ؟ قالوا نعم هو في الرحل قال لهم فأتوني به وهو في دار الملك قد خلا وحده فادخلوه عليه فضمه إليه وبكى وقال له انا اخوك يوسف فلا تبتئس بما تراني اعمل واكتم ما اخبرتك به ولا تحزن ولا تخف. ثم اخرجه إليهم وامر فتيانه ان ياخذوا بضاعتهم ويعجلوا لهم الكيل فإذا فرغوا جعلوا المكيال في رحل ابن يامين ففعلوا به ذلك وارتحل القوم مع الرفقة فمضوا - فلحقهم يوسف وفتيته فنادوا فيهم قال ايتها العير انكم لسارقون قالوا واقبلوا عليهم ماذا تفقدون ؟ قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين قالوا فما جزاؤه ان كنتم كاذبين ؟ قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه. قال فبدء بأوعيتهم قبل وعاء اخيه ثم استخرجها من وعاء اخيه قالوا ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل فقال لهم يوسف ارتحلوا عن بلادنا قالوا يا ايها العزيز ان له ابا شيخا كبيرا وقد اخذ علينا موثقا من الله لنرد به إليه فخذ احدنا مكانه انا نراك من المحسنين ان فعلت قال معاذ الله ان ناخذ الا من وجدنا متاعنا عنده فقال كبيرهم انى لست ابرح الارض حتى ياذن لى ابى أو يحكم الله لى. ومضى اخوة يوسف حتى دخلوا على يعقوب فقال لهم فأين ابن يامين ؟ قالوا ابن يامين سرق مكيال الملك فأخذه الملك بسرقته فحبس عنده فاسأل اهل القرية والعير حتى يخبروك بذلك فاسترجع واستعبر واشتد حزنه حتى تقوس ظهره
________________________________________
[ 239 ]
وفيه عن ابى حمزة الثمالى عن ابى جعفر (ع) قال سمعته يقول: صواع الملك الطاس الذى يشرب فيه. اقول وفي بعض الروايات انه كان قدحا من ذهب وكان يكتال به يوسف (ع). وفيه عن ابى بصير عن ابى جعفر (ع) وفي نسخة عن ابى عبد الله (ع) قال: قيل له وانا عنده ان سالم بن حفصة روى عنك انك تكلم على سبعين وجها لك منها المخرج قال ما يريد سالم منى ؟ أ يريد ان اجئ بالملائكة فو الله ما جاء بهم النبيون ولقد قال ابراهيم انى سقيم ووالله ما كان سقيما وما كذب ولقد قال ابراهيم بل فعله كبيرهم وما فعله كبيرهم وما كذب ولقد قال يوسف ايتها العير انكم لسارقون والله ما كانوا سرقوا وما كذب وفيه عن رجل من اصحابنا عن ابى عبد الله (ع) قال: سالت عن قول الله في يوسف " ايتها العير انكم لسارقون " قال انهم سرقوا يوسف من ابيه ألا ترى انه قال لهم حين قالوا واقبلوا عليهم ما ذا تفقدون ؟ قالوا نفقد صواع الملك ولم يقولوا سرقتم صواع الملك انما عنى انكم سرقتم يوسف من ابيه وفي الكافي باسناده عن الحسن الصيقل قال: قلت لابي عبد الله (ع) انا قد روينا عن ابى جعفر (ع) في قول يوسف - " ايتها العير انكم لسارقون " فقال والله ما سرقوا وما كذب وقال ابراهيم بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون فقال والله ما فعل وما كذب. قال فقال أبو عبد الله (ع) ما عندكم فيها يا صيقل ؟ قلت ما عندنا فيها الا التسليم قال فقال ان الله احب اثنين وابغض اثنين احب الخطو فيما بين الصفين واحب الكذب في الاصلاح - وابغض الخطو في الطرقات وابغض الكذب في غير الاصلاح ان ابراهيم انما قال بل فعله كبيرهم ارادة الاصلاح ودلالة على انهم لا يفعلون وقال يوسف ارادة الاصلاح. اقول قوله (ع) انه اراد الاصلاح لا ينافى ما في الرواية السابقة انه اراد به سرقهم يوسف من ابيه فكون ظاهر الكلام مما لا يطابق الواقع غير كون المتكلم مريدا به معنى صحيحا في نفسه غير مفهوم منه في ظرف التخاطب والدليل على ذلك قوله
________________________________________
[ 240 ]
(ع) انه اراد الاصلاح ودل على انهم لا يفعلون حيث جمع بين المعنيين وللفظ بحسب احدهما وهو الثاني مطابق دون الاخر فافهمه وارجع إلى ما قدمناه في البيان. وفى معنى الاحاديث الثلاثة الاخيرة اخبار اخر مروية في الكافي والمعاني وتفسيري العياشي والقمى. وفي تفسير العياشي عن اسماعيل بن همام قال: قال الرضا (ع): في قول الله تعالى: " ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم " قال كان لاسحاق النبي منطقة يتوارثها الانبياء والاكابر وكانت عند عمة يوسف وكان يوسف عندها وكانت تحبه فبعث إليه ابوه ان ابعثه إلى وارده اليك فبعثت إليه ان دعه عندي الليلة لا شمه ثم ارسله اليك غدوة فلما اصبحت اخذت المنطقة فربطها في حقوه والبسته قميصا فبعثت به إليه وقالت سرقت المنطقة فوجدت عليه وكان إذا سرق احد في ذلك الزمان دفع إلى صاحب السرقة فاخذته فكان عندها وفي الدر المنثور اخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: في قوله " ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل " قال سرق يوسف (ع) صنما لجده ابى امه من ذهب وفضة فكسره والقاه في الطريق فعيره بذلك اخوته. اقول والرواية السابقة اقرب إلى الاعتماد وقد رويت بطرق اخرى عن ائمة اهل البيت (ع) ويؤيدها ما روى بغير واحد من طرق اهل البيت وطرق غيرهم: ان السجان قال ليوسف انى لاحبك فقال لا تحبنى فان عمتى احبتني فنسبت إلى السرقة وابى احبني فحسدني اخوتى والقونى في الجب وامرأة العزيز احبتني فألقوني في السجن وفي الكافي باسناده عن ابن ابى عمير عمن ذكره عن ابى عبد الله (ع): في قول الله عزوجل " انا نراك من المحسنين " قال كان يوسف يوسع المجلس ويستقرض المحتاج ويعين الضعيف وفي تفسير البرهان عن الحسين بن سعيد في كتاب التمحيص عن جابر قال: قلت لابي جعفر (ع) ما الصبر الجميل ؟ قال ذلك صبر ليس فيه شكوى إلى احد من
________________________________________
[ 241 ]
الناس ان ابراهيم بعث يعقوب إلى راهب من الرهبان عابد من العباد في حاجة فلما رآه الراهب حسبه ابراهيم فوثب إليه فاعتنقه ثم قال مرحبا بخليل الرحمان فقال له يعقوب لست بخليل الرحمان ولكن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم قال له الراهب فما الذى بلغ بك ما ارى من الكبر ؟ قال الهم والحزن والسقم. قال فما جاز عتبة الباب حتى اوحى الله إليه يا يعقوب شكوتني إلى العباد فخر ساجدا عند عتبة الباب يقول رب لا اعود فأوحى الله إليه انى قد غفرت لك فلا تعد إلى مثلها فما شكى شيئا مما اصابه من نوائب الدنيا الا انه قال يوما " انما اشكوا بثى وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون " وفي الدر المنثور اخرج عبد الرزاق وابن جرير عن مسلم بن يسار يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من بث لم يصبر ثم قرء " انما اشكوا بثى وحزني إلى الله " اقول ورواه ايضا عن ابن عدى والبيهقي في شعب الايمان عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وآله وسلم وفي الكافي باسناده عن حنان بن سدير عن ابى جعفر (ع) قال: قلت له اخبرني عن قول يعقوب لبنيه " اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه " انه كان يعلم انه حى وقد فارقهم منذ عشرين سنة ؟ قال نعم قلت كيف علم ؟ قال انه دعا في السحر وقد سأل الله ان يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه تربال وهو ملك الموت فقال له تربال ما حاجتك يا يعقوب ؟ قال اخبرني عن الارواح تقبضها مجتمعة أو متفرقة ؟ فقال بل اقبضها متفرقة روحا روحا قال فمر بك روح يوسف ؟ قال لا فعند ذلك علم انه حى فعند ذلك قال لولده " اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ". اقول ورواه في المعاني باسناده عن حنان بن سدير عن ابيه عنه (ع) وفيه قال يعنى يعقوب لملك الموت اخبرني عن الارواح تقبضها جملة أو تفاريق ؟ قال يقبضها اعواني متفرقة وتعرض علي مجتمعة قال فاسألك بإله ابراهيم واسحاق ويعقوب هل عرض عليك في الارواح روح يوسف ؟ قال لا فعند ذلك علم انه حى وفي الدر المنثور اخرج اسحاق بن راهويه في تفسيره وابن ابى الدنيا في كتاب
________________________________________
[ 242 ]
الفرج بعد الشدة وابن ابى حاتم والطبراني في الاوسط وابو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي في شعب الايمان عن انس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيه: اتى جبريل فقال يا يعقوب ان الله يقرؤك السلام ويقول لك - ابشر وليفرح قلبك فو عزتي لو كانا ميتين لنشرتهما لك فاصنع طعاما للمساكين فان احب عبادي الي الانبياء والمساكين وتدرى لم أذهبت بصرك وقوست ظهرك وصنع اخوة يوسف به ما صنعوا ؟ انكم ذبحتم شاة فأتاكم مسكين وهو صائم فلم تطعموه منه شيئا. فكان يعقوب (ع) إذا اراد الغداء امر مناديا ينادى الا من اراد الغداء من المساكين فليتغد مع يعقوب وإذا كان صائما امر مناديا فنادى الا من كان صائما من المساكين فليفطر مع يعقوب وفي المجمع: في قوله تعالى: " فالله خير حافظا " الاية: ورد في الخبر: ان الله سبحانه قال فبعزتي لاردنهما اليك من بعد ما توكلت علي * * * اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه ابى يأت بصيرا واتونى باهلكم اجمعين - 93. ولما فصلت العير قال ابوهم انى لاجد ريح يوسف لو لا ان تفندون - 94. قالوا تالله انك لفى ضلالك القديم - 95. فلما ان جاء البشير القاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم اقل لكم انى اعلم من الله ما لا تعلمون - 96 قالوا يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين - 97 قال سوف استغفر لكم ربى انه هو الغفور الرحيم - 98 فلما دخلوا على يوسف آوى إليه ابويه وقال ادخلوا مصر
________________________________________
[ 243 ]
ان شاء الله آمنين - 99 ورفع ابويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا ابت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا وقد احسن بى إذ اخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد ان نزغ الشيطان بينى وبين اخوتى ان ربى لطيف لما يشاء انه هو العليم الحكيم - 100 - رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السموات والارض انت وليى في الدنيا والاخرة توفنى مسلما والحقني بالصالحين - 101 ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم إذ اجمعوا امرهم وهم يمكرون - 102 (بيان) ختام قصة يوسف (ع) وتتضمن الايات امر يوسف اخوته بحمل قميصه إلى ابيه واتيانهم إليه باهلهم اجمعين ثم دخولهم مصر ولقاؤه ابويه. قوله تعالى: " اذهبوا بقميصي هذا والقوه على وجه ابى يات بصيرا واتونى باهلكم اجمعين " تتمة كلام يوسف (ع) يامر فيه اخوته ان يذهبوا بقميصه إلى ابيه فيلقوه على وجهه ليشفى الله به عينيه وياتى بصيرا بعد ما صار من كثرة الحزن والبكاء ضريرا لا يبصر.
________________________________________
[ 244 ]
وهذا آخر العنايات البديعة التى اظهرها الله سبحانه في حق يوسف (ع) على ما يقصه في هذه السورة مما غلب الله الاسباب فحولها إلى خلاف الجهة التى كانت تجرى إليها حسده اخوته فاستذلوه وغربوه عن مستقره بالقائه في الجب وبيعه من السيارة بثمن بخس فجعل الله سبحانه هذا السبب بعينه سببا لقراره في بيت عزيز مصر في اكرم مثوى ثم اقره في اريكة عزة تضرع إليه امامها اخوته بقولهم " يا ايها العزيز مسنا واهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فاوف لنا الكيل وتصدق علينا ان الله يجزى المتصدقين ". ثم احبته امراة العزيز ونسوة مصر فراودنه عن نفسه ليوردنه في مهلكة الفجور فحفظه الله وجعل ذلك سببا لظهور براءة ساحته وكمال عفته ثم استذلوه فسجنوه فجعله الله سببا لعزته وملكه. وجاء اخوته إلى ابيه يوم القوة في غيابة الجب بقميصه الملطخ بالدم فاخبروه بموته كذبا فكان القميص سببا لحزن ابيه وبكائه في فراق ابنه حتى ابيضت عيناه وذهب بصره فرد الله سبحانه به بصره إليه وبالجملة اجتمعت الاسباب على خفضه واراد الله سبحانه رفعه فكان ما اراده الله دون الذى توجهت إليه الاسباب والله غالب على امره. وقوله " وآتوني باهلكم اجمعين " امر منه بانتقال بيت يعقوب من يعقوب واهله وبنيه وذراريه جميعا من البدو إلى مصر ونزولهم بها. قوله تعالى: " ولما فصلت العير قال ابوهم انى لاجد ريح يوسف لو لا ان تفندون " الفصل القطع والانقطاع والتفنيد تفعيل من الفند بفتحتين وهو ضعف الراى والمعنى لما خرجت العير الحاملة لقميص يوسف من مصر وانقطعت عنها قال ابوهم يعقوب لمن عنده من بنيه انى لاجد ريح يوسف لو لا ان ترمونى بضعف الراى أي انى لا حس بريحه وارى ان اللقاء قريب ومن حقه ان تذعنوا بما اجده لو لا ان تخطئونى لكن من المحتمل ان تفندونى فلا تذعنوا بقولى. قوله تعالى: " قالوا تالله انك لفى ضلالك القديم " القديم مقابل الجديد والمراد به المتقدم وجودا وهذا ما واجهه به بعض بنيه الحاضرين عنده وهو من سئ حظهم في هذه القصة تفوهوا بمثله في بدء القصة إذ قالوا " ان ابانا لفى ضلال مبين " وفي ختمها وهو قولهم هذا " تالله انك لفى ضلالك القديم. " والظاهر ان مرادهم بالضلال ههنا هو مرادهم بالضلال هناك وهو المبالغة في حب
________________________________________
[ 245 ]
يوسف وذلك انهم كانوا يرون انهم احق بالحب من يوسف وهم عصبة إليهم تدبير بيته والدفاع عنه لكن اباهم قد ضل عن مستوى طريق الحكمة وقدم عليهم في الحب طفلين صغيرين لا يغنيان عنه شيئا فاقبل بكله اليهما ونسيهم ثم لما فقد يوسف جزع له ولم يزل يجزع ويبكى حتى ذهبت عيناه وتقوس ظهره. فهذا هو مرادهم من كونه في ضلاله القديم ليسوا يعنون به الضلال في الدين حتى يصيروا بذلك كافرين. اما أو لا فلان ما ذكر من فصول كلامهم في خلال القصة يشهد على انهم كانوا موحدين على دين آبائهم ابراهيم واسحاق ويعقوب (ع). واما ثانيا فلان المقام ههنا وكذا في بدء القصة حين قالوا ان ابانا لفى ضلال مبين لا مساس له بالضلال في الدين حتى يحتمل رميهم اباهم فيه وانما يمس امرا عمليا حيويا وهو حب اب لبعض اولاده وتقديمه في الكرامة على آخرين فهو المعني بالضلال. قوله تعالى: " فلما ان جاء البشير القاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم اقل لكم انى اعلم من الله ما لا تعلمون " البشير حامل البشارة وكان حامل القميص وقوله " ألم اقل لكم انى اعلم " يشير (ع) إلى قوله لهم حين لاموه على ذكر يوسف " انما اشكوا بثى وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون " ومعنى الاية ظاهر. قوله تعالى: " قالوا يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين " القائلون بنو يعقوب بدليل قولهم يا ابانا ويريدون بالذنوب ما فعلوه به في امر يوسف واخيه واما يوسف فقد كان استغفر لهم قبل. قوله تعالى: " قال سوف استغفر لكم ربى انه هو الغفور الرحيم " اخر (ع) الاستغفار لهم كما هو مدلول قوله سوف استغفر لكم ربى ولعله انما اخره ليتم له النعمة بلقاء يوسف وتطيب نفسه به كل الطيب بنسيان جميع آثار الفراق ثم يستغفر لهم وفى بعض الاخبار انه اخره إلى وقت يستجاب فيه الدعاء وسيجئ ان شاء الله. قوله تعالى: " ولما دخلوا على يوسف آوى إليه ابويه وقال ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين " في الكلام حذف والتقدير فخرج يعقوب وآله من ارضهم وساروا إلى مصر ولما دخلوا الخ
________________________________________
[ 246 ]
وقوله " آوى إليه ابويه " فسروه بضمهما إليه وقوله وقال ادخلوا مصر الخ ظاهر في ان يوسف خرج من مصر لاستقبالهما وضمهما إليه هناك ثم عرض لهما دخول مصر اكراما وتأدبا وقد ابدع (ع) في قوله " ان شاء الله آمنين " حيث اعطاهم الامن واصدر لهم حكمه على سنة الملوك وقيد ذلك بمشية الله سبحانه للدلالة على ان المشية الانسانية لا تؤثر اثرها كسائر الاسباب الا إذا وافقت المشية الالهية على ما هو مقتضى التوحيد الخالص وظاهر هذا السياق انه لم يكن لهم الدخول والاستقرار في مصر الا بجواز من ناحية الملك ولذا اعطاهم الا من في مبتدء الامر. وقد ذكر سبحانه ابويه والمفسرون مختلفون في انهما كانا والديه اباه وامه حقيقة أو انهما يعقوب وزوجه خالة يوسف بالبناء على ان امه ماتت وهو صغير ولا يوجد في كلامه تعالى ما يؤيد احد المحتملين غير ان الظاهر من الابوين هما الحقيقيان. ومعنى الاية ولما دخلوا أي ابواه واخوته واهلهم على يوسف وذلك في خارج مصر آوى وضم إليه ابويه وقال لهم مؤمنا لهم ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين. قوله تعالى: " ورفع ابويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا ابت هذا تأويل رؤياي " إلى آخر الاية العرش هو السرير العالي ويكثر استعماله فيما يجلس عليه الملك ويختص به والخرور السقوط على الارض والبدو البادية فان يعقوب كان يسكن البادية. وقوله ورفع ابويه على العرش أي رفع يوسف ابويه على عرش الملك الذى كان يجلس عليه ومقتضى الاعتبار وظاهر السياق انهما رفعا على العرش بامر من يوسف تصداه خدمه لا هو بنفسه كما يشعر به قوله وخروا له سجدا فان الظاهر ان السجدة انما وقعت لاول ما طلع عليهم يوسف فكأنهم دخلوا البيت واطمان بهم المجلس ثم دخل عليهم يوسف فغشيهم النور الالهى المتلالئ من جماله البديع فلم يملكوا انفسهم دون ان خروا له سجدا. وقوله وخروا له سجدا الضمير ليوسف كما يعطيه السياق فهو المسجود له وقول بعضهم ان الضمير لله سبحانه نظرا إلى عدم جواز السجود لغير الله لا دليل عليه من جهة اللفظ وقد وقع نظيره في القرآن الكريم في قصة آدم والملائكة قال تعالى
________________________________________
[ 247 ]
: " واذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس " طه: 116. والدليل على انها لم تكن منهم سجدة عبادة ليوسف ان بين هؤلاء الساجدين يعقوب (ع) وهو ممن نص القرآن الكريم على كونه مخلصا بالفتح لله لا يشرك به شيئا ويوسف (ع) وهو المسجود له منهم بنص القرآن وهو القائل لصاحبيه في السجن ما كان لنا ان نشرك بالله من شئ ولم يردعهم. فليس الا انهم انما اخذوا يوسف آية لله فاتخذوه قبلة في سجدتهم وعبدوا الله بها لا غير كالكعبة التى تؤخذ قبلة فيصلى إليها فيعبد بها الله دون الكعبة ومن المعلوم ان الاية من حيث انها آية لا نفسية لها اصلا فليس المعبود عندها الا الله سبحانه وتعالى وقد تكرر الكلام في هذا المعنى فيما تقدم من اجزاء الكتاب. ومن هنا يظهر ان ما ذكروه في توجيه الاية كقول بعضهم ان تحية الناس يومئذ كانت هي السجدة كما انها في الاسلام السلام وقول بعضهم ان سنة التعظيم كانت إذ ذاك السجدة ولم ينه عنها لغير الله بعد كما في الاسلام وقول بعضهم كان سجودهم كهيئة الركوع كما يفعله الا عاجم كل ذلك غير وجيه. قوله تعالى: " قال يا ابت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا " إلى آخر الاية لما شاهد (ع) سجدة ابويه واخوته الاحد عشر ذكر الرؤيا التى راى فيها احد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين واخبر بها اباه وهو صغير فأولها له فاشار إلى سجودهم له وقال " يا ابت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها أي الرؤيا ربى حقا ". ثم اثنى على ربه شاكرا له فقال " وقد احسن بى إذ اخرجني من السجن " فذكر احسان ربه به في اخراجه من السجن وهو ضراء وبلاء دفعه الله عنه بتبديله سراء ونعمة من حيث لا يحتسب حيث جعله وسيلة لنيله العزة والملك. ولم يذكر اخراجه من الجب قبل ذلك لحضور اخوته عنده وكان لا يريد ان يذكر ما يسوؤهم ذكره كرما وفتوة بل اشار إلى ذلك باحسن لفظ يمكن ان يشار به إليه من غير ان يتضمن طعنا فيهم وشنآنا فقال " وجاء بكم من البدو من بعد ان نزغ الشيطان بينى وبين اخوتى " والنزغ هو الدخول في امر لافساده.
________________________________________
[ 248 ]
والمراد وقد احسن بى من بعد ان افسد الشيطان بينى وبين اخوتى فكان من الامر ما كان فأدى ذلك إلى فراق بينى وبينكم فساقنى ربى إلى مصر فأقرنى في ارغد عيش وارفع عزة وملك ثم قرب بيننا بنقلكم من البادية الي في دار المدنية والحضارة. يعنى انه كانت نوائب نزلت بى اثر افساد الشيطان بينى وبين اخوتى ومما اخصه بالذكر من بينها فراق بينى وبينكم ثم رزية السجن فاحسن بى ربى ودفعها عنى واحدة بعد اخرى ولم يكن من المحن والحوادث العادية بل رزايا صماء وعقودا لا تنحل لكن ربى نفذ فيها بلطفه ونفوذ قدرته فبدلها اسباب حياة ونعمة بعد ما كانت اسباب هلاك وشقاء ولهذه الثلاثة الا خيرة عقب قوله " وقد احسن بى " الخ بقوله ان ربى لطيف لما يشاء. فقوله ان ربى لطيف لما يشاء تعليل لا خراجه من السجن ومجيئهم من البدو ويشير به إلى ما خصه الله به من العناية والمنة وان البلايا التى احاطت به لم تكن لتنحل عقدتها أو لتنحرف عن مجراها لكن الله لطيف لما يشاء نفذ فيها فجعل عوامل الشدة عوامل رخاء وراحة واسباب الذلة والرقية وسائل عزة وملك. واللطيف من اسمائه تعالى يدل على حضوره واحاطته تعالى بما لا سبيل إلى الحضور فيه والاحاطة به من باطن الاشياء وهو من فروع احاطته تعالى بنفوذ القدرة والعلم قال تعالى: " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير " الملك: 14 والاصل في معناه الصغر والدقة والنفوذ يقال لطف الشئ بالضم يلطف لطافة إذا صغر ودق حتى نفذ في المجاري والثقب الصغار ويكنى به عن الارفاق والملاءمة والاسم اللطف. وقوله " وهو العليم الحكيم تعليل لجميع ما تقدم من قوله " يا ابت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا " الخ وقد علل (ع) الكلام وختمه بهذين الاسمين محاذاة لابيه حيث تكلم في رؤياه وقال " وكذلك يجتبيك ربك إلى ان قال إن ربك عليم حكيم " وليس يبعد ان يفيد اللام في قوله العليم الحكيم معنى العهد فيفيد تصديقه لقول ابيه (ع) والمعنى وهو ذاك العليم الحكيم الذى وصفته لى يوم اولت رؤياي. قوله تعالى: " رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث " إلى آخر
________________________________________
[ 249 ]
الاية لما اثنى (ع) على ربه وعد ما دفع عنه من الشدائد والنوائب اراد ان يذكر ما خصه به من النعم المثبتة وقد هاجت به المحبة الالهية وانقطع بها عن غيره تعالى فترك خطاب ابيه وانصرف عنه وعن غيره ملتفتا إلى ربه وخاطب ربه عز اسمه فقال " رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث. " وقوله فاطر السموات والارض انت وليى في الدنيا والاخرة " اضراب وترق في الثناء ورجوع منه (ع) إلى ذكر اصل الولاية الالهية بعد ما ذكر بعض مظاهرها الجليلة كاخراجه من السجن والمجئ باهله من البدو وايتائه من الملك وتعليمه من تأويل الاحاديث فان الله سبحانه رب فيما دق وجل معا ولى في الدنيا والاخرة جميعا. وولايته تعالى اعني كونه قائما كل شئ في ذاته وصفاته وافعاله منشأها ايجاده تعالى اياها جميعا واظهاره لها من كتم العدم فهو فاطر السموات والارض ولذا يتوجه إليه تعالى قلوب اوليائه والمخلصين من عباده من طريق هذا الاسم الذى يفيد وجوده تعالى لذاته وايجاده لغيره قال تعالى: " قالت رسلهم أفى الله شك فاطر السموات والارض " ابراهيم: 10. ولذا بدء به يوسف (ع) وهو من المخلصين في ذكر ولايته فقال " فاطر السموات والارض انت وليى في الدنيا والاخرة " أي انى تحت ولايتك التامة من غير ان يكون لى صنع في نفسي واستقلال في ذاتي وصفاتي وافعالي أو املك لنفسي شيئا من نفع أو ضر أو موت أو حياة أو نشور. وقوله: " توفنى مسلما والحقني بالصالحين " لما استغرق (ع) في مقام الذلة قبال رب العزة وشهد بولايته له في الدنيا والاخرة سأله سؤال المملوك المولى عليه ان يجعله كما يستدعيه ولايته عليه في الدنيا والاخرة وهو الاسلام ما دام حيا في الدنيا والدخول في زمرة الصالحين في الاخرة فان كمال العبد المملوك ان يسلم لربه ما يريده منه ما دام حيا ولا يظهر منه ما يكرهه ولا يرتضيه فيما يرجع إليه من الاعمال الاختيارية وان يكون صالحا لقرب مولاه لائقا لمواهبه السامية فيما لا يرجع إلى العبد واختياره وهو سؤاله (ع) الاسلام في الدنيا والدخول في زمرة الصالحين في الاخرة وهو الذى منحه الله سبحانه لجده ابراهيم (ع): " ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الاخرة لمن الصالحين
________________________________________
[ 250 ]
إذ قال له ربه اسلم قال اسلمت لرب العالمين " البقرة: 131. وهذا الاسلام الذى سأله (ع) اقصى درجات الاسلام واعلى مراتبه وهو التسليم المحض لله سبحانه وهو ان لا يرى العبد لنفسه ولا لاثار نفسه شيئا من الاستقلال حتى لا يشغله شئ من نفسه ولا صفاتها ولا اعمالها من ربه وإذا نسب إليه تعالى كان اخلاصه عبده لنفسه. ومما تقدم يظهر ان قوله توفنى مسلما سؤال منه لبقاء الاخلاص واستمرار الاسلام ما دام حيا وبعبارة اخرى ان يعيش مسلما حتى يتوفاه الله فهو كناية عن ان يثبته الله على الاسلام حتى يموت وليس يراد به ان يموت في حال الاسلام ولو لم يكن قبل ذلك مسلما ولا سؤالا للموت وهو مسلم حتى يكون المعنى انى مسلم فتوفنى. ويتبين بذلك فساد ما روى عن عدة من قد ماء المفسرين ان قوله " توفنى مسلما " دعاء منه يسأل به الموت من الله سبحانه حتى قال بعضهم لم يسال احد من الانبياء الموت من الله ولا تمناه الا يوسف (ع). قوله تعالى: " ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم إذ اجمعوا امرهم وهم يمكرون الاشارة إلى نبأ يوسف (ع) والخطاب للنبى صلى الله عليه وآله وسلم وضمير الجمع لاخوة يوسف والاجماع العزم والارادة. وقوله وما كنت لديهم الخ حال من ضمير الخطاب من اليك وقوله: " نوحيه اليك وما كنت " إلى آخر الاية بيان لقوله ذلك من انباء الغيب والمعنى ان نبأ يوسف من انباء الغيب فانا نوحيه اليك والحال انك ما كنت عند اخوة يوسف إذ عزموا على امرهم وهم يمكرون في امر يوسف (بحث روائي) في تفسير العياشي عن ابى بصير عن ابى جعفر (ع) في حديث طويل قال: قال يوسف لاخوته " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم اذهبوا بقميصي هذا " الذى


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page