• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 326الي 350


[ 326 ]
118 - وفى المكارم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه كان يأكل الاصناف من الطعام. اقول: ثم ذكر الطبرسي أصنافا من الطعام كان صلى الله عليه وآله وسلم يأكلها كالخبز واللحم على أقسامه والبطيخ والخربز والسكر والعنب والرمان والتمر واللبن والهريسة والسمن والخل والهندباء والباذروج والكرنب. وروى أنه كان يحب التمر. وروى أنه كان يعجبه العسل. وروى أنه كان أحب الثمرات إليه الرمان. 119 - وفي أمالى الطوسى بإسناده عن أبى أسامة عن أبى عبد الله عليه السلام قال: كان طعام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشعير إذا وجده، وحلواه التمر، ووقوده السعف. 120 - وفي المكارم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه كان لا يأكل الحار حتى يبرد و يقول: إن الله لم يطعمنا نارا إن الطعام الحار غير ذى بركة. وكان إذا أكل سمى، ويأكل بثلاث أصابع، ومما يليه ولا يتناول من بين يدى غيره، ويؤتى بالطعام فيشرع قبل القوم ثم يشرعون، وكان يأكل بأصابعه الثلاث: الابهام والتى تليها والوسطى وربما استعان بالرابعة، وكان يأكل بكفه كلها، ولم يأكل بإصبعين، ويقول: إن الاكل بإصبعين هو أكل الشيطان، ولقد جاء أصحابه يوما بفالوذج فأكل معهم وقال: مم هذا ؟ فقالوا: نجعل السمن والعسل فيأتى كما ترى فقال: إن هذا طعام طيب. وكان يأكل خبز الشعير غير منخول، وما أكل خبز برقط، ولا شبع من خبز شعير قط، ولا أكل على خوان حتى مات، وكان يأكل البطيخ والعنب، ويأكل الرطب ويطعم الشاة النوى، وكان لا يأكل الثوم ولا البصل ولا الكراث ولا العسل الذى فيه المغافير، والمغافير ما يبقى من الشجر في بطون النحل فيلقيه في العسل فيبقى له ريح في الفم. وما ذم طعاما قط. كان إذا أعجبه أكله، وإذا كرهه تركه ولا يحرمه على غيره، وكان يلحس القصعة ويقول: آخر الصحفة أعظم الطعام بركة، وكان إذا فرغ لعق أصابعه الثلاث التى أكل بها واحدة واحدة، وكان يغسل يده من الطعام حتى ينقيها، وكان لا يأكل وحده. اقول: قوله: " الابهام والتى تليها والوسطى " من جميل أدب الراوى حيث لم
________________________________________
[ 327 ]
يقل: الابهام والسبابة (الخ) صونا له صلى الله عليه وآله وسلم عن إطلاق السبابة على إصبعه الشريفة لما في اللفظ من الايهام. والذى رواه من أكله صلى الله ععليه وآله وسلم الفالوذج يخالف ما في المحاسن مسندا عن يعقوب ابن شعيب عن أبى عبد الله عليه السلام قال: بينا أمير المؤمنين عليه السلام في الرحبة في نفر من أصحابه إذ أهدى إليه خوان فالوذج فقال لاصحابه: مدوا أيديكم فمدوا أيديهم ومد يده ثم قبضها وقال: إنى ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يأكله فكرهت أكله. 121 - وفى المكارم قال: وكان صلى الله عليه وآله وسلم يشرب في أقداح القوارير التى يؤتى بها من الشام، ويشرب في الاقداح التى تتخذ من الخشب والجلود والخزف. اقول: وروى قريبا من صدره في الكافي والمحاسن، وفيه: ويعجبه أن يشرب في القدح الشامي وكان يقول: هي أنظف آنيتكم. 122 - وفي المكارم عن النبي أنه كان يشرب بكفه يصب الماء فيها، ويقول: ليس إناء أطيب من اليد. 123 - وفي الكافي بإسناده عن عبد الله بن سنان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذبح يوم الاضحى كبشين أحدهما عن نفسه والاخر عمن لم يجد من أمته. 124 - ومن آدابه صلى الله عليه وآله وسلم في الخلوة ما في شرح النفلية للشهيد الثاني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم ير على بول ولا غائط. 125 - وفي الجعفريات بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه عن على عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يتخنع غطى رأسه ثم دفنه، وإذا أراد أن يبزق فعل مثل ذلك، وكان إذا أراد الكنيف غطى رأسه. اقول: واتخاذ الكنيف في العرب مما حدث بعد الاسلام، وكانوا قبل ذلك يخرجون إلى البر على ما يستفاد من بعض الروايات. 126 - وفي الكافي بإسناده عن الحسين بن خالد عن أبى الحسن الثاني عليه السلام قال: قلت له: إنا روينا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يستنجى وخاتمه في إصبعه، وكذلك كان يفعل إمير المؤمنين عليه السلام، وكان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: محمد رسول الله ؟
________________________________________
[ 328 ]
قال: صدقوا، قلت: فينبغي لنا أن نفعل، قال: إن اولئك كانوا يتختمون في اليد اليمنى وإنكم أنتم تتختمون في اليسرى، الحديث. اقول: وروى قريب منه في الجعفريات وفي المكارم نقلا عن كتاب اللباس للعياشي عن الصادق عليه السلام. 127 - ومن آدابه صلى الله عليه وآله وسلم عند المصائب والبلايا وفي الاموات وما يتعلق بها ما في المكارم: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأى من جسمه بثرة أعاذ بالله واستكان له وجأر إليه فيقال له: يا رسول الله ما هو ببأس، فيقول: إن الله إذا أراد أن يعظم صغيرا عظم، وإذا أراد أن يصغر عظيما صغر. 128 - وفي الكافي بإسناده عن جابر عن أبى جعفر عليه السلام قال السنة أن يحمل السرير من جوانبه الاربع، وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع. 129 - وفي قرب الاسناد عن الحسين بن طريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه أن الحسن بن على عليهما السلام كان جالسا ومعه أصحاب له فمر بجنازة فقام بعض القوم ولم يقم الحسن ععليه السلام فلما مضوا بها قال بعضهم: ألا قمت عافاك الله فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم للجنازة إذا مروا بها ؟ فقال الحسن عععليه السلام: إنما قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرة واحدة، وذلك أنه مر بجنازة يهودى وقد كان المكان ضيقا فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكره أن يعلوا رأسه. 130 - وفي دعوات القطب قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتبع جنازة غلبته كأبه، وأكثر حديث النفس، وأقل الكلام. 131 - وفي الجعفريات باسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه عن على عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحثو ثلاث حثيات من تراب على القبر. 132 - وفي الكافي باسناده عن زرارة عن أبى جعفر عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنع بمن مات من بنى هاشم خاصة شيئا لا يصنعه بأحد من المسلمين: كان إذا صلى بالهاشمي ونضح قبره بالماء وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفه على القبر حتى ترى أصابعه في الطين، فكان الغريب يقدم أو المسافر من أهل المدينة فيرى القبر الجديد عليه أثر كف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: من مات من آل محمد ؟.
________________________________________
[ 329 ]
133 - وفي مسكن الفؤاد للشهيد الثاني عن على عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا عزى قال: آجركم الله ورحمكم، وإذا هنأ قال: بارك الله لكم وبارك الله عليكم. 134 - ومن آدابه صلى الله عليه وآله وسلم في الوضوء والغسل ما في آيات الاحكام للقطب عن سليمان بن بريدة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتوضأ لكل صلاة فلما كان عام الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد فقال عمر: يا رسول الله صنعت شيئا ما كنت صنعته، فقال: عمدا فعلته. 135 - وفي الكافي باسناده عن زرارة قال: قال أبو جعفر (ع) ألا أحكى لكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقلنا: بلى، فدعا بقعب فيه شئ من ماء فوضعه بين يديه، ثم حسر عن ذراعيه، ثم غمس فيه كفه اليمنى ثم قال: هكذا إذا كانت الكف طاهرة ثم غرف ملاها ماء فوضعها على جبينه، ثم قال: بسم الله وسدله على أطراف لحيته ثم أمر يده على وجهه وظاهر جبينه مرة واحدة، ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملاها - ثم وضعه على مرفقه اليمنى فأمر كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ثم غرف بيمينه ملاها فوضعه على مرفقه اليسرى فأمر كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه، ومسح مقدم رأسه وظاهر قدميه ببلة يساره وبقية بلة يمناه. قال: وقال ابو جعفر عليه السلام: إن الله وتر يحب الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه واثنتان للذراعين، وتمسح ببلة يمناك ناصيتك، وما بقى من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى، وتمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى. قال زرارة: قال ابو جعفر عليه السلام سأل رجل امير المؤمنين عليه السلام عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحكى له مثل ذلك. اقول: وهذا المعنى مروى عن زرارة وبكير وغيرهما بطرق متعددة رواها الكليني والصدوق والشيخ والعياشي والمفيد والكراجكي وغيرهم، وأخبار أئمة اهل البيت عليهم السلام في ذلك مستفيضة تقرب من التواتر. 136 - وفي الامالى لمفيد الدين الطوسى باسناده عن ابى هريرة: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا توضأ بدأ بميامنه.
________________________________________
[ 330 ]
137 - وفى التهذيب باسناده عن ابى بصير قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الوضوء فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتوضأ بمد من ماء ويغتسل بصاع. اقول: وروى مثله عن ابى جعفر عليه السلام بطريق آخر. 138 - وفي العيون باسناده عن الرضا عن آبائه عليهم السلام في حديث طويل: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة، وأمرنا بإسباغ الطهور، ولا ننزى حمارا على عتيقة. 139 - وفي التهذيب باسناده عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام قال: المضمضة والاستنشاق مما سن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. 140 - وفيه باسناده عن معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان رسول الله يغتسل بصاع، وإذا كان معه بعض نسائه يغتسل بصاع ومد. اقول: وروى هذا المعنى الكليني في الكافي بإسناده عن محمد بن مسلم عنه وفيه: يغتسلان جميعا من إناء واحد، وكذلك الشيخ بطريق آخر. 141 - وفى الجعفريات بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام قال: سأل الحسن بن محمد جابر، بن عبد الله عن غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال جابر: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغرف على رأسه ثلاث مرات فقال الحسن بن محمد: إن شعرى كثير كما ترى فقال جابر: يا حر لا تقل ذلك فشعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان أكثر وإطيب. 142 - وفى الهداية للصدوق: قال الصادق عليه السلام غسل الجمعة سنة واجبة على الرجال والنساء في السفر والحضر - إلى أن قال - وقال الصادق عليه السلام: غسل يوم الجمعة طهور وكفارة لما بينهما من الذنوب من الجمعة إلى الجمعة، قال 6 والعلة في غسل الجمعة أن الانصار كانت تعمل لنواضحها وأموالها فإذا كان يوم الجمعة حضروا المسجد فيتأذى الناس بأرياح آباطهم فأمر الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالغسل فجرت به السنة. اقول: وقد روى من سننه صلى الله عليه وآله وسلم في الغسل غسل يوم الفطر والغسل في جميع الاعياد وأغسال أخر كثيرة ربما يأتي بعضها فيما سيأتي إن شاء الله تعالى. 143 - ومن آدابه وسننه صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة وما يلحق بها ما في الكافي بإسناده عن الفضيل بن يسار وعبد الملك وبكير قالوا: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان
________________________________________
[ 331 ]
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلى من التطوع مثلى الفريضة، ويصوم من التطوع مثلى الفريضة. اقول: ورواه الشيخ أيضا. 144 - وفيه بإسناده عن حنان قال: سأل عمرو بن حريث أبا عبد الله عليه السلام وأنا جالس فقال: جعلت فداك أخبرني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلى ثمان ركعات الزوال، وأربعا الاولى، وثماني بعدها، وأربعا العصر، وثلاثا المغرب، وأربعا بعد المغرب، والعشاء الاخرة أربعا وثماني صلاة الليل، وثلاثا الوتر، وركعتي الفجر، وصلاة الغداة ركعتين. قلت: جعلت فداك إن كنت أقوى على أكثر من هذا يعذبنى الله على كثرة الصلاة ؟ فقال: لا ولكن يعذبك على ترك السنة. اقول: ويظهر من الرواية أن الركعتين عن جلوس العشاء أعنى العتمة ليستا من الخمسين بل يتم بهما - محسوبتين بواحدة عن قيام - العدد إحدى وخمسين بل إنما شرعت العتمة بدلا من الوتر لو نزل الموت قبل القيام إلى الوتر فقد روى الكليني رحمه الله في الكافي بإسناده عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه السلام قال: من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يبيتن إلا بوتر. قلت: تعنى الركعتين بعد العشاء الاخرة ؟ قال: نعم إنهما بركعة فمن صلاهما ثم حدث به حدث مات على وتر فإن لم يحدث به حدث الموت يصلى الوتر في آخر الليل. فقلت: هل صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هاتين الركعتين ؟ قال: لا. قلت: ولم ؟ قال: لان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتيه الوحى، وكان يعلم أنه هل يموت في تلك الليلة أم لا ؟ وغيره لا يعلم فمن أجل ذلك لم يصلهما وأمر بهما، الخبر. ويمكن أن يكون المراد بقوله في الحديث: " لم يصلهما " أنه لم يداوم عليهما بل ربما صلى وربما ترك كما يستفاد من بعض آخر من الاحاديث، فلا يعارض ما ورد من أنه كان يصليهما. 145 - وفي التهذيب بإسناده عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يصلى من النهار شيئا حتى تزول الشمس فإذا زالت قدر نصف إصبع صلى ثمانى ركعات فإذا فاء الفئ ذراعا صلى الظهر، ثم صلى بعد الظهر ركعتين،
________________________________________
[ 332 ]
ويصلى قبل وقت العصر ركعتين، فإذا فاء الفئ ذراعين صلى العصر، وصلى المغرب حتى حين ظ) تغيب الشمس، فإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء، وآخر وقت المغرب إياب الشفق فإذا آب الشفق دخل وقت العشاء وآخر وقت العشاء ثلث الليل. وكان لا يصلى بعد العشاء حتى ينتصف الليل ثم يصلى ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعتا الفجر قبل الغداة، فإذا طلع الفجر وأضاء صلى الغداة. اقول: ولم يستوعب تمام نافلة العصر في الرواية، وهى معلومة من روايات أخر. 146 - وفيه بإسناده عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: وذكر صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: كان صلى الله عليه وآله وسلم يؤتى بطهور فيخمر عند رأسه ويوضع سواكه تحت فراشه، ثم ينام ما شاء الله فإذا استيقظ جلس ثم قلب بصره في السماء، ثم تلا الايات من آل عمران: " إن في خلق السماوات والارض " الايات، ثم يستن ويتطهر، ثم يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات على قدر قراءته ركوعه، وسجوده على قدر ركوعه، يركع حتى يقال: متى يرفع رأسه ؟ ويسجد حتى يقال: متى يرفع رأسه. ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ثم يستيقظ ويجلس ويتلو الايات من آل عمران ويقلب بصره في السماء، ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المسجد ويصلى الركعتين ثم يخرج إلى الصلاة. اقول: وروى هذا المعنى أيضا في الكافي بطريقين. 147 - وروى: أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يوجز في نافلة الصبح يصليهما عند أول الفجر ثم يخرج إلى الصلاة. 148 - وفي المحاسن بإسناده عن عمر بن يزيد عن أبى عبد الله عليه السلام: أنه قال: من قال في وتره إذا أوتر: استغفر الله ربى وأتوب إليه سبعين مرة، وواظب على ذلك حتى قضى سنة كتبه الله عنده من المستغفرين بالاسحار. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر الله في الوتر سبعين مرة، ويقول: هذا مقام العائذ
________________________________________
[ 333 ]
بك من النار سبعا، الخبر. 149 - وفي الفقيه: كان النبي صلى الله ععليه وآله وسلم يقول في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافنى فيمن عافيت، وتولنى فيمن توليت، وبارك لى فيما أعطيت، وقنى شر ما قضيت، إنك تقضى ولا يقضى عليك، سبحانك رب البيت، استغفرك وأتوب اليك وأومن بك وأتوكل عليك، ولا حول ولا قوة إلا بك يا رحيم. 150 - وفي التهذيب بإسناده عن أبى خديجة عن أبى عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآلهع وسلم إذا جاء شهر رمضان زاد في الصلاة وأنا أزيد فزيدوا. اقول: يعنى عليه السلام بالزيادة الالف ركعة - التراويح - نوافل شهر رمضان التى كان يصليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير الخمسين نوافل اليوم والليلة، وقد وردت في كيفيتها وتقسمها على ليالى شهر رمضان أخبار كثيرة، وورد من طرق أئمة أهل البيت عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصليها بغير جماعة، وينهى عن إتيانها بالجماعة، ويقول: لا جماعة في نافلة. وللنبى صلى الله عليه وآله وسلم صلوات خاصة اخرى منقولة عنه في كتب الادعية تركنا ذكرها لخروجها عن غرضنا في هذا المقام، وكذلك له صلى الله عليه وآله وسلم سنن في الصلوات والادعية والاوراد من أراد الوقوف عليها فليراجع مظان ذكرها. 151 - وفي الكافي بإسناده عن يزيد بن خليفة قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت قال: إذن لا يكذب علينا - إلى أن قال - قلت: وقال: إن وقت المغرب إذا غاب القرص إلا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا جد به السير أخر المغرب ويجمع بينها وبين العشاء، فقال: صدق. 152 - وفي التهذيب بإسناده عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في الليلة الممطرة يوجز في المغرب ويعجل في العشاء يصليهما جميعا، ويقول: من لا يرحم لا يرحم. 153 - وفيه بإسناده عن ابن أبى عمير عن حماد عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان في سفر أو عجلت به الحاجة يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء الاخرة، الخبر.
________________________________________
[ 334 ]
أقول: وفي هذا المعنى روايات كثيرة رواها الكليني والشيخ وابنه والشهيد الاول رحمهم الله. 154 - وفي الفقيه بإسناده عن معاوية بن وهب عن أبى عبد الله عليه السلام أنه قال: كان المؤذن يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحر في صلاة الظهر فيقول له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أبرد أبرد. اقول: قال الصدوق: يعنى عجل عجل أخذ ذلك من البريد، والظاهر أن المراد به التأخير ليزول شدة الحر كما يدل عليه ما في كتاب العلاء عن محمد بن مسلم قال: مر بى أبو جعفر عليه السلام بمسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا اصلى فلقينى بعد فقال: إياك أن تصلى الفريضة في تلك الساعة، أتؤديها في شدة الحر ؟ قلت: إنى كنت أتنفل. 155 - وفي الاحياء قال: وكان صلى الله عليه وسلم لا يجالس إليه أحد وهو يصلى إلا خفف صلاته وأقبل عليه فقال: ألك حاجة ؟ فإذا فرغ من حاجاته عاد إلى صلاته. 156 - وفي كتاب زهد النبي لجعفر بن أحمد القمى قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا قام إلى الصلاة تريد وجهه خوفا من الله، وكان لصدره أو لجوفه أزير كأزير الوجل. اقول: وروى هذا المعنى ابن الفهد وغيره أيضا. 157 - وفيه قال: وفي رواية اخرى: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قام إلى الصلاة كأنه ثوب ملقى. 158 - وفي البحار قال: قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه. 159 - وفى المجالس لمفيد الدين الطوسى بإسناده إلى على عليه السلام في كتابه إلى محمد بن أبى بكر حين ولاه مصر - إلى أن قال - ثم انظر ركوعك وسجودك فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان أتم الناس صلاة، وأخفهم عملا فيها. 160 - وفي الجعفريات بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه عن على عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا تثاءب في الصلاة ردها بيده اليمنى. اقول: وروى في الدعائم مثله. 161 - وفي العلل بإسناده عن هشام بن الحكم عن أبى الحسن موسى عليه السلام في
________________________________________
[ 335 ]
حديث قال: قلت له: لاى علة يقال في الركوع: سبحان ربى العظيم وبحمده ؟ ويقال في السجود: سبحان ربى الاعلى وبحمده ؟ فقال: يا هشام إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أسرى به، وصلى وذكر ما رأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه وابترك على ركبتيه، وأخذ يقول: سبحان ربى العظيم وبحمده، فلما اعتدل من ركوعه فإنما نظر إليه في موضع أعلى من ذلك خر على وجهه وهو يقول: سبحان ربى الاعلى وبحمده فلما قالها سبع مرات سكن ذلك الرعب فلذلك جرت به السنة. 162 - في تنبيه الخواطر للشيخ ورام بن أبى فراس عن النعمان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسوى صفوفنا كأنما يسوى بها القداح حتى رأى أنا قد أغفلنا عنه، ثم خرج يوما وقام حتى كاد أن يكبر فرأى رجلا بادئا صدره فقال: عباد الله لتسوون صفوفكم أو ليخالفن بين وجوهكم. 163 - وفيه عن ابن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح منا كبنا في الصلاة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، الخبر. 164 - وفى الفقيه بإسناده عن داود بن الحصين عن أبى العباس عن أبى عبد الله عليه السلام قال: اعتكف رسول الله صلى الله عاليه وآله وسلم في شهر رمضان في العشر الاول ثم اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثم لم يزل يعتكف في العشر الاواخر. 165 - وفيه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: كانت بدر في شهر رمضان ولم يعتكف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما أن كان من قابل اعتكف عشرين: عشرا لعامه، وعشرا قضاء لما فاته اقول: ورواه والذى قبله الكليني في الكافي. 166 - وفي الكافي بإسناده عن الحلبي، عن أبى عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر الاواخر (يعنى من شهر رمضان) اعتكف في المسجد، وضربت له قبة من شعر، وشمر الميزر، وطوى فراشه وقال بعضهم: واعتزل النساء ؟ قال: أما اعتزال النساء فلا. اقول: وهذا المعنى مروى في روايات كثيرة، والمراد من نفى الاعتزال - كما ذكروه وتدل عليه الروايات - تجويز مخالطتهن ومعاشرتهن دون المجامعة.
________________________________________
[ 336 ]
167 - ومن آدابه وسننه صلى الله عليه وآله وسلم في الصيام ما في الفقيه بإسناده عن محمد بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم، ثم صام يوما وة فطر يوما، ثم صام الاثنين والخميس، ثم آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيام في الشهر: الخميس في أول الشهر، وأربعاء في وسط الشهر، والخميس في آخر الشهر، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ذلك صوم الدهر. وقد كان أبى عليه السلام يقول: ما من أحد أبغض إلى الله من رجل يقال له: كان رسول الله يفعل كذا وكذا فيقول: لا يعذبنى الله على أن أجتهد في الصلاة والصوم كأنه يرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترك شيئا من الفضل عجزا منه. 168 - وفي الكافي بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبى عبد الله عليه السلام: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أول ما بعث يصوم حتى يقال: ما يفطر ويفطر حتى يقال: ما يصوم، ثم ترك ذلك وصام يوما وأفطر يوما وهو صوم داود، ثم ترك ذلك وصام الثلاثة الايام الغر، ثم ترك ذلك وفرقها في كل عشرة يوما: خميسين بينهما أربعاء فقبض صلى الله ععليه وآله وسلم وهو يعمل ذلك. اقول: وفى هذا المعنى روايات كثيرة مستفيضة. 169 - وفيه بإسناده عن عنبسة العابد قال: قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم على صيام شعبان ورمضان وثلاثة أيام من كل شهر. 170 - وفى نوادر أحمد بن محمد بن عيسى عن على بن نعمان عن زرعة عن سماعة قال: سألت أبا عبد الله ععليه السلام عن صوم شعبان أصامه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: نعم ولم يصمه كله، قلت: كم أفطر منه ؟ قال: أفطر، فأعدتها وأعادها ثلاث مرات لا يزيدنى على أن أفطر، ثم سألته في العام القابل عن ذلك فأجابني بمثل ذلك، الخبر. 171 - وفي المكارم عن أنس قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شربة يفطر عليها وشربة للسحر، وربما كانت واحدة وربما كانت لبنا، وربما كانت الشربة خبزا يماث، الخبر. 172 - وفي الكافي بإسناده عن ابن القداح عن أبى عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أول ما يفطر عليه في زمن الرطب الرطب وفي زمن التمر التمر. 173 - وفيه بإسناده عن السكوني عن جعفر عن أبيه غليهما السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صام ولم يجد الحلواء أفطر على الماء، وفي بعض الروايات: أنه ربما
________________________________________
[ 337 ]
أفطر على الزبيب. 174 - وفي المقنعة روى عن آل محمد عععليهم السلام أنهم قالوا: يستحب السحور ولو بشربة من الماء، وروى أن أفضله التمر والسويق لمكان استعمال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك. اقول: وهذا في سننه الجارية، وكان من مختصاته صوم الوصال وهو الصوم أكثر من يوم من غير فصل بالافطار، وقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم الامة عن ذلك، وقال: إنكم لا تطيقون ذلك وإن لى عند ربى ما يطعمنى ويسقين. 175 - وفي المكارم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه كان يأكل الهريسة أكثر ما يأكل ويتسحر بها. 176 - وفي الفقيه قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير وأعطى كل سائل. 177 - وفي الدعائم عن على ععليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطوى فراشه ويشد ميزره في العشر الاواخر من شهر رمضان، وكان يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين، وكان يرش وجوه النيام بالماء في تلك الليلة، وكانت فاطمة عليها السلام لا تدع أحدا من أهلها ينام تلك الليلة وتداويهم بقلة الطعام وتتأهب لها من النهار، وتقول: محروم من حرم خيرها. 178 - وفي المقنع: والسنة أن يفطر الرجل في الاضحى بعد الصلاة وفي الفطر قبل الصلاة. 179 - ومن آدابه صلى الله عليه وآله وسلم في قراءة القرآن والدعاء ما في مجالس الشيخ بإسناده عن أبى الدنيا عن امير المؤمنين عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحجزه عن قراءة القرآن إلا الجنابة. 180 - وفي مجمع البيان عن أم سلمة: كان النبي صلى الله ععليه وآله وسلم يقطع قراءته آية آية. 181 - وفي تفسير أبى الفتوح: كان صلى الله عليه وآله وسلم لا يرقد حتى يقرأ المسبحات، ويقول: في هذه السور آية هي أفضل من ألف آية. قالوا: وما المسبحات ؟ قال: سورة الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن.
________________________________________
[ 338 ]
اقول: وروى هذا المعنى في مجمع البيان عن العرباص بن سارية. 182 - وفي درر اللئالى لابن أبى جمهور عن جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ينام حتى يقرأ تبارك والم التنزيل. 183 - وفي مجمع البيان: وروى على بن أبى طالب عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب هذه السورة: سبح اسم ربك الاعلى، وأول من قال: " سبحان ربى الاعلى " ميكائيل. اقول: وروى أول الحديث في البحار عن الدر المنثور، وهنا أخبار اخر في ما كان يقوله صلى الله عليه وآله وسلم عند تلاوة القرآن أو عند تلاوة سور أو آيات مخصوصة، من أرادها فعليه بمظانها. وله صلى الله ععليه وآله وسلم خطب وبيانات يرغب فيها ويحث على التمسك بالقرآن والتدبر فيه، والاهتداء بهدايته، والاستنارة بنوره، وكان هو صلى الله عليه وآله وسلم أولى الناس بما يندب إليه من الكمال وأسبق الناس وأسرعهم إلى كل خير، وهو القائل - في الرواية المشهورة -: شيبتني (1) سورة هود، وقد روى (2) عن ابن مسعود قال: أمرنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أتلو عليه شيئا من القرآن فقرأت عليه من سورة يونس حتى إذا بلغت قوله تعالى: " وردوا إلى الله مولاهم الحق " الاية رأيته وإذا الدمع تدور في عينيه الكريمتين. فهذه شذرات (3) من آدابه وسننه صلى الله عليه وآله وسلم وقد استفاضت الروايات و تكرر النقل في كثير منها في كتب الفريقين، والكلام الالهى يؤيدها ولا يدفع شيئا منها، والله الهادى. (كلام في الرق والاستعباد) قوله تعالى: " إن تعذبهم فإنهم عبادك " (المائدة: 118) كلام منبئ عن معنى الرق والعبودية، والايات المتضمنة لهذا المعنى وإن كانت كثيرة في القرآن الكريم غير
________________________________________
(1) يشير صلى الله عليه وآله إلى قوله تعالى فيها: فاستقم كما امرت. (2) الرواية منقولة بالمعنى. (3) استخرجناها من رسالة عملناها سابقا في سنن النبي صلى الله عليه وآله. (*)
________________________________________
[ 339 ]
أن هذه الاية مشتملة على التعليل العقلي الكاشف عن أنه لو كان هناك عبد كان من المسلم عند العقل أن لمولاه أن يتصرف فيه بالعذاب لانه مولاه المالك له. والعقل لا يحق الحكم بجواز التعذيب، وتسويغ التصرف الذى يشقه إلا بعد حكمه بإباحة سائر التصرفات غير الشاقة فللمولى أن يتصرف في عبده كيف شاء وبما شاء، وإنما استثنى العقل التصرفات التى يستهجنها بما أنها تصرفات شنيعة مستهجنة لا بما أن العبد عبد. ولازم ذلك أيضا أن على العبد أن يطيع مولاه فيما كلفه به وأن يتبعه فيما أراد وليس له أن يستقل بشئ من العمل إن لم يرض به مولاه كما يشير إلى ذلك بعض الاشارة قوله تعالى: " بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " (الانبياء: 27) وقوله تعالى: " ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون " (النحل: 75). واستقصاء البحث في جهات ما يراه القرآن الشريف في مسألة العبودية والرق يتوقف على فصول. 1 - اعتبار العبودية لله سبحانه: في القرآن الكريم آيات كثيرة جدا يعد الناس عبادا لله سبحانه، وتبنى على ذلك أصل الدعوة الدينية: الناس عبيد والله مولاهم الحق. بل ربما تعدى ذلك واخذ كل من في السماوات والارض موسوما بسمة العبودية كالحقيقة المسماة بالملك على كثرتها والحقيقة الاخرى التى يسميها القرآن الشريف بالجن قال تعالى: " إن كل من في السماوات والارض إلا آتى الرحمن عبدا " (مريم: 93). ولا ريب أن اعتبار العبودية لله سبحانه أمر مأخوذ بالتحليل وهو تحليل معنى العبودية إلى أجزائها الاصلية ثم الحكم بثبوت حقيقته بعد طرح خصوصياته الزائدة الطارئة على إصل المعنى في اولى العقل من الخليقة فهناك أفراد من الناس يسمى الواحد منهم عبدا، ولا يسمى به إلا لان نفسه مملوكة لغيره ملكا يسوغ لذلك الغير الذى هو مالكه ومولاه أن يتصرف فيه كيف يشاء وبما أراد، ويسلب عن العبد استقلال الارادة مطلقا. والتأمل في هذا المعنى يوجب الحكم بأن الانسان - وإن شئت وسعت وقلت:
________________________________________
[ 340 ]
كل ذى شعور وإرادة - عبد لله سبحانه بحقيقة معنى العبودية فإن الله سبحانه مالك كل ما يسمى شيئا بحقيقة معنى الملك فلا يملك شئ من نفسه ولا من غيره شيئا من ضر ولا نفع ولا موت ولا حياة ولا نشور، ولا يستقل أمر في الوجود بذات ولا وصف ولا فعل اللهم إلا ما ملكه الله ذلك تمليكا لا يبطل بذلك ملكه تعالى، ولا ينتقل به الملك عنه إلى غيره بل هو المالك لما ملكهم، والقادر على ما عليه أقدرهم، وهو على كل شئ قدير، وبكل شئ محيط. وهذه السلطة الحقيقية والملك الواقعي هي المنشأ لوجوب انقيادهم لما يريده منهم بإرادته التشريعية، وما يصنع لهم من شرائع الدين وقوانين الشريعة مما يصلح به أمرهم وتحاز به سعادتهم في الدارين. والحاصل أنه تعالى هو المالك لهم ملكا تكوينيا يكونون به عبيده الداخرين لقضائه سواء عرفوه أم جهلوه أطاعوه في تكاليفه أم عصوه وهو المالك لهم ملكا تشريعيا يوجب له عليهم السمع والطاعة، ويحكم عليهم بالتقوى والعبادة. ويتميز هذا الملك والمولوية بحسب الحكم عن الملك والمولوية الدائر بين الناس - وكذا العبودية المقابلة له - بأن الله سبحانه لما كان مالكا تكوينا على الاطلاق لا مالك سواه لم يجز في مرحلة العبودية التشريعية اتخاذ مولى سواه ولا عبادة أحد غيره قال تعالى: " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه " (الاسراء: 23) بخلاف الموالى من الناس فإن الملك هناك لمن غلب بسبب من أسباب الغلبة. وأيضا لما لم يكن في عبيده تعالى المملوكين شئ غير مملوك له تعالى ولم ينقسموا في وجودهم إلى مملوك غير مملوك بل كانوا من حيث ذواتهم وأوصافهم وأحوالهم وأعمالهم مملوكين له تكوينا تبع ذلك التشريع فحكم فيهم بدوام العبودية واستيعابها لجميع ما يرجع إليهم بوجه من الوجوه فلا يسعهم أن يعبدوا الله من جهة بعض ما يرجع إليهم دون بعض مثل أن يعبدوه باللسان دون اليد كما لا يسعهم أن يجعلوا بعض عبادتهم لله تعالى وبعضها لغيره وهذا بخلاف المولوية الدائرة بين الناس فلا يسع للمولى عقلا ة ن يفعل ما يشاء، تأمل فيه. وهذا هو الذى يدل على إطلاق أمثال قوله تعالى: " ما لكم من دونه من ولى ولا شفيع " (السجدة: 4) وقوله تعالى: " وهو الله لا إله إلا هو الحمد في الاولى
________________________________________
[ 341 ]
والاخرة وله الحكم " (القصص: 70)، وقوله: " يسبح لله ما في السماوات وما في الارض له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير " (التغابن: 1). وكيفما كان فالعبودية المعتبرة بالنسبة إليه تعالى معنى تحليلي مأخوذ من العبودية التى تعتبره العقلاء من الانسان في مجتمعهم فلها أصل في المجتمع الانساني فلننظر ما هو أصله ؟. 2 - استعباد الانسان وأسبابه: كان الاستعباد والاسترقاق دائرا في المجتمع الانساني شائعة معروفة إلى ما يقرب من سبعين سنة قبل هذا التاريخ، ولعلها توجد معمولة في بعض القبائل المتطرفة النائية في أفريقيا وآسيا حتى اليوم، وكان اتخاذ العبيد والاماء من السنن الدائرة بين الاقوام القديمة لا يكاد يضبط بدء تاريخي له، وكان ذا نظام مخصوص وأحكام وقوانين عامة بين الامم، وأخرى مخصوصة بامة امة. والاصل في معناه كون النفس الانسانية عند وجود شرائط خاصة سلعة مملوكة كسائر السلع المملوكة من حيوان ونبات وجماد، وإذا كانت النفس مملوكة كانت مسلوبة الاختيار مملوكة الاعمال والاثار يتصرف فيها كيف اريد. هذه سنتهم الدائرة بينهم في الاسترقاق غير أنه لم يكن متكئا على إرادة جزافية أو مطلقا غير مبنى على أي شرط فلم يكن يسع لاحدهم أن يتملك كل من أحب، ولا أن يملك كل من شاء وأراد ببيع أو هبة أو غير ذلك فلم يكن أصل المعنى متكئا على الجزاف، وإن كان ربما يوجد في تضاعيف القوانين المتبعة فيه بحسب اختلاف آراء الاقوام وسننهم أمور جزافية كثيرة. كانت الاستعباد مبنيا على نوع من الغلبة والسيطرة كغلبة الحرب التى تنتج للغالب الفاتح أن يفعل بخصمه المغلوب ما يشاء من قتل أو سبى أو غيره، وغلبة الرئاسة التى تصير الرئيس الجبار فعالا لما يشاء في حوزة رئاسته، واختصاص التوليد والانتاج الذى يضع ولاية أمر المولود الضعيف في كف والده القوى يصنع به ما بدا له حتى البيع والهبة والتبديل والاعارة ونحو ذلك. وقد تكرر في أبحاثنا السابقة: أن أصل الملك في المجتمع الانساني مبنى على القدرة المغروزة في الانسان على الانتفاع من كل شئ يمكنه أن ينتفع به بوجه - والانسان
________________________________________
[ 342 ]
مستخدم بالطبع - فالانسان يستخدم في سبيل إبقاء حياته كل ما قدر عليه واستخدامه والانتفاع بمنافع وجوده آخذا من المادة الاصلية فالعناصر فالمركبات الجمادية المتنوعة فالحيوان حتى الانسان الذى هو مثله في الانسانية. غير أن حاجته المبرمة إلى الاجتماع والتعاون اضطره إلى قبول الاشتراك مع سائر أفراد نوعه في الانتفاع بالمنافع المحصلة من الاشياء بأعمالهم المشتركة فهو وسائر الافراد من نوعه يكونون لذلك مجتمعا يختص كل جزء من أجزائه وكل طرف من أطرافه بعمل أو أعمال ثم ينتفع المجموع بالمجموع، وإن شئت فقل: ثم تقسم نتائج الاعمال بينهم فيتمتع كل واحد منهم بذلك على مقدار زنته الاجتماعية، ولذلك نرى أن الفرد من الانسان وهو اجتماعي كلما قوى واشتد أبطل المدنية الطبعية وأخذ يستخدم الناس بالغلبة، ويتملك رقابهم، ويحكم في نفوسهم وأعراضهم وأموالهم بما يقترحه. ولاجل ذلك إذا تأملت تأملا حرا في سنتهم في استعباد الانسان وجدت أنهم لا يعتبرون تملك الانسان ما دام داخلا في المجتمع وجزء من أجزائه بل إما أن يكون الانسان المملوك محكوما بالخروج عن المجتمع كالعدو المحارب الذى لا هم له إلا أن يهلك الحرث والنسل ويمحى الانسان باسمه ورسمه فهو خارج عن مجتمع عدوه، وله أن يهلكه بالافناء ويتملك منه ما يشاء لان الحرمة مرفوعة، ومثله الاب بالنسبة إلى صغار أولاده والتابعين لنفسه فإنه يرى أنهم من توابعه في المجتمع من غير أن يكافئوه أو يماثلوه أو يوازنوه فله أن يتصرف فيهم حتى بالقتل والبيع وغيرهما. وإما أن يكون الانسان المالك ذا خصيصة تدعوه إلى أن يعتقد أنه فوق المجتمع من غير أن يعادلهم في وزن أو يشاركهم في نفع بل له نفوذ الحكم، والتمتع بصفوة ما يختار، والتصرف في نفوسهم حتى بالملك والاستعباد. فقد تبين أن الاصل الاساسى الذى كان يبنى عليه الانسان سنة الاستعباد والاسترقاق هو حق الاختصاص والتملك المطلق الذى يعتقده الانسان لنفسه، وأن الانسان لا يستثنى عنه أحدا إلا مشاركيه في مجتمعه الانساني ممن يعادله في الزنة الاجتماعية ويتحصن منه في حصن التعاون والتعاضد، وأما الباقون فلا مانع عنده من تملكهم واستعبادهم.
________________________________________
[ 343 ]
وعمدتهم في ذلك طوائف ثلاث: العدو المحارب، والاولاد الضعفاء بالنسبة إلى آبائهم وكذا النساء بالنسبة إلى أوليائهن، والمغلوب المستبذل بالنسبة إلى الغالب المتعزز. 3 - سير الاستعباد في التاريخ: سنة الاستعباد وإن كانت مجهولة من حيث تاريخ شيوعها في المجتمع الانساني غير أن الاشبه أن يكون ارقاء مأخوذين في أول الامر بالقتال والتغلب ثم يلحق به الاولاد والنساء، ولذلك نعثر في تاريخ الامم القوية الحربية من القصص والحكايات وكذا القوانين والاحكام المربوطة بالاسترقاق بالسبي على ما لا يوجد في غيرهم. وقد كان دائرا بين الامم المتمدنة القديمة كالهند واليونان والرومان وإيران، وبين المليين كاليهود والنصارى على ما يستفاد من التوراة والانجيل حتى ظهر الاسلام فأنفذ أصله مع تضييق في دائرته وإصلاح لاحكامه المقررة، ثم آل الامر إلى أن قرر مؤتمر بروسل إلغاء الاستعباد قبل سبعين سنة تقريبا. قال " فردينان توتل " في معجمه (1) لاعلام الشرق والغرب: كان الرق شائعا عند الاقدمين، وكان الرقيق يؤخذ من أسرى وسبايا الحرب ومن الشعوب المغلوبة، كان للرق نظام معروف عند اليهود واليونان والرومان والعرب في الجاهلية والاسلام. وقد ألغى نظام الرق تدريجا: في الهند (1843) وفي المستعمرات الافرنسية (1848) وفي الولايات المتحدة بعد حرب الانفصال (1865) وفي البرازيل (1888) إلى أن اتخذ مؤتمر بروسل قرارا بإلغاء الاستعباد (1890) غير أنه لا يزال موجودا فعلا بين بعض القبائل في أفريقيا وآسيا. ومبدء إلغاء الرق هو تساوى البشر بالحقوق والواجبات، انتهى. 4 - ما الذى رآه الاسلام في ذلك ؟ قسم الاسلام الاستعباد بحسب أسبابه، وقد تقدم أن عمدتها كانت ثلاثة: الحرب، والتغلب والولاية كالابوة ونحوها فألغى سببين من الثلاثة من أصله وهما التغلب والولاية. فاعتبر احترام الناس شرعا سواء من ملك ورعية وحاكم ومحكوم وأمير وجندي
________________________________________
(1) ص 219. (*)
________________________________________
[ 344 ]
ومخدوم وخادم بإلغاء الامتيازات والاختصاصات الحيوية، والتسوية بين الافراد في حرمة نفوسهم وأعراضهم وأموالهم، والاعتناء بشعورهم وإرادتهم - وهو الاختيار التام في حدود الحقوق المحترمة - وأعمالهم وما اكتسبوه وهو تسلطهم على أموالهم ومنافع وجودهم من الافعال فليس لوالى الامر في الاسلام إلا الولاية على الناس في إجراء الحدود والاحكام وفي أطراف المصالح العامة العائدة إلى المجتمع الدينى، وأماما تشتهيه نفسه وما يستحبه لحياته الفردية فهو كأحد الناس لا يختص من بينهم بخصيصة، ولا ينفذ أمره في الكثير مما يهواه لنفسه ولا في القليل، ويرتفع بذلك الاسترقاق التغلبي بارتفاع موضوعه. وعدل ولاية الاباء لابنائهم فلهم حق الحضانة والحفظ وعليهم حق التربية والتعليم وحفظ أموالهم ما داموا محجورين بالصغر فإذا بلغوا بالرشد فهم وآباؤهم سواء في الحقوق الاجتماعية الدينية، وهم أحرار في حياتهم، لهم الخيرة فيما رضوا لانفسهم. نعم اكدت التوصية لابائهم عليهم بالاحسان ومراعاة حرمة التربية، قال تعالى: " ووصينا الانسان بوالديه حملته امه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير، وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلى " (لقمان: 15) وقال تعالى: " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا " (الاسراء: 24) وقد عد في الشرع الاسلامي عقوقهما من المعاصي الكبيرة الموبقة. وأما النساء فقد وضع لهن من المكانة في المجتمع واعتبر لهن من الزنة الاجتماعية مالا يجوز عند العقل السليم التخطي عنه ولو بخطوة، فصرن بذلك أحد شقى المجتمع الانساني وقد كن في الدنيا محرومات من ذلك، وأعطين زمام الازدواج والمال وقد كن محرومات أو غير مستقلات في ذلك. وشاركن الرجال في امور واختصصن عنهم بامور واختص الرجال بامور كل ذلك عن مراعاة تامة لقوام وجودهن وتركيب بناهن، ثم سهل عليهن في امور شق فيها على الرجال كأمر النفقة وحضور معارك القتال ونحو ذلك.
________________________________________
[ 345 ]
وقد تقدم الكلام في ذلك كله تفصيلا في أواخر سورة البقرة في الجزء الثاني من الكتاب، وفي أوائل سورة النساء في الجزء الرابع منه، وتبين هناك أن النساء مختصات في الاسلام من مزيد الارفاق بالنسبة إلى الرجال بما لا يوجد نحوه في سائر السنن الاجتماعية قديمها وحديثها. قال تعالى: " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن " (النساء: 31) وقال تعالى: " فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف " (البقرة: 234) وقال تعالى: " ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف " (البقرة: 228) وقال: " أنى لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى بعضكم من بعض " (آل عمران: 195) ثم جمع الجميع في بيان واحد فقال: " لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " (البقرة: 286) وقال: " ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر اخرى " (الانعام: 164) إلى غير ذلك من الايات المطلقة التى تأخذ الفرد من الانسان جزء تاما كاملا من المجتمع، ويعطيه من الاستقلال الفردى ما ينفصل به عن أي فرد آخر في نتائج أعماله من خير أو شر أو نفع أو ضر من غير أن يستثنى صغيرا أو كبيرا أو ذكرا أو أنثى. ثم سوى بينهم جميعا في العزة والكرامة ثم ألغى كل عزة وكرامة الا الكرامة الدينية المكتسبة بالتقوى والعمل فقال: " لله العزة ولرسوله وللمؤمنين " (المنافقون: 8) وقال: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " (الحجرات: 13). وقد أبقى الاسلام السبب الثالث من الاسباب الثلاثة للاستعباد أعنى الحرب، وهو أن يسبى الكافر المحارب لله ورسوله والمؤمنين، وأما اقتتال المؤمنين بعضهم مع بعض فلا سبى فيه ولا استعباد بل يقاتل الباغى من الطائفتين حتى ينقاد لامر الله قال تعالى: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين اخويكم " (الحجرات: 10). وذلك إن العدو المحارب الذى لا هم له إلا أن يفنى الانسانية ويهلك الحرث والنسل لا ترتاب الفطرة الانسانية أدنى ريب في أنه يجب أن لا يعد جزء من المجتمع
________________________________________
[ 346 ]
الانساني الذى له التمتع بمزايا الحياة والتنعم بحقوق الاجتماع، وأنه يجب دفعه بالافناء فما دونه، وعلى ذلك جرت سنة بنى آدم منذ عمروا في الارض إلى يومنا هذا وعلى ذل‍ ك ستجري. والاسلام لما وضع بنية المجتمع - المجتمع الدينى - على أساس التوحيد وحكومة الدين الاسلامي ألغى جزئية كل مستنكف عن التوحيد وحكومة الدين من المجتمع الانساني إلا مع ذمة أو عهد فكان الخارج عن الدين وحكومته وعهده خارجا عن المجتمع الانساني لا يعامل معه إلا معاملة غير الانسان الذى للانسان أن يحرمه عن أي نعمة يتمتع بها الانسان في حياته، ويدفعه بتطهير الارض من رجس استكباره وإفساده فهو مسلوب الحرمة عن نفسه وعملة ونتائج أي مسعى من مساعيه، فللجيش الاسلامي أن يتخذ أسرى ويستعبد عند الغلبة. 5 - ما هو السبيل إلى الاستعباد في الاسلام ؟ يتأهب المسلمون على من يلونهم من الكفار فيتمون عليهم الحجة ويدعونهم إلى كلمة الحق بالحكمة والموعظة والمجادلة بالتى هي أحسن فإن أجابوا فإخوان في الدين لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم وإن أبواإلا الرد فإن كانوا أهل كتاب وقبلوا الجزية تركوا وهم على ذمتهم، وإن أخذوا عهدا كانوا أهل كتاب أم لا وفى بعهدهم، وإن لم يكن شئ من ذلك أوذنوا على سواء وقوتلوا. يقتل منهم من شهر سيفا ودخل المعركة، ولا يقتل منهم من ألقى السلم، ولا يقتل منهم المستضعفون من الرجال والنساء والولدان، ولا يبيتون ولا يغتالون، ولا يقطع عنهم الماء، ولا يعذبون ولا يمثل بهم فيقاتلون حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين. فإذا غلبوهم ووضعت الحرب أوزارها فما تسلط عليه المسلمون من نفوسهم وأموالهم فهو لهم، وقد اشتمل تاريخ حروب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومغازيه على صحائف غر متلمعة مملوءة من السيرة العادلة الجميلة فيها لطائف الفتوة والمروة، وطرائف البر والاحسان. 6 - ما هي سيرة الاسلام في العبيد والاماء ؟ إذا استقرت العبودية على من استقرت
________________________________________
[ 347 ]
عليه صار ملك يمين، منافع عمله لغيره ونفقته على مولاه. وقد وصى الاسلام أن يعامل المولى مع عبده معاملة الواحد من أهله وهو منهم فيساويهم في لوازم الحياة وحوائجها، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يؤاكل عبيده وخدمه ويجالسهم، ولا يؤثر نفسه عليهم في مأكل ولا ملبس ونحوهما. وأن لا يشق عليهم ولا يعذبوا ولا يسبوا ولا يظلموا، وأجيز أن يتزوجوا فيما بينهم بإذن أهلهم، وإن يتزوج بهم الاحرار، وأن يشاركوهم في الشهادات، ويساهموهم في الاعمال حال الرق وبعد الانعتاق. وقد بلغ من إرفاق الاسلام في حقهم أن شاركوا الاحرار في عامة الامور، وقد قلد جمع منهم الولاية والامارة وقيادة الجيش على ما يضبطه تاريخ صدر الاسلام، ويوجد بين الصحابة الكبار عدة من الموالى كسلمان وبلال وغيرهما. وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعتق جاريته صفية بنت حى بن أخطب وتزوج بها، وتزوج جويرية بنت الحارث بعد وقعة بنى المصطلق وقد كانت بين سباياهم، وكانوا مأتى بيت بالنساء والذراري، وصار ذلك سببا لانعتاق الجميع، وقد مر إجمال القصة في الجزء الرابع من الكتاب. ومن الضرورى من سيرة الاسلام أنه يقدم العبد المتقى على المولى الحر الفاسق، وأنه يبيح للعبد أن يتملك المال ويتمتع بعامة مزايا الحياة بإذن من أهله، هذا إجمال من صنيع الاسلام فيهم. ثم أكد الوصية وندب أجمل الندب إلى تحرير رقبتهم، و إخراجهم من ظرف الاستعباد إلى جو الحرية ولا يزال يقل بذلك عددهم ويتبدل جمعهم موالى وأحرارا لوجه الله، ولم يقنع بذلك دون أن جعل تحرير الرقبة أحد خصال الكفارات مثل كفارة القتل وكفارة الافطار، وأجاز لهم الاشتراط والكتابة والتدبير، كل ذلك عناية بهم وقصدا إلى تخليصهم وإلحاقا لهم بالمجتمع الانساني الصالح إلحاقا تاما يقطع دابر الاستذلال. 7 - محصل البحث في الفصول السابقة: تحصل مما مر أمور ثلاث: الاول: أن الاسلام لم يأل جهدا في إلغاء أسباب الاستعباد وتقليلها وتضعيفها حتى
________________________________________
[ 348 ]
وقف على واحد منها لا محيص عن اعتباره بحكم الفطرة القاطع، وهو جواز استعباد كل إنسان محارب للدين مضاد للمجتمع الانساني غير خاضع للحق بوجه من وجوه الخضوع. الثاني: أنه استعمل جميع الوسائل الممكنة في إكرامهم - العبيد والاماء وتقريب شؤونهم الحيوية من حياة أجزاء المجتمع الحرة حتى صاروا كأحدهم وإن لم يصيروا أحدهم، ولم يبق عليهم إلا حجاب واحد رقيق، وهو أن الزائد من أعمالهم على واجب حياتهم حياة متوسطة لمواليهم لا لهم، وإن شئت فقل: لا فاصل في الحقيقة بين الحر والعبد في الاسلام إلا إذن المولى في العبد. الثالث: أنه احتال بكل حيلة مؤثرة إلى الحاق صنف المماليك إلى مجتمع الاحرار بالترغيب والتحريص في موارد، وبالفرض والايجاب في اخرى كالكفارات، وبالتسويغ والانفاذ في مثل الاشتراط والتدبير والكتابة. 8 - سير الاستعباد في التاريخ، ذكروا (1) أن الاستعباد ظهر أول ما ظهر بالسبي والاسر، وكانت القبائل قبل ذلك إذا غلبت في حروبها ومقاتلها وأخذت سبايا قتلتهم عن آخرهم ثم رأوا أن يتركوهم أحياء ويتملكوهم كسائر الغنائم الحربية لا لينتفعوا بأعمالهم بل إحسانا في حقهم وحفظا للنوع واحتراما للقوانين الاخلاقية التى ظهرت فيهم بالترقى في صراط المدنية شيئا بعد شئ. وإنما ظهرت هذه السنة بين القبائل بعد ما ارتحلت عنهم طريقة الارتزاق لاصطياد إذ لم تكن لهم فيها من السعة ما يسوغ لهم الانفاق على العبيد والاماء حتى انتقلوا إلى عيشة النزول والارتحال وتمكنوا من ذلك. وبشيوع الاستعباد بين القبائل والامم على أي وتيرة كانت تحولت حياة الانسان الاجتماعية بظهور جهات من الانتظام والانضباط في المجتمعات أولا وتقسيم الاعمال ثانيا. ولم يكن الاستعباد إذ كان دائرا في الدنيا على وتيرة واحدة في أقطار المعمورة فلم يستن في بعض المناطق أصلا كاوستراليا وآسيا المركزية وسيبريا وأميركا الشمالية
________________________________________
(1) مأخوذ من 1 - دائرة المعارف: المذهب والاخلاق تأليف جانن هيسينيك طبعة بريطانية، 2 - مجمل التاريخ تأليف ه‍. ج‍. ولز طبعة بريطانية، 3 - روح القوانين تأليف مونيسكيو طبعة طهران. (*)
________________________________________
[ 349 ]
وإسكيمو وبعض المناطق بأفريقيا بشمال النيل وجنوب رامبيز. وبالعكس كان رائجا في جزيرة العرب وأفريقيا الوحشية واوروبا وأميركا الجنوبية وكان دائرا بين اليهود، وفي التوراة دعاء العبيد إلى طاعة مواليهم، وكذا بين النصارى وفي كتاب بولس إلى فيلمن أن إفسيموس كان عبدا شاردا رده بولس إلى سيده. وكانت اليهود أرفق الناس بعبيدهم، ومن الشواهد على ذلك أنا لم نعثر لهم من شواهق الابنية على ما يشبه الاهرام المعمولة بمصر والابنية الاشورية التاريخية فإنها كانت من أعمال العبيد الشاقة، وكانت الروم واليونان أكثر الامم تشديدا على العبيد. وقد ذاع في الروم الشرقي بعد قسطنطين فكر التحرير حتى لغى الرق فيها في القرن 13 الميلادى، وبقى في الروم الغربي على شكل آخر وهو أنهم كانوا يبيعون ويشترون المزارع بزراعها - وكانت الزراعة من مشاغل العبيد - لكن لغت بينهم الاعمال الاجبارية. وكان الاستعباد دائرا في معظم ممالك اوروبا إلى سنة 1772 الميلادية وقد انعقدت قبل ذلك بحين معاهدة بين الدولتين إنجلترا وإسبانيا على أن يجبى الانجليز إليهم كل سنة أربعة آلاف وثمانمائة نسمة من رقيق أفريقيا إلى ثلاثين سنة ليبيعهم منهم قبال مبالغ خطيرة يأخذها منهم. وقد ثارت الافكار العامة سنة 1761 على الرق والاستعباد بينهم، وأقدم الطوائف التى قامت عليه منهم طائفة " لرزان " ا (1) لمذهبية، ولم يزالوا على ذلك حتى وضعت مادة قانونية سنة 1772 أن كل من دخل أرض بريطانيا فهو حر. وقد ظهر سنة 1788 بعد بحث دقيق أن إنجلترا يعامل كل سنة مأتى ألف نسمة رقيقا، وكان الذين يجلبون منهم من أفريقيا إلى أميركا وحدها مائة ألف. ولم يزل حتى ألغى الاستعباد في بريطانيا سنة 1833 وأدت الدولة إلى كمبانيات النخس عشرين ميلونا ليرة أثمان من حررته من رقيقهم العبيد والاماء، وانعتق في هذه الواقعة فيها (770380) نسمة.
________________________________________
(1)) * (. Quaker
________________________________________
[ 350 ]
ولغى الاستعباد في أميركا سنة 1862 بعد مجاهدات شديدة تحملتها أهالي أميركا وقد كان شمال هذه المملكة وجنوبها مختلفين في أخذ الرقيق: أما أميركا الشمالية فإنما كانت تأخذ العبيد والاماء للتجمل فحسب، وأما الجنوبية فكان معظم الاشغال فيها شغل الزراعة والحرث، وكانوا في حاجة شديدة إلى كثرة الايدى العمالة فكانوا يأخذون الارقاء استثمارا بإعمالهم، ولذلك كانوا يتحرجون من قبول التحرير العام. ولم يزل الاستعباد يلغى في مملكة بعد مملكة حتى انعقد قرار بروسل سنة (1890) الميلادية على إلغاء سنة الاستعباد، وأمضاها الدول وأجريت في الممالك، ولغت العبودية في الدنيا، وانعتقت بذلك الملايين من النسمات، انتهى ما ذكروه ملخصا. وأنت تجد بثاقب نظرك أن هذه المجاهدة الطويلة والمشاجرة ثم ما وضع من قوانين الالغاء وانفذ من الحكم كل ذلك إنما كان يدور حول الاسترقاق من طريق الولاية أو التغلب كما يشهد به أن جل الارقاء أو كلهم كانوا يجلبون من نواحى أفريقيا المعمول فيها ذلك، وأما الاسترقاق من طريق السبى الحربى الذى أنفذ الاسلام فلم يكن موردا للبحث قط. 8 - نظرة في بنائهم: هذه الحرية الفطرية التى نسميها بالحرية الموهوبة للانسان (ولسنا ندرى ما هو السبب الذى يسلبها عن سائر أنواع الحيوان وهى تماثل الانسان في الشعور النفساني والارادة الباعثة ؟ غير أن نقول إن الانسان هو الذى يسلبها ذلك لينتفع بها) لا تتفرع على أصل إلا على أن الانسان مجهز بشعور باطني يميز له ما يلتذ به وما يتألم به ثم بإرادة تبعثه إلى جذب ما يلذه ودفع ما يؤلمه فكان له أن يختار لنفسه ما يشاء. ولم يتقيد الشعور الانساني بأن يتعلق بشئ ولا يتعلق بآخر كأن لا يشعر الانسان الضعيف المستذل بما يشعر به الانسان القوى المتعزز، ولا تحددت الارادة الانسانية بحد يمنعها عن التعلق ببعض ما يستحبه أو يجبرها على التعلق بما تعلقت به إرادة غيره لتنطلق لنفع غيره وتنسى نفسها، فالانسان الضعيف المغلوب يريد لنفسه نظائر جميع ما يريده الانسان الذى غلبه وقهره لنفسه، ولا رابطة طبيعية بين إرادة الضعيف وإرادة القوى تجبر إرادة الضعيف على أن لا تتعلق بما تعلقت به إرادة القوى، أو تفنى في إرادة القوى فتعود الارادتان إرادة واحدة تجرى لنفع القوى، أو تتبع الارادة اتباعا يسلبها الاستقلال.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page