• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 401 الي 421


[ 401 ]
مختص بصوره تنازع المؤمنين كما يدل عليه قوله تنازعتم ولم يقل فإن تنازع اولوا الامر ولا قال فإن تنازعوا والرد إلى الله والرسول عند حضور الرسول هو سؤال الرسول عن حكم المسألة أو استنباطه من الكتاب والسنة للمتمكن منه وعند غيبته أن يسأل الامام عنه أو الاستنباط كما تقدم بيانه فلا يكون قوله فإن تنازعتم في شئ الخ زائدا من الكلام مستغنى عنه كما ادعاه المستشكل. فقد تبين من جميع ما تقدم أن المراد باولي الامر في الآية رجال من الامة حكم الواحد منهم في العصمة وافتراض الطاعة حكم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهذا مع ذلك لا ينافي عموم مفهوم لفظ اولي الامر بحسب اللغة وإرادته من اللفظ فإن قصد مفهوم من المفاهيم من اللفظ شئ وإرادة المصداق الذي ينطبق عليه المفهوم شئ آخر وذلك كما أن مفهوم الرسول معنى عام كلى وهو المراد من اللفظ في الآية لكن المصداق المقصود هو الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قوله تعالى فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إلى آخر الآية تفريع على الحصر المستفاد من المورد فإن قوله أطيعوا الله الخ حيث أوجب طاعة الله ورسوله وهذه الطاعة إنما هي في المواد الدينية التي تتكفل رفع كل اختلاف مفروض وكل حاجة ممكنة لم يبق مورد تمس الحاجة الرجوع إلى غير الله ورسوله وكان معنى الكلام أطيعوا الله ولا تطيعوا الطاغوت وهو ما ذكرناه من الحصر. وتوجه الخطاب إلى المؤمنين كاشف عن أن المراد بالتنازع هو تنازعهم بينهم لا تنازع مفروض بينهم وبين اولي الامر ولا تنازع مفروض بين اولي الامر فإن الاول أعني التنازع بينهم وبين اولي الامر لا يلائم افتراض طاعة اولي الامر عليهم وكذا الثاني أعني التنازع بين اولي الامر فإن افتراض الطاعة لا يلائم التنازع الذي أحد طرفيه على الباطل على أنه لا يناسب كون الخطاب متوجها إلى المؤمنين في قوله فإن تنازعتم في شئ فردوه. ولفظ الشئ وإن كان يعم كل حكم وأمر من الله ورسوله واولي الامر كائنا ما كان لكن قوله بعد ذلك فردوه إلى الله والرسول يدل على أن المفروض هو النزاع

[ 402 ]
في شئ ليس لاولي الامر الاستقلال والاستبداد فيه من أوامرهم في دائرة ولايتهم كأمرهم بنفر أو حرب أو صلح أو غير ذلك إذ لا معنى لايجاب الرد إلى الله والرسول في هذه الموارد مع فرض طاعتهم فيها. فالآية تدل على وجوب الرد في نفس الاحكام الدينية التي ليس لاحد أن يحكم فيها بإنفاذ أو نسخ إلا الله ورسوله والآية كالصريح في أنه ليس لاحد أن يتصرف في حكم ديني شرعه الله ورسوله واولوا الامر ومن دونهم في ذلك سواء. وقوله إن كنتم تؤمنون بالله تشديد في الحكم وإشارة إلى أن مخالفته إنما تنتشى من فساد في مرحلة الايمان فالحكم يرتبط به ارتباطا فالمخالفة تكشف عن التظاهر بصفة الايمان بالله ورسوله واستبطان للكفر وهو النفاق كما يدل عليه الآيات التالية. وقوله ذلك خير وأحسن تأويلا أي الرد عند التنازع أو إطاعة الله ورسوله واولي الامر والتأويل هو المصلحة الواقعية التي تنشأ منها الحكم ثم تترتب على العمل وقد تقدم البحث عن معناه في ذيل قوله تعالى وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله الآية: آل عمران - 7 في الجزء الثالث من الكتاب. قوله تعالى ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك إلى آخر الآية الزعم هو الاعتقاد بكذا سواء طابق الواقع أم لا بخلاف العلم فإنه الاعتقاد المطابق للواقع ولكون الزعم يستعمل في الاعتقاد في موارد لا يطابق الواقع ربما يظن أن عدم مطابقة الواقع مأخوذ في مفهومه وليس كذلك والطاغوت مصدر بمعنى الطغيان كالرهبوت والجبروت والملكوت غير أنه ربما يطلق ويراد به اسم الفاعل مبالغة يقال طغى الماء إذا تعدى ظرفه لوفوره وكثرته وكان استعماله في الانسان أولا على نحو الاستعاره ثم ابتذل فلحق بالحقيقة وهو خروج الانسان عن طوره الذي حده له العقل أو الشرع فالطاغوت هو الظالم الجبار والمتمرد عن وظائف عبودية الله استعلاء عليه تعالى وهكذا وإليه يعود ما قيل إن الطاغوت كل معبود من دون الله. وقوله بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك بمنزلة أن يقال بما أنزل الله على رسله ولم يقل آمنوا بك وبالذين من قبلك لان الكلام في وجوب الرد إلى كتاب الله وحكمه وبذلك يظهر أن المراد بقوله وقد أمروا أن يكفروا به الامر في الكتب السماوية
________________________________________
[ 403 ]
والوحي النازل على الانبياء: محمد ومن قبله صلى الله عليه وآله وعليهم. وقوله ألم تر الخ الكلام بمنزلة دفع الدخل كأنه قيل ما وجه ذكر قوله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول الخ ؟ فقيل ألم تر إلى تخلفهم من الطاعة حيث يريدون التحاكم إلى الطاغوت ؟ والاستفهام للتأسف والمعنى من الاسف ما رأيته أن بعض الناس وهم معتقدون أنهم مؤمنون بما أنزل إليك من الكتاب وإلى سائر الانبياء والكتب السماوية إنما انزلت لتحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وقد بينه الله تعالى لهم بقوله كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه: البقرة - 213 يتحاكمون عند التنازع إلى الطاغوت وهم أهل الطغيان والمتمردون عن دين الله المتعدون على الحق وقد امروا في هذه الكتب أن يكفروا بالطاغوت وكفى في منع التحاكم إليهم أنه إلغاء لكتب الله وإبطال لشرائعه. وفي قوله ويريد الشيطان إن يضلهم ضلالا بعيدا دلالة على أن تحاكمهم إنما هو بإلقاء الشيطان وإغوائه والوجهة فيه الضلال البعيد. قوله تعالى وإذا قيل لهم تعالوا إلى آخر الآية تعالوا بحسب الاصل أمر من التعالي وهو الارتفاع وصد عنه يصد صدودا أي أعرض وقوله إلى ما أنزل الله وإلى الرسول بمنزلة أن يقال إلى حكم الله ومن يحكم به وفي قوله يصدون عنك إنما خص الرسول بالاعراض مع أن الذي دعوا إليه هو الكتاب والرسول معا لا الرسول وحده لان الاسف إنما هو من فعل الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل الله فهم ليسوا بكافرين حتى يتجاهروا بالاعراض عن كتاب الله بل منافقون بالحقيقة يتظاهرون بالايمان بما أنزل الله لكنهم يعرضون عن رسوله. ومن هنا يظهر أن الفرق بين الله ورسوله بتسليم حكم الله والتوقف في حكم الرسول نفاق البتة. قوله تعالى فكيف إذا أصابتهم مصيبة الخ إيذان بأن هذا الاعراض والانصراف عن حكم الله ورسوله والاقبال إلى غيره وهو حكم الطاغوت سيعقب مصيبة تصيبهم لا سبب لها إلا هذا الاعراض عن حكم الله ورسوله والتحاكم إلى الطاغوت وقوله ثم جاؤوك يحلفون بالله اه حكايه لمعذرتهم أنهم ما كانوا يريدون بركونهم إلى حكم الطاغوت سوء والمعنى والله أعلم فإذا كان حالهم هذا الحال كيف صنيعهم
________________________________________
[ 404 ]
إذا أصابهم بفعالهم هذا وباله السيئ ثم جاؤوك يحلفون بالله قائلين ما أردنا بالتحاكم إلى غير الكتاب والرسول إلا الاحسان والتوفيق وقطع المشاجرة بين الخصوم ؟ قوله تعالى اولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم الخ تكذيب لقولهم فيما اعتذروا به ولم يذكر حال ما في قلوبهم وأنه ضمير فاسد لدلالة قوله فأعرض عنهم وعظهم على ذلك إذ لو كان ما في قلوبهم غير فاسد كان قولهم صدقا وحقا ولا يؤمر بالاعراض عمن يقول الحق ويصدق في قوله. وقوله وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا أي قولا يبلغ في أنفسهم ما تريد أن يقفوا عليه ويفقهوه من مفاسد هذا الصنيع وأنه نفاق لو ظهر نزل بهم الويل من سخط الله تعالى. قوله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله رد مطلق لجميع ما تقدمت حكايته من هؤلاء المنافقين من التحاكم إلى الطاغوت والاعراض عن الرسول والحلف و الاعتذار بالاحسان والتوفيق فكل ذلك مخالفة للرسول بوجه سواء كانت مصاحبة لعذر يعتذر به أم لا وقد أوجب الله طاعته من غير قيد وشرط فإنه لم يرسله إلا ليطاع بإذن الله وليس لاحد أن يتخيل أن المتبع من الطاعة طاعة الله وإنما الرسول بشر ممن خلق إنما يطاع لحيازه الصلاح فإذا احرز صلاح من دون طاعته فلا بأس بالاستبداد في إحرازه وترك الرسول في جانب وإلا كان إشراكا بالله وعبادة لرسوله معه وربما كان يلوح ذلك في امور يكلمون فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول قائلهم له إذا عزم عليهم في مهمة أبأمر من الله أم منك. فذكر الله سبحانه أن وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجوب مطلق وليست إلا طاعة الله فإنها بأذنه نظير ما يفيده قوله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله الآية: النساء - 80. ثم ذكر أنهم لو رجعوا إلى الله ورسوله بالتوبة حين ما خالفوا الرسول بالاعراض لكان خيرا لهم من أن يحلفوا بالله ويلفقوا أعذارا غير موجهة لا تنفع ولا ترضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لان الله سبحانه يخبره بحقيقة الامر وذلك قوله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك إلى آخر الآية. قوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك الخ الشجر بسكون الجيم والشجور الاختلاط يقال شجر شجرا وشجورا أي اختلط ومنه التشاجر
________________________________________
[ 405 ]
والمشاجرة كأن الدعاوي والاقوال اختلط بعضها مع بعض ومنه قيل للشجر شجر لاختلاط غصونها بعضها مع بعض والحرج الضيق. وظاهر السياق في بدء النظر أنه رد لزعم المنافقين أنهم آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مع تحاكمهم إلى الطاغوت فالمعنى فليس كما يزعمون أنهم يؤمنون مع تحاكمهم إلى الطاغوت بل لا يؤمنون حتى يحكموك الخ. لكن شمول حكم الغاية أعني قوله حتى يحكموك الخ لغير المنافقين وكذا قوله بعد ذلك ولو أنا كتبنا عليهم إلى قوله ما فعلوه إلا قليل منهم يؤيد أن الرد لا يختص بالمنافقين بل يعمهم وغيرهم من جهة أن ظاهر حالهم أنهم يزعمون أن مجرد تصديق ما انزل من عند الله بما يتضمنه من المعارف والاحكام إيمان بالله ورسوله وبما جاء به من عند ربه حقيقة وليس كذلك بل الايمان تسليم تام باطنا وظاهرا فكيف يتأتى لمؤمن حقا أن لا يسلم للرسول حكما في الظاهر بأن يعرض عنه ويخالفه أو في باطن نفسه بأن يتحرج عن حكم الرسول إذا خالف هوى نفسه وقد قال الله تعالى لرسوله لتحكم بين الناس بما أراك الله: النساء - 105. فلو تحرج متحرج بما قضى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمن حكم الله تحرج لانه الذي شرفه بافتراض الطاعة ونفوذ الحكم. وإذا كانوا سلموا حكم الرسول ولم يتحرج قلوبهم منه كانوا مسلمين لحكم الله قطعا سواء في ذلك حكمه التشريعي والتكويني وهذا موقف من مواقف الايمان يتلبس فيه المؤمن بعدة من صفات الفضيلة أوضحها التسليم لامر الله ويسقط فيه التحرج والاعتراض والرد من لسان المؤمن وقلبه وقد أطلق في الآية التسليم إطلاقا. ومن هنا يظهر أن قوله فلا وربك إلى آخر الآية وإن كان مقصورا على التسليم لحكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحسب اللفظ لان مورد الآيات هو تحاكمهم إلى غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع وجوب رجوعهم إليه إلا أن المعنى عام لحكم الله ورسوله جميعا ولحكم التشريع والتكوين جميعا كما عرفت. بل المعنى يعم الحكم بمعنى قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكل سيرة سار بها أو عمل عمل به لان الاثر مشترك فكل ما ينسب بوجه إلى الله ورسوله بأي نحو كان لا يتأتى
________________________________________
[ 406 ]
لمؤمن بالله حق إيمانه أن يرده أو يعترض عليه أو يمله أو يسوأه بوجه من وجوه المساءة فكل ذلك شرك على مراتبه وقد قال تعالى وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون: يوسف - 106. قوله تعالى ولو أنا كتبنا عليهم إلى قوله ما فعلوه إلا قليل منهم قد تقدم في قوله ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا: آية - 46 من السورة أن هذا التركيب يدلي على أن الحكم للهيئة الاجتماعية من الافراد وهو المجتمع وأن الاستثناء لدفع توهم استغراق الحكم واستيعابه لجميع الافراد ولذلك كان هذا الاستثناء أشبه بالمنفصل منه بالمتصل أو هو برزخ بين الاستثنائين المتصل والمنفصل لكونه ذا جنبتين. على هذا فقوله ما فعلوه إلا قليل منهم وارد مورد الاخبار عن حال الجملة المجتمعة أنهم لا يمتثلون الاحكام والتكاليف الحرجية الشاقة التى تماس ما يتعلق به قلوبهم تعلق الحب الشديد كنفوسهم وديارهم واستثناء القليل لدفع التوهم. فالمعنى ولو أنا كتبنا أي فرضنا عليهم قتل أنفسهم والخروج من ديارهم وأوطانهم المألوفة لهم ما فعلوه أي لم يمتثلوا أمرنا ثم لما استشعر أن قوله ما فعلوه يوهم أن ليس فيهم من هو مؤمن حقا مسلم لحكم الله حقيقة دفع ذلك باستثناء القليل منهم ولم يكن يشمله الحكم حقيقة لان الاخبار عن حال المجتمع من حيث إنه مجتمع ولم تكن الافراد داخلة فيه إلا بتبع الجملة. ومن هنا يظهر أن المراد قتل الجملة الجملة وخروج الجملة وجلاؤهم من جملة ديارهم كالبلدة والقرية دون قتل كل واحد نفسه وخروجه من داره كما في قوله تعالى فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم: البقرة - 54 فإن المقصود بالخطاب هو الجماعة دون الافراد. قوله تعالى ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا في تبديل الكتابة في قوله ولو أنا كتبنا عليهم بالوعظ في قوله ما يوعظون به إشارة إلى أن هذه الاحكام الظاهرة في صورة الامر والفرض ليست إلا إشارات إلى ما فيه صلاحهم وسعادتهم فهي في الحقيقة مواعظ ونصائح يراد بها خيرهم وصلاحهم. وقوله لكان خيرا لهم أي في جميع ما يتعلق بهم من اولاهم واخراهم وذلك أن خير الآخرة لا ينفك من خير الدنيا بل يستتبعه وقوله وأشد تثبيتا أي
________________________________________
[ 407 ]
لنفوسهم وقلوبهم بالايمان لان الكلام فيه قال تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت الآية: إبراهيم - 27. قوله تعالى وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما أي حين تثبتوا بالايمان الثابت والكلام في إبهام قوله أجرا عظيما كالكلام في إطلاق قوله لكان خيرا لهم. قوله تعالى ولهديناهم صراطا مستقيما قد مضى الكلام في معنى الصراط المستقيم في ذيل قوله إهدنا الصراط المستقيم: الحمد - 6 في الجزء الاول من الكتاب. قوله تعالى ومن يطع الله والرسول إلى قوله وحسن اولئك رفيقا جمع بين الله والرسول في هذا الوعد الحسن مع كون الآيات السابقة متعرضة لاطاعة الرسول والتسليم لحكمه وقضائه لتخلل ذكره تعالى بينها في قوله ولو أنا كتبنا عليهم إلخ فالطاعة المفترضة طاعته تعالى وطاعة رسوله وقد بدأ الكلام على هذا النحو في قوله وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول الآية. وقوله فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم يدل على اللحوق دون الصيرورة فهؤلاء ملحقون بجماعة المنعم عليهم وهم أصحاب الصراط المستقيم الذى لم ينسب في كلامه تعالى إلى غيره إلا إلى هذه الجماعة في قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم: الحمد - 7 وبالجملة فهم ملحقون بهم غير صائرين منهم كما لا يخلو قوله وحسن اولئك رفيقا من تلويح إليه وقد تقدم أن المراد بهذه النعمة هي الولاية وأما هؤلاء الطوائف الاربع أعنى النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فالنبيون هم أصحاب الوحى الذين عندهم نبأ الغيب ولا خبرة لنا من حالهم بأزيد من ذلك إلا من حيث الآثار وقد تقدم أن المراد بالشهداء شهداء الاعمال فيما يطلق من لفظ الشهيد في القرآن دون المستشهدين في معركة القتال وأن المراد بالصالحين هم أهل اللياقة بنعم الله. وأما الصديقون فالذي يدل عليه لفظه هو أنه مبالغة من الصدق ومن الصدق ما هو في القول ومنه ما هو في الفعل وصدق الفعل هو مطابقته للقول لانه حاك عن الاعتقاد فإذا صدق في حكايته كان حاكيا لما في الضمير من غير تخلف وصدق القول مطابقته لما في الواقع وحيث كان القول نفسه من الفعل بوجه كان الصادق في فعله لا يخبر إلا عما يعلم صدقه وأنه حق ففي قوله الصدق الخبرى والمخبرى جميعا.
________________________________________
[ 408 ]
فالصديق الذى لا يكذب أصلا هو الذى لا يفعل إلا ما يراه حقا من غير اتباع لهوى النفس ولا يقول إلا ما يرى أنه حق ولا يرى شيئا إلا ما هو حق فهو يشاهد حقائق الاشياء ويقول الحق ويفعل الحق. وعلى ذلك فيترتب المراتب فالنبيون وهم السادة ثم الصديقون وهم شهداء الحقائق والاعمال والشهداء وهم شهداء الاعمال والصالحون وهم المتهيؤون للكرامة الالهية. وقوله تعالى وحسن اولئك رفيقا أي من حيث الرفاقة فهو تمييز قيل ولذلك لم يجمع وقيل المعنى حسن كل واحد منهم رفيقا وهو حال نظير قوله ثم نخرجكم طفلا: الحج - 5. قوله تعالى ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما تقديم ذلك وإتيانه بصيغة الاشارة الدالة على البعيد ودخول اللام في الخبر يدل على تفخيم أمر هذا الفضل كأنه كل الفضل وختم الآية بالعلم لكون الكلام في درجات الايمان التى لا سبيل إلى تشخيصها إلا العلم الالهى واعلم أن في هذه الآيات الشريفة موارد عديدة من الالتفات الكلامي متشابك بعضها مع بعض فقد أخذ المؤمنون في صدر الآيات مخاطبين ثم في قوله ولو أنا كتبنا عليهم كما مر غائبين وكذلك أخذ تعالى نفسه في مقام الغيبة في صدر الآيات في قوله أطيعوا الله الآية ثم في مقام المتكلم مع الغير في قوله وما أرسلنا من رسول الآية ثم الغيبة في قوله بإذن الله الآية ثم المتكلم مع الغير في قوله ولو أنا كتبنا الآية ثم الغيبة في قوله ومن يطع الله والرسول الآية. وكذلك الرسول اخذ غائبا في صدر الآيات في قوله وأطيعوا الرسول الآية ثم مخاطبا في قوله ذلك خير الآية ثم غائبا في قوله واستغفر لهم الرسول الآية ثم مخاطبا في قوله فلا وربك الآية ثم غائبا في قوله ومن يطع الله والرسول الآية ثم مخاطبا في قوله وحسن اولئك الآية فهذه عشر موارد من الالتفات الكلامي والنكات المختصة بكل مورد مورد ظاهرة للمتدبر. = بحث روائي = في تفسير البرهان عن ابن بابويه بإسناده عن جابر بن عبد الله الانصاري: لما أنزل
________________________________________
[ 409 ]
الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم - يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول - واولى الامر منكم - قلت يا رسول الله عرفنا الله ورسوله - فمن اولوا الامر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك - فقال صلى الله عليه وآله وسلم هم خلفائي يا جابر - وأئمة المسلمين من بعدى - أولهم على بن أبى طالب ثم الحسن - ثم الحسين ثم على بن الحسين - ثم محمد بن على المعروف في التوراة بالباقر - ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منى السلام - ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر - ثم على بن موسى ثم محمد بن على - ثم على بن محمد ثم الحسن بن على - ثم سميى محمد وكنيى حجة الله في أرضه - وبقيته في عباده ابن الحسن بن على ذاك - الذى يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الارض ومغاربها - ذاك الذى يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة - لا يثبت فيه على القول بإمامته - إلا من امتحن الله قلبه للايمان - قال جابر فقلت له يا رسول الله - فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته - فقال صلى الله عليه وآله وسلم إي والذى بعثنى بالنبوة - إنهم يستضيؤون بنوره - وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس - وإن تجلاها سحاب - يا جابر هذا من مكنون سر الله - ومخزون علم الله فاكتمه إلا عن أهله اقول وعن النعماني بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي عن على عليه السلام ما في معنى الرواية السابقة ورواها على بن إبراهيم بإسناده عن سليم عنه عليه السلام وهناك روايات اخر من طرق الشيعة وأهل السنة وفيها ذكر إمامتهم بأسمائهم من أراد الوقوف عليها فعليه بالرجوع إلى كتاب ينابيع المودة وكتاب غاية المرام للبحراني وغيرهما. وفي تفسير العياشي عن جابر الجعفي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الآية - أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الامر منكم قال الاوصياء اقول وفي تفسير العياشي عن عمر بن سعيد عن أبى الحسن عليه السلام: مثله وفيه على بن أبى طالب والاوصياء من بعده وعن ابن شهر آشوب: سأل الحسن بن صالح عن الصادق عليه السلام عن ذلك - فقال الائمة من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اقول وروى مثله الصدوق عن أبى بصير عن الباقر عليه السلام: وفيه قال الائمة من ولد على وفاطمة إلى أن تقوم الساعة
________________________________________
[ 410 ]
وفي الكافي بإسناده عن أبى مسروق عن أبى عبد الله عليه السلام قال: قلت له إنا نكلم أهل الكلام - فنحتج عليهم بقول الله عز وجل - أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الامر منكم - فيقولون نزلت في المؤمنين - ونحتج عليهم بقول الله عز وجل - قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى - فيقولون نزلت في قربى المسلمين قال - فلم أدع شيئا مما حضرني ذكره من هذا وشبهه إلا ذكرته - فقال لى إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة - قلت وكيف أصنع - فقال أصلح نفسك ثلاثا وأطبه - قال وصم واغتسل وابرز أنت وهو إلى الجبال - فتشبك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه - ثم أنصفه وابدأ بنفسك وقل - اللهم رب السموات السبع ورب الارضين السبع - عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم - إن كان أبو مسروق جحد حقا وادعى باطلا - فأنزل عليه حسبانا من السماء وعذابا أليما - ثم رد الدعوة عليه فقل - وإن جحد حقا وادعى باطلا - فأنزل عليه حسبانا من السماء وعذابا أليما - ثم قال لى فإنك لا تلبث أن ترى ذلك فيه - فو الله ما وجدت خلقا يجيبنى إليه وفى تفسير العياشي عن عبد الله بن عجلان عن أبى جعفر عليه السلام: في قوله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الامر منكم - قال هي في على وفي الائمة - جعلهم الله مواضع الانبياء غير أنهم لا يحلون شيئا ولا يحرمونه اقول والاستثناء في الرواية هو الذى قدمنا في ذيل الكلام على الآية أنها تدل على أن لا حكم تشريعا إلا لله ورسوله. وفي الكافي بإسناده عن بريد بن معاوية قال: تلا أبو جعفر عليه السلام - أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الامر منكم - فإن خفتم تنازعا في الامر - فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى اولى الامر منكم - قال كيف يأمر بطاعتهم ويرخص في منازعتهم - إنما قال ذلك للمارقين الذين قيل لهم - أطيعوا الله وأطيعوا الرسول اقول الرواية لا تدل على أزيد من كون ما تلاه عليه السلام تفسير للآية وبيانا للمراد منها وقد تقدم في البيان السابق توضيح دلالتها على ذلك وليس المراد هو القراءة كما ربما يستشعر من قوله تلا أبو جعفر عليه السلام ويدل على ذلك اختلاف اللفظ الموجود في الروايات كما في تفسير القمي بإسناده
________________________________________
[ 411 ]
عن حريز عن أبى عبد الله عليه السلام قال: نزلت - فإن تنازعتم في شئ - فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى اولى الامر منكم وما في تفسير العياشي عن بريد بن معاوية عن أبى جعفر عليه السلام وهو رواية الكافي السابقة وفي الحديث: ثم قال للناس يا أيها الذين آمنوا فجمع المؤمنين إلى يوم القيامة أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الامر منكم - إيانا عنى خاصة فإن خفتم تنازعا في الامر - فارجعوا إلى الله وإلى الرسول واولى الامر منكم هكذا نزلت - وكيف يأمرهم بطاعة اولى الامر - ويرخص لهم في منازعتهم - إنما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم - أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الامر منكم وفي تفسير العياشي في رواية أبى بصير عن أبى جعفر عليه السلام قال: نزلت يعنى آية أطيعوا الله - في على بن أبى طالب عليه السلام - قلت له إن الناس يقولون لنا - فما منعه أن يسمى عليا وأهل بيته في كتابه - فقال أبو جعفر عليه السلام قولوا لهم - إن الله أنزل على رسوله الصلاة ولم يسم ثلاثا ولا أربعا - حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذى فسر ذلك لهم - وأنزل الحج ولم ينزل طوفوا اسبوعا - حتى فسر ذلك لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - والله أنزل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الامر منكم - تنزلت في على والحسن والحسين عليهم السلام - وقال في على من كنت مولاه فعلى مولاه - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اوصيكم بكتاب الله وأهل بيتى - إنى سألت الله أن لا يفرق بينهما - حتى يوردهما على الحوض فأعطاني ذلك - وقال فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم - إنهم لن يخرجوكم من باب هدى - ولن يدخلوكم في باب ضلال - ولو سكت رسول الله ولم يبين أهلها - لادعى آل عباس وآل عقيل وآل فلان - ولكن أنزل الله في كتابه - إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت - ويطهركم تطهيرا - فكان على والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام تأويل هذه الآية - فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد على وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم - فأدخلهم تحت الكساء في بيت ام سلمة - وقال اللهم إن لكل نبى ثقلا وأهلا فهؤلاء ثقلى وأهلي - وقالت ام سلمة أ لست من أهلك - قال إنك إلى خير ولكن هؤلاء ثقلى وأهلي الحديث: أقول وروى في الكافي بإسناده عن أبى بصير عنه عليه السلام مثله مع اختلاف يسير في اللفظ وفي تفسير البرهان عن ابن شهرآشوب عن تفسير مجاهد: إنها نزلت في أمير المؤمنين
________________________________________
[ 412 ]
حين خلفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة - فقال يا رسول الله أ تخلفنى على النساء والصبيان - فقال يا أمير المؤمنين - أ ما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى - حين قال له اخلفنى في قومي وأصلح - فقال الله واولى الامر منكم - قال على بن أبى طالب ولاه الله أمر الامة بعد محمد - وحين خلفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة - فأمر الله العباد بطاعته وترك خلافه وفيه عنه عن إبانة الفلكي ": إنها نزلت حين شكا أبو بريدة من على عليه السلام الخبر وفي العبقات عن كتاب ينابيع المودة للشيخ سليمان بن إبراهيم البلخى عن المناقب عن سليم بن قيس الهلالي عن على في حديث قال: وأما أدنى ما يكون به العبد ضالا - أن لا يعرف حجة الله تبارك وتعالى وشاهده على عباده - الذى أمر الله عباده بطاعته وفرض ولايته - قال سليم قلت يا أمير المؤمنين صفهم لى - قال الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال - يا أيها الذين آمنوا - أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الامر منكم - فقلت له جعلني الله فداك أوضح لى - فقال الذين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مواضع - وفي آخر خطبته يوم قبضه الله عز وجل إليه - إنى تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدى - إن تمسكتم بهما كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتى - فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا - حتى يردا على الحوض كهاتين وجمع بين مسبحتيه - ولا أقول كهاتين وجمع مسبحته والوسطى - فتمسكوا بهما ولا تقدموهم فتضلوا أقول والروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في المعاني السابقة كثيرة جدا وقد اقتصرنا فيما نقلناه على إيراد نموذج من كل صنف منها وعلى من يطلبها أن يراجع جوامع الحديث. وأما الذى روى عن قدماء المفسرين فهى ثلاثة أقوال الخلفاء الراشدون وامراء السرايا والعلماء وما نقل عن الضحاك أنهم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو يرجع إلى القول الثالث فإن اللفظ المنقول منه أنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هم الدعاة الرواة وظاهره أنه تعليل بالعلم فيرجع إلى التفسير بالعلماء. واعلم أيضا أنه قد نقل في أسباب نزول هذه الآيات امور كثيرة وقصص مختلفة شتى لكن التأمل فيها لا يدع ريبا في أنها جميعا من قبيل التطبيق النظرى من رواتها ولذلك تركنا إيرادها لعدم الجدوى في نقلها وإن شئت تصديق ذلك فعليك بالرجوع
________________________________________
[ 413 ]
إلى الدر المنثورو تفسير الطبري وأشباههما. وفي محاسن البرقى بإسناده عن أبى الجارود عن أبى جعفر عليه السلام: في قول الله تعالى فلا وربك لا يؤمنون الآية - قال التسليم الرضا والقنوع بقضائه وفي الكافي بإسناده عن عبد الله الكاهلى قال قال أبو عبد الله عليه السلام: لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له - وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا البيت - وصاموا شهر رمضان - ثم قالوا الشئ صنعه الله وصنع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم - لم صنع هكذا وكذا - ولو صنع خلاف الذى صنع - أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين - ثم تلا هذه الآية فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم - ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ثم قال أبو عبد الله عليه السلام عليكم بالتسليم وفي تفسير العياشي عن عبد الله بن يحيى الكاهلى عن أبى عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول: والله لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة - وآتوا الزكاة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان - ثم قالوا لشئ صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم صنع كذا وكذا - ووجدوا ذلك في أنفسهم لكانوا بذلك مشركين - ثم قرأ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم - ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا - مما قضى محمد وآل محمد ويسلموا تسليما اقول وفي معنى الروايتين روايات أخر والذى ذكره عليه السلام تعميم في الآية من جهة الملاك من جهتين من جهة أن الحكم لا يفرق فيه بين أن يكون حكما تشريعيا أو تكوينيا ومن جهة أن الحاكم بالحكم لا يفرق فيه بين أن يكون هو الله أو رسوله. واعلم أن هناك روايات تطبق الآيات أعنى قوله فلا وربك لا يؤمنون إلى آخر الآيات على ولاية على عليه السلام أو على ولاية أئمة أهل البيت عليهم السلام وهو من مصاديق التطبيق على المصاديق فإن الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والائمة من أهل البيت عليهم السلام مصاديق الآيات وهى جارية فيهم. وفي أمالى الشيخ بإسناده إلى على بن أبى طالب عليه السلام قال: جاء رجل من الانصار إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم - فقال يا رسول الله ما أستطيع فراقك - وإنى لادخل منزلي فأذكرك - فأترك ضيعتي واقبل حتى أنظر إليك حبا لك - فذكرت إذا كان يوم القيامة فادخلت الجنة - فرفعت في أعلى عليين فكيف لى بك يا نبى الله - فنزل ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم - من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين - وحسن
________________________________________
[ 414 ]
اولئك رفيقا - فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرجل فقرأها عليه وبشره بذلك اقول وهذا المعنى مروى من طرق أهل السنة أيضا رواه في الدر المنثورعن الطبراني وابن مردويه وأبى نعيم في الحلية والضياء المقدسي في صفة الجنة وحسنه عن عائشة وعن الطبراني وابن مردويه من طريق الشعبى عن ابن عباس وعن سعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبى وعن ابن جرير عن سعيد بن جبير. وفي تفسير البرهان عن ابن شهرآشوب عن أنس بن مالك عمن سمى عن أبى صالح عن ابن عباس ": في قوله تعالى ومن يطع الله والرسول - فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين يعنى محمدا - والصديقين يعنى عليا وكان أول من صدق - والشهداء - يعنى عليا وجعفرا وحمزة والحسن والحسين عليهم السلام أقول وفي هذا المعنى أخبار أخر. وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال: أعينونا بالورع - فإنه من لقى الله بالورع كان له عند الله فرحا - فإن الله عز وجل يقول - ومن يطع الله والرسول وتلا الآية - ثم قال فمنا النبي ومنا الصديق ومنا الشهداء والصالحون وفيه عن الصادق عليه السلام: المؤمن مؤمنان مؤمن وفى الله بشروطه - التى اشترطها عليه - فذلك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين - وحسن اولئك رفيقا - وذلك ممن يشفع ولا يشفع له - وذلك ممن لا يصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة - ومؤمن زلت به قدم - فذلك كخامة الزرع كيفما كفأته الريح انكفأ - وذلك ممن يصيبه أهوال الدنيا وأهوال الآخرة - ويشفع له وهو على خير أقول في الصحاح - الخامة - الغضة الرطبة من النبات انتهى ويقال كفأت فلانا فانكفأ أي صرفته فانصرف ورجع وهو عليه السلام يشير في الحديث إلى ما تقدم في تفسير قوله صراط الذين أنعمت عليهم: الفاتحة - 7 أن المراد بالنعمة الولاية فينطبق على قوله تعالى إلا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون: يونس - 63 ولا سبيل لاهوال الحوادث إلى أولياء الله الذين ليس لهم إلا الله سبحانه = يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا (71) - وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد
________________________________________
[ 415 ]
أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا (72) - ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما (73) - فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما (74) - وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والوالدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا (75) - الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا (76) (بيان) الآيات بالنسبة إلى ما تقدمها كما ترى بمنزلة ذي المقدمة بالنسبة إلى المقدمة وهي تحث وتستنهض المؤمنين للجهاد في سبيل الله وقد كانت المحنة شديدة على المؤمنين أيام كانت تنزل هذه الآيات وهي كأنها الربع الثاني من زمن إقامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة كانت العرب هاجت عليهم من كل جانب لاطفاء نور الله وهدم ما ارتفع من بناية الدين يغزو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشركي مكة وطواغيت قريش ويسري السرايا إلى أقطار الجزيرة ويرفع قواعد الدين بين المؤمنين وفي داخلهم جمع المنافقين وهم ذو قوة وشوكة وقد بان يوم أحد أن لهم عددا لا ينقص من نصف عدة المؤمنين بكثير (1). وكانوا يقلبون الامور على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتربصون به الدوائر ويثبطون المؤمنين وفيهم مرضى القلوب سماعون لهم وحولهم اليهود يفتنون المؤمنين ويغزونهم
________________________________________
(1) وقد تقدم في أحاديث احد أن النبي صلى الله عليه وآله خرج إلى احد في ألف ثم رجع منهم ثلاثمائة من المنافقين مع عبد الله بن ابي وبقي مع النبي سبعمائة. (*)
________________________________________
[ 416 ]
وكانت عرب المدينة تحترمهم وتعظم أمرهم من قديم عهدهم فكانوا يلقون إليهم من باطل القول ومضلات الاحاديث ما يبطل به صادق إرادتهم وينتقض به مبرم جدهم ومن جانب آخر كانوا يشجعون المشركين عليهم ويطيبون نفوسهم في مقاومتهم والبقاء والثبات على كفرهم وجحودهم وتفتين من عندهم من المؤمنين. فالآيات السابقة كالمسوقة لابطال كيد اليهود للمسلمين وإمحاء آثار إلقاءاتهم على المؤمنين وما في هذه الآيات من حديث المنافقين هو كتتميم إرشاد المؤمنين وتكميل تعريفهم حاضر الحال ليكونوا على بصيرة من أمرهم وعلى حذر من الداء المستكن الذي دب في داخلهم ونفذ في جمعهم وليبطل بذلك كيد أعدائهم الخارجين المحيطين بهم ويرتد أنفاسهم إلى صدورهم وليتم نور الدين في سطوعه والله متم نوره ولو كره المشركون والكافرون. قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا الحذر بالكسر فالسكون ما يحذر به وهو آلة الحذر كالسلاح وربما قيل إنه مصدر كالحذر بفتحتين والنفر هو السير إلى جهة مقصودة وأصله الفزع فالنفر من محل السير فزع عنه وإلى محل السير فزع إليه والثبات جمع ثبة وهي الجماعة على تفرقة فالثبات الجماعة بعد الجماعة بحيث تتفصل ثانية عن اولى وثالثة عن ثانية ويؤيد ذلك مقابلة قوله فانفروا ثبات قوله أو انفروا جميعا. والتفريع في قوله فانفروا ثبات على قوله خذوا حذركم بظاهره يؤيد كون المراد بالحذر ما به الحذر على أن يكون كناية عن التهيؤ التام للخروج إالى الجهاد ويكون المعنى خذوا أسلحتكم أي أعدوا للخروج واخرجوا إلى عدوكم فرقة فرقة سرايا أو اخرجوا إليهم جميعا عسكرا. ومن المعلوم أن التهيؤ والاعداد يختلف باختلاف عدة العدو وقوته فالترديد في قوله أو انفروا ليس تخييرا في كيفية الخروج وإنما الترديد بحسب تردد العدو من حيث العدة والقوة أي إذا كان عددهم قليلا فثبة وإن كان كثيرا فجميعا. فيؤول المعنى وخاصة بملاحظة الآية التالية وإن منكم ليبطئن إلى نهيهم عن أن يضعوا أسلحتهم وينسلخوا عن الجد وبذل الجهد في أمر الجهاد فيموت عزمهم ويفتقد نشاطهم في إقامة أعلام الحق ويتكاسلوا أو يتبطؤوا أو يتثبطوا في قتال أعداء الله وتطهير الارض من قذارتهم.
________________________________________
[ 417 ]
قوله تعالى وإن منكم لمن ليبطئن قيل إن اللام الاولى لام الابتداء لدخولها على اسم إن واللام الثانية لام القسم لدخولها على الخبر وهي جملة فعلية مؤكدة بنون التأكيد الثقيلة والتبطئة والابطاء بمعنى وهو التأخير في العمل. وقوله وإن منكم يدل على أن هؤلاء من المؤمنين المخاطبين في صدر الآية بقوله يا أيها الذين آمنوا على ما هو ظاهر كلمة منكم كما يدل عليه ما سيأتي من قوله ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم فإن الظاهر أن هؤلاء أيضا كانوا من المؤمنين مع قوله تعالى بعد ذلك فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس وقوله وإن تصبهم حسنة إلخ وكذا قوله فليقاتل في سبيل الله الذين وقوله وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله وقوله الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله كل ذلك تحريص واستنهاض للمؤمنين وفيهم هؤلاء المبطؤون على ما يلوح إليه اتصال الآيات. على أنه ليس في الآيات ما يدل بظاهره على أن هؤلاء المبطئين من المنافقين الذين لم يؤمنوا إلا بظاهر من القول مع أن في بعض ما حكى الله عنهم دلالة ما على إيمانهم في الجملة كقوله تعالى فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي وقوله تعالى ربنا لم كتبت علينا القتال (إلخ). نعم ذكر المفسرون أن المراد بقوله وإن منكم لمن المنافقون وأن معنى كونهم منهم دخولهم في عددهم أو اشتراكهم في النسب فهم منهم نسبا أو اشتراكهم مع المؤمنين في ظاهر حكم الشريعة بحقن الدماء والارث ونحو ذلك لتظاهرهم بالشهادتين وقد عرفت أن ذلك تصرف في ظاهر القرآن من غير وجه. وإنما دعاهم إلى هذا التفسير حسن الظن بالمسلمين في صدر الاسلام كل من لقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآمن به والبحث التحليلي فيما ضبطه التاريخ من سيرتهم وحياتهم مع النبي وبعد يضعف هذا الظن والخطابات القرآنية الحادة في خصوصهم توهن هذا التقدير. ولم تسمح الدنيا حتى اليوم بامة أو عصابة طاهرة تألفت من أفراد طاهرة من غير ستثناء مؤمنة واقفة على قدم صدق من غير عثرة قط (إلا ما نقل في حديث الطف) بل مؤمنوا صدر الاسلام كسائر الجماعات البشرية فيهم المنافق والمريض قلبه والمتبع هواه والطاهر سره. والذي يمتاز به الصدر الاول من المسلمين هو أن مجتمعهم كان مجتمعا فاضلا يقدمهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويغشاهم نور الايمان ويحكم فيهم سيطرة الدين هذا حال مجتمعهم
________________________________________
[ 418 ]
من حيث إنه مجتمع وإن كان يوجد بينهم من الافراد الصالح والطالح جميعا وفي صفاتهم الروحية الفضيلة والرذيلة معا وكل لون من ألوان الاخلاق والملكات. وهذا هو الذي يذكره القرآن من حالهم ويبينه من صفاتهم قال تعالى محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود إلى أن قال وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما: الفتح - 29 فقد بدأ تعالى بذكر صفاتهم وفضائلهم الاجتماعية مطلقة وختم بذكر المغفرة والاجر لافرادهم مشروطة. قوله تعالى فإن أصابتكم مصيبة أي من قتل أو جرح قال قد أنعم الله علي أذ لم أكن معهم شهيدا حتى ابتلي بمثل ما ابتلى به المؤمنون. قوله تعالى ولئن أصابكم فضل من الله من قبيل غنيمة الحرب ونحوها والفضل هو المال وما يماثله وقوله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم تشبيه وتمثيل لحالهم فإنهم مؤمنون والمسلمون يد واحدة يربط بعضهم ببعض أقوى الروابط وهو الايمان بالله وآياته الذي يحكم على جميع الروابط الاخر من نسب أو ولاية أو بيعة أو مودة لكنهم لضعف إيمانهم لا يرون لانفسهم أدنى ربط يربطهم بالمؤمنين فيتمنون الكون معهم والحضور في جهادهم كما يتمنى الاجنبي فضلا ناله أجنبي فيقول أحدهم يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ومن علائم ضعف إيمانهم إكبارهم أمر هذه الغنائم وعدهم حيازة الفضل والمال فوزا عظيما وكل مصيبة أصابت المؤمنين في سبيل الله من قتل أو جرح أو تعب نقمة. قوله تعالى فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون قال في المجمع يقال شريت أي بعت واشتريت أي ابتعت فالمراد بقوله يشرون الحياة الدنيا بالآخرة أي يبيعون حياتهم الدنيا ويبدلونها الآخرة. والآية تفريع على ما تقدم من الحث على الجهاد وذم من يبطئ في الخروج إليه ففيها تجديد للحث على القتال في سبيل الله بتذكير أن هؤلاء جميعا مؤمنون قد شروا بإسلامهم لله تعالى الحياة الدنيا بالآخرة كما قال إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة: التوبة - 111 ثم صرح على فائدة القتال الحسنة وأنها الاجر العظيم على أي حال بقوله ومن يقاتل في سبيل الله إلخ. فبين أن أمر المقاتل في سبيل الله ينتهي إلى إحدى عاقبتين محمودتين أن يقتل
________________________________________
[ 419 ]
في سبيل الله أو يغلب عدو الله وله أي حال أجر عظيم ولم يذكر ثالث الاحتمالين وهو الانهزام تلويحا إلى أن المقاتل في سبيل الله لا ينهزم. وقدم القتل على الغلبة لان ثوابه أجزل وأثبت فإن المقاتل الغالب على عدو الله وإن كان يكتب له الاجر العظيم إلا أنه على خطر الحبط باقتراف بعض الاعمال الموجبة لحبط الاعمال الصالحة واستتباع السيئة بعد الحسنة بخلاف القتل إذ لا حياة بعده إلا حياة الآخرة فالمقتول في سبيل الله يستوفي أجره العظيم حتما وأما الغالب في سبيل الله فأمره مراعى في استيفاء أجره. قوله تعالى وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين الخ عطف على موضع لفظ الجلالة والآية تشتمل على حث وتحريض آخر على القتال في لفظ الاستفهام بتذكير أن قتالكم قتال في سبيل الله سبحانه وهو الذي لا بغية لكم في حياتكم السعيدة إلا رضوانه ولا سعادة أسعد من قربه وفي سبيل المستضعفين من رجالكم ونسائكم وولدانكم. ففي الآية استنهاض وتهييج لكافة المؤمنين وإغراء لهم أما المؤمنون خالصوا الايمان وطاهروا القلوب فيكفيهم ذكر الله جل ذكره في أن يقوموا على الحق ويلبوا نداء ربهم ويجيبوا داعيه وأما من دونهم من المؤمنين فإن لم يكفهم ذلك فليكفهم أن قتالهم هذا على أنه قتال في سبيل الله قتال في سبيل من استضعفه الكفار من رجالهم ونسائهم وذراريهم فليغيروا لهم وليتعصبوا. والاسلام وإن أبطل كل نسب وسبب دون الايمان إلا أنه أمضى بعد التلبس بالايمان الانساب والاسباب القومية فعلى المسلم أن يفدي عن أخيه المسلم المتصل به بالسبب الذي هو الايمان وعن أقربائه من رجاله ونسائه وذراريه إذا كانوا على الاسلام فإن ذلك يعود بالاخرة إلى سبيل الله دون غيره. وهؤلاء المستضعفون الذين هم أبعاضهم وأفلاذهم مؤمنون بالله سبحانه بدليل قوله الذين يقولون ربنا الخ وهم مع ذلك مذللون معذبون يستصرخون ويستغيثون بقولهم ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وقد أطلق الظلم ولم يقل الظالم أهلها على أنفسهم وفيه إشعار بأنهم كانوا يظلمونهم بأنواع التعذيب والايذاء وكذلك كان الامر. وقد عبر عن استغاثتهم واستنصارهم بأجمل لفظ وأحسن عبارة فلم يحك عنهم أنهم يقولون يا للرجال يا للسراة يا قوماه يا عشيرتاه بل حكى أنهم يدعون ربهم
________________________________________
[ 420 ]
ويستغيثون بمولاهم الحق فيقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ثم يشيرون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلى من معه من المؤمنين المجاهدين بقولهم واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا فهم يتمنون وليا ويتمنون نصيرا لكن لا يرضون دون أن يسألوا ربهم الولي والنصير. (كلام في الغيرة والعصبية) انظر إلى هذا الادب البارع الالهي الذي أتى به الكتاب العزيز وقسه إلى ما عندنا من ذلك بحسب قضاء الطبع ترى عجبا. لا شك أن في البنية الانسانية ما يبعثه إلى الدفاع عما يحترمه ويعظمه كالذراري والنساء والجاه وكرامة المحتد ونحو ذلك وهو حكم توجبه الفطرة الانسانية وتلهمه إياه لكن هذا الدفاع ربما كان محمودا إذا كان حقا وللحق وربما كان مذموما يستتبع الشقاء وفساد امور الحياة إذا كان باطلا وعلى الحق. والاسلام يحفظ من هذا الحكم أصله وهو ما للفطره ويبطل تفاصيله أولا ثم يوجهه إلى جهة الله سبحانه بصرفه عن كل شئ ثم يعود به إلى موارده الكثيرة فيسبك الجميع في قالب التوحيد بالايمان بالله فيندب الانسان أن يتعصب لرجاله ونسائه وذراريه ولكل حق بإرجاع الجميع إلى جانب الله فالاسلام يؤيد حكم الفطرة ويهذبه من شوب الاهواء والاماني الفاسدة ويصفي أمره في جميع الموارد ويجعلها جميعا شريعة إنسانية يسلكها الانسان على الفطرة ويخلصها من ظلمة التناقض إلى نور التوافق والتسالم فما يدعو إليه الاسلام ويشرعه لا تناقض ولا تضاد بين أجزائه وأطرافه يشترك جميعها في أنها من شؤون التوحيد ويجتمع كلها في أنها اتباع للحق فيعود جميع الاحكام حينئذ كلية ودائمة وثابتة من غير تخلف واختلاف. قوله تعالى الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله إلى قوله الطاغوت مقايسة بين الذين آمنوا والذين كفروا من جهة وصف قتالهم وبعبارة اخرى من جهة نية كل من الطائفتين في قتالهم ليعلم بذلك شرف المؤمنين على الكفار في طريقتهم وأن سبيل المؤمنين ينتهي إلى الله سبحانه ويعتمد عليه بخلاف سبيل الكفار ليكون ذلك محرضا آخر للمؤمنين على قتالهم. قوله تعالى فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا الذين كفروا لوقوعهم في سبيل الطاغوت خارجون عن ولاية الله فلا مولى لهم إلا ولي الشرك
________________________________________
[ 421 ]
وعبادة غير الله تعالى وهو الشيطان فهو وليهم وهم أوليائه. وإنما استضعف كيد الشيطان لانه سبيل الطاغوت الذي يقابل سبيل الله والقوة لله جميعا فلا يبقى لسبيل الطاغوت الذي هو مكيدة الشيطان إلا الضعف ولذلك حرض المؤمنين عليهم ببيان ضعف سبيلهم وشجعهم على قتالهم ولا ينافي ضعف كيد الشيطان بالنسبة إلى سبيل الله قوته بالنسبة إلى من اتبع هواه وهو ظاهر. (بحث روائي) في المجمع في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم الآية، قال سمي الاسلحة حذرا لانها الآلة التي بها يتقي الحذر: قال وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام قال وروي عن أبي جعفر عليه السلام: أن المراد بالثبات السرايا وبالجميع العسكر. وفي تفسير العياشي عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام: يا أيها الذين آمنوا فسماهم مؤمنين وليس هم بمؤمنين ولا كرامة، قال يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا إلى قوله - فأفوز فوزا عظيما ولو أن أهل السماء والارض قالوا قد أنعم الله علي إذ لم أكن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكانوا بذلك مشركين، وإذا أصابهم فضل من الله قال - يا ليتني كنت معهم فاقاتل في سبيل الله. اقول وروى هذا المعنى الطبرسي في المجمع والقمي في تفسيره عنه عليه السلام والمراد بالشرك في كلامه عليه السلام الشرك المعنوي لا الكفر الذي يسلب ظاهر أحكام الاسلام عمن تلبس به وقد تقدم بيانه. وفيه عن حمران عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى والمستضعفين من الرجال الآية قال نحن اولئك. أقول ورواه أيضا عن سماعة عن الصادق عليه السلام ولفظه فأما قوله (بحث روائي) في المجمع في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم الآية، قال سمي الاسلحة حذرا لانها الآلة التي بها يتقي الحذر: قال وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام قال وروي عن أبي جعفر عليه السلام: أن المراد بالثبات السرايا وبالجميع العسكر. وفي تفسير العياشي عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام: يا أيها الذين آمنوا فسماهم مؤمنين وليس هم بمؤمنين ولا كرامة، قال يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا إلى قوله - فأفوز فوزا عظيما ولو أن أهل السماء والارض قالوا قد أنعم الله علي إذ لم أكن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكانوا بذلك مشركين، وإذا أصابهم فضل من الله قال - يا ليتني كنت معهم فاقاتل في سبيل الله. اقول وروى هذا المعنى الطبرسي في المجمع والقمي في تفسيره عنه عليه السلام والمراد بالشرك في كلامه عليه السلام الشرك المعنوي لا الكفر الذي يسلب ظاهر أحكام الاسلام عمن تلبس به وقد تقدم بيانه. وفيه عن حمران عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى والمستضعفين من الرجال الآية قال نحن اولئك. أقول ورواه أيضا عن سماعة عن الصادق عليه السلام ولفظه فأما قوله والمستضعفين الآية فاولئك نحن، الحديث والروايتان في مقام التطبيق والشكوى من بغي الباغين من هذه الامة وليستا في مقام التفسير. وفي الدر المنثور أخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابي أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق عطاء عن ابن عباس: في سورة النساء - " خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا " عصبا وفرقا، قال نسخها " وما كان المؤمنون لينفروا كافة الآية. أقول الآيتان غير متنافيتين حتى يحكم بنسخ الثانية للاولى، وهو ظاهر بل لو كان فإنما هو التخصيص أو التقييد والحمد لله.



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page