• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 176 الي 200


[ 176 ]
فإذا فرض أن الله سبحانه أحل للرجل مع المرأة الواحدة ثلاثا اخرى والدين مبنى على رعاية حكم الفطرة كان لازم ذلك أن يكون ما يتراءى من حال النساء وتغيرهن على الرجال في أمر الضرائر حسدا منهن لا غيرة وسيتضح مزيد اتضاح في البحث الآتى عن تعدد الزوجات أن هذا الحال حال عرضى طار عليهن لا غريزى فطرى. وفي الكافي بإسناده عن زرارة عن الصادق عليه السلام قال: لا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته - ولا المرأة فيما تهب لزوجها جيزت أو لم تجز - أ ليس الله تبارك وتعالى يقول - ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا - وقال فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا - وهذا يدخل في الصداق والهبة وفي تفسير العياشي عن عبد الله بن القداح عن أبى عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام - فقال يا أمير المؤمنين بى وجع في بطني - فقال له أمير المؤمنين عليه السلام أ لك زوجة قال نعم - قال استوهب منها شيئا طيبة به نفسها من مالها - ثم اشتر به عسلا ثم اسكب عليه من ماء السماء - ثم اشربه فإنى سمعت الله يقول في كتابه وأنزلنا من السماء ماء مباركا - وقال يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس - وقال فإن طبن لكم منه شيئا فكلوه هنيئا مريئا - شفيت إن شاء الله تعالى قال ففعل ذلك فشفى: اقول ورواه أيضا في الدر المنثور عن عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه عليه السلام وهو نوع من الاستفادة لطيف وبناؤه على التوسعة في المعنى ويوجد له نظائر في الاخبار المأثورة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام سنورد بعضها في الموارد المناسبة له. وفي الكافي عن الباقر عليه السلام: إذا حدثتكم بشئ فسألوني من كتاب الله - ثم قال في بعض حديثه - إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن القيل والقال - وفساد المال وكثرة السؤال - فقيل له يا ابن رسول الله أين هذا من كتاب الله - قال إن الله عز وجل يقول لا خير في كثير من نجويهم - إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس - وقال ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما - وقال ولا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم
________________________________________
[ 177 ]
وفي تفسير العياشي عن يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله - ولا تؤتوا السفهاء أموالكم قال من لا تثق به وفيه عن ابراهيم بن عبد الحميد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الآية - ولا تؤتوا السفهاء أموالكم قال كل من يشرب الخمر فهو سفيه وفيه عن على بن أبى حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله ولا تؤتوا السفهاء أموالكم قال - هم اليتامى لا تعطوهم أموالهم حتى تعرفوا منهم الرشد - فقلت فكيف يكون أموالهم أموالنا - قال إذا كنت أنت الوارث لهم وفي تفسير القمي عن الباقر عليه السلام: في الآية فالسفهاء النساء - والولد إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة - وولده سفيه مفسد - لم ينبغ له أن يسلط واحدا منهما - على ماله الذي جعل الله له قياما يقول معاشا الحديث أقول والروايات في هذه المعاني كثيرة وهى تؤيد ما قدمناه أن للسفه معنى وسيع ذو مراتب كالسفيه المحجور عليه والصبي قبل أن يرشد والمرأة المتلهية المتهوسة وشارب الخمر ومطلق من لا تثق به وبحسب اختلاف هذه المصاديق يختلف معنى إيتاء المال وكذا معنى إضافة أموالكم وعليك بالتطبيق والاعتبار. وقوله في رواية ابن أبي حمزة إذا كنت أنت الوارث لهم إشارة إلى ما قدمناه أن المال كله للمجتمع بحسب الاصل ثم لكل من الاشخاص ثانيا وللمصالح الخاصة فإن اشتراك المجتمع في المال أولا هو الموجب لانتقاله من واحد إلى آخر. وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام: انقطاع يتم اليتيم الاحتلام وهو أشده - وإن احتلم ولم يؤنس منه رشد وكان سفيها أو ضعيفا - فليمسك عنه وليه ماله وفيه عنه عليه السلام: في قوله تعالى وابتلوا اليتامى الآية - قال إيناس الرشد حفظ المال اقول وقد تقدم وجه دلالة الآية عليه. وفي التهذيب عنه عليه السلام: في قول الله ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قال - فذاك رجل يحبس نفسه عن المعيشة - فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم - فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا وفي الدر المنثور أخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم
________________________________________
[ 178 ]
والنحاس في ناسخه عن ابن عمر: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال - ليس لي مال ولي يتيم فقال - كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل مالا - ومن غير أن تقى مالك بماله اقول والروايات في هذه المعاني كثيرة من طرق أهل البيت عليهم السلام وغيرهم وهناك مباحث فقهية وأخبار ناظرة إليها من أرادها فعليه بجوامع الحديث وكتب الفقه. وفي تفسير العياشي عن رفاعة عنه عليه السلام: في قوله تعالى فليأكل بالمعروف - قال عليه السلام كان أبى يقول إنها منسوخة وفي الدر المنثور أخرج أبو داود والنحاس كلاهما في الناسخ وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس ": ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قال نسختها - إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الآية اقول وكون الآية منسوخة لا يلائم ميزان النسخ إذ ليس بين الآيات الكريمة ما نسبتها إلى هذه الآية نسبة الناسخة إلى المنسوخة وأما قوله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الآية فهو لا ينافي بمضمونه مضمون هذه الآية فإن الاكل في هذه الآية المجوزة مقيد بالمعروف وفي تلك الآية المحرمة بالظلم ولا تنافى بين تجويز الاكل بالمعروف وتحريم الاكل ظلما فالحق أن الآية غير منسوخة والروايتان لا توافقان الكتاب على ما فيهما من الضعف. وفي تفسير العياشي عن عبد الله بن المغيرة عن جعفر بن محمد عليه السلام: في قول الله فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم - قال فقال إذا رأيتموهم يحبون آل محمد فارفعوهم درجة أقول وهو من الجرى من باطن التنزيل فإن أئمة الدين آباء المؤمنين والمؤمنون أيتام المعارف عند انقطاعهم عنهم فإذا صح انتسابهم إليهم بالحب فليرفعوا درجة بتعليم المعارف الحقة التي هي ميراث آبائهم. = بحث علمي في فصول ثلاثة = 1 - النكاح من مقاصد الطبيعة أصل التواصل بين الرجل والمرأة مما تبينه
________________________________________
[ 179 ]
الطبيعة الانسانية بل الحيوانية بأبلغ بيانها والاسلام دين الفطرة فهو مجوزه لا محالة. وأمر الايلاد والافراخ الذي هو بغية الطبيعة وغرض الخلقة في هذا الاجتماع هو السبب الوحيد والعامل الاصلي في تقليب هذا العمل في قالب الازدواج وإخراجه من مطلق الاختلاط للسفاد والمقاربة إلى شكل النكاح والملازمة ولهذا ترى أن الحيوان الذي يشترك في تربيته الوالدان معا كالطيور في حضانة بيضها وتغذية أفراخها وتربيتها وكالحيوان الذى يحتاج في الولادة والتربية إلى وكر تحتاج الاناث منه في بنائه وحفظه إلى معاونة الذكور يختار لهذا الشأن الازدواج وهو نوع من الملازمة والاختصاص بين الزوجين الذكور والاناث منه فيتواصلان عندئذ ويتشاركان في حفظ بيض الاناث وتدبيرها وإخراج الافراخ منها وهكذا إلى آخر مدة تربية الاولاد ثم ينفصلان إن انفصلا ثم يتجدد الازدواج وهكذا فعامل النكاح والازدواج هو الايلاد وتربية الاولاد وأما إطفاء نائرة الشهوة أو الاشتراك في الاعمال الحيوية كالكسب وجمع المال وتدبير الاكل والشرب والاثاث وإدارة البيت فامور خارجة عن مستوى غرض الطبيعة والخلقة وإنما هي امور مقدمية أو فوائد مترتبة. ومن هنا يظهر أن الحرية والاسترسال من الزوجين بأن يتواصل كل من الزوجين مع غير زوجه أينما أراد ومهما أراد من غير امتناع كالحيوان العجم الذي ينزو الذكور منه على الاناث أينما وجدها على ما يكاد يكون هو السنة الجارية بين الملل المتمدنة اليوم وكذا الزنا وخاصة زنا المحصنة منه. وكذا تثبيت الازدواج الواقع وتحريم الطلاق والانفصال بين الزوجين وترك الزوج واتخاذ زوج آخر ما دامت الحياة تجمع بينهما. وكذا إلغاء التوالد وتربية الاولاد وبناء الازدواج على أساس الاشتراك في الحياة المنزلية على ما هو المتداول اليوم بين الملل الراقية ونظيره إرسال المواليد إلى المعاهد العامة المعدة للرضاع والتربية كل ذلك على خلاف سنة الطبيعة وقد جهز الانسان بما ينافى هذه السنن الحديثة على ما مرت الاشارة إليه. نعم الحيوان الذى لا حاجة في ولادته وتربيته إلى أزيد من حمل الام إياه وإرضاعها له وتربيته بمصاحبتها فلا حاجة طبيعية فيه إلى الازدواج والمصاحبة
________________________________________
[ 180 ]
والاختصاص فهذا النوع من الحيوان له حرية السفاد بمقدار ما لا يضر بغرض الطبيعة من جهة حفظ النسل. وإياك أن تتوهم أن الخروج عن سنة الخلقة وما تستدعيه الطبيعة لا بأس به بعد تدارك النواقص الطارئة بالفكر والروية مع ما فيه من لذائذ الحياة والتنعم فإن ذلك من أعظم الخبط فإن هذه البنيات الطبيعية التى منها البنية الانسانية مركبات مؤلفة من أجزاء كثيرة تستوجب بوقوع كل في موقعه الخاص على شرائطه المخصوصة به وضعا هو الملائم لغرض الطبيعة والخلقة وهو المناسب لكمال النوع كالمعاجين والمركبات من الادوية التي تحتاج إلى أجزاء بأوصاف ومقادير وأوزان وشرائط خاصة لو خرج واحد منها عن هيئته الخاصة أدنى خروج وانحراف سقط الاثر. فالانسان مثلا موجود طبيعي تكويني ذو أجزاء مركبة تركيبا خاصا يستتبع أوصافا داخلية وخواص روحية تستعقب أفعالا وأعمالا فإذا حول بعض أفعاله وأعماله من مكانته الطبيعية إلى غيرها يستتبع ذلك انحرافا وتغيرا في صفاته وخواصه الروحية وانحرف بذلك جميع الخواص والصفات عن مستوى الطبيعة وصراط الخلقة وبطل بذلك ارتباطه بكماله الطبيعي والغاية التي يبتغيها بحسب الخلقة. وإذا بحثنا في المصائب العامة التي تستوعب اليوم الانسانية وتحبط أعمال الناس ومساعيهم لنيل الراحة والحياة السعيدة وتهدد الانسانية بالسقوط والانهدام وجدنا أن أقوى العوامل فيها بطلان فضيلة التقوى وتمكن الخرق والقسوة والشدة والشره من نفوس الجوامع البشرية وأعظم أسبابه وعلله الحرية والاسترسال والاهمال في نواميس الطبيعة في أمر الزوجية وتربية الاولاد فإن سنة الاجتماع المنزلى وتربية الاولاد اليوم تميت قرائح الرأفة والرحمة والعفة والحياء والتواضع من الانسان من أول حين يأخذ في التمييز إلى آخر ما يعيش. وأما تدارك هذه النواقص بالفكر والروية فهيهات ذلك فإنما الفكر كسائر لوازم الحياة وسيلة تكوينية اتخذتها الطبيعة وسيلة لرد ما خرج وانحرف عن صراط الطبيعة والتكوين إليه لا لابطال سعى الطبيعة والخلقة وقتلها بنفس السيف الذي أعطته للانسان لدفع الشر عنها ولو استعمل الفكر الذى هو أحد وسائل الطبيعة في تأييد ما أفسد من شؤون الطبيعة عادت هذه الوسيلة أيضا فاسدة منحرفة كسائر
________________________________________
[ 181 ]
الوسائل ولذلك ترى أن الانسان اليوم كلما أصلح بقوة فكره واحدا من المفاسد العامة التي تهدد اجتماعه أنتج ذلك ما هو أمر وأدهى وزاد البلاء والمصيبة شيوعا وشمولا. نعم ربما قال القائل من هؤلاء إن الصفات الروحية التي تسمى فضائل نفسانية هي بقايا من عهد الاساطير والتوحش لا تلائم حياة الانسان الراقي اليوم كالعفة والسخاء والحياء والرأفة والصدق فإن العفة تقييد لطبيعة النفس فيما تشتهيه من غير وجه والسخاء إبطال لسعى الانسان في جمعه المال وما قاساه من المحن في طريق اكتسابه على أنه تعويد للمسكين بالبطالة في الاكتساب وبسط يده لذل السؤال والحياء لجام يلجم الانسان عن مطالبة حقوقه وإظهار ما في ضميره والرأفة تضعف القلب والصدق لا يلائم الحياة اليومية وهذا الكلام بعينه من مصاديق الانحراف الذى ذكرناه. ولم يدر هذا القائل أن هذه الفضائل في المجتمع الانساني من الواجبات الضرورية التى لو ارتفعت من أصلها لم يعش المجتمع بعدها في حال الاجتماع ولا ساعة. فلو ارتفعت هذه الخصال وتعدى كل فرد إلى ما لكل فرد من مختصات الحقوق والاموال والاعراض ولم يسخ أحد ببذل ما مست إليه حاجة المجتمع ولم ينفعل أحد من مخالفة ما يجب عليه رعايته من القوانين ولم يرأف أحد بالعجزة الذين لا ذنب لهم في عجزهم كالاطفال ومن في تلوهم وكذب كل أحد لكل أحد في جميع ما يخبر به ويعده وهكذا تلاشى المجتمع الانساني من حينه. فينبغي لهذا القائل أن يعلم أن هذه الخصال لا ترتحل ولن ترتحل عن الدنيا وأن الطبيعة الانسانية مستمسكة بها حافظة لحياتها ما دامت داعية للانسان إلى الاجتماع وإنما الشأن كل الشأن في تنظيم هذه الصفات وتعديلها بحيث توافق غرض الطبيعة والخلقة في دعوتها الانسان إلى سعادة الحياة ولو كانت الخصال الدائرة في المجتمع المترقي اليوم فضائل للانسانية معدلة بما هو الحرى من التعديل لما أوردت المجتمع مورد الفساد والهلكة ولاقر الناس في مستقر أمن وراحة وسعادة. ولنعد إلى ما كنا فيه من البحث فنقول الاسلام وضع أمر الازدواج فيما ذكرناه موضعه الطبيعي فأحل النكاح وحرم الزنا والسفاح ووضع علقة الزوجية على أساس جواز المفارقة وهو الطلاق ووضع هذه العلقة على أساس الاختصاص في الجملة على ما
________________________________________
[ 182 ]
سنشرحه ووضع عقد هذا الاجتماع على أساس التوالد والتربية ومن الاحاديث النبوية المشهورة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: تناكحوا تناسلوا تكثروا الحديث 2 استيلاء الذكور على الاناث ثم إن التأمل في سفاد الحيوانات يعطى أن للذكور منها شائبة استيلاء على الاناث في هذا الباب فإنا نرى أن الذكر منها كأنه يرى نفسه مالكا للبضع مسلطا على الانثى ولذلك ما ترى أن الفحولة منها تتنازع وتتشاجر على الاناث من غير عكس فلا تثور الانثى على مثلها إذا مال إليها الذكر بخلاف العكس وكذا ما يجرى بينها مجرى الخطبة من الانسان إنما يبدأ من ناحية الذكران دون الاناث وليس إلا أنها ترى بالغريزة أن الذكور في هذا العمل كالفاعل المستعلي والاناث كالقابل الخاضع وهذا المعنى غير ما يشاهد من نحو طوع من الذكور للاناث في مراعاة ما تميل إليه نفسها ويستلذه طبعها فإن ذلك راجع إلى مراعاة جانب العشق والشهوة واستزادة اللذة وأما نحو الاستيلاء والاستعلاء المذكور فإنه عائد إلى قوة الفحولة وإجراء ما تأمر به الطبيعة. وهذا المعنى أعني لزوم الشدة والبأس لقبيل الذكور واللين والانفعال لقبيل الاناث مما يوجد الاعتقاد به قليلا أو كثيرا عند جميع الامم حتى سرى إلى مختلف اللغات فسمى كل ما هو شديد صعب الانقياد بالذكر وكل لين سهل الانفعال بالانثى يقال حديد ذكر وسيف ذكر ونبت ذكر ومكان ذكر وهكذا. وهذا الامر جار في نوع الانسان دائر بين المجتمعات المختلفة والامم المتنوعة في الجملة وإن كان ربما لم يخل من الاختلاف زيادة ونقيصة. وقد اعتبره الاسلام في تشريعه قال الله تعالى الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض: النساء - 34 فشرع وجوب إجابتها له إذا دعاها إلى المواقعة إن أمكنت لها. 3 تعدد الزوجات وأمر الوحدة والتعدد فيما نشاهده من أقسام الحيوان غير واضح ففيما كان بينها اجتماع منزلي تتأحد الاناث وتختص بالذكور لما أن الذكور في شغل شاغل في مشاركتها في تدبير المنزل وحضانة الافراخ وتربيتها وربما تغير الوضع الجاري بينها بالصناعة والتدبير والكفالة أعنى بالتأهيل والتربية كما يشاهد من
________________________________________
[ 183 ]
أمر الديك والدجاج والحمام ونحوها. وأما الانسان فاتخاذ الزوجات المتعدده كانت سنة جارية في غالب الامم القديمة كمصر والهند والصين والفرس بل والروم واليونان فإنهم كانوا ربما يضيفون إلى الزوجة الواحدة في البيت خدنا يصاحبونها بل وكان ذلك عند بعض الامم لا ينتهي إلى عدد يقف عليه كاليهود والعرب فكان الرجل منهم ربما تزوج العشرة والعشرين وأزيد وقد ذكروا أن سليمان الملك تزوج مئات من النساء. وأغلب ما كان يقع تعدد الزوجات أنما هو في القبائل ومن يحذو حذوهم من سكان القرى والجبال فإن لرب البيت منهم حاجة شديدة إلى الجمع وكثرة الاعضاء فكانوا يقصدون بذلك التكاثر في البنين بكثرة الاستيلاد ليهون لهم أمر الدفاع الذي هو من لوازم عيشتهم وليكون ذلك وسيلة يتوسلون بها إلى الترؤس والسودد في قومهم على ما في كثرة الازدواج من تكثر الاقرباء بالمصاهرة. وما ذكره بعض العلماء أن العامل في تعدد الزوجات في القبائل وأهل القرى إنما هو كثرة المشاغل والاعمال فيهم كأعمال الحمل والنقل والرعي والزراعة والسقاية والصيد والطبخ والنسج وغير ذلك فهو وإن كان حقا في الجملة إلا أن التأمل في صفاتهم الروحية يعطي أن هذه الاعمال في الدرجة الثانية من الاهمية عندهم وما ذكرناه هو الذي يتعلق به قصد الانسان البدوي أولا وبالذات كما أن شيوع الادعاء والتبني أيضا بينهم سابقا كان من فروع هذا الغرض. على أنه كان في هذه الامم عامل أساسي آخر لتداول تعدد الزوجات بينهم وهو زيادة عدة النساء على الرجال بما لا يتسامح فيه فإن هذه الامم السائرة بسيرة القبائل كانت تدوم فيهم الحروب والغزوات وقتل الفتك والغيلة فكان القتل يفني الرجال ويزيد عدد النساء على الرجال زيادة لا ترتفع حاجة الطبيعة معها إلا بتعدد الزوجات هذا. والاسلام شرع الازدواج بواحدة وأنفذ التكثير إلى أربع بشرط التمكن من القسط بينهن مع إصلاح جميع المحاذير المتوجهد ألى التعدد على ما سنشير إليها قال الله تعالى ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف: البقرة - 228.
________________________________________
[ 184 ]
وقد استشكلوا على حكم تعدد الزوجات اولا انه يضع آثارا سيئة في المجتمع فإنه يقرع قلوب النساء في عواطفهن ويخيب آمالهن ويسكن فورة الحب في قلوبهن فينعكس حس الحب إلى حس الانتقام فيهملن أمر البيت ويتثاقلن في تربية الاولاد ويقابلن الرجال بمثل ما أساؤا إليهن فيشيع الزنا والسفاح والخيانة في المال والعرض فلا يلبث المجتمع دون أن ينحط في أقرب وقت. وثانيا: أن التعدد في الزوجات يخالف ما هو المشهود المتراءى من عمل الطبيعة فإن الاحصاء في الامم والاجيال يفيد أن قبيلي الذكورة والاناث متساويان عددا تقريبا فالذي هيأته الطبيعة هو واحدة لواحد وخلاف ذلك خلاف غرض الطبيعة. وثالثا أن في تشريع تعدد الزوجات ترغيبا للرجال إلى الشره والشهوة وتقوية لهذه القوة في المجتمع. ورابعا أن في ذلك حطا لوزن النساء في المجتمع بمعادلة الاربع منهن بواحد من الرجال وهو تقويم جائر حتى بالنظر إلى مذاق الاسلام الذي سوي فيه بين مرأتين ورجل كما في الارث والشهادة وغيرهما ولازمه تجويز التزوج باثنتين منهن لا أزيد ففي تجويز الاربع عدول عن العدل على أي حال من غير وجه وهذه الاشكالات مما اعترض بها النصارى على الاسلام أو من يوافقهم من المدنيين المنتصرين لمسألة تساوي حقوق الرجال والنساء في المجتمع. والجواب عن الاول ما تقدم غير مرة في المباحث المتقدمة أن الاسلام وضع بنية المجتمع الانساني على أساس الحياة التعقلية دون الحياة الاحساسية فالمتبع عنده هو الصلاح العقلي في السنن الاجتماعية دون ما تهواه الاحساسات وتنجذب إليه العواطف. وليس في ذلك إماتة العواطف والاحساسات الرقيقة وإبطال حكم المواهب الالهية والغرائز الطبيعية فإن من المسلم في الابحاث النفسية أن الصفات الروحية والعواطف والاحساسات الباطنة تختلف كما وكيفا باختلاف التربية والعادة كما أن كثيرا من الآداب والرسوم الممدوحة عند الشرقيين مثلا مذمومة عند الغربيين وبالعكس وكل امة تختلف مع غيرها في بعضها.
________________________________________
[ 185 ]
والتربية الدينية في الاسلام تقيم المرأة الاسلامية مقاما لا تتألم بأمثال ذلك عواطفها نعم المرأة الغربية حيث اعتادت منذ قرون بالوحدة ولقنت بذلك جيلا بعد جيل استحكم في روحها عاطفة نفسانية تضاد التعدد ومن الدليل على ذلك الاسترسال الفظيع الذي شاعت بين الرجال والنساء في الامم المتمدنة ! اليوم. أليس رجالهم يقضون أوطار الشهوة من كل من هووها وهوتهم من نسائهم من محارم وغيرها ومن بكر أو ثيب ومن ذات بعل أو غيرها حتى أن الانسان لا يقدر أن يقف في كل ألف منهم بواحد قد سلم من الزنا سواء في ذلك الرجال والنساء ولم يقنعوا بذلك حتى وقعوا في الرجال وقوعا قل ما يسلم منه فرد حتى بلغ الامر مبلغا رفعوا قبيل سنة إلى برلمان بريطانيا العظمى أن يبيح لهم اللواط سنة قانونية وذلك بعد شيوعه بينهم من غير رسمية وأما النساء وخاصة الابكار وغير ذوات البعل من الفتيات فالامر فيهن أغرب وأفظع. فليت شعري كيف لا تأسف النساء هناك ولا يتحرجن ولا تنكسر قلوبهن ولا تتألم عواطفهن حين يشاهدن كل هذه الفضائح من رجالهن ؟ وكيف لا تتألم عواطف الرجل وإحساساته حين يبنى بفتاه ثم يجدها ثيبا فقدت بكارتها وافترشت لا للواحد والاثنين من الرجال ثم لا يلبث حتى يباهي بين الاقران أن السيدة ممن توفرت عليها رغبات الرجال وتنافس في القضاء منها العشرات والمئات ! ! وهل هذا إلا أن هذه السيئات تكررت بينهم ونزعه الحرية تمكنت من أنفسهم حتى صارت عادة عريقة مألوفة لا تمتنع منها العواطف والاحساسات ولا تستنكرها النفوس ؟ فليس إلا أن السنن الجارية تميل العواطف والاحساسات إلى ما يوافقها ولا يخالفها. وأما ما ذكروه من استلزام ذلك إهمالهن في تدبير البيت وتثاقلهن في تربية الاولاد وشيوع الزنا والخيانة فالذي أفادته التجربة خلاف ذلك فإن هذا الحكم جرى في صدر الاسلام وليس في وسع أحد من أهل الخبرة بالتاريخ أن يدعى حصول وقفة في أمر المجتمع من جهته بل كان الامر بالعكس. على أن هذه النساء اللاتى يتزوج بهن على الزوجة الاولى في المجتمع الاسلامي وسائر المجتمعات التى ترى ذلك أعنى الزوجة الثانية والثالثة والرابعة إنما يتزوج بهن عن رضاء ورغبة منهن وهن من نساء هذه المجتمعات ولم يسترققهن الرجال من مجتمعات
________________________________________
[ 186 ]
اخرى ولا جلبوهن للنكاح من غير هذه الدنيا وإنما رغبن في مثل هذا الازدواج لعلل اجتماعية فطباع جنس المرأة لا يمتنع عن مسألة تعدد الزوجات ولا قلوبهن تتألم منها بل لو كان شئ من ذلك فهو من لوازم أو عوارض الزوجية الاولى أعنى أن المرأة إذا توحدت للرجل لا تحب أن ترد عليها وعلى بيتها اخرى لخوفها أن تميل عنها بعلها أو تترأس عليها غيرها أو يختلف الاولاد ونحو ذلك فعدم الرضاء والتألم فيما كان إنما منشأه حالة عرضية التوحد بالبعل لا غريزة طبيعية. والجواب عن الثاني أن الاستدلال بتسوية الطبيعة بين الرجال والنساء في العدد مختل من وجوه. منها أن أمر الازدواج لا يتكى على هذا الذى ذكروه فحسب بل هناك عوامل وشرائط اخرى لهذا الامر فأولا الرشد الفكري والتهيؤ لامر النكاح أسرع إلى النساء منها إلى الرجال فالنساء وخاصة في المناطق الحارة إذا جزن التسع صلحن للنكاح والرجال لا يتهيؤون لذلك غالبا قبل الست عشرة من السنين وهو الذى اعتبره الاسلام للنكاح. ومن الدليل على ذلك السنة الجارية في فتيات الامم المتمدنة فمن الشاذ النادر أن تبقى فتاة على بكارتها إلى سن البلوغ القانوني فليس إلا أن الطبيعة هيأتها للنكاح قبل تهيئتها الرجال لذلك. ولازم هذه الخاصة أن لو اعتبرنا مواليد ست عشرة سنة من قوم والفرض تساوى عدد الذكورة والاناث فيهم كان الصالح للنكاح في السنة السادسة عشر من الرجال وهى سنة أول الصلوح مواليد سنة واحدة وهم مواليد السنة الاولى المفروضة والصالحة للنكاح من النساء مواليد سبع سنين وهى مواليد السنة الاولى إلى السابعة ولو اعتبرنا مواليد خمسة وعشرين سنة وهى سن بلوغ الاشد من الرجال حصل في السنة الخامسة والعشرين على الصلوح من الرجال مواليد عشرة سنين ومن النساء مواليد خمس عشرة سنة وإذا أخذنا بالنسبة الوسطى حصل لكل واحد من الرجال اثنتان من النساء بعمل الطبيعة. وثانيا أن الاحصاء كما ذكروه يبين أن النساء أطول عمرا من الرجال ولازمه أن
________________________________________
[ 187 ]
تهيئ سنة الوفاة والموت عددا من النساء ليس بحذائهن رجال (1). وثالثا أن خاصة النسل والتوليد تدوم في الرجال أكثر من النساء فالاغلب على النساء أن يئسن من الحمل في سن الخمسين ويمكث ذلك في الرجال سنين عديدة بعد ذلك وربما بقي قابلية التوليد في الرجال إلى تمام العمر الطبيعي وهي مائة سنة فيكون عمر صلاحية الرجال للتوليد وهو ثمانون سنة تقريبا ضعفه في المرأة وهو أربعون تقريبا وإذا ضم هذا الوجه إلى الوجه السابق أنتج أن الطبيعة والخلقة أباح للرجال التعدي من الزوجة الواحدة إلى غيرها فلا معنى لتهيئة قوة التوليد والمنع عن الاستيلاد من محل شأنه ذلك فإن ذلك مما تأباه سنة العلل والاسباب الجارية. ورابعا أن الحوادث المبيدة لافراد المجتمع من الحروب والمقاتل وغيرهما تحل بالرجال وتفنيهم أكثر منها بالنساء بما لا يقاس كما تقدم أنه كان أقوى العوامل لشيوع تعدد الزوجات في القبائل فهذه الارامل والنساء العزل لا محيص لهن عن قبول التعدد أو الزنا أو خيبة القوة المودعة في طبائعهن وبطلانها. ومما يتأيد به هذه الحقيقة ما وقع في الآلمان الغربي قبل عدة شهور من كتابة هذه الاوراق أظهرت جمعية النساء العزل تحرجها من فقدان البعولة وسألت الحكومة أن يسمح لهن بسنة تعدد الزوجات الاسلامية حتى يتزوج من شاء من الرجال بأزيد من واحدة ويرتفع بذلك غائلة الحرمان غير أن الحكومة لم تجبهن في ذلك وامتنعت الكنيسة من قبوله ورضيت بفشو الزنا وشيوعه وفساد النسل به. ومنها أن الاستدلال بتسوية الطبيعة النوعية بين الرجال والنساء في العدد مع
________________________________________
(1) ومما يؤيد ذلك ما نشره بعض الجرائد في هذه الايام (جريدة الاطلاعات المنتشرة في طهران المؤرخة بالثلاثاء 11 ديماه سنة 1335 شمسي) حكاية عن دائرة الاحصاء في فرنسا ما حاصله قد تحصل بحسب الاحصاء أنه يولد في فرنسا حذاء كل " 100 " مولودة من البنات " 105 " من البنين ومع ذلك فإن الاناث يربو عدتهم على عدة الذكور بما يعادل " 1765000 " نسمة ونفوس المملكة " 40 مليونا تقريبا " والسبب فيه أن البنين أضعف مقاومة من البنات قبال الامراض ويهلك بها " 5 % " الزائد منهم إلى سنة " 19 " من الولادة. ثم يأخذ عدة الذكور في النقص ما بين 25 - 30 من السنين حتى إذا بلغوا سني 60 - 65 لم يبق تجاه كل " 15000000 " من الاناث إلا " 7500000 " من الذكور. (*)
________________________________________
[ 188 ]
الغض عما تقدم إنما يستقيم فيما لو فرض أن يتزوج كل رجل في المجتمع بأكثر من الواحدة إلى أربع من النساء لكن الطبيعة لا تسمح بإعداد جميع الرجال لذلك ولا يسع ذلك بالطبع إلا لبعضهم دون جميعهم والاسلام لم يشرع تعدد الزوجات بنحو الفرض والوجوب على الرجال بل إنما أباح ذلك لمن استطاع أن يقيم القسط منهم ومن أوضح الدليل على عدم استلزام هذا التشريع حرجا ولا فسادا أن سير هذه السنة بين المسلمين وكذا بين سائر الامم الذين يرون ذلك لم يستلزم حرجا من قحط النساء وإعوازهن على الرجال بل بالعكس من ذلك أعد تحريم التعدد في البلاد التي فيها ذلك ألوفا من النساء حرمن الازواج والاجتماع المنزلي واكتفين بالزنا. ومنها أن الاستدلال المذكور مع الاغماض عن ما سبق إنما يستقيم لو لم يصلح هذا الحكم ولم يعدل بتقييده بقيود ترتفع بها المحاذير المتوهمة فقد شرط الاسلام على من يريد من الرجال التعدد أن يقيم العدل في معاشرتهن بالمعروف وفي القسم والفراش وفرض عليهم نفقتهن ثم نفقة أولادهن ولا يتيسر الانفاق على أربع نسوة مثلا ومن يلدنه من الاولاد مع شريطة العدل في المعاشرة وغير ذلك إلا لبعض اولى الطول والسعة من الناس لا لجميعهم. على أن هناك طرقا دينية شرعية يمكن أن تستريح إليها المرأة فتلزم الزوج على الاقتصار عليها والاغماض عن التكثير. والجواب عن الثالث أنه مبني على عدم التدبر في نحو التربية الاسلامية ومقاصد هذه الشريعة فإن التربية الدينية للنساء في المجتمع الاسلامي الذي يرتضيه الدين بالستر والعفاف والحياء وعدم الخرق تنمي المرأة وشهوة النكاح فيها أقل منها في الرجل (على الرغم مما شاع أن شهوة النكاح فيها أزيد وأكثر واستدل عليه بتولعها المفرط بالزينة والجمال طبعا) وهذا أمر لا يكاد يشك فيه رجال المسلمين ممن تزوج بالنساء الناشئات على التربية الدينية فشهوة النكاح في المتوسط من الرجال تعادل ما في أكثر من امرأة واحدة بل والمرأتين والثلاث. ومن جهة اخرى من عناية هذا الدين أن يرتفع الحرمان في الواجب من مقتضيات الطبع ومشتهيات النفس فاعتبر أن لا تختزن الشهوة في الرجل ولا يحرم منها فيدعوه ذلك إلى التعدي إلى الفجور والفحشاء والمرأة الواحدة ربما اعتذرت فيما يقرب من ثلث
________________________________________
[ 189 ]
أوقات المعاشرة والمصاحبة كأيام العادة وبعض أيام الحمل والوضع والرضاع ونحو ذلك والاسراع في رفع هذه الحاجة الغريزية هو لازم ما تكرر منا في المباحث السابقة من هذا الكتاب أن الاسلام يبني المجتمع على أساس الحياه التعقلية دون الحياة الاحساسية فبقاء الانسان على حالة الاحساس الداعية إلى الاسترسال في الاهواء والخواطر السوء كحال التعزب ونحوه من أعظم المخاطر في نظر الاسلام. ومن جهة اخرى من أهم المقاصد عند شارع الاسلام تكثر نسل المسلمين وعمارة الارض بيد مجتمع مسلم عمارة صالحه ترفع الشرك والفساد. فهذه الجهات وأمثالها هي التي أهتم بها الاسلام في تشريع تعدد الزوجات دون ترويج أمر الشهوة وترغيب الناس إلى الانكباب عليها ولو أنصف هؤلاء المستشكلون كان هذه السنن الاجتماعية المعروفة بين هؤلاء البانين للاجتماع على أساس التمتع المادي أولي بالرمي بترويج الفحشاء والترغيب إلى الشره من الاسلام الباني للاجتماع على أساس السعادة الدينية. على أن في تجويز تعدد الزوجات تسكينا لثورة الحرص التي هي من لوازم الحرمان فكل محروم حريص ولا هم للممنوع المحبوس إلا أن يهتك حجاب المنع والحبس فالمسلم وإن كان ذا زوجة واحدة فإنه على سكن وطيب نفس من أنه ليس بممنوع عن التوسع في قضاء شهوته لو تحرجت نفسه يوما إليه وهذا نوع تسكين لطيش النفس وإحصان لها عن الميل إلى الفحشاء وهتك الاعراض المحرمة. وقد أنصف بعض الباحثين من الغربيين حيث قال لم يعمل في إشاعة الزنا والفحشاء بين الملل المسيحية عامل أقوى من تحريم الكنيسة تعدد الزوجات (1). والجواب عن الرابع أنه ممنوع فقد بينا في بعض المباحث السابقة عند الكلام في حقوق (2) المرأة في الاسلام أنه لم يحترم النساء ولم يراع حقوقهن كل المراعاة أي
________________________________________
(1) رسالة المستر جان ديون بورت الانجليزي في الاعتذار إلى حضرة محمد والقرآن ترجمة الفاضل: السعيدي بالفارسية. (2) البحث العلمي من الجزء الثاني ص 260.
________________________________________
[ 190 ]
سنة من السنن الدينية أو الدنيوية من قديمها وحديثها بمثل ما احترمهن الاسلام وسنزيد في ذلك وضوحا وأما تجويز تعدد الزوجات للرجل فليس بمبنى على ما ذكر من إبطال الوزن الاجتماعي وإماتة حقوقهن والاستخفاف بموقفهن في الحياة وإنما هو مبنى على جهات من المصالح تقدم بيان بعضها. وقد اعترف بحسن هذا التشريع الاسلامي وما في منعه من المفاسد الاجتماعية والمحاذير الحيوية جمع من باحثى الغرب من الرجال والنساء من أراده فليراجع إلى مظانه. وأقوى ما تشبث به مخالفوا سنة التعدد من علماء الغرب وزوقوه في أعين الناظرين ما هو مشهود في بيوت المسلمين تلك البيوت المشتملة على زوجات عديدة ضرتان أو ضرائر فإن هذه البيوت لا تحتوى على حياة صالحة ولا عيشة هنيئة لا تلبث الضرتان من أول يوم حلتا البيت دون أن تأخذا في التحاسد حتى أنهم سموا الحسد بداء الضرائر وعندئذ تنقلب جميع العواطف والاحساسات الرقيقة التى جبلت عليها النساء من الحب ولين الجانب والرقة والرأفة والشفقة والنصح وحفظ الغيب والوفاء والمودة والرحمة والاخلاص بالنسبة إلى الزوج وأولاده من غير الزوجة وبيته وجميع ما يتعلق به إلى أضدادها فينقلب البيت الذى هو سكن للانسان يستريح فيه من تعب الحياة اليومي وتألم الروح والجسم من مشاق الاعمال والجهد في المكسب معركة قتال يستباح فيها النفس والعرض والمال والجاه لا يؤمن فيه من شئ لشئ ويتكدر فيه صفو العيش وترتحل لذة الحياة ويحل محلها الضرب والشتم والسب واللعن والسعاية والنميمة والرقابة والمكر والمكيدة واختلاف الاولاد وتشاجرهم وربما انجر الامر إلى هم الزوجة بإهلاك الزوج وقتل بعض الاولاد بعضا أو أباهم وتتبدل القرابة بينهم إلى الاوتار التى تسحب في الاعقاب سفك الدماء وهلاك النسل وفساد البيت أضف إلى ذلك ما يسرى من ذلك إلى المجتمع من الشقاء وفساد الاخلاق والقسوة الظلم والبغى والفحشاء وانسلاب الامن والوثوق وخاصة إذا اضيف إلى ذلك جواز الطلاق فإباحة تعدد الزوجات والطلاق ينشئان في المجتمع رجالا ذواقين مترفين لا هم لهم إلا اتباع الشهوات والحرص والتولع على أخذ هذه وترك تلك ورفع واحدة ووضع اخرى وليس فيه إلا تضييع نصف المجتمع وإشقاؤه وهو قبيل النساء وبذلك
________________________________________
[ 191 ]
يفسد النصف الآخر. هذا محصل ما ذكروه وهو حق غير أنه إنما يرد على المسلمين لا على الاسلام وتعاليمه ومتى عمل المسلمون بجقيقة ما ألقته إليهم تعاليم الاسلام حتى يؤخذ الاسلام بالمفاسد التي أعقبته أعمالهم ؟ وقد فقدوا منذ قرون الحكومة الصالحة التي تربي الناس بالتعاليم الدينية الشريفة بل كان أسبق الناس إلى هتك الاستار التي أسدلها الدين ونقض قوانينه وإبطال حدوده هي طبقة الحكام والولاة على المسلمين والناس على دين ملوكهم ولو اشتغلنا بقص بعض السير الجارية في بيوت الملوك والفضائح التي كان يأتي بها ملوك الاسلام وولاته منذ أن تبدلت الحكومة الدينية بالملك والسلطنة المستبدة لجاء بحياله تأليفا مستقلا وبالجملة لو ورد الاشكال فهو وارد على المسلمين في اختيارهم لبيوتهم نوع اجتماع لا يتضمن سعادة عيشتهم ونحو سياسة لا يقدرون على إنفاذها بحيث لا تنحرف عن مستقيم الصراط والذنب في ذلك عائد إلى الرجال دون النساء والاولاد وإن كان على كل نفس ما اكتسبت من إثم وذلك أن سيرة هؤلاء الرجال وتفديتهم سعادة أنفسهم وأهليهم وأولادهم وصفاء جو مجتمعهم في سبيل شرههم وجهالتهم هو الاصل لجميع هذه المفاسد والمنبت لكل هذه الشقوة المبيدة وأما الاسلام فلم يشرع تعدد الزوجات على نحو الايجاب والفرض على كل رجل وإنما نظر في طبيعة الافراد وما ربما يعرضهم من العوارض الحادثة واعتبر الصلاح القاطع في ذلك كما مر تفصيله ثم استقصى مفاسد التكثير ومحاذيره وأحصاها فأباح عند ذلك التعدد حفظا لمصلحة المجتمع الانساني وقيده بما يرتفع معه جميع هذه المفاسد الشنيعة وهو وثوق الرجل بأنه سيقسط بينهن ويعدل فمن وثق من نفسه بذلك ووفق له فهو الذى أباح له الدين تعدد الزوجات وأما هؤلاء الذين لا عناية لهم بسعادة أنفسهم وأهليهم وأولادهم ولا كرامة عندهم إلا ترضية بطونهم وفروجهم ولا مفهوم للمرأة عندهم إلا أنها مخلوقة في سبيل شهوة الرجل ولذته فلا شأن للاسلام فيهم ولا يجوز لهم إلا الازدواج بواحدة لو جاز لهم ذلك والحال هذه. على أن في أصل الاشكال خلطا بين جهتين مفرقتين في الاسلام وهما جهتا التشريع والولاية. توضيح ذلك أن المدار في القضاء بالصلاح والفساد في القوانين الموضوعة والسنن
________________________________________
[ 192 ]
الجارية عند الباحثين اليوم هو الآثار والنتائج المرضية أو غير المرضية الحاصلة من جريانها في الجوامع وقبول الجوامع لها بفعليتها الموجودة وعدم قبولها وما أظن أنهم على غفلة من أن المجتمع ربما اشتمل على بعض سنن وعادات وعوارض لا تلائم الحكم المبحوث عنه وأنه يجب تجهيز المجتمع بما لا ينافى الحكم أو السنة المذكورة حتى يرى إلى ما يصير أمره وما ذا يبقى من الاثر خيرا أو شرا أو نفعا أو ضرا ؟ إلا أنهم يعتبرون في القوانين الموضوعة ما يريده ويستدعيه المجتمع بحاضر إرادته وظاهر فكرته كيفما كان فما وافق إرادتهم ومستدعياتهم فهو القانون الصالح وما خالف ذلك فهو القانون غير الصالح. ولذلك لما رأوا المسلمين تائهين في أودية الغى فاسدين في معاشهم ومعادهم نسبوا ما يشاهدونه منهم من الكذب والخيانة والخنى وهضم الحقوق وفشو البغى وفساد البيوت واختلال الاجتماع إلى القوانين الدينية الدائرة بينهم زعما منهم أن السنة الاسلامية في جريانها بين الناس وتأثيرها أثرها كسائر السنن الاجتماعية التى تحمل على الناس عن إحساسات متراكمة بينهم ويستنتجون من ذلك أن الاسلام هو المولد لهذه المفاسد الاجتماعية ومنه ينشأ هذا البغى والفساد (وفيهم أبغى البغى وأخنى الخنى وكل الصيد في جوف الفراء ولو كان دينا واقعيا وكانت القوانين الموضوعة فيه جيدة متضمنة لصلاح الناس وسعادتهم لاثرت فيهم الآثار المسعدة الجميلة ولم ينقلب وبالا عليهم. ولكنهم خلطوا بين طبيعة الحكم الصالحة المصلحة وبين طبيعة الناس الفاسدة المفسدة والاسلام مجموع معارف أصلية وأخلاقية وقوانين عملية متناسبة الاطراف مرتبطة الاجزاء إذا أفسد بعض أجزائها أوجب ذلك فساد الجميع وانحرافها في التأثير كالادوية والمعاجين المركبة التى تحتاج في تأثيرها الصحى إلى سلامة أجزائها وإلى محل معد مهيأ لورودها وعملها ولو أفسد بعض أجزائها أو لم يعتبر في الانسان المستعمل لها شرائط الاستعمال بطل عنها وصف التأثير وربما أثرت ما يضاد أثرها المترقب منها. هب أن السنة الاسلامية لم تقو على إصلاح الناس ومحق الذمائم والرذائل العامة لضعف مبانيها التقنينية فما بال السنة الديموقراطية لا تنجع في بلادنا الشرقية أثرها في
________________________________________
[ 193 ]
البلاد الاوربية وما بالنا كلما أمعنا في السير والكدح بالغنا في الرجوع على أعقابنا القهقرى ولا يشك شاك أن الذمائم والرذائل اليوم أشد تصلبا وتعرقا فينا ونحن مدنيون متنورون منها قبل نصف قرن ونحن همجيون وليس لنا حظ من العدل الاجتماعي وحياة الحقوق البشرية والمعارف العامة العالية وكل سعادة اجتماعية إلا أسماءا نسميها وألفاظا نسمعها. فهل يمكن لمعتذر عن ذلك إلا بأن هذه السنن المرضية إنما لم تؤثر أثرها لانكم لا تعملون بها ولا تهتمون بإجرائها فما بال هذا العذر يجرى فيها وينجع ولا يجرى في الاسلام ولا ينجع. وهب أن الاسلام لوهن أساسها والعياذ بالله عجز عن التمكن في قلوب الناس والنفوذ الكامل في أعماق المجتمع فلم تدم حكومته ولم يقدر على حفظ حياته في المجتمع الاسلامي فلم يلبث دون أن عاد مهجورا فما بال السنة الديموقراطية وكانت سنة مرضية عالمية ارتحلت بعد الحرب العالمية الكبرى الاولى عن روسيا وانمحت آثارها وخلفتها السنة الشيوعية وما بالها انقلبت إلى السنة الشيوعية بعد الحرب العالمية الكبرى الثانية في ممالك الصين ولتونى واستونى وليتوانى ورومانيا والمجر ويوغوسلاوى وغيرها وهى تهدد سائر الممالك وقد نفذت فيها نفوذا. وما بال السنة الشيوعية بعد ما عمرت ما يقرب من أربعين سنة وانبسطت وحكمت فيما يقرب من نصف المجتمع الانساني ولم يزل دعاتها وأولياؤها يتباهون في فضيلتها أنها المشرعة الصافية الوحيدة التى لا يشوبها تحكم الاستبداد ولا استثمار الديموقراطية وأن البلاد التى تعرقت فيها هي الجنة الموعودة ثم لم يلبث هؤلاء الدعاة والاولياء أنفسهم دون أن انتهضوا قبل سنتين على تقبيح حكومة قائدها الوحيد ستالين الذى كان يتولى إمامتها وقيادتها منذ ثلاثين سنة وأوضحوا أن حكومته كانت حكومة تحكم واستبداد واستعباد في صورة الشيوعية ولا محالة كان له التأثير العظيم في وضع القوانين الدائرة وإجرائها وسائر ما يتعلق بذلك فلم ينتش شئ من ذلك إلا عن إرادة مستبدة مستعبدة وحكومة فردية تحيى ألوفا وتميت ألوفا وتسعد أقواما وتشقى
________________________________________
[ 194 ]
آخرين والله يعلم من الذى يأتي بعد هؤلاء ويقضى عليهم بمثل ما قضوا به على من كان قبلهم. والسنن والآداب والرسوم الدائرة في المجتمعات أعم من الصحيحة والفاسدة ثم المرتحلة عنها لعوامل متفرقة أقواها خيانة أولياؤها وضعف إرادة الافراد المستنين بها كثيرة يعثر عليها من راجع كتب التواريخ. فليت شعرى ما الفارق بين الاسلام من حيث إنها سنة اجتماعية وبين هذه السنن المتقلبة المتبدلة حيث يقبل العذر فيها ولا يقبل في الاسلام نعم كلمة الحق اليوم واقعة بين قدرة هائلة غربية وجهالة تقليد شرقية فلا سماء تظلها ولا أرض تقلها وعلى أي حال يجب أن يتنبه مما فصلناه أن تأثير سنة من السنن أثرها في الناس وعدمه وكذا بقاؤها بين الناس وارتحالها لا يرتبط كل الارتباط بصحتها وفسادها حتى يستدل عليه بذلك بل لسائر العلل والاسباب تأثير في ذلك فما من سنة من السنن الدائرة بين الناس في جميع الاطوار والعهود إلا وهى تنتج يوما وتعقم آخر وتقيم بين الناس برهة من الزمان وترتحل عنهم في اخرى لعوامل مختلفة تعمل فيها وتلك الايام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء. وبالجملة القوانين الاسلامية والاحكام التى فيها تخالف بحسب المبنى والمشرب سائر القوانين الاجتماعية الدائرة بين الناس فإن القوانين الاجتماعية التى لهم تختلف باختلاف الاعصار و تتبدل بتبدل المصالح لكن القوانين الاسلامية لا تحتمل الاختلاف والتبدل من واجب أو حرام أو مستحب أو مكروه أو مباح غير أن الافعال التى للفرد من المجتمع أن يفعلها أو يتركها وكل تصرف له أن يتصرف به أو يدعه فلوالى الامر أن يأمر الناس بها أو ينهاهم عنها ويتصرف في ذلك كأن المجتمع فرد والوالى نفسه المتفكرة المريدة. فلو كان للاسلام وال أمكنه أن يمنع الناس عن هذه المظالم التى يرتكبونها باسم تعدد الزوجات وغير ذلك من غير أن يتغير الحكم الالهى بإباحته وإنما هو عزيمة إجرائية عامة لمصلحة نظير عزم الفرد الواحد على ترك تعدد الزوجات لمصلحة يراها لا لتغيير في الحكم بل لانه حكم إباحى له أن يعزم على تركه
________________________________________
[ 195 ]
= بحث علمي آخر ملحق به = في تعدد أزواج النبي = ومما اعترضوا عليه تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا إن تعدد الزوجات لا يخلو في نفسه عن الشره والانقياد لداعى الشهوة وهو صلى الله عليه وآله وسلم لم يقنع بما شرعه لامته من الاربع حتى تعدى إلى التسع من النسوة. والمسألة ترتبط بآيات متفرقة كثيرة في القرآن والبحث من كل جهة من جهاتها يجب أن يستوفى عند الكلام على الآية المربوطة بها ولذلك أخرنا تفصيل القول إلى محاله المناسبة له وإنما نشير ههنا إلى ذلك إشارة اجمالية. فنقول من الواجب أن يلفت نظر هذا المعترض المستشكل إلى أن قصة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليست على هذه السذاجة أنه صلى الله عليه وآله وسلم بالغ في حب النساء حتى أنهى عدة أزواجه إلى تسع نسوة بل كان اختياره لمن اختارها منهن على نهج خاص في مدى حياته فهو صلى الله عليه وآله وسلم كان تزوج أول ما تزوج بخديجة رضى الله عنها وعاش معها مقتصرا عليها نيفا وعشرين سنة وهى ثلثا عمره الشريف بعد الازدواج منها ثلاث عشرة سنة بعد نبوته قبل الهجرة من مكة ثم هاجر إلى المدينة وشرع في نشر الدعوة وإعلاء كلمة الدين وتزوج بعدها من النساء منهن البكر ومنهن الثيب ومنهن الشابة ومنهن العجوز والمكتهلة وكان على ذلك ما يقرب من عشرة سنين ثم حرم عليه النساء بعد ذلك إلا من هي في حبالة نكاحه ومن المعلوم أن هذا الفعال على هذه الخصوصيات لا يقبل التوجيه بمجرد حب النساء والولوع بهن والوله بالقرب منهن فأول هذه السيرة وآخرها يناقضان ذلك. على أنا لا نشك بحسب ما نشاهده من العادة الجارية أن المتولع بالنساء المغرم بحبهن والخلاء بهن والصبوة إليهن مجذوب إلى الزينة عشيق للجمال مفتون بالغنج والدلال حنين إلى الشباب ونضارة السن وطراوة الخلقة وهذه الخواص أيضا لا تنطبق على سيرته صلى الله عليه وآله وسلم فإنه بنى بالثيب بعد البكر وبالعجوز بعد الفتاة الشابة فقد بنى بام سلمة وهى مسنة وبنى بزينب بنت جحش وسنها يومئذ يربو على خمسين بعد ما تزوج بمثل عائشة وام حبيبة وهكذا.
________________________________________
[ 196 ]
وقد خير صلى الله عليه وآله وسلم نساءه بين التمتيع والسراح الجميل وهو الطلاق إن كن يردن الدنيا وزينتها وبين الزهد في الدنيا وترك التزيين والتجمل إن كن يردن الله ورسوله والدار الآخرة على ما يشهد به قوله تعالى في القصة يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين امتعكن واسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما: الاحزاب - 29 وهذا المعنى أيضا كما ترى لا ينطبق على حال رجل مغرم بجمال النساء صاب إلى وصالهن. فلا يبقى حينئذ للباحث المتعمق إذا أنصف إلا أن يوجه كثرة ازدواجه صلى الله عليه وآله وسلم فيما بين أول أمره وآخر أمره بعوامل اخر غير عامل الشره والشبق والتلهى. فقد تزوج صلى الله عليه وآله وسلم ببعض هؤلاء الازواج اكتسابا للقوة وازديادا للعضد والعشيرة وببعض هؤلاء استمالة للقلوب وتوقيا من بعض الشرور وببعض هؤلاء ليقوم على أمرها بالانفاق وإدارة المعاش وليكون سنة جارية بين المؤمنين في حفظ الارامل والعجائز من المسكنة والضيعة وببعضها لتثبيت حكم مشروع وإجرائه عملا لكسر السنن المنحطة والبدع الباطلة الجارية بين الناس كما في تزوجه بزينب بنت جحش وقد كانت زوجة لزيد بن حارثة ثم طلقها زيد وقد كان زيد هذا يدعى ابن رسول الله على نحو التبني وكانت زوجة المدعو ابنا عندهم كزوجة الابن الصلبى لا يتزوج بها الاب فتزوج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونزل فيها الآيات. وكان صلى الله عليه وآله وسلم تزوج لاول مرة بعد وفات خديجة بسودة بنت زمعة وقد توفى عنها زوجها بعد الرجوع من هجرة الحبشة الثانية وكانت سودة هذه مؤمنة مهاجرة ولو رجعت إلى أهلها وهم يومئذ كفار لفتنوها كما فتنوا غيرها من المؤمنين والمؤمنات بالزجر والقتل والاكراه على الكفر. وتزوج بزينب بنت خزيمة بعد قتل زوجها عبد الله بن جحش في أحد وكانت من السيدات الفضليات في الجاهلية تدعى ام المساكين لكثرة برها للفقراء والمساكين وعطوفتها بهم فصان بازدواجها ماء وجهها. وتزوج بام سلمة واسمها هند وكانت من قبل زوجة عبد الله أبى سلمة ابن عمة
________________________________________
[ 197 ]
النبي وأخيه من الرضاعة أول من هاجر إلى الحبشة وكانت زاهدة فاضلة ذات دين ورأي فلما توفى عنها زوجها كانت مسنة ذات أيتام فتزوج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وتزوج بصفية بنت حيي بن أخطب سيد بنى النضير قتل زوجها يوم خيبر وقتل أبوها مع بنى النظير وكانت في سبى خيبر فاصطفاها وأعتقها وتزوج بها فوقاها بذلك من الذل ووصل سببه ببنى إسرائيل. وتزوج بجويرية واسمها برة بنت الحارث سيد بنى المصطلق بعد وقعة بنى المصطلق وقد كان المسلمون أسروا منهم مئتى بيت بالنساء والذراري فتزوج صلى الله عليه وآله وسلم بها فقال المسلمون هؤلاء أصهار رسول الله لا ينبغى أسرهم وأعتقوهم جميعا فأسلم بنو المصطلق بذلك ولحقوا عن آخرهم بالمسلمين وكانوا جما غفيرا وأثر ذلك أثرا حسنا في سائر العرب. وتزوج بميمونة واسمها برة بنت الحارث الهلالية وهى التى وهبت نفسها للنبى صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاة زوجها الثاني أبى رهم بن عبد العزى فاستنكحها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتزوج بها وقد نزل فيها القرآن. وتزج بام حبيبة واسمها رملة بنت أبى سفيان وكانت زوجة عبيد الله بن جحش وهاجر معها إلى الحبشة الهجرة الثانية فتنصر عبيد الله هناك وثبتت هي على الاسلام وأبوها أبو سفيان يجمع الجموع على الاسلام يومئذ فتزوج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحصنها. وتزوج بحفصة بنت عمر وقد قتل زوجها خنيس بن حذاقة ببدر وبقيت أرملة وتزوج بعائشة بنت أبى بكر وهى بكر. فالتأمل في هذه الخصوصيات مع ما تقدم في صدر الكلام من جمل سيرته في أول أمره وآخره وما سار به من الزهد وترك الزينة وندبه نساءه إلى ذلك لا يبقى للمتأمل موضع شك في أن ازدواجه صلى الله عليه وآله وسلم بمن تزوج بها من النساء لم يكن على حد غيره من عامة الناس أضف إلى ذلك جمل صنائعه صلى الله عليه وآله وسلم في النساء وإحياء ما كانت قرون الجاهلية وأعصار الهمجية أماتت من حقوقهن في الحياة وأخسرته من وزنهن في المجتمع الانساني حتى روى أن آخر ما تكلم به صلى الله عليه وآله وسلم هو توصيتهن لجامعة الرجال قال صلى الله عليه وآله وسلم: الصلاة الصلاة - وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون - الله الله
________________________________________
[ 198 ]
في النساء فإنهن عوان في أيديكم الحديث. وكانت سيرته صلى الله عليه وآله وسلم في العدل بين نسائه وحسن معاشرتهن ورعاية جانبهن مما يختص به صلى الله عليه وآله وسلم على ما سيأتي شذرة منه في الكلام على سيرته في مستقبل المباحث إن شاء الله وكان حكم الزيادة على الاربع كصوم الوصال من مختصاته التى منعت عنها الامة وهذه الخصال وظهورها على الناس هي التى منعت أعداءه من الاعتراض عليه بذلك مع تربصهم الدوائر به = للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا (7) - وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا (8) - وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا (9) - إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا (10)) = بيان = شروع في تشريع أحكام الارث بعد تمهيد ما مهدت من المقدمات وقد قدم بيان جملى لحكم الارث من قبيل ضرب القاعدة لايذان أن لا حرمان في الارث بعد ثبوت الولادة أو القرابة حرمانا ثابتا لبعض الارحام والقرابات كتحريم صغار الورثة والنساء وزيد مع ذلك في التحذير عن تحريم الايتام من الوراثة فإنه يستلزم أكل سائر الورثة أموالهم ظلما وقد شدد الله في النهى عنه وقد ذكر مع ذلك مسألة رزق
________________________________________
[ 199 ]
اولى القربى واليتامى والمساكين إذا حضروا قسمة التركة ولم يكونوا ممن يرث تطفلا. قوله تعالى للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون الآية النصيب هو الحظ والسهم وأصله من النصب بمعنى الاقامة لان كل سهم عند القسمة ينصب على حدته حتى لا يختلط بغيره والتركة ما بقى من مال الميت بعده كأنه يتركه ويرتحل فاستعماله الاصلى استعمال استعارى ثم ابتذل والاقربون هم القرابة الادنون واختيار هذا اللفظ على مثل الاقرباء واولى القربى ونحوهما لا يخلو من دلالة على أن الملاك في الارث أقربية الميت من الوارث على ما سيجئ البحث عنه في قوله تعالى آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا: النساء - 11 والفرض قطع الشئ الصلب وإفراز بعضه من بعض ولذا يستعمل في معنى الوجوب لكون إتيانه وامتثال الامر به مقطوعا معينا من غير تردد والنصيب المفروض هو المقطوع المعين. وفي الآية إعطاء للحكم الكلى وتشريع لسنة حديثة غير مألوفة في أذهان المكلفين فإن حكم الوراثة على النحو المشروع في الاسلام لم يكن قبل ذلك مسبوقا بالمثل وقد كانت العادات والرسوم على تحريم عدة من الوراث عادت بين الناس كالطبيعة الثانية تثير النفوس وتحرك العواطف الكاذبة لو قرع بخلافها أسماعهم. وقد مهد له في الاسلام أولا بتحكيم الحب في الله والايثار الدينى بين المؤمنين فعقد الاخوة بين المؤمنين ثم جعل التوارث بين الاخوين وانتسخ بذلك الرسم السابق في التوارث وانقلع المؤمنون من الانفة والعصبية القديمة ثم لما اشتد عظم الدين وقام صلبه شرع التوارث بين اولى الارحام في حين كان هناك عدة كافية من المؤمنين يلبون لهذا التشريع أحسن التلبية. وبهذه المقدمة يظهر أن المقام مقام التصريح ورفع كل لبس متوهم بضرب القاعدة الكلية بقوله للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون فالحكم مطلق غير مقيد بحال أو وصف أو غير ذلك أصلا كما أن موضوعه أعنى الرجال عام غير مخصص بشئ متصل فالصغار ذووا نصيب كالكبار. ثم قال وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وهو كسابقه عام من غير شائبة تخصيص فيعم جميع النساء من غير تخصيص أو تقييد وقد أظهر في قوله مما ترك
________________________________________
[ 200 ]
الوالدان والاقربون مع أن المقام مقام الاضمار إيفاءا لحق التصريح والتنصيص ثم قال مما قل منه أو كثر زيادة في التوضيح وأن لا مجال للمسامحة في شئ منه لقلة وحقارة ثم قال نصيبا الخ وهو حال من النصيب لما فيه من المعنى المصدرى وهو بحسب المعنى تأكيد على تأكيد وزيادة في التنصيص على أن السهام مقطوعة معينة لا تقبل الاختلاط والابهام. وقد استدل بالآية على عموم حكم الارث لتركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره وعلى بطلان التعصيب في الفرائض. قوله تعالى وإذا حضر القسمة اولوا القربى الخ ظاهر الآية أن المراد من حضورهم القسمة أن يشهدوا قسمة التركة حينما يأخذ الورثة في اقتسامها لا ما ذكره بعضهم أن المراد حضورهم عند الميت حينما يوصى ونحو ذلك وهو ظاهر. وعلى هذا فالمراد من اولى القربى الفقراء منهم ويشهد بذلك أيضا ذكرهم مع اليتامى والمساكين ولحن قوله فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا الظاهر في الاسترحام والاسترفاق ويكون الخطاب حينئذ لاولياء الميت والورثة. وقد اختلف في أن الرزق المذكور في الآية على نحو الوجوب أو الندب وهو بحث فقهى خارج عن وضع هذا الكتاب كما اختلف في أن الآية هل هي محكمة أو منسوخة بآية المواريث مع أن النسبة بين الآيتين ليست نسبة التناقض لان آية المواريث تعين فرائض الورثة وهذه الآية تدل على غيرهم وجوبا أو ندبا في الجملة من غير تعيين سهم فلا موجب للنسخ وخاصة بناءا على كون الرزق مندوبا كما أن الآية لا تخلو من ظهور فيه. قوله تعالى وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم الآية الخشية التأثر القلبى مما يخاف نزوله مع شائبة تعظيم وإكبار وسداد القول وسدده كونه صوابا مستقيما. ولا يبعد أن تكون الآية متعلقة نحو تعلق بقوله للرجال نصيب الآية لاشتماله على إرث الايتام الصغار بعمومه فتكون مسوقة سوق التهديد لمن يسلك مسلك تحريم صغار الورثة من الارث ويكون حينئذ قوله وليقولوا قولا سديدا كناية عن اتخاذ


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page