• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء السادس والعشرون سورة الذاریات آیات 7 الی 30

وَ السمَاءِ ذَاتِ الحُْبُكِ(7) إِنَّكمْ لَفِى قَوْل مخْتَلِف(8) يُؤْفَك عَنْهُ مَنْ أُفِك(9) قُتِلَ الخَْرَّصونَ(10) الَّذِينَ هُمْ فى غَمْرَة ساهُونَ(11) يَسئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ(12) يَوْمَ هُمْ عَلى النَّارِ يُفْتَنُونَ(13) ذُوقُوا فِتْنَتَكمْ هَذَا الَّذِى كُنتُم بِهِ تَستَعْجِلُونَ(14)
اللغة
ذرت الريح التراب تذروه ذروا إذا طيرته و أذرته تذرية بمعناه و الحبك الطرايق التي تجري على الشيء كالطرائق التي ترى في السماء و في الصافي من الماء إذا مرت عليه الريح و هو تكسر جار فيه و يقال للشعر الجعد حبك و الواحد حباك و حبيكة و الحبك حسن أثر الصنعة في الشيء و استواؤه يقال حبكه يحبكه و يحبكه قال زهير في الحبك :
مكلل بأصول النجم تنسجه
ريح خريق لضاحي مائه حبك و الخراص الكذاب و الخرص الظن و الحدس و سمي الخزر خرصا منه و يقال كم خرص أرضك بكسر الخاء و أصل الخرص القطع من قولهم خرص فلان كلاما و اخترصه إذا اقتطعه من غير أصل و الغمرة من غمرة الماء يغمره و غمره الدين إذا غطاه بكثرته و الغمر السيد الكثير العطاء لأنه يغمر بعطائه .

الإعراب
قال الزجاج يوم نصب على وجهين ( أحدهما ) أن يكون على معنى يقع الجزاء يوم هم على النار يفتنون ( و الآخر ) أن يكون لفظه لفظ نصب و معناه معنى رفع لأنه مضاف إلى جملة كلام تقول يعجبني يوم أنت قائم و يوم أنت تقوم إن شئت فتحته و إن شئت رفعته كما قال الشاعر :
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت
حمامة في غصون ذات أو قال و روي غير أن نطقت بالرفع لما أضاف غير إلى أن و ليست بمتمكنة فتح و كذلك لما أضاف يوم إلى الجملة فتح و كما قرىء من خزي يومئذ ففتح يوم و هو في موضع خفض لأنك أضفته إلى غير متمكن و قيل أنه لما جرى في كلامهم ظرفا بقي في موضع الرفع على ذلك
مجمع البيان ج : 9 ص : 230
الاستعمال و جاء مفتوحا كما جاء في قوله و منا دون ذلك و قوله لقد تقطع بينكم .

المعنى
« و الذاريات ذروا » روي أن ابن الكوا سأل أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) و هو يخطب على المنبر فقال ما « الذاريات ذروا » قال الرياح قال « فالحاملات وقرا » قال السحاب قال « فالجاريات يسرا » قال السفن قال « فالمقسمات أمرا » قال الملائكة و روي ذلك عن ابن عباس و مجاهد فالذاريات الرياح تذرو التراب و هشيم النبت أي تفرقة « فالحاملات وقرا » السحاب تحمل ثقلا من الماء من بلد إلى بلد فتصير موقرة به و الوقر بالكسر ثقل الحمل على ظهر أو في بطن و الوقر ثقل الأذن « فالجاريات يسرا » السفن تجري ميسرة على الماء جريا سهلا إلى حيث سيرت و قيل هي السحاب تجري يسرا إلى حيث سيرها الله من البقاع و قيل هي النجوم السبعة السيارة الشمس و القمر و زحل و المشتري و المريخ و الزهرة و عطارد « فالمقسمات أمرا » الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به أقسم الله تعالى بهذه الأشياء لكثرة ما فيها من المنافع للعباد و لم تضمنه من الدلالة على وحدانية الله تعالى و بدائع صنعه و قيل أن التقدير فيها القسم برب هذه الأشياء لأنه لا يجوز القسم إلا بالله عز اسمه و قال أبو جعفر و أبو عبد الله (عليه السلام) أنه لا يجوز لأحد أن يقسم إلا بالله تعالى و الله سبحانه يقسم بما يشاء من خلقه ثم ذكر المقسم عليه فقال « إنما توعدون » أي من الثواب و العقاب و الجنة و النار « لصادق » أي صدق لا بد من كونه فهو اسم وضع موضع المصدر و قيل معناه ذو صدق كقوله عيشة راضية « و إن الدين لواقع » أي إن الجزاء و قيل أن الحساب لكائن يوم القيامة ثم أنشأ قسما آخر فقال « و السماء ذات الحبك » أي ذات الطرائق الحسنة لكنا لا نرى تلك الحبك لبعدها عنا عن الحسن و الضحاك و قيل ذات الخلق الحسن المستوي عن ابن عباس و قتادة و عكرمة و الربيع و قيل ذات الحسن و الزينة عن علي (عليه السلام) و روى علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال قلت له أخبرني عن قول الله تعالى « و السماء ذات الحبك » فقال محبوكة إلى الأرض و شبك بين أصابعه فقلت كيف تكون محبوكة إلى الأرض و الله تعالى يقول رفع السماوات بغير عمد فقال سبحان الله أ ليس يقول بغير عمد ترونها قلت بلى قال فثم عمد و لكن لا ترى فقلت فكيف ذلك جعلني الله فداك قال فبسط كفه اليسرى ثم وضع اليمني عليها فقال هذه أرض الدنيا و السماء الدنيا فوقها قبة و الأرض الثانية فوق السماء الدنيا و السماء الثانية فوقها قبة و الأرض الثالثة فوق السماء الثانية و السماء الثالثة فوقها قبة ثم هكذا إلى الأرض السابعة فوق السماء السادسة و السماء السابعة
مجمع البيان ج : 9 ص : 231
فوقها قبة و عرش الرحمن فوق السماء السابعة و هو قوله « خلق سبع سماوات و من الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن » و صاحب الأمر و هو النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و الوصي علي بعده و هو على وجه الأرض و إنما يتنزل الأمر إليه من فوق من بين السماوات و الأرضين قلت فما تحتنا إلا أرض واحدة قال و ما تحتنا إلا أرض واحدة و إن الست لفوقنا « إنكم لفي قول مختلف » هذا جواب القسم أي إنكم يا أهل مكة في قول مختلف في قول محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فبعضكم يقول شاعر و بعضكم يقول مجنون و في القرآن يقولون أنه سحر و كهانة و رجز و ما سطره الأولون و قيل معناه منكم مكذب بمحمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و منكم مصدق به و منكم شاك فيه و فائدته أن دليل الحق ظاهر فاطلبوا الحق بدليله و إلا هلكتم « يؤفك عنه من أفك » أي يصرف عن الإيمان به من صرف عن الخير أي المصروف عن الخيرات كلها من صرف عن هذا الدين و قيل معناه يؤفك عن الحق و الصواب من أفك فدل ذكر القول المختلف على ذكر الحق فجازت الكناية عنه و قيل معناه يصرف عن هذا القول أي بسببه و من أجله عن الإيمان من صرف فالهاء في عنه تعود إلى القول المختلف عن مجاهد فيكون الصارف لهم أنفسهم كما يقال فلان معجب بنفسه و أعجب بنفسه و كما يقال أين يذهب بك لمن يذهب في شغله و قيل أن الصارف لهم رؤساء البدع و أئمة الضلال لأن العامة تبع لهم « قتل الخراصون » أي لعن الكذابون يعني الذين يكذبون على الله و على رسوله و قيل معناه لعن المرتابون عن ابن عباس قال ابن الأنباري و إنما كان القتل بمعنى اللعنة هنا لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك ثم وصف سبحانه هؤلاء الكفار فقال « الذين هم في غمرة » أي في شبهة و غفلة غمرهم الجهل « ساهون » أي لاهون عما يجب عليهم و قيل هم في ضلالتهم متمادون عن ابن عباس و قيل في عمى مترددون عن قتادة و قيل أن أول مراتب الجهل السهو ثم الغفلة ثم الغمرة فتكون الغمرة عبارة عن المبالغة في الجهل أي هم في غاية الجهل ساهون عن الحق و عما يراد بهم « يسئلون أيان يوم الدين » أي متى وقت الجزاء إنكارا و استهزاء لا على وجه الاستفادة لمعرفته فأجيبوا بما يسوؤهم من الحق الذي لا محالة أنه نازل بهم فقيل « يوم هم على النار يفتنون » أي يكون هذا الجزاء في يوم يعذبون فيها و يحرقون بالنار و قال عكرمة أ لم تر أن الذهب إذا أدخل النار قيل فتن أي فهؤلاء يفتنون بالإحراق كما يفتن الذهب بإحراق الغش الذي فيه و يقول لهم خزنة النار « ذوقوا فتنتكم » أي عذابكم و حريقكم « هذا الذي كنتم به تستعجلون » في الدنيا تكذيبا به و استبعادا له فقد حصلتم الآن فيه و عرفتم صحته .

مجمع البيان ج : 9 ص : 232
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فى جَنَّت وَ عُيُون(15) ءَاخِذِينَ مَا ءَاتَاهُمْ رَبهُمْ إِنهُمْ كانُوا قَبْلَ ذَلِك محْسِنِينَ(16) كانُوا قَلِيلاً مِّنَ الَّيْلِ مَا يهْجَعُونَ(17) وَ بِالأَسحَارِ هُمْ يَستَغْفِرُونَ(18) وَ فى أَمْوَلِهِمْ حَقُّ لِّلسائلِ وَ المَْحْرُومِ(19) وَ فى الأَرْضِ ءَايَتٌ لِّلْمُوقِنِينَ(20) وَ فى أَنفُسِكمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ(21) وَ فى السمَاءِ رِزْقُكمْ وَ مَا تُوعَدُونَ(22) فَوَ رَب السمَاءِ وَ الأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقُّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ(23)
القراءة
قرأ أهل الكوفة غير حفص مثل ما بالرفع و الباقون بالنصب .

الحجة
قال أبو علي من رفع مثلا جعله وصفا لحق و جاز أن يكون مثل و إن كان مضافا إلى معرفة صفة للنكرة لأن مثلا لا يختص بالإضافة لكثرة الأشياء التي يقع التماثل بها بين المتماثلين فلما لم تخصه الإضافة و لم يزل عنه الإبهام و الشياع الذي كان فيه قبل الإضافة بقي على تنكره فقالوا مررت برجل مثلك فلذلك في الآية لم يتعرف بالإضافة إلى « أنكم تنطقون » و إن كان قوله « أنكم تنطقون » بمنزلة نطقكم و ما في قوله « مثل ما أنكم تنطقون » زائدة و أما من نصب فقال « مثل ما أنكم » فيحتمل ثلاثة أضرب ( أحدها ) أنه لما أضاف مثل إلى مبني و هو قوله « أنكم » بناه كما بني يومئذ في نحو قوله « من عذاب يومئذ » و : على حين عاتبت المشيب على الصبي و قوله :
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت
حمامة في غصون ذات أوقال فغير في موضع رفع بأنه فاعل يمنع و إنما بنيت هذه الأسماء المبهمة نحو مثل و يوم و حين و غير إذا أضيفت إلى المبني لأنها تكتسي منه البناء لأن المضاف يكتسي من المضاف إليه ما فيه من التعريف و التنكير و الجزاء و الاستفهام تقول هذا غلام زيد و صاحب القاضي فيتعرف الاسم بالإضافة إلى المعرفة و تقول غلام من يضرب فيكون استفهاما و تقول صاحب من يضرب أضرب فيكون جزاء فمن بنى هذه المبهمة إذا أضافها إلى مبني جعل البناء أحد ما
مجمع البيان ج : 9 ص : 233
يكتسيه من المضاف إليه و لا يجوز على هذا جاءني صاحب الخمسة عشر و لا غلام هذا لأن هذين من الأسماء غير المبهمة و المبهمة في إبهامها و بعدها من الاختصاص كالحروف التي تدل على أمور مبهمة فلما أضيفت إلى المبنية جاز ذلك فيها و البناء على الفتح في مثل قول سيبويه ( و القول الثاني ) أن تجعل ما مع مثل بمنزلة شيء واحد و بنيته على الفتح و إن كانت ما زائدة و هذا قول أبي عثمان و أنشد في ذلك قول الشاعر :
و تداعى منخراه بدم
مثل ما أثمر حماض الجبل فذهب إلى أن مثل مع ما بمنزلة شيء واحد و ينبغي أن يكون أثمر صفة لمثل ما لأنه لا يخلو من أن يكون صفة له أو يكون مثلا مضافا إلى الفعل فلا تجوز الإضافة لأنا لم نعلم مثلا أضيف إلى الفعل في موضع فكذلك لا نضيفه في هذا الموضع إلى الفعل فإذا لم تجز الإضافة كان وصفا و إذا كان وصفا وجب أن يعود منه إلى الموصوف ذكر فيحذف كما يحذف الذكر العائد من الصفة إلى الموصوف و قد يجوز أن لا يقدر مثل مع ما كشيء واحد و لكن تجعله مضافا إلى ما فيكون التقدير مثل شيء أثمره حماض الجبل فبني مثل على الفتح لإضافتها إلى ما و هو غير متمكن و لا يكون لأبي عثمان حينئذ في البيت حجة على كون مثل مع ما بمنزلة شيء واحد و يجوز أن يكون ما و الفعل بمنزلة المصدر فيكون مثل أثمار الحماض فيكون كقوله « و ما كانوا ب آياتنا يجحدون » و قوله « بما كانوا يكذبون » ( و القول الثالث ) هو أن ينصب على الحال من النكرة في النطق و هو قول أبي عمرو الجرمي و ذو الحال الذكر المرفوع في قوله « لحق » و العامل في الحال هو الحق لأنه من المصادر التي وصف بها و يجوز أن يكون الحال من النكرة الذي هو حق في قوله « إنه لحق » و إلى هذا ذهب أبو عمرو و لم يعلم أنه جعله حالا من الذكر الذي في حق و هذا لا خلاف في جوازه و قد حمل أبو الحسن قوله تعالى « فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا » على الحال و ذو الحال كل أمر حكيم و هو نكرة فهذه وجوه النصب في مثل ما .

الإعراب
« كانوا قليلا من الليل ما يهجعون » يجوز أن يكون قليلا خبر كان و فاعله « ما يهجعون » و التقدير كانوا قليلا هجوعهم و يجوز أن يكون قليلا صفة مصدر محذوف على تقدير كانوا يهجعون هجوعا قليلا فتكون ما زائدة و يهجعون خبر كان .
و من في قوله « من الليل » يجوز أن يكون بمعنى الباء كما يكون الباء بمعنى من في قوله عينا يشرب بها عباد الله أي منها
مجمع البيان ج : 9 ص : 234
فيكون التقدير كانوا يهجعون بالليل قليلا و قيل إن قوله « ما يهجعون » بمنزلة هجوعهم و هو بدل من الواو في كانوا و قوله « من الليل » في موضع الصفة لقليل و التقدير كان هجوعهم قليلا من الليل و قوله « و في الأرض آيات للموقنين و في أنفسكم » أن رفعت آيات بالابتداء و جعلت في الأرض خبرا كان الضمير في قوله « و في أنفسكم » كالضمير في خبر المبتدأ و إن قدرت آيات مرتفعة بالظرف كان الضمير في قوله « و في أنفسكم » كالضمير في الفعل كقولهم قام زيد و قعد و التقدير و في أنفسكم آيات و كذا قوله فيما بعد و في موسى أي و في موسى آيات و في هود آيات و في ثمود آيات و في قوم نوح آيات و في عاد آيات .

المعنى
ثم ذكر سبحانه ما أعده لأهل الجنة فقال « إن المتقين في جنات و عيون » مر تفسيره « آخذين ما آتاهم ربهم » أي ما أعطاهم من الخير و الكرامة « إنهم كانوا قبل ذلك » يعني في دار التكليف « محسنين » يفعلون الطاعات و يحسنون إلى غيرهم بضروب الإحسان ثم ذكر إحسانهم في أعمالهم فقال « كانوا قليلا من الليل ما يهجعون » أي كانوا يهجعون قليلا من الليل يصلون أكثر الليل عن الزهري و إبراهيم و الهجوع النوم بالليل دون النهار و قيل معناه كانوا قل ليلة تمر بهم إلا صلوا فيها عن سعيد بن جبير عن ابن عباس و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) و المعنى كان الذي ينامون فيه كله قليلا و يكون الليل اسما للجنس و قال مجاهد لا ينامون كل الليل و قيل إن الوقف على قوله « قليلا » على معنى كانوا من الناس قليلا ثم ابتدأ فقال « من الليل ما يهجعون » فيكون ما بمعنى النفي عن الضحاك و مقاتل و هذا على نفي النوم عنهم البتة أي كانوا يحيون الليل بالقيام في الصلاة و قراءة القرآن و أقول إن ما إذا كان نفيا لا يتقدم عليه ما كان في حيزه إلا أن يتعلق قوله « من الليل » بفعل محذوف يدل عليه قوله يهجعون كما تقوله في قوله « إني لكما لمن الناصحين » و كانوا فيه من الزاهدين « و بالأسحار هم يستغفرون » قال الحسن مدوا الصلاة إلى الأسحار ثم أخذوا بالأسحار في الاستغفار و قال أبو عبد الله (عليه السلام) كانوا يستغفرون الله في الوتر سبعين مرة في السحر و قيل إن معناه و بالأسحار هم يصلون و ذلك أن صلاتهم بالأسحار طلب منهم للمغفرة عن مجاهد و مقاتل و الكلبي ثم ذكر سبحانه صدقاتهم فقال « و في أموالهم حق للسائل و المحروم » و السائل هو الذي يسأل الناس و المحروم هو المحارف عن ابن عباس و مجاهد و قيل المحروم المتعفف الذي لا يسأل عن قتادة و الزهري و قيل هو الذي لا سهم له في الغنيمة عن إبراهيم النخعي و الأصل أن المحروم هو الممنوع الرزق بترك السؤال أو
مجمع البيان ج : 9 ص : 235
ذهاب المال أو خراب الضيعة أو سقوط السهم من الغنيمة لأن الإنسان يصير فقيرا بهذه الوجوه و يريد سبحانه بقوله « حق » ما يلزمهم لزوم الديون من الزكوات و غير ذلك أو ما ألزموه أنفسهم من مكارم الأخلاق قال الشعبي أعياني أن أعلم ما المحروم و فرق قوم بين الفقير و المحروم بأنه قد يحرمه الناس بترك الإعطاء و قد يحرم نفسه بترك السؤال فإذا سأل لا يكون ممن حرم نفسه بترك السؤال و إنما حرمه الغير و إذا لم يسأل فقد حرم نفسه و لم يحرمه الناس « و في الأرض آيات » أي دلالات بينات و حجج نيرات « للموقنين » الذين يتحققون توحيد الله و إنما خص الموقنين لأنهم ينظرون فيها فيحصل لهم العلم بموجبها و آيات الأرض ما فيها من أنواع المخلوقات من الجبال و البحار و النبات و الأشجار كل ذلك دال على كمال قدرته و حكمته :
و في كل شيء له آية
تدل على أنه واحد « و في أنفسكم » أي و في أنفسكم أيضا آيات دالات على وحدانيته « أ فلا تبصرون » أي أ فلا ترون أنها مصرفة من حال إلى حال و منتقلة من صفة إلى أخرى إذ كنتم نطفا فصرتم أحياء ثم كنتم أطفالا فصرتم شبابا ثم كهولا فهلا دلكم ذلك على أن لها صانعا صنعها و مدبرا دبرها و مصرفا فأصرفها على مقتضى الحكمة و قيل إن المراد بذلك اختلاف الألسنة و الصور و الألوان و الطبائع عن ابن عباس في رواية عطاء و قيل يريد سبيل الخلاء و البول و الأكل و الشرب من مدخل واحد و المخرج من سبيلين و تم الكلام عند قوله « و في أنفسكم » ثم عنفهم فقال « أ فلا تبصرون » و قيل يعني أنه خلقك سميعا بصيرا تغضب و ترضى و تجوع و تشبع و ذلك كله من آيات الله تعالى عن الصادق (عليه السلام) و قيل إن المعنى أ فلا تبصرون بقلوبكم نظر من كأنه يرى الحق بعينه « و في السماء رزقكم » ينزله الله إليكم بأن يرسل الغيث و المطر عليكم فيخرج به من الأرض أنواع ما تقتاتونه و تلبسونه و تنتفعون به « و ما توعدون » من الثواب و العقاب عن عطاء و قيل من الجنة و النار عن مجاهد و الضحاك و قيل معناه و في السماء تقدير رزقكم أي ما قسمه لكم مكتوب في أم الكتاب و جميع ما توعدون في السماء أيضا لأن الملائكة تنزل من السماء لقبض الأرواح و لاستنساخ الأعمال و لإنزال العذاب و يوم القيامة للجزاء و الحساب كما قال و يوم تشقق السماء بالغمام و نزل الملائكة تنزيلا ثم قال سبحانه « فو رب السماء و الأرض إنه لحق » أقسم سبحانه بنفسه أن ما ذكر من أمر الرزق و الآيات حق لا شك فيه عن الزجاج و قيل يعني أن ما قضي في الكتاب كائن عن الكلبي « مثل ما أنكم تنطقون » أي مثل نطقكم الذي تنطقون به فكما لا تشكون فيما تنطقون فكذلك لا
مجمع البيان ج : 9 ص : 236
تشكوا في حصول ما وعدتم به شبه الله تعالى تحقق ما أخبر عنه بتحقق نطق الآدمي و وجوده فأراد أنه لحق كما أن الآدمي ناطق و هذا كما تقول إنه لحق كما أنك هاهنا و إنه لحق كما أنك تتكلم و المعنى أنه في صدقه و تحقق وجوده كالذي تعرفه ضرورة .
هَلْ أَتَاك حَدِيث ضيْفِ إِبْرَهِيمَ الْمُكْرَمِينَ(24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سلَماً قَالَ سلَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ(25) فَرَاغَ إِلى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْل سمِين(26) فَقَرَّبَهُ إِلَيهِمْ قَالَ أَ لا تَأْكلُونَ(27) فَأَوْجَس مِنهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تخَف وَ بَشرُوهُ بِغُلَم عَلِيم(28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فى صرَّة فَصكَّت وَجْهَهَا وَ قَالَت عجُوزٌ عَقِيمٌ(29) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ(30)


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page