• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء التاسع سورة الأنفال17 الی 25


فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَ مَا رَمَيْت إِذْ رَمَيْت وَ لَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَ لِيُبْلىَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسناً إِنَّ اللَّهَ سمِيعٌ عَلِيمٌ(17)
اللغة
اللقاء الاجتماع على وجه المقاربة لأن الاجتماع قد يكون على غير وجه المقاربة فلا يكون لقاء كاجتماع الأعراض في المحل الواحد و الزحف الدنو قليلا قليلا و التزاحف التداني يقال زحف يزحف زحفا و أزحفت للقوم إذا دنوت لقتالهم و ثبت لهم قال الليث الزحف جماعة يزحفون إلى عدو لهم بمرة و جمعه زحوف و التولية جعل الشيء يلي غيره يقال ولاه دبره إذا جعله يليه فهو يتعدى إلى مفعولين و منه ولاه البلد من ولاية الإمارة و تولى هو إذا قبل الولاية و أولاه نعمة لأنه جعلها تليه و التحرف الزوال عن جهة الاستواء إلى جهة الحرف و منه الاحتراف و هو أن يقصد جهة الحرف لطلب الرزق و المحارف المحدود عن جهة الرزق إلى جهة الحرف و منه حروف الهجاء لأنها أطراف الكلمة كحرف الجبل و نحوه و التحيز طلب حيز يتمكن فيه و الحيز المكان الذي فيه الجوهر و الفئة القطعة من الناس و هي جماعة منقطعة عن غيرها و ذكر الفئة في هذا الموضع حسن جدا و هو من فأوت رأسه بالسيف إذا قطعته .

الإعراب
زحفا نصب على المصدر و هو في موضع الحال لأن معناه متزاحفين مجتمعين و متحرفا متحيزا منصوبان على الحال أيضا و يجوز أن يكون النصب فيهما على الاستثناء أي إلا أن يكون رجلا متحيزا أو أن يكون منفردا فينحاز ليكون مع المقاتلة و يومئذ يجوز إعرابه و بناؤه فالأعراب لأنه متمكن أضيف على تقدير الإضافة الحقيقية كقولك هذا يوم ذاك و أما البناء فلأنه أضيف إلى مبني إضافة غير حقيقية فأشبه الأسماء المركبة .

المعنى
لما أمد الله سبحانه المسلمين بالملائكة و وعدهم النصر و الظفر بالكفار نهاهم عقبيه عن الفرار فقال سبحانه « يا أيها الذين آمنوا » قيل أنه خطاب لأهل بدر و قيل هو عام « إذا لقيتم الذين كفروا زحفا » أي متدانين لقتالكم قال الزجاج معناه إذا واقفتموهم للقتال « فلا تولوهم الأدبار » يعني فلا تجعلوا ظهوركم مما يليهم أي فلا تنهزموا « و من يولهم يومئذ دبره » أي و من يجعل ظهره إليهم يوم القتال و وجهه إلى جهة الانهزام و أراد بقوله « يومئذ » ذلك الوقت و لم يرد به بياض النهار خاصة دون الليل « إلا متحرفا لقتال » أي إلا تاركا موقفا إلى موقف آخر أصلح للقتال من الأول عن الحسن و قيل معناه إلا منعطفا مستطردا كأنه
مجمع البيان ج : 4 ص : 814
يطلب عورة يمكنه أصابتها فيتحرف عن وجهه و يرى أنه يفر ثم يكر و الحرب كر و فر المسلمين يريدون العود إلى القتال ليستعين بهم « فقد باء بغضب من الله » أي احتمل غضب الله و استحقه و قيل رجع بغضب من الله « و مأواه جهنم » أي مرجعه إلى جهنم « و بئس المصير » و أكثر المفسرين على أن هذا الوعيد خاص بيوم بدر خاصة و لم يكن لهم يومئذ أن ينحازوا لأنه لم يكن يومئذ في الأرض فئة للمسلمين فأما بعد ذلك فإن المسلمين بعضهم فئة لبعض و هو قول أبي سعيد الخدري و ابن عباس في رواية الكلبي و الحسن و قتادة و الضحاك و وردت الرواية عن ابن عمر قال بعثنا رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في سرية فلقوا العدو فجاض الناس جيضة و أتينا المدينة فتخبانا بها و قلنا يا رسول الله نحن الفرارون فقال بل أنتم العكارون و أنا فئتكم و قيل إنه عام في جميع الأوقات و إن من فر من الزحف إذا لم يزيدوا على ضعفي المسلمين لحقه الوعيد عن ابن عباس في رواية أخرى و هو قول الجبائي و أبي مسلم ثم نفى سبحانه أن يكون المسلمون قتلوا المشركين يوم بدر فقال « فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم » و إنما نفى الفعل عمن هو فعله على الحقيقة و نسبه إلى نفسه و ليس بفعل له من حيث كانت أفعاله تعالى كالسبب لهذا الفعل و المؤدي إليه من إقداره إياهم و معونته لهم و تشجيع قلوبهم و إلقاء الرعب في قلوب أعدائهم و المشركين حتى قتلوا « و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى » خطاب للنبي ذكر جماعة من المفسرين كابن عباس و غيره أن جبرائيل (عليه السلام) قال للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يوم بدر خذ قبضة من تراب فارمهم بها فقال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لما التقى الجمعان لعلي أعطني قبضة من حصا الوادي فناوله كفا من حصا عليه تراب فرمى به في وجوه القوم و قال شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا دخل في عينه و فمه و منخريه منها شيء ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم و يأسرونهم و كانت تلك الرمية سبب هزيمة القوم و قال قتادة و أنس ذكر لنا أن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى بحصاة في ميمنة القوم و حصاة في ميسرة القوم و حصاة بين أظهرهم و قال شاهت الوجوه فانهزموا فعلى هذا إنما أضاف الرمي إلى نفسه لأنه لا يقدر أحد غيره على مثله فإنه من عجائب المعجزات « و ليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا » أي و لينعم عليهم به نعمة حسنة أي فعل ذلك إنعاما على المؤمنين و الضمير في منه راجع إلى النصر أي من ذلك النصر و يجوز أن يكون راجعا إلى الله تعالى « إن الله سميع » لدعائكم « عليم » بأفعالكم و ضمائركم و إنما
مجمع البيان ج : 4 ص : 815
يقال للنعمة بلاء كما يقال للمضرة بلاء لأن أصل البلاء ما يظهر به الأمر من الشكر و الصبر فيبتلي سبحانه عباده أي يختبرهم بالنعم ليظهر شكرهم عليها و بالمحن و الشدائد ليظهر عندها الصبر الموجب للأجر و البلاء الحسن هاهنا هو النصر و الغنيمة و الأجر و المثوبة .

النظم
و قيل في وجه اتصال هذه الآية بما قبلها وجهان ( أحدهما ) أنه سبحانه لما أمرهم بالقتال في الآية المتقدمة ذكر عقبيها أن ما كان من الفتح يوم بدر و قهر المشركين إنما كان بنصرته و معونته تذكير للنعمة عن أبي مسلم ( و الآخر ) أنهم لما أمروا بالقتال ثم كان بعضهم يقول أنا قتلت فلانا و أنا فعلت كذا نزلت الآية على وجه التنبيه لهم لئلا يعجبوا بأعمالهم .
ذَلِكُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَفِرِينَ(18) إِن تَستَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكمُ الْفَتْحُ وَ إِن تَنتهُوا فَهُوَ خَيرٌ لَّكُمْ وَ إِن تَعُودُوا نَعُدْ وَ لَن تُغْنىَ عَنكمْ فِئَتُكُمْ شيْئاً وَ لَوْ كَثرَت وَ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ(19) يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسولَهُ وَ لا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ أَنتُمْ تَسمَعُونَ(20) وَ لا تَكُونُوا كالَّذِينَ قَالُوا سمِعْنَا وَ هُمْ لا يَسمَعُونَ(21)
القراءة
قرأ أهل الحجاز و أبو عمرو و يعقوب برواية روح موهن بالتشديد غير منون ، « كيد » بالجر على الإضافة و قرأ الباقون موهن بالتنوين و التخفيف ، كيد بالنصب و قرأ حفص عن عاصم « موهن » بالتخفيف ، كيد بالنصب و قرأ أهل المدينة و ابن عامر و حفص « و أن الله مع المؤمنين » بفتح الألف و الباقون بكسر الألف .

الحجة
من قرأ « موهن » فإنه من أوهنته أي جعلته واهنا و من شدد فإنه من وهنته كما يقال فرح و فرحته و كلاهما حسن و من قرأ و إن الله بكسر الهمزة فإنه قطعه مما قبله و يقويه
مجمع البيان ج : 4 ص : 816
أنهم زعموا أن في حرف عبد الله و الله مع المؤمنين و من فتح الهمزة فوجهه أن يكون على تقدير و لأن الله مع المؤمنين أي لذلك لن تغني عنكم فئتكم .

اللغة
الاستفتاح طلب الفتح و هو النصر الذي تفتح به بلاد العدو و الفتح أيضا الحكم و يقال للقاضي الفتاح و أصل الباب من الفتح الذي هو ضد الأغلاق و الانتهاء ترك الفعل لأجل النهي عنه يقال نهيته فانتهى و أمرته فائتمر .

الإعراب
ذلكم موضعه رفع و كذلك أن الله في موضع رفع و التقدير الأمر ذلكم و الأمر أن الله موهن و كذلك الوجه فيما تقدم من قوله « ذلكم فذوقوه و أن للكافرين عذاب النار » و من قال أن ذلكم مبتدأ و فذوقوه خبره فقد أخطأ لأن ما بعد الفاء لا يكون خبر المبتدأ و لا يجوز زيد فمنطلق و لا زيد فاضربه إلا أن تضمر هذا ، تريد هذا زيد فاضربه .

المعنى
« ذلكم » إشارة إلى بلاء المؤمنين خاطبهم سبحانه بعد أن أخبر عنهم و معناه الأمر ذلكم الإنعام أو ذلكم الذي ذكرت « و أن الله موهن كيد الكافرين » بإلقاء الرعب في قلوبهم و تفريق كلمتهم قال ابن عباس يقول إني قد أوهنت كيد عدوكم حتى قتلت جبابرتهم و أسرت أشرافهم « إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح » قيل أنه خطاب للمشركين فإن أبا جهل قال يوم بدر حين التقى الفئتان اللهم أقطعنا للرحم و أتانا بما لا نعرف فانصر عليه عن الحسن و مجاهد و الزهري و الضحاك و السدي و في حديث أبي حمزة قال أبو جهل اللهم ربنا ديننا القديم و دين محمد الحديث فأي الدينين كان أحب إليك و أرضى عندك فانصر أهله اليوم و على هذا فيكون معناه إن تستنصروا لأهدى الفئتين فقد جاءكم النصر أي نصر محمد و أصحابه و قيل أنه خطاب للمؤمنين عن عطا و أبي علي الجبائي و معناه أن تستنصروا على أعدائكم فقد جاءكم النصر بالنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال الزجاج و يجوز أن يكون معناه أن تستحكموا و تستقضوا فقد جاءكم القضاء و الحكم من الله « و إن تنتهوا » أي تمتنعوا من الكفر و قتال الرسول و المؤمنين « فهو خير لكم و إن تعودوا نعد » معناه و أن تعودوا أيها المشركون إلى قتال المسلمين نعد بأن ننصرهم عليكم و نأمرهم بقتالكم « و لن تغني عنكم فئتكم شيئا » أي و لن تدفع عنكم جماعتكم شيئا « و لو كثرت و أن الله مع المؤمنين » بالنصر و الحفظ يمكنهم منكم و ينصرهم عليكم عن جماعة من المفسرين
مجمع البيان ج : 4 ص : 817
و قيل معناه و إن تنتهوا أيها المسلمون عما كان منكم في الغنائم و في الأسارى من مخالفة الرسول فهو خير لكم و إن تعودوا إلى ذلك الصنيع نعد إلى الإنكار عليكم و ترك نصرتكم و لن يغني عنكم حينئذ جمعكم شيئا إذ منعناكم النصر عن عطا و الجبائي ثم أمر سبحانه بالطاعة التي هي سبب النصرة فقال « يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و رسوله » خص المؤمنين بطاعة الله و رسوله و إن كانت واجبة على غيرهم أيضا لأنه لم يعتد بغيرهم لإعراضهم عما وجب عليهم و يجوز أن يكون إنما خصهم إجلالا لقدرهم و يدخل غيرهم فيه على طريق التبع « و لا تولوا عنه » أي و لا تعرضوا عن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « و أنتم تسمعون » دعاءه لكم و أمره و نهيه إياكم عن ابن عباس و قيل معناه و أنتم تسمعون الحجة الموجبة لطاعة الله و طاعة الرسول عن الحسن « و لا تكونوا كالذين قالوا سمعنا و هم لا يسمعون » في الكلام حذف و معناه و لا تكونوا كهم في قولهم هذا المنكر فحذف المنهي عنه لدلالة الحال عليه و في ذلك غاية البلاغة و معنى قولهم سمعنا و هم لا يسمعون أنهم سمعوه سماع عالم قابل له و ليسوا كذلك و السماع بمعنى القبول كما في قوله سمع الله لمن حمده و هؤلاء الكفار هم المنافقون عن ابن إسحاق و مقاتل و ابن جريج و الجبائي و قيل هم أهل الكتاب من اليهود و قريظة و النظير عن ابن عباس و الحسن و قيل أنهم مشركو العرب لأنهم قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا عن ابن زيد .
* إِنَّ شرَّ الدَّوَاب عِندَ اللَّهِ الصمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ(22) وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيراً لأَسمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّ هُم مُّعْرِضونَ(23)
اللغة
الشر إظهار السوء الذي يبلغ من صاحبه و هو نقيض الخير و قيل الشر الضرر القبيح و الخير النفع الحسن و قيل الشر الضرر الشديد و الخير النفع الكثير و هذا ليس بالوجه لأنه قد يكون ضررا ما لا يكون شرا بأن يعقب خيرا و أصل الشر الإظهار من قوله :
إذا قيل أي الناس شر قبيلة
أشارت كليب بالأكف الأصابع
مجمع البيان ج : 4 ص : 818
و الدواب جمع دابة و هي ما دب على وجه الأرض إلا أنه تختص في العرف بالخيل .

المعنى
ثم ذم سبحانه الكفار فقال « إن شر الدواب » أي شر من دب على وجه الأرض من الحيوان « عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون » يعني هؤلاء المشركين الذين لم ينتفعوا بما يسمعون من الحق و لا يتكلمون به و لا يعتقدونه و لا يقرون به فكأنهم صم بكم لا يتفكرون أيضا فيما يسمعون فكأنهم لم ينتفعوا بعقولهم أيضا و صاروا كالدواب و قال الباقر (عليه السلام) نزلت الآية في بني عبد الدار لم يكن أسلم منهم غير مصعب بن عمير و حليف لهم يقال له سويبط و قيل نزلت الآية في النضر بن الحارث بن كلدة من بني عبد الدار بن قصي « و لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم » معناه و لو علم الله فيهم قبولا للهدى و إقبالا على طلب الحق لأسمعهم ما يذهبون عن استماعه عن الحسن و قيل معناه لأسمعهم الجواب عن كل ما سألوا عنه عن الزجاج و قيل معناه لأسمعهم قول قصي بن كلاب فإنهم قالوا أحي لنا قصي إن كلاب ليشهد بنبوتك عن الجبائي « و لو أسمعهم لتولوا و هم معرضون » أي لأعرضوا و في هذا دلالة على أن الله تعالى لا يمنع أحدا من المكلفين اللطف و إنما لا يلطف لمن يعلم أنه لا ينتفع به .
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا استَجِيبُوا للَّهِ وَ لِلرَّسولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يحْيِيكمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يحُولُ بَينَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تحْشرُونَ(24) وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبنَّ الَّذِينَ ظلَمُوا مِنكُمْ خَاصةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شدِيدُ الْعِقَابِ(25)
القراءة
قرأ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و زيد بن ثابت و أبو جعفر الباقر (عليه السلام) و الربيع بن أنس و أبو العالية لتصبن و القراءة المشهورة « لا تصيبن » .

الحجة
قال ابن جني معنى هاتين القراءتين ضدان كما ترى لأن إحداهما لتصيبن الذين ظلموا خاصة و الأخرى لا تصيبنهم و يمكن أن يكون حذفت الألف من لا تصيبن تخفيفا و اكتفي بالفتحة منها كما قالوا أم و الله ليكونن كذا فحذفوا ألف أما و ذهب أبو عثمان في قوله
مجمع البيان ج : 4 ص : 819
يا أبت بفتح التاء أنه أراد يا أبتا فحذف الألف تخفيفا فإن قلت فهل يجوز أن نحمله على أنه أراد لتصيبن ثم أشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفا كقول عنترة :
ينباع من ذفري غضوب جسرة أراد ينبع و مثله قول ابن هرمة :
فأنت من الغوائل حين ترمي
و من ذم الرجال بمنتزاح أي بمنتزح قيل قوله تعالى فيما يليه « و اعلموا أن الله شديد العقاب » أشبه بما ذكرناه و أما الوجه في قوله « لا تصيبن » فقد قال الزجاج زعم بعض النحويين إن هذا الكلام جزاء خبر و فيه طرف من النهي فإذا قلت أنزل عن الدابة لا تطرحك أو لا تطرحنك فهذا جواب الأمر بلفظ النهي و المعنى أنزل أن تنزل عنه لا تطرحك فإذا أتيت بالنون الخفيفة أو الثقيلة كان أوكد للكلام و مثله قوله تعالى « يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان » و المعنى إن تدخلوا لا يحطمنكم و يجوز أن يكون نهيا بعد أمر فيكون المعنى اتقوا فتنة ثم نهى بعده فقال « لا تصيبن » الفتنة « الذين ظلموا » أي لا تتعرضن الذين ظلموا لما ينزل بهم معه العذاب و يكون بمعنى يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم أنها أمرت بالدخول ثم نهتهم أن يحطمنهم سليمان فقالت لا يحطمنكم سليمان و جنوده فلفظ النهي لسليمان و معناه للنمل كما تقول لا أرينك هاهنا قال أبو علي أنه حكى القول الأول على جهة احتمال الآية كاحتمالها للقول الثاني فأما القول الثاني فقول أبي الحسن و لا يصح عندنا إلا قول أبي الحسن لأن قوله « لا تصيبن » لا يخلو إما أن يكون جواب شرط و لا يجوز ذلك لأن دخول النون فيه يكون لضرورة الشعر كما أنشده سيبويه :
و مهما تشأ منه فزارة تمنعن و أما أن يكون نهيا بعد أمر فاستغنى عن استعمال حرف العطف معه لاتصال الجملة الثانية بالأولى كما مضى ذكر أمثاله من قوله « ثلاثة رابعهم كلبهم و أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون » و هذا هو الصحيح دون الأول قال و محال أن يكون جواب الأمر بلفظ النهي كما يستحيل أن يكون جواب الشرط بلفظ النهي لأن جواب الأمر في الحقيقة جواب الشرط و لا يجوز أيضا أن يكون اللفظ لفظ النهي و المعنى معنى الجزاء لأن الجزاء خبر فحكمه أن يكون على ألفاظ الأخبار و ألفاظ الأخبار لا تجيء على لفظ الأمر إلا فيما علمته من قولهم أكرم به و مما يدل على أنه ليس
مجمع البيان ج : 4 ص : 820
بجزاء دخول النون فيه و النون لا تدخل في الجزاء لما ذكرنا أنه خبر و لا يجوز دخول النون في الخبر إلا في ضرورة الشعر نحو :
ربما أوفيت في علم
ترفعن ثوبي شمالات .

المعنى
ثم أمر سبحانه بطاعة الرسول (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقال « يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول » أي أجيبوا الله و الرسول فيما يأمرانكم به فإجابة الله و الرسول طاعتهما فيما يدعوان إليه « إذا دعاكم لما يحييكم » قيل فيه أقوال ( أحدها ) إن معناه إذا دعاكم إلى الجهاد و اللام في معنى إلى قال القتيبي هو الشهادة فإن الشهداء أحياء عند الله تعالى و قال الجبائي أي دعاكم إلى إحياء أمركم و إعزاز دينكم بجهاد عدوكم مع نصر الله إياكم و هو معنى قول الفراء ( و ثانيها ) إن معناه إذا دعاكم إلى الإيمان فإنه حياة القلب و الكفر موته عن السدي و قيل إلى الحق عن مجاهد ( و ثالثها ) إن معناه إذا دعاكم إلى القرآن و العلم في الدين لأن الجهل موت و العلم حياة و القرآن سبب الحياة بالعلم و فيه النجاة و العصمة عن قتادة ( و رابعها ) إن معناه إذا دعاكم إلى الجنة لما فيها من الحياة الدائمة و نعيم الأبد عن أبي مسلم « و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه » أي يحول بين المرء و بين الانتفاع بقلبه بالموت فلا يمكنه استدراك ما فأت فبادروا إلى الطاعات قبل الحيلولة و دعوا التسويف عن الجبائي قال و فيه حث على الطاعة قبل حلول المانع و قيل معناه أنه سبحانه أقرب إليه من قلبه و هو نظير قوله و نحن أقرب إليه من حبل الوريد فإن الحائل بين الشيء و غيره أقرب إلى ذلك الشيء من ذلك الغير عن الحسن و قتادة قالا و فيه تحذير شديد و قيل معناه أنه سبحانه يملك تقليب القلوب من حال إلى حال كما جاء في الدعاء يا مقلب القلوب و الأبصار فكأنهم خافوا من القتال فأعلمهم سبحانه أنه يبدل خوفهم أمنا بأن يحول بينهم و بين ما يتفكرون فيه من أسباب الخوف و روى يونس بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أنه يحول بين المرء و قلبه معناه لا يستيقن القلب أن الحق باطل أبدا و لا يستيقن القلب أن الباطل حق أبدا و روى هشام بن سالم عنه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال معناه يحول بينه و بين أن يعلم أن الباطل حق أوردهما العياشي في تفسيره و قال محمد بن إسحاق معناه لا يستطيع القلب أن يكتم الله شيئا و هذا في معنى قول الحسن « و أنه إليه تحشرون » معناه و اعلموا

بعدی

مجمع البيان ج : 4 ص : 821
أنكم تحشرون أي تجمعون للجزاء على أعمالكم يوم القيامة إن خيرا فخير و إن شرا فشر « و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة » حذرهم الله تعالى من هذه الفتنة و أمرهم أن يتقوها فكأنه قال اتقوا فتنة لا تقربوها فتصيبنكم لأن قوله « لا تصيبن » نهي مسوق على الأمر و لفظ النهي واقع على الفتنة و هو في المعنى للمأمورين بالاتقاء كقوله « و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون » أي احذروا أن يدرككم الموت قبل أن تسلموا و اختلف في معنى الفتنة هاهنا فقيل هي العذاب أمر الله المؤمنين أن لا يقربوا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب و الخطاب لأصحاب النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) خاصة عن ابن عباس و الجبائي و قيل هي البلية التي يظهر باطن أمر الإنسان فيها عن الحسن قال و نزلت في علي و عمار و طلحة و الزبير و قد قال الزبير لقد قرأنا هذه الآية زمانا و ما أرانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها فخالفنا حتى أصابتنا خاصة و قيل نزلت في أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا عن السدي و قيل هي الضلالة و افتراق الكلمة و مخالفة بعضهم بعضا عن ابن زيد و قيل هي الهرج الذي يركب الناس فيه بالظلم و يدخل ضرره على كل أحد ثم اختلف في إصابة هذه الفتنة على قولين ( أحدهما ) أنها جارية على العموم فتصيب الظالم و غير الظالم أما الظالمون فمعذبون و أما المؤمنون فممتحنون ممحصون عن ابن عباس و روي أنه سئل عنها فقال أبهموا ما أبهم الله ( و الثاني ) أنها تخص الظالم لأن الغرض منع الناس عن الظلم و تقديره و اتقوا عذابا يصيب الظلمة خاصة .
و يقويه قراءة من قرأ لتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة باللام فإنه تفسيره على هذا المعنى و قيل إن لا في قوله « لا تصيبن » زائدة و يجوز أن يقال إن الألف في لا لإشباع الفتحة على ما تقدم ذكره قال أبو مسلم تقديره احذروا أن يخص الظالم منكم بعذاب أي لا تظلموا فيأتيكم عذاب لا ينجو منه إلا من زال عنه اسم الظلم « و اعلموا أن الله شديد العقاب » لمن لم يتق المعاصي و روى الثعلبي بإسناده عن حذيفة أنه قال أتتكم فتن كقطع الليل المظلم يهلك فيها كل شجاع بطل و كل راكب موضع و كل خطيب مصقع و في حديث أبي أيوب الأنصاري أن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال لعمار يا عمار أنه سيكون بعدي هنأت حتى يختلف السيف فيما بينهم و حتى يقتل بعضهم بعضا و حتى يبرأ بعضهم من بعض فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإن سلك
مجمع البيان ج : 4 ص : 822
الناس كلهم واديا و سلك علي واديا فاسلك وادي علي و خل عن الناس يا عمار أن عليا لا يردك عن هدى و لا يدلك على ردى يا عمار طاعة علي طاعتي و طاعتي طاعة الله رواه السيد أبو طالب الهروي بإسناده عن علقمة و الأسود قالا أتينا أبا أيوب الأنصاري الخبر بطوله و في كتاب شواهد التنزيل للحاكم أبي القاسم الحسكاني و حدثنا عنه أبو الحمد مهدي بن نزار الحسني حدثني محمد بن القاسم بن أحمد قال حدثنا أبو سعيد محمد بن الفضيل بن محمد قال حدثنا محمد بن صالح العرزمي قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال حدثنا أبو سعيد الأشج عن أبي خلف الأحمر عن إبراهيم بن طهمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية « و اتقوا فتنة » قال قال النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنما جحد بنبوتي و نبوة الأنبياء قبلي .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page