• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء التاسع سورة الأنفال 1 الی 8


مجمع البيان ج : 4 ص : 794
( 8 ) سورة الأنفال مدنية و آياتها خمس و سبعون ( 75 )
هي مدنية عن ابن عباس و قتادة غير سبع آيات نزلت بمكة « و إذ يمكر بك الذين كفروا » إلى آخرهن و قيل نزلت بأسرها في غزاة بدر عن الحسن و عكرمة .

عدد آيها
هي سبعون و سبع آيات شامي و ست حجازي بصري و خمس كوفي
اختلافها
ثلاث آيات « ثم يغلبون » بصري شامي « مفعولا » الأول غير الكوفي « بنصره و بالمؤمنين » غير البصري .

فضلها
أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال من قرأ سورة الأنفال و براءة فأنا شفيع له و شاهد يوم القيامة أنه بريء من النفاق و أعطي من الأجر بعدد كل منافق و منافقة في دار الدنيا عشر حسنات و محي عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات و كان العرش و حملته يصلون عليه أيام حياته في الدنيا و روى العياشي بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ الأنفال و براءة في كل شهر لم يدخله نفاق أبدا و كان من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) حقا و يأكل يوم القيامة من موائد الجنة معهم حتى يفرغ الناس من الحساب و عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في سورة الأنفال جدع الأنوف
تفسيرها
لما قص الله سبحانه في سورة الأعراف قصص الأنبياء و ختمها بذكر نبينا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) افتتح سورة الأنفال بذكره ثم ذكر ما جرى بينه و بين قومه فقال :
مجمع البيان ج : 4 ص : 795
سورة الأنفال
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَسئَلُونَك عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للَّهِ وَ الرَّسولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصلِحُوا ذَات بَيْنِكمْ وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(1)
القراءة
قرأ ابن مسعود و سعد بن أبي وقاص و علي بن الحسين و أبو جعفر بن محمد بن علي الباقر و زيد بن علي و جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) و طلحة بن مصرف يسألونك الأنفال .
الحجة
قال ابن جني هذه القراءة بالنصب مؤدية عن السبب للقراءة الأخرى التي هي « عن الأنفال » و ذلك أنهم إنما سألوه عنها تعرضا لطلبها و استعلاما لحالها هل يسوغ طلبها و هذه القراءة بالنصب أصرح بالتماس الأنفال و بيان عن الغرض في السؤال عنها فإن قلت هل يحسن حملها على حذف حرف الجر كأنه قال يسألونك عن الأنفال فلما حذف عن نصب المفعول كقوله :
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به قيل هذا شاذ إنما يحمله الشعر فأما القرآن فيختار له أفصح اللغات و إن كان قد جاء و اختار موسى قومه و اقعدوا لهم كل مرصد فإن الأظهر ما قدمناه .

اللغة
الأنفال جمع نفل و النفل الزيادة على الشيء يقال نفلتك كذا إذا زدته قال لبيد :
إن تقوى ربنا خير نفل
و بإذن الله ريثي و عجل و قيل النفل العطية و نفلتك أعطيتك و النافلة عطية التطوع من حيث لا يجب و منه نوافل الصلاة و النوفل الرجل الكثير العطية .

المعنى
« يسألونك » أي يسألك يا محمد جماعة من أصحابك « عن الأنفال » اختلف المفسرون في الأنفال هاهنا فقيل هي الغنائم التي غنمها النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يوم بدر و هو المروي عن عكرمة عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و الضحاك و ابن زيد
مجمع البيان ج : 4 ص : 796
و قيل هي أنفال السرايا عن الحسن بن صالح بن حي و قيل هي ما شذ عن المشركين إلى المسلمين من عبد أو جارية من غير قتال أو ما أشبه ذلك عن عطا و قيل هو للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) خاصة يعمل به ما شاء و قيل هو ما سقط من المتاع بعد قسمته الغنائم من الغرس و الزرع و الرمح عن ابن عباس في رواية أخرى و روي عنه أيضا أنه سلب الرجل و فرسه ينفل النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) من شاء و قيل هي الخمس الذي جعله الله لأهل الخمس عن مجاهد في رواية أخرى و صحت الرواية عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) أنهما قالا إن الأنفال كل ما أخذ من دار الحرب بغير قتال و كل أرض انجلى أهلها عنها بغير قتال و يسميها الفقهاء فيئا و ميراث من لا وارث له و قطائع الملوك إذا كانت في أيديهم من غير غصب و الآجام و بطون الأودية و الأرضون الموات و غير ذلك مما هو مذكور في مواضعه و قالا هي لله و للرسول و بعده لمن قام مقامه فيصرفه حيث شاء من مصالح نفسه ليس لأحد فيه شيء و قالا أن غنائم بدر كانت للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) خاصة فسألوه أن يعطيهم و قد صح أن قراءة أهل البيت (عليهم السلام) يسألونك الأنفال فقال الله تعالى « قل » يا محمد « الأنفال لله و الرسول » و كذلك ابن مسعود و غيره إنما قرءوا كذلك على هذا التأويل فعلى هذا فقد اختلفوا في كيفية سؤالهم النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقال هؤلاء إن أصحابه سألوه أن يقسم غنيمة بدر بينهم فأعلمهم الله سبحانه أن ذلك لله و لرسوله دونهم و ليس لهم في ذلك شيء و روي ذلك أيضا عن ابن عباس و ابن جريج و الضحاك و عكرمة و الحسن و اختاره الطبري و قالوا أن عن صلة و معناه يسألونك الأنفال أن تعطيهم و يؤيد هذا القول قوله « فاتقوا الله » إلى آخر الآية ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم هي منسوخة ب آية الغنيمة و هي قوله « و اعلموا أنما غنمتم من شيء » و قال بعضهم ليست بمنسوخة و هو الصحيح لأن النسخ يحتاج إلى دليل و لا تنافي بين هذه الآية و آية الخمس و قال آخرون أنهم سألوا النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن حكم الأنفال و علمها فقالوا لمن الأنفال و تقديره يسألونك عن الأنفال لمن هي و لهذا جاء الجواب بقوله « قل الأنفال لله و الرسول » و قال آخرون أنهم سألوه عن حال الغنائم و قسمتها و أنها حلال أم حرام كما كانت حراما على من قبلهم فبين لهم أنها حلال و اختلفوا أيضا في سبب سؤالهم فقال ابن عباس أن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال يوم بدر من جاء بكذا فله كذا و من جاء بأسير فله كذا فتسارع الشبان و بقي الشيوخ

بعدی
مجمع البيان ج : 4 ص : 797
تحت الرايات فلما انقضى الحرب طلب الشبان ما كان قد نفلهم النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) به فقال الشيوخ كنا ردءا لكم و لو وقعت عليكم الهزيمة لرجعتم إلينا و جرى بين أبي اليسر بن عمرو الأنصاري أخي بني سلمة و بين سعد بن معاذ كلام فنزع الله تعالى الغنائم منهم و جعلها لرسوله يفعل بها ما يشاء فقسمها بينهم بالسوية و قال عبادة بن الصامت اختلفنا في النفل و ساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسوله فقسمه بيننا على السواء و كان ذلك في تقوى الله و طاعته و صلاح ذات البين و قال سعد بن أبي وقاص قتل أخي عمير يوم بدر فقتلت سعيد بن العاص بن أمية و أخذت سيفه و كان يسمى ذا الكتيفة فجئت به إلى النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و استوهبته منه فقال ليس هذا لي و لا لك اذهب فاطرحه في القبض فطرحت و رجعت و بي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي و أخذ سلبي و قلت عسى أن يعطي هذا لمن لم يبل بلائي فما جاوزت إلا قليلا حتى جاءني الرسول و قد أنزل الله « يسألونك » الآية فخفت أن يكون قد نزل في شيء فلما انتهيت إلى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال يا سعد إنك سألتني السيف و ليس لي و أنه قد صار لي فاذهب فخذه فهو لك و قال علي بن طلحة عن ابن عباس كانت الغنائم لرسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) خاصة ليس لأحد فيها شيء و ما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول فسألوا رسول الله أن يعطيهم منها فنزلت الآية و قال ابن جريج اختلف من شهد بدرا من المهاجرين و الأنصار في الغنيمة فكانوا ثلاثا فنزلت الآية و ملكها الله رسوله يقسمها كما أراه الله و قال مجاهد هي الخمس و ذلك أن المهاجرين قالوا لم يرفع منا هذا الخمس و لم يخرج منا فقال الله تعالى « قل الأنفال لله و الرسول » يقسمانها كما شاءا أو ينفلان منها ما شاءا أو يرضخان منها ما شاءا فاتقوا الله باتقاء معاصيه و اتباع ما يأمركم به و ما يأمركم به رسوله و احذروا مخالفة أمرهما « و أصلحوا ذات بينكم » و أي أصلحوا ما بينكم من الخصومة و المنازعة و قوله « ذات بينكم » كناية عن المنازعة و الخصومة و الذات هي الخلقة و البنية يقال فلان في ذاته صالح أي في خلقته و بنيته يعني أصلحوا نفس كل شيء بينكم أو أصلحوا حال كل نفس بينكم و قيل معناه و أصلحوا حقيقة وصلكم كقوله « لقد تقطع بينكم » أي وصلكم و المراد كونوا مجتمعين على ما أمر الله و رسوله و كذلك معنى اللهم أصلح ذات البين أي أصلح الحال التي بها يجتمع المسلمون عن الزجاج و هذا نهي من الله تعالى عن الاختلاف فيما اختلفوا فيه من أمر الغنيمة يوم بدر عن ابن عباس و مجاهد و السدي « و أطيعوا الله و رسوله » أي أقبلوا ما أمرتم به في الغنائم و غيرها عن الزجاج و معناه و أطيعوهما فيما يأمرانكم به
مجمع البيان ج : 4 ص : 798
و ينهيانكم عنه « إن كنتم مؤمنين » مصدقين للرسول فيما يأتيكم به من قبل الله كما تدعون و في تفسير الكلبي أن الخمس لم يكن مشروعا يومئذ و إنما شرع يوم أحد و فيه أنه لما نزلت هذه الآية عرف المسلمين أنه لا حق لهم في الغنيمة و أنها لرسول الله فقالوا يا رسول الله سمعا و طاعة فاصنع ما شئت فنزل قوله « و اعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه » أي ما غنمتم بعد بدر و روي أن رسول الله قسم غنائم بدر عن بواء أي على سواء و لم يخمس .
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَت قُلُوبهُمْ وَ إِذَا تُلِيَت عَلَيهِمْ ءَايَتُهُ زَادَتهُمْ إِيمَناً وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكلُونَ(2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصلَوةَ وَ مِمَّا رَزَقْنَهُمْ يُنفِقُونَ(3) أُولَئك هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لهَُّمْ دَرَجَتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كرِيمٌ(4)
اللغة
الوجل و الخوف و الفزع واحد يقال وجل يوجل و ييجل و يأجل بالألف و ييجل أربع لغات حكاها سيبويه و أجودها يوجل قال الشاعر :
لعمرك ما أدري و إني لأوجل
على أينا تغدو المنية أول و التوكل هو الثقة بالله في كل ما يحتاج إليه يقال وكلت الأمر إلى فلان إذا جعلت إليه القيام به و الوكيل القائم بالأمر لغيره .

الإعراب
حقا منصوب بما دلت عليه الجملة التي هي قوله « أولئك هم المؤمنون » و المعنى أحق ذلك حقا .

المعنى
لما قال سبحانه إن كنتم مؤمنين بين صفة المؤمنين بقوله « إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم » أي خافت تعظيما له و ذلك إذا ذكر عندهم عقوبته و عدله و وعيده على المعاصي بالعقاب و اقتداره عليه فأما إذا ذكرت نعمة الله على عباده و إحسانه إليهم و فضله و رحمته عليهم و ثوابه على الطاعات اطمأنت قلوبهم و سكنت نفوسهم إلى عفو الله تعالى كما قال سبحانه « ألا بذكر الله تطمئن القلوب » فلا تنافي بين الآيتين إذ وردتا في حالتين و وجه آخر و هو أن المؤمن ينبغي أن يكون من صفته أنه إذا نظر في نعم الله عليه و مننه لديه و عظيم مغفرته و رحمته اطمأن قلبه و حسن بالله ظنه و إذا ذكر عظيم معاصيه
مجمع البيان ج : 4 ص : 799
بترك أوامره و ارتكاب نواهيه وجل قلبه و اضطربت نفسه و الوجل الخوف مع شدة الحزن و إنما يستعمل على الغالب في القلب « و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا » معناه و إذا قرىء عليهم القرآن زادتهم آياته تبصرة و يقينا على يقين عن الضحاك و قيل زادتهم تصديقا مع تصديقهم بما أنزل الله إليهم قبل ذلك عن ابن عباس و المعنى أنهم يصدقون بالأولى و الثانية و الثالثة و كل ما يأتي من عند الله فيزداد تصديقهم « و على ربهم يتوكلون » أي يفوضون أمورهم إلى الله فيما يخافونه من السوء في الدنيا و قيل فيما يرجونه من قبول أعمالهم في الآخرة « الذين يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون » قد مر تفسيره في سورة البقرة و إنما خص الصلاة و الزكاة بالذكر لعظم شأنهما و تأكد أمرهما و ليكون داعيا إلى المواظبة على فعلهما « أولئك هم المؤمنون حقا » أي هؤلاء المستجمعون لهذه الخصال و الحائزون لهذه الصفات هم الذين استحقوا هذا الاسم على الحقيقة « لهم درجات عند ربهم » يعني درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم عن عطاء و قيل لهم أعمال رفيعة و فضائل استحقوها في أيام حياتهم عن مجاهد « و مغفرة » لذنوبهم « و رزق كريم » أي خطير كبير في الجنة و قيل كريم دائم كثير لا يشوبه ضرر و لا يعتريه كدر و لا يخاف عليه فناء و لا نقصان و لا حساب من قولهم فلان كريم إذا كانت أخلاقه محمودة و استدل من قال أن الإيمان يزيد و ينقص و أن أفعال الجوارح من الإيمان بهذه الآيات فقال أن الله تعالى نفى أن يكون المؤمن غير متصف بهذه الصفات بلفظة إنما فكأنه قال لا يكون أحد مؤمنا إلا أن يكون بهذه الصفات و الجواب عنه أن هذه الصفات خيار المؤمنين و أفاضلهم فكأنه قال إنما خيار المؤمنين من له هذه الأوصاف و ليس يمتنع أن يتفاضل المؤمنون في الطاعات و إن لم يتفاضلوا في الإيمان يدل على ذلك أن الإجماع حاصل على أن وجل القلب ليس بواجب و إنما هو من المندوبات و إن الصلاة قد تدخل فيها الفرائض و النوافل .
و الإنفاق كذلك فعلمنا أن الإشارة بالآية إلى خيار المؤمنين و أماثلهم فلا تدل إذا على أن من كان دونهم في المنزلة خارج عن الإيمان و قد قال ابن عباس أنه سبحانه أراد بذلك أن المنافق لا يدخل قلبه خشية الله عند ذكره و إن هذه الأوصاف المذكورة منتفية عنه .

مجمع البيان ج : 4 ص : 800
كَمَا أَخْرَجَك رَبُّك مِن بَيْتِك بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَرِهُونَ(5) يجَدِلُونَك فى الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَينَ كَأَنَّمَا يُساقُونَ إِلى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنظرُونَ(6) وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطائفَتَينِ أَنهَا لَكُمْ وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيرَ ذَاتِ الشوْكةِ تَكُونُ لَكمْ وَ يُرِيدُ اللَّهُ أَن يحِقَّ الْحَقَّ بِكلِمَتِهِ وَ يَقْطعَ دَابِرَ الْكَفِرِينَ(7) لِيُحِقَّ الحَْقَّ وَ يُبْطِلَ الْبَطِلَ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ(8)
اللغة
المجادلة المنازعة الذي يفتل بها عن مذهب إلى مذهب سميت بذلك لشدته و أصل الجدل شدة الفتل و منه الأجدل الصقر لشدته و زمام جديل شديد الفتل و قيل أصله من الجدالة و هي الأرض يقال طعنه فجدله أي أوقعه على الأرض فكان المتجادلين يريد كل واحد منهما أن يرمي بخصمه إلى الأرض و السوق الحث على المسير و الشوكة الحد يقال ما أشد شوكة بني فلان و فلان شاك في السلاح و شائك و شاك من الشكة و شاك مخفف مثل قولهم كبش صاف كثير الصوف مثل صائف قال الشاعر :
فتوهموني أنني أنا ذاكم
شاك سلاحي في الحوادث معلم و أصله من الشوك و دابر الأمر آخره و دابر الرجل عقبه و الحق وقوع الشيء في موضعه الذي هو له فإذا اعتقد شيء بضرورة أو حجة فهو حق لأنه وقع موقعه الذي هو له و عكسه الباطل .

الإعراب
الكاف في قوله « كما أخرجك ربك » يتعلق بما دل عليه قوله « قل الأنفال لله و الرسول » لأن في هذا معنى نزعها من أيديهم بالحق كما أخرجك ربك من بيتك بالحق و قيل تقديره قل الأنفال ثابت لله و الرسول ثبوتا مثل ما أخرجك ربك أي هذا كائن لا محالة كما أن ذلك كان لا محالة و قيل إنه يتعلق بيجادلونك و تقديره يجادلونك بالحق كما كرهوا إخراجك من بيتك بالحق و قيل أنه يعمل فيه معنى الحق بتقدير هذا الذكر الحق كما أخرجك ربك من بيتك بالحق و قوله « أنها لكم » في موضع نصب على البدل من إحدى الطائفتين و تقديره يعدكم أن إحدى الطائفتين لكم و نظيره قوله « هل ينظرون إلا
مجمع البيان ج : 4 ص : 801
الساعة أن تأتيهم » .

المعنى
« كما أخرجك ربك من بيتك » يا محمد على التقدير الأول قل الأنفال لله ينزعها عنكم مع كراهتكم و مشقة ذلك عليكم لأنه أصلح لكم كما أخرجك ربك من بيتك مع كراهة فريق من المؤمنين ذلك لأن الخروج كان أصلح لكم من كونكم في بيتكم و المراد بالبيت هنا المدينة يعني خروج النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) منها إلى بدر و يكون معنى أخرجك ربك دعاك إلى الخروج و أمرك به و حملك عليه كما يقال أضربت زيدا عمرا فضربه و أما على التقدير الثاني و هو أن يكون اتصاله بما بعده فيكون معناه يجادلونك في الحق كارهين له كما جادلوك يا محمد حين أخرجك ربك كارهين للخروج كرهوه كراهية طباع فقال بعضهم كيف نخرج و نحن قليل و العدو كثير و قال بعضهم كيف نخرج على عمياء لا ندري إلى العير نخرج أم إلى القتال فشبه جدالهم بخروجهم لأن القوم جادلوه بعد خروجهم كما جادلوه عند الخروج فقالوا هلا أخبرتنا بالقتال فكنا نستعد لذلك فهذا هو جدالهم على تأويل مجاهد و أما على التقدير الثالث فمعناه أن هذا خير لكم كما أن إخراجك من بيتك على كراهية جماعة منكم خير لكم و قريب منه ما جاء في حديث أبي حمزة الثمالي فالله ناصرك كما أخرجك من بيتك و قوله « بالحق » أي بالوحي و ذلك أن جبرائيل (عليه السلام) أتاه و أمره بالخروج و قيل معناه أخرجك و معك الحق و قيل معناه أخرجك بالحق الذي وجب عليك و هو الجهاد « و إن فريقا من المؤمنين » أي طائفة منهم « لكارهون » لذلك للمشقة التي لحقتهم « يجادلونك في الحق بعد ما تبين » معناه يجادلونك فيما دعوتهم إليه بعد ما عرفوا صحته و صدقك بما ظهر عليك من المعجزات و مجادلتهم قولهم هلا أخبرتنا بذلك و هم يعلمون أنك لا تأمرهم عن الله إلا بما هو حق و صواب و كانوا يجادلون فيه لشدته عليهم يطلبون بذلك رخصة لهم في التخلف عنه أو في تأخير الخروج إلى وقت آخر و قيل معناه يجادلونك في القتال يوم بدر بعد ما تبين صوابه و أنه مأمور به عن ابن عباس و قيل بعد ما تبين أنك يا محمد لا تصنع إلا ما أمرك الله به « كأنما يساقون إلى الموت و هم ينظرون » معناه كان هؤلاء الذين يجادلونك في لقاء العدو لشدة القتال عليهم حيث لم يكونوا مستعدين له و لكراهتهم له من حيث الطبع كانوا بمنزلة من يساق إلى الموت و هم يرونه عيانا و ينظرون إليه و إلى أسبابه « و إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم » يعني و اذكروا و اشكروا الله إذ يعدكم الله إن إحدى الطائفتين لكم إما العير و إما النفير « و تودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم » أي تودون أن يكون لكم العير
مجمع البيان ج : 4 ص : 802
و صاحبها أبو سفيان بن حرب لئلا تلحقكم مشقة دون النفير و هو الجيش من قريش قال الحسن كان المسلمون يريدون العير و رسول الله يريد ذات الشوكة كنى بالشوكة عن الحرب لما في الحرب من الشدة عن قطرب و قيل ذات الشوكة ذات السلاح « و يريد الله أن يحق الحق بكلماته » معناه و الله أعلم بالمصالح منكم فأراد أن يظهر الحق بلطفه و يعز الإسلام و يظفركم على وجوه قريش و يهلكهم على أيديكم بكلماته السابقة و عداته في قوله و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون و إن جندنا لهم الغالبون و قوله ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون و قيل بكلماته أي بأمره لكم بالقتال « و يقطع دابر الكافرين » أي يستأصلهم فلا يبقي منهم أحدا يعني كفار العرب « ليحق الحق » أي إنما يفعل ذلك ليظهر الإسلام « و يبطل الباطل » أي الكفر بإهلاك أهله « و لو كره المجرمون » أي الكافرون و ذكر البلخي عن الحسن أن قوله « و إذ يعدكم الله » الآية نزلت قبل قوله « كما أخرجك ربك من بيتك بالحق » و هي في القراءة بعدها .

] قصة غزاة بدر [
قال أصحاب السير و ذكر أبو حمزة و علي بن إبراهيم في تفسيرهما دخل حديث بعضهم في بعض أقبل أبو سفيان بعير قريش من الشام و فيها أموالهم و هي اللطيمة و فيها أربعون راكبا من قريش فندب النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أصحابه للخروج إليها ليأخذوها و قال لعل الله أن ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم و ثقل بعضهم و لم يظنوا أن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يلقي كيدا و لا حربا فخرجوا لا يريدون إلا أبا سفيان و الركب لا يرونها إلا غنيمة لهم فلما سمع أبو سفيان بمسير النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة و أمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم و يخبرهم أن محمدا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قد تعرض لغيرهم في أصحابه فخرج ضمضم سريعا إلى مكة و كانت عاتكة بنت عبد المطلب رأت فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم بن عمرو بثلاث ليال أن رجلا أقبل على بعير له ينادي يا آل غالب اغدوا إلى مصارعكم ثم وافى بجمله على أبي قبيس فأخذ حجرا فدهدهه من الجبل فما ترك دارا من دور قريش إلا أصابته منه فلذة فانتبهت فزعة من ذلك و أخبرت العباس بذلك فأخبر العباس عتبة بن ربيعة فقال عتبة هذه مصيبة تحدث في قريش و فشت الرؤيا فيهم و بلغ ذلك أبا جهل فقال هذه نبية ثانية في بني عبد المطلب و اللات و العزى لننظرن ثلاثة أيام فإن كان ما رأت حقا و إلا لنكتبن كتابا بيننا أنه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالا و نساء من بني هاشم فلما كان اليوم الثالث أتاهم ضمضم يناديهم بأعلى الصوت يا آل غالب يا آل غالب اللطيمة اللطيمة العير العير أدركوا و ما أراكم تدركون أن محمدا و الصباة من أهل يثرب قد خرجوا
مجمع البيان ج : 4 ص : 803
يتعرضون لعيركم فتهياوا للخروج و ما بقي أحد من عظماء قريش إلا أخرج مالا لتجهيز الجيش و قالوا من لم يخرج نهدم داره و خرج معهم العباس بن عبد المطلب و نوفل بن الحرث بن عبد المطلب و عقيل بن أبي طالب و أخرجوا معهم القيان يضربون الدفوف و خرج رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا فلما كان بقرب بدر أخذ عينا للقوم فأخبره بهم و في حديث أبي حمزة بعث رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أيضا عينا له على العير اسمه عدي فلما قدم على رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فأخبره أين فارق العير نزل جبرائيل على رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فأخبره بنفير المشركين من مكة فاستشار أصحابه في طلب العير و حرب النفير فقام أبو بكر فقال يا رسول الله إنها قريش و خيلاؤها ما آمنت منذ كفرت و لا ذلت منذ عزت و لم تخرج على هيئة الحرب و في حديث أبي حمزة قال أبو بكر أنا عالم بهذا الطريق فارق عدي العير بكذا و كذا و ساروا و سرنا فنحن و القوم على ماء بدر يوم كذا و كذا كانا فرسا رهان فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) اجلس فجلس ثم قام عمر بن الخطاب فقال مثل ذلك فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) اجلس فجلس ثم قام المقداد فقال يا رسول الله إنها قريش و خيلاؤها و قد آمنا بك و صدقنا و شهدنا أن ما جئت به حق و الله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا و شوك الهراس لخضناه معك و الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى (عليه السلام) اذهب أنت و ربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون و لكنا نقول امض لأمر ربك فأنا معك مقاتلون فجزاه رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) خيرا على قوله ذاك ثم قال أشيروا علي أيها الناس و إنما يريد الأنصار لأن أكثر الناس منهم و لأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا إنا براء من ذمتك حتى تصل إلى دارنا ثم أنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع أبناءنا و نساءنا فكان (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يتخوف أن لا يكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا على من دهمه بالمدينة من عدو أن ليس عليهم أن ينصروه خارج المدينة فقام سعد بن معاذ فقال بأبي أنت و أمي يا رسول الله كأنك أردتنا فقال نعم قال بأبي أنت و أمي يا رسول الله إنا قد آمنا بك و صدقناك و شهدنا أن ما جئت به حق من عند الله فمرنا بما شئت و خذ من أموالنا ما شئت و اترك منها ما شئت و الله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك و لعل الله عز و جل أن يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله ففرح بذلك رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و قال سيروا على بركة الله فإن الله عز و جل قد وعدني إحدى الطائفتين و لن يخلف الله وعده و الله لكأني أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام و عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و فلان
مجمع البيان ج : 4 ص : 804
و فلان و أمر رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بالرحيل و خرج إلى بدر و هو بئر و في حديث أبي حمزة الثمالي بدر رجل من جهينة و الماء ماؤه فإنما سمي الماء باسمه و أقبلت قريش و بعثوا عبيدها ليستقوا من الماء فأخذهم أصحاب رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و قالوا لهم من أنتم قالوا نحن عبيد قريش قالوا فأين العير قالوا لا علم لنا بالعير فأقبلوا يضربونهم و كان رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يصلي فانفتل من صلاته و قال إن صدقوكم ضربتموهم و إن كذبوكم تركتموهم فأتوه بهم فقال لهم من أنتم قالوا يا محمد نحن عبيد قريش قال كم القوم قالوا لا علم لنا بعددهم قال كم ينحرون في كل يوم من جزور قالوا تسعة إلى عشرة فقال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) القوم تسعمائة إلى ألف رجل و أمر (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بهم فحبسوا و بلغ ذلك قريشا ففزعوا و ندموا على مسيرهم و لقي عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام فقال أ ما ترى هذا البغي و الله ما أبصر موضع قدمي خرجنا لنمنع عيرنا و قد أفلتت فجئنا بغيا و عدوانا و الله ما أفلح قوم بغوا قط و لوددت أن ما في العير من أموال بني عبد مناف ذهبت و لم نسر هذا المسير فقال له أبو البختري إنك سيد من سادات قريش فسر في الناس و تحمل العير التي أصابها محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و أصحابه بنخلة و دم ابن الحضرمي فإنه حليفك فقال له علي ذلك و ما على أحد منا خلاف إلا ابن الحنظلية يعني أبا جهل فصر إليه و أعلمه أني حملت العير و دم ابن الحضرمي و هو حليفي و علي عقله قال فقصدت خباءه و أبلغته ذلك فقال أن عتبة يتعصب لمحمد فإنه من بني عبد مناف و ابنه معه يريد أن يخذل بين الناس لا و اللات و العزى حتى نقحم عليهم يثرب أو نأخذهم أسارى فندخلهم مكة و تتسامع العرب بذلك و كان أبو حذيفة بن عتبة مع رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و كان أبو سفيان لما جاز بالعير بعث إلى قريش قد نجى الله عيركم فارجعوا و دعوا محمدا و العرب و ادفعوه بالراح ما اندفع و إن لم ترجعوا فردوا القيان فلحقهم الرسول في الجحفة فأراد عتبة أن يرجع فأبى أبو جهل و بنو مخزوم و ردوا القيان من الجحفة قال و فزع أصحاب رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لما بلغهم كثرة قريش و استغاثوا و تضرعوا فأنزل الله سبحانه إذ تستغيثون ربكم و ما بعده .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page