• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء التاسع سورة الأعراف179 الی 187


وَ لَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كثِيراً مِّنَ الجِْنِّ وَ الانسِ لهَُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بهَا وَ لهَُمْ أَعْينٌ لا يُبْصِرُونَ بهَا وَ لهَُمْ ءَاذَانٌ لا يَسمَعُونَ بهَا أُولَئك كالأَنْعَمِ بَلْ هُمْ أَضلُّ أُولَئك هُمُ الْغَفِلُونَ(179) وَ للَّهِ الأَسمَاءُ الحُْسنى فَادْعُوهُ بهَا وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فى أَسمَئهِ سيُجْزَوْنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ(180) وَ مِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ(181)
القراءة
قرأ حمزة يلحدون بفتح الياء و الحاء حيث كان و وافقه الكسائي و خلف في النحل و الباقون « يلحدون » بضم الياء و كسر الحاء .

الحجة
قال أبو الحسن لحدوا لحد لغتان و ألحد في الكلام أكثر قال الشاعر :
ليس الإمام بالشحيح الملحد و في القرآن و من يرد فيه بإلحاد .

اللغة
الذرء و الإنشاء و الإحداث و الخلق نظائر قال علي بن عيسى الاسم كلمة تدل على المعنى دلالة الإشارة و الفعل كلمة تدل على المعنى دلالة الإفادة و الصفة كلمة مأخوذة للمذكور من أصل من الأصول لتجري عليه تابعة له و الإلحاد العدول عن الاستقامة و الانحراف عنها و منه اللحد الذي يحفر في جانب القبر خلاف الضريح الذي يحفر في وسطه و روي أبو عبيدة عن الأحمر لحدت جزت و ملت و ألحدت ماريت و جادلت أبو عبيدة لحدت للميت و ألحدت بمعنى واحد .

الإعراب
اللام في قوله « لجهنم » لام العاقبة كما في قوله فالتقطه آل فرعون ليكون
مجمع البيان ج : 4 ص : 772
لهم عدوا و إنما التقطوه ليكون لهم قرة عين كما قالت امرأة فرعون قرة عين لي و لك و مثله قول الشاعر :
و أم سماك فلا تجزعي
فللموت ما تلد الوالدة و قول الآخر :
و للموت تغذو الوالدات سخالها
كما لخراب الدهر تبنى المساكن و قول الآخر :
أموالنا لذوي الميراث نجمعها
و دورنا لخراب الدهر نبنيها و قول الآخر :
يا أم وجرة بعد الوجد و اعترفي
فكل والدة للموت ما تلد قال علي بن عيسى هي لام الإضافة تذكر مرة على معنى العلة و مرة على معنى شبه العلة .

المعنى
لما بين سبحانه أمر الكفار و ضرب لهم الأمثال عقبه ببيان حالهم في المصير و المال فقال « و لقد ذرأنا » أي خلقنا « لجهنم كثيرا من الجن و الإنس » يعني خلقناهم على أن عاقبتهم المصير إلى جهنم بكفرهم و إنكارهم و سوء اختيارهم و يدل على هذا المعنى قوله سبحانه و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون فأخبر أنه خلقهم للعبادة فلا يجوز أن يكون خلقهم للنار و قوله و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله و لقد صرفناه بينهم ليذكروا في نظائر لذلك لا تحصى و المراد في الآية كل من علم الله تعالى أنه لا يؤمن و يصير إلى النار « لهم قلوب لا يفقهون بها » الحق لأنهم لا يتدبرون أدلة الله تعالى و بيناته « و لهم أعين لا يبصرون بها » الرشد « و لهم آذان لا يسمعون بها » الوعظ لأنهم يعرضون عن جميع ذلك إعراض من ليست له آلة الإدراك و قد مر تفسيره في سورة البقرة عند قوله صم بكم عمي الآية « أولئك كالأنعام » أي هؤلاء الذين لا يتدبرون آيات الله و لا يستدلون بها على وحدانيته و صدق أنبيائه أشباه الأنعام و البهائم التي لا تفقه و لا تعلم « بل هم أضل » من البهائم فإنها إذا زجرت انزجرت و إذا أرشدت إلى طريق اهتدت و هؤلاء لكفرهم و عتوهم لا يهتدون إلى شيء من الخيرات مع ما ركب الله فيهم من العقول الدالة على الرشاد الصارفة عن الفساد و لم يذكر بل هاهنا للرجوع عن الأول و لكن للإضراب عنه مع بقائه و قيل إنما قال بل هم أضل من الأنعام لأن الأنعام لم تعط آلة المعرفة و التمييز فلا تلحقها المذمة و هؤلاء أعطوا آلة المعرفة و التمييز فضيعوها و لم ينتفعوا بها و لأن الأنعام و إن لم تكن مطيعة لم تكن عاصية

بعدی
مجمع البيان ج : 4 ص : 773
و هؤلاء عصاة فهم أسوأ حالا منها « أولئك هم الغافلون » عن آياتي و حججي و عن الاستدلال و الاعتبار بتدبرها و التفكر فيها دون البهائم التي هي مسخرة مصرفة و قيل الغافلون عما يحل بهم في الآخرة من العذاب « و لله الأسماء الحسنى » أخبر سبحانه أن له الأسماء الحسنى لحسن معانيها مثل الجواد و الرحيم و الرازق و الكريم و يقال إن جميع أسمائه داخلة فيه و إنها كلها حسنة متضمنة لمعان حسنة فمنها ما يرجع إلى صفات ذاته كالعالم و القادر و الحي و الآلة و القديم و السميع و البصير و منها ما هي صفات فعله كالخالق و الرزاق و المبدع و المحيي و المميت و منها ما يفيد التنزيه و نفي صفات النقص عنه كالغني و الواحد و القدوس و نحو ذلك و قيل المراد بالحسنى ما مالت إليه النفوس من ذكر العفو و الرحمة دون السخط و النقمة « فادعوه بها » أي بهذه الأسماء الحسنى و دعاؤه بها أن يقال يا الله يا رحمن يا رحيم يا خالق السموات و الأرض و كل اسم لله سبحانه فهو صفة مفيدة لأن اللقب لا يجوز عليه فإنه بمنزلة الإشارة إلى الحاضر و قد ورد في الحديث أن لله تسعة و تسعين اسما مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر أورده مسلم في الصحيح « و ذروا الذين يلحدون في أسمائه » أي دعوا الذين يعدلون بأسماء الله تعالى عما هي عليه فيسمون بها أصنامهم و يغيرونها بالزيادة و النقصان فاشتقوا اللات من الله و العزى من العزيز و منات من المنان عن ابن عباس و مجاهد و قيل إن معنى يلحدون في أسمائه يصفونه بما لا يليق به و يسمونه بما لا يجوز تسميته به و هذا الوجه أعم فائدة و يدخل فيه قول الجبائي أراد تسميتهم المسيح بأنه ابن الله و في هذا دلالة على أنه لا يجوز أن يسمى الله تعالى إلا بما سمى به نفسه « سيجزون ما كانوا يعملون » في الآخرة و قيل في الدنيا و الآخرة « و ممن خلقنا أمة يهدون بالحق » أخبر سبحانه من جملة من خلقه جماعة و عصبة يدعون الناس إلى توحيد الله تعالى و إلى دينه و هو الحق يرشدونهم إليه « و به يعدلون » أي و بالحق يحكمون و روى ابن جريج عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال هي لأمتي بالحق يأخذون و بالحق يعطون و قد أعطي القوم بين أيديكم مثلها « و من قوم موسى أمة يهدون بالحق و به يعدلون » و قال الربيع بن أنس قرأ النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) هذه الآية فقال إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم و روى العياشي بإسناده عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال و الذي نفسي بيده لتفترقن هذه الأمة على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة « و ممن خلقنا أمة يهدون بالحق و به يعدلون » فهذه التي تنجو و روي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) أنهما قالا نحن هم .

النظم
قيل في وجه اتصال هذه الآية بما قبلها وجهان ( أحدهما ) أنه لما بين في
مجمع البيان ج : 4 ص : 774
الآية المتقدمة حال قوم من الكفار يغفلون عن الحق بين في هذه الآية أن من جملة ما خلق من يهدي إلى دينه بالحق و يحكم بالعدل و الآخر أنه يتصل بقوله « ذرأنا » فكأنه قال خلقنا قوما صفتهم كذا و كذا و قوما صفتهم كذا .
وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِئَايَتِنَا سنَستَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْث لا يَعْلَمُونَ(182) وَ أُمْلى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ(183) أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبهِم مِّن جِنَّة إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُّبِينٌ(184) أَ وَ لَمْ يَنظرُوا فى مَلَكُوتِ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شىْء وَ أَنْ عَسى أَن يَكُونَ قَدِ اقْترَب أَجَلُهُمْ فَبِأَى حَدِيثِ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ(185) مَن يُضلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِى لَهُ وَ يَذَرُهُمْ فى طغْيَنهِمْ يَعْمَهُونَ(186)
القراءة
قرأ أهل العراق « و يذرهم » بالياء و الجزم كوفي غير عاصم و الباقون و نذرهم بالنون و الرفع .

الحجة
من قرأ بالنون فالتقدير و إنا نذرهم و من قرأ بالياء رده إلى اسم الله تعالى أي و هو يذرهم و يكون مقطوعا عن الأول على الوجهين و لم يكن جوابا و من جزمه فإنه عطفه على موضع الفاء و ما بعده من قوله « فلا هادي له » و مثله في الحمل على الموضع قوله فأصدق و أكن لأنه لو لم يلحق الفاء لقيل لو لا أخرتني أصدق لأن معنى لو لا أخرتني أخرني أصدق و مثله قول الشاعر :
إني سلكت فإنني لك ناصح
و على انتقاصك في الحياة و ازدد و قول أبي داود :
فأبلوني بليتكم لعلي
أصالحكم و أستدرج نويا
مجمع البيان ج : 4 ص : 775
حمل أستدرج على موضع الفاء المحذوفة من قوله فلعلي أصالحكم و موضعه جزم .

اللغة
الاستدراج أصله من الدرجة و هو أن يؤخذ قليلا قليلا و لا يباغت كما يرتقي الراقي الدرجة فيتدرج شيئا بعد شيء حتى يصل إلى العلو و قيل أصله من الدرج الذي يطوي فكأنه يطوي منزلة بعد منزلة كما يطوي الدرج و يقال درج القوم إذا مات بعضهم في إثر بعض و الإملاء التأخير و الإمهال من الملي يقال مضى عليه ملي من الدهر و ملاوة من الدهر بضم الميم و فتحها و كسرها أي قطعة منه و أصل الإملاء الاستمرار على العمل من غير لبث من أمليت الكتاب و منه الملاة للفلاة ذات الحر و السراب لاستطالة المكث فيه و المتين القوي و الشديد و أصله من المتن و هو اللحم الغليظ الذي عن جانب الصلب و هما متنان و الكيد و المكر واحد و الجنة الجنون و أصله الستر و الملكوت هو الملك الأعظم للمالك الذي ليس بمملوك .

المعنى
لما ذكر سبحانه المؤمنين بمحمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) الهادين بالحق ذكر بعده المكذبين ب آياته فقال « و الذين كذبوا ب آياتنا » التي هي القرآن و المعجزات الدالة على صدق النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و كفروا بها « سنستدرجهم من حيث لا يعلمون » إلى الهلكة حتى يقعوا فيه بغتة كما قال سبحانه بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها و قال فيأتيهم بغتة و هم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون و قيل يجوز أن يريد عذاب الآخرة أي نقربهم إليه درجة درجة إلى أن يقعوا فيه و قيل هو من المدرجة و هي الطريق و درج إذا مشى سريعا أي سنأخذهم من حيث لا يعلمون أي طريق سلكوا فإن الطريق كلها علي و مرجع الجميع إلي و لا يغبني غالب و لا يسبقني سابق و لا يفوتني هارب و قيل أنه من الدرج أي سنطويهم في الهلاك و نرفعهم عن وجه الأرض يقال طويت فلانا و طويت أمر فلان إذا تركته و هجرته و قيل معناه كلما جددوا خطيئة جددنا لهم نعمة عن الضحاك و لا يصح قول من قال إن معناه نستدرجهم إلى الكفر و الضلال لأن الآية وردت في الكفار و تضمنت أنه يستدرجهم في المستقبل فإن السين تختص المستقبل و لأنه جعل الاستدراج جزاء على كفرهم و عقوبة فلا بد من أن يريد معنى آخر غير الكفر و قوله « و أملي لهم » معناه و أمهلهم و لا أعاجلهم بالعقوبة فإنهم لا يفوتونني و لا يفوتني عذابهم « إن كيدي متين » أي عذابي قوي منيع لا يمنعه مانع و لا يدفعه دافع و سماه كيدا لنزوله بهم من حيث لا يشعرون و قيل أراد أن جزاء كيدهم متين و القول هو الأول « أ و لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة » معناه أ و لم يتفكروا هؤلاء الكفار المكذبون بمحمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و بنبوته في
مجمع البيان ج : 4 ص : 776
أقواله و أفعاله فيعلموا أنه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ليس بمجنون إذ ليس في أقواله و أفعاله ما يدل على الجنون و تم الكلام عند قوله « أ و لم يتفكروا » ثم ابتدأ فقال « ما بصاحبهم من جنة » أي ليس به جنون و ذلك أن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) صعد الصفا و كان يدعو قريشا فخذا فخذا إلى توحيد الله و يخوفهم عذاب الله فقال المشركون إن صاحبهم قد جن بات ليلا يصوت إلى الصباح فأنزل الله هذه الآية عن الحسن و قتادة « إن هو إلا نذير مبين » أي ما هو إلا معلم موضع المخافة ليتقى و لموضع الأمن ليجتبى و معنى مبين بين أمره و قيل مبين لهم عن الله أمره فيهم ثم قال « أ و لم ينظروا » معناه أ و لم يتفكروا « في ملكوت السماوات و الأرض » و عجيب صنعهما فينظروا فيها نظر المستدل المعتبر فيعترفوا بأن لهما خالقا مالكا و يستدلوا بذلك عليه « و ما خلق الله من شيء » أي و ينظروا فيما خلق الله من أصناف خلقه فيعلموا بذلك أنه سبحانه خالق جميع الأجسام فإن في كل شيء خلق الله عز و جل دلالة واضحة على إثباته و توحيده « و أن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم » أي أو لم يتفكروا و ينظروا في أن عسى أن يكون قد قرب أجلهم و هو أجل موتهم فيدعوهم ذلك إلى أن يحتاطوا لدينهم و لأنفسهم مما يصيرون إليه بعد الموت من أمور الآخرة و يزهدوا في الدنيا و فيما يطلبونه من فخرها و شرفها و عزها و معناه لعل أجلهم قريب و هم لا يعلمون « فبأي حديث بعده » أي بعد القرآن « يؤمنون » مع وضوح الدلالة على أنه كلام الله المعجز إذ لم يقدر أحد منهم أن يأتي بسورة مثله و سماه حديثا لأنه محدث غير قديم « من يضلل الله فلا هادي له » قد ذكرنا معناه « و نذرهم في طغيانهم يعمهون » معناه و نتركهم في ضلالتهم يتحيرون و العمة في القلب كالعمى في العين .
يَسئَلُونَك عَنِ الساعَةِ أَيَّانَ مُرْساهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبى لا يجَلِّيهَا لِوَقْتهَا إِلا هُوَ ثَقُلَت فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ لا تَأْتِيكمْ إِلا بَغْتَةً يَسئَلُونَك كَأَنَّك حَفِىُّ عَنهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(187)
اللغة
أيان معناه متى و هو سؤال عن الزمان على وجه الظرف للفعل قال الشاعر :
مجمع البيان ج : 4 ص : 777

أيان تقضي حاجتي أيانا
أ ما ترى لنجحها إبانا و الساعة هاهنا الساعة التي يموت فيها الخلق و الإرساء الإثبات و مرسيها مثبتها و رسا الشيء يرسو فهو رأس إذا ثبت و أرساه غيره و الحفي المستقصي في السؤال و أحفى فلان بفلان في المسألة إذا أكثر عليه و ألح قال الأعشى :
فإن تسألي عني فيا رب سائل
حفي عن الأعشى به حيث أصعدا و منه أحفى شاربه إذا استقصى أخذه و حفيت الدابة تحفى حفى مقصورا إذا كثر عليها ألم المشي و الحفاء ممدودا المشي بغير نعل .

الإعراب
الكاف في « يسئلونك » المفعول الأول و « عن الساعة » في موضع المفعول الثاني و « أيان مرساها » يتعلق بمدلول السؤال و التقدير قائلين أيان مرساها .
مرساها في موضع رفع بالابتداء و أيان خبره و بغتة مصدر في موضع الحال من الضمير في تأتيكم .

النزول
قيل جاء قوم من اليهود فقالوا يا محمد أخبرنا عن الساعة متى هي إن كنت نبيا فنزلت الآية عن ابن عباس و قيل قالت قريش يا محمد متى الساعة فنزلت الآية عن قتادة و الحسن .

المعنى
لما تقدم الوعيد بالساعة سألوا عن وقتها فقال تعالى « يسألونك » يا محمد « عن الساعة » و هي الساعة التي يموت فيها الخلق عن الزجاج و قيل هي القيامة و هو وقت قيام الناس في الحشر عن أكثر المفسرين و قيل هو وقت فناء الخلق عن الجبائي « أيان مرساها » أي متى وقوعها و كونها عن الزجاج و قيل مرساها منتهاها عن ابن عباس و قبل قيامها عن قتادة و السدي « قل » يا محمد « إنما علمها عند ربي » أي إنما علم وقت قيامها و مجيئها عند الله تعالى لم يطلع عليه أحد من خلقه و إنما لم يخبر سبحانه بوقتها ليكون العباد على حذر منه فيكون ذلك أدعى لهم إلى الطاعة و أزجر عن المعصية « لا يجليها لوقتها إلا هو » أي لا يظهرها و لا يكشف عن علمها و لا يبين وقتها إلا هو فلا يعلم أحد سواه متى يكون قبل وقتها و قيل معناه لا يأتي بها إلا هو عن مجاهد « ثقلت في السماوات و الأرض » ذكر فيه وجوه ( أحدها ) ثقل علمها على أهل السماوات و الأرض لأن من خفي عليه علم شيء كان
مجمع البيان ج : 4 ص : 778
ثقيلا عليه عن السدي و غيره قال أبو علي الفارسي أصل هذا قولهم أحطت به علما أي ذل لي فصرت لعلمي به غالبا عليه فخف علي و لم يثقل كما يثقل ما لا تعلمه عليك ( و ثانيها ) أن معناه عظمت على أهل السماوات و الأرض صفتها لما يكون فيها من انتثار النجوم و تكوير الشمس و تسيير الجبال و غير ذلك عن الحسن و ابن جريج ( و ثالثها ) ثقل وقوعها على أهل السماوات و الأرض لعظمها و شدتها و لما فيها من المحاسبة و المجازاة عن الجبائي و أبي مسلم و جماعة ( و رابعها ) أن المراد نفس السماوات و الأرض أي لا تطيق السماوات و الأرض حملها لعظمها و شدتها عن قتادة و المعنى أنها لو كانت أحياء لثقل عليها تلك الأحوال من انفطار السماوات و انكدار النجوم و تسيير الجبال و غيرها « لا تأتيكم إلا بغتة » أي فجاة لتكون أعظم و أهول « يسألونك كأنك حفي عنها » معناه يسألونك عنها كأنك حفي بها أي عالم بها قد أكثرت المسألة عنها عن مجاهد و الضحاك و أصله من أحفيت في السؤال عن الشيء حتى علمته أي استقصيت فيه و روي عن ابن عباس أنه قرأ كأنك حفي بها فعلى هذا يكون الجار و المجرور الذي هو عنها محذوفا لدلالة الحال عليها كما يكون في التقدير الأول يكون الجار و المجرور الذي هو بها محذوفا للدلالة عليها أيضا أ لا ترى أنه إذا كان حفيا بها فلا بد أن يسأل عنها كما أنه إذا سأل عنها فليس ذلك إلا للحفاوة بها و قيل فيه معنى آخر و هو أن يكون تقديره يسألونك عنها كأنك حفي بهم أي بار بهم فرح بسؤالهم و الحفاوة في المسألة هي البشاشة بالمسئول عنه و قيل معناه كأنك معني بالسؤال عنها فسألت عنها حتى علمتها و على هذا فإن السؤال يوصل بعن فلما وضع قوله « حفي » موضع السؤال وصله بعن و تقديره كأنك حفي بالمسالة عنها أو تسأل عنها فتعلمها « قل » يا محمد « إنما علمها عند الله » لا يعلمها إلا هو و إنما أعاد سبحانه هذا القول لأنه وصله بقوله « و لكن أكثر الناس لا يعلمون » و قيل أراد بالأول علم وقت قيامها و بالثاني علم كيفيتها و هيأتها و تفصيل ما فيها عن الجبائي قال و هذا يدل على بطلان قول الرافضة أن الأئمة منصوص عليهم بأعيانهم إمام بعد إمام إلى يوم القيامة لأنه لو كان كذلك لوجب أن يعلم آخر الأئمة أن القيامة تقوم بعده و ذلك خلاف قوله « قل إنما علمها عند الله » و هذا ضعيف لأنه غير ممتنع أن يعلم آخر الأئمة أنه لا إمام بعده و إن لم يعلم وقت قيام الساعة لأنه لا يعلم وقت وفاته بعينه هذا إذا قيل إن الساعة وقت فناء الخلق أو موتهم و إذا قيل إن الساعة عبارة عن وقت الحشر فقد زالت الشبهة لأنه إذا علم أنه يفنى الخلق بعده لا يجب أن يعلم متى يحشر الخلق على أنه قد وردت الرواية أن التكليف يزول عند موت آخر الأئمة لظهور أشراط الساعة و أمارات قيامها نحو طلوع الشمس من
مجمع البيان ج : 4 ص : 779
مغربها و خروج الدابة و غير ذلك و مع هذا فيجوز أن لا يعلم وقت قيام الساعة .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page