• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء التاسع سورة الأعراف171 الی 178


* وَ إِذْ نَتَقْنَا الجَْبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظلَّةٌ وَ ظنُّوا أَنَّهُ وَاقِعُ بهِمْ خُذُوا مَا ءَاتَيْنَكُم بِقُوَّة وَ اذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكمْ تَتَّقُونَ(171)
اللغة
النتق قلع الشيء من الأصل و كل شيء قلعته ثم رميت به فقد نتقته و منه قيل للمرأة الكثيرة الأولاد ناتق لأنها ترمي بالأولاد رميا هذا قول أبي عبيدة و قيل أصل النتق الرفع و منه امرأة ناتق لرفعها الأولاد و نتقت المرأة فهي ناتق و منتاق إذا كثر ولدها و هو قول ابن الأعرابي و قيل أصله الجذب يقال نتقت الغرب من البئر جذبته عن أبي مسلم و الظلة كلما أظلك أي سترك من سقف أو سحابة أو جناح حائط .

المعنى
عاد الكلام إلى قوم موسى (عليه السلام) فقال سبحانه « و إذ نتقنا الجبل فوقهم » معناه و اذكر يا محمد إذ قلعنا الجبل من صلة فرفعناه فوق بني إسرائيل و كان عسكر موسى (عليه السلام) فرسخا في فرسخ فرفع الله الجبل فوق جميعهم « كأنه ظلة » أي غمامة و قيل سقيفة عن عطا « و ظنوا أنه واقع بهم » أي علموا و أيقنوا عن الحسن و قيل معناه على ظاهره من الظن أي قوي في نفوسهم ذلك عن الرماني و الجبائي « خذوا » أي و قلنا لهم خذوا « ما آتيناكم بقوة » أي خذوا ما ألزمناكم من أحكام كتابنا و فرائضه فاقبلوه بجد و اجتهاد منكم في
مجمع البيان ج : 4 ص : 764
كل أوان من غير تقصير و لا توان « و اذكروا ما فيه » من العهود و المواثيق التي أخذناها عليكم بالعمل بما فيه « لعلكم تتقون » أي لكي تتقوا ربكم و تخافوا عقابه و قد مضى تفسير هذه الآية في سورة البقرة مشروحا .
وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّك مِن بَنى ءَادَمَ مِن ظهُورِهِمْ ذُرِّيَّتهُمْ وَ أَشهَدَهُمْ عَلى أَنفُسِهِمْ أَ لَست بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلى شهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَمَةِ إِنَّا كنَّا عَنْ هَذَا غَفِلِينَ(172) أَوْ تَقُولُوا إِنمَا أَشرَك ءَابَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَ كنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَ فَتهْلِكُنَا بمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ(173) وَ كَذَلِك نُفَصلُ الاَيَتِ وَ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(174)
القراءة
قرأ ابن كثير و أهل الكوفة « ذريتهم » على التوحيد و الباقون ذرياتهم على الجمع و قرأ أبو عمرو أن يقولوا أو يقولوا بالياء و الباقون بالتاء .

الحجة
قال أبو علي الذرية قد يكون جمعا و قد يكون واحدا فمما جاء فيه جمعا قوله « و كنا ذرية من بعدهم » و ذرية من حملنا مع نوح فمن أفرد جعله جمعا فاستغنى عن جمعه لوقوعه على الجمع و مما جاء فيه واحدا قوله رب هب لي من لدنك ذرية طيبة ثم قال إن الله يبشرك بيحيى و هذا مثل قوله رب هب لي من لدنك وليا يرثني و يرث من آل يعقوب و أما قراءة أبي عمرو أن يقولوا بالياء فلأن الذي تقدم من الكلام على الغيبة و من قرأ بالتاء فلأنه جرى في الكلام خطاب أيضا فقال « أ لست بربكم » و كلا الوجهين حسن لأن الغيب هم المخاطبون في المعنى .

الإعراب
« من ظهورهم » بدل من قوله « من بني آدم » و المعنى أخذ ربك من ظهور بني آدم ذريتهم و قد ذكرنا الذرية و ما قيل في تقدير وزنها و اشتقاقها فيما تقدم و قوله « أن تقولوا » تقديره كراهة أن تقولوا أو لئلا تقولوا و قد مضى الكلام في أمثاله .

مجمع البيان ج : 4 ص : 765
المعنى
ثم ذكر سبحانه ما أخذ على الخلق من المواثيق بعقولهم عقيب ما ذكره من المواثيق التي في الكتب جمعا بين دلائل السمع و العقل و إبلاغا في إقامة الحجة فقال « و إذ أخذ ربك » أي و اذكر لهم يا محمد إذ أخرج ربك « من بني آدم من ظهورهم » أي من ظهور بني آدم « ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم أ لست بربكم قالوا بلى » اختلف العلماء من العام و الخاص في معنى هذه الآية و في هذا الإخراج و الإشهاد على وجوه ( أحدها ) أن الله تعالى أخرج ذرية آدم من صلبه كهيئة الذر فعرضهم على آدم و قال إني آخذ على ذريتك ميثاقهم أن يعبدوني و لا يشركوا بي شيئا و علي أرزاقهم ثم قال لهم أ لست بربكم قالوا بلى شهدنا أنك ربنا فقال للملائكة اشهدوا فقالوا شهدنا و قيل إن الله تعالى جعلهم فهماء عقلاء يسمعون خطابه و يفهمونه ثم ردهم إلى صلب آدم و الناس محبوسون بأجمعهم حتى يخرج كل من أخرجه الله في ذلك الوقت و كل من ثبت على الإسلام فهو على الفطرة الأولى و من كفر و جحد فقد تغير عن الفطرة الأولى عن جماعة من المفسرين و رووا في ذلك آثارا بعضها مرفوعة و بعضها موقوفة يجعلونها تأويلا للآية و رد المحققون هذا التأويل و قالوا إنه مما يشهد ظاهر القرآن بخلافه لأنه تعالى قال « و إذ أخذ ربك من بني آدم » و لم يقل من آدم و قال « من ظهورهم » و لم يقل من ظهره و قال « ذريتهم » و لم يقل ذريته ثم أخبر تعالى بأنه فعل ذلك لئلا يقولوا إنهم كانوا عن ذلك غافلين أو يعتذروا بشرك آبائهم و إنهم نشأوا على دينهم و هذا يقتضي أن يكون لهم آباء مشركون فلا يتناول الظاهر ولد آدم لصلبه و أيضا فإن هذه الذرية المستخرجة من صلب آدم لا يخلو إما أن جعلهم الله عقلاء أو لم يجعلهم كذلك فإن لم يجعلهم عقلاء فلا يصح أن يعرفوا التوحيد و أن يفهموا خطاب الله تعالى و إن جعلهم عقلاء و أخذ عليهم الميثاق فيجب أن يتذكروا ذلك و لا ينسوه لأن أخذ الميثاق لا يكون حجة على المأخوذ عليه إلا أن يكون ذاكرا له فيجب أن نذكر نحن الميثاق و لأنه لا يجوز أن ينسى الجمع الكثير و الجم الغفير من العقلاء شيئا كانوا عرفوه و ميزوه حتى لا يذكره واحد منهم و إن طال العهد أ لا ترى أن أهل الآخرة يعرفون كثيرا من أحوال الدنيا حتى يقول أهل الجنة لأهل النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا و لو جاز أن ينسوا ذلك مع هذا الكثرة لجاز أن يكون الله تعالى قد كلف الخلق فيما مضى ثم أعادهم إما ليثيبهم و إما ليعاقبهم و نسوا ذلك و ذلك يؤدي إلى التجاهل و إلى صحة مذهب التناسخية و حكي عن علي بن عيسى عن أبي بكر بن الإخشيد أنه جوز أن يكون خبر الذر صحيحا غير أنه قال ليس تأويل الآية على ذلك و يكون فائدته أنه إنما فعل ذلك ليجروا على الأعراق الكريمة في شكر النعمة و الإقرار لله تعالى
مجمع البيان ج : 4 ص : 766
بالربوبية كما روي أنهم ولدوا على الفطرة و حكى أبو الهذيل في كتاب الحجة أن الحسن البصري و أصحابه كانوا يذهبون إلى أن نعيم الأطفال في الجنة ثواب عن الإيمان في الذر ( و ثانيها ) أن المراد بالآية أن الله سبحانه أخرج بني آدم من أصلاب آبائهم إلى أرحام أمهاتهم ثم رقاهم درجة بعد درجة و علقة ثم مضغة ثم أنشأ كلا منهم بشرا سويا ثم حيا مكلفا و أراهم آثار صنعه و مكنهم من معرفة دلائله حتى كأنه أشهدهم و قال لهم أ لست بربكم فقالوا بلى هذا يكون معنى أشهدهم على أنفسهم دلهم بخلقه على توحيده و إنما أشهدهم على أنفسهم بذلك لما جعل في عقولهم من الأدلة الدالة على وحدانيته و ركب فيهم من عجائب خلقه و غرائب صنعته و في غيرهم فكأنه سبحانه بمنزلة المشهد لهم على أنفسهم فكانوا في مشاهدة ذلك و ظهوره فيهم على الوجه الذي أراده الله و تعذر امتناعهم منه بمنزلة المعترف المقر و إن لم يكن هناك إشهاد صورة و حقيقة و نظير ذلك قوله تعالى فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين و إن لم يكن منه سبحانه قول و لا منهما جواب و مثله قوله تعالى شاهدين على أنفسهم بالكفر و معلوم أن الكفار لم يعترفوا بالكفر بألسنتهم لكنه لما ظهر منهم ظهورا لا يتمكنون من دفعه فكأنهم اعترفوا به و مثله في الشعر :
و قالت له العينان سمعا و طاعة
و حدرتا كالدر لما يثقب و كما يقول القائل جوارحي تشهد بنعمتك و كما روي عن بعض الخطباء من قوله سل الأرض من شق أنهارك و غرس أشجارك و أينع ثمارك فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا و مثله كثير في كلام العرب و أشعارهم و نظمهم و نثرهم و هو قول الرماني و أبي مسلم و ابن الإخشيد ( و ثالثها ) أنه تعالى إنما عنى بذلك جماعة من ذرية آدم خلقهم و أكمل عقولهم و قررهم على ألسن رسله (عليهم السلام) بمعرفته و بما يجب من طاعته فأقروا بذلك و أشهدهم على أنفسهم به لئلا يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل فقلدناهم في ذلك فنبه سبحانه على أنه لا يعاقب من له عذر رحمة منه لخلقه و كرما و هذا يكون في قوم خاص من بني آدم و لا يدخل جميعهم فيه لأن المؤمن لا يدخل فيه لأنه بين أن هؤلاء المأخوذ ميثاقهم كان لهم سلف في الشرك و لأن ولد آدم لصلبه لم يؤخذوا من ظهور بني آدم فقد خرجوا من ذلك و هذا اختيار الجبائي و القاضي و قوله « شهدنا » حكاية عن قول
مجمع البيان ج : 4 ص : 767
الملائكة أنهم يقولون ذلك أي شهدنا لئلا تقولوا ذكره الأزهري عن بعضهم و قال إن قوله « قالوا بلى » تمام الكلام و هذا خلاف الظاهر و ما عليه المفسرون لأن الكل قالوا شهدنا من قول من قال بلى و إن اختلفوا في كيفية الشهادة على أن الملائكة لم يجر لها ذكر في الآية فيبعد أن يكون إخبارا عنهم « أن تقولوا يوم القيامة » معناه لئلا يقولوا إذا صاروا إلى العذاب يوم القيامة « إنا كنا عن هذا غافلين » لم نتنبه عليه و لم تقم لنا حجة به و لم تكمل عقولنا فنفكر فيه « أو تقولوا » أي أو تقول قوم منهم « إنما أشرك آباؤنا من قبل » حين بلغوا و عقلوا « و كنا ذرية من بعدهم » أي أطفالا لا نعقل و لا نصلح للفكرة و النظر و التدبر و على التأويل الأخير فمعناه أني إنما قررتكم بهذا لتواظبوا على طاعتي و تشكروا نعمتي و لا تقولوا يوم القيامة إنا كنا غافلين عما أخذ الله من الميثاق على لسان الأنبياء و تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل فنشؤنا على شركهم احتجاجا بالتقليد و تعويلا عليه أي فقد قطعت حجتكم هذه بما قررتكم به من معرفتي و أشهدتكم على أنفسكم بإقراركم بمعرفتكم إياي « أ فتهلكنا بما فعل المبطلون » و معناه و لأن لا تقولوا أ فتهلكنا بما فعل آباؤنا من الشرك و تقديره إنا لا نهلككم بما فعلوه و إنما نهلككم بفعلكم أنتم « و كذلك نفصل الآيات » معناه إنا كما بينا لكم هذه الآيات كذلك نفصلها للعباد و نبينها لهم و تفضيل الآيات تمييزها ليتمكن من الاستدلال بكل واحدة منها « و لعلهم يرجعون » أي ليرجعوا إلى الحق من الباطل .

مجمع البيان ج : 4 ص : 768
وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى ءَاتَيْنَهُ ءَايَتِنَا فَانسلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشيْطنُ فَكانَ مِنَ الْغَاوِينَ(175) وَ لَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَهُ بهَا وَ لَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلى الأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكلْبِ إِن تحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَث أَوْ تَترُكهُ يَلْهَث ذَّلِك مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِئَايَتِنَا فَاقْصصِ الْقَصص لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(176) ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِئَايَتِنَا وَ أَنفُسهُمْ كانُوا يَظلِمُونَ(177) مَن يهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِى وَ مَن يُضلِلْ فَأُولَئك هُمُ الخَْسِرُونَ(178)
اللغة
النبأ الخبر عن الأمر العظيم و منه اشتقاق النبوة نبأه الله أي جعله نبيا و أخلد إلى كذا و خلد إليه سكن إليه و أخلد أكثر و أصله اللزوم على الدوام و رجل مخلد إذا أبطأ عنه الشيب و أخلد إلى الأرض لصق بها قال مالك بن نويرة :
بانباء حق من قبائل مالك
و عمرو بن يربوع أقاموا فأخلدوا اللهث أن يدلع الكلب لسانه من العطش و اللهاث حر العطش و في حديث سعيد بن جبير في المرأة اللهثى إنما تفطر في رمضان و قيل هو النفس الشديد من شدة الإعياء .

الإعراب
نصب مثلا لأنه تفسير الضمير في ساء التي هي بمعنى بئس فيكون فعلا ماضيا غير متصرف و تقديره ساء المثل مثلا و في الكلام حذف آخر و تقديره ساء المثل مثلا مثل القوم ثم حذف المثل الأول لدلالة المنصوب عليه و حذف الثاني لقيام المضاف إليه مقامه و لأن المعنى مفهوم .

المعنى
ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أن يقرأ عليهم قصة أخرى من أخبار بني إسرائيل فقال « و اتل » أي و اقرأ « عليهم » يا محمد « نبأ الذي آتيناه » أي خبر الذي أعطيناه « آياتنا » أي حججنا و بيناتنا « فانسلخ منها » أي فخرج من العلم بها بالجهل كالشيء الذي ينسلخ من جلده « فأتبعه الشيطان » أي تبعه و تبع و أتبع و اتبع بمعنى و قيل معناه لحقه الشيطان و أدركه حتى أضله « فكان من الغاوين » أي من الهالكين و قيل من الخائبين عن الجبائي و اختلف في المعنى به فقيل هو بلعام بن باعور عن ابن عباس و ابن مسعود و كان رجلا على دين موسى (عليه السلام) و كان في المدينة التي قصدها موسى و كانوا كفارا و كان عنده اسم الله الأعظم و كان إذا دعا الله تعالى به أجابه و قيل هو بلعم بن باعورا من بني هاب بن لوط عن أبي حمزة الثمالي و مسروق قال أبو حمزة و بلغنا أيضا و الله أعلم أنه أمية بن أبي الصلت الثقفي الشاعر و روي ذلك عن عبد الله بن عمر و سعيد بن المسيب و زيد بن أسلم و أبي روق و كانت قصته أنه قرأ الكتب و علم أن الله سبحانه مرسل رسولا في ذلك الوقت و رجا أن يكون هو ذلك الرسول فلما أرسل محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) حسده و مر على قتلي بدر فسأل عنهم فقيل قتلهم محمد فقال لو كان نبيا ما قتل أقرباءه و استنشد رسول الله أخته شعره بعد موته فأنشدته :
لك الحمد و النعماء و الفضل ربنا
و لا شيء أعلى منك جدا و أمجد

مجمع البيان ج : 4 ص : 769

مليك على عرش السماء مهيمن
لعزته تعنو الوجوه و تسجد و هي قصيدة طويلة حتى أتت على آخرها ثم أنشدته قصيدته التي فيها :
وقف الناس للحساب جميعا
فشقي معذب و سعيد و التي فيها :
عند ذي العرش تعرضون عليه
يعلم الجهر و السرار الخفيا
يوم يأتي الرحمن و هو رحيم
إنه كان وعده مأتيا
رب إن تعف فالمعافاة ظني
أو تعاقب فلم تعاقب بريا فقال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) آمن شعره و كفر قلبه و أنزل الله فيه قوله « و اتل عليهم نبأ الذي آتيناه » الآية و قيل إنه أبو عامر بن النعمان بن صيفي الراهب الذي سماه النبي الفاسق و كان قد ترهب في الجاهلية و لبس المسوخ فقدم المدينة فقال للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ما هذا الذي جئت به قال جئت بالحنيفية دين إبراهيم قال فأنا عليها فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لست عليها و لكنك أدخلت فيها ما ليس منها فقال أبو عامر أمات الله الكاذب منا طريدا وحيدا فخرج إلى أهل الشام و أرسل إلى المنافقين أن استعدوا السلاح ثم أتى قيصر و أتى بجند ليخرج النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) من المدينة فمات بالشام طريدا وحيدا عن سعيد بن المسيب و قيل المعني به منافقوا أهل الكتاب الذين كانوا يعرفون النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) كما يعرفون أبناءهم و يكون معنى فانسلخ منها أعرض عن آيات الله و تركها فأتبعه الشيطان أي خذله الله و خلى بينه و بين الشيطان عن الحسن و ابن كيسان و قيل إنه مثل ضربه الله لمن عرض عليه الهدى فأبى أن يقبله عن قتادة و قال أبو جعفر (عليه السلام) الأصل في ذلك بلعم ثم ضربه الله مثلا لكل مؤثر هواه على هدى الله من أهل القبلة و قيل أيضا في الآيات التي أوتيها أقوال أخر منها أن المراد بها المعجزات الدالة على صدق الأنبياء فلم يقبلها و عري عنها يعني فرعون عن أبي مسلم فكأنه قال اتل عليهم نبأ فرعون إذ آتيناه الحجج الدالة على صدق موسى فلم يقبلها و منها أن الآيات الإيمان و الهدى و الدين عن الحسن و منها أنها النبوة عن مجاهد و هذا لا يجوز لأن الأنبياء منزهون عن ذلك فإنهم حجج الله على خلقه « و لو شئنا لرفعناه بها » أي بتلك الآيات و الهاء في رفعناه يعود إلى الذي أتاه الله ب آياته فانسلخ منها معناه و لو شئنا لرفعنا منزلته بإيمانه و معرفته قبل أن يكفر و لكن بقيناه ليزداد الإيمان فكفر عن الجبائي و قيل معناه و لو شئنا لحلنا بينه و بين ما اختاره من المعصية و هذا إخبار عن كمال
مجمع البيان ج : 4 ص : 770
قدرته عن البلخي و الزجاج « و لكنه أخلد إلى الأرض » أي ركن إلى الدنيا و مال إليها عن سعيد بن جبير و السدي و معناه و لكنه مال إلى الدنيا بإيثار الراحة و الدعة في لذة « و اتبع هواه » أي و انقاد لهواه في الركون إلى الدنيا و اختيارها على الآخرة ثم ضرب له مثلا فقال « فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث » معناه فصفته كصفة الكلب أن طردته و شددت عليه يخرج لسانه من فمه و إن تركته و لم تطرده يخرج لسانه من فمه أيضا و تحمل عليه من الحملة لا من الحمل و المعنى أن واعظته فهو ضال و إن لم تعظه فهو ضال في كل حال كما أن كل شيء يلهث فإنما يلهث في حال الإعياء و الكلال إلا الكلب فإنه يلهث في كل حال و مثله قوله سبحانه سواء عليكم أ دعوتموهم أم أنتم صامتون و قيل إنما شبهه بالكلب في الخسة و قصور الهمة و سقوط المنزلة ثم وصف الكلب باللهث على عادة العرب في تشبيههم الشيء بالشيء ثم يأخذون في وصف المشبه به و إن لم يكن ذلك الوصف في المشبه و ذلك يكثر في كلامهم عن أبي مسلم و قيل شبهه بالكلب إذا أخرج لسانه لإيذائه الناس بلهاثه حملت عليه أو تركته يقال لمن آذى الناس بلسانه فلان أخرج لسانه من الفم مثل الكلب و لهثه في هذا الموضع صياحه و نباحه و قيل إن هذا مثل للذي يقرأ القرآن فلا يعمل به عن مجاهد « ذلك مثل القوم الذين كذبوا ب آياتنا » معناه ذلك صفة الذين يكذبون ب آيات الله قال ابن عباس يريد أهل مكة كانوا يتمنون هاديا يهديهم و يدعوهم إلى طاعة الله فلما جاءهم من لا يشكون في صدقه كذبوه فلم يهتدوا لما تركوا و لم يهتدوا لما دعوا بالرسول و الكتاب « فاقصص القصص » أي فاقصص عليهم أخبار الماضين « لعلهم يتفكرون » فيعتبرون و لا يفعلون مثل فعلهم حتى لا يحل بهم ما حل بهم ثم وصف الله تعالى بهذا المثل الذي ضربه و ذكره بأنه « ساء مثلا » أي بئس مثلا « القوم الذين كذبوا ب آياتنا » و معناه بئست الصفة المضروب فيها المثل أو قبح حال المضروب فيه لأن المثل حسن و حكمة و صواب و إنما القبيح صفتهم « و أنفسهم كانوا يظلمون » أي و إنما نقصوا بذلك أنفسهم و لم ينقصوا شيئا لأن عقاب ما يفعلونه من المعاصي يحل بهم و الله سبحانه لا يضره كفرهم و معصيتهم كما لا ينفعه إيمانهم و طاعتهم « من يهد الله فهو المهتدي » كتبت هاهنا بالياء ليس في القرآن غيره بالياء و أثبت الياء هاهنا في اللفظ جميع القراء و معناه من يهده الله إلى نيل الثواب كما يهدي المؤمن إلى ذلك و إلى دخول الجنة فهو المهتدي للإيمان و الخير عن الجبائي « و من يضلل » أي و من يضلله الله عن طريق الجنة و عن نيل الثواب عقوبة على كفره و فسقه « فأولئك هم الخاسرون » خسروا الجنة و نعيمها و خسروا أنفسهم و الانتفاع بها و قيل
مجمع البيان ج : 4 ص : 771
المهتدي هو الذي هداه الله فقبل الهداية و أجاب إليها و الذي أضله الله هو الذي اختار الضلالة فخلى الله بينه و بين ما اختاره و لم يمنعه منه بالجبر عن البلخي .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page