• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الثامن سورة الأعراف58 الی 67


وَ الْبَلَدُ الطيِّب يخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِى خَبُث لا يخْرُجُ إِلا نَكِداً كذَلِك نُصرِّف الاَيَتِ لِقَوْم يَشكُرُونَ(58)
القراءة
قرأ ابن كثير الريح واحدة و نشرا مضمومة النون و الشين و قرأ أهل المدينة و البصرة « الرياح » جمع نشر بضم النون و الشين حيث كان و قرأ أهل الكوفة غير عاصم الريح نشرا بفتح النون و سكون الشين و قرأ ابن عامر الرياح نشرا بضم النون و سكون الشين و قرأ عاصم « الرياح بشرا » بالباء ساكنة الشين و قرأ أبو جعفر إلا نكدا بفتح الكاف و الباقون بالكسر .

الحجة
قال أبو علي اعلم أن الريح اسم على فعل و العين منه واو فانقلبت في الواحد للكسر فأما في الجمع القليل فصحت لأنه لا شيء فيه يوجب الإعلال أ لا ترى أن الفتحة لا توجب إعلال هذه الواو في نحو قوم و قول فأما في الجمع الكثير فرياح انقلبت ياء للكسرة التي قبلها و إذا كانت انقلبت في نحو ديمة و ديم و حيلة و حيل فأن تنقلب في رياح أجدر لوقوع الألف بعدها و الألف تشبه الياء و الياء إذا تأخرت عن الواو أوجب فيه الإعلال و كذلك الألف لتشبهها بها و قد يجوز أن يكون الريح على لفظ الواحد و يراد به الكثرة كقولهم كثر الدرهم و الدينار و الشاة و البعير و إن الإنسان لفي خسر ثم قال إلا الذين آمنوا و كذلك من قرأ الريح نشرا فأفرد و وصفه بالجمع فإنه حمله على المعنى و قد أجاز أبو الحسن ذلك و قال الشاعر :
فيها اثنتان و أربعون حلوبة
سودا كخافية الغراب الأسحم و من نصب حمله على المعنى لأن المفرد يراد به الجمع و هذا وجه قراءة ابن كثير و قول من جمع الريح إذا وصفها بالجمع الذي هو نشرا أحسن لأن الحمل على المعنى ليس بكثير كالحمل على اللفظ و أما ما جاء في الحديث أن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) كان يقول إذا هبت ريح اللهم اجعلها رياحا و لا تجعلها ريحا فلأن عامة ما جاء في التنزيل على لفظ الرياح للسقيا و الرحمة كقوله تعالى « و أرسلنا الرياح لواقح » و « يرسل الرياح مبشرات » و ما جاء بخلاف ذلك جاء على الإفراد كقوله « فأهلكوا بريح صرصر عاتية » ريح فيها عذاب أليم قال
مجمع البيان ج : 4 ص : 664
أبو عبيدة نشرا متفرقة من كل جانب و قال أبو زيد أنشر الله الموتى إنشارا إذا بعثها و أنشر الله الريح مثل أحياها فنشرت هي أي حييت و الدليل على أن إنشار الريح إحياؤها قول المرار الفقعسي :
و هبت له ريح الجنوب و أحييت
له ريدة يحيي المياه نسيمها و الريدة و الريدانة الريح قال
أودت به ريدانة صرصر ) و من قرأ نشرا يحتمل ضربين يجوز أن يكون جمع ريح نشور و ريح ناشر و يكون على معنى النسب فإذا جعلته جميع نشور احتمل أمرين ( أحدهما ) أن يكون النشور بمعنى المنشر كما أن الركوب بمعنى المركوب فكأن المعنى ريح أو رياح منشرة و يجوز أن يكون جمع نشور يراد به الفاعل مثل طهور و نحوه من الصفات و يجوز أن يكون نشرا جمع ناشر كشاهد و شهد و نازل و نزل و قاتل و قتل قال الأعشى
إنا لأمثالكم يا قومنا قتل ) و قول ابن عامر نشرا يحتمل الوجهين ( أحدهما ) أن يكون على فعول و فاعل و خفف العين كما خفف في كتب و رسل و يكون جمع فاعل كنازل و ينزل و عايط و عيط و أما من قرأ نشرا فإنه يحتمل ضربين ( أحدهما ) أن يكون المصدر حالا من الريح فإذا جعلته حالا منها احتمل أمرين ( أحدهما ) أن يكون النشر الذي هو خلاف الطي كأنها كانت بانقطاعها كالمطوية و يجوز على تأويل أبي عبيدة أن تكون متفرقة في وجوهها ( و الآخر ) أن يكون النشر الذي هو الحياة في نحو قوله
يا عجبا للميت الناشر ) فإذا حملته على ذلك و هو الوجه كان المصدر يراد به الفاعل كما تقول أتانا ركضا أي راكضا و يجوز أن يكون المصدر يراد به المفعول كأنه يرسل الرياح إنشارا أي محياة فحذف الزوائد من المصدر كما قال عمرك الله و كما قال
و أن يهلك فذلك كان قدري ) أي تقديري ( و الضرب الآخر ) أن يكون نشرا ينتصب انتصاب المصدر من باب صنع الله لأنه إذا قال يرسل الرياح دل هذا الكلام على تنشر الرياح نشرا أو تنشر نشرا من قوله
كما تنشر بعد الطية الكتب ) و من نشرت الريح كما ينشر الميت و قرأ عاصم « بشرا » جمع بشير و بشر من قوله « يرسل الرياح مبشرات » أي تبشر بالمطر و الرحمة و جمع بشيرا على بشر ككتاب و كتب الوجه في قراءة أبي جعفر نكدا أنه لغة في نكد قال الزجاج و يجوز فيه و جهان آخران نكدا و نكدا إلا أنه لم يثبت بهما رواية .

اللغة
الإقلال حمل الشيء بأسره حتى يقل في طاقة الحامل له بقوة جسمه يقال استقل بحمله استقلالا و أقله إقلالا و السحاب الغيم الجاري في السماء يقال سحبته فانسحب
مجمع البيان ج : 4 ص : 665
و السوق حث الشيء في السير حتى يقع الإسراع فيه يقال ساقه و استاقه و البلد هو الأرض التي تجمع الخلق الكثير و البادية كالبلد للأعراب و نحوهم من الأكراد و النكد العسر الممتنع من إعطاء الخير على وجه البخل يقال نكد ينكد نكدا و نكدا فهو نكد و نكد و قد نكد إذا سئل فبخل قال الشاعر :
و أعط ما أعطيته طيبا
لا خير في المنكود و الناكد .

المعنى
لما أخبر الله سبحانه في الآية المتقدمة بأنه خلق السماوات و الأرض و ما فيها من البدائع عطف على ذلك بقوله « و هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته » تعداد النعمة على بريته أي يطلقها و يجريها منتشرة في الأرض أو محيية للأرض أو مبشرة بالغيث على ما تقدم بيانه قدام رحمته و هو المطر « حتى إذا أقلت » أي حملت و قيل رفعت « سحابا ثقالا » بالماء « سقناه لبلد ميت » أي إلى بلد ميت و موت البلد تعفي مزارعه و دروس مشاربه لا نبات فيه و لا زرع و لم يقل سقناها لأنه رد الضمير إلى لفظ السحاب و الرياح تجمع السحاب من المواضع المختلفة حتى إذا اتصل السحاب أنزل المطر « فأنزلنا به الماء » يجوز أن يكون في الضمير في به راجعا إلى البلد أي فأنزلنا بالبلد الماء و يجوز أن يكون راجعا إلى السحاب أي فأنزلنا بالسحاب الماء « فأخرجنا به » أي بهذا الماء المنزل أو بهذا البلد « من كل الثمرات » يحتمل أن يكون من للتبعيض و يحتمل أن يكون لتبيين الجنس « كذلك نخرج الموتى » أي كما أخرجنا الثمرات كذلك نخرج الموتى بأن نحييها بعد موتها « لعلكم تذكرون » أي لكي تتذكروا و تتفكروا و تعتبروا بأن من قدر على إنشاء الأشجار و الثمار في البلد الذي لا ماء فيه و لا زرع بريح يرسلها فإنه يقدر على إحياء الأموات بأن يعيدها إلى ما كانت عليه و يخلق فيها الحياة و القدرة و استدل أبو القاسم البلخي بهذه الآية على أن كثيرا من الأشياء يكون بالطبع قال لأن الله تعالى بين أنه يخرج الثمرات بالماء الذي ينزله من السماء ثم قال و لا ينبغي أن ينكر ذلك و إنما ينكر قول من يقول بقدم الطبائع و أن الجهادات فاعلة فأما من قال أن الله تعالى هو الفاعل لهذه الأشياء غير أنه يفعلها تارة مخترعة بلا وسائط و تارة يفعلها بوسائط فلا كراهة في ذلك كما تقول في السبب و المسبب و أنكر عليه هذا القول أكثر أهل العدل و قالوا إن الله سبحانه أجرى العادة بإخراج النبات عند إنزال المطر مع قدرته على إخراج ذلك من غير مطر لما تقتضيه الحكمة من وجوه المصالح الدينية و الدنيوية ثم بين سبحانه حال الأرض التي يأتيها المطر فقال « و البلد الطيب » معناه و الأرض الطيب ترابه « يخرج نباته » أي
مجمع البيان ج : 4 ص : 666
زروعه خروجا حسنا ناميا زاكيا من غير كد و لا عناء « بإذن ربه » بأمر الله تعالى و إنما قال « بإذن ربه » ليكون أدل على العظمة و نفوذ الإرادة من غير تعب و لا نصب « و الذي خبث لا يخرج إلا نكدا » أي و الأرض السبخة التي خبث ترابها لا يخرج ريعها إلا شيئا قليلا لا ينتفع به عن السدي و معناه إلا عسرا ممتنعا من الخروج و لو أراد سبحانه أن يخرج من الأرض النكدة أكثر مما يخرج من الأرض الطيبة لأمكنه إلا أنه أجرى العادة بإخراجه من الأرض الطيبة ليكون ذلك باعثا للإنسان على طلب الخير من مظانه و دلالة له على وجوب الاجتهاد في الطاعات فإذا حمل نفسه على ابتغاء الخير اليسير الذي لا يدوم و ربما لا يحصل فأن يبتغي النعيم الدائم الذي لا يفنى و لا يبيد بالأعمال الصالحة أولى « كذلك نصرف الآيات » أي الدلالات المختلفة « لقوم يشكرون » معناه كما بينا هذا المثل نبين الدلالات للشاكرين و قيل كما صرفنا الآيات لكم بالإتيان ب آية بعد آية و حجة بعد أخرى نصرفها لقوم يشكرون الله على إنعامه عليهم و من إنعامه عليهم هدايته إياهم لما فيه نجاتهم و تبصيرهم سبيل أهل الضلال و أمره إياهم تجنب ذلك و العدول عنه و روي عن ابن عباس و مجاهد و الحسن أن هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن و الكافر فأخبر بأن الأرض كلها جنس واحد إلا أن منها طيبة تلين بالمطر و يحسن نباتها و يكثر ريعها و منها سبخة لا تنبت شيئا فإن أنبتت فما لا منفعة فيه و كذلك القلوب كلها لحم و دم ثم منها لين يقيل الوعظ و منها قاس جاف لا يقبل الوعظ فليشكر الله تعالى من لأن قلبه لذكره .

مجمع البيان ج : 4 ص : 667
لَقَدْ أَرْسلْنَا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَه غَيرُهُ إِنى أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم عَظِيم(59) قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنرَاك فى ضلَل مُّبِين(60) قَالَ يَقَوْمِ لَيْس بى ضلَلَةٌ وَ لَكِنى رَسولٌ مِّن رَّب الْعَلَمِينَ(61) أُبَلِّغُكُمْ رِسلَتِ رَبى وَ أَنصحُ لَكمْ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ(62) أَ وَ عجِبْتُمْ أَن جَاءَكمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكمْ عَلى رَجُل مِّنكمْ لِيُنذِرَكُمْ وَ لِتَتَّقُوا وَ لَعَلَّكمْ تُرْحَمُونَ(63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَهُ وَ الَّذِينَ مَعَهُ فى الْفُلْكِ وَ أَغْرَقْنَا الَّذِينَ كذَّبُوا بِئَايَتِنَا إِنهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ(64)
القراءة
قرأ أبو جعفر و الكسائي من إله غيره بخفض الراء حيث وقع و الباقون بالرفع و قرأ أبو عمرو وحده أبلغكم بتخفيف اللام و الباقون بتشديدها .

الحجة
قال أبو علي وجه قراءة من جر أنه جعل غيرا صفة لإله على اللفظ و جعل لكم مستقرا أو جعله غير مستقر و أضمر الخبر و الخبر ما لكم في الوجود أو في العالم أو نحو ذلك لا بد من هذا الإضمار إذا لم نجعل لكم مستقرا لأن الصفة و الموصوف لا يستقل بهما كلام و حجة من رفع قوله ما من إله إلا الله فكما أن قوله إلا الله بدل من قوله من إله كذلك قوله « غيره » يكون بدلا من قوله « من إله » و « غيره » يكون بمنزلة الاسم الذي بعد إلا و هذا الذي ذكرنا أولى أن يحمل عليه من أن يجعل غير صفة لإله على الموضع فإن قلت ما تنكر أن يكون إلا الله صفة لقوله من إله على الموضع كما كان قوله لو كان فيهما آلهة إلا الله صفة لآلهة قيل إن إلا بكونها استثناء أعرف و أكثر من كونها صفة و إنما جعلت صفة على التشبيه بغير فإذا كان الاستثناء أولى حملنا هل من خالق غير الله على الاستثناء من المنفي في المعنى لأن قوله هل من خالق غير الله بمنزلة ما من خالق غير الله و لا بد من إضمار الخبر كأنه ما من خالق للعالم غير الله و يؤكد ذلك لا إله إلا الله فهذا استثناء من منفي مثل لا أحد في الدار إلا زيد فأما قراءة حمزة و الكسائي هل من خالق غير الله فعلى أن جعلا غير صفة للخالق و أضمرا الخبر كما تقدم و الباقون جعلوه استثناء بدلا من المنفي و هو الأولى عندنا لما تقدم من الاستشهاد عليه من قوله ما من إله إلا الله و « أبلغكم » فالقول فيه أن بلغ يتعدى إلى مفعول في نحو بلغني الخبر فإذا نقلته تعدى إلى مفعولين و النقل يكون بالهمزة و بتضعيف العين و كلا الأمرين جاء به التنزيل قال سبحانه يا أيها الرسول بلغ إلى قوله فما بلغت رسالته و قال فإن تولوا فقد أبلغتكم و ليعلم أن قد أبلغوا .

اللغة
الملأ الجماعة من الرجال خاصة و مثله القوم و النفر و الرهط عن الفراء و سموا بذلك لأنهم يملئون المحافل و القوم الجمع الذي يقوم بالأمر سموا بالمصدر و الإبلاغ
مجمع البيان ج : 4 ص : 668
إيصال ما فيه بيان و إفهام و منه البلاغة و هو إيصال المعنى إلى النفس بأحسن صورة من اللفظ و البليغ الذي ينشىء البلاغة لا الذي يأتي بها على وجه الحكاية و الفرق بين الإبلاغ و الأداء أن الأداء إيصال الشيء على الوجه الذي يجب فيه و منه فلان أدى الدين أداء و فلان حسن الأداء لما يسمع و حسن الأداء للقراءة و الرسالات جمع رسالة و هي جملة من البيان يحملها القائم بها ليؤديها إلى غيره و النصيحة إخلاص النية من شائب الفساد في المعاملة و الفلك و السفن يقع على الواحد و على الجمع و أصله الدور مشتق من قولهم فلك ثدي الجارية إذا استدار و منه الفلكة و الفلك .

الإعراب
« يا قوم » حذفت ياء الإضافة لقوة النداء على التغيير حتى يحذف للترخيم فلما جاز أن يحذف في غير النداء للاجتزاء بالكسرة منها لزم أن يحذف فيه لاجتماع سببين فيها « لكني » أصله لكنني حذفت النون لاجتماع النونات و يجوز الإتمام في غير القرآن لأنه الأصل و كذلك إني و كأني فأما ليتني فلا يجوز فيه إلا إثبات النون لأنه لم يعرض فيه علة الحذف و أما لعلي فيجوز فيه الوجهان لأن اللام قريبة من النون ، « رسول من رب العالمين » من هنا لابتداء الغاية أي هو ابتدائي بالرسالة و كل مبتدإ بفعل فذلك الفعل منه و أصل من أن يكون لابتداء الغاية .

المعنى
لما بين الله سبحانه الأدلة على وحدانيته ذكر بعده حال من عاند و كذب رسله تسلية لنبينا محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و تثبيتا له على احتمال الأذى من قومه و تحذيرا لهم عن الاقتداء بأولئك فينزل بهم ما نزل بهم و ابتداء بقصة نوح فقال « لقد أرسلنا نوحا إلى قومه » اللام للقسم و قد تأكيد للكلام و تقديره حقا أقول إنا حملنا نوحا الرسالة إلى قومه و تحميل الرسالة تكليفه القيام بها و هي منزلة جليلة شريفة يستحق الرسول بتقبله إياها و قيامه بأعبائها من التعظيم و الإجلال ما لا يستحق بغيره و هو نوح بن ملك بن متوشلخ بن أخنوخ النبي و هو إدريس (عليه السلام) و هو أول نبي بعد إدريس و قيل إنه كان نجارا و ولد في العام الذي مات فيه آدم (عليه السلام) قبل موت آدم في الألف الأولى و بعث في الألف الثانية و هو ابن أربعمائة و قيل بعث و هو ابن خمسين سنة و لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما و كان في تلك الألف ثلاثة قرون عايشهم و عمر فيهم و كان يدعوهم ليلا و نهارا فلا يزيدهم دعاؤه إلا فرارا و كان يضربه قومه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ثم شكاهم إلى الله تعالى ففرغت له الدنيا و عاش بعد ذلك تسعين سنة و روي أكثر من ذلك أيضا « فقال
مجمع البيان ج : 4 ص : 669
يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره » أخبر سبحانه أنه أمرهم بعبادة الله وحده لأنه لا إله لهم غيره و لا معبود لهم سواه ثم أوعدهم على مخالفته فقال « إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم » إنما قال أخاف و لم يقطع لأنه جوز أن يؤمنوا ثم ذكر سبحانه جوابهم فقال « قال الملأ من قومه » أي الجماعة من قومه عن الجبائي و قيل الأشراف و الرؤساء الذين يملئون الصدور هيبا و جمالا عن أبي مسلم « إنا لنراك في ضلال مبين » قيل معناه رؤية القلب الذي هو العلم أي إنا لنعلمك في ذهاب من الحق بين ظاهر لدعائك إيانا إلى ترك عبادة الأصنام و قيل معناه رؤية البصر أي نراك بأبصارنا على هذه الحال و قيل أنه من الرأي الذي هو غالب الظن فكأنه قال إنا لنظنك « قال يا قوم ليس بي ضلالة » هذا إخبار عما أجابهم به نوح (عليه السلام) أي ليس بي عدول عن الحق و لا ذهاب عن الصواب يقال به ضلالة لأن معناه عرض به ذاك كما يقال به جنة و لا يجوز أن يقال به معرفة لأنها ليست مما يعرض لصاحبها و لكن يصح أن يقال به جوع و به عطش « و لكني رسول من رب العالمين » الذي يملك كل شيء « أبلغكم رسالات ربي » أي أؤدي إليكم ما حملني ربي من الرسالات « و أنصح لكم » في تبليغ الرسالة على وجهها من غير تغيير و لا زيادة و لا نقصان « و أعلم من الله » أي من صفات الله و توحيده و عدله و حكمته « ما لا تعلمون » و قيل أعلم من دين الله و قيل أعلم من قدرته و سلطانه و شدة عقابه ما لا تعلمونه و الكل محتمل و قيل إنما قال ذلك لأن قوم نوح لم يسمعوا قط أن الله سبحانه عذب قوما و قد سمعت الأمم بعدهم هلاك من قبلهم أ لا ترى أن هودا قال جعلكم خلفاء من بعد نوح و قال شعيب مثل ما أصاب قوم نوح « أ و عجبتم » هذه همزة استفهام دخلت على واو العطف على جهة الإنكار فبقيت الواو مفتوحة كما كانت فالكلام مستأنف من وجه متصل من وجه « إن جاءكم ذكر » أي لأن جاءكم بيان و قيل نبوة و رسالة « من ربكم على رجل منكم لينذركم » أي على بشر مثلكم ليخوفكم العقاب إن لم تؤمنوا و قيل أن على هنا بمعنى مع أي مع رجل منكم تعرفون مولده و منشأه ليعلمكم بموضع المخافة و إنما أنكر عليهم التعجب لأنه ليس في إرساله إليهم ليرشدهم إلى ما فيه صلاحهم موضع تعجب و إنما العجب من إعمال أمرهم كيف و وجوب الرسالة إذا كان للخلق فيها مصلحة أمر قد اقتضته الحكمة و دل عليه العقل « و لتتقوا » أي و لتتقوا الشرك و المعاصي « و لعلكم ترحمون » أي و لكي ترحموا و قال الحسن و لتتقوه رجاء أن يرحمكم « فكذبوه » أي فكذبوا نوحا فيما دعاهم إليه « فأنجيناه و الذين معه في الفلك » أي فخلصناه و الذين كانوا معه في السفينة و هم المؤمنون من عذاب الغرق « و أغرقنا الذين كذبوا ب آياتنا » أي و أهلكنا الذين
مجمع البيان ج : 4 ص : 670
كذبوا بدلائلنا بالماء « إنهم كانوا قوما عمين » عن الحق أي ذاهبين عنه جاهلين به يقال رجل عم إذا كان أعمى القلب و رجل أعمى في البصر قال زهير :
و لكنني عن علم ما في غد عمي .

] قصة نوح (عليه السلام)
[ قد ذكرنا نسبه و كان من قصته ما رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه بإسناده في كتاب النبوة مرفوعا إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال لما بعث الله عز و جل نوحا دعا قومه علانية فلما سمع عقب هبة الله بن آدم من نوح تصديق ما في أيديهم من العلم و عرفوا أن العلم الذي في أيديهم هو العلم الذي جاء به نوح صدقوه و سلموا له فأما ولد قابيل فإنهم كذبوه و قالوا إن الجن كانوا قبلنا فبعث الله إليهم ملكا فلو أراد أن يبعث إلينا لبعث إلينا ملكا من الملائكة حنان بن سدير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال آمن مع نوح من قومه ثمانية نفر و في حديث وهب بن منبه أن نوحا (عليه السلام) كان أول نبي نبأه الله عز و جل بعد إدريس و كان إلى الأدمة ما هو دقيق الوجه في رأسه طول عظيم العينين دقيق الساقين طويلا جسيما دعا قومه إلى الله حتى انقرضت ثلاثة قرون منهم كل قرن ثلثمائة سنة يدعوهم سرا و جهرا فلا يزدادون إلا طغيانا و لا يأتي منهم قرن إلا كان أعتى على الله من الذين قبلهم و كان الرجل منهم يأتي بابنه و هو صغير فيقيمه على رأس نوح فيقول يا بني إن بقيت بعدي فلا تطيعن هذا المجنون و كانوا يثورون إلى نوح فيضربونه حتى يسيل مسامعه دما و حتى لا يعقل شيئا مما يصنع به فيحمل فيرمي به في بيت أو على باب داره مغشيا عليه فأوحى الله تعالى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من آمن فعندها أقبل على الدعاء عليهم و لم يكن دعا عليهم قبل ذلك فقال رب لا تذر على الأرض إلى آخر السورة فأعقم الله تعالى أصلاب الرجال و أرحام النساء و لبثوا أربعين سنة لا يولد لهم ولد و قحطوا في تلك الأربعين سنة حتى هلكت أموالهم و أصابهم الجهد و البلاء ثم قال لهم نوح استغفروا ربكم إنه كان غفارا الآيات فأعذر إليهم و أنذر فلم يزدادوا إلا كفرا فلما يئس منهم أقصر عن كلامهم و دعائهم فلم يؤمنوا و قالوا لا تذرن آلهتكم و لا تذرن ودا و لا سواعا الآية يعنون آلهتهم حتى غرقهم الله و آلهتهم التي كانوا يعبدونها فلما كان بعد خروج نوح من السفينة و عبد الناس الأصنام سموا أصنامهم بأسماء أصنام قوم نوح فاتخذ أهل اليمن يغوث و يعوق و أهل دومة الجندل صنما سموه ودا و اتخذت حمير صنما سمته نسرا و هذيل صنما سموه سواعا فلم يزالوا يعبدونها حتى جاء الإسلام و سنذكر قصة السفينة و الغرق في سورة هود إن
مجمع البيان ج : 4 ص : 671
شاء الله تعالى و روى الشيخ أبو جعفر بن بابويه عن علي بن أحمد بن موسى قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال حدثنا سهل بن زياد الآدمي قال حدثنا عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال سمعت علي بن محمد (عليهماالسلام) يقول عاش نوح (عليه السلام) ألفين و خمسمائة سنة و كان يوما في السفينة نائما فهبت ريح فكشفت عورته فضحك حام و يافث و زجرهما سام و نهاهم عن الضحك و كان كلما غطى سام ما يكشفه الريح كشفه حام و يافث فانتبه نوح فرآهم يضحكون فقال ما هذا فأخبره سام بما كان فرفع نوح يده إلى السماء يدعو فقال اللهم غير ماء صلب حام حتى لا يولد له إلا السودان اللهم غير ماء صلب يافث فغير الله ماء صلبيهما فجميع السودان من صلب حام حيث كانوا و جميع الترك و السقلاب و يأجوج و مأجوج و الصين من يافث و جميع البيض سواهم من سام و قال نوح لحام و يافث جعل الله ذريتكما خولا لذرية سام إلى يوم القيامة لأنه بر بي و عققتماني فلا زالت سمة عقوقكما لي في ذريتكما ظاهرة و سمة البر بي في ذرية سام ظاهرة ما بقيت الدنيا قال الشيخ أبو جعفر بن بابويه القمي رحمه الله ذكر يافث في هذا الخبر غريب لم أروه إلا من هذا الطريق و جميع الأخبار التي رويتها في هذا المعنى فيها ذكر حام وحده و أنه ضحك لما انكشفت عورة أبيه و أن ساما و يافث كانا في ناحية فبلغهما ما صنع فأقبلا و معهما ثوب و هما معرضان و ألقيا عليه الثوب و هو نائم فلما استيقظ أوحى الله عز و جل إليه الذي صنع حام فلعن حاما و دعا عليه و روى إبراهيم بن هاشم عن علي بن الحكم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال عاش نوح ألفي سنة و خمسمائة سنة منها ثمانمائة و خمسين قبل أن يبعث و ألف سنة إلا خمسين عاما و هو في قومه يدعوهم و مائتي عام في عمل السفينة و خمسمائة عام بعد ما نزل من السفينة و نضب الماء فمصر الأمصار و أسكن ولده البلدان ثم إن ملك الموت جاءه و هو في الشمس فقال السلام عليك يا ملك الموت فقال جئت لأقبض روحك فقال له تدعني أتحول من الشمس إلى الظل فقال له نعم قال فتحول نوح ثم قال له يا ملك الموت كان ما مر بي من الدنيا مثل تحولي من الشمس إلى الظل فامض لما أمرت به قال فقبض روحه (عليه السلام) ) .

مجمع البيان ج : 4 ص : 672
* وَ إِلى عَاد أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكم مِّنْ إِلَه غَيرُهُ أَ فَلا تَتَّقُونَ(65) قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنرَاك فى سفَاهَة وَ إِنَّا لَنَظنُّك مِنَ الْكَذِبِينَ(66) قَالَ يَقَوْمِ لَيْس بى سفَاهَةٌ وَ لَكِنى رَسولٌ مِّن رَّب

الْعَلَمِينَ(67)


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page