• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الثامن سورة الأعراف23 الی 30


قَالا رَبَّنَا ظلَمْنَا أَنفُسنَا وَ إِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَ تَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَسرِينَ(23) قَالَ اهْبِطوا بَعْضكمْ لِبَعْض عَدُوُّ وَ لَكمْ فى الأَرْضِ مُستَقَرُّ وَ مَتَعٌ إِلى حِين(24) قَالَ فِيهَا تحْيَوْنَ وَ فِيهَا تَمُوتُونَ وَ مِنهَا تخْرَجُونَ(25)
القراءة
قرأ أهل الكوفة غير عاصم تخرجون بفتح التاء هاهنا و في الروم و الزخرف و الجاثية لا يخرجون منها بفتح الياء و وافقهم يعقوب و سهل هاهنا و ابن ذكوان هاهنا و في الزخرف و قرأ الباقون جميع ذلك بضم التاء و الياء .

الحجة
من قرأ بالفتح فحجته اتفاق الجميع في قوله إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون بفتح التاء و قوله إلى ربهم ينسلون يؤيده أيضا قوله كما بدأكم تعودون و من قرأ بالضم فحجته قوله أ يعدكم أنكم إذا متم و كنتم ترابا و عظاما إنكم مخرجون و قوله كذلك نخرج الموتى .

اللغة
دلاهما قيل أصله من تدلية الدلو و هو أن ترسلها في البئر و الغرور إظهار النصح مع إبطان الغش و أصل الغر طي الثواب يقال اطوه على غره أي على كسر طيه فالغرور بمنزلته لما فيه من إظهار حال و إخفاء حال و طفق يفعل كذا بمعنى جعل يفعل و مثله ظل يفعل و ابتدأ يفعل و أخذ يفعل و الخصف أصله الضم و الجمع و منه خصف النعل و المخصف المثقب الذي يخصف به النعل و منه قول النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لكنه خاصف النعل في الحجرة يعني عليا (عليه السلام) و الإخصاف سرعة العدو لأنه يقطعه بسرعة و البعض هو أحد قسمي العدة فأحد قسمي العشرة بعضها واحد قسمي الاثنين كذلك و لا بعض للواحد لأنه لا ينقسم قال علي بن عيسى العدو هو النائي بنصرته في وقت الحاجة إلى معونته و الولي هو الداني بنصرته في وقت الحاجة إليها ، و المستقر هو موضع الاستقرار و هو أيضا الاستقرار بعينه لأن المصدر يجيء على وزن المفعول و المتاع الانتفاع بما فيه عاجل استلذاذ و الحين الوقت قصيرا كان أو طويلا إلا أنه استعمل هنا على طول الوقت و ليس بأصل فيه .

المعنى
« فدلاهما بغرور » أي أوقعهما في المكروه بأن غرهما بيمينه و قيل معناه دلاهما من الجنة إلى الأرض و قيل معناه خذلهما و خلاهما من قولهم تدلى من الجبل أو السطح إذ أنزل إلى جهة السفل عن أبي عبيدة أي حطهما عن درجتهما بغروره « فلما ذاقا الشجرة » أي ابتدءا بالأكل و نالا منها شيئا يسيرا و لذلك أتى بلفظة ذاقا عبارة عن أنهما تناولا شيئا قليلا من ثمرة الشجرة على خوف شديد لأن الذوق ابتداء الأكل و الشرب ليعرف الطعم و في هذا دلالة على أن ذوق الشيء المحرم يوجب الذم فكيف استيفاؤه و قضاء الوطر منه « بدت لهما سوآتهما » أي ظهرت لهما عوراتهما ظهر لكل واحد منهما عورة صاحبه قال
مجمع البيان ج : 4 ص : 629
الكلبي فلما أكلا منها تهافت لباسهما عنهما فأبصر كل واحد منهما سوأة صاحبه فاستحيا « و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة » أي أخذا يجعلان ورقة على ورقة ليسترا سوآتهما عن الزجاج و قيل معناه جعلا يرقعان و يصلان عليهما من ورق الجنة و هو ورق التين حتى صار كهيئة الثوب عن قتادة و هذا إنما كان لأن المصلحة اقتضت إخراجهما من الجنة و إهباطهما إلى الأرض لا على وجه العقوبة فإن الأنبياء لا يستحقون العقوبة و قد مضى الكلام فيه في سورة البقرة « و ناداهما ربهما أ لم أنهكما عن تلكما الشجرة » أي من تلك الشجرة لكنه لما خاطب اثنين قال تلكما و الكاف حرف الخطاب « و أقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين » ظاهر المعنى « قالا » أي قال آدم و حواء لما عاتبهما الله سبحانه و وبخهما على ارتكاب النهي عنه « ربنا ظلمنا أنفسنا » و معناه بخسناها الثواب بترك المندوب إليه فالظلم هو النقص و من ذهب إلى أنهم فعلا صغيرة فإنه يحمل الظلم على تنقيص الثواب إذا كانت الصغيرة عنده تنقص من ثواب الطاعات فأما من قال إن الصغيرة تقع مكفرة من غير أن تنقص من ثواب فاعلها شيئا فلا يتصور هذا المعنى عنده و لا يثبت في الآية فائدة و لا خلاف أن حواء و آدم لم يستحقا العقاب و إنما قالا ذلك لأن من جل في الدين قدمه كثر على يسير الزلل ندمه و قيل معناه ظلمنا أنفسنا بالنزول إلى الأرض و مفارقة العيش الرغد « و إن لم تغفر لنا » معناه و إن لم تستر علينا لأن المغفرة هي الستر على ما تقدم بيانه « و ترحمنا » أي و لم تتفضل علينا بنعمتك التي يتم بها ما فوتناه نفوسنا من الثواب و بضروب فضلك « لنكونن من الخاسرين » أي من جملة من خسر و لم يربح و الإنسان يصح أن يظلم نفسه بأن يدخل عليها ضررا غير مستحق فلا يدفع عنها ضررا أعظم منه و لا يجتلب به منفعة توفي عليه و لا يصح أن يكون معاقبا لنفسه « قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو و لكم في الأرض مستقر و متاع إلى حين » قد مر تفسيره في سورة البقرة « قال » الله تعالى « فيها تحيون » أي في الأرض تعيشون « و فيها تموتون و منها تخرجون » عند البعث يوم القيامة قال الجبائي في الآية دلالة على أن الله سبحانه يخرج العباد يوم القيامة من هذه الأرض التي حيوا فيها بعد موتهم و أنه يفنيها بعد أن يخرج العباد منها في يوم الحشر و إذا أراد إفناءها زجرهم عنها زجرة فيصيرون إلى أرض أخرى يقال لها الساهرة و تفنى هذه كما قال فإذا هم بالساهرة .

مجمع البيان ج : 4 ص : 630
يَبَنى ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكمْ لِبَاساً يُوَرِى سوْءَتِكُمْ وَ رِيشاً وَ لِبَاس التَّقْوَى ذَلِك خَيرٌ ذَلِك مِنْ ءَايَتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ(26) يَبَنى ءَادَمَ لا يَفْتِنَنَّكمُ الشيْطنُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنهُمَا لِبَاسهُمَا لِيرِيَهُمَا سوْءَتهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْث لا تَرَوْنهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشيَطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ(27) وَ إِذَا فَعَلُوا فَحِشةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيهَا ءَابَاءَنَا وَ اللَّهُ أَمَرَنَا بهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ(28)
القراءة
قرأ أهل المدينة و ابن عامر و الكسائي و لباس بالنصب و الباقون بالرفع .

الحجة
قال أبو علي أما النصب فلأنه حمل على أنزل أي أنزلنا عليكم لباسا و لباس التقوى و قوله « ذلك » على هذا مبتدأ و خبره « خير » و من رفع فقال « و لباس التقوى » قطع اللباس من الأول و استأنف به فجعله مبتدأ و ذلك صفة أو بدل أو عطف بيان و من قال إن ذلك لغو لم يكن على قوله دلالة لأنه يجوز أن يكون على أحد ما ذكرنا و خير خبر اللباس و المعنى لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به و أقرب له إلى الله تعالى مما خلق له من اللباس و الرياش الذي يتجمل به و أضيف اللباس إلى التقوى كما أضيف في قوله فأذاقها الله لباس الجوع إلى الجوع و الخوف .

اللغة
اللباس كل ما يصلح للبس من ثوب أو غيره من نحو الدرع و ما يغشى به البيت من نطع أو كسوة و أصله المصدر تقول لبسه يلبسه و لباسا و لبسا بكسر اللام قال الشاعر :
فلما كشفن اللبس عنه مسحنه
بأطراف طفل زان غيلا موشما
مجمع البيان ج : 4 ص : 631
و الغيل الساعد الريان الممتلىء و الريش و الأثاث متاع البيت من فراش أو دثار و قيل الريش ما فيه الجمال و منه ريش الطائر و قيل أنه المصدر من راشه يريشه ريشا و أنشد سيبويه :
ريشي منكم و هواي معكم
و إن كانت زيارتكم لماما قال الزجاج الريش كل ما يستر الرجل في جسمه و معيشته يقال تريش فلان أي صار له ما يعيش به و تقول العرب أعطيته رجلا بريشه أي بكسوته و قال أبو عبيدة الريش و الرياش ما ظهر من اللباس و الفتنة الابتلاء و الامتحان يقال فتنت الذهب بالنار امتحنته و قلب فاتن أي مفتون قال الشاعر :
رخيم الكلام قطيع القيام
أمسى فؤادي بها فاتنا القبيل الجماعة من قبائل شتى فإذا كانوا من أب و أم واحد فهم قبيلة .

المعنى
لما ذكر سبحانه نعمته على بني آدم في تبوئه الدار و المستقر عقبه بذكر النعمة في الملابس و الستر فقال « يا بني آدم » و هو خطاب عام لجميع أهل الأزمنة من المكلفين كما يوصي الإنسان ولده و ولد ولده بتقوى الله و يجوز خطاب المعدوم إذا كان من المعلوم أنه سيوجد و يتكامل فيه شروط التكليف « قد أنزلنا عليكم لباسا » قيل إنه أنزل ذلك مع آدم و حواء حين أمرا بالانهباط عن الجبائي و هو الظاهر و قيل معناه أنه ينبت بالمطر الذي ينزل من السماء عن الحسن و قيل لأن البركات ينسب إلى أنها تأتي من السماء كقوله و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد عن علي بن عيسى و قيل معنى أنزلنا عليكم أعطيناكم و وهبنا لكم و كل ما أعطاه الله تعالى لعبده فقد أنزله عليه ليس أن هناك علوا و سفلا و لكنه يجري مجرى التعظيم كما يقال رفعت حاجتي إلى فلان و رفعت قضيتي إلى الأمير عن أبي مسلم و قيل معناه خلقنا لكم كما قال و أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج و أنزلنا الحديد عن أبي علي الفارسي « يواري سوآتكم » أي يستر عوراتكم « و ريشا » أي أثاثا مما تحتاجون إليه و قيل مالا عن ابن عباس و مجاهد و السدي و قيل جمالا عن ابن زيد و قيل خصبا و معاشا عن الأخفش و قيل خيرا و كل ما قاله المفسرون فإنه يدخل فيه إلا أن كلا منهم خص بعض الخير
مجمع البيان ج : 4 ص : 632
بالذكر « و لباس التقوى » هو العمل الصالح عن ابن عباس و قيل هو الحياء الذي يكسيكم التقوى عن الحسن و قيل هو ثياب النسك و التواضع إذا اقتصر عليه كلباس الصوف و الخشن من الثياب عن الجبائي و قيل هو لباس الحرب و الدرع و المغفر و الآلات التي يتقى بها من العدو عن زيد بن علي بن الحسين (عليهماالسلام) و أبي مسلم و قيل هو خشية الله تعالى عن عروة بن الزبير و قيل هو ستر العورة يتقي الله فيواري عورته عن ابن زيد و قيل هو الإيمان عن قتادة و السدي و لا مانع من حمل ذلك على الجميع « ذلك خير » أي لباس التقوى خير من جميع ما يلبس « ذلك من آيات الله » أي ذلك الذي خلقه الله و أنزله من حجج الله التي تدل على توحيده « لعلهم يذكرون » معناه لكي يتفكروا فيها فيؤمنوا بالله و يصيروا إلى طاعته و ينتهوا عن معاصيه ثم خاطبهم سبحانه مرة أخرى فقال « يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان » أي لا يضلنكم عن الدين و لا يصرفنكم عن الحق بأن يدعوكم إلى المعاصي التي تميل إليها النفوس و إنما صح أن ينهى الإنسان بصيغة النهي للشيطان لأنه أبلغ في التحذير من حيث يقتضي أنه يطلبنا بالمكروه و يقصدنا بالعداوة فالنهي له يدخل فيه النهي لنا عن ترك التحذير منه « كما أخرج أبويكم من الجنة » نسب الإخراج إليه لما كان بإغوائه و إن كان خروجهما بأمر الله تعالى و جرى ذلك مجرى ذمه لفرعون بأنه يذبح أبناءهم و إنما أمر بذلك و تحقيق الذم فيها راجع إلى فعل المذموم و لكنه يذكر بهذه الصفة لبيان منزلة فعله في عظم الفاحشة « ينزع عنهما » عند وسوسته و دعائه لهما « لباسهما » من ثياب الجنة و قيل كان لباسهما الظفر عن ابن عباس أي كان شبه الظفر و على خلقته و قيل كان لباسهما نورا عن وهب بن منبه « ليريهما سوآتهما » عوراتهما « إنه » يعني الشيطان « يراكم هو و قبيله » أي نسله عن الحسن و ابن زيد يدل عليه قوله « أ فتتخذونه و ذريته أولياء من دوني » و قيل جنوده و أتباعه من الجن و الشياطين « من حيث لا ترونهم » قال ابن عباس إن الله تعالى جعلهم يجرون من بني آدم مجرى الدم و صدور بني آدم مساكن لهم كما قال الذي يوسوس في صدور الناس فهم يرون بني آدم و بنو آدم لا يرونهم قال قتادة و الله إن عدوا يراك من حيث لا تراه لشديد المئونة إلا من عصم الله و إنما قال ذلك لأنا إذا كنا لا نراهم لم نعرف قصدهم لنا بالكيد و الإغواء فينبغي أن نكون على حذر فيما نجده في أنفسنا من الوساوس خيفة أن يكون ذلك من الشيطان و إنما لا يراهم البشر لأن أجسامهم شفافة لطيفة تحتاج رؤيتها إلى فضل شعاع و قال أبو الهذيل و أبو بكر بن الإخشيد يجوز أن يمكنهم الله تعالى فينكشفوا فيراهم حينئذ من يحضرهم و إليه ذهب علي بن عيسى و قال إنهم ممكنون من ذلك و هو الذي نصره
مجمع البيان ج : 4 ص : 633
الشيخ المفيد أبو عبد الله رحمه الله قال الشيخ أبو جعفر قدس الله روحه و هو الأقوى عندي و قال الجبائي لا يجوز أن يرى الشياطين و الجن لأن الله عز اسمه قال « لا ترونهم » و إنما يجوز أن يروا في زمن الأنبياء بأن يكشف الله أجسادهم على الأنبياء كما يجوز أن يرى الناس الملائكة في زمن الأنبياء « إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون » أي حكمنا بذلك لأنهم يتناصرون على الباطل كما قال و جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أي حكموا بذلك حكما باطلا و إنما خص الذين لا يؤمنون تنبيها على أنهم مع اجتهادهم لا يتمكنون من خيار المؤمنين المتيقظين منهم و إنما يتمكنون من الكفرة و الجهال و الفسقة الإغفال « و إذا فعلوا فاحشة » كنى به عن المشركين الذين كانوا يبدون سوآتهم في طوافهم فكان يطوف الرجال و النساء عراة يقولون نطوف كما ولدتنا أمهاتنا و لا نطوف في الثياب التي قارفنا فيها الذنوب و هم الحمس قال الفراء كانوا يعملون شيئا من سيور مقطعة يشدونهم على حقويهم يسمى حوفا و إن عمل من صوف يسمى رهطا و كانت تضع المرأة على قبلها النسعة فتقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله
و ما بدا منه فلا أحله يعني الفرج لأن ذلك يستر سترا تاما و في الآية حذف تقديره و إذا فعلوا فاحشة فنهوا عنها « قالوا وجدنا عليها آباءنا » قيل و من أين أخذها آباؤكم قالوا « الله أمرنا بها » أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم إذا فعلوا ما يعظم قبحه اعتذروا لنفوسهم إنا وجدنا آباءنا يفعلونها و أن آباءهم فعلوا ذلك من قبل الله و قال الحسن إنهم كانوا أهل إجبار فقالوا لو كره الله ما نحن عليه لنقلنا عنه فلهذا قالوا « و الله أمرنا بها » فرد الله سبحانه عليهم قولهم بأن قال « إن الله لا يأمر بالفحشاء » ثم أنكر عليهم من وجه آخر فقال « أ تقولون على الله ما لا تعلمون » لأنهم إن قالوا لا لنقضوا مذهبهم و إن قالوا نعم افتضحوا في قولهم قال الزجاج « أ تقولون على الله » معناه أ تكذبون عليه .

مجمع البيان ج : 4 ص : 634
قُلْ أَمَرَ رَبى بِالْقِسطِ وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كلِّ مَسجِد وَ ادْعُوهُ مخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ(29) فَرِيقاً هَدَى وَ فَرِيقاً حَقَّ عَلَيهِمُ الضلَلَةُ إِنَّهُمُ اتخَذُوا الشيَطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَ يحْسبُونَ أَنهُم مُّهْتَدُونَ(30)
اللغة
أصل القسط العدل فإذا كان إلى جهة الحق فهو عدل و منه قوله إن الله يحب المقسطين و إذا كان إلى جهة الباطل فهو جور و منه قوله و أما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا و أصل الإخلاص إخراج كل شائب من الجنس و منه إخلاص الدين لله و هو توجيه العبادة إليه خالصا دون غيره و البداء فعل الشيء أول مرة و العود فعله ثاني مرة و قد يكون فعل أول خصلة منه بدء كبدء الصلاة و بدء القراءة و بدأ و أبدأ لغتان و الفريق جماعة انفصلت من جماعة و الاتخاذ افتعال من الأخذ بمعنى إعداد الشيء لأمر من الأمور و الحسبان بمعنى الظن و هو ما قوي عند الظان كون المظنون على ما ظنه مع تجويزه أن يكون على غيره فبالقوة يتميز من اعتقاد التقليد و التبخيت و بالتجويز يتميز من العلم لأن مع العلم القطع .

الإعراب
« و أقيموا » عطف على ما تقدم من قوله لا يفتننكم الشيطان فتقديره احذروا الشيطان و أقيموا وجوهكم عن أبي مسلم و قيل إن تقديره أمر ربي بالقسط و قل أقيموا و قوله « كما بدأكم » قال أبو علي الفارسي تقديره كما بدأ خلقكم ثم حذف المضاف و « تعودون » معناه و يعود خلقكم ثم حذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه فصار المخاطبون فاعلين و « فريقا حق عليهم الضلالة » نصبه ليعطف فعلا على فعل و تقديره و فريقا أضل فأضمر أضل لأنه قد فسره ما بعده فأغني عن ذكره و نظيره قوله يدخل من يشاء في رحمته و الظالمين أعد لهم عذابا أليما و قال الفراء فريقا منصوب على الحال من تعودون و فريقا الثاني عطف عليه و لو رفع على تقدير أحدهما كذا و الآخر كذا لجاز كما قال قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله و أخرى كافرة .

المعنى
لما بين سبحانه أنه لا يأمر بالفحشاء و هو اسم جامع للقبائح و السيئات عقبه ببيان ما يأمر به من القسط و هو اسم جامع لجميع الخيرات فقال « قل » يا محمد « أمر ربي بالقسط » أي بالعدل و الاستقامة عن مجاهد و السدي و أكثر المفسرين و قيل بالتوحيد عن الضحاك و قيل بلا إله إلا الله عن ابن عباس و قيل بجميع الطاعات و القرب عن أبي مسلم « و أقيموا وجوهكم عند كل مسجد » قيل فيه وجوه ( أحدها ) أن معناه توجهوا إلى قبلة كل مسجد في الصلاة على استقامة عن مجاهد و السدي و ابن زيد ( و ثانيها ) أن معناه أقيموا
مجمع البيان ج : 4 ص : 635
وجوهكم إلى الجهة التي أمركم الله بالتوجه إليها في صلاتكم و هي الكعبة و المراد بالمسجد أوقات السجود و هي أوقات الصلاة عن الجبائي و غيره ( و ثالثها ) أن المراد إذا أدركتم الصلاة في مسجد فصلوا و لا تقولوا حتى أرجع إلى مسجدي و المراد بالمسجد موضع السجود عن الفراء و هو اختيار المغربي ( و رابعها ) إن معناه قصدوا المسجد في وقت كل صلاة أمر بالجماعة لها ندبا عند الأكثرين و حتما عند الأقلين ( و خامسها ) أن معناه أخلصوا وجوهكم لله تعالى في الطاعة فلا تشركوا به وثنا و لا غيره عن الربيع « و ادعوه مخلصين له الدين » و هذا أمر بالدعاء و التضرع إليه سبحانه على وجه الإخلاص أي ارغبوا إليه في الدعاء بعد إخلاصكم له الدين و قيل معناه و اعبدوه مخلصين له الدين « كما بدأكم تعودون » قيل في وجه اتصاله بما قبله وجوه ( أحدها ) أن معناه و ادعوه مخلصين فإنكم مبعوثون و مجازون و إن بعد ذلك في عقولكم فاعتبروا بالابتداء و اعلموا أنه كما بدأكم في الخلق الأول فإنه يبعثكم فتعودون إليه في الخلق الثاني ( و ثانيها ) أنه يتصل بقوله فيها تحيون و فيها تموتون و منها تخرجون فقال « كما بدأكم تعودون » أي فليس بعثكم بأشد من ابتدائكم عن الزجاج قال و إنما ذكره على وجه الحجاج عليهم لأنهم كانوا لا يقرون بالبعث ( و ثالثها ) أنه كلام مستأنف أي يعيدكم بعد الموت فيجازيكم عن أبي مسلم قال قتادة بدأكم من التراب و إليه تعودون كما قال منها خلقناكم و فيها نعيدكم و قيل معناه كما بدأكم لا تملكون شيئا كذلك تبعثون يوم القيامة و يروى عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال تحشرون يوم القيامة عراة حفاة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا أنا كنا فاعلين و قيل معناه تبعثون على ما متم عليه ، المؤمن على إيمانه و الكافر على كفره عن ابن عباس و جابر « فريقا » أي جماعة « هدى » أي حكم لهم بالاهتداء بقبولهم للهدى أو لطف لهم بما اهتدوا عنده أو هداهم إلى طريق الثواب كما تكرر بيانه في مواضع « و فريقا حق » أي وجب « عليهم الضلالة » إذا لم يقبلوا الهدى أو حق عليهم الخذلان لأنه لم يكن لهم لطف ينشرح له صدورهم أو حق عليهم العذاب و الهلاك بكفرهم و يؤيد هذا القول الأخير أنه سبحانه ذكر الهدى و الضلال بعد العود و البعث ثم قال « إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله » بين سبحانه أنه لم يبدأهم بالعقوبة و لكن جازاهم على عصيانهم و اتباعهم الشيطان و إنما اتخذوهم أولياء بطاعتهم لهم فيما دعوهم إليه « و يحسبون أنهم مهتدون » و معناه و هم مع ذلك يظنون أنهم في ذلك على هداية و حق .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page