• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء السابع سورة الأنعام 53 الی 59


وَ كذَلِك فَتَنَّا بَعْضهُم بِبَعْض لِّيَقُولُوا أَ هَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَ لَيْس اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشكرِينَ(53)

مجمع البيان ج : 4 ص : 472
القراءة
قرأ ابن عامر بالغدوة و العشي في كل القرآن بواو و الباقون « بالغداة » بالألف .

الحجة
قال أبو علي الوجه « الغداة » لأنها تستعمل نكرة و تتعرف باللام فأما غدوة فمعرفة لم تتنكر و هو علم صيغ له قال سيبويه غدوة و بكرة جعل كل واحد منهما اسما للجنس كما جعلوا أم حبين اسما لدابة معروفة قال و زعم يونس عن أبي عمرو و هو القياس إنك إذا قلت لقيته يوما من الأيام غدوة أو بكرة و أنت تريد المعرفة لم تنون و هذا يقوي قراءة من قرأ « بالغداة و العشي » و وجه قراءة ابن عامر أن سيبويه قال زعم الخليل أنه يجوز أن تقول أتيتك اليوم غدوة و بكرة فجعلهما بمنزلة ضحوة و من حجته أن بعض أسماء الزمان جاء معرفة بغير ألف و لام نحو ما حكاه أبو زيد من قولهم لقيته فينة غير مصروف و الفينة بعد الفينة فألحق لام المعرفة ما استعمل معرفة و وجه ذلك أنه يقدر فيه التنكير و الشياع كما يقدر فيه ذلك إذا ثني و ذلك مستمر في جميع هذا الضرب من المعارف و مثل ذلك ما حكاه سيبويه من قول العرب هذا يوم اثنين مباركا و أتيتك يوم اثنين مباركا فجاء معرفة بلا ألف و لام كما جاء بالألف و اللام و من ثم انتصب الحال و مثل ذلك قولهم هذا ابن عرس مقبل أما أن يكون جعل عرسا نكرة و إن كان علما و أما أن يكون أخبر عنه بخبرين .

الإعراب
« فتطردهم » جواب للنفي في قوله « ما عليك من حسابهم من شيء و ما من حسابك عليهم من شيء » و قوله « فتكون » نصب لأنه جواب للنهي و هو قوله « و لا تطرد » أي لا تطردهم فتكون من الظالمين و قد بينا تقديره في مواضع .

النزول
روى الثعلبي بإسناده عن عبد الله بن مسعود قال مر الملأ من قريش على رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و عنده صهيب و خباب و بلال و عمار و غيرهم من ضعفاء المسلمين فقالوا يا محمد أ رضيت بهؤلاء من قومك أ فنحن نكون تبعا لهم أ هؤلاء الذين من الله عليهم أطردهم عنك فلعلك إن طردتهم تبعناك فأنزل الله تعالى « و لا تطرد » إلى آخره و قال سلمان و خباب فينا نزلت هذه الآية جاء الأقرع بن حابس التميمي و عيينة بن حصين الفزاري و ذووهم من المؤلفة قلوبهم فوجدوا النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قاعدا مع بلال و صهيب و عمار و خباب في ناس من ضعفاء المؤمنين فحقروهم و قالوا يا رسول الله لو نحيت هؤلاء عنك حتى نخلو بك فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن يرونا مع هؤلاء الأعبد ثم إذا انصرفنا فإن شئت فأعدهم إلى مجلسك
مجمع البيان ج : 4 ص : 473
فأجابهم النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إلى ذلك فقالا له اكتب لنا بهذا على نفسك كتابا فدعا بصحيفة و أحضر عليا ليكتب قال و نحن قعود في ناحية إذ نزل جبرائيل (عليه السلام) بقوله « و لا تطرد الذين يدعون » إلى قوله « أ ليس الله بأعلم بالشاكرين » فنحى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) الصحيفة و أقبل علينا و دنونا منه و هو يقول كتب ربكم على نفسه الرحمة فكنا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام و تركنا فأنزل الله عز و جل « و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم » الآية قال فكان رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يقعد معنا و يدنو حتى كادت ركبتنا تمس ركبته فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا و تركناه حتى يقوم و قال لنا الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي معكم المحيا و معكم الممات .

المعنى
ثم نهى سبحانه رسوله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن إجابة المشركين فيما اقترحوه عليه من طرد المؤمنين فقال « و لا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي » يريد يعبدون ربهم بالصلاة المكتوبة يعني صلاة الصبح و العصر عن ابن عباس و الحسن و مجاهد و قتادة و قيل إن المراد بالدعاء هاهنا الذكر أي يذكرون ربهم طرفي النهار عن إبراهيم و روي عنه أيضا أن هذا في الصلوات الخمس « يريدون وجهه » يعني يطلبون ثواب الله و يعملون ابتغاء مرضاة الله لا يعدلون بالله شيئا عن عطا قال الزجاج شهد الله لهم بصدق النيات و أنهم مخلصون في ذلك له أي يقصدون الطريق الذي أمرهم بقصده فكأنه ذهب في معنى الوجه إلى الجهة و الطريق « ما عليك من حسابهم من شيء و ما من حسابك عليهم من شيء » يريد ما عليك من حساب المشركين شيء و لا عليهم من حسابك شيء إنما الله الذي يثيب أولياءه و يعذب أعداءه عن ابن عباس في رواية عطا و أكثر المفسرين يردون الضمير إلى الذين يدعون ربهم و هو الأشبه و ذكروا فيه وجهين ( أحدهما ) ما عليك من عملهم و من حساب عملهم من شيء عن الحسن و ابن عباس و هذا كقوله تعالى في قصة نوح إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون و هذا لأن المشركين أزدروهم لفقرهم و حاجتهم إلى الأعمال الدينية و هم برفع المشركين عليهم في المجلس فقيل له ما عليك من حسابهم من شيء أي لا يلزمك عار بعملهم « فتطردهم » ثم قال « و ما من حسابك عليهم من شيء » تأكيدا لمطابقة الكلام و إن كان مستغنى عنه بالأول ( الوجه الثاني ) ما عليك من حساب رزقهم من شيء فتملهم و تطردهم أي ليس رزقهم عليك و لا رزقك عليهم و إنما يرزقك و إياهم الله الرازق فدعهم يدنوا منك و لا تطردهم « فتكون من الظالمين » لهم بطردهم عن ابن زيد و قيل فتكون من
مجمع البيان ج : 4 ص : 474
الضارين لنفسك بالمعصية عن ابن عباس قال ابن الأنباري عظم الأمر في هذا على النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و خوف الدخول في جملة الظالمين لأنه كان قد هم بتقديم الرؤساء و أولي الأموال على الضعفاء مقدرا أنه يستجر بإسلامهم إسلام قومهم و من لف لفهم و كان (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لم يقصد في ذلك إلا قصد الخير و لم ينو به ازدراء بالفقراء فأعلمه الله إن ذلك غير جائز ثم أخبر الله سبحانه أنه يمتحن الفقراء بالأغنياء و الأغنياء بالفقراء فقال « و كذلك فتنا بعضهم ببعض » أي كما ابتلينا قبلك الغني بالفقير و الشريف بالوضيع ابتلينا هؤلاء الرؤساء من قريش بالموالي فإذا نظر الشريف إلى الوضيع قد آمن قبله حمي آنفا أن يسلم و يقول سبقني هذا بالإسلام فلا يسلم و إنما قال سبحانه « فتنا » و هو لا يحتاج إلى الاختبار لأنه عاملهم معاملة المختبر « ليقولوا » هذه لام العاقبة المعنى فعلنا هذا ليصبروا و يشكروا ف آل أمرهم إلى هذه العاقبة « أ هؤلاء من الله عليهم من بيننا » و الاستفهام معناه الإنكار كأنهم أنكروا أن يكونوا سبقوهم بفضيلة أو خصوا بمنة و قال أبو علي الجبائي المعنى في « فتنا » شددنا التكليف على أشراف العرب بأن أمرناهم بالإيمان و بتقديمهم هؤلاء الضعفاء على نفوسهم لتقدمهم إياهم في الإيمان و هذا أمر كان شاقا عليهم فلذلك سماه الله فتنة و قوله « ليقولوا » أي فعلنا هذا بهم ليقول بعضهم لبعض على وجه الاستفهام لا على وجه الإنكار أ هؤلاء من الله عليهم بالإيمان إذا رأوا النبي يقدم هؤلاء عليهم و ليرضوا بذلك من فعل رسول الله و لم يجعل هذه الفتنة و الشدة في التكليف ليقولوا ذلك على وجه الإنكار لأن إنكارهم لذلك كفر بالله و معصية و الله سبحانه لا يريد ذلك و لا يرضاه و لأنه لو أراد ذلك و فعلوه كانوا مطيعين له لا عاصين و قد ثبت خلافه و قوله « أ ليس الله بأعلم بالشاكرين » هذا استفهام تقرير أي أنه كذلك كقول جرير :
أ لستم خير من ركب المطايا
و أندى العالمين بطون راح و هذا دليل واضح على أن فقراء المؤمنين و ضعفاءهم أولى بالتقريب و التقديم و التعظيم من أغنيائهم و لقد قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من أتى غنيا فتواضع لغنائه ذهب ثلثا دينه .
وَ إِذَا جَاءَك الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِئَايَتِنَا فَقُلْ سلَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَب رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سوءَا بجَهَلَة ثُمَّ تَاب مِن بَعْدِهِ وَ أَصلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(54)

مجمع البيان ج : 4 ص : 475
القراءة
قرأ أهل المدينة « أنه من عمل » بالفتح فإنه بالكسر و قرأ عاصم و ابن عامر و يعقوب « أنه » « فإنه » بفتح الألف فيهما و قرأ الباقون إنه فإنه بالكسر فيهما .

الحجة
قال أبو علي من كسر فقال إنه من عمل جعله تفسيرا للرحمة كما أن قوله « لهم مغفرة و أجر عظيم » تفسير للوعد و أما كسر فإنه غفور رحيم فلأن ما بعد الفاء حكمه الابتداء و من ثم حمل قوله فينتقم الله منه على إرادة المبتدأ بعد الفاء و حذفه و أما من فتح أن في قوله « أنه » فإنه جعل أن الأولى بدلا من الرحمة كأنه قال « كتب ربكم على نفسه أنه من عمل » و أما فتحها بعد الفاء فعلى أنه أضمر له خبرا و تقديره فله أنه غفور رحيم أي فله غفرانه أو أضمر مبتدأ يكون أنه خبرا له أي فأمره أنه غفور رحيم و على هذا التقدير يكون الفتح في قول من فتح أ لم يعلموا أنه من يحادد الله و رسوله فإن له نار جهنم تقديره فله أن له نار جهنم إلا أن إضماره هنا أحسن لأن ذكره قد جرى في قوله أن له و إن شئت قدرت فأمره أن له نار جهنم فيكون خبر هذا المبتدأ المضمر و أما قراءة « كتب ربكم » « أنه » فإنه فالقول فيها أنه أبدل من الرحمة ثم استأنف ما بعد الفاء .

اللغة
قال المبرد السلام في اللغة أربعة أشياء مصدر سلمت سلاما و جمع سلامة و اسم من أسماء الله عز و جل و شجر في قوله :
إلا سلام و حرمل و معنى السلام الذي هو مصدر أنه دعاء للإنسان بأن يسلم من الآفات و السلام اسم الله تأويله ذو السلام أي الذي يملك السلام الذي هو التخلص من المكروه و أما السلام الشجر فهو شجر قوي سمي بذلك لسلامته من الآفات و السلام الحجارة سمي بذلك لسلامتها من الرخاوة و الصلح يسمى السلام و السلم لأن معناه السلامة من الشر و السلم الدلو التي لها عروة واحدة لأنها أسلم الدلاء من الآفات .

النزول
اختلف في من نزلت فيه هذه الآية فقيل نزلت في الذين نهى الله عز و جل
مجمع البيان ج : 4 ص : 476
نبيه عن طردهم و كان النبي إذا رآهم بدأهم بالسلام و قال الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام عن عكرمة و قيل نزلت في جماعة من الصحابة منهم حمزة و جعفر و مصعب بن عمير و عمار و غيرهم عن عطاء و قيل إن جماعة أتوا رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقالوا إنا أصبنا ذنوبا كثيرة فسكت عنهم رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فنزلت الآية عن أنس بن مالك و قيل نزلت في التائبين و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) .

المعنى
ثم أمر سبحانه نبيه بتعظيم المؤمنين فقال « و إذا جائك » يا محمد « الذين يؤمنون » أي يصدقون « ب آياتنا » أي بحججنا و براهيننا « فقل سلام عليكم » ذكر فيه وجوه ( أحدها ) أنه أمر نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أن يسلم عليهم من الله تعالى فهو تحية من الله على لسان نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن الحسن ( و ثانيها ) أن الله تعالى أمر نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أن يسلم عليهم تكرمة لهم عن الجبائي ( و ثالثها ) أن معناه أقبل عذرهم و اعترافهم و بشرهم بالسلامة مما اعتذروا منه عن ابن عباس « كتب ربكم » أي أوجب ربكم « على نفسه الرحمة » إيجابا مؤكدا عن الزجاج قال إنما خوطب الخلق بما يعقلون و هم يعقلون أن الشيء المؤخر إنما يحفظ بالكتاب و قيل معناه كتبه في اللوح المحفوظ و قد سبق بيان هذا في أول السورة « أنه من عمل منكم سوءا بجهالة » قال الزجاج يحتمل الجهالة هاهنا وجهين ( أحدهما ) أنه عمله و هو جاهل بمقدار المكروه فيه أي لم يعرف أن فيه مكروها ( و الآخر ) أنه علم أن عاقبته مكروهة و لكنه آثر العاجل فجعل جاهلا بأنه آثر النفع القليل على الراحة الكثيرة و العافية الدائمة و هذا أقوى و مثله قوله سبحانه « إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة » الآية و قد ذكرنا ما فيه هناك « ثم تاب من بعده و أصلح » أي رجع عن ذنبه و لم يصر على ما فعل و أصلح عمله « فإنه غفور رحيم » .
وَ كَذَلِك نُفَصلُ الاَيَتِ وَ لِتَستَبِينَ سبِيلُ الْمُجْرِمِينَ(55)
القراءة
قرأ أهل المدينة « و لتستبين » بالتاء سبيل بالنصب و قرأ أهل الكوفة غير حفص و ليستبين بالياء « سبيل » بالرفع و قرأ زيد عن يعقوب و ليستبين بالياء سبيل بالنصب و قرأ الباقون « و لتستبين » بالتاء « سبيل » بالرفع .

الحجة
من قرأ « لتستبين » بالتاء « سبيل » رفعا جعل السبيل فاعلا و أنثه كما في قوله قل هذه سبيلي قال سيبويه استبان الشيء و استبنته و من قرأ « و لتستبين » بالتاء سبيل نصبا ففي الفعل
مجمع البيان ج : 4 ص : 477
ضمير المخاطب و سبيل مفعوله و هو على قولك استبنت الشيء و من قرأ بالياء « سبيل » رفعا فالفعل مسند إلى السبيل إلا أنه ذكر كما في قوله سبحانه يتخذوه سبيلا و المعنى و ليستبين سبيل المؤمنين و سبيل المجرمين فحذف لأن ذكر إحدى السبيلين يدل على الآخر و مثله سرابيل تقيكم الحر و لم يذكر البرد لدلالة الحر عليه و من قرأ بالياء و نصب اللام فتقديره و ليستبين السائل سبيل المجرمين .

الإعراب
« كذلك » الكاف في موضع نصب بأنه مفعول نفصل و ذلك مجرور الموضع بإضافة الكاف إليه و يسأل ما المشبه و ما المشبه به في قوله « و كذلك » و فيه جوابان ( أحدهما ) التفصيل الذي تقدم في صفة المهتدين و صفة الضالين شبه بتفصيل الدلائل على الحق من الباطل في صفة غيرهم من كل مخالف للحق ( و الثاني ) أن المعنى كما فصلنا ما تقدم من الآيات لكم نفصله لغيركم .

المعنى
ثم عطف سبحانه على الآيات التي احتج بها على مشركي مكة و غيرهم فقال « و كذلك » أي كما قدمناه من الدلالات على التوحيد و النبوة و القضاء « نفصل الآيات » و هي الحجج و الدلالات أي نميزها و نبينها و نشرحها على صحة قولكم و بطلان ما يقوله هؤلاء الكفار « و لتستبين سبيل المجرمين » بالرفع أي ليظهر طريق من عاند بعد البيان إذا ذهب عن فهم ذلك بالإعراض عنه لمن أراد التفهم لذلك من المؤمنين ليجانبوها و يسلكوا غيرها و بالنصب ليعرف السامع أو السائل أو التعرف أنت يا محمد سبيلهم و سبيلهم يريد به ما هم عليه من الكفر و العناد و الإقدام على المعاصي و الجرائم المؤدية إلى النار و قيل إن المراد بسبيلهم ما عاجلهم الله به من الإذلال و اللعن و البراءة منهم و الأمر بالقتل و السبي و نحو ذلك و الواو في « و لتستبين » للعطف على مضمر محذوف و التقدير لتفهموا و لتستبين سبيل المجرمين و المؤمنين و جاز الحذف لأن فيما أبقي دليلا على ما ألقى .
قُلْ إِنى نهِيت أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُل لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكمْ قَدْ ضلَلْت إِذاً وَ مَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ(56)
القراءة
روي في الشواذ عن يحيى بن وثاب ضللت بكسر اللام و القراء كلهم على فتحها .

مجمع البيان ج : 4 ص : 478
الحجة
و هما لغتان ضللت تضل و ضللت تضل قال أبو عبيدة و اللغة الغالبة الفتح .

الإعراب
معنى من في قوله « من دون الله » إضافة الدعاء إلى دون بمعنى ابتداء الغاية و معنى إذا الجزاء و المعنى قد ضللت إن عبدتها .

المعنى
ثم أمر الله سبحانه نبيه بأن يظهر البراءة مما يعبدونه فقال « قل » يا محمد « إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله » يعني الأصنام التي تعبدونها و تدعونها آلهة « قل » يا محمد « لا أتبع أهواءكم » في عبادتها أي إنما عبدتموها على طريق الهوى لا على طريق البينة و البرهان عن الزجاج و قيل معناه لا أتبع أهواءكم في طرد المؤمنين « قد ضللت إذا » أي إن أنا فعلت ذلك عن ابن عباس « و ما أنا من المهتدين » الذين سلكوا سبيل الدين و قيل معناه و ما أنا من المهتدين النبيين الذين سلكوا طريق الهدى .
قُلْ إِنى عَلى بَيِّنَة مِّن رَّبى وَ كذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِى مَا تَستَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلا للَّهِ يَقُص الْحَقَّ وَ هُوَ خَيرُ الْفَصِلِينَ(57) قُل لَّوْ أَنَّ عِندِى مَا تَستَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضىَ الأَمْرُ بَيْنى وَ بَيْنَكمْ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِالظلِمِينَ(58)
القراءة
قرأ أهل الحجاز و عاصم « يقص الحق » بالصاد و الباقون يقضي الحق .

الحجة
حجة من قرأ يقضي قوله و الله يقضي بالحق و حكي عن أبي عمرو أنه استدل بقوله « و هو خير الفاصلين » في أن الفصل في الحكم ليس في القصص و حجة من قرأ « يقص » قوله و الله يقول الحق و قالوا قد جاء الفصل في القول أيضا في نحو قوله أنه لقول فصل و أما قوله « الحق » فيحتمل أمرين يجوز أن يكون صفة مصدر محذوف تقديره يقضي القضاء الحق أو يقص القصص الحق و يجوز أن يكون مفعولا به مثل يفعل الحق كقوله :
مجمع البيان ج : 4 ص : 479

و عليهما مسرودتان قضاهما
داود أو صنع السوابغ تبع .

اللغة
البينة الدلالة التي تفصل بين الحق و الباطل و البيان هو الدلالة و قيل هو العلم الحادث و الاستعجال طلب الشيء في غير وقته و الحكم فصل الأمر على التمام .

الإعراب
يقال لم قال كذبتم به و البينة مؤنثة قيل لأن البينة بمعنى البيان فالهاء كناية عن البيان عن الزجاج و قيل كناية عن الرب في قوله « ربي » و قوله « كذبتم » قد مضمر معه لأنه في موضع الحال و الحال لا يكون بالفعل الماضي إلا و معه قد إما مظهرة أو مضمرة .

المعنى
لما أمر النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بأن يتبرأ مما يعبدونه عقب ذلك سبحانه بالبيان أنه على حجة من ذلك و بينة و أنه لا بينة لهم فقال « قل » يا محمد لهؤلاء الكفار « إني على بينة من ربي » أي على أمر بين لا متبع لهوى عن الزجاج و قال الحسن البينة النبوة أي على نبوة من جهة ربي و قيل على حجة من معجزة دالة على نبوتي و هي القرآن عن الجبائي و قيل على يقين من ربي عن ابن عباس « و كذبتم به » أي بما أتيتكم به من البيان يعني القرآن « ما عندي » أي ليس عندي « ما تستعجلون به » قيل معناه الذي تطلبونه من العذاب كانوا يقولونه يا محمد آتنا بالذي تعدنا و هذا كقوله و يستعجلونك بالعذاب عن ابن عباس و الحسن و قيل هي الآية التي اقترحوها عليه استعجلوه بها فأعلم الله تعالى أن ذلك عنده فقال « إن الحكم إلا لله » يريد أن ذلك عند ربي و عن ابن عباس يعني ليس الحكم في الفصل بين الحق و الباطل و في إنزال الآيات إلا لله « يقص الحق » أي يفصل الحق من الباطل و يقص الحق أي يقوله و يخبر به « و هو خير الفاصلين » لأنه لا يظلم في قضاياه و لا يجوز عن الحق و هذا يدل على بطلان قول من يزعم أن الظلم و القبائح بقضائه لأن من المعلوم أن ذلك كله ليس بحق « قل » يا محمد لهؤلاء الكفار « لو أن عندي » أي برأيي و إرادتي « ما تستعجلون به » من إنزال العذاب بكم « لقضي الأمر بيني و بينكم » أي لفرغ من الأمر بأن أهلككم فاستريح منكم غير أن الأمر فيه إلى الله تعالى « و الله أعلم بالظالمين » و بوقت عذابهم و ما يصلحهم و في هذا دلالة على أنه سبحانه إنما يؤخر العقوبة لضرب من المصلحة إما لأن يؤمنوا أو لغير ذلك من المصالح فهو يدبر ذلك على حسب ما تقتضيه الحكمة .

مجمع البيان ج : 4 ص : 480
* وَ عِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَ يَعْلَمُ مَا فى الْبرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مَا تَسقُط مِن وَرَقَة إِلا يَعْلَمُهَا وَ لا حَبَّة فى ظلُمَتِ الأَرْضِ وَ لا رَطب وَ لا يَابِس إِلا فى كِتَب مُّبِين(59)


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page