• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ما ينبغي للمؤمن في الطهارة


(ما ينبغي للمؤمن في الطهارة)

ينبغي لكل مؤمن أن يستحضر عند اشتغاله بالطهارة عن الحدث: أن تكليفه بها للدخول في العبادات والمناجاة مع خالق البريات إنما هو لكون اعضائه التي أمر بغسلها مباشرة للامور الدنيوية، منهمكة في الكدورات الطبيعية، فخرجت عن أهلية القيام بين يدي الله ـ سبحانه ـ، والاشتغال بعبادته. فالأمر بغسلها، لتتطهر عن هذه الكدورات، فيتأهل للمناجاة. ولا ريب في ان مجرد غسلها لا يطهرها عن الادناس الدنيوية والكدورات الجسمانية، ما لم يطهر قلبه عن الأخلاق الذميمة، والعلائق الدنيوية، وما لم يعزم على الرجوع إلى الله، والانقطاع عن الدنيا وشهواتها. فينبغي أن يكون قلبه عند الطهارة مطهراً عن ذمائم الصفات وخبائث الشهوات، جازما على فطام الاعضاء التي هي اتباعه وخدامه عن شهوات الدنيا، لتسرى نوريته وطهارته إلى تلك الاعضاء، ثم أمر في الوضوء اولا: بغسل الوجه، الذي هو مجمع أكثر الحواس الظاهرة، التي هي أعظم الأسباب الباعثة على مطالب الدنيا، ليتوجه ويقبل بوجه القلب على الله،وهو خال من تلك الادناس، وثانياً بغسل اليدين، لمباشرتهما أكثر الأمور الدنيوية والمشتهيات الطبيعية المانعة من الاقبال على الآخرة، وثالثاً: بمسح الرجلين، للتوصل بهما إلى اكثر المطالب الدنيوية والمقاصد الطبيعية. فأمر بتطهير جميعها ليسوغ له الدخول بها في العبادات والاقبال عليها. وأمر في الغسل بغسل جميع البشرة، لأن ادنى حالات الإنسان وأشدها تعلقاً بالملكات الشهوية حالة الوقاع، ولجميع بدنه مدخل في تلك الحالة. ولذا قال رسول الله (ص): " تحت كل شعرة جنابة ". فحيث كان جميع بدنه بعيداً عن المرتبة العلية، منغمساً في اللذات الدنية، كان غسله أجمع من أهم المطالب الشرعية، ليتأهل لمقابلة الجهة الشريفة، والدخول في العبادة المنيفة. وأمر في التيمم بمسح الاعضاء بالتراب، عند تعذر غسلها بالماء، وضعاً لتلك الاعضاء الرئيسة، وهضماً لها بملاقاتها أثر التربة الخسيسة.
ثم لما كان القلب هو الرئيس الأعظم لهذه الجوارح والاعضاء، والمستخدم لها في تلك الأمور المبعدة عن جنابه ـ تعالى ـ، وهو الموضع لنظر الله ـ سبحانه ـ، كما قال (ص): " إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم "، فله من ذلك الحظ الاوفر والنصيب الاكمل. فيكون الاشتغال بتطهيره من الرذائل والتوجهات المانعة من درك الفضائل أولى من تطهير الاعضاء الظاهرة عند اللبيب العاقل. وإذا لم يمكن تطهيره من الأخلاق الرذيلة، وتحليته بالاوصاف الجميلة، لرسوخه على حب الدنيا الدنية، فليقمه في مقام الهضم والازراء، ويسقه بسياط الذل والاغضاء. كما أنه عند تعذر غسل الاغضاء بالماء يهضمها ويذللها بالوضع على التراب، عسى أن يرحم ربه تواضعه وانكساره، فيهبه نفحة من نفحات نوره اللامع، فانه عند المنكسرة قلوبهم، كما ورد في الأثر، فترق من هذه الاشارات ونحوها إلى ما يوجب لك الاقبال، ويتدارك سالف الاهمال.
ثم ما ذكر من السر في الطهارة، يمكن استنباطه ـ مع الزيادة ـ من كلام مولانا الصادق (ع) في (مصباح الشريعة)، حيث قال: " إذا أردت الطهارة والوضوء، فتقدم إلى الماء تقدمك إلى رحمة الله، فان الله ـ تعالى ـ قد جعل الماء مفتاح قربته ومناجاته، ودليلا إلى بساط خدمته، وكما ان رحمة الله تطهر ذنوب العباد كذلك النجاسات الظاهرة يطهرها الماء لا غيره، قال الله ـ تعالى ـ :
" وهو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً "[1]. وقال الله ـ تعالى ـ: " وجعلنا من الماء كل شيء حيٍ أفلا يؤمنون "[2].
فكما احيى به كل شيء من نعيم الدنيا، كذلك برحمته وفضله جعل حياة القلوب بالطاعات. وتفكر في صفاء الماء ورقته، وطهره وبركته، ولطيف امتزاجه بكل شيء. واستعمله في تطهير الاعضاء التي امرك الله بتطهيرها، وتعبدك بآدابها في فرائضه وسننه. فان تحت كل واحد منها فوائد كثيرة، فإذا استعملتها بالحرمة انفجرت لك عيون فوائد عن قريب. ثم عاشر خلق الله ـ تعالى ـ كامتزاج الماء بالاشياء، يؤدي كل شيء حقه، ولا يتغير عن معناه، معتبرا لقول الرسول (ص): " مثل المؤمن الخالص كمثل الماء ". ولتكن صفوتك مع الله ـ تعالى ـ في جميع طاعتك كصفوة الماء حين انزله من السماء وسماه طهوراً، وطهر قلبك بالتقوى واليقين عند طهارة جوارحك بالماء "[3].
ومن الاسرار الواردة في الطهارة وتخصيص بعض الاعضاء بالتطهير في الوضوء، ما اشار إليه مولانا الرضا (ع) بقوله: " إنما أمر بالوضوء ليكون العبد طاهراً إذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته إياه، مطيعاً له فيما أمره، نقياً من الادناس والنجاسة، مع ما فيه من ذهاب الكسل، وطرد النعاس، وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار. وإنما وجب ذلك على الوجه واليدين والرأس والرجلين، لان العبد إذا قام بين يدي الجبار، فانما ينكشف من جوارحه ويظهر ما يجب فيه الوضوء، وذلك انه بوجهه يسجد ويخضع، وبيده يسأل ويرغب ويرهب ويتبتل، وبرأسه يستقبل في ركوعه وسجوده. وبرجليه يقوم ويقعد. وأمر بالغسل من الجنابة دون الخلاء، لان الجنابة من نفس الإنسان، وهو شيء يخرج من جميع جسده، والخلاء ليس هو من نفس الإنسان، إنما هو غذاء يدخل من باب ويخرج من باب "[4].


(ما ينبغي للمؤمن في الطهارة)

ينبغي لكل مؤمن أن يستحضر عند اشتغاله بالطهارة عن الحدث: أن تكليفه بها للدخول في العبادات والمناجاة مع خالق البريات إنما هو لكون اعضائه التي أمر بغسلها مباشرة للامور الدنيوية، منهمكة في الكدورات الطبيعية، فخرجت عن أهلية القيام بين يدي الله ـ سبحانه ـ، والاشتغال بعبادته. فالأمر بغسلها، لتتطهر عن هذه الكدورات، فيتأهل للمناجاة. ولا ريب في ان مجرد غسلها لا يطهرها عن الادناس الدنيوية والكدورات الجسمانية، ما لم يطهر قلبه عن الأخلاق الذميمة، والعلائق الدنيوية، وما لم يعزم على الرجوع إلى الله، والانقطاع عن الدنيا وشهواتها. فينبغي أن يكون قلبه عند الطهارة مطهراً عن ذمائم الصفات وخبائث الشهوات، جازما على فطام الاعضاء التي هي اتباعه وخدامه عن شهوات الدنيا، لتسرى نوريته وطهارته إلى تلك الاعضاء، ثم أمر في الوضوء اولا: بغسل الوجه، الذي هو مجمع أكثر الحواس الظاهرة، التي هي أعظم الأسباب الباعثة على مطالب الدنيا، ليتوجه ويقبل بوجه القلب على الله،وهو خال من تلك الادناس، وثانياً بغسل اليدين، لمباشرتهما أكثر الأمور الدنيوية والمشتهيات الطبيعية المانعة من الاقبال على الآخرة، وثالثاً: بمسح الرجلين، للتوصل بهما إلى اكثر المطالب الدنيوية والمقاصد الطبيعية. فأمر بتطهير جميعها ليسوغ له الدخول بها في العبادات والاقبال عليها. وأمر في الغسل بغسل جميع البشرة، لأن ادنى حالات الإنسان وأشدها تعلقاً بالملكات الشهوية حالة الوقاع، ولجميع بدنه مدخل في تلك الحالة. ولذا قال رسول الله (ص): " تحت كل شعرة جنابة ". فحيث كان جميع بدنه بعيداً عن المرتبة العلية، منغمساً في اللذات الدنية، كان غسله أجمع من أهم المطالب الشرعية، ليتأهل لمقابلة الجهة الشريفة، والدخول في العبادة المنيفة. وأمر في التيمم بمسح الاعضاء بالتراب، عند تعذر غسلها بالماء، وضعاً لتلك الاعضاء الرئيسة، وهضماً لها بملاقاتها أثر التربة الخسيسة.
ثم لما كان القلب هو الرئيس الأعظم لهذه الجوارح والاعضاء، والمستخدم لها في تلك الأمور المبعدة عن جنابه ـ تعالى ـ، وهو الموضع لنظر الله ـ سبحانه ـ، كما قال (ص): " إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم "، فله من ذلك الحظ الاوفر والنصيب الاكمل. فيكون الاشتغال بتطهيره من الرذائل والتوجهات المانعة من درك الفضائل أولى من تطهير الاعضاء الظاهرة عند اللبيب العاقل. وإذا لم يمكن تطهيره من الأخلاق الرذيلة، وتحليته بالاوصاف الجميلة، لرسوخه على حب الدنيا الدنية، فليقمه في مقام الهضم والازراء، ويسقه بسياط الذل والاغضاء. كما أنه عند تعذر غسل الاغضاء بالماء يهضمها ويذللها بالوضع على التراب، عسى أن يرحم ربه تواضعه وانكساره، فيهبه نفحة من نفحات نوره اللامع، فانه عند المنكسرة قلوبهم، كما ورد في الأثر، فترق من هذه الاشارات ونحوها إلى ما يوجب لك الاقبال، ويتدارك سالف الاهمال.
ثم ما ذكر من السر في الطهارة، يمكن استنباطه ـ مع الزيادة ـ من كلام مولانا الصادق (ع) في (مصباح الشريعة)، حيث قال: " إذا أردت الطهارة والوضوء، فتقدم إلى الماء تقدمك إلى رحمة الله، فان الله ـ تعالى ـ قد جعل الماء مفتاح قربته ومناجاته، ودليلا إلى بساط خدمته، وكما ان رحمة الله تطهر ذنوب العباد كذلك النجاسات الظاهرة يطهرها الماء لا غيره، قال الله ـ تعالى ـ :
" وهو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً "[1]. وقال الله ـ تعالى ـ: " وجعلنا من الماء كل شيء حيٍ أفلا يؤمنون "[2].
فكما احيى به كل شيء من نعيم الدنيا، كذلك برحمته وفضله جعل حياة القلوب بالطاعات. وتفكر في صفاء الماء ورقته، وطهره وبركته، ولطيف امتزاجه بكل شيء. واستعمله في تطهير الاعضاء التي امرك الله بتطهيرها، وتعبدك بآدابها في فرائضه وسننه. فان تحت كل واحد منها فوائد كثيرة، فإذا استعملتها بالحرمة انفجرت لك عيون فوائد عن قريب. ثم عاشر خلق الله ـ تعالى ـ كامتزاج الماء بالاشياء، يؤدي كل شيء حقه، ولا يتغير عن معناه، معتبرا لقول الرسول (ص): " مثل المؤمن الخالص كمثل الماء ". ولتكن صفوتك مع الله ـ تعالى ـ في جميع طاعتك كصفوة الماء حين انزله من السماء وسماه طهوراً، وطهر قلبك بالتقوى واليقين عند طهارة جوارحك بالماء "[3].
ومن الاسرار الواردة في الطهارة وتخصيص بعض الاعضاء بالتطهير في الوضوء، ما اشار إليه مولانا الرضا (ع) بقوله: " إنما أمر بالوضوء ليكون العبد طاهراً إذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته إياه، مطيعاً له فيما أمره، نقياً من الادناس والنجاسة، مع ما فيه من ذهاب الكسل، وطرد النعاس، وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار. وإنما وجب ذلك على الوجه واليدين والرأس والرجلين، لان العبد إذا قام بين يدي الجبار، فانما ينكشف من جوارحه ويظهر ما يجب فيه الوضوء، وذلك انه بوجهه يسجد ويخضع، وبيده يسأل ويرغب ويرهب ويتبتل، وبرأسه يستقبل في ركوعه وسجوده. وبرجليه يقوم ويقعد. وأمر بالغسل من الجنابة دون الخلاء، لان الجنابة من نفس الإنسان، وهو شيء يخرج من جميع جسده، والخلاء ليس هو من نفس الإنسان، إنما هو غذاء يدخل من باب ويخرج من باب "[4].

إزالة الأوساخ

(إزالة الاوساخ)
ينبغي لكل مؤمن ان يطهر بدنه من فضلاته ودرنه وأوساخه، كشعر الرأس بالحلق، وشعر الانف والشارب وما طال من اللحية بالقبض، وشعر الابط والعانة وسائر الاعضاء بالنورة، كأظفار اليدين والرجلين بالقلم، وما يجتمع من الوسخ والقمل في شعر الرأس واللحية والغسل والتسريح بالمشط، وما يجتمع من الوسخ في معاطف الاذنين بالمسح ومثله، وما يجتمع منه على الاسنان واطراف اللسان بالسواك والمضمضة، وما يجتمع في الأنف من الرطوبات الملتصقة بالاستنشاق، وما يجتمع من الوسخ تحت الاظفار بالقلم والغسل، وما يجتمع منه في رؤس الانامل وفي معاطف ظهورها عقيب أكل الطعام بالغسل، وما يجتمع من الدرن على جميع بدنه وترشيح العرق وغبار الطريق بالدخول في الحمام.

آداب الحمام

(آداب الحمام)
ينبغي لمن يدخل الحمام، أن يتذكر بحرارته حر النار، ويقدر نفسه محبوساً في البيت ساعة، ويقيسه إلى جهنم، ويستعيذ بالله منها. قال الصادق (ع): " فإذا دخلت البيت الثالث، فقل: نعوذ بالله من النار ونسأله الجنة. وترددها إلى وقت خروجك من البيت الحار ". وقال أمير المؤمنين (ع): " نعم البيت الحمام، يذهب بالدرن، وتذكر فيه النار ". وفيه اشارة إلى انه ينبغي للعاقل ألا يغفل عن ذكر الآخرة في لحظة، فانها مقره ومستقره. فيكون له في كل ما يراه، من ماء أو نار أو غيرهما، عبرة وموعظة. فان المرء ينظر في كل شيء بحسب همته. فالبزاز إذا دخل داراً معمورة مفروشة ينظر إلى الفرش ويتأمل في قيمتها. والحائك إذا دخلها ينظر إلى الثياب ويتأمل في كيفية نسجها، والنجار إذا دخلها ينظر إلى ابوابها وشبابيكها ويتأمل في كيفية نجرها وتركيبها، والبناء إذا دخلها ينظر إلى الحيطان والسقف وكيفية بنائها وإحكامها واستقامتها. فكذلك سالك طريق الآخرة، لا ينظر إلى شيء إلا وتكون له موعظة وعبرة من الآخرة. فان نظر إلى ظلمة تذكر ظلمة اللحد، وان نظر إلى نار تذكر نار جهنم، وإن نظر إلى حية تذكر افاعي جهنم، وإن سمع صوتاً هائلاً تذكر نفخة الصور، وإن نظر إلى صورة قبيحة تذكر صورة النكيرين والزبانية، وإن رأى المحاسبة بين قوم تذكر محاسبة الآخرة، وإن سمع كلمة رد أو قبول تذكر ما ينكشف له في آخر أمره بعد الحساب من الرد والقبول، وإن رأى شيئاً حسناً تذكر نعيم الجنة... إلى غير ذلك.

السر في إزالة الاوساخ

(السر في إزالة الاوساخ)
السر في إزالة الفضلات المذكورة عن البدن ظاهر، فانها توجب تنوير القلب، وانشراح الصدر، وطرد الشيطان. إذ هي كسافات مانعة عن النورية والتجرد، فتشمئز منها الملائكة، ويرغب إليها الشياطين. ومن تأمل في الاحكام والآداب التي جاء بها الرسول (ص) وكانت له بصيرة ناقدة، يعلم ان شيئاً منها لا يخلو عن حكمة، حتي ان ما صدر عنه في الآداب والحركات والافعال والاقوال، من ترتيب خاص، أو تخصيص بعدد معين، أو ابتداء من موضع خاص أو بواحد معين من الأشياء المتماثلة، يتضمن حكماً أو حكمة البتة. مثال ذلك: انه (ص) كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاثاً وفي عينه اليسرى اثنين، والسر في هذا الترتيب وهذا التخصيص: ان اليمنى اشرف العينين فبدأ بها، وتفاوته بين العينين لتكون الجملة وتراً، فان للوتر فضلاً على الزوج، لان الله وتر يحب الوتر، فلا يخلو فعل العبد عن مناسبة لوصف من اوصاف الرب، وانما لم يقتصر على الثلاث وهو وتر، لان اليسرى حينئذ لا تخصها إلا واحدة، والغالب ان الواحدة لا تستوعب أصول الاجفان بالكحل، وانما خصص اليمين بالزيادة لان التفضيل لابد منه للايثار، واليمين افضل، فهو بالزيادة احق، وانما اقتصر على الاثنين لليسرى مع كونه زوجاً، إذ الزوجية في إحداهما لازمة ضرورية، إذ لو جعل لكل واحدة وتراً لكان المجموع زوجاً، إذ الوتر مع الوتر زوج، ورعاية الإيثار في مجموع الفعل وهو في حكم الخصلة الواحدة احب من رعايته في الآحاد. مثال آخر: روى الجمهور في تقليم الاظفار: " ان رسول الله (ص) كان يبدأ عند تقليم اظفاره الشريفة بمسبحة اليمنى، ويختم بابهام اليمنى، بأن يبتدئ من مسبحتها إلى خنصرها، ثم يبتدئ من خنصر اليسرى إلى إبهام اليمنى ". وفي طريقنا روايتان: إحداهما ان يبدأ بخنصر اليمنى ويختم بخنصر اليسرى، واخراهما بعكس ذلك، وهي اشهر. فالسر على رواية الجمهور ـ كما قيل ـ ان اليد اليمنى اشرف من اليسرى فيبتدئ بها، ثم على اليمنى خمسة اصابع والمسبحة اشرفها فيبتدأ بها، ثم ينبغي ان يبتدئ بما على يمينها لكون اليمنى اشرف، ولذا استحب في الشرع وضع الطهور وغيره على اليمنى. ولا ريب في انه إذا وضعت الكف على الأرض فيمين مسبحة اليمنى هي الوسطى، ووضع ظهر اليد على الأرض وان اقتضى كون الابهام هو اليمين، إلا ان الاعتبار الأول اولى، إذا اليد إذا تركت بطبعها كانت الكف مائلة إلى جهة الأرض، لأن جهة حركة اليد اليمنى إلى جهة اليسار، واليسرى إلى جهة اليمين، واستتمام حركة كل منهما في جهة يجعل الكف على الأرض وظهرها عالياً، وإذا كانت الكف مائلة إلى جهة الأرض فاعتبار ما يقتضيه الطبع اولى، فتكون يمين المسبحة هي الوسطى. ثم إذا وضعت الكف على الكف، صارت الأصابع في حكم حلقة دائرة، فيقضى ترتيب الدور والذهاب من يمين المسبحة إلى ان يعود إلى المسبحة، فتقع البداءة بخنصر اليسرى والختم بابهامها، ويبقى ابهام اليمنى، وانما قدرت الكف موضوعة على الكف حتى تصير الاصابع كأشخاص في حلقة ليظهر ترتيبها، وتقدير ذلك اولى من تقدير وضع الكف على ظهر الكف، فان ذلك لا يتقضيه الطبع.
هذا، واما السر على الرواية الأولى من طريقنا، فكانه اعتبار الاصابع العشرة في حكم صف واحد ثابت على الأرض، والابتداء باليمين، فاكتفى بما يرى بالنظر الجليل مع ترك اليد بطبعها. واما الرواية الثانية، فلعل السر فيها تحصيل التيامن في كل اصبع بعد الأولى مع التريب فيها، ووضع اليدين على ما يقتضيه الطبع. هذا، واما اصابع الرجل، فلم نعثر على خبر يدل على كيفية الابتداء بها والترتيب فها. فينبغي اعتبار أحد الطريقين المرويين عندنا فيها، ولعل اعتبار الأولى لاظهرية سرها اولى، وينبغي ان يكون تقليم اظفارها بعد تقليم اظفار اليدين ان وقعا في وقت واحد، إذ اليد اشرف من الرجل. وقس على ما ذكر سائر ما ورد من الآداب والتخصيصات فانه لا يخلو شيء منها على سر حكمي، وإن كانت عقولنا قاصرة عن ادراك اكثرها.

الصلاة

الصلاة
حقيقة الصلاة ـ حضور القلب ـ دفع اشكال ـ شرائط الصلاة ـ طريق تحصيل المعاني الباطنة ـ اسرار الصلاة ـ الوقت ـ آداب الصلاة ـ آداب المصلي ـ الاستقبال ـ القيام ـ التكبيرات ـ النية ـ تكبيرة الاحرام ـ دعاء الاستفتاح ـ الاستعاذة ـ الركوع ـ السجود ـ التشهد ـ التسليم ـ افاضة الأنوار على المصلي على قدر صفائه ـ ما ينبغي في إمام الجماعة ـ ما ينبغي في صلاة الجمعة والعيدين ـ ما ينبغي للمؤمن عند ظهور الآيات.
إعلم أن الصلاة معجون سماوي، وتركيب إلهي، ركبت من اجزاء كثيرة مختلفة، متفاوتة في الفضل والاهتمام بها. فبعضها بمنزلة الروح، وبعضها بمثابة الاعضاء الرئيسة، وبعضها بمنزلة سائر الاعضاء.
وتوضيح ذلك: ان الإنسان ـ مثلا ـ لما كان حقيقة مركبة من اجزاء معينة، فهو لا يكون إنساناً موجوداً كاملا إلا بمعنى باطن هو الروح، واعضاء محسوسة بعضها في جوفه وبعضها في ظاهره. وهذه الاعضاء متفاوتة المراتب، إذ بعضها مما ينعدم الإنسان بعدمه وتزول الحياة بزواله، كالقلب والدماغ والكبد والمعدة وأمثالها، وبعضها وان لم ينعدم بعدمه اصل الحياة، إلا أنه ترتفع به تمامية الإنسان ويصير ناقصاً، كاليد والرجل والعين وأمثالها، وبعضها يفوت بفواته الحسن، كالحاجبين واللحية والاهداب وامثالها، وبعضها يفوت بفواته كمال الحسن لا اصله، كاستقواس الحاجبين، وتناسب الخلقة، وسواد شعر اللحية، وامتزاج البياض بالحمرة، وامثال ذلك. وكذلك الصلاة حقيقة مركبة، وصورة صورها الشرع من أمور متفاوتة، وتعبدنا باكتسابها. فروحها: النية، والقربة، وحضور القلب، والاخلاص. وأعمالها الاركانية: من تكبيرة الاحرام، والركوع، والسجود، والقيام، بمنزلة الاعضاء الرئيسة، فتفوت بفواتها الصلاة على الإطلاق، ولا يمكن تحققها وصحتها بدونها. وسائر الأعمال الواجبة: من الفاتحة، والسورة، واذكار الركوع، والسجدتين، والطمأنينة فيهما، وفي رفع الرأس عنهما، والتشهد، والتسليم وغير ذلك من الأعمال الواجبة التي تبطل الصلاة بتركها عمداً لا سهواً، بمنزلة اليدين والرجلين وآلات التناسل وغير ذلك، مما قد تفوت الحياة بزوالها وقد لا تفوت به، والأعمال المسنونة، والهيئات المندوبة، والآداب المستحبة: من القنوت، ودعاء الافتتاح، وغير تكبيرة الاحرام من التكبيرات، والتعوذ، والزائد عن قدر الواجب في التشهد والتسليم من الاذكار، وغير ذلك مما لا تبطل الصلاة بتركها عمداً أو سهوا، ولكن تخرج بها عن الحسن والكمال وزيادة الأجر والثواب، فهي بمنزلة الحاجبين واستقواسهما واللحية والأهداب وتناسب الخلقة، وغير ذلك مما يفوت بفوات بعضها الحسن والجمال وبفوات بعض كمالها، ويصير الشخص بسببه مشوه الخلقة مذموماً غير مرغوب فيه.
وإذا عرفت ذلك: فاعلم ـ يا حبيبي ـ أن صلاتك قربة وتحفة تتقرب بها إلى حضرة ملك الملوك، كوصيفة يهديها طالب القرب والجاه من السلاطين إليهم. وهذه التحفة تعرض على الله ثم ترد إليك في يوم العرض الأكبر، فاليك الخيرة في تحسين صورتها أو تقبيحها، فمن أداها على النحو المأمور به، بأعمالها الواجبة والمندوبة، وشرائطها الظاهرة والباطنة، مع الإخلاص وحضور القلب، كان كمن أهدى عبداً صحيحاً سويا شابا جميلا عاقلا كاملا إلى ملك من الملوك. ومن اقتصر على أعمالها الظاهرة، وغفل من الحضور والتوجه والقربة والاخلاص، كان كمن أهدى عبداً ميتاً بلا روح إلى ملك من الملوك. ومن ترك عمداً شيئاً من واجباته، كان كمن اهدى عبداً مقتولا إليه. ومن اقتصر على أقل ما يجزى كان كمن اهدى إليه عبد حي أعمى، أو أصم، أو أبكم، أو مقطوع الاطراف، أو هرماً، أو قبيح المنظر، أو مجروح الاعضاء، أو امثال ذلك. فتنبه ايها الغافل، وتأمل في انك إذا اهديت تحفة إلى ملك من ملوك الدنيا، بل إلى من دونه بمراتب كثيرة، من الامراء والحكام، كيف تجتهد وتسعى في تجويدها وتحسينها ليقبلها، فما بالك ايها المغرور تغفل وتتساهل من تحسين هديتك وتحفتك إلى ملك الملوك الذي منه بدؤك واليه عودك؟! وقد ورد: ان كل صلاة لا يتم الإنسان ركوعها وسجودها فهي الخصم الأول على صاحبها يوم العرض الاكبر، وتقول:
" ضيعك الله كما ضيعتني! ".

حقيقة الصلاة

(حقيقة الصلاة)
لا بحث لنا عما يتعلق بظاهرها من الاجزاء والشرائط والأحكام، إذ بيانها على عهدة الفقه. فلنشر إلى المعاني الباطنة التي بها تتم حياتها، وإلى الاسرار والآداب الخفية الباطنة المتعلقة باجزائها وشرائطها الظاهرة، لتكون ملحوظة للعبد عند فعلها.
فنقول: المعاني الباطنة، التي هي روح الصلاة وحقيقتها، سبعة:
الأول ـ الإخلاص والقربة، وخلوها عن شوائب الرياء. وقد تقدم تفصيل القول في ذلك.
الثاني ـ حضور القلب: وهو ان يفرغ القلب عن غير ما هو ملابس له ومتكلم به، حتى يكون العلم مقروناً بما يفعله وما يقوله، من غير جريان الفكر في غيرهما. فمهما انصرف الفكر عن غير ما هو فيه، وكان في قلبه ذكر لما هو فيه من غير غفلة عنه، فقد حصل حضور القلب. ثم حضور القلب قد يعبر عنه بالاقبال على الصلاة والتوجه، وقد يعبر عنه بالخشوع بالقلب، فان الخشوع في الصلاة خشوعان: خشوع بالقلب: وهو ان يتفرغ لجمع الهمة لها، والاعراض عما سواها، بحيث لا يكون في قلبه غير المعبود. وخشوع بالجوارح: وهو أن يغض بصره، ولا يلتفت، ولا يعبث، ولا يتثاءب، ولا يتمطى، ولا يفرقع اصابعه، وبالجملة: لا يتحرك لغير الصلاة، ولا يفعل شيئاً من المكروهات، وربما عبر ذلك بالخضوع.
الثالث ـ التفهم لمعنى الكلام: وهو أمر وراء حضور القلب. فربما يكون القلب حاضراً مع اللفظ، ولا يكون حاضرا مع معناه. فالمراد بالتفهم هو اشتمال القلب على العلم بمعنى اللفظ. وهذا مقام يتفاوت فيه الناس، إذ ليس يشترك الناس في تفهم معاني القرآن والتسبيحات، فكم من معان لطيفة يفهمها بعض المصلين في اثناء الصلاة ولم يكن قد خطر بقلبه قبل ذلك ولا يفهمها غيره. ومن هذا الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر، فانها تفهم اموراً تمنع تلك الأمور عن الفحشاء والمنكر لا محالة.
الرابع ـ التعظيم: وهو أمر وراء حضور القلب والتفهم. إذ الرجل ربما يخاطب غيره، وهو حاضر القلب فيه، ومتفهم لمعناه، ولا يكون معظماً له.
الخامس ـ الهيبة: وهي زائدة على التعظيم لأنها عبارة عن خوف منشأه التعظيم، لأن من لا يخاف لا يسمى هائباً، ثم كل خوف لا يسمى مهابة، بل الهيبة خوف مصدره الاجلال.
السادس ـ الرجاء: ولا ريب في كونه زائداً عما ذكر. فكم من رجل يعظم ملكا من الملوك، ويهابه ويخاف سطوته، ولا يرجو بره واحسانه. والعبد ينبغي أن يكون راجياً بصلاته ثواب الله، كما أنه خائف بتقصيره عقابه.
السابع ـ الحياء: ومستنده استشعار تقصير وتوهم ذنب، وهو زائد على التعظيم والخوف والرجاء، لتصورها من غير حياء، حيث لا يكون توهم تقصير وارتكاب ذنب.

[1]  الفرقان، الآية: 48.
[2]  الأنبياء، الآية: 30.
[3]  صححنا الحديث على (مصباح الشريعة)، الباب العاشر. وعلى (المستدرك): 1/51 ـ52، كتاب الطهارة.
[4]  هذه الرواية نقلها العلامة (المجلسي) (ره) في (البحار): 18/56، باب علل الوضوء وثوابه وعقاب تركه، وعن (العيون والعلل) لشيخ المحدثين مولانا (الصدوق) ـ(ره)، ولم أعثر عليها إلا في الموضع المذكور من (بحار الأنوار).
ولا يخفى أن ما نقله العلامة (المجلسي) ـ قدس الله روحه ـ في الموضع المذكور فيه اختلاف كثير عما ذكر في نسخ (جامع السعادات) الخطية، بحيث لا يمكن تصحيح الرواية إلا بنقلها من (البحار) وذكرها في هامش الكتاب. وذلك غير ممكن، لضيق المقام، فلاجله تركنا تصحيحها، لعل القاريء الكريم يقف على مصدر آخر لها. فمن ارد الاطلاع على الرواية، فعليه بمراجعة (البحار) في الموضع المذكور. 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page