• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تأثير الرياء على العبادة


(تأثير الرياء على العبادة)
الرياء إما أن يكون مجرداً عن قصد القربة والثواب بحيث لولاه وانفرد صاحبه لترك العمل وهو أشد درجات الرياء واعظمها اثما، أو يكون مع قصدهما فان كان قصداً ضعيفاً مرجوحا بحيث لو كان خاليا عن قصد الرياء لم يبعثاه على العمل، ولو كان قصد الرياء خالياً عنهما بعثه عليه، كان قريباً من سابقه وان كان مساوياً لقصد الرياء بحيث لو كان كل واحد خاليا عن الآخر لم يبعثه على العمل، فالحق كونه مفسداً للعمل أيضاً لظواهر الأخبار. وان كان راجحاً على قصد الرياء غالباً عليه بأن يكون قصد الرياء واطلاع الناس مرجحا ومقوياً لنشاطه بحيث لو لم يكن لم يترك العمل، ولو كان قصد الرياء وحده لما أقدم على العمل، (فبعض العلماء) على أنه لا يحبط أصل العمل والثواب بل ينقص من الثواب أو يعاقب صاحبه على مقدار قصد الرياء ويثاب على مقدار قصد الثواب و (فيه نظر) إذ ظواهر الأخبار تفيد ابطاله اصل العمل والثواب لصدق الرياء عليه وصدق المرائى على صاحبه، لقول أمير المؤمنين (ع): " ثلاث علامات للمرائى: ينشط إذا رأى الناس، ويكسل إذا كان وحده ويحب أن يحمد في كل اموره " وما تقدم من الأخبار الدالة على أن كل عمل اشرك مع الله تعالى غيره كان الله منه بريئاً ولم يقبله، صريح في المطلوب. وحملها على ما إذا تساوى القصد أو كان قصد الرياء ارجح خلاف الظاهر. ثم الظاهر ان البطلان في هذه الصورة إنما هو اذا رجع قصده إلى حبه اطلاع الناس عليه لتقع منزلة له في قلوبهم، ليتوسل بها إلى نيل غرض من الأغراض الدنيوية، وأما إذا كان سروره وقصده من اطلاع الناس لاحد المقاصد الصحيحة الآتية فلا بأس به ولا يبطل العمل.


(تأثير الرياء على العبادة)
الرياء إما أن يكون مجرداً عن قصد القربة والثواب بحيث لولاه وانفرد صاحبه لترك العمل وهو أشد درجات الرياء واعظمها اثما، أو يكون مع قصدهما فان كان قصداً ضعيفاً مرجوحا بحيث لو كان خاليا عن قصد الرياء لم يبعثاه على العمل، ولو كان قصد الرياء خالياً عنهما بعثه عليه، كان قريباً من سابقه وان كان مساوياً لقصد الرياء بحيث لو كان كل واحد خاليا عن الآخر لم يبعثه على العمل، فالحق كونه مفسداً للعمل أيضاً لظواهر الأخبار. وان كان راجحاً على قصد الرياء غالباً عليه بأن يكون قصد الرياء واطلاع الناس مرجحا ومقوياً لنشاطه بحيث لو لم يكن لم يترك العمل، ولو كان قصد الرياء وحده لما أقدم على العمل، (فبعض العلماء) على أنه لا يحبط أصل العمل والثواب بل ينقص من الثواب أو يعاقب صاحبه على مقدار قصد الرياء ويثاب على مقدار قصد الثواب و (فيه نظر) إذ ظواهر الأخبار تفيد ابطاله اصل العمل والثواب لصدق الرياء عليه وصدق المرائى على صاحبه، لقول أمير المؤمنين (ع): " ثلاث علامات للمرائى: ينشط إذا رأى الناس، ويكسل إذا كان وحده ويحب أن يحمد في كل اموره " وما تقدم من الأخبار الدالة على أن كل عمل اشرك مع الله تعالى غيره كان الله منه بريئاً ولم يقبله، صريح في المطلوب. وحملها على ما إذا تساوى القصد أو كان قصد الرياء ارجح خلاف الظاهر. ثم الظاهر ان البطلان في هذه الصورة إنما هو اذا رجع قصده إلى حبه اطلاع الناس عليه لتقع منزلة له في قلوبهم، ليتوسل بها إلى نيل غرض من الأغراض الدنيوية، وأما إذا كان سروره وقصده من اطلاع الناس لاحد المقاصد الصحيحة الآتية فلا بأس به ولا يبطل العمل.

السرور بالاطلاع على العبادة

(السرور بالاطلاع على العبادة)
من كان قصده اخفاء الطاعة والإخلاص لله، فإذا اتفق اطلاع الناس على طاعته فلا بأس بالسرور به، من حيث علمه بأن الله اطلعهم عليه واظهر الجميل من حاله، فيستدل به على حسن صنع الله به من حيث انه ستر الطاعه والمعصية، والله تعالى ابقى معصيته على الستر وأظهر طاعته، فيكون فرحه بجميل نظر الله وفضله له لا بمدح الناس وقيام المنزلة في قلوبهم، وقد قال الله تعالى:
" قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا "[1]
وكأنه ظهر له بظهور طاعته بأنه عند الله مقبول ففرح به أو من حيث استدلاله باظهار الله الجميل وستره القبيح في الدنيا أنه كذلك يفعل به في الآخرة، قال رسول (ص): " ما ستر الله على عبد في الدنيا إلا ستر الله عليه في الآخرة " فالأول فرح بالقبول في الحال من غير ملاحظة المستقبل، وهذا التفات إلى الستقبل. أو من حيث ظنه رغبة المطلعين في الاقتداء في الطاعة، فيتضاعف بذلك اجره، إذ يكون له اجر السر بما قصده أولا، واجر العلانية بما اظهره آخراً ومن اقتدى الناس به في طاعة فله اجر اعمال المقتدين به من غير ان ينقص من اجورهم شيء. أو من حيث فرحه بطاعة المطلعين لله في مدحهم وحبهم للمطيع، وميل قلوبهم إلى الطاعة، أذ من الناس من يمقت أهل الطاعة ويحسدهم أو يستهزئ بهم وينسبهم إلى الرياء، فهذا فرح بحسن ايمان عباد الله، وعلامة الإخلاص فيه: أن يكون سروره بمدحهم غيره مثل سروره بمدحهم اياه. 
ويدل على عدم البأس بالسرور فيما ذكر ما روي: " أن رجلا قال لرسول الله (ص): اني اسر العمل لا أحب أن يطلع عليه أحد فيطلع عليه فيسرني! قال: لك أجران: أجر السر وأجر العلانية " وما وري: " أنه سئل الباقر (ع) عن الرجل يعمل الشىء من الخير فيراه إنسان فيسره ذلك، قال: لا بأس، ما من أحد إلا وهو يحب أن يظهر الله له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك ". وهذان الخبران باطلاقهما يدلان على نفي البأس بالسرور لأجل المقاصد المذكورة ويخصص منهما ما هو المذموم من الفرح الحاصل من اطلاع الناس، وان كان قصده إلاخفاء أولا، وهو أن يكون فرحه لقيام منزلته في قلوب الناس حتى يمدحوه ويعظموه ويقوموا بحوائجه، وانما يخصص ذلك منهما مع شمول اطلاقهما له أيضاً لمعارض أقوى.
هذا وقد تقدم أن قصده أولا ـ أي في حال عقد الطاعة ـ اطلاع الناس عليه وارتياحه به لأحد المقاصد المذكورة لا بأس به أيضا، فعدم البأس لا يختص بطرو القصد والارتياح بعد العقد أو بعد تمام العمل.
ثم كما لا بأس بالسرور من ظهور الطاعات للمقاصد المذكورة، فكذلك لا بأس بكتمان المعاصي واغتمامه باطلاع الناس عليها لاسباب نذكرها، بل الحق رجحان الكتمان ومزيته بعد ارتكابها، وان كان الاصل في الإخلاص استواء السريرة والعلانية. ولذا قال بعض الأكابر: " عليك بعمل العلانية وهو ما إذا ظهر لم تستح منه ". وقال بعضهم: " ما عملت عملا ابالي ان يطلع الناس عليه إلا اتياني أهلي والبول والغائط ". إلا ان ذلك درجة عظيمة ليست شرعة لكل وارد، ولا يصل إليها إلا واحد بعد واحد. إذ كل إنسان ـ إلا من عصمه الله ـ لا يخلو من ذنوب باطنة. (لا) سيما ما يختلج بباله من الاماني الباطلة والامور الشهوية، والله مطلع عليها وهي مخفية عن الناس، والسعي في اخفائها وكراهة ظهورها جائز بل راجح، بشرط ألا يكون باعث اخفائها قصد أن يعتقدوا فيه الورع والصلاح، بل كان الباعث:
1ـ إما كون السر مأموراً به.
2ـ أو كون الهتك وإظهار المعاصي منهياً عنه. قال رسول الله (ص): " من ارتكب شيئاً من هذه القاذورات فليستره بستر الله تعالى ". ويعرف صدق ذلك بكراهة ظهورها عن الغير، أو كون ستر الله عليه في الدنيا دليلا على ستره في الآخرة، لما ورد في الخبر: " أن من ستر الله عليه في الدنيا ستر الله عليه في الآخرة ".
3ـ أو كون ظهور المعاصي موجباً لذم الناس، والذم يؤلم القلب ويشغله عن طاعة الله، ويصده عن الاشتغال بتحصيل ما خلق لأجله، ولكون التألم بالذم جبلياً غير ممكن الدفع بسهولة يكون اخفاء ما ظهوره يؤدى إلى حدوثه جائزاً. نعم، كمال الصدق استواء المدح والذم، إلا أن ذلك قليل جداً، واكثر الطباع تألم بالذم، لما فيه من الشعور بالنقصان وربما كان التألم بالذم ممدوحاً إذا كان الذام من أهل البصيرة في الدين، فان ذمه يدل على وجود نقصان فيه، فينبغي أن يتألم منه ويتشمر لدفعه.
4ـ أو كون الناس شهداءه يوم القيامة، كما ورد فيجوز الاخفاء لئلا يشهدوا عليه يوم القيامة.
5ـ أو خوف ان يقصد بشر أو سوء إذا عرف ذنبه.
6ـ أو خوف صيرورة الذام عاصياً بذمه، وهذا من كمال الإيمان ويعرف بتسوية ذمه وذم غيره.
7ـ أو خوف سقوط وقع المعاصي من نفسه أو اقتداء الغير به فيها وهذه العلة هي المبيحة لاظهار الطاعة، ويختص ذلك بمن يقتدى به من الائمة وامثالهم، ولهذه العلة ينبغي أن يخفي العاصي معصيته من أهله وولده أيضاً، لئلا يقتدوا به فيها.
8ـ أو حبه محبة الناس له لا للتوسل بها إلى الاغراض الدنيوية، بل ليستدل بها على محبة الله تعالى له، لأن من أحبه الله تعالى جعله محبوباً في قلوب الناس.
9ـ أو مجرد الحياء من ظهور قبائحه، وهو غير خوف الذم والقصد بالشر، إذ هو من فضائل الأخلاق ومن كريم الطبع، قال رسول الله (ص): " الحياء خير كله ". وقال الصادق (ع): " الحياء شعبة من الإيمان ". وقال (ص): " ان الله تعالى يحب الحيي الحليم ". ومن صدر عنه فسق ولم يبال بظهوره للناس، فقد جمع إلى الفسق الهتك وعدم الحياء ـ أعني الوقاحة ـ، فهو أسوأ حالا ممن يفسق ويستحي فيستره.
ثم كثيراً ما يشتبه الحياء بالرياء، فيدعي من يرائي بأنه يستحي، وأن تركه السيئات أو اخفاءها أو تحسينه للعبادات إنما هو لأجل الحياء من الناس دون الرياء، وذلك كذب، وبيان ذلك: أن الحياء خلق ينبعث من الطبع الكريم، ويمكن أن يهيج عقيبه داعية الرياء فيرائي معه ويمكن أن يهيج داعية الإخلاص فيجمعه إليه. مثلا من طلب من صديقه قرضاً، فان رده صريحاً من غير مبالاة ومن دون أن يتعلل ارتكب الوقاحة وعدم الحياء. وان أعطاه بمجرد انقباض نفسه من استشعار قبح رده مشافهة من دون رغبة في الثواب ولا خوف من ذمه أو حب إلى مدحه حتى لو طلبه مراسلة أو بتوسط غيره من الأجانب لرده، فاعطاؤه هذا صادر عن مجرد الحياء من دون ترتب رياء أو اخلاص عليه. وان تعسر عليه الرد للحياء وكان ما في نفسه من البخل مانعاً من الاعطاء فحدث خاطر الرياء، ويخاطب نفسه بأنه ينبغي أن تعطيه حتى يمدحك بالسخاء ولا يذمك بالبخل فاعطاه لذلك فهو مزج الرياء بالحياء، والمحرك للرياء هو هيجان الحياء. وان تعسر عليه الرد للحياء والاعطاء للبخل، فهيج باعث الإخلاص، ويقول له: ان الصدقة بواحدة والقرض بثمانية، ففيه اجر عظيم، وادخال السرور على قلب مسلم صديق من أقرب القربات، فسخت نفسه بالاعطاء، فهو جمع بين الحياء والإخلاص ثم الحياء لا يكون إلا في القرائح الشرعية أو العقلية أو العرفية، كالبخل ومقارفة الذنوب والظلم وصدور بعض الحركات القبيحة عرفا في المحافل، والرياء يكون في المباحات أيضاً، حتى انه لو عاد الضاحك إلى الانقباض والمستعجل في المشي إلى الهدوء بعد اطلاع الناس كان مرائياً، وربما ظن أن باعث ذلك هو الحياء وهو الجهل، إذ باعثه مجرد الرياء. وما قيل: إن بعض الحياء ضعف، فالمراد أن الحياء مما ليس بقبيح ناش من ضعف النفس، كالحياء من وعظ الناس واقامة الصلاة ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا إذا وجد عذر يحسن الحياء معه، كأن يشاهد معصية من شيخ فيستحي من شيبته أن ينكر عليه، لأن من اجلال الله اجلال ذي الشيبة المسلم، ولو استحيى من الله ولا يضيع الأمر بالمعروف لكان أحسن. وأقوياء النفوس من اهل الإيمان يؤثرون الحياء من الله على الحياء من الخلق، وأما ضعفاء النفوس منهم فقد لا يقدرون على ذلك.

متعلقات الرياء

متعلقات الرياء
الرياء إما باصل الإيمان، وهو اظهار الشهادتين مع التكذيب باطناً وهذا هو كفر النفاق، وقد كان في صدر الإسلام كثيراً، وقل ما يوجد في أمثال زماننا، وان كثر فيه انكار بعض ضروريات الدين، كالجنة والنار والثواب والعقاب واعتقاد طي بساط أحكام الشرع باطناً، ميلا إلى قول الملاحدة وأهل الاباحة، مع اظهار الخلاف ظاهراً، وهذا أيضاً معدود من كفر النفاق، وصاحبه ينسل عن الدين مخلد في النار. وصاحب كفر النفاق مطلقاً أسوأ حالا من الكافر المحارب، لأنه جمع بين الكفر الباطن والنفاق الظاهر. أو باصول العبادات مع التصديق باصل الدين، كأن يصلي في الملأ دون الخلوة، ويصوم مع اطلاع الناس عليه ويفطر بدونه، ومثله وإن لم ينسل من أصل الدين، إلا أنه شر المسلمين، لترجيحه الخلق على الخالق، وكون التقرب إليهم أحب من التقرب لديه وكون خوفه من ذمهم أشد من خوفه من عقابه سبحانه. أو بالنوافل والسنن، وهذا أيضاً مذموم مهلك، ولكنه دون ما قبله، لأن صاحبه وان قدم مدح الخلق على مدح الخالق، إلا أنه لم يقدم خوف ذمهم على خوف عقابه، لعدم ترتب عقاب على ترك النافلة. أو بأوصاف العبادة الواجبة أو المستحبة، كفعل ما في تركه نقصان أو كراهة أو ترك ما في فعله أحدهما أو بزيادات خارجة عن نفس النوافل، كحضوره الجماعة قبل القوم وقصده الصف الأول، وأمثال ذلك. وكل ذلك مذموم، إلا أن بعضه أشد من بعض.

بواعث الرياء

(بواعث الرياء)
باعث الرياء إما التمكن من المعصية، كاظهار الورع والتقوى لتفوض إليه الحكومة والقضاء، لينال الجاه والاستيلاء، ويحكم بالجور، ويأخذ الرشا، أو تسلم إليه الودائع والصدقات وأموال اليتامى وأمثال ذلك فيأخذ لنفسه منها ما يقدر عليها، وكحضوره مجالس العلم والوعظ والتعزية لملاحظة النسوان والصبيان، وهذا أشد درجات الرياء اثماً، ويقرب منه اظهار الديانة والتقوى ليدفع عن نفسه تهمة ما اقترفه من الجرائم، أو نيل حظ مباح من حظوط الدنيا، كالاشتغال بالوعظ والتذكير والامامة والتدريس وإظهار الصلاح والورع، لتستبذل له الأموال وترغب في تزويجه النسوان أو خوف أن ينظر إليه بعين النقص والحقارة، أو ينسب إلى الكسالة والبطالة كترك العجلة والضحك بعد اطلاع الناس عليه، خوفا من أن يعرف باللهو والهزل فيستحقر، وكالقيام للتهجد واداء النوافل إذا وقع بين المتهجدين والمتنفلين لئلا ينسب إلى الكسالة، ولو خلي بنفسه لم يتنفل مطلقاً، وكذا الامتناع من الاكل والشرب في اليوم الذي يصام فيه تطوعا وتصريحه بأني صائم، خوفا من أن ينسب إلى البطالة، وربما لم يصرح بكونه صائماً، بل يقول: لي عذر، وحينئذ قد جمع بين رياءين بكونه صائماً، والرياء بكونه مخلصاً غير مراء. ثم ان ألجأته الكسالة والشهوة إلى عدم القيام إلى النوافل وعدم الصبر عن الاكل والشرب، ذكر لنفسه عذراً تصريحاً أو تعريضاً، كأن يتعلل الترك بمرض أو ضعف أو شدة العطش أو تطييب خاطر فلان، وقس عليها غيرها من الكلمات والاعذار، فانها لا تسبق إلى اللسان إلا لرسوخ عرق الرياء في النفس، والمخلص لا يريد غير الله والتقرب إليه، ولا يعتني بالخلق وحصول المنزلة في قلوبهم، فان لم يصم لم يحب أن يعتقد غيره فيه ما يخالف علم الله ليكون ملبساً، وان صام قنع بعلم الله ولم يشرك فيه غيره. ثم هذه البواعث لما كان بعضها صادراً من رداءة قوة الغضب وبعضها من رداءة قوة الشهوة، فيكون بعض أنواع الرياء من رذائل الأولى وبعضها من رذائل الثانية.

الرياء الجلي والخفي

(الرياء الجلي والخفي)
الرياء جلي وخفي، والجلي: ما يبعث على العمل لولا قصد الثواب والخفي: ما لا يبعثه بمجرده إلا أنه يخفف العمل الذي أريد به التقرب في الخلوة، ويعرف بالسرور إذا اطلع عليه الناس، لا للمقاصد المتقدمة، بل لطلب نوع منزلة في قلوب الناس، ويتوقع التعظيم والتوقير وقضاء الحوائج منهم ووجدان الاستبعاد من نفسه لو قصر في احترامه، كأن نفسه تتقاضى الاكرام والاحترام على الطاعة التي اخفاها مع أنه لم يطلع عليه أحد. ولا شك أن هذا التقاضي لا ينفك عن شوب خفي من الرياء أخفى من دبيب النمل، ولو كان عنده وجود الطاعة كعدمها في كل ما يتعلق بالخلق وقنع بعلم الله فيها لم يكن لهذا التوقع وجه. فعلامة خلوص العمل من الرياء ألا يجد تفرقة بين أن يطلع على عبادته إنسان أو بهيمة، ومهما وجد تفرقة في ذلك فلا يكون منفكا عن توقع ما (عن)[2] الناس في طاعته، وذلك مما يحبط العمل. قال أمير المؤمنين (ع): " إن الله تعالى يقول للقراء يوم القيامة: ألم يكن يرخص عليكم السعر؟ ألم تكونوا تبدأون بالسلام؟ ألم تكونوا تقضى لكم الحوائج؟ فلا اجر لكم، قد استوفيتم اجوركم! ".

كيف يفسد الرياء العمل

(كيف يفسد الرياء العمل)
لو عقد العمل على الإخلاص واستمر إلى الفراغ، لم يحبطه السرور بظهوره بعده، لا من قبله كما دل عليه بعض الظواهر السالفة. ولا يعصى به أيضاً إن كان لأجل أحد المقاصد السالفة، ويكتب له معصية إن كان لظنه حصول منزلة له في القلوب. ولو كان ظهوره بعده من نفسه بالتحدث مع الرغبة والسرور بذلك، فربما قيل باحباطه العمل، إذ حب التحدث به يدل على أن قلبه عند العبادة لم يخل عن عقد خفي من الرياء. وقد أيد ذلك بما روي: " أن رجلا قال للنبي (ص): إني صمت الدهر. فقال (ص): لا صمت ولا افطرت! " وما روي: " أن ابن مسعود سمع رجلا يقول: قرأت البارحة سورة البقرة. فقال: ذلك حظه منها ".
والظاهر أنه لا يحبط عمله، بل يثاب عليه، وان عوقب على ما صدر منه بعد الفراغ من الرياء. والتعليل لو تم لا يفيد البطلان، إذ العقد الذي لم يشعر به صاحبه لا يؤاخذ به، والا لزم التكليف بالمحال. والخبر لو صح فانكاره (ص) لأجل كراهية صوم الدهر لا لاظهاره. وقول ابن مسعود لو ثبت لا حجية فيه.
ولو عقد العمل على الإخلاص، وورد في اثنائه وارد السرور باطلاع بعض الناس عليه، فان لم يكن باعثاً على العمل ومؤثراً فيه بحيث لو لم يحدث لأتم العمل على الإخلاص من غير فتور، وكان أيضاً لأحد المقاصد الصحيحة المتقدمة، فلا بطلان ولا اثم، لما تقدم من الأخبار. وإن لم يكن باعثاً ولكن لم يكن لشىء من المقاصد المذكورة، بل كان لظنه نيل الجاه أو المال بالظهور، فالحق بطلان العمل وكونه آثماً للعمومات السالفة وان كان باعثاً ومؤثراً فهو الرياء المحرم، سواء كان غالباً على قصد التقرب أو مساوياً له أو مغلوباً عنه، فيحبط العمل وعليه الاعادة لو كان فريضة، لما تقدم من العمومات، ولقوله (ص): " العمل كالوعاء، إذا طاب آخره طاب أوله ". وقوله (ص): " من راءى بعمله ساعة، حبط عمله الذي كان قبله ". ثم هذا في العمل المركب الذي له اجزاء، ويتوقف صحته على صحة كل واحد منها، كالصوم والصلاة والحج. أما العمل الذي كل جزء منه منفرد، كالصدقة والقراءة، فما يطرأ من الرياء في اثنائه إنما يفسد الباقي دون الماضي فطرؤه فيه في الاثناء بالنسبة إلى الماضي كطروئه بعد الفراغ في الأول. وهذا حكم الرياء الطارئ بعد عقد الطاعة على الإخلاص أو قبله سواء لم يرجع عنه حتى يتمها، أو ندم بعده في الاثناء أيضاً ورجع واستغفر وأما المقارن حال العقد، بأن يبتدي بالصلاة مثلا على قصد الرياء، فان اتمها عليه فلا خلاف في كونه اثماً وعدم الاعتداد بها. وان ندم عليه في الاثناء ورجع واستغفر، فان مجرد القصد إلى الغير الباعث إلى اطلاع الناس لبعض المقاصد المتقدمة وارتياحه به فلا بأس به ولا يحبط العمل، وان كان غير ذلك أفسده، سواء في ذلك جميع شقوقه المتقدمة، كما علم وجهه.

شوائب الرياء مبطلة للعمل

(شوائب الرياء مبطلة للعمل)
لما كان المناط في الاعمال، صحة وفساداً، هو القصد والنية، إذ الاعمال بالنيات، ولكل امرىء ما نوى، فكل عمل تدخله شوائب الرياء فهو فاسد، سواء وقع سراً أو علانية، وكل عمل كان خالصاً لله وأمن صاحبه من دخول الرياء فيه فلا بأس باسراره ولا باظهاره. ثم لو تعلق قصد صحيح باظهار نفس العمل أو التحدث به بعد الفراغ عنه، كترغيب الناس في الخير وتنبيههم على الاقتداء به فيه، كان اظهاره أفضل من اسراره بشرط عدم اشتماله على رياء أو فساد آخر، كاهانة الفقير في التصدق، ولو اشتمل على شئ من ذلك، كان اسراره أفضل من اعلانه وبذلك يجمع بين الاقوال والأخبار.
والحاصل: أنه متى انفك القلب عن شوائب الرياء، بحيث يتم الإخلاص على وجه واحد في الحالتين، فما فيه القدوة وهو العلانية أفضل مهما حصلت فيه شوائب الرياء لم ينفعه اقتداء غيره، لكونه مهلكا له، فالسر افضل منه. فعلى من يظهر العمل أن يعلم أو يظن انه يقتدى به وان يراقب قلبه لئلا يكون فيه حب الرياء الخفي، فربما اظهر العمل لعذر الاقتداء وكان في نفسه قصد التجمل بالعمل وكونه مقتدى به، وهذا حال كل من يظهر العمل، إلا من أيده الله بقوة النفس وخلوص النية، فلا ينبغي لضعيف النفس أن يخدع نفسه فيضل ويضل ويهلك من حيث لا يشعر. فان الضعيف مثاله مثال الغريق الذي يعلم سباحة ضعيفة فينظر إلى جماعة من الغرقي فيرحمهم، وأقبل عليهم لينجيهم فتشبثوا به، وهلك وهلكوا. وهذه المواضع مزال أقدام العلماء والعباد، فانهم يتشبهون بالاقوياء في الاظهار ولا تقوى قلوبهم على الإخلاص، فتحبط اجورهم بالرياء. ودرك ذلك غامض جداً لا يبلغه إلا الخائضون في غمرات علم الأخلاق. ويعرف الخلوص في ذلك بألا يتفاوت حاله باقتداء الناس به وبغيره من أقرانه وامثاله، فان كان قلبه أميل إلى أن يكون هو المقتدى به، فاظهاره العمل غير خال عن شوائب الرياء.
لما عرفت أن المناط في صحة الاعمال وفسادها هو القصد والنية، تعلم أن كل عمل لم يكن خالصاً لوجه الله وأريد به غيره سبحانه ينبغي أن يترك ويعرض عنه، وإن كان خالصاً له تعالى مقصوداً على قصد صحيح لا ينبغي تركه لمجرد بعض الوساوس والخواطر الشيطانية. فان الشيطان يدعو أولا إلى ترك العمل فان لم يجب يدعو إلى الرياء، فاذأ يأس منه يقول: هذا العمل ليس خالصاً، بل هو رياء، فأي فائدة منه؟!.
ثم الاعمال إما من الطاعات اللازمة التي لا تعلق لها بالغير، كالصلاة والصوم والحج وأمثالها، أو من الطاعات المتعدية التي لها تعلق بالخلق، كالامامة والقضاء والحكومة والافتاء والوعظ والتذكير والتعليم والتدريس وانفاق المال وغير ذلك.
والقسم الأول: إن دخله الرياء قبل الفعل، بأن يكون باعثه الرياء دون الخلوص والقربة، فينبغي أن يترك ولا يشرع فيه، وإن دخله بعد العقد أو معه، فلا ينبغي أن يترك، لأنه وجد له باعث ديني، وإنما طرأه باعث الرياء، فيجاهد في دفع الرياء وتحصيل الإخلاص، ويرد نفسه إليه قهراً بالمعالجات التي نذكرها. ومهما كان في المجاهدة مع نفسه معاتباً لها قاهراً عليها في ميلها إلى الرياء، ووجد من طبعه كراهية هذا الميل، فالنجاة في حقه مرجوة، ولعل الله يسامحه بعظيم رحمته. وأما إذا لم يكن في مقام المجاهدة، ولم يكن كارهاً مما يجد في نفسه من الميل إلى الرياء بل أعطى زمام الاختيار إلى النفس الامارة، وهي ترائي في الاعمال، وهو يتبعها في ذلك من غير قهر عليها وكراهية لفعلها، فلا ريب في فساد أعماله وأولية تركها، وان كان باعثها ابتداء محض القربة ودخلها الرياء مع العقد أو بعده.
وأما القسم الثاني: المتعلق بالخلق ـ اعني إمامة الصلاة والقضاء والتدريس والافتاء والوعظ والارشاد وأمثال ذلك ـ فاخطارها عظيمة، ومثوبتها جسيمة. فمن له أهليه ذلك من حيث العلم ـ ان كان ذا نفس قوية لا يعتني بالناس ولا تزعجها وساوس الخناس وله معرفة تامة بعظمة ربه وقدرته وسائر صفاته الكمالية، بحيث شغله ذلك عن الالتفات إلى الخلق وما في أيديهم حتى يرائي لأجلهم أو يختار رضاهم على رضا ربه ـ فالأولى لمثله ألا يترك هذه المناصب ليفوز بمثوبتها العظيمة. وان كان ذا نفس ضعيفة، كخيط مرسل في الهواء تفيئها[3] الريح مرة هكذا ومرة هكذا فهو لا يأمن الرياء وسائر اخطارها. فاللازم لمثله تركها. ولذلك كان أهل اليقين من السلف يتدافعون هذه المناصب ما وجدوا إليه سبيلاً. وورد ما ورد من الأخبار في عظم خطرها وكثرة افاتها ولزوم التثبت والاحتياط لمن يزاولها وما ورد من الوعيد الشديد في حق علماء السوء يكفي للزوم الحذر عن فتن العلم وغوائله. ومما يقصم ظهور أمثالنا من الذين يقولون ما لا يعلمون ويأمرون بما لا يفعلون، قول عيسى بن مريم ـ عليهما السلام ـ: " يا علماء السوء! تصومون وتصلون وتتصدقون ولا تفعلون ما تؤمرون! وتدرسون ما لا تعلمون فيا سوء ما تحكمون! تتوبون بالقول والاماني، وتعملون بالهوى، وما يغني عنكم أن تتقوا جلودكم وقلوبكم دنسة! بحق أقول لكم: لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيب وتبقى فيه النخالة كذلك انتم! تخرجون الحكم من أفواهكم ويبقى الغل في صدوركم! يا عبيد الدنيا! كيف يدرك الآخرة من لا تنقضى من الدنيا شهوته ولا تنقطع منها رغبته! بحق أقول لكم: إن قلوبكم تبكي من اعمالكم، جعلتم الدنيا تحت ألسنتكم والعمل تحت أقدامكم بحق أقول لكم: أفسدتم آخرتكم بصلاح دنياكم، فصلاح الدنيا أحب اليكم من صلاح الآخرة! فاي ناس أخس منكم لو تعلمون! ويلكم! حتى متى تصفون الطريق للمدلجين وتقيمون في محلة المتحيرين كأنكم تدعون أهل الدنيا لتركوها لكم! مهلا مهلا! ويلكم! ماذا يغني عن البيت المظلم أن يوضع السراج فوق ظهره وجوفه وحش مظلم! كذلك لا يغني عنكم أن يكون نور العلم بافواهكم واجوافكم منه وحشة معطلة. يا عبيد الدنيا! توشك الدنيا أن تقلعكم عن اصولكم فتلقيكم على وجوهكم، ثم تكبكم على مناخركم، ثم تأخذ خطاياكم بنواصيكم! يدفعكم العلم من خلفكم، ثم يسلمكم إلى الملك الديان حفاة عراة فرادى! فيوقفكم على سوآتكم، ثم يخزيكم بسوء أعمالكم!! "[4]. هذا ويعرف الصادق المخلص من أهل هذه المناصب بأنه إذا ظهر من هو أعدل وأحسن وعظاً واكثر علماً منه وأشد قبولا للناس فرح به ولم يحسده وإذا حضر الأكابر والأعاظم مجلسه أو اقتدوا به لم يتغير كلامه ولم يتفاوت حاله، بل يبقى على ما كان عليه، وينظر إلى عباد الله بعين واحدة.
لما عرفت حقيقة الرياء، تعلم أنه إذا صار عمل بعض الصالحين أو قولهم محركا لغيرهم على الاشتغال بالطاعة لم تكن هذه الطاعة رياء إذا عقدت على الخلوص، وان لم يكن هذا الغير ليفعل هذه الطاعة إذا لم يشاهدها من بعض الصالحين أو لم يسمعها منه. فمن لم تكن عادته التهجد وبات مع قوم متهجدين في موضع، فإذا قاموا للتهجد انبعث نشاطه للموافقة ووافقهم في التهجد، ولم يكن ذلك رياء بعد أن يكون قصده منه الثواب والتقرب إلى الله، واذ كل مؤمن راغب في عبادة الله وفي قيام الليل، ولكن قد تعوقه العوائق وتمنعه الغفلة، فإذا شاهد قوماً يتهجدون ربما صارت مشاهدة طاعتهم سبباً لزوال غفلته، كما يصير قولهم ووعظهم سبباً لذلك، فيتحرك باعث الدين دون الرياء ويدعوه إلى موافقتهم. وربما كان الموضع مما ليس فيه عائق، فيغتنم الفرصة ويبعثه ما فيه من الاميان إلى الطاعة. وقس على التهجد غيره: من الصوم، والتصدق، والقراءة والذكر، وغيرها من أعمال البر.

[1] يونس، الآية: 58.
[2] كذا في النسخ، ولعل (عند) مكان (عن).
[3] وفي نسختنا الخطية (تعليها).
[4] روى هذا الحديث في (إحياء العلوم): 3/281، فصححناه عليه وهو يرويه عن (الحارث المحاسبي). 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page