• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

علاج المراء


علاج المراء
طريق المعالجة في إزالة المراء والجدال والخصومة: أن يعلم انها توجب التباغض والمباينة، وتزيل الإلفة والمحبة، وتقطع الإلتيام والوحدة ولا ريب في أن قوام النظام الأصلح بالإلتيام والوحدة، كما اقتضته العناية الإلهية والحكمة الازلية، والمباينة الراجعة إلى الكثرة ينافيهما، ولا ينبغي للعاقل أن يرتكب ما يضاد فعل الله وحكمته. وهذا هو العلاج العلمي، وأما العملي، فليواظب على ضد هذه الثلاثة، أعني طيب الكلام، ويكلف نفسه عليه، حتى يصير ملكة له وترتفع اضدادها عنه بالمرة.


علاج المراء
طريق المعالجة في إزالة المراء والجدال والخصومة: أن يعلم انها توجب التباغض والمباينة، وتزيل الإلفة والمحبة، وتقطع الإلتيام والوحدة ولا ريب في أن قوام النظام الأصلح بالإلتيام والوحدة، كما اقتضته العناية الإلهية والحكمة الازلية، والمباينة الراجعة إلى الكثرة ينافيهما، ولا ينبغي للعاقل أن يرتكب ما يضاد فعل الله وحكمته. وهذا هو العلاج العلمي، وأما العملي، فليواظب على ضد هذه الثلاثة، أعني طيب الكلام، ويكلف نفسه عليه، حتى يصير ملكة له وترتفع اضدادها عنه بالمرة.

طيب الكلام

طيب الكلام
قد أشير إلى أن ضد الرذائل الثلاث: طيب الكلام، وما ورد في مدحه وفي ثواب تركها أكثر من أن يحصى. قال رسول الله (ص): " ثلاث من لقى الله تعالى بهن دخل الجنة من أي باب شاء: من حسن خلقه، وخشى الله في المغيب والمحض، وترك المراء وإن كان محقاً ". وقال (ص): " يمكنكم من الجنة طيب الكلام واطعام الطعام ". وقال (ص): " إن في الجنة لغرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن اطعم الطعام وأطاب الكلام ". وقال (ص): " الكلمة الطيبة صدقة ". وروى " أن عيسى (ع) مر به خنزير. فقال: مر بسلامة. فقيل له: يا روح الله، تقول هذا للخنزير! فقال: اكره أن اعود لساني الشر ". وقال بعض الحكماء: " الكلام اللين يغسل الضغائن المستكنة في الجوارح "

السخرية والاستهزاء

السخرية والاستهزاء
وهو محاكاة أقوال الناس أو أفعالهم أو صفاتهم وخلقهم، قولا وفعلا، أو ايماء واشارة، على وجه يضحك منه. وهو لا ينفك عن الإيذاء والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص. وإن لم يكن ذلك بحضرة المستهزأ به، فيتضمن الغيبة أيضاً. وباعثه إما العداوة أو التكبر واستصغار المستهزأ به، فيكون من رذائل القوة الغضبية، أو قصد ضحك الأغنياء وتنشيط قلوبهم، طمعاً في بعض أوساخهم الملوثة، وأخذ النبذ من حطامهم المحرمة، ولا ريب في انه صفة من لاحظ له في الدين، وشيمة اراذل احزاب الشياطين، لأنهم يظهرون أكاذيب الأقوال ويرتكبون أعاجيب الأفعال، يخلعون قلائد الحرية عن الرقاب، ويهتكون استار الحياء بمرأى من أولى الألباب، يبتغون عيوب المؤمنين وعوراتهم، ويظهرون نقائص المسلمين وعثراتهم، يقلدون أفعال الاخيار على وجه يضحك الأشرار، ويحاكون صفات الأبرار على أفضح الوجوه في الانظار. ولا ريب في أن المرتكب لهذه الافعال بعيد عن الإنسانية بمراحل، ومستوجب لعقوبة العاجل وعذاب الآجل، ولا يخلو ساعة عن الصغار والهوان، ولا وقع له في قلوب أهل الإيمان، وكفاه ذماً انه جعل تلك المعاصي الخبيثة وسيلة لتحصيل المال أو الواقع في قلوب أبناء الدنيا، ويلزمه عدم اعتقاده بأن الله سبحانه هو المتكفل لأرزاق العباد.
والطريق في دفعه ـ بعد التأمل في سوء عاقتبه، ووخامة خاتمته، وفيما يلزمه من الذلة والهوان في الدنيا ـ أن يبادر إلى إزالة العداوة والتكبر إن كان باعثه ذلك، وإن كان باعثه تنشيط قلوب أهل الدنيا طمعاً في مالهم، فليعلم أن لكل نفس ما قدر لها من الأموال والارزاق، يصل إليها من الله سبحانه ألبتة، فان من يتق الله ويتوكل عليه يجهل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، ويكون في الآخرة سعيداً، وان أغواه الشيطان وحثه على تحصيلها من المداخل الخبيثة، لم يصل إليه اكثر مما قدر له، وكان في الآخرة شقياً.
وليعلم أيضاً أن المتوكل على الله والمتصف بالحرية، لا يبدل التوكل والحرية بهذه الافعال لأجل الوصول إلى بعض خبائث الأموال، فليعاتب نفسه ويزجرها بالمواعظ والنصائح، ويتذكر ما ورد في الشريعة من ذم المستهزئين وتعذيبهم يوم القيامة بصورة الاستهزاء، قال الله جل شأنه:
" لا يسخر قوم من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم "[1].
وقال (ص): " إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم باب من الجنة، فيقال: هلم هلم! فيجىء بكربه وغمه، فإذا أتى اغلق دونه ثم يفتح له باب آخر، فيقال: هلم هلم! فيجىء بكربه وغمه، فإذا أتى أغلق دونه. فما يزال كذلك حتى يفتح له الباب، فيقال له: هلم هلم فما يأتيه ". وقال ابن عباس في قوله تعالى:
" يا وليتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها "[2].
الصغيرة: التبسم بالاستهزاء بالمؤمن، والكبيرة: القهقهة بذلك " وفيه اشارة إلى أن الضحك على الناس من الجرائم العظيمة.
ثم جميع ما ذكر إنما هو في حق من يؤذي الناس ويهينهم باستهزائه وسخريته، وأما من جعل نفسه مسخرة ويسر بأن يهزل ويسخر به، وإن كان هو ظالماً لنفسه خارجاً عن شعار المؤمنين، حيث أهان نفسه وأذلها، إلا أن سخرية الغير به من جملة المزاح، ويأتي ما يذم منه وما يحمد، وإنما المحرم منه ما يؤدي إلى ايذائه وتحقيره: بأن يضحك على كلامه إذا يخبط ولم ينتظم، أو على أفعاله إذا كانت مشوشة، أو على صورته وخلقته إذا كان قصيراً أو طويلاً أو ناقصاً بعيب من العيوب. فالضحك على جملة ذلك داخل في السخرية المنهى عنها.
وطريق علاجه ـ بعد تذكر ما تقدم ـ أن استهزاءه يوجب خزي نفسه يوم القيامة عند الله وعند الملائكة والنبيين وعند الناس أجمعين، فلو تفكر في حسرته وحيائه وخجله وخزيه يوم يحمل سيئات من استهزأ به ويساق إلى النار، لأدهشه ذلك عن إخزاء غيره، ولو عرف حقيقة حاله يوم القيامة، لكان الأولى له أن يضحك على نفسه تارة ويبكي عليها أخرى، لأنه باستهزائه به عند بعض أراذل الناس عرض نفسه لأن يأخذ بيده ذلك الغير يوم القيامة على ملأ من الناس ويسوقه تحت السياط، كما يساق الحمار، إلى النار مستهزئاً به، مسروراً يخزيه وتمكين الله تعالى اياه على الانتقام منه. فمن تأمل في ذلك، ولم يكن عدواً لنفسه، اجتنب عن السخرية والاستهزاء كل الاجتناب.

المزاح

المزاح
وأصله مذموم منهي عنه، وسببه إما خفة في النفس، فيكون من رذائل القوة الغضبية، أو ميل النفس وشهوتها إليه، أو تطييب خاطر بعض أهل الدنيا طمعاً في مالهم، فيكون من رذائل القوة الشهوية. وسبب الذم فيه. أنه يسقط المهابة والوقار، وربما أدى إلى التباغض والوحشة والضغينة، وربما انجر إلى الهزل والاستهزاء، وأدخل صاحبه في جملة المستهزأ بهم، وربما صار باعثاً لظهور العداوة ـ كما قيل ـ وربما جر إلى اللعب، قال رسول الله (ص): " لا تمار أخاك ولا تمازحه "، وقال بعض الأكابر لابنه: " يا بني، لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا الدنيء فيجترئ عليك "، وقال آخر: " إياكم والممازحة، فانها تورث الضغينة وتجر إلى القطيعة ". وقال آخر: " المزاح مسلبة للبهاء، ومقطعة للاصدقاء " وقيل: " لكل شيء بذر، وبذر العداوة المزاح ". ومن مفاسد المزاح: أنه سبب للضحك، وهو منهي عنه. قال الله تعالى:
فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً "[3].
وقال رسول الله (ص): " إن الرجل ليتكلم بالكلمة فيضحك بها جلساءه، يهوي بها أبعد من الثريا "، وقال بعض: " لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلا "، وهو يدل على أن الضحك علامة الغفلة عن الآخرة، وقال: " من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزج استخف به، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه ". وخاطب عارف نفسه وقال: " أتضحك ولعل أكفانك قد خرجت من عند القصار؟! " وقال رجل لأخيه: يا أخي، هل أتاك أنك وارد النار؟ قال: نعم! قال: وهل أتاك أنك خارج منها؟ فقال: لا، قال: ففيم الضحك؟ فما رئي بعد ذلك ضاحكاً حتى مات ". ونظر بعضهم إلى قوم يضحكون في يوم الفطر، فقال: " إن كان هؤلاء قد غفر لهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يغفر لهم فما هذا فعل الخائفين ".
ثم المذموم من الضحك هو القهقهة، والتبسم الذي ينكشف فيه السن ولا يسمع الصوت ليس مذموماً، بل محمود لفعل النبي (ص)[4].

المذموم من المزاح

(المذموم من المزاح)
الحق أن المذموم من المزاح هو الافراط فيه والمداومة عليه، أو ما يؤدي إلى الكذب والغيبة وأمثالهما، ويخرج صاحبه عن الحق. وأما القليل الذي يوجب انبساط خاطر وطيبة قلب، ولا يتضمن ايذاء ولا كذباً ولا باطلا، فليس مذموما، لقول رسول الله (ص): " إني لأمزح ولا أقول إلا حقاً ". ولما روي: " أنهم قالوا له (ص): يا رسول الله، انك تداعبنا! فقال: إني وإن داعبتكم، فلا أقول إلا حقاً ". ولما روت العامة: " أنه (ص) كان كثير التبسم، وكان أفكه الناس " وورد: " أن رسول الله (ص) كسا ذات يوم واحدة من نسائه ثوباً واسعاً، وقال لها: إلبسيه واحمدي، وجري منه ذيلا كذيل العروس ". وقال (ص): " لا تدخل الجنة عجوز. فبكت العجوز. فقال: إنك لست يؤمئذ بعجوز " وجاءت امرأة إليه، وقال: " إن زوجي يدعوك. فقال (ص): زوجك هو الذي بعينه بياض؟ قالت: والله ما بعينه بياض؟ فقال: بلى، إن بعينه بياضاً. فقالت: لا والله؟ فقال: ما من أحد إلا بعينه بياض ". وأراد به البياض المحيط بالحدقة. وجاءته امرأة أخرى، وقالت: " احملني يا رسول الله على بعير. فقال: بل نحملك على ابن البعير. فقالت: ما أصنع به، انه لا يحملني، فقال (ص): هل من بعير إلا وهو ابن بعير؟ ". وكان (ص) يدلع لسانه للحسين (ع) فيرى لسانه فيهش له. وقال لصهيب ـ وبه رمد وهو يأكل التمر ـ: " أتأكل التمر وأنت أرمد؟ فقال: إنما آكل بالشق الآخر. فتبسم رسول الله حتى بدت نواجذه ". وروي: " أن خوات ابن جبير كان جالساً إلى نسوة من بني كعب بطريق مكة، وكان ذلك قبل اسلامه. فطلع عليه رسول الله (ص) فقال له: مالك مع النسوة؟ قال: يفتلن ضفيراً لجمل لي شرود. فمضى رسول الله لحاجته ثم عاد، فقال: يا ابا عبدالله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟ قال: فسكت واستحييت، وكنت بعد ذلك استخفي منه حياء، حتى أسلمت وقدمت المدينة، فاطلع علي يوماً وأنا أصلي في المسجد، فجلس الي، فطولت الصلاة، فقال: لا تطول فاني انتظرك، فلما فرغت قال: يا أبا عبدالله، أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟ قلت: والذي بعثك بالحق نبياً؟ ما شرد منذ أسلمت! فقال: الله اكبر الله اكبر، اللهم اهد أبا عبدالله. فحسن اسلامه ". وكان نعيمان الانصاري، رجلا مزاحاً، فإذا دخل المدينة شيء نفيس من اللباس أو المطاعم اشترى منه، وجاء به إلى رسول الله (ص) ويقول: هذا أهديته لك. فإذا جاء صاحبه يطالبه بثمنه، جاء به إلى رسول الله، وقال: يا رسول الله، أعطه ثمن متاعه، فيقول له النبي (ص): " أو لم تهده لنا؟ " فيقول: لم يكن عندي والله ثمنه، وأحببت أن تأكل منه، فيتبسم رسول الله ويأمر لصاحبه بثمنه وأمثال هذه المطايبات مروية عن رسول الله (ص) وعن الائمة ـ عليهم السلام ـ وأكثرها منقولة مع النسوان والصبيان، وكان ذلك معالجة لضعف قلوبهم، من غير ميل إلى هزل ولا كذب ولا باطل، وكان صدور ذلك عنهم أحياناً وعلى الندرة، ومثلهم كانوا يقدرون على المزاح مع عدم خروجهم عن الحق والاعتدال، وأما غيرهم فإذا فتح باب المزاح فربما وقع في الإفراط والباطل. فالأولى لأمثالنا تركه مطلقاً.

الغيبة

الغيبة
وهي أن يذكر الغير بما يكره لو بلغه. سواء كان ذلك ينقص في بدنه أو في أخلاقه أو في أقواله، أو في أفعاله المتعلقة بدينه أو دنياه، بل وإن كان ينقص في ثوبه أو داره أو دابته.
والدليل على هذا التعميم ـ بعد إجماع الامة على أن من ذكر غيره بما يكره إذا سمعه فهو مغتاب ـ ما روي عن رسول الله (ص) أنه قال: " هل تدري ما الغيبة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: " ذكرك أخاك بما يكره "، قيل له: أرأيت ان كان في أخي ما أقول؟ قال: " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته ". وما روي: " انه ذكر رجل عنده، فقالوا: ما أعجزه! فقال (ص): اغتبتم أخاكم، قالوا: يا رسول الله، قلنا ما فيه. قال: إن قلتم ما ليس فيه فقد بهتموه ". وما وري عن عائشة قالت: " دخلت علينا امرأة، فلما ولت، أومأت بيدي انها قصيرة، فقال (ص): اغتبتيها ". وما روى انها قالت: " إني قلت لامرأة مرة وأنا عند النبي (ص): إن هذه لطويلة الذيل. فقال لي: الفظي الفظي! فلفظت مضغة لحم ". وقد روي: " ان أحد الشيخين قال للاخر: إن فلاناً لنؤم، ثم طلبا أدماً من رسول الله ليأكلا به الخبز. فقال: (ص): قد ائتدمتما. فقالا: ما نعلمه، فقال: بلى! إنكما أكلتما من لحم صاحبكما ".
وأما ما روى عن الصادق (ص) انه قال: " صفة الغيبة أن تذكر أحداً بما ليس هو عند الله بعيب ويذم ما يحمده أهل العلم فيه. وأما الخوض في ذكر الغائب بما هو عند الله مذموم وصاحبه فيه ملوم، فليس بغيبة، وإن كره صاحبه إذا سمع به وكنت أنت معافى عنه وخالياً منه. وتكون في ذلك مبيناً للحق من الباطل ببيان الله ورسوله، ولكن على شرط ألا يكون للقائل بذلك مراد غير بيان الحق والباطل في دين الله عز وجل وأما إذا أراد به نقص المذكور بغير ذلك المعنى، فهو مأخوذ بفساد مراده وان كان صواباً "[5] فهو مخصوص بما إذا لم يكن صاحبه عالماً بقبحه، أو كان ساتراً على نفسه كارهاً لظهوره. ويدل على ذلك ما روي عنه (ع) أيضاً، أنه سئل عن الغيبة، فقال: " هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل، وثبت عليه أمراً قد ستره الله عليه لم يقم فيه حد ". وقال (ع): " الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه، وأما الأمر الظاهر فيه، مثل الحدة والعجلة، فلا ". وقال الكاظم (ع) " من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس، لم يغتبه، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس، اغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته "[6]. ويأتي ان المجاهر بمعصيته غير ساتر لها، لا غيبة له فيها.
والحاصل: ان الاجماع والأخبار متطابقان على أن حقيقة الغيبة هو أن يذكر الغير بما يكرهه إذا سمعه، سواء كان ذلك بنقص في نفسه أو بدنه. أو في دينه أو دنياه، أو فيما يتعلق به من الأشياء، وربما قيل إنه لا غيبة فيما يتعلق بالدين، لأنه ذم من ذمه الله ورسوله، فذكره بالمعاصي وذمه جائز. وأيد ذلك بما روى: " أنه ذكر عند رسول الله امرأة وكثرة صومها وصلاتها ولكنها تؤذي جيرانها. فقال: هي في النار ".وذكرت امرأة اخرى بأنها بخيلة، فقال: " فما خيرها اذن؟ ". ولا ريب في بطلان هذا القول: لما عرفت من عموم الادلة. وما ورد من ذم الأشخاص المعينة في كلام الله وكلام حججه إنما هو لتعريف الاحكام وتبيينها، وسؤال الأصحاب عنهم وذكرهم بالمعاصي، إنما كان لحاجتهم إلى معرفة الأحكام لا للذم وإظهار العيب، ولذا لم يكن ذلك إلا في مجلس الرسول (ص). أو الائمة ـ عليهم السلام ـ.

لا تنحصر الغيبة باللسان

(لا تنحصر الغيبة باللسان)
اعلم أن الغيبة لا تنحصر باللسان، بل كل ما يفهم نقصان الغير، ويعرف ما يكرهه فهو غيبة، سواء كان بالقول أو الفعل، أو التصريح أو التعريض أو بالاشارة والإيماء، أو بالغمز والرمز، أو بالكتابة والحركة، ولا ريب في أن الذكر باللسان غيبة محرمة. لتفهيمه الغير نقصان أخيك وتعريفه بما يكرهه، لا لكون المفهم والمعرف لساناً، فكل ما كان مفهماً ومعرفاً فهو مثله.
فالغيبة تتحقق باظهار النقص بالفعل والمحاكاة، كمشية الأعرج، بل هو أشد من الغيبة باللسان، لأنه أعظم في التصوير والتفهيم منه، وبالإيماء والاشارة، وقد وري: " أنه دخلت امرأة على عائشة، فلما ولت، أومأت بيدها أنها قصيرة. فقال رسول الله (ص) قد اغتبتها ".
وبالكتابة، إذ القلم أحد اللسانين، وبالتعريض، كأن يقول: الحمد لله الذي لم يبتلنا بالدخول على الظلمة، والتبذل في طلب الجاه والمال، أو يقول: نعوذ بالله من قلة الحياء، ونسأله أن يعصمنا منه، معرضاً في كل ذلك بمن ارتكب ذلك، فيذكره بصيغة الدعاء، وربما قدم مدح من يريد غيبته، ثم اتبعه بظهار عيبه، كأن يقول: لقد كان فلان حسن الحال، ولكنه ابتلي بما ابتلي به كلنا من سوء الحال، وهو جمع بين الرياء والغيبة، ومدح نفسه بالتشبه بالصلحاء في ذم أنفسهم.
ومن المغتابين المنافقين من يظهر في مقام غيبة مسلم الاغتمام والحزن من سوء حاله، كأن يقول: لقد ساءني ما جرى على صديقنا فلان من الاهانة والاستخفاف، أو ارتكابه معصية كذا، فنسأل الله ان يجعله مكرماً أو يصلح حاله، أو يقول: قد ابتلي ذلك المسكين بآفة عظيمة، تاب الله علينا وعليه. وهو كاذب في ادعائه الحزن والكآبة، وفي اظهار الدعاء، إذ لو اغتم لأعتم باظهار ما يكرهه أيضاَ، ولو قصد الدعاء لأخفاه في خلواته، فاظهار الحزن والدعاء ناش عن خبث سريرته، وهو يظن أنه ناش عن صفاء طويته، هكذا يلعب الشيطان بمن ليس له قوة البصيرة بمكائد اللعين وتلبيساته، فيسخر بهم ويضحك عليهم، ويحبط أعمالهم بمكائده، وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً. وربما ذكر بعض المغتابين عيب مسلم ولم يتنبه له بعض الحاضرين، فيقول اسماعاً له واعلاماً لما يقوله: " سبحان الله ما أعجب هذا! " حتى يتوجه إليه ويعلم ما يريد، فيستعمل اسم الله آلة لتحقيق خبثه.
ثم المستمع للغيبة أحد المغتابين، كما ورد به الخبر[7]. وقد دل ذلك أيضاً ما تقدم من حديث الشيخين، وما وري: " أنه (ص) لما رجم ما عزاً في الزنا، قال رجل لآخر: هذا أقعص كما يقعص الكلب. فمر النبي (ص) معهما بجيفة، فقال: انهشا من هذه الجيفة، فقالا: يا رسول الله ننهش جيفة! فقال: ما أصبتما من أخيكما أنتن من هذه ". فجمع بينهما، مع ان أحدهما كان قائلاً والآخر مستمعاً.
وهو إما لا يسر باستماعها، إلا أنه لا ينكرها باللسان ولا يكرهها بالقلب، أو يسر ويفرح باستماعها، إلا أن النفاق والتزهد حملاه على عدم التصديق، وربما منع منها رياء وتزهداً، مع كونه مشتهياً لها بقلبه، وربما توصل بالحيل المرغبة للمغتاب في زيادة الغيبة. مع التباس الأمر عليه بأنه يشتهيها، مثل أن يظهر التعجب ويقول: عجبت منه ما علمت أنه كذلك وما عرفته إلى الآن إلا بالخير، وكنت أحسب فيه غير هذا عافانا الله من بلائه. فان ذلك تصديق للمغتاب، وباعث لزيادة نشاطه في الغيبة، فكأنه يستخرج منه الغيبة بهذا الطريق.
والحاصل أن المستمع لا يخرج عن اثم الغيبة إلا بأن ينكر بلسانه، أو يقطع الكلام بكلام آخر، أو يقوم من المجلس، وإن لم يقدر على شيء من ذلك، فلينكر بقلبه، وإن قال بلسانه: اسكت، وهو يشتهيه بقلبه فذلك نفاق، ولا يخرجه من الإثم ما لم يكرهه بقلبه. ومع عدم الخوف لا يكفي أن يشير باليد أو حاجبه أو جبينه، أي اسكت، إذ ذلك استحقار للمذكور، مع أنه ينبغي أن يعظمه فيذب عنه صريحاً. قال النبي (ص): " من أذل عنده مؤمن وهو يقدر على أن ينتصر له فلم ينصره، أذله الله يوم القيامة على رؤس الخلائق ". وقال " من رد عن عرض أخيه بالغيب، كان حقاً على الله ان يرد عن عرضه يوم القيامة ". وقال (ص): " من ذب عن عرض أخيه بالغيب، كان حقاً على الله أن يعتقه من النار ". وقال (ص): " من رد عن عرض أخيه، كان له حجاباً من النار ". وقال (ص): " ما من رجل ذكر عنده أخوه المسلم، وهو يستطيع نصره ولو بكلمة ولم ينصره، إلا اذله الله عز وجل في الدنيا والآخرة. ومن ذكر عنده أخوه المسلم فنصره، نصره الله في الدنيا والآخرة ". وقال (ص): " من حمى عرض أخيه المسلم في الدنيا، بعث الله له ملكا يحميه يوم القيامة من النار ". وقال (ص): " من تطول على أخيه في غيبته، سمعها عنه في مجلس فردها، رد الله عنه ألف ألف باب من الشر في الدنيا والآخرة وان لم يردها وهو قادر على ردها، كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة " وقال الباقر (ع): " من اغتيب عنده اخوه المؤمن فنصره واعانه، نصره الله في الدنيا والآخرة، ومن لم ينصره ولم يدفع عنه وهو يقدر على نصرته وعونه، إلا خفضه الله في الدنيا والآخرة ". وبهذه المضامين أخبار كثيرة اخر.

[1] الحجرات، الآية: 11.
[2] الكهف، الآية: 49.
[3] التوبة، الآية: 83.
[4] راجع أخبار المزاح والضحك والتبسم: كتاب (الوسائل): الباب 80 ـ 84 من أبواب أحكام العشرة، والظاهر ان المؤلف لم يرجع إلى اخبارنا التي فيها غنى عن النقل عن اناس مجهولين.
[5] صححنا الحديث على (مصباح الشريعة): الباب 49. وقد تقدم الشك في صحة (مصباح الشريعة) في الجزء الأول.
[6] صححنا الأحاديث الثلاثة على (الوسائل): كتاب الحج، أبواب أحكام العشرة، الباب154، وعلى (أصول الكافي): باب الغيبة والبهت. وعلى (البحار) 4مج 15/184 باب الغيبة، وقال في الموضع المذكور عن الحديث الأول: " الغيبة هو أن تقول ": الضمير للغيبة، وتذكيره بتأويل الاغتياب أو باعتبار الخبر.
[7] اشارة إلى مارواه الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره، عن رسول الله (ص) أنه قال: المستمع أحد المغتابين ". والى قول أمير المؤمنين (ع) " السامع للغيبة أحد المغتابين ". (بحار الأنوار): 4مج 15/179.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page