• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

انكسار النفس


(انكسار النفس)
ضد العجب انكسار النفس واستحقارها وكونها في نظره ذليلة مهينة. وكما ان العجب مجرد استعظام النفس من دون اعتبار استصغار الغير معه، فكذا ضده مجرد استحقار النفس من دون اشتراط اعظام الغير معه، إذ الأول مع اعتبار الثاني تكبر، والثالث مع اشتراط الرابع تواضع، وهما ضدان.
ثم لا ريب في فوائد انكسار النفس واستصغارها، وكل من بلغ مرتبة عظيمة فانما بلغ بهذه الصفة، لأن الله تعالى عند المنكسرة قلوبهم، وقال رسول الله (ص): " ما من أحد إلا ومعه ملكان وعليه حكمة[1] يمسكانها، فان هو رفع نفسه جبذاها[2] ثم فلا: اللهم ضعه، وان وضع نفسه قالا: اللهم ارفعه "[3]. وروي: " انه اوحى الله تعالى إلى موسى (ع): ان يا موسى! أتدري لم اصطفيك بكلامي دون خلقي؟ قال: يا رب! ولم ذلك؟ فاوحى الله تبارك وتعالى إليه: اني قلبت عبادي ظهراً لبطن، فلم أجد فيهم أحداً أذل نفساً لي منك، يا موسى! إنك إذا صليت وضعت خدك على التراب ". وروي: " انه لما أوحى الله تعالى إلى الجبال. أني واضع سفينة نوح عندي على جبل منكن، فتطاولت وشمخت، وتواضع الجودي، وهو جبل عندكم، فضربت السفينة بجؤجؤها الجبل، فقال نوح عند ذلك: (يا مارى اتقن) وهو بالسريانية: رب اصلح "[4]



(انكسار النفس)
ضد العجب انكسار النفس واستحقارها وكونها في نظره ذليلة مهينة. وكما ان العجب مجرد استعظام النفس من دون اعتبار استصغار الغير معه، فكذا ضده مجرد استحقار النفس من دون اشتراط اعظام الغير معه، إذ الأول مع اعتبار الثاني تكبر، والثالث مع اشتراط الرابع تواضع، وهما ضدان.
ثم لا ريب في فوائد انكسار النفس واستصغارها، وكل من بلغ مرتبة عظيمة فانما بلغ بهذه الصفة، لأن الله تعالى عند المنكسرة قلوبهم، وقال رسول الله (ص): " ما من أحد إلا ومعه ملكان وعليه حكمة[1] يمسكانها، فان هو رفع نفسه جبذاها[2] ثم فلا: اللهم ضعه، وان وضع نفسه قالا: اللهم ارفعه "[3]. وروي: " انه اوحى الله تعالى إلى موسى (ع): ان يا موسى! أتدري لم اصطفيك بكلامي دون خلقي؟ قال: يا رب! ولم ذلك؟ فاوحى الله تبارك وتعالى إليه: اني قلبت عبادي ظهراً لبطن، فلم أجد فيهم أحداً أذل نفساً لي منك، يا موسى! إنك إذا صليت وضعت خدك على التراب ". وروي: " انه لما أوحى الله تعالى إلى الجبال. أني واضع سفينة نوح عندي على جبل منكن، فتطاولت وشمخت، وتواضع الجودي، وهو جبل عندكم، فضربت السفينة بجؤجؤها الجبل، فقال نوح عند ذلك: (يا مارى اتقن) وهو بالسريانية: رب اصلح "[4]


الكبر

الكبر
وقد عرفت: انه الركون إلى رؤية النفس فوق الغير، وبعبارة أوضح: هو عزة وتعظيم يوجب رؤية النفس فوق الغير واعتقاد المزية والرجحان عليه، فهو يستدعى متكبراً عليه. وبه ينفصل عن العجب، إذ العجب مجرد استعظام النفس من دون اعتبار رؤيتها فوق الغير، فالعجب سبب الكبر والكبر من نتائجه.
ثم الكبر ـ أي العزة الموجبة لرؤية النفس فوق الغير ـ هو خلق الباطن يقتضي اعمالا في الظاهر هي ثمراته، وتسمى تلك الاعمال الظاهرة الصادرة منه تكبرأ، ولذا من تعزز ورأى نفسه باطناً فوق الغير، من دون صدور فعل على جوارحه، يقال له (كبر)، وإذا ظهرت الاعمال يقال له (تكبر) وهذه الاعمال الظاهرة التي هي ثمرات خلق الكبر أفعال وأقوال توجب تحقير الغير والازراء به، كالترفع عن مواكلته ومجالسته، والاستنكاف عن مرافقته ومصاحبته، وابعاده عن نفسه، وابائه عن الجلوس بجنبه، وانتظاره ان يسلم عليه، وتوقعه ان يقوم ماثلا بين يديه، والاستنكاف من قبول وعظه، وتعنيفه في ارشاده ونصحه، وتقدمه عليه في المحافل والطرقات، وعدم الالتفات إليه في المحاورات، وتوقع التقديم عليه في كل ما يدل على التعظيم عرفاً. وبالجملة: الاعمال الصادرة عن الكبر كثيرة، ولاحاجة إلى احصائها، لكونها مشهورة معروفة، ومن جملتها الاختيال في المشي وجر الثياب، إذ فاعلهما يرى نفسه فوق الاكثر ويقصد بهما استحقارهم، فهما يقتضيان متكبراً عليه، فيكونان من انواع التكبر، وما ورد في ذمهما يدل أيضاً على ذمه، كما يأتي. وهذه الافعال المعبر عنها بالتكبر قد تصدر عن الحقد أو الحسد أو الرياء، وان لم تكن في النفس عزة وتعظم.

ذم الكبر

(ذم الكبر)
الكبر آفة عظيمة وغائبته هائلة، وبه هلك خواص الانام فضلا عن غيرهم من العوام، وهو الحجاب الاعظم للوصول إلى أخلاق المؤمنين، إذ فيه عز يمنع عن التواضع، وكظم الغيظ، وقبول النصح، والدوام على الصدق، وترك الغضب والحقد والحسد والغيبة والازراء بالناس، وغير ذلك. فما من خلق مذموم إلا صاحب الكبر مضطر اليه، ليحفظ به عزه، وما من خلق محمود إلا وهو عاجز عنه. خوفاً من فوات عزه. ولذا ورد في ذمه ما ورد من الآيات والاخبار، قال الله سبحانه:
" وكذلك يطبع الله على كل قلبٍ متكبر جبار "[5]. وقال: " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون "[6]. وقال: " والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم... إلى قوله: وكنتم عن آياته تستكبرون "[7]. وقال: " ادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين "[8]. وقال: " فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرةٌ وهم مستكبرون "[9]. وقال: " إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين"[10]. وقال: " إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه "[11].
وقال رسول الله (ص): "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر "[12]، وقال: " من تعظم في نفسه واختال في مشيته، لقي الله وهو عليه غضبان ". وقال (ص): " لا ينظر الله إلى رجل يجر ازاره بطراً ". وقال (ص): " قال الله. الكبرياء ردائي والعظمة ازارى، فمن نازعني في واحد منهما ألقيته في جهنم ". وقال (ص): " لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين، فيصيبه ما أصابهم من العذاب ". وقال (ص): " يخرج من النار عنق له اذنان تسمعان وعينان تبصران ولسان ينطق، يقول وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين ". وقال (ص): " لا يدخل الجنة جبار، ولا بخيل، ولا سيء الملكة ". وقال (ص): " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر اليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك جبار، ومقل مختال ". وقال (ص): " بئس العبد عبد تجبر واعتدى ونسى الجبار الاعلى، بئس العبد عبد تبختر واختال ونسى الكبير المتعال، وبئس العبد عبد غفل وسها ونسى المقابر والبلى، بئس العبد عبد عتا وبغى ونسى المبدأ والمنتهى ". وقال (ص): "ألا اخبركم بأهل النار: كل عتل جواظ جعظرى متكبر "[13]. وقال (ص): " ان أبغضكم الينا وابعدكم منا في الاخرة الثرثارون المتشدقون المتفيهقون " أي المتكبرون. وقال (ص): " يحشر المتكبرون يوم القيامة في مثل صور الذر، تطأهم الناس ذراً في مثل صور الرجال، يعلوهم كل شيء من الصغار، ثم يساقون إلى سجن في جهنم يقال له (يولس)، تعلوهم نار شر أنيار[14]، يسقون من طينة الخبال وعصارة أهل النار ". وقال (ص): " يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة في صور الذر تطأهم الناس لهوانهم على الله تعالى "، وقال: " ان في جهنم وادياً يقال له (هبهب)، حق على الله ان يسكنه كل جبار "، وقال: " ان في النار قصراً يجعل فيه المتكبرون ويطبق عليهم "، وقال: " إذا مشت امتى المطيطاء وخدمتهم (فارس) و(الروم) سلط الله بعضهم على بعض "، والمطيطاء: مشية فيها اختيال. وقال عيسى بن مريم: " كما ان الزرع ينبت في السهل ولا ينبت على الصفاء، كذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبر، ألا ترون انه من يتشمخ برأسه إلى السقف شجه، ومن يطأطىء أظله وأكنه ". ولما حضرت نوحا الوفاة، دعا ابنيه فقال: " إني آمركما باثنتين وأنهاكما عن اثنتين: أنهاكما عن الشرك والكبر وآمركما بلا إله إلا الله وسبحان الله وبحمده". وقال سليمان بن داود يوماً للطير والجن والانس والبهائم: " اخرجوا، فخرجوا في مائتي الف من الانس ومائتى الف من الجن، فرفع حتى سمع زجل الملائكة بالتسبيح في السماوات، ثم خفض حتى مست اقدامه البحر، فسمع صوتاً يقول: لو كان في قلب صاحبكم مثقال ذرة من كبر لخسفت به أبعد مما رفعته.
وقال الباقر (ع): " الكبر رداء الله، والمتكبر ينازع الله رداءه ". وقال: " العز رداء الله والكبر ازاره، فمن تناول شيئاً منه أكبه الله في جهنم " وقال الصادق (ع): " إن في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له (سقر) شكى إلى الله شدة حره وسأله ان يأذن له ان يتنفس، فتنفس فاحرق جهنم ". وقال (ع): " ان المتكبرين يجعلون في صور الذر، يتوطأهم الناس حتى يفرغ الله من الحساب ". وقال (ع): " مامن رجل تكبر أو تجبر إلا لذلة وجدها في نفسه "، وقال (ع): " ان في السماء ملائكة موكلين بالعباد، فمن تواضع رفعاه، ومن تكبر وضعاه ". وقال (ع): " الجبار الملعون من غمض الناس وجهل الحق "، قال الراوي: اما الحق فلا أجهله، والغمض لا أدري ماهو قال: " من حقر الناس وتجبر عليهم فذلك الجبار ". وقال (ع): " ما من عبد إلا وفي رأسه حكمة وملك يمسكها، فإذا تكبر قال له: اتضع وضعك الله، فلا يزال أعظم الناس في نفسه وأصغر الناس في أعين الناس، وإذا تواضع رفعها الله ـ عز وجل ـ ثم قال له: انتعش نعشك الله، فلا يزال اصغر الناس في نفسه وارفع الناس في أعين الناس ".

التكبر على الله وعلى الناس

(التكبر على الله وعلى الناس)
التكبر قد يكون على الله، كما كان لنمرود وفرعون، وسببه الطغيان ومحض الجهل، وهو أفحش انواع الكبر، إذ هو اعظم افراد الكفر، ولذا تكررت في ذمه الآيات، كقوله تعالى:
" أن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين "[15]. وقوله: " ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فيحشرهم إليه جميعاً "[16]. وقوله تعالى: " ثم لننزعنّ من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتياً "[17]. وقوله: " فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون"[18].
وقد يكون على الرسل من حيث تعزز النفس وترفعها عن انقيادهم، كما كان لمن يقول:
" أهؤلاء من الله عليهم من بيننا "[19]. ولمن يقول: " أنؤمن لبشرين مثلنا "[20]. " إن أنتم إلا بشر مثلنا "[21]. " ولئن اطعتم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون "[22]. ولمن قال: " لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً "[23].
وهذا في الشناعة قريب من التكبر على الله، وان كان دونه.
وقد يكون على العباد بأن يستعظم نفسه ويستصغرهم، وهذا وان كان دون الاولين، إلا أنه من المهلكات العظيمة، من حيث انه يؤدي إلى مخالفة الله سبحانه، إذ صاحبه إذا سمع من عبد استنكف من قبوله واشمأز بجحده، ومن حيث ان العز والعظمة والعلى لا يليق إلا بالعلي الأعلى، فمهما تكبر العبد نازع الله في صفة من صفاته، ولذا قال الله سبحانه: " العظمة ازاري والكبرياء ردائي، فمن نازعني فيهما قصمته ".

درجات الكبر

(درجات الكبر)
للكبر درجات ثلاث:
(الاول) ان يكون مستقراً في قلبه، يرى نفسه خيراً من غيره، ويظهره في أفعاله: بالترفع في المجالس، والتقدم على الأقران، وان يصعر خده للناس كأنه معرض عنهم، ويعبس وجهه، ويقطب جبينه. وفي أقواله: باظهار الانكار على من يقصر فيما يتوقعه، من التعظيم، وابداء الدعوى، والمفاخرة والمباهاة وتزكيه النفس، والتشمير لغلبة الغير في العلم والعمل، وهذه الدرجة اقبح الدرجات واشدها، إذ صاحبها قد رسخت في قلبه شجرة الكبر وارتفعت اغصانها وفروعها، بحيث احاطت على جميع جوارحه.
(الثانية) كالأولى، إلا في إظهاره على اللسان، وهي دون الأولى، لكونها أقل اغصاناً منها.
(الثالثة) ان يكون مستقراً في قلبه بحيث رأى نفسه خيراً من غيره، إلا أنه يجتهد في التواضع، ويفعل فعل من يرى غيره خيراً من نفسه. وهذا وان رسخت في قلبه شجرة الكبر، إلا انه قطع اغصانها بالكلية، فان كان مع ذلك منكراً على نفسه فيما رسخ فيها، ومغضباً عليها ومتشمراً لازالتها إلا انه لم يقدر على دفعه بسرعة وسهولة، وتميل النفس إلى ما تشتهيه في بعض الاحيان بدون اختيار، ولكنه كان في مقام المجاهدة، فلعله لم يكن عليه كثير إثم، ومثله يوفقه الله للوصول إلى ما يطلبه بمقتضى وعده.

علاج الكبر علماً وعملا

(علاج الكبر علماً وعملا)
الكبر كالعجب في كيفية العلاج اجمالا وتفصيلا، إذ الكبر لما تضمن معنى العجب ـ أي استعظام النفس ـ وكان العجب منشأ له، فما ذكر لعلاج مطلق العجب هو العلاج لمطلق الكبر أيضاًً. ولكن ما به الكبر ـ اعنى بواعثه ـ هي بواعث العجب بعينها، فما ذكر لعلاج العجب بالبواعث المذكورة مشترك بينهما.
ومن المعالجات المختصة بالكبر: ان يتذكر ما ورد في ذمه من الآيات والاخبار المذكورة وغيرها، ويتأمل فيما ورد في مدح ضده ـ اعني التواضع كما يأتي. ولكون الكبر مشتملا على شيء زائد على العجب هو رؤية النفس فوق الغير، فينبغي ان يعلم ان الحكم بخيرية نفسه من الغير غاية الجهل والسفاهة، فلعل في الغير من خفايا الأخلاق الكريمة ما ينجيه، وفيه من الملكات الذميمة ما يهلكه ويرديه. وكيف يجتريء صاحب البصيرة ان يرجح نفسه على الغير، مع ابهام الخاتمة وخفاء الأخلاق الباطنة واشتراك الكل في الانتساب إلى الله تعالى، وفي صدورها وترشحها منه ومعلوليتها ولازميتها له، فالواقف بخطر الخاتمة واناطة النجاة والهلاك بالباطن لا يرى لنفسه مزية على غيره، والعارف بكون كل فرد من أفراد الموجودات أثراً من آثار ذاته ولمعة من لمعات انوار صفاته، بل رشحة من رشحات فضله وجوده وقطرة من قطرات تيار فيض وجوده، لا ينظر إلى احد بنظر السوء والعداوة، بل يشاهد الكل بعين الخيرية والمحبة.

اشكال وحل

اشكال وحل
(فان قيل): كيف يحسن ان يتواضع العالم الورع للجاهل الفاسق ويراه خيرا من نفسه، مع ظهور جهله وفسقه، وقطعه باتصاف نفسه بالعلم والورع وخلوه عنهما؟ وكيف يجوز له ان يحب فاسقاً أو كافراً أو مبتدعاً ويتواضع له ولا يعاديه، مع انه مبغوض عند الله، فيكون مأموراً ببغضه، والجمع بين الحب والتواضع وبين البغض جمع بين النقيضين؟
(أجبنا) عن (الاول) بأن حقيقة التواضع ألا يرى النفس لذاتها مزية واقعية وخيرية حقيقية على الغير، لا ألا يرى مزية لذاتها عليه في الصفات الظاهرة التى يجزم باتصاف نفسه بها وعدم اتصافه بها، كالعلم والعبادة والسخاوة والعدالة والاجتناب عن الاموال المحرمة وغير ذلك، إذ العالم ببعض العلوم لا يمكنه ان يدفع عن نفسه القطع بكونه عالماً بها وكون فلان العامي غير عالم بها. لكن المزية الواقعية والخيرية النفس الامرية إنما هو بالتقرب إلى الله والوصول إلى السعادة الدائمية، ولاشك في ان ذلك لا يحصل بمجرد تعلم بعض العلوم والمواظبة على بعض العبادات أو غير ذلك من الصفات المحمودة، بل المناط فيه حسن الخاتمة، وهو أمر مبهم، إذ العواقب مطوية عن العباد، فيمكن ان يسلم الكافر ويختم له بالايمان ويضل هذا العالم الورع ويختم له بالكفر، فعلى كل عبد ان رأى من هو شراً منه ظاهراً ان يقول: لعل هذا ينجو وأهلك أنا، فلا يراه شراً من نفسه في الواقع خائفاً من العاقبة ويقول: لعل بر هذا باطن، بأن يكون فيه خلق كريم بينه وبين الله فيرحمه الله ويتوب عليه ويختم له بأحسن الأعمال، وبرى ظاهر لا آمن ان تدخله الآفات فتحبطه. وبالجملة: ملاحظة الخاتمة والسابقة والعلم بأن الكمال في القرب من الله وسعادة الآخرة دون ما يظهر في الدنيا من الاعمال الظاهرة يوجب نفي الكبر والتواضع لكل أحد.
وعن (الثاني) إن الحب ينبغي ان يكون لأجل النسبة الشريفة المذكورة والتواضع لأجل ملاحظة الخاتمة، وبغضه وغضبه عليه لأجل ما ظهر منه من الكفر والفسوق. واي منافاة بين الغضب لله في صدور معصية من عبد، وبين عدم الكبر والاذلال؟ إذ الغضب إنما هو لله لا لنفسك، إذ أمرك بأن تغضب عند مشاهدة المنكر، والتواضع وعدم الكبر إنما هو بالنظر إلى نفسك، بألا ترى نفسك ناجياً وصاحبك هالكا في حال غضبك عليه لأمر الله، بل يكون خوفك على نفسك مما علم الله من خفايا ذنوبك أكثر من خوفك عليه مع الجهل بالخاتمة، فليس من ضرورة الغضب والبغض لله أن تتكبر على المغضوب عليه، وترى قدرك فوق قدره.
ومثال ذلك. ان يكون لملك غلام وولد، وقد وكل الملك الغلام على ولده بأن يراقبه ويضربه مهما ساء أدبه، ويغضب عليه إذا اشتغل بما لا يليق به، فان كان الغلام مطيعاً محباً لمولاه يغضب عيه إذا ساء أدبه امتثالا لأمر مولاه، ومع ذلك يحبه لانتسابه إلى مولاه بالولاده، ولايتكبر عليه ويتواضع له، ويرى قدره عند مولاه فوق قدر نفسه، لأن الولد أعز لامحالة من الغلام.


العلاج العملي للكبر

(العلاج العملي للكبر)
تذنيب
ما ذكرناه لعلاج الكبر إنما هو العلاج العلمي، اما (العلاج العملي) فهو ان يتواضع بالفعل لله ولسائر الخلق، ويواظب على اخلاق المتواضعين، ويكلف نفسه على ذلك إلى ان تقطع عن قلبه شجرة الكبر باصولها وفروعها، ويصير التواضع ملكة له. وللقطع الكلي وحصول ملكة التواضع امتحانات يعرفان بها، فلا بد ان يمتحن نفسه بها حتى يطمئن بأنه متواضع، إذ النفس قد تضمر التواضع وتدعى البراءة من الكبر، فإذا وقعت الواقعة عادت إلى طبعها ونسيت وعدها:
(الأول) ان يناظر مع أقرانه في بعض المسائل، فإذا ظهر شيء من الحق على لسانهم، فان اعترف به مع السرور والاهتزاز والشكر لهم لتنبيههم إياه على ماغفل عنه فهو علامة التواضع، وان ثقل عليه القبول والاعتراف ولم يسر بظهور الحق على لسانه فهو دليل بقاء الكبر بعد. فليعالجه من حيث العلم بأن يتذكر سوء عاقبته وخسة نفسه وخباثتها، من حيث ان قبول الحق يثقل عليها، ومن حيث العمل بأن يكلف نفسه على ما يثقل عليها من الاعتراف بالحق واطلاق اللسان بالثناء والشكر، والاقرار على نفسه بالعجز والقصور، ويقول: ما أحسن فطانتك! لقد ارشدتني إلى الحق، فجزاك الله خيراً، فإذا واظب على ذلك مراتب متوالية، صار ذلك له طبعاً، وسقط ثقل الحق عن قلبه وطاب له قبوله، وان لم يثقل عليه في الخلوة وثقل عليه في الملأ، فليس فيه كبر، بل فيه رياء، فليعالج بما يأتي في معالجة الرياء.
(الثاني) ان يقدم الاقران والامثال على نفسه في المحافل، ويمشي خلفهم في الطرق، فان لم يثقل ذلك عليه فهو متواضع، وإلا فمتكبر، فليقدمهم بالتلكف، ويجلس تحتهم، ويظهر السرور والارتياح بذلك، حتى يسقط عنه ثقله. قال ابو عبد الله الصادق (ع): " إن من التواضع ان يجلس الرجل دون شرفه ". وقال (ع): " من التواضع ان ترضى بالمجلس دون المجلس، وان تسلم على من تلقى، وان تترك المراء وان كنت محقاً، ولا تحب ان تحمد على التقوى ". ومن المتكبرين من إذا لم يجد مكاناً في الصدر يجلس في صف النعال، أو يجعل بينه وبين الاقران بعض الاراذل ولايجلس تحتهم، وغرضهم من ذلك استحقار الاقران أو إيهام ان تركهم للصدر انما هو بالتفضل، فهو أشد أنواع التكبر.
(الثالث) ان يجيب دعوة الفقير، ويمر إلى السوق في حاجة الرفقاء والاقارب، ويحعل حاجتهم وحاجة نفسه منه إلى البيت، فان لم يثقل عليه ذلك في الخلوة والملأ فليس فيه كبر ورياء، وان ثقل عليه فيهما ففيه كبر ورياء وان ثقل عليه مشاهده الناس دون الخلوة ففيه رياء دون الكبر. قال أمير المؤمنين (ع): " لاينقص الرجل الكامل من كماله ما حمل من شيء إلى عياله ". وروي: " انه اشترى لحماً بدرهم فحمله في ملحفته، فقال له بعضهم احمل عنك يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا! ابو العيال أحق ان يحمل ". وروي: " ان الصادق (ع): نظر إلى رجل من أهل المدينة قد اشترى لعياله شيئاً وهو يحمله، فلما رآه الرجل استحيى منه، فقال له ابو عبد الله (ع): اشتريته لعيالك وحملته اليهم اما والله لو لا أهل المدينه لأحببت ان اشترى لعيالى الشيء ثم أحمله اليهم ".
(الرابع) ان يلبس ثياباً بذلة، فان لم يثقل عليه ذلك أصلا فليس فيه كبر ورياء، وإلا كان متكبراً أو مرائياً، قال رسول الله (ص): " من اعتقل البعير ولبس الصوف فقد برىء من الكبر". وقال (ص): " انما انا عبد آكل في الارض، وألبس الصوف، وأعقل البعير، وألعق أصابعي، واجيب دعوة المملوك، فمن رغب عن سنتي فليس مني " وقيل لسلمان: لم لا تلبس ثوباً جديداً؟ فقال: إنما انا عبد، فإذا اعتقت يوماً لبست جديداً ": اشار به إلى العتق في الآخرة. وقال رسول الله (ص): " البذاذة ـ أي الدون من اللباس ـ من الإيمان ". وعوتب أمير المؤمنين (ع): في ازار مرقوع، فقال: " يقتدي به المؤمن وتخشع له القلوب ".
(الخامس) ان يأكل مع خدامه وغلمانه، فان لم يثقل عليه فهو متواضع وإلا فمتكبر. وروي رجل من أهل بلخ، قال: كنت مع الرضا (ع): في سفره إلى خراسان، فدعا يوماً بمائدة، فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم، فقلت: جعلت فداك! لو عزلت لهؤلاء مائدة، فقال (ع): ان الرب تعالى واحد، والدين واحد والأم واحدة، والاب واحد، والجزاء بالأعمال ".
والامتحانات لبقاء الكبر ليست منحصرة بما ذكر، بل هي كثيرة:
كأن يحب قيام الناس له أو بين يديه، قال أمير المؤمنين (ع): " من اراد ان ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى رجل قاعد وبين يديه قوم قيام ". وقال بعض الصحابة: " لم يكن شخص احب اليهم من رسول الله، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهته لذلك "
وان يحب ان يمشي خلفه غيره، وقد روي " انه لا يزال العبد يزداد من الله بعداً ما مشى خلفه ". وكان رسول الله (ص): في بعض الأوقات يمشي مع بعض الاصحاب، فيأمرهم بالتقدم ويمشى في غمارهم.
وألا يزور غيره، وان كان في زيارته فائدة دينية. وان يستنكف من مجالسة الفقراء والمعلولين والمرضى. روي انه دخل على رسول الله رجل وعليه جدري قد تقشر، وعنده ناس من اصحابه يأكلون، فما جلس عند احد إلا قام من جنبه. فاجلسه النبي (ص): إلى جنبه. وكان (ص): في نفر من اصحابه يأكلون في بيته، إذ دخل عليهم رجل به زمانة تنكره الناس لأجلها فأجلسه رسول الله على فخذه وقال له: " اطعم "، وكأن رجلا من قريش اشمأز منه وتكرّه، فما مات ذلك الرجل حتى كانت به زمانة مثلها. ومر سيد الساجدين (ع): على المجذومين[24] وهو راكب حماره، وهم يتغدون، فدعوه إلى الغذاء، فقال: " اما انى لولا اني صائم لفعلت "، فلما صار إلى منزله امر بطعام فصنع، وامر ان يتنوقوا فيه، ثم دعاهم فتغدوا عنده وتغدى معهم.... وقس على هذه غيرها من الامتحانات.
ولقد كانت سيرة رسول الله (ص) جامعة لجميع ما يمتحن به التواضع، بريئة عن جميع ما يصدر من الكبر من الافعال والحركات، فينبغي لكل مؤمن ان يقتدي به. وقد روى ابو سعيد الخدري: " انه (ص) كان يعلف الناضح، ويعقل البعير، ويقم البيت، ويحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقع الثوب، ويأكل مع خادمه، ويطحن عنه إذا أعيى، ويشري الشيء من السوق، ولا يمنعه الحياء ان يعلقه بيده أو يجعله في طرف ثوبه وينقلب إلى اهله. يصافح الغني والفقير والصغير والكبير، ويسلم مبتدئاً على كل من استقبله من صغير أو كبير اسود أو احمر حر أو عبد من أهل الصلاة، ليست له حلة لمدخله ولا حلة لمخرجه، لا يستحيي من ان يجيب إذا دعي، وان كان اشعث اغبر، ولا يحقر مادعي إليه وان لم يجد إلا حشف الرّقل[25]، لا يدفع غداء لعشاء ولا عشاء لغداء. هين المؤنة، لين الخلق، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بساماً من غير ضحك محزوناً من غير عبوس، شديداً في غير عنف. متواضعاً في غير مذلة، جواداً من غير سرف، رحيماً لكل ذي قربى، قريباً من كل ذمي ومسلم، رقيق القلب، دائم الاطراق، لم يبسم قط من شبع، ولا يمد يده إلى طمع ". هذا وقال ابو الحسن (ع): " التواضع: ان تعطي الناس ما تحب ان تعطاه ". وسئل عن حد التواضع الذي إذا فعله العبد كان متواضعاً، فقال: " التواضع درجات: منها ان يعرف المرء قدر نفسه، فينزلها منزلتها بقلب سليم لا يحب ان يأتي إلى احد إلا مثل ما يؤتى اليه، ان رأى سيئة درأها بالحسنة، كاظم الغيظ عاف عن الناس، والله يحب المحسنين ".

[1] الحكمة بالتحريك: ما اخاط بحنكي الفرس من لجامه.
[2]  بمعنى جذ باها.
[3]  صححنا الحديث على ما في احياء العلوم ـ ج2 ص329 ـ.
[4]  هذا الحديث وما قلبه رواهما الكافي في باب التواضع. فصححناهما عليه.
[5]  غافر، الآية: 35.
[6]  الاعراف، الآية: 146.
[7]  الانعام، الآية: 93.
[8]  الزمر، الآية: 72.
[9]  النحل، الآية: 23.
[10]  غافر، الآية: 60.
[11]  غافر، الآية: 56.
[12]  روى الحديث في الكافي عن أحد الصادقين ـ عليهما السلام ـ في باب الكبر، وجاء فيه هكذا: " الكبر" بتعريف كبر.
[13]  صححنا الحديث على كنز العمال ـ ج2 ص107 ـ. والجواظ: المتكبر الجافي، والجعظري: الفظ الغليظ.
[14]  كذا في النسخ. وفي نسخة احياء العلوم ـ ج2 ص290 ـ: (نار الانيار)، ولم نعثر على جمع نار على انيار، وانما من جملة جموعها (نيار).
[15]  غافر، الآية: 60.
[16]  النساء، الآية: 172.
[17]  مريم، الآية: 69.
[18]  النحل، الآية: 23.
[19]  الانعام، الآية: 53.
[20]  المؤمنون، الآية: 47
[21]  إبراهيم، الآية: 10.
[22]  المؤمنون، الآية: 34.
[23]  الفرقان، الآية: 21.
[24]  وفي بعض نسخ الكافي المصححة في باب التواضع هكذا: " المجذمين ".
[25]  في احياء العلوم ـ ج3 ص306 ـ هكذا: (الدقل)، وكل من النسختين يصح به المعنى. 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page