• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

العجب


العجب
وهو استعظام نفسه لأجل ما يرى لها من صفة كمال، سواء كانت له تلك الصفة في الواقع أم لا. وسواء كانت صفة كمال في نفس الأمر أم لا، وقيل " هو اعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم " وهو قريب مما ذكر، ولا يعتبر في مفهومه رؤية نفسه فوق الغير في هذا الكمال وهذه النعمة، وبذلك يمتاز عن الكبر، إذ الكبر هو أن يرى لنفسه مزّية على غيره في صفة كمال، وبعبارة أخرى هو الاسترواح والركون إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه، فالكبر يستدعى متكبراً عليه ومتكبراً به.
والعجب لايستدعى غير المعجب، بل لو لم يخلق الإنسان إلا وحده تصور أن يكون معجباً، ولا يتصور أن يكون متكبراً، إلا أن يكون مع غيره وهو يرى نفسه فوق ذلك الغير في صفة الكمال ولا يكفى أن يستعظم نفسه ليكون متكبراً، فانه قد يستعظم نفسه، ولكن يرى في غيره اعظم من نفسه أو مثل نفسه فلا يتكبر عليه، فهو معجب وليس متكبراً ولا يكفى أن يستحقر غيره، فانه مع ذلك لو رأى نفسه أحقر أو رأى غيره مثل نفسه لم يكن متكبراً، بل المتكبر هو أن يرى لنفسه مرتبة والغيره مرتبة، ثم يرى مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره.
والحاصل: أن العجب مجرد إعظام النفس لأجل كمال أو نعمة، وإعظام نفس الكمال والنعمة مع الركون ونسيان إضافتهما إلى الله. فان لم يكن معه ركون وكان خائفاً على زوال النعمة مشفقاً على تكدرها أو سلبها بالمرة، أو كان فرحاً بها من حيث أنها من الله من دون إضافتها إلى نفسه لم يكن معجباً، فالمعجب ألا يكون خائفاً عليها، بل يكون فرحاً بها مطمئناً إليها، فيكون فرحه بها من حيث انها صفة كمال منسوبة اليه، لامن حيث انها عطية منسوبة إلى الله تعالى. ومهما غلب على قلبه أنها نعمة من الله مهما شاء سلبها زال العجب.
ثم لو انضاف إلى العجب ـ أي غلب على نفس المعجب ـ أن له عند الله حقاً، وانه منه بمكان، واستبعد ان يجري عليه مكروه، كان متوقعاً منه كرامة لعمله، سمى ذلك (ادلالاً) بالعمل، فكأنه يرى لنفسه على الله دالة فهو وراء العجب وفوقه إذ كل مدل معجب، ورب معجب لايكون مدلا، إذ العجب مجرد الاستعظام ونسيان الاضافة إلى الله من دون توقع جزاء على عمله، والادلال يعتبر فيه توقع الجزاء بعمله، إذ المدل يتوقع إجابة دعوته ويستنكر ردها بباطنه ويتعجب منه، فالادلال عجب مع شيء زائد.
وعلى هذا، فمن أعطى غيره شيئاً، فان استعظمه ومن عليه كان معجباً، وان استخدمه مع ذلك أو اقترح عليه الاقتراحات واستبعد تخلفه عن قضاء حقوقه كان مدلا عليه وكما ان العجب قد يكون مما يراه صفة كمال وليس كذلك العجب بالعمل قد يكون بعمل هو مخطىء فيه ويراه حسناً، كما قال سبحانه:
" أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسناً "[1]
وقال أبو الحسن (ع): " العجب درجات: ومنها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً، فيعجبه ويحسب انه يحسن صنعاً. ومنها ان يؤمن العبد بربه، فيمن على الله ـ عز وجل ـ ولله عليه فيه المن ".


العجب
وهو استعظام نفسه لأجل ما يرى لها من صفة كمال، سواء كانت له تلك الصفة في الواقع أم لا. وسواء كانت صفة كمال في نفس الأمر أم لا، وقيل " هو اعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم " وهو قريب مما ذكر، ولا يعتبر في مفهومه رؤية نفسه فوق الغير في هذا الكمال وهذه النعمة، وبذلك يمتاز عن الكبر، إذ الكبر هو أن يرى لنفسه مزّية على غيره في صفة كمال، وبعبارة أخرى هو الاسترواح والركون إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه، فالكبر يستدعى متكبراً عليه ومتكبراً به.
والعجب لايستدعى غير المعجب، بل لو لم يخلق الإنسان إلا وحده تصور أن يكون معجباً، ولا يتصور أن يكون متكبراً، إلا أن يكون مع غيره وهو يرى نفسه فوق ذلك الغير في صفة الكمال ولا يكفى أن يستعظم نفسه ليكون متكبراً، فانه قد يستعظم نفسه، ولكن يرى في غيره اعظم من نفسه أو مثل نفسه فلا يتكبر عليه، فهو معجب وليس متكبراً ولا يكفى أن يستحقر غيره، فانه مع ذلك لو رأى نفسه أحقر أو رأى غيره مثل نفسه لم يكن متكبراً، بل المتكبر هو أن يرى لنفسه مرتبة والغيره مرتبة، ثم يرى مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره.
والحاصل: أن العجب مجرد إعظام النفس لأجل كمال أو نعمة، وإعظام نفس الكمال والنعمة مع الركون ونسيان إضافتهما إلى الله. فان لم يكن معه ركون وكان خائفاً على زوال النعمة مشفقاً على تكدرها أو سلبها بالمرة، أو كان فرحاً بها من حيث أنها من الله من دون إضافتها إلى نفسه لم يكن معجباً، فالمعجب ألا يكون خائفاً عليها، بل يكون فرحاً بها مطمئناً إليها، فيكون فرحه بها من حيث انها صفة كمال منسوبة اليه، لامن حيث انها عطية منسوبة إلى الله تعالى. ومهما غلب على قلبه أنها نعمة من الله مهما شاء سلبها زال العجب.
ثم لو انضاف إلى العجب ـ أي غلب على نفس المعجب ـ أن له عند الله حقاً، وانه منه بمكان، واستبعد ان يجري عليه مكروه، كان متوقعاً منه كرامة لعمله، سمى ذلك (ادلالاً) بالعمل، فكأنه يرى لنفسه على الله دالة فهو وراء العجب وفوقه إذ كل مدل معجب، ورب معجب لايكون مدلا، إذ العجب مجرد الاستعظام ونسيان الاضافة إلى الله من دون توقع جزاء على عمله، والادلال يعتبر فيه توقع الجزاء بعمله، إذ المدل يتوقع إجابة دعوته ويستنكر ردها بباطنه ويتعجب منه، فالادلال عجب مع شيء زائد.
وعلى هذا، فمن أعطى غيره شيئاً، فان استعظمه ومن عليه كان معجباً، وان استخدمه مع ذلك أو اقترح عليه الاقتراحات واستبعد تخلفه عن قضاء حقوقه كان مدلا عليه وكما ان العجب قد يكون مما يراه صفة كمال وليس كذلك العجب بالعمل قد يكون بعمل هو مخطىء فيه ويراه حسناً، كما قال سبحانه:
" أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسناً "[1]
وقال أبو الحسن (ع): " العجب درجات: ومنها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً، فيعجبه ويحسب انه يحسن صنعاً. ومنها ان يؤمن العبد بربه، فيمن على الله ـ عز وجل ـ ولله عليه فيه المن ".

ذم العجب

(ذم العجب)
العجب من المهلكات العظيمة وأرذل الملكات الذميمة، قال رسول الله (ص): " ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه ". وقال (ص): " إذ رايت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، وإعجاب كل ذى رأى برأيه، فعليك نفسك ". وقال (ص): " لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ماهو اكبر من ذلك: العجب العجب ". وقال (ص): " بينما موسى (ع) جالس[2]، إذا اقبل عليه ابليس وعليه برنس ذو ألوان، فلما دنى منه خلع البرنس، وقام إلى موسى (ع) فسلم عليه، فقال: من أنت؟ فقال انا ابليس، قال أنت: فلا قرب الله دارك، قال: إنى انما جئت لأسلم عليك لمكانك من الله، فقال له موسى (ع): فما هذا البرنس قال: به اختطف قلوب بني آدم فقال موسى: فاخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه، قال: إذا اعجبته نفسه واستكثر عمله وصغر في عينه ذنبه ". وقال (ص): " قال الله ـ عز وجل ـ يا داود! بشر المذنبين وانذر الصديقين، قال: كيف ابشر المذنبين وانذر الصديقين؟ قال: بشر المذنبين انى اقبل التوبة وأعفو عن الذنب، وأنذر الصديقين ألا يعجبوا باعمالهم، فانه ليس عبد انصبه للحساب إلا هلك
وقال الباقر (ع): " دخل رجلان المسجد، احدهما عابد والآخر فاسق، فخرجا من المسجد والفاسق صديق والعابد فاسق، وذلك انه يدخل العابد المسجد مدلا بعبادته يدل بها، فتكون فكرته في ذلك، وتكون فكرة الفاسق في الندم على فسقه، ويستغفر الله مما صنع من الذنوب ". وقال الصادق (ع): " إن الله علم ان الذنب خير للمؤمن من العجب، ولولا ذلك ما ابتلى مؤمناً بذنب أبداًً ". وقال (ع): " من دخله العجب هلك ". وقال (ع): " إن الرجل ليذنب فيندم عليه، ويعمل العمل فيسره ذلك، فيتراخى عن حاله تلك، فلأن يكون على حاله تلك خير له مما دخل فيه ". وقال (ع): " اتى عالم عابداً فقال له: كيف صلاتك؟ فقال مثلى يسأل عن صلاته وانا اعبد الله منذ كذا وكذا، قال: فكيف بكاؤك؟ قال: ابكى حتى تجرى دموعي، فقال له العالم: فان ضحكك وانت خائف افضل من بكائك وانت مدل، ان المدل لايصعد من عمله شيء ". وقال (ع): " العجب ممن يعجب بعمله وهو لا يدري بما يختم له، فمن اعجب بنفسه وفعله، فقد ضل عن نهج الرشاد وادعى ماليس له، والمدعي من غير حق كاذب وان اخفي دعواه وطال دهره. وان اول ما يفعل بالمعجب نزع ما اعجب به ليعلم انه عاجز حقير، ويشهد على نفسه ليكون الحجة عليه أوكد، كما فعل بابليس. والعجب نبات حبها الكفر، وارضها النفاق وماؤها البغى، واغصانها الجهل، وورقها الضلالة، وثمرها اللعنة والخلود في النار، فمن اختار العجب فقد بذر الكفر وزرع النفاق، ولابد ان يثمر "[3] وقيل له (ع): الرجل يعمل العمل وهو خائف مشفق، ثم يعمل شيئاً من البر فيدخله شبه العجب به فقال: " هو في الحالة الأولى وهو خائف أحسن حالا منه في حال عجبه ". وقال (ع) " ان عيس بن مريم (ع) كان من شرائعه السيح في البلاد، فخرج في بعض سيحه ومعه رجل من اصحابه قصير، وكان كثير اللزوم لعيسى، فلما انتهى عيسى إلى البحر قال: بسم الله، بصحة يقين منه، فمشى على ظهر الماء. فقال الرجل القصير حين نظر إلى عيسى جازه بسم الله، يصحة يقين منه فمشى على الماء، ولحق بعيسى (ص)، فدخله العجب بنفسه، فقال: هذا عيسى روح الله يمشي على الماء وانا أمشي على الماء فما فضله علي؟! قال: فرمس في الماء، فاستغاث بعيسى (ع)، فتناوله من الماء فاخرجه، ثم قال له: ماقلت يا قصير؟! قال قلت: هذا روح الله يمشي على الماء وانا أمشي، فدخلني من ذلك عجب، فقال له عيسى: لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذي وضعك الله، فمقتك الله على ما قلت، فتب إلى الله ـ عز وجل ـ مما قلت، قال: فتاب الرجل، وعاد إلى مرتبته التي وضعه الله فيها "[4].

آفات العجب

(آفات العجب)
العجب آفاته كثيرة: (منها) الكبر لأنه أحد أسبابه ـ كما يأتي ـ (ومنها) أنه يدعو إلى نسيان الذنوب واهمالها، فلا يتذكر شيئاً منها، وان تذكر بعضاً منها يستصغرها ولا يستعظمها، فلا يجتهد في تداركها وتلافيها، بل يظن انها تغفر له. واما العبادات، فيستعظمها ويتبجح بها ويمن على الله بفعلها، وينسى نعمة الله عليه بالتوفيق والتمكين منها، وإذا اعجب بها عمي عن آفاتها. ومن لم يتفقد آفات الاعمال ضل سعيه، إذ الاعمال الظاهرة إذا لم تكن خالصة نقية عن الشوائب قلما تنفع، وانما يتفقد الخائف المشفق دون المعجب، لانه يغتر بنفسه وبرأيه ويأمن مكر الله وعذابه، ويظن انه عند الله بمكان، وان له عند الله حقاً باعماله التي هي من عطاياه تعالى ونعمه، وربما يخرجه العجب إلى تزكية نفسه والثناء عليها. وان أعجب برأيه وعقله وعلمه منعه ذلك من السؤال والاستفادة والاستشارة، فيستبد بنفسه ورأيه ويستنكف عن سؤال الاعلم، وربما يعجب بالرأي الخطأ الذي خطر له، فيفرح بكونه من خواطره ولا يعتنى بخواطر غيره، فيصر عليه، ولا يسمع نصح ناصح ولا وعظ واعظ، بل ينظر إلى غيره بعين الاستحقار والاستجهال، فان كان رأيه الفاسد متعلقاً بأمر دنيوى أضره وفضحه، وان كان متعلقاً بأمر دينى ـ (لا) سيما في أصول العقائد ـ أضله وأهلكه. ولو اتهم نفسه لم يثق برأيه، واستعان بعلماء الدين وسؤال أهل البصيرة، لكان خيراً له وأحسن، وموصلا له إلى الحق المتيقن. ومن آفاته انه يفتر في الجد والسعي، لظنه انه قد استغنى وفاز بما ينجيه، وهو الهلاك الصريح الذي لاشبهة فيه.

علاج العجب اجمالا وتفصيلا

(علاج العجب اجمالاً وتفصيلاً)
إعلم ان للعجب علاجين: اجمالياً وتفصيلياً[5]
اما العلاج الاجمالي ـ فهو ان يعرف ربه، وانه لا تليق العظمة والعزة إلا به، وان يعرف نفسه حق المعرفة، ليعلم انه بذاته أذل من كل ذليل وأقل من كل قليل، ولاتليق به إلا الذلة والمهانة والمسكنة، فما له والعجب واستعظام نفسه، فانه لاريب في كونه ممكناً، وكل ممكن في ذاته صرف العدم ومحض اللاشيء، كما ثبت في الحكمة المتعالية، ووجوده وتحققه وكماله وآثاره جميعاً من الواجب الحق، فالعظمة والكبرياء انما تليق بمفيض وجوده وكمالاته، لا لذاته التي هي صرف العدم ومحض الليس، فان شاء ان يستعظم شيئاً ويفتخر به فليستعظم ربه وبه افتخر، ويستحقر نفسه غاية الاستحقار وحتى يراها صرف العدم ومحض اللاشيء. وهذا المعنى يشترك فيه كل ممكن كائناً من كان.
وما المهانة والذلة التي تخص هذا المعجب وبنى نوعه، فكون أوله نطفة قذرة وآخره جيفة عفنة، وكونه ما بين ذلك حمال نجاسات منتنة، وقد مرّ على ممر البول ثلاث مرات. وتكفيه آية واحدة من كتاب الله تعالى لو كان له بصيرة، وهي قوله:
" قتل الإنسان ما أكفره. من أيّ شيء خلقه. من نطفة خلقه فقدّره. ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره. ثمّ إذا شاء أنشره "[6].
فقد أشارت الآية إلى انه كان أولا في كتم العدم غير المتناهي، ثم خلقه من أقذر الاشياء الذي هو نطفة مهينة، ثم أماته وجعله جيفة منتنة خبيثة.
وأي شيء اخس وارذل ممن بدايته محض العدم، وخلقته من انتن الاشياء واقذرها، ونهايته الفناء وصيرورته جيفه خبيثة. وهو ما بين المبدأ والمنتهى عاجز ذليل، لم يفوض إليه أمره، ولم يقدر على شيء لنفسه ولا لغيره، إذ سلطت عليه الأمراض الهائلة، والاسقام العظيمة، والآفات المختلفة، والطبائع المتضادة، من المرة والدم والريح والبلغم، فيهدم بعض أجزائه بعضاً، شاء أم أبى، رضى أم سخط، فيجوع كرهاً، ويعطش كرهاً، ويمرض كرهاً، ويموت كرهاً، لا يملك لنفسه نفعاً وضراً ولا خيراً وشراً. يريد ان يعلم الشيء فيجهله، ويريد ان يذكر الشيء فينساه، ويريد ان ينسى الشيء فلا ينساه، ويريد ان ينصرف قلبه إلى ما يهمه فيجول في أودية الوساوس والأفكار بالاضطرار. فلا يملك قلبه قلبه، ولا نفسه نفسه. يشتهى الشىء وفيه هلاكه ويكره الشىء وفيه حياته، يستلذ ما يهلكه ويرديه ويستبشع ما ينفعه وينجيه، ولا يأمن في لحظة من ليله أو نهاره ان يسلب سمعه وبصره وعلمه وقدرته، وتفلج أعضاؤه، ويختلس عقله، وتختطف روحه، ويسلب جميع ما يهواه في دنياه، وهو مضطر ذليل، ان ترك فنى، وان خلى ما بقى، عبد مملوك، لا يقدر على شىء من نفسه ولا من غيره، فأي شىء أذل منه لوعرف نفسه؟ ,أنى يليق العجب به لولا جهله؟. وهذا وسط أحواله.
واما آخره، فهو الموت ـ كما عرفت ـ فيصير جيفة منتنة قذرة، ثم تضمحل صورته، وتبلى أعضاؤه، وتنخر عظامه، وتتفتت أجزاؤه، فيصير رميماً رفاتاً، ثم يصير روثاً في أجواف الديدان، يهرب منه الحيوان، ويستقذره كل إنسان، واحسن أحواله ان يعود إلى ما كان، فيصير تراباً تعمل منها الكيزان، ويعمر منه البنيان، فما أحسنه لو ترك تراباً، بل يحيى بعد طول البلى ليقاسي شدائد البلا، فيخرج من قبره بعد جميع اجزائه المتفرقة، ويساق إلى عرصات القيامة، فيرى سماء مشققة، وارضاً مبدلة، وجبالاً مسيرة، ونجوماً منكدرة، وشمساً منكسفة، وجحيماً مسعرة، وجنة مزينة، وموازين منصوبة، وصحائف منشورة، فإذا هو في معرض المؤاخذة والحساب وعليه ملائكة غلاظ شداد، فيعطى كتابه إما بيمينه اوشماله، فيرى فيه جميع اعماله وافعاله، قليل وكثير ونقير وقطمير. فان غلبت سيئاته على حسناته وكان مستحقاً للعذاب والنار، تمنى ان يكون كلباً أو خنزيراً ليصير مع البهائم تراباً ولا يلقى عقابا ولا عذاباً. ولا ريب في ان الكلب والخنزير احسن واطيب ممن عصى ربه القهار ويعذب في النار، إذ أولهما وآخرهما التراب، وهو بمعزل عن العقاب والعذاب، والكلب والخنزير لا يهرب منهما الخلق، ولو رأى أهل الدنيا من يعذب في النار لصعقوا من وحشة خلقته وقبح صورته. ولو جدوا ريحه لماتوا من نتنه، ولو وقعت قطرة من شرابه الذي يسقاه في بحار الدنيا صارت أنتن من الجيفة المنتنة.
فما لمن هذه حاله والعجب واستعظام نفسه! وما اغفله من التدبر في احوال يومه وامسه! ولو لم يدركه العذاب ولم يؤمر به إلى النار فانما ذلك للعفو، لأنه ما من عبد إلا وقد أذنب ذنباً، وكل من إذنب ذنباً استحق عقوبة، فلو لم يعاقب فانما ذلك للعفو. ولا ريب في ان العفو ليس يقيناً، بل هو مشكوك فيه، فمن استحق عقوبة ولايدري ايعفى عنها أم لا، يجب ان يكون أبداًً محزوناً خائفاً ذليلاً، فكيف يستعظم نفسه ويلحقه العجب، ألا ترى ان من جنى على بعض الملوك بما استحق به الف سوط مثلاً، فأخذ وحبس في السجن. وهو منتظر ان يخرج إلى العرض وتقام عليه العقوبة على ملأ من الخلق، وليس يدري ايعفى عنه أم لا، كيف يكون ذله في السجن؟ افترى انه مع هذه الحالة يكون معجباً بنفسه؟! ولا اظنك ان تظن ذلك. فما من عبد مذنب، ولو اذنب ذنباً واحداً، إلا وقد استحق عقوبة من الله، والدنيا سجنه، ولا يدري كيف يكون امره، فيكفيه ذلك خوفا ومهانة وذلة. فلا يجوز له ان يعجب ويستعظم نفسه.
هذا هو العلاج الاجمالي للعجب.
اما التفصيلي ـ فهو ان يقطع اسبابه ـ اعني ما به العجب ـ وهي العلم، والمعرفة، والعبادة، والطاعة، وغير ذلك من الكمالات النفسية، كالورع، والشجاعة، والسخاوة، والنسب، والحسب، والجمال، والمال، والقوة، والبطش، والجاه، والاقتدار، وكثرة الاعوان والانصار، والكياسة، والتفطن لدقائق الامور، والراي الخطأ.
اما (العجب بالعلم): فعلاجه ان يعلم ان العالم الحقيقي هو الذي يعرف نفسه وخطر الخاتمة، وان من تليق به العظمة والعزة والكبرياء هو الله سبحانه، وما عداه هالك الهوية والذات فاقد الكمال والصفات. وهذا العلم يزيد الخوف والذلة والمهانة والمسكنة، والاعتراف بالقصور والتقصير في اداء حقوق الله، والشكر بازاء نعمه، ولذا قيل: " من ازداد علماً ازداد وجعاً ". فالعلم الذي لا يوجب ذلك ويورث العجب، اما ليس علماً حقيقياً، بل هو من العلوم الدنيوية التي ينبغي ان تسمى صناعات لا علوماً، إذ صاحبه خاض فيه وهو خبيث النفس ردي الأخلاق لم يهذب نفسه اولاً ولم يزكها بالمجاهدات ولم يرضها في العبادة ربه، فيبقى خبيث الجوهر، فإذا خاض في العلم وان كان علماً حقيقياً صادف من قلبه منزلا خبيثاً، فلم يطب ثمره ولم يظهر في الخبر اثره، فان العلم مثله مثل الغيث ينزل من السماء عذبا صافياً، فإذا شربته الاشجار والنباتات ازداد المر مرارة والحلو حلاوة، كذلك العلم إذا صادف القلوب ازداد القلب المظلم الخبيث ظلمة وخباثة. والطيب الصافي طيباً وصفاء.
واذا علم ذلك، يعرف انه لا ينبغي العجب بالعلم، ويجب أيضاًً ان يعلم انه إذا اعجب بنفسه صار ممقوتاً عند الله مبغوضاً لديه، لما تقدم من الأخبار وقد احب الله منه الذلة والحقارة عند نفسه. وقال بواسطة سفرائه: " ان لك عندي قدراً ما لم تر لنفسك قدراً، فان رأيت لنفسك قدراً فلا قدر لك عندي "[7]. وقال: " صغروا انفسكم ليعظم عندي محلكم ". فلا بد ان يكلف نفسه ما يحب مولاه، وان يعلم ان حجة الله على أهل العلم اوكد، وانه يتحمل من الجاهل ما لا يتحمل عشره من العالم، لأن العالم إذا زل زل بزلته كثير من الناس، ولأن من عصى الله عن علم ومعرفة كانت جنايته افحش إذا لم يقض حق نعمة الله عليه في العلم، ولذلك قال رسول الله (ص): " يؤتى بالعالم يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق اقتابه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيطيف به أهل النار، فيقولون: مالك؟ فيقول: كنت آمر بالخير ولا آتيه وانهى عن الشر وآتيه ". وقد مثل الله تعالى علماء (اليهود) بالحمار[8]، وبلعلم بن باعوراء بالكلب[9]، لعدم عملهم بما علموه. وقال رسول الله (ص): " يكون قوم يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقولون قد قرأنا القرآن فمن اقرأ منا ومن اعلم منا " ثم التفت إلى اصحابه فقال: " اولئك منكم ايها الأمة، اولئك هم وقود النار ". وقال (ص): " ان أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه وان اشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبداً إلى الله فاستجاب له وقبل منه، فاطاع الله فادخله الله الجنة، وادخل الداعي النار بتركه علمه واتباعه الهوى وطول الأمل " وقال روح الله (ع): " ويل لعلماء السوء[10] كيف تتلظى عليهم النار ". وقال الصادق (ع): " يغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل ان يغفر للعالم ذنب واحد ".
ولا ريب في ان كل عالم يأمر الناس بالتواضع وذل النفس وانكسارها، وينهاهم عن العجب والكبر، وهو معجب متكبر، يكون من علماء السوء وممن لم يعمل بعلمه، فيكون داخلا تحت هذه الأخبار. واي عالم يتصور في امثال هذه الازمنه ان يجزم بأنه عمل بجميع ما علم وامر به، ولم يضع شيئاً من اوامر ربه من الجنايات الظاهرة والذنوب الباطنة، كالرياء والحسد والعجب والنفاق وغير ذلك؟ وكيف يمكنه القطع بأنه امتثل ما امر به من التكاليف العامة والخاصة به؟ فخطره اعظم من خطر غيره، كيف وقد روى: " ان حذيفة صلى بقوم، فلما سلم قال: لتلتمسن إماماً غيري أو لتصلن وحدانا، فاني رأيت في نفسي انه ليس في القوم افضل مني ". فإذا كان مثله لا يسلم، فكيف يسلم الضعفاء من متأخري هذه الامة، فما أعز على بسيط الارض في هذه الاعصار علماء الآخرة الذين اقبلوا على شأنهم، واستوحشوا من اوثق اخوانهم، وشغلهم عظيم الامر عن الالتفات إلى الدنيا وزهرتها، وازعجهم خوف الرحمن عن مضاجعهم في حنادس الليالي وظلمتها، ولا يشتهون من نعيم الدنيا حاراً ولا بارداً، وصارت همومهم هماً واحداً، هيهات! فانى يسمح آخر الزمان بمثلهم، فهم ارباب الاقبال واصحاب الدول، وقد انقرضوا في القرون الأول، بل يعز ان يوجد في زماننا هذا عالم لا تكون له استطالة وخيلاء، ولم يكن متكبراً على الفقراء، ومتواضعاً للاغنياء. فينبغي لكل عالم ان يتفكر في احواله واعماله وما اريد منه، وفي عظم خطره حتى تنكسر نفسه، ويظهر خوفه وحزنه ويبطل كبره وعجبه.
واما (العجب بالعبادة والطاعة): فعلاجه ان يعلم ان الغرض من العبادة هو اظهار الذل والانكسار، وصيرورتهما ملكة للنفس ليحصل له معنى العبودية وحقيقتها، فالعجب لمنافاته الغرض المقصود منها يبطلها، وبعد بطلانها فلا معنى للعجب بها وايضاً آفات العبادة الموجبة لحبطها كثيرة، وكذلك شرائطها وآدابها التي لا يصح بدونها كثيرة، فيمكن ان تدخلها بعض الآفات، أو تفقد عنها بعض الشرائط والأداب، فلا تكون مقبولة عند الله، ومع امكان ردها وعدم قبولها كيف يعجب العاقل بها؟ ومن يمكنه القطع بسلامة طاعاته وعباداته عن جميع الآفات؟ ومن قطع بذلك فهو في غاية الجهل بحقائق الامور. على ان فائدة العبادة إنما هو إذا كان عند الله سعيداً، ومن جوز ان يكون عند الله شقياً، وقد سبق القضاء الآلهي بشقوته، فأي نفع يتصور لعبادته حتى يعجب بها؟ ولا ريب في انه لا يخلو عبد من هذا التجويز، فما لأحد إلى العجب والتكبر في حال من الاحوال سبيل.
واما (العجب بالورع، والتقوى، والصبر، والشكر، والسخاوة، والشجاعة، وغيرها من الفضائل النفسية): فعلاجه ان يعلم ان هذه الفضائل انما تكون نافعة ومنجية إذا لم يدخلها العجب، وإذا دخلها العجب ابطلها وافسدها، فما للعاقل ان يرتكب رذيلة تضيع ماله من الفضائل، وأنى له لايظهر الذله والتواضع في نفسه حتى يزيد فضيلة على فضائلها، ويختم لأجلها الجميع بالخير، وتصير عاقبته محمودة، وتكون مساعيه مقبولة مشكورة. وينبغي ان يعلم ان كل واحد من الفضائل التي يثبتها لنفسه موجودة مع الزيادة في كثير من بني نوعه، وإذا علم اشتراك الناس معه في هذه الفضيلة زال اعجابه بها. وقد نقل ان واحداً من مشاهير الشجعان إذا قابل خصمه اصفر لونه وارتعدت فرائصه واضطرب قلبه، فقيل له: ما هذه الحالة وانت اشجع الناس واقواهم؟ فقال إني لم امتحن خصمي، فلعله أشجع مني. وايضاً النصر والغلبة وحسن العاقبة مع الذلة والمسكنة، لا مع الاعجاب بالقوة والشجاعة، فان الله عند المنكسرة قلوبهم.
ومن المعالجات النافعة للعجب بكل واحد من الصفات الكمالية: ان يقابل سببه بضده، إذ علاج كل علة بمقابلة سببها بضده، ولما كانت علة العجب هو الجهل المحض، فعلاجه المعرفة المضادة له، فنقول:
الكمال الذي به يعجب إما ان يكون يعجب به من حيث انه فيه وهو محله ومجراه، أو من حيث انه نشأ منه وحصل بسببه وقوته وقدرته، فان كان (الأول)، فهو محض الجهل، لأن المحل مسخر، وانما يجري ما يجري فيه وعليه من جهة غيره، ولا مدخل له في الايجاد والتحصيل، فكيف يعجب بما ليس له. وان كان (الثاني)، فينبغي ان يتأمل في قدرته وارادته واعضائه، وسائر الاسباب التي بها يتم كماله وعمله، انها من اين كانت له: فان كان علم ان جميع ذلك نعمة من الله إليه من غير حق سبق له، فينبغي ان يكون اعجابه بجود الله تعالى وكرمه وفضله، إذ أفاض عليه مالا يستحقه، وأثره به على غيره من غير سابقة ووسيلة، فان ظن انه تعالى وفقه لهذا العمل لاتصافه ببعض الصفات الباطنة المحمودة، كحبه له تعالى أو مثله، فيقال له الحب والعمل كلاهما نعمتان من عنده، ابتدأك بهما من غير استحقاق من جهتك، إذ لا وسيلة لك ولا علاقة، فليكن الاعجاب بجوده، إذ أنعم بوجودك وبوجود صفاتك واعمالك واسباب اعمالك.
فإذاً لا معنى لعجب العالم بعلمه، وعجب العابد بعبادته، وعجب الشجاع بشجاعته، وعجب الجميل بجماله، وعجب الغني بماله، لأن كل ذلك من فضل الله، وانما هو محل لفيضان فضل الله وجوده، والمحل أيضاًً من فضله وجوده، فانه هو الذي خلقك، وخلق اعضاءك، وخلق فيها القوة والقدرة والصحة، وخلق لك العقل والعلم والارداة، ولو أردت ان تنفي شيئاً من ذلك لم تقدر عليه. ثم خلق الحركات في أعضائك مستبداً باختراعها من غير مشاركة لك معه في الاختراع، إلا انه خلقها على ترتيب، فلم يخلق الحركة مالم يخلق في العضو قوة وفي القلب ارادة، ولم يخلق العلم مالم يخلق القلب الذي هو محله، فتدريجه في الخلق شيئاً بعد شيء هو الذي خيل اليك انك مستقل بايجاد عملك، وقد غلطت، فان تحريك البواعث، وصرف العوائق، وتهيئة الاسباب كلها من الله، ليس شيء منها اليك.
ومن العجائب ان تعجب بنفسك، ولا تعجب بمن إليه الامر كله، ولا تعجب بجوده وكرمه، وفضله في ايثاره إياك على الفساق من عباده، إذ مكنهم من اسباب الشهوات واللذات، وزواها عنك، وصرف عنهم بواعث الخير وهيأها لك، حتى يتيسر لك الخير من غير وسيلة سابقة منك.
روي: " ان أيوب (ع) قال: (إلهي إنك ابتليتني بهذا البلاء، وما ورد علي أمر إلا آثرت هواك على هواي). فنودي من غمامة بعشرة آلاف صوت: يا أيوب! انى لك ذلك؟ قال: فاخذ رماداً فوضعه على رأسه، وقال منك يا رب! فرجع عن نسيانه، واضاف ذلك إلى الله تعالى، ولذلك قال الله تعالى:
" ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً "[11].
وقال النبي (ص): " ما منكم من أحد ينجيه عمله "، قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: " ولا انا إلاّ ان يتغمدني الله برحمته ".
(فان قيل): ما ذكرت من استناد الصفات والأفعال ومحلها جميعاً إلى الله تعالى، يؤدي إلى الجبر ونفى التكليف، وبطلان الثواب والعقاب، (قلنا): هذا فرع باب مسألة يتعلق بعلم آخر، ولا يليق بيانها هنا[12]، ونحن لم نسلب القدرة والاختيار عن العبد بالكلية في متعلق التكليف ـ اعني أفعاله العرضية ـ بل نفينا استقلاله فيها. نعم، في غيرها من المحال والاسباب والصفات اللازمة، والتوفيق، وتحريك البواعث، وصرف الموانع، لا قدرة له فيها أصلاً، ولا يلزم منه فساد.
واما (العجب بالحسب والنسب): فعلاجه يتم بمعرفة امور:
الأول ـ ان يعلم ان التعزز بكمال الغير غاية السفاهة والجهل، فانه لو كان خسيساً في صفات ذاته، فمن اين يجبر خسته كمال غيره، ولو كان أباه أوجده، بل كان الذي يعجب به بالانتساب حياً لكان له ان يقول: الفضل لي لا لك وانت دودة خلقت من فضلتي، أفترى ان الدودة التي خلقت من فضله الإنسان اشرف من الدودة التي خلقت من فضلة حمار؟! هيهات! فانهما متساويان في الخسة، ان الشرف للانسان لا للدودة، ولذا قال أمير المؤمنين (ع):
انا ابن نفسي وكنيتي أدبي           من عجم كنت أو من العرب
إن الفتى مـن يقول هأنذا              ليس الفتى من يقول كان أبى
وقيل:
لئن فخرت بآباء ذوي شرف         لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا
وقد روي: " ان ابا ذر قال بحضرة النبي (ص) لرجل: (يا ابن السوداء!)، فقال النبي (ص): (يا ابا ذر! طف الصاع طف الصاع، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل). فضطجع أبو ذر وقال للرجل: قم فطأ على خدي). وروي: " ان بلالاً لما أذن يوم الفتح على الكعبة، قال جماعة: هذا العبد الاسود يؤذن! فنزل قوله تعالى:
يأيّها النّأس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله أتقاكم "[13].
وقال رسول الله (ص): " إن الله قد إذهب عنكم عيبة الجاهلية ـ أي كبرها ـ كلكم بنو آدم وآدم من تراب ". ونقل: ان احداً من رؤساء اليونان افتخر على غلام، فقال له: إن كان منشأ افتخارك آباءك فالتفوق لهم لا لك، وان كان لباسك فالشرافة له دونك، وان كان مركوب فالفضيلة له لا لك. فليس لك شيء يصلح للعجب والمفاخرة ولذا قال متمم مكارم الأخلاق (ص): "لا تأتوني بأنسابكم وائتوني باعمالكم ".
الثاني ـ ان يعرف نسبه الحقيقي، فان أباه القريب نطفة قذرة، وجده البعيد تراب ذليل. وقد عرفه الله نسبه فقال:
" وبدأ خلق الإنسان من طين. ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين "[14]
والاصل الذي يوطأ بالاقدام أو تغسل منه الاجسام أي رفعة يكون لفرعه!.
الثالث ـ ان يعلم ان من يعجب بهم بالانتساب من اسلافه، ان كانوا من أهل الديانة والخصال المرضية والشرافة الحقيقية، فظاهر انه ما كان من اخلاقهم العجب، بل الذلة والازراء على النفس ومذمتها واستعظام الخلق، فان اقتدى بهم في اخلاقهم فلا يليق به العجب والتعزز، وإلا كان طاعناً في نسبه بلسان حاله. وان لم يكونوا من أهل الديانة الواقعية والشرافة العلمية والعملية بل كان لهم مجرد شوكة ظاهرية، كالسلاطين الظلمة واعوانهم، فأف لمن يفتخر بهم ويعجب بنفسه لأجلهم! إذ الانتساب إلى الكلاب والخنازير احسن من الانتساب اليهم، كيف وانهم ممقوتون عند الله معذبون في النار، بحيث لو نظر إلى صورهم في النار ومالحقهم فيها من النتن والقذارة، لا ستنكف منهم وتبرأ من الانتساب اليهم، ولذلك قال ـ (ص): " ليدعن قوم الفخر بآبائهم وقد صاروا فحماً في جهنم، أو ليكونن اهون على الله من الجعلان التي تدوف بآنافهم القذر " وروى: انه افتخر رجلان عند موسى (ع)، فقال احدهما: انا فلان بن فلان، حتى عد تسعة، فاوحى الله تعالى إلى موسى: " قل للذي افتخر! بل التسعة من أهل النار وانت عاشرهم!".
واما (العجب بالجمال): فعلاجه ان يعلم انه في معرض الزوال بالعلل والآلام والأمراض والاسقام، وأي عاقل يعجب بشيء تزيله حمى يوم أو قرحة أو جدري!
بر مال وجمال خويشتن غرّه مشو       كآن رابشي براندو اين را به تبي[15]
ولو لم يرتفع بها، فهل يشك عاقل بزواله بذهاب الشباب ومجيء الشيب وبالموت الذي لا بد ان تذوقه كل نفس؟ فانظر إلى الوجوه الجميلة والابدان الناعمة، كيف تمزقت في التراب وانتنت في القبور، بحيث استقذرتها الطباع.
على انه لو نظر نظر العقلاء في باطنه عند اتصافه بغاية جماله، لرأى من الفضائح ما يكدر عليه العجب والتعزز به، فانه وكلت اليه[16] الاقذار في جميع اجزائه: (البصاق) في فمه، و(المخاط) في انفه، (والوسخ) في اذنه، (والنتن) تحت ابطه، (والصديد) تحت بشرته، (والفضلات) في معدته، (والرجيع) في امعائه، (والديدان) في احشائه، (والبول) في مثانته، (والصفراء) في مرارته، يتردد إلى الخلاء كل يوم مرتين، ويغسل الغائط كل يوم بيده مرتين، يخرج من باطنه مالو رآه بعينه لا ستقذره فضلا ان يمسه أو يشمه. وفي اول امره خلق من الاقذار الشنيعة الصور: من النطفة ودم الحيض، وخرج من مجاري الاقذار، اعني الصلب والذكر والرحم والفرج. ولو ترك نفسه في حياته يوماً لم يتعهده بالغسل والتنظيف، لثارت منه الانتان والاقذار، وصار اقذر وانتن من الدواب المهملة. هذا اوله ووسطه، وسيموت فيصير جيفة اقذر من سائر الاقذار. فما للعاقل ان يعجب ويتعزز بهيئة حاصلة لبدن هذه حقيقته.
واما (العجب بالمال): فهو عجب بامر خارج عن ذات الإنسان، فهو اقبح انواع العجب. وعلاجه ان يتفكر في أفات المال، وكونه في معرض الفناء والزوال، من الغضب والنهب والحرق والغرق، وغير ذلك من الآفات السماوية والارضية، ويتذكر ان في اليهود والهندو من يزيد عليه في المال. وافّ لشرف يسبقه اليهود والهندو! واف لشرف يأخذه السارق في لحظة فيعود صاحبه ذليلا مفلساً!! ويتذكر ما ورد في ذم المال وحقارة الاغنياء، وفي فضيلة الفقر وشرافة الفقراء، وسبقهم إلى الجنة في القيامة، وما ورد في عقوبة المعجب بالمال بخصوصه، كقوله (ص): " بينما رجل يتبختر في حلة له قد اعجبته نفسه، إذ امر الله الأرض فأخذته، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة "[17]، اشار به إلى عقوبة اعجابه بماله ونفسه وكيف يتصور المؤمن العاقل ان يعجب بالمال ويفرح به، من كثرة حقوقه وعظم غوائله، وايجابه المؤاخذة وطول المحاسبة في القيامة، العقوبة والنكال ان كان حراماً، وانحطاط المرتبة والدرجة ان كان حلالا، بل ينبغي له ألا يخلو ساعة من الخوف من تقصيره، في القيام بحقوقه، واخذه من حله، ووضعه في حقه.
وأما (العجب بالقوة وشدة البطش): فعلاجه ان يتذكر ما سلط عليه من العلل والأمراض، وان حمى يوم تضعف قوته ويتحلل منها مالا ينجبر في مدة، وانه لو وجع عرق واحد من بدنه صار اعجز من كل عاجز وأذل من كل ذليل، وانه لو سلبه الذباب شيئاً لم يستنقذه منه. وان بقة لو دخلت في انفه أو نملة دخلت في اذنه لقتلته، وان شوكة لو دخلت في رجله لأعجزته. ثم أقوى إنسان لا يكون اقوى من حمار أو جمل أو فيل أو بقر، واي عجب وافتخار في صفة يسبقه البهائم فيها، هذا مع ان الغالب ان من يعجب بقوته يسلبها الله تعالى عنه بأدنى آفة يسلطها عليه.
واما (العجب بالجاه، والمنصب، وولاية السلاطين، وكثرة الأتباع والانصار: من الاولاد والاقارب والقبائل والعشائر والخدم والغلمان): فعلاجه أن يعلم ان كل ذلك في معرض الانقطاع، وعن قريب يقع بينه وبينها المفارقة، اما بفنائه وموته أو بفنائها وهلاكها، بل العاقل يجدها كسراب بقيعة، وانما هي خيالات تظن شيئاً وليست بشيئ، وستفترق عنه إذا مات ودفن في قبره ذليلا مهيناً وحده، لا يرافقه أهل واولاد ولا أعوان وأتباع، فيسلمونه إلى البلاء والى العقارب والحيات والديدان، ولا يغنون عنه شيئاً، وهو في أحوج اوقاته اليهم، وكيف يعجب العاقل بمن يفارقه في أشد احواله! على انهم في الدنيا يتبعونه ما دام يحصل منه ما يشتهونه من البذل والاعطاء فلابد له من ايقاع نفسه في المهالك وتعرضه لسخط الله وعقوبته، لتحصيل الاموال من الوجوه المحرمة وصرفها اليهم، ليستمروا على متابعته واعانته، ولو نقص شيء مما يتمنونه تعرضوا لمقته وعداوته، فضلا عن بقائهم على حمايته واطاعته. ثم المعجب بتمكين السلطان وولايته بناء أمره على قلب هو أشد غلياناً من القدر، إذ لو تغير عليه كان أذل الخلق.
واما (العجب بالعقل والكياسة والتفطن لدقائق الامور): فعلاجه ان يعلم ان ذلك يزول عنه بأدنى مرض يصيب دماغه، وربما زال عقله دفعة. مع انه ان كان في الواقع فطناً كيساً في الامور يلزم عليه ان يشكر الله تعالى على ذلك، ويستصغر[18] عقله وفطانته، ليبقي الله تعالى عليه تلك النعمة ولا يسلبها لأجل عجبه.
واما (العجب بالرأي الخطأ الذي يزين له بجهله): فهو أقبح أنواع العجب، إذ جميع أهل البدع والضلال والفرق الذين اختاروا مذاهب باطلة وآراء فاسدة إنما أصروا عليها لعجبهم بها، ولذا يفتخرون بمذاهبهم على غيرهم، وبذلك هلكت الامم إذا افترقت فرقا، وكل معجب برأيه، و:
" كل حزبٍ بما لديهم فرحون "[19].
فكل من استحسن ما يسوقه إليه الهوى والشبهة ـ مع ظن كونه حقاً ـ يكون له هذا العجب، وقد أخبر رسول الله (ص): " ان ذلك يغلب على آخر هذه الأمة ". وعلاجه اشد من علاج غيره، لأن صاحب الرأي الخطأ جاهل بخطأه، ولو عرفه لتركه. يعالج الداء الذي لا يعرف إذ العارف يقدر على ان يبين للجاهل جهله ويزيله عنه إذا لم يكن معجباً برأيه وجهله، وإذا كان معجباً به يتهمه ولا يصغى إليه حتى يعالجه، فقد سلطت عليه بلية تهلكه وهو يظن انها نعمة. وكيف يطلب الهرب مما يعتقد انه سبب سعادته! وانما علاجه في الجملة ان يكون متهما لرأيه لا يغتر به، إلا ان يشهد له قاطع عقلي أو نقلي لا يعتريه ريب وشبهة.
ومعرفة أدلة الشرع والعقل وشروطها ومكان الغلط فيها موقوفة على عقل ثابت، وقريحة تامة مستقيمة، مع جد وتشمير في الطلب، وممارسة الكتاب والسنة، ومجالسة أهل العلم ومدارسة العلوم طول العمر، ومع ذلك لا يؤمن عليه الغلط. فالصواب للكل ـ إلا من يده الله بقوة قدسية يتمكن بها من الخوض في غمرات العلوم ـ ألا يخوض في المذاهب الباطلة ولا يصغي إليها، ويتبع أهل الوحى فيما جاؤا به من عند الله في الاصول والفروع.

[1]  الفاطر، الآية: 8.
[2]  وفي بعض نسخ الكافي في باب العجب هكذا: (جالساً) ـ بالنصب ـ
[3]  صححنا هذه الرواية على ما في البحار ـ الجزء الثالث من المجلد الخامس عشر في باب العجب ـ وقد نقلها عن مصباح الشريعة، وفيه اختلاف عن نسخ جامع السعادات.
[4]  صححنا أكثر هذه الأحاديث على الكافي في باب العجب والحسد.
[5]  وفي النسخ: (اجمالي وتفصيلي).
[6]  عبس الآية: 17ـ 22.
[7]  هذا كلام بنصه مذكور في احياء العلوم ـ ج3 ص312ـ ويظهر منه انه من كلامه هو أو مقتبس من مضامين الأخبار، لا انه نص حديث، وكذا ما بعده وهو قوله: " صغروا...".
[8]  اشارة إلى قوله تعالى ـ في سورة الجمعة الآية 5 ـ: "مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفاراً ".
[9]  اشارة إلى قوله تعالى ـ في سورة الاعراف الآية 176 ـ: " فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ".
[10]  في النسخ المصححة للكافي ـ باب لزوم الحجة على العالم ـ هكذا: " للعلماء السوء بتعريف العلماء " ونحن رجحنا نسخة جامع السعادات المطبوعة فاثبتناه بلا تعريف قال صاحب مجمع البحرين ـ مادة (سوء) ـ: " تقول هذا رجل سوء بالاضافة ثم تدخل عليه الالف واللام، فتقول هذا رجل السوء. ولايقال الرجل السوء. كذا قاله الجوهري ".
[11]  النور، الآية: 21.
[12]  تقدم ذكر هذا الامر ص141.
[13]  الحجرات، الآية: 13.
[14]  السجدة، الآية 7ـ 8.
[15]  معنى البيت: (لا تغتر بمالك وجمالك، فان ذاك يذهب بليلة وهذا بحمى واحدة).
[16]  وفي النسخ: " وكل به "، ورجحنا ما اثبتناه.
[17]  هذا الحيث صححناه على ما في احياء العلوم ـ3: 322ـ.
[18]  في النسخ: " يستغفر"، فرجحنا ما اثبتناه.
[19]  المؤمنون، الآية: 53.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page