• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

طرق تحصيل الخوف الممدوح


(طرق تحصيل الخوف الممدوح)
لتحصيل الخوف الممدوح وجلبه طرق:
(الأول) ان يجتهد في تحصيل اليقين. أي قوة الايمان بالله، واليوم الآخر، والجنة، والنار، والحساب، والعقاب. ولا ريب في كونه مهيجاً للخوف من النار والرجاء للجنة. ثم الخوف والرجاء يؤديان إلى الصبر على المكاره والمشاق، وهو إلى المجاهدة والتجرد لذكر الله تعالى والفكر فيه على الدوام، ويقوى دوام الذكر على الانس، ودوام الفكر على كمال المعرفة، ويؤدى الانس وكمال المعرفة إلى المحبة، ويتبعها الرضا والتوكل وسائر المقامات. وهذا هو الترتيب في سلوك منازل الدين، فليس بعد أصل اليقين مقام سوى الخوف والرجاء، ولا بعدهما مقام سوى الصبر، ولا بعده سوى المجاهدة والتجرد لله ظاهراً وباطنا، ولا بعده سوى الهداية والمعرفة، ولا بعدهما سوى الانس والمحبة. ومن ضرورة المحبة الرضا بفعل المحبوب والثقة بعنايته، وهو التوكل. فاليقين هو سبب الخوف، فيجب تحصيل السبب ليؤدي إلى المسبب.
(الثاني) ملازمة التفكر في أحوال القيامة، واصناف العذاب في الآخرة واستماع المواعظ المنذرة، والنظر إلى الخائفين ومجالستهم، ومشاهده أحوالهم واستماع حكاياتهم. وهذا مما يستجلب الخوف من عذابه تعالى، وهو خوف عموم الخلق، وهو يحصل بمجرد أصل الايمان بالجنة والنار، وكونهما جزاءين على الطاعة والمعصية، وانما يضعف للغفلة أو ضعف الايمان، وتزول الغفلة والضعف بما ذكر واما الخوف من الله بأن يخاف البعد والحجاب ويرجو القرب والوصال، وهو خوف أرباب القلوب، العارفين من صفاته ما يقتضي الخوف والهيبة، المطلعين على سر قوله:
" ويحذركم الله نفسه "[1]. وقوله: " اتقوا الله حق تقاته "[2].
فالعلاج في تحصيله الارتقاء إلى ذروة المعرفة، إذ هذا الخوف ثمرة المعرفة بالله وبصفات جلاله وجماله، ومن لم يمكنه ذلك فلا يترك سماع الأخبار والآثار وملاحظة أحوال الخائفين من هيبته وجلاله، كالأنبياء والأولياء وزمرة العرفاء، فانه لا يخلو عن تأثير.
(الثالث) ان يتأمل في ان الوقوف على كنه صفات الله في حيز المحال، وان الإحاطة بكنه الأمور ليس في مقدرة البشر، إذ هي مرتبطة بالمشية ارتباطاً يخرج عن حد المعقول والمألوف. ومن عرف ذلك على التحقيق يعلم ان الحكم على أمر من الأمور الآتية غير ممكن بالحدس والقياس، فضلا عن القطع والتحقيق، وحينئذ يعظم خوفه ويشتد ألمه، وان كانت الخيرات كلها له ميسرة ونفسها عن الدنيا بالمرة منقطعة. وإلى الله بشراشرها ملتفتة، إذ خطر الخاتمة وعسر الثبات على الحق مما لا يمكن دفعه، وكيف يحصل الاطمئنان من تغير الحال، وقلب المؤمن بين اصبعين من أصابع الرحمن، وأنه أشد تقلباً من القدر في غليانها، وقد قال مقلب القلوب:
" إن عذاب ربهم غير مأمون "[3]
فانى للناس ان يطمئنوا وهو يناديهم بالتحذر، ولذ قال بعض العرفاء: " لو حالت بيني وبين من عرفته بالتوحيد خمسين سنة أسطوانة فمات لم أقطع له بالتوحيد، لأني لا أدري ما ظهر له من التقلب "[4].


(طرق تحصيل الخوف الممدوح)
لتحصيل الخوف الممدوح وجلبه طرق:
(الأول) ان يجتهد في تحصيل اليقين. أي قوة الايمان بالله، واليوم الآخر، والجنة، والنار، والحساب، والعقاب. ولا ريب في كونه مهيجاً للخوف من النار والرجاء للجنة. ثم الخوف والرجاء يؤديان إلى الصبر على المكاره والمشاق، وهو إلى المجاهدة والتجرد لذكر الله تعالى والفكر فيه على الدوام، ويقوى دوام الذكر على الانس، ودوام الفكر على كمال المعرفة، ويؤدى الانس وكمال المعرفة إلى المحبة، ويتبعها الرضا والتوكل وسائر المقامات. وهذا هو الترتيب في سلوك منازل الدين، فليس بعد أصل اليقين مقام سوى الخوف والرجاء، ولا بعدهما مقام سوى الصبر، ولا بعده سوى المجاهدة والتجرد لله ظاهراً وباطنا، ولا بعده سوى الهداية والمعرفة، ولا بعدهما سوى الانس والمحبة. ومن ضرورة المحبة الرضا بفعل المحبوب والثقة بعنايته، وهو التوكل. فاليقين هو سبب الخوف، فيجب تحصيل السبب ليؤدي إلى المسبب.
(الثاني) ملازمة التفكر في أحوال القيامة، واصناف العذاب في الآخرة واستماع المواعظ المنذرة، والنظر إلى الخائفين ومجالستهم، ومشاهده أحوالهم واستماع حكاياتهم. وهذا مما يستجلب الخوف من عذابه تعالى، وهو خوف عموم الخلق، وهو يحصل بمجرد أصل الايمان بالجنة والنار، وكونهما جزاءين على الطاعة والمعصية، وانما يضعف للغفلة أو ضعف الايمان، وتزول الغفلة والضعف بما ذكر واما الخوف من الله بأن يخاف البعد والحجاب ويرجو القرب والوصال، وهو خوف أرباب القلوب، العارفين من صفاته ما يقتضي الخوف والهيبة، المطلعين على سر قوله:
" ويحذركم الله نفسه "[1]. وقوله: " اتقوا الله حق تقاته "[2].
فالعلاج في تحصيله الارتقاء إلى ذروة المعرفة، إذ هذا الخوف ثمرة المعرفة بالله وبصفات جلاله وجماله، ومن لم يمكنه ذلك فلا يترك سماع الأخبار والآثار وملاحظة أحوال الخائفين من هيبته وجلاله، كالأنبياء والأولياء وزمرة العرفاء، فانه لا يخلو عن تأثير.
(الثالث) ان يتأمل في ان الوقوف على كنه صفات الله في حيز المحال، وان الإحاطة بكنه الأمور ليس في مقدرة البشر، إذ هي مرتبطة بالمشية ارتباطاً يخرج عن حد المعقول والمألوف. ومن عرف ذلك على التحقيق يعلم ان الحكم على أمر من الأمور الآتية غير ممكن بالحدس والقياس، فضلا عن القطع والتحقيق، وحينئذ يعظم خوفه ويشتد ألمه، وان كانت الخيرات كلها له ميسرة ونفسها عن الدنيا بالمرة منقطعة. وإلى الله بشراشرها ملتفتة، إذ خطر الخاتمة وعسر الثبات على الحق مما لا يمكن دفعه، وكيف يحصل الاطمئنان من تغير الحال، وقلب المؤمن بين اصبعين من أصابع الرحمن، وأنه أشد تقلباً من القدر في غليانها، وقد قال مقلب القلوب:
" إن عذاب ربهم غير مأمون "[3]
فانى للناس ان يطمئنوا وهو يناديهم بالتحذر، ولذ قال بعض العرفاء: " لو حالت بيني وبين من عرفته بالتوحيد خمسين سنة أسطوانة فمات لم أقطع له بالتوحيد، لأني لا أدري ما ظهر له من التقلب "[4].

خوف سوء الخاتمة وأسبابه

(خوف سوء الخاتمة وأسبابه)
قد أشير إلى ان أعظم المخاوف خوف سوء الخاتمة، وله أسباب مختلفة ترجع إلى ثلاثة:
(الاول) وهو الاعظم، وهو ان يغلب على القلب عند سكرات الموت وظهور أهواله، إما الجحود أو الشك، فتقبض الروح في تلك الحالة، وتصير عقيدة الجحود أو الشك حجاباً بينه وبين الله تعالى، وذلك يقتضى البعد الدائم، والحرمان اللازم، وخسران الأبد، والعذاب المخلد.
ثم هذا الجحود أو الشك إما يتعلق ببعض العقائد الأصولية، كالتوحيد وعلمه تعالى أو غير ذلك من صفاته الكمالية، أو بضروريات أمر الآخرة والنبوة. وكل واحد من ذلك كاف في الهلاك وزهوق النفس على الزندقة. أو يتعلق بجميعها إما إصالة أو سراية، والمراد بالسراية ان الرجل ربما اعتقد في ذات الله وصفاته وأفعاله خلاف ما هو الحق والواقع، إما برأيه ومعقوله، أو بالتقليد، فإذا قرب الموت وظهرت سكراته واضطرب القلب بما فيه، ربما انكشف بطلان ما اعتقده جهلا، إذ حال الموت حال كشف الغطاء، ويكون ذلك سبباً لبطلان بقية اعتقاداته أو الشك فيها، وان كانت صحيحة مطابقة للواقع، إذ لم يكن عنده اولاً فرق بين هذا الاعتقاد الفاسد الذي انكشف فساده وبين سائر عقائده الصحيحة، فإذا علم خطأه في البعض لم يبق له اليقين والاطمنئان في البواقي. كما نقل ان (الفخر الرازي) بكى يوماً، فسألوه عن سبب بكائه، قال: " اعتقدت في مسألة منذ سبعين سنة على نحو انكشف اليوم لي بطلانه، فما ادراني ان لا تكون سائر عقائدي كذلك " وبالجملة: إن اتفق زهوق روحه في هذه الخطرة قبل ان ينيب ويعود إلى أصل الايمان، فقد ختم له بالسوء وخرجت روحه على الشرك، أعاذنا الله منه، وثبتنا على الاعتقاد الحق لديه، وهم المقصودون من قوله:
" وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون "[5]. ومن قوله: " قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسنون أنّهم يحسون صنعاً "[6].
والبُله: اعني الذين آمنوا بالله ورسوله واليوم الآخر ايماناً مجملاُ راسخاً، بمعزل عن هذا الخطر،، ولذلك ورد: ان أكثر أهل الجنة البله. وورد المنع من البحث والنظر والخوض في الكلام، والأخذ بظواهر الشرع، مع اعتقاد كونه تعالى منزهاً عن النقص متصفاً بما هو الغاية والنهاية من صفات الكمال والسر في ذلك: ان البله إذا أخذوا بما ورد من الشرع واعتقدوا به، يثبتون عليه لقصور اذهانهم عن درك الشبهات وعدم اعتيادهم بالتشكيك، فلا يختلج ببالهم شك وشبهة ولو عند الموت.
واما الخائضون في غمرات البحث والنظر، والآخذون عقائدهم من عقولهم المزجاة، فليس لهم تثبت على عقائدهم، إذ العقول عن درك صفات الله وسائر العقائد الاصولية على ما هي عليه قاصرة، والأدلة التي يستخرجها مضطربة متعارضة. وابواب الشكوك والشبهات بالخوض والبحث تصير مفتوحة. فاذهانهم دائماً محل تعارض العقائد والشكوك، فربما ثبتت لهم عقيدة بملاحظة بعض دلائله، فيحصل لهم فيها طمأنينة، ثم يعرض لهم شك يرفعها أو يضعفها، فهم دائماً في غمرات الحيرة والاضطراب. فإذا كان حالهم هذا فاخذتهم سكرات الموت، فأي استبعاد في ان يختلج لهم حينئذ شك في بعض عقائدهم. ومثله مثل من انكسرت سفينته وهو في ملتطم الأمواج يرميه موج إلى موج، والغالب في مثله الهلاك، وان اتفق نادراً ان يرميه موج إلى الساحل. وقد نقل عن (نصير الدين الحلي) ـ وهو من أعاظم المتكلمين ـ انه قال: " اني تفكرت في العلوم العقلية سبعين سنة، وصنفت فيها من الكتب ما لا يحصى، لم يظهر لي منها شيء سوى ان لهذا المصنوع صانعاً، ومع ذلك عجائز القوم في ذلك أشد يقيناً منى ". فالصواب تلقي أصل الايمان والعقائد من صاحب الوحى، مع تطهير الباطن عن خبائث الأخلاق، والاشتغال بالطاعات وصوالح الاعمال، وعدم التعرض لما هو خارج عن طاقتهم من التفكر في حقائق المعارف، إلا من أيده الله بالقوة القدسية والقريحة المستقيمة، واشرق نور الحكمة في قلبه. وشمله خفي الالطاف من ربه،فله الخوض في غمرات العلوم. واما غيره فينبغي ان يأخذ منه اصول عقائده الواردة من الشرع،، ويشتغل بخدمته حتى تشمله بركات انفاسه، فان العاجز عن المجاهدة في صف القتال ينبغي ان يسقي القوم ويتعهد دوابهم، ليحشر يوم القيامة في زمرتهم وأن كان فاقداً لدرجتهم.
(الثاني) ضعف الايمان في الاصل، ومهما ضعف الايمان ضعف حب الله وقوى حب الدنيا في القلب، واستولى عليه بحيث لايبقى في القلب موضع لحب الله إلا من حيث حديث النفس، فلا يظهر له أثر في مخالفة النفس والشيطان، فيورث ذلك الانهماك في اتباع الشهوات، حتى يظلم القلب ويسود، وتتراكم ظلمة الذنوب عليه، ولا يزال يطفىء ما فيه من نور الايمان حتى ينطفىء بالكلية، فإذا جاءت سكرة الموت ازداد حب الله ضعفاً، وربما عدم بالمرة، لما يستشعر من فراقه محبوبه الغالب على قلبه وهو الدنيا، فيتألم ويرى ذلك من الله، فيختلج ضميره بانكار ما قدره الله من الموت، وربما يحدث في باطنه بغض الله بدل الحب، لما يرى ان موته من الله، كما ان من يحب ولده حباً ضعيفاً، إذا أخذ مالاً له هو أحب إليه منه وأتلفه، انقلب حبه بغضاً. فان اتفق زهوق روحه في تلك اللحظة التي خطر فيها هذه الخطرة فقد ختم له بالسوء. نعوذ بالله من ذلك.
وقد ظهر ان السبب المفضي إلى ذلك غلبة حب الدنيا مع ضعف الإيمان الموجب لضعف حب الله، فمن وجد في قلبه حب الله اغلب من حب الدنيا فهو أبعد من هذا الخطر، وان أحب الدنيا أيضاً، ومن وجد في قلبه عكس ذلك فهو قريب من هذا الخطر. والسبب في قلة حب الله قلة المعرفة به، إذ لا يحب الله إلا من عرفه،، وإلى هذا القسم من سوء الخاتمة أشير في الكتاب الإلهي بقوله:
" قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره "[7]
فمن فارقته روحه في حالة كراهة فعل الله وبغضه له في تفريقه بينه وبين أهله وماله وسائر محابه، فيكون موته قدوماً على ما ابغضه وفراقاً لما احبه فيقدم على الله قدوم العبد المبغض الآبق إذا قدم به على مولاه قهراً، ولا يخفى ما يستحق مثله من الخزي والنكال واما الذي يموت على حب الله والرضا بفعله كان قدومه قدوم العبد المحسن المشتاق إلى مولاه، ولا يخفى ما يلقاه من الفرح والسرور.
(الثالث) كثرة المعاصي وغلبة الشهوات، وإن قوى الايمان. وبيان ذلك: ان مقارفة المعاصي سببهاغلبة الشهوات ورسوخها في القلب بكثرة الألف والعادة، وجميع ما الفه الإنسان في عمره يعود ذكره في قلبه عند موته، فان كان اكثر ميله إلى الطاعات كان اكثر ما يحضره عند الموت طاعة الله، وإن كان اكثر ميله إلى المعاصي غلب ذكرها على قلبه عنده، وان كان اكثر شغله السخرية والاستهزاء والمزاح وامثال ذلك كان الغالب عند الموت ذلك، وهكذا الحال في جميع الاشغال والاعمال الغالبة في عمره، فانها تغلب على قلبه عند موته، فربما يقبض روحه عند غلبة شهوة من شهوات الدنيا ومعصية من المعاصى، فيعتقد بها قلبه، ويصير محجوباًً عن الله تعالى. وهو المراد بالختم على السوء. فالذى غلبت عليه المعاصى والشهوات وكان قلبه اميل إليها منه إلى الطاعة، فهذا الخطر قريب في حقه، ولا يميل إليها اصلا، فهو بعيد منه جداً. ومن غلبت عليه الطاعات ولم يقارف المعاصي إلا نادراً، فلعل الراجح في حقه النجاة منه، وإن امكن حصوله. ومن لم يغلب شىء من طاعاته ومعاصيه على الآخر فأمره في هذا الخطر إلى الله، ولا يمكن لنا الحكم بشىء من القرب والبعد في حقه.
والسر في ذلك: ان الغشية المتقدمة على الموت شبيهة بالنوم، فكما ان الإنسان يرى في منامه جملة من الاحوال التى عهدها طول عمره والفها،، حتى انه لا يرى في منامه إلا ما يماثل مشاهداته في اليقظة، وحتى ان المراهق الذى يحتلم لا يرى صورة الوقاع، فكذلك حاله عند سكرات الموت وما يتقدمه من الغشية، لكونه شبيهاً بالنوم وإن كان فوقه فيقتضى ذلك تذكر المألوفات وعودها إلى القلب فربما يكون غلبة الالف سبباً لان تتمثل صورة فاحشة في قلبه وتميل نفسه إليها وتقبض عليها روحه ويكون ذلك سبب سوء خاتمته وان كان اصل الايمان باقياً بحيث يرجى له الخلاص منها بعناية الله وفضله. وكما ان ما يخطر بالبال في اليقظة إنما يخطر بسبب خاص لا يعلمه بحقيقته احد إلا الله فكذلك مايرى في آحاد المنامات وما يختلج في القلب عند سكرات الموت له اسباب عند الله لا نعرف بعضها، وربما نتمكن من معرفة بعضه، فانا نعلم ان الخاطر ينتقل من الشىء إلى مايناسبه، إما بالمشابهة بأن ينظر إلى جميل فيتذكر جميلا آخر، وإما بالمضادة، بأن ينظر إلى جميل فيتذكر قبيحاً، وإما بالمقارنة، بأن ينظر إلى فرس قد رآه من قبل مع انسان فيتذكر ذلك الإنسان، وقد ينتقل الخاطر من شىء إلى شىء، ولا يدرى وجه المناسبة له، وربما ينتقل إلى شىء لا يعرف سببه أصلا. وكذلك انتقالات الخواطر بالمنام وعند سكرات الموت لها اسباب لا نعرف بعضها ونعرف بعضها بالنحو المذكور. ومن اراد ان يكف خاطره عن الانتقال إلى المعاصى والشهوات فلا طريق له إلا المجاهدة طول عمره في فطام نفسه عنها، وفي قمع الشهوات عن قلبه، فهذا هو القدر الذي يدخل تحت الاختيار، ويكون طول المجاهدة والمواظبة على العلم وتخلية السر عن الشواغل الدنيوية وتقييده بالتوجه إلى الله وحبه وانسه عدة وذخيرة لحالة سكرات الموت، إذ المرء يموت على ما عاش عليه، ويحشر على ما مات عليه، كما ورد في الخبر[8]. وقد دلت المشاهدة على أن كل أحد يكون عند موته مشغول القلب بما هو الغالب عليه طول عمره، حيث يظهر منه عند ذلك، وانما المخوف الموجب لسوء الخاتمة هو خاطر سوء يخطر، ومنه عظم خوف العارفين، إذ اختلاج الخواطر والاتفاقات المقتضية لكونها مذمومة أو ممدوحة لا يدخل تحت الاختيار دخولا كلياً، وان كان لطول الالف والعادة تأثير ومدخلية، ولذا إذا أراد الإنسان ألا يرى في المنام إلا الأنبياء والائمة (ع) وأحوال الصالحين والعبادات لم يتيسر له، وإن كانت كثرة الحب والمواظبة على الصلاح والطاعة مؤثرة فيه. وبالجملة: اضطرابات الخيال لا تدخل بالكلية تحت الضبط، وإن كان الغالب مناسبة ما يظهر في النوم لما غلب في اليقظة. وبذلك يعلم أن اعمال العبد كلها ضائعة إن لم يسلم في النفس الأخير الذي عليه خروج الروح، وان السلامة مع اضطراب امواج الخواطر مشكلة ولذلك قال رسول (ص): " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة خمسين سنة حتى لا يبقى بينه وبين الجنة إلا فواق ناقة، فيختم له بما سبق به الكتاب " ومعلوم أن فواق الناقة لا يتسع لأعمال توجب الشقاوة، بل هي الخواطر التي تضطرب وتخطر خطور البرق الخاطف. ومن هنا قيل[9]. " إني لا أعجب ممن هلك، كيف هلك، ولكنى اعجب ممن نجا كيف نجا "، وورد[10]: " أن الملائكة إذا صعدت بروح المؤمن، وقد مات على الخير والإسلام، تعجبت الملائكة منه، وقالوا: كيف نجا من دنيا فسد فيها خيارنا ". ولذلك قيل[11]: من وقعت سفينته في لجة البحر، وهجمت عليه الرياح العاصفة، واضطربت الأمواج، كانت النجاة في حقه أبعد من الهلاك، وقلب المؤمن أشد اضطراباً من السفينة، وأمواج الخواطر أعظم التطاماً من أمواج البحر، ومقلب القلوب هو الله. ومن هنا يظهر سر قوله: " الناس كلهم هلكى إلا العالمون، والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون، والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم "[12]. ولأجل هذا الخطر العظيم كانت الشهادة مطلوبة وموت الفجأة مكروهاً، إذ موت الفجأة ربما يتفق عند غلبة خاطر سوء واستيلائه على القلب.
واما الشهادة في سبيل الله فانها عبارة عن قبض الروح في حالة لم يبق في القلب غير حب الله، وخرج حب الدنيا والمال والولد، فان من هجم على صف القتال بامر الله وأمر رسوله يكون موطناً نفسه على الموت لرضا الله وحبه، بائعاً دنياه بآخرته، راضياً بالبيع الذي بايعه الله به في قوله:
" إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنّة "[13].
وبذلك يظهر أن القتل لا بسبب الشهادة التي حقيقتها ما فسر، لا يفيد الاطمئنان من هذا الخطر، وإن كان ظلماً، وإن كان في الجهاد، إذ لم تكن هجرته فيه إلى الله ورسوله، بل إلى دنيا يصيبها أو امرأة يأخذها.
وقد ظهر مما ذكر: ان سوء الخاتمة باختلاف أسبابه راجع إلى أحوال القلب، وحالة القلب إما خاطر خير أو خاطر سوء أو خاطر مباح، فمن زهق روحه على خاطر مباح لم يمكن الحكم بانه ختم على خير أو سوء، بل أمره إلى الله، وان كانت النجاة له اقرب بعد غلبة صالحات أعماله على فاسداتها، ومن زهق روحه على خاطر سوء وهو أحد الخواطر المتقدمة:
" فقد ضل ضلالاً بعيداً "، " خسر خسراناً مبيناً "[14]
ومن زهق روحه على خاطر خير وهو أن يكون قلبه في حالة الموت ـ 77 ما يقرب من هذا النص. فماذا نظن أراد المؤلف بقوله: (سرقوله)، هل أراد الغزالي ياترى؟ متوجهاً إلى الله ممتلياً من حبه وانسه "فقد فاز فوزاً عظيماً ". وهذا موقوف على المجاهدة في فطام النفس عن الشهوات الحيوانية، واخراج حب الدنيا عنها رأساً، والاحتراز عن فعل المعاصي ومشاهداتها والتفكر فيها، وعن مجالسة أهلها واستماع حكاياتهم، بل عن مباحات الدنيا بالكلية، وتخلية السر عما سوى الله، والانقطاع بشراشره اليه، واخراج محبة كل شىء سوى محبته عن قلبه، حتى يصير حبه سبحانه والانس به ملكة راسخة، ليغلب على القلب عند سكرة الموت، وبدون ذلك لا يمكن القطع بذلك، كيف وقد علمت أن الغشية المتقدمة على الموت شبه النوم، وأنت في غالب الرؤيا الظاهرة عليك في المنام لا تجد في قلبك حبا لله وأنسا به وتوجها اليه، بل لا يخطر ببالك أن لك ربا متصفا بالصفات الكمالية، بل ترى ما كنت تألفه وتعتاده من الأمور الباطلة والخيالات الفاسدة، فان زهق روحك عند اشتغال خاطرك بشىء من الامور الدنيويه، ولم يكن متوجها إلى الله ومستحضراً معرفته ومبتهجا بحبه وأنسه، لبقيت على تلك الحالة أبداً، وهو الشقاوة العظمى والخيبة الكبرى.
فتيقظ ـ يا حبيبي ـ من سنة الغفلة، وتنبه عن سكر الطبيعة، واخرج حب الدنيا عن قلبك، وتوجه بشراشرك إلى جناب ربك، واكتف من الدنيا بقدر ضرورتك ولا تطلب منها فوق حاجتك، واقنع من الطعام مايقيم صلبك ولا تكثر التناول منه ليزيل من ربك قربك، وارض من اللباس بما يستر عورتك ولا يظهر للناس سوءتك، واكتف من المسكن بما يحول بينك وبين الابصار ويدفع عنك حر الشمس وبرد الامطار، فان جاوزت عن ذلك تشعبت همومك وتكثرت غمومك، واحاط بك الشغل الدائم والعناء اللازم وذهب عنك جل خيراتك وضاعت بركات أوقاتك. وبعد ذلك راقب قلبك في جميع الاوقات، واياك أن تهمله لحظة من اللحظات، واحفظه من ان يكون محلاً لغير معرفة الله وحبه،،وليكن القرب إلى الله والانس به غاية همك إذ العاقل انما يميل ويشتاق إلى ماهو الاشرف والأكمل، ويسر ويرتاح بماله احسن وانفع، ولا ريب في ان اشرف الموجودات واكملها هو سبحانه، بل هو الموجود الحقيقي والكمال الواقعي، وغيره من الموجودات والكمالات من لوازم فيضه ورشحات وجوده وفضله، وله غاية ما يتصور من العلو والكمال والبهاء والجلال، وإن معرفته وحبه احسن الاشياء وانفعها لكل احد، لأنه الباعث للسعادة والأبدية والبهجة الدائمية، فلا ينبغي للعاقل ان يترك ذلك اشتغالا بفضول الدنيا وخسائسها، بل يلزم عليها ان يترك حبلها على غاربها، ويخلص نفسه الشريفة عن مخالبها، ويتوجه بكليته إلى جناب ربه، ولم يكن فرحه وابتهاجه إلا بحبه وانسه.

الفرق بين الاطمئنان والأمن من مكر الله

(الفرق بين الاطمئنان والأمن من مكر الله)
ضد الخوف المذموم هو اطمئنان القلب في الأمور المذكورة، ولاريب في كونه فضيلة وكمالا، إذ قوة القلب وعدم اضطرابه مما يحكم العقل بعدم الحذر عنه صفة كمال، ونقيضه نقص ورذيلة.
وأما الخوف الممدوح، فضده الأمن من مكر الله، وهو من المهلكات، وقد ورد به الذم في الآيات والاخبار، قال الله سبحانه:
" فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون "[15]
وقد ثبت بالتواتر: أن الملائكة والانبياء كانوا خائفين من مكره، كما روي: " انه لما ظهر على ابليس ما ظهر، طفق جبرائيل وميكائيل يبكيان، فأوحى الله اليهما: مالكما تبكيان؟ فقالا: يارب! لا نأمن مكرك. فقال الله هكذا كونا، لا تأمنا مكرى " وروي: " أن النبي (ص) وجبرئيل بكيا من خوف الله تعالى، فأوحى الله اليهما: لم تبكيان وقد أمنتكما؟ فقالا ومن يأمن مكرك؟ " وكأنهما لم يأمنا أن يكون قوله (قد أمنتكما) ابتلاء لهما وامتحاناً، حتى أن سكن خوفهما[16] ظهر أنهما قد أمنا المكر وما وفيا بقولهما، كما ان إبراهيم (ع) لما وضع في المنجنيق قال: حسبي الله وكان هذا القول منه من الدعاوى العظيمة، فامتحن وعورض بجبرئيل (ع) في الهواء حتى قال: ألك حاجة؟ قال: أما اليك فلا. وكان ذلك وفاء بمقتضى قوله، فاخبر الله تعالى عنه وقال:
" وإبراهيم الذي وفّى "[17]
وبالجملة: ينبغي للمؤمن ألا يأمن من مكر ربه، كما لم يأمن منه الملائكة والانبياء، وإذا لم يأمن منه كان خائفاً منه دائماً.

[1]  آل عمران، الآية: 28.
[2]  آل عمران، الآية: 102.
[3]  المعارج، الآية: 28.
[4]  نقل هذه الكلمة في أحياء العلوم (ج4 ص149) عن بعض العارفين ولم يذكر اسمه أيضاًً.
[5]  الزمر، الآية: 47.
[6]  الكهف، الآية: 103 ـ 104.
[7] التوبة، الآية: 24.
[8]  لم نعثر على مصدر لهذا الخبر، وجاء ذكر هذا الخبر مرسلا في (الحقائق) ـ ص88 طبع ايران ـ للشيخ (ملا محس الفيض) ولم يذكر المصدر له.
[9]  القائل هو (مطرف بن عبد الله) كما في احياء العلوم: ج4 ص155.
[10]  يظهر من كلمة (ورد) ان هذا حديث. وفي احياء العلوم ـ ج4 ص155 ـ كلام ينقله عن (حامد اللفاف).
[11] القائل هو (الغزالى) في احياء العلوم، في الصفحة المتقدمة.
[12]  جاء نص هذا الكلام في اثناء كلام (الغزالى) في احياء العلوم ـ ج4 ص156 ـ وكأنه من كلام نفسه. إلا انه جاء نص هذه العبارة في (مجموعة الشيخ ورام) ص320، عن النبي (ص) مرسلا. وكذلك جاء في (مصباح الشريعة) المنسوب إلى الصادق (ع) ـ في الباب ـ
[13]  التوبة، الآية: 111.
[14]  النساء، الآية: 116، 119.
[15]  الاعراف، الآية: 99.
[16]  هذه العبارة لبيان الابتلاء والامتحان، يعنى: انهما يخشيان إذا سكن خوفهما ان يظهر انهما قدامنا المكر ولم يوفيا بقولهما فيكون ذلك امتحانا لهما
[17]  النجم، الآية: 37.



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page