• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثاني :عهد امامته (2)

 

الفصل الثاني :عهد امامته (2)

وفي الكوفة ، خليط من الناس مختلفون ، فهناك من أنصار معاوية الذين أفسدتهم هدايا الحزب الأموي ومواعيده ، وهناك بعض الخوارج القشريين ، وهناك من يثبط الناس عن الجهاد ، وهناك أهل البصائر يُلهبون حماس الشعب ، ويحرضونهم لقتال أهل البغي بشتى أساليب الاستنهاض . والإمام الحسن (ع) لايزال يبعث الخطباء المفوَّهين ، والوجهاء البارزين إلى الأطراف ، يدعوهم إلى نصرته ، ولا يزال أيضاً يُلهب أفئدة الكوفيين بالخطبة إثر الأخرى .
ولكن أهل الكوفـــــة كانوا باردين كالثلج أمام هذه الدعوة ، لأن الحروب الطاحنة التي سبقت عهد الإمـــام ( من الجمل إلى صِفِّين والنهروان ) قد أنهكتهم ، وقد أعرب الإمام الحسن نفسه في مناسبة عن هذه العلة التي تثبط عزيمة أهل الكوفة عن الخروج معه فقال :
وكنتم في مسيركم إلى صفِّين ودينُكم أَمام دنياكم ، وأصبحتم اليوم ودنياكم أَمام دينِكم . وأنتم بين قتيلَين ، قتيلٍ بصِفِّين تبكون عليه ، وقتيلٍ بالنهروان تطلبون بثأره . فأما الباقي فخاذل ، وأما الباكي فثائـــر .
وبالرغم من معاكسة كلّ الظروف ، فإن أصحاب الحق قرروا اقتحام غمار الجهاد المقدس ، علَّهم يكونون الفاتحين .
ولكنها فعلتْ مكائدُ معاوية فعلَها ، حيث كان قد سخّر طائفةً غير قليلة من ذوي الأطماع ، يدبرون له مؤامراته ، فيبثون الشائعات عن قوة جيش الشام ، وقلة جند الكوفة ، وضعفه ، وعدم القدرة على مقاومته ، وعملت الدنانير والدراهم عملها الخبيث الأرعن ، فإذا بالعدة المعتمد عليها من قواد جيش الإمام الحسن (ع) ينهارون أمام قوة إعلام معاوية ، أو قوة إغرائه .
ورغم أن قيادة السرية من جيش الإمام ، كانت حكيمة ، تحت لواء عبد اللـه بن العباس فقد ذهبت ضحية مكر معاوية ، وتغرير القائد ، وإليك القصة :
أرسل الإمام ابن عمه لملاقاة معاوية وكتب إليه هذه الوصية :
يا ابن العم ، إني باعث إليك اثنَي عشر ألفاً ، من فرسان العرب ، وقَرَّاء مصر ، الرجل منهم يريد الكتيبة . فِسِرْ بهم وأَلِنْ لهم جانبك ، وابسط لهم وجهك ، وافرش لهم جناحك ، وأَدْنِهم من مجالسك ، فإنهم بقية ثقاة أمير المؤمنين . وَسِرْ بهم على شط الفرات ، ثم امضِ حتى تستقبل معاوية . فإن أنت لقيته فاحتبسه حتى آتيك ، فاني على أثرك وشيكاً . وليكن خبرك عندي كلّ يوم ، وشاور هذَين - يعني قيس بن سعد ، وسعيد بن قيس - فإذا لقيت معاوية فلا تقاتله ، حتى يقاتلك ، فإن فعل فقاتله ؛ وإن أُصبتَ فقيس بن سعد على الناس ، فإن أُصيب فسعيد بن قيس على الناس [15] .
ثم سار بنفسه - بعد أيام - في عدد هائل من الجيش ، لعله كان ثلاثين ألفاً أو يزيدون ، حتى بلغ مظلم ساباط ، التي كانت قريبة من المدائن ، فعملت دسائس معاوية في مقدمة جيش الإمام ، فأذيع بين الناس نبأ كان له أثر عميق في صفوف الجيش . وكان النبأ يقول : ( إن الحسن يكاتب معاوية على الصلح فَلِمَ تقتلون أنفسكم ؟ ) ثم أخذ يستميل قادة الجيش بالمال والوعود ، فإذا هم يتسللون إليه في خفاء ، ويكتب عبيد اللـه نبأ ذلك إلى الإمام . ولكن مؤامرته تلك لم تكن بذات أهمية ، حتى اشترى ضمير القائد الأعلى فكتب إليه يقول :
إن الحسن قد راسلني في الصلح ، وهو مسلِّم الأمر إليّ ، فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعاً ، وإلاّ دخلت وأنت تابع ، ولك إن أجبتني الآن أعطيك ألف ألف درهم أعجِّل لك في هذا الوقت نصفها وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر .
إن معاوية مكر بعبيد اللـه بثلاثة أساليب ، فإنه قال له :
أولاً : إن الحسن يراسله في الصلح ، وهذه أول ما هدت أركان عبيد اللـه فقال في نفسه : إذن فلم أُسيء سمعتي في التاريخ ، وأحمل خطيئة الدماء التي تهراق تحت لوائي . ثم قال له :
ثانياً : كن متبوعاً ، فغره بالرئاسة . وأخيراً وعده بمليون درهم وهذا الأخير كان أهم الثلاثة ، في شخص ألزمه إمامه بالعدل ، والمساواة مع أقل الناس .
فأنسلّ عبيد اللـه القائد العام دون أن يخبر أحداً ، فأصبح الجيش يبحث عن القائد ليقيم بهم صلاة الصبح فلا يجده ، فقام قيس الثاني للجيش يصلي بالناس الصبح ، ثم لما انتهى خطب فيهم يهدئ روع الناس ، ويُطمْئن قلوبهم ويقول :
إن هذا وأباه لم يأتوا بيوم خيراً قط ، إن أباه عمُّ رسول اللـه ، خرج يقاتله ببدر ، فأسره كعب بن عمرو الأنصاري ، فأتي به رسول اللـه (ص) فأخذ فداءه ، فقسّمه بين المسلمين ، وإن أخاه ولاه عليٌّ على البصرة فسرق ماله ، ومال المسلمين ، فاشترى به الجواري ، وزعم أن ذلك له حلال . وإنَّ هذا ولاّه عليٌ على اليمن ، فهرب من بسر بن أرطاة وترك ولده ، حتى قتلوا وصنع الآن هذا الذي صنع .
فإذا بالجيش يصبح مؤيداً .
الحمد لله الذي أخرجه من بيننا . إلاّ انّ هذا الجيش الذي هرب قائده إلى معسكر العدو ، لم يكن في وضع يقاوم جيش معاوية لذلك تفرق أكثره ولم يبقَ منه إلاّ ربع عدده أربعة آلاف فقط .
وان هذا العدد الهائل الذي انتقص من اثني عشر بعث الخيبة في نفوس الجند في المقدمة ، كما بعث الخيبة في نفوس سائر الجيش الثاوي في مظلم ساباط ، حيث كان الإمام وحيث كان الجيش الذي انتشرت فيه دعايات معاوية ، التي لازالت تُبث فيه عبر جواسيسه . وبدأ بعضهم يتسللون إلى معاوية وكتب بعضهم إليه أن لو شئت جئنا بالحسن إليك أسيراً ، ولو شئت قتلناه . وجاءت عطايا معاوية التي زادت على مئة ألف غالباً ، ووعوده بتزويج بناته لهذا القائد أو ذاك .
وهكذا نستطيع أن نعرف مدى ضغط الظروف التي أجبرت الإمام (ع) على الصلح ، من هذه الخطبة اللاهبة ، التي ألقاها على مسامع المساومين بالضمائر ، الذين كانوا يشكلون الأغلبية الساحقة من جيشه (ع) . ويظهر من هذه الخطبة أنهم كانوا متأثرين بدعايات معاوية إلى حد بعيد ، حيث كانوا يلحُّون على الإمام بالتنازل عن حقه ومبايعة معاوية والإمام يأبى عليهم ذلك ، كما يظهر أنه كان من الوجهاء مَنْ فَكَّرَ في اغتيال الإمام ، كما اغتال صاحبُه أباه (ع) .
وبعد كلّ ذلك كانت الظروف تُكره الإمام على الصلح مع معاوية إلى أجل هم بالغوه ، فكتب إلى معاوية أو كتب إليه معاوية ، على اختلاف بين المؤرخين في شأن الصلح ، ورضي الطرفان بذلك بعد أن اتفقا على بنوده التي لم تكن ترجع إلى الإمام إلاّ بالخير ، وعلى الأمة إلاّ بالصلاح .
ومن راجع كلمات الإمام الحسن (ع) التي قالها بعد الصلح لأصحابه بعد أن أنكروا عليه ذلك يعرف مدى تأثر قضيته بالظروف المعاكسة التي لم تزل ترفع إليهم بالفتنة إثر الفتنة .
لقد قال لأحدهم إذ ذاك : [16]
لستُ مُذِلاًّ للمؤمنين ، ولكني مُعِزُّهم ، ما أردت بمصالحتي إلاّ أن أدفع عنكم القتل ، عندما رأيت تَباطُؤَ أصحابي ونُكولَهم عن القتال .
وقال للآخر في هذا الشأن - وقد كان من الخوارج الذين لم يكن بغضهم للحسن (ع) وشيعته بأقل عن بغضهم لمعاوية وأصحابه - قال له :
ويحك أيها الخارجي !! لا تقضِ ، فإن الذي أحوجني إلى ما فعلت قتلكم أبي ، وطعنكم إيّايّ ، وانتهابكم متاعي . وإنّكم لمّا سرتم إلى صِفِّين ، كان دينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم ، ويحـك أيها الخارجي ! إني رأيت أهل الكوفة قوماً لا يوثق بهم ، وما أغترٍ بهم إلاّ من ذل ، وليس أحـــد منهم يوافــــق رأي الآخــــر . ولقد لقي أبي منهـــم أموراً صعبــة ، وشدائد مرّة ، وهي أسرع البـــلاد خرابـــــــــاً
وأهلها هم الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً [17] .
ولذلك ولغيره من الأسباب صالح الإمام معاوية وكتب إليه هذه الوثيقة التالية :
بسم اللـه الرحمن الرحيم
هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب ، معاوية بن أبي سفيان ، صالحه على أن يسلِّم إليه ولاية الأمر على :
1- أن يعمل فيهم بكتاب اللـه وسنّة رسوله وسيرة الخلفاء الصالحين .
2- وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً ، بل يكون الأمر بعده للحسن ثم لأخيه الحسين .
3- وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم .
4- وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم ونسائهم وأولادهم . وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد اللـه وميثاقه وما أخذ اللـه على أحد من خلقه بالوفاء وبما أعطى اللـه من نفسه .
5- وعلى أن لايبغي للحسن بن علي ، ولا لأخيه الحسين ، ولا لأحد من أهل بيت رسول اللـه ، غائلة سراً ولا جهراً ، ولا يخيف أحداً منهم في افق من الآفاق .
تعهد عليه فلان بن فلان ، بذلك وكفى باللـه تعهيداً [18]
والموثوق أن محل الصلح كان مسكن ساباط ، قريباً من موقع مدينة بغداد اليوم ، حيث كان معسكر الإمام الحسن (ع) . فلما أن تمّ ذلك رجع الإمام بمن معه إلى الكوفة .

__________________________________________
([15]) بحار الأنوار : ( ج 44 ، ص 51 ) .
([16]) قال ذلك .
([17]) تذكرة الخواص : ( ص 207 ) .
([18]) ذكـر هذه الوثيقة العلاّمة باقر شريف القرشي عن الفصـول المهمة : ( ص 145 ) وكشف الغمــــة : ( ص 170 ) والبحار : ( ج 10 ، ص 115 ) . وغيرها ثم علق عليها هذه الصورة أفضل صورة وردت مبينة لكيفية الصلح .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page