• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المقدمة

كلمة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)

آية الله الشّهيد السيّد حسن الشيرازي (قدس سره)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما حمده عباده الصالحون، والصلاة على محمّد وآله كما صلّى الله عليهم والملائكة والمؤمنون.
المقدمة
الإمام الحسن (عليه السلام) من قواعد الإشعاع الفكريّ، ومصادر الفكر الإسلامي، وقمم الحياة، التي استطالت حتى أحاطت بكلّ شيءٍ، فلم يعزب عنه ما يعزب عن غير المعصومين، من قمم الوجود الذين يسمّون (مفكرين) وشعراء الطبيعة، الذين يسمّون (أدباء).
فهو من أولئك الرجال الذين آثرهم الله بحاسّةٍ نفاذة تكتنه حقائق الأشياء، فلا تخفى عليهم خافية في الأرض ولا في السماء. انهم يرون ما يرى الناس - جميعاً - ويدركون - وحدهم - كنه ما يرون وما لا يرون، دون سائر الناس. وعند ما ينظرون إلى نجوم السماء، ورمال الصحراء، ومياه البحار، وأبراد الطبيعة، يشعرون بجمالها الآسر الخلاّب، ويدركون صلتها ببقية عناصر الطبيعة وما وراء الطبيعة، من الأزل حتى الأبد.
فأدبه ليس تملّقاً لجمالٍ، ولا ادّعاءاً لجمالٍ، وإنما هو صرخات تنطلق من قلب عبقريٍّ، نفذ إلى أغوار الأشياء، حتى عرف ما تباين منها، ثابتاً على قاعدةٍ واحدةٍ، وما اختلف منها، نابعاً من أصلٍ واحدٍ، وما تفرق منها مضموماً برباطٍ واحدٍ.
وبذلك الفكر الشامل، وهذا الأدب العميق، خرج إلى الناس يدوّي بصوته، ليلهم الأجيال هذا التناسق الجماليّ، الذي يجمع الكون وما وراء الكون، في وحدةٍ متداعمةٍ، طرفاها الأزل والأبد، وأبعادها كلّ ما خلق الله.
فأنّى ضربت في أدب الإمام الحسن (عليه السلام)، وجدته شاعراً بشيءٍ جديدٍ، ومبشّراً بشيءٍ جديد. وهو ذلك الرباط الخفيّ الشامل الذي يركّز مظاهر الحياة والموت، على أصولٍ ثابتةٍ، لا يجوز فيها القديم، والجديد ولا الأول والأخير، ولا تراه لحظةً يتغرغر - مع الأدباء - بعرض عواطفه، أو وصف الأشياء، التي يدركها هو والناس سواء بسواءٍ، بل تراه - دائما - يجهد لإيقاظ حسٍ جديدٍ في الناس. يطمئنهم إلى ان منظومات الكون، ليست حبّات مسبحةٍ انفرطت بلا نظام، وإنما هو منبثق عن الله في ابتدائه، ومرتبط به في دوامه، وعائد إليه في انتهائه، ولكنّه لا ينجز هذا العمل الفلسفيّ الشعريّ العميق، بلهجة الفيلسوف النابه وإنما بنزعة الفنان العظيم، الذي يشترك عقله وقلبه وذوقه في تصميم كلّ أداء، ليحيط بسامعه من عقله وقلبه وذوقه، فلا يترك فيه منفذاً يتسلّل اليه غيره بغير رأيه.
واذا قدّر لجميع العظماء أن يكونوا أدباء - على تباين ميادينهم الاجتماعية ومذاهبهم الفكرية - منذ داود، وسليمان، وأيوب، والمسيح، ومحمد إلى سقراط، وافلاطون، وادوار، ونابليون، وهتلر، فان الإمام الحسن (عليه السلام)، يتميّز - هو والقليل من الناس - بتفوّقٍ ظاهرٍ في كلّ ما قال أو كتب، فهو إمام في البلاغة، كما هو إمام في الدين، وفي كلامه اصالة الواقع، ووميض البروق، وهدير البراكين، ورخاء الاسحار وهينمات الانسان.
لأن البيان الرفيع، التأم سابقه بلاحقه في الإمام الحسن (عليه السلام) فضمّ قوّة البيان الجاهليّ الصافي المنبثق من الفطرة السليمة إلى روعة البيان الإسلامي المهذّب، المنبثق من المنطق السليم، فجمع قوّة البلاغة الجاهلية، إلى روعة البلاغة النبوية، فاقتطف من كلّ طارفٍ وتليدٍ طريفاً، حتى اجتمعت فيه عناصر الأدب الرفيع، من الذوق المطبوع الذي ورثه من سلالته ومجتمعه، ومن رصيده العلمي الواسع، الذي جعله قويّ الحجّة، راسخ البرهان، ومن وعيه الاجتماعي الشامل، الذي اكتسبه من التجارب المرة الرهيبة، التي خاضها برباطةٍ وصمودٍ، والازمات العصيبة التي لفّته بعنفٍ لا توجد في القواميس لفظة تعبّر عنها بصدقٍ وأمانة، والتطاحن الفكريّ الجبار، الذي عاشه بعقله في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وبكل كيانه في أيامه وأيام أبيه أمير المؤمنين ((عليه السلام)(.
وهذه العناصر، صقلت المؤهلات الذاتية للإمام الحسن (عليه السلام) فكانت الآلام التي انصبت عليه انصباباً، مبضعاً فجّر معين البلاغة في قلبه، على جرّ لسانه، فتدفقت البلاغة، بانسيابٍ تلقائي، يحكي كلّ ما في الواقع من حرارة، وفي الفكر من لوعة، ليهيمن على العقل والقلب والضمير فلا تجد إزاءه إلا أن تردّد ما يقول بخشوع واستسلام، وإذا كتب انتزع من مهجةالأزل إلى ضمير الأبد قصة الدمع والدم والنار، فكتب على الورق، أوجاع قلبه ونحيب مجتمعٍ تدافع في مهجته، فجرى يراعه بمدادٍ من عصير الشمس، ليؤكّد الحقّ الذي اطمأنّ اليه، فظلّ يدور معه حيثما دار، ويكافح الباطل الذي انقشع عنه، ليلاحقه أينما سار.
وكلام الإمام الحسن (عليه السلام) - جميعاً - ينضح بدلائل الشخصية النادرة، حتى كأنّ معانيه خواطر قلبه، واحداث زمانه.
تتجسّد على لسانه كلاماً، فيه من رنة الحق والجمال الخلوب، ما يطاول أبلغ الكلام بما هو أغنى وأجمل.
فكلمته المرتجلة، أقوى ما تكون الكلمة المرتجلة، من عمق الفكرة وفتنة التعبير، حتّى لا تنطلق من فمه، الاّ لتمضي مثلاً سائراً من بلدٍ إلى بلدٍ، ومن جيلٍ إلى جيلٍ، وهل تقطعت الكلمة الجزلة، باروع من هذه الاقوال (ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد) و (السداد: دفع المنكر بالمعروف) و (المجد: ان تعطي في العزم، وتعفو عن الجرم) و (العقل حفظ كلّ ما استوعيته) و(القبور محلتنا، والقيامة موعدنا، والله عارضنا).
وخطبته، اروع ما تكون الخطبة، وخاصةً عندما يعالج أزمة في اصحابه، او يقارع طغمة من اعدائه، أي في الموقف الذي تثور فيه عواطفه الجياشة، ويهيج خياله الوهاب، بالنقمة والتذمّر فتعجّ فيها معان مفرقعة، تتتابع بقوةٍ كفرقعات المدافع، وصور حارة من لهيب قلبه، وأوار الاحداث حتى يأتي صلداً كالجلاميد، مزمجراً كالرعود، مشرقاً كالبروق.
وها هو يؤنّب اهل الكوفة، على تفريطهم به في سبيل معاوية فيقول:
(.. وايم الله، لا ترى امة محمدٍ خصباً، ما كانت سادتهم وقادتهم في بني أمية، ولقد وجّه الله إليكم فتنةً، لن تصدّوا عنها حتى تهلكوا، لطاعتكم طواغيتكم إلى شياطينكم، فعند الله احتسب ما مضى وما ينتظر، من سوء رغبتكم، وحيف حكمكم..).
(.. عرفت أهل الكوفة وتلوّنهم، ولا يصلح لي منهم ما كان فاسداً، إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة، في قولٍ ولا فعلٍ، انهم لمختلفون، ويقولون: إن قلوبهم معنا، وسيوفهم لمشهورة علينا).
(.. أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة، ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيب السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع وكنتم تتوجّهون معنا، ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم الآن، ودنياكم أمام دينكم، وكنتم لنا وقد صرتم اليوم علينا، ثم أصبحتم تصدّون قتيلين، قتيلاً بصفّين تبكون عليهم وقتيلاً بالنهروان تطلبون بثأرهم، فأما الباكي فخاذل واما الطالب فثائر..)
ففي هذه المواقف، تبدو قوة الإمام الحسن (عليه السلام)، في بلاغة الأداء وقوة التأثير، وتدرجه في إثارة شعور سامعيه، نحو ما يصبو اليه.
وانك لتعجب من نخوة العاطفة، تثور حتى تتقطّع، فاذا بعضها يزاحم بعضاً في هياجٍ رهيب، على مثل هذه الكلمات:
(.. غرر تموني كما غررتم من كان من قبلي، مع ايّ إمام تقاتلون بعدي؟ مع الكافر الظالم، الذي لا يؤمن بالله ولا برسوله قط، ولا اظهر الإسلام هو وبنو أمية الا فرقاً من السيف، ولو لم يبق لبني أمية الا عجوز درداء، لبغت دين الله عوجاً، وهكذا قال رسول الله..).
ترى ما في أقواله هذه، من الذكاء الشهم، والأصالة في التفكير والتعبير، تتدفق فكرة ولحناً، لتفسّر سبب حظوته بالقلوب، حتى (احبّه الناس اكثر مما احبوا أباه).
ومن هنا كان تراث الإمام الحسن (عليه السلام) في ذروة ما خلّفته الإنسانية لروّادها من نتاج الفكر والذوق، وان كان ما وصل الينا منه هو القليل القليل، وما محته الرياح السافيات، هو الكثير الكثير. ولكن هذا القليل، الذي انفلت من العصور المظلمة، التي كانت تتربص بكلّ بصيصٍ من النور، يؤلف صفحة كاملةً، لشخصيةٍ فذةٍ، تبقى في التاريخ مشرقةً كالشمس، نقيةً كالنجوم، خالدةً كالأبد.
ورغم ان آثار الإمام الحسن (عليه السلام)، منيت بإعراض بعضٍ وإنكار آخرين، فإنها كانت من القوّة والجدارة، أن فرضت نفسها على الحياة والتاريخ، رغم كلّ ما منيت به من إعراضٍ وإنكارٍ.
وفي هذه المجموعة، نعرض مختاراتٍ مما وصل الينا، كنموذج من المجموعة الضخمة التي توجد بين أيدينا الآن عسى أن نوفّق لنشرها في المستقبل القريب.
حسن - كتب في كربلاء المقدسة، ليلة الواحد والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1384 هـ.



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page