أخلاق
إني أخبركم عن أخٍ كان من أعظم الناس في عيني، وكان عظيم ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجاً عن سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر اذا وجد.
وكان خارجاً عن سلطان فرجه، فلا يستخفّ له عقله ولا رأيه.
وكان خارجاً عن سلطان جهله، فلا يمدّ يداً إلا على ثقةِ المنفعة، ولا يخطو خطوةً إلا لحسابه.
وكان لا يسخط ولا يتبرم.
كان اذا اجتمع بالعلماء يكون على أن يسمع، أحرص منه على أن يتكلّم، وكان اذا غلب على الكلام، لا يغلب على الصمت.
كان أكثر دهره صامتاً، فاذا قال بزّ القائلين.
وكان لا يشارك في دعوى، ولا يدخل في مراء، ولا يدلي بحجة، حتى يرى قاضياً يقول مالا يفعل ويفعل مالا يقول، تفضلاً وتكرماً.
كان لا يغفل عن اخوانه، ولا يستخصّ بشيء دونهم.
كان لا يكرّم أحداً فيما يقع القدر بمثله.
كان اذا ابتدأه أمران، لا يدري أيهما أقرب إلى الحقّ، نظر فيما هو اقرب إلى هواه فخالفه.
صفات الأخ(1)
يا بني لا تؤاخ أحداً حتى تعرف موارده ومصادره، فاذا استنبطت الخبرة ورضيت العشرة، فآخيه على اقالة العثرة، والمواساة في العسرة.
تفسير الأخلاق الفاضلة(2)
وجه الإمام علي (عليه السلام) إلى الحسن اسئلةً تتعلق بأصول الأخلاق والفضائل، فأجابه الإمام الحسن (عليه السلام) فكان بينهما الحوار التالي:
أمير المؤمنين - يا بني ما السداد؟
الحسن: - يا أبت السداد دفع المنكر بالمعروف.
أمير المؤمنين: ما الشرف؟
الحسن: اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.
أمير المؤمنين: - ما المروءة؟
الحسن: - العفاف واصلاح المرء ماله.
أمير المؤمنين:- ما الدنيئة؟
الحسن:- النظر في اليسير ومنع الحقير.
أمير المؤمنين:- ما اللؤم؟
الحسن:- احتراز المرء نفسه وبذله عرسه.
أمير المؤمنين:- ما السماحة؟
الحسن:- البذل في العسر واليسر.
أمير المؤمنين:- ما الشحّ؟
الحسن:- أن ترى ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً.
أمير المؤمنين:- ما الإخاء؟
الحسن:- الوفاء في الشدة والرخاء.
أمير المؤمنين:- ما الجبن؟
الحسن:- الجرأة على الصديق والنكول عن العدو.
أمير المؤمنين:- ما الغنيمة؟
الحسن: - الرغبة في التقوى، والزهادة في الدنيا هي الغنيمة الباردة.
أمير المؤمنين:- ما الحلم؟
الحسن:- كظم الغيظ وملك النفس.
أمير المؤمنين:- ما الغنى؟
الحسن:- رضى النفس بما قسم الله لها وإن قلّ وإنما الغنى عن النفس.
أمير المؤمنين:- ما الفقر؟
الحسن:- شره النفس في كل شيء.
أمير المؤمنين:- ما المنعة؟
الحسن:- شدة البأس ومنازعة أعزّ الناس.
أمير المؤمنين:- ما الذّلّ؟
الحسن:- الفرع عند المصدوقة.
أمير المؤمنين:- ما العيّ؟
الحسن:- العبث باللحية وكثرة البزاق عند المخاطبة.
أمير المؤمنين:- ما الجرأة؟
الحسن:- موافقة الاقران.
أمير المؤمنين:- ما الكلفة؟
الحسن:- كلامك فيما لا يعنيك.
أمير المؤمنين:- ما المجد؟
الحسن:- أن تعطي في الغرم وتعفو عن الجرم.
أمير المؤمنين:- ما العقل؟
الحسن:- العقل حفظ كلّ ما استوعيته.
أمير المؤمنين:- ما الخرق؟
الحسن:- معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك.
أمير المؤمنين:- ما السناء؟
الحسن:- إتيان الجميل وترك القبيح.
أمير المؤمنين:- ما الحزم؟
الحسن:- طول الاناة والرفق بالولاة.
أمير المؤمنين:- ما السفه؟
الحسن:- إتباع الدّناة ومصاحبة الغواة.
أمير المؤمنين:- ما الغفلة؟
الحسن:- تركك المسجد وطاعتك المفسد.
أمير المؤمنين:- ما الحرمان؟
الحسن:- تركك حظّك وقد عرض عليك.
أمير المؤمنين:- من السيّد؟
الحسن:- الأحمق في ماله. والمتهاون في عرضه: يشتم فلا يجيب، المهتمّ بأمر عشيرته، هو السيّد(3).
أمير المؤمنين:- فما الجهل؟
الحسن:- سرعت الوثوب على الفرصة، قبل الاستمكان منها، والامتناع عن الجواب. ونعم العون الصمت، في مواطن كثيرة، وإن كنت فصيحاً(4).
مكارم الأخلاق(5)
قال جابر: سمعت الحسن (عليه السلام) يقول: مكارم الأخلاق عشرة:
صدق اللسان، وصدق البأس، واعطاء السائل، وحسن الخلق، والمكافأة بالصنائع، وصلة الرحم، والتذميم(6) على الجار ومعرفة الحق للصاحب، وقري الضيف، ورأسهن الحياء.
فضائل(7)
الحزم أن تنتظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك، والمجد حمل المعازم وابتناء المكارم، والسماحة اجابة السائل وبذل النائل، والرقة طلب اليسير، ومنع الحقير والكلفة التمسك لمن لا يواتيك، والنظر بما لا يعنيك والجهل وان كنت فصيحاً.
العقل(8)
سئل الحسن بن علي، فقيل له: (ما العقل؟) فقال: التجرع للغصة، حتى ننال الفرصة، ومداهنة الأعداء.
______________________________________
1 - تحف العقول: نصح الإمام الحسن به بعض ولده:..
2 - (ا) ناسخ التواريخ.
3 - إلى هنا ورد في ناسخ التواريخ.
4 - هذان السؤال والجواب الاخيران، وردا في رواية محمد باقر المجلسي في البحار.
5 - تاريخ اليعقوبي ج1 - ص 201.
6 - التذميم: مأخوذ من أذمه، أي أجاره واخذه تحت حمايته:
7 - البحار 17 - ص 206 الطبعة القديمة: محمد باقر المجلسي:..
8 - البحار ج 10 الطبعة القديمة: محمد باقر المجلسي:..