أوّلاً: الإصلاح الفكري والعقائدي
من الأزمات التي خلّفتها سيرة الحكّام السابقين هي أزمة ارتباك المفاهيم وما رافقها من تقليد وسطحية في الفكر، فلم تتجلّ حقيقة التصور الإسلامي عند الكثير من المسلمين لكثرة التيارات الهدّامة ونشاطها في تحريف المفاهيم السليمة وتزييف الحقائق، فكان دور الإمام (عليه السلام) هو حمل النفوس على التمحيص لتمييز ما هو أصيل من العقيدة عمّا هو زيف، وعلى تحكيم الأفكار والمفاهيم الأصيلة في عالم الضمير وعالم السلوك على حد سواء، والاستقامة على المنهج الذي يريده الله تعالى للإنسان.
وقد مارس الإمام الباقر (عليه السلام) عدة نشاطات لإصلاح الأفكار والعقائد ، نشير إلى أهمّها كما يلي :
1 ـ الردّ على الأفكار والعقائد الهدّامة والمذاهب المنحرفة
وجد المنحرفون لأفكارهم وعقائدهم الهدّامة أوساطاً تتقبّلها وتروّج لها ـ جهلاً أو طمعاً أو تآمراً على الإسلام الخالد ـ وفي عهد الإمام الباقر(عليه السلام) نشطت حركة الغلاة بقيادة المغيرة بن سعيد العجلي.
روى علي بن محمد النوفلي أن المغيرة استأذن على أبي جعفر(عليه السلام) وقال له: أخبر الناس أ نّي أعلم الغيب، وأنا أطعمك العراق، فزجره الإمام (عليه السلام) زجراً شديداً وأسمعه ما كره فانصرف عنه، ثم أتى أبا هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية فقال له مثل ذلك، فوثب عليه، فضربه ضرباً شديداً أشرف به على الموت، فلمّا برئ أتى الكوفة وكان مشعبذاً فدعا الناس إلى آرائه واستغواهم فاتّبعه خلق كثير(1).
واستمرّ الإمام (عليه السلام) في محاصرة المغيرة والتحذير منه وكان يلعنه أمام الناس ويقول: « لعن الله المغيرة بن سعيد كان يكذب علينا »(2).
ولعن (عليه السلام) بقية رؤساء الغلاة ومنهم بنان التبّان، فقال: « لعن الله بنان التبّان، وان بناناً لعنه الله كان يكذب على أبي »(3).
وكان (عليه السلام) يحذّر المسلمين وخصوصاً أنصار أهل البيت (عليهم السلام) من أفكار الغلو، ويرشدهم إلى الاعتقاد السليم، بقوله:
« لا تضعوا عليّاً دون ما وضعه الله، ولا ترفعوه فوق ما رفعه الله »(4).
وكان (عليه السلام) يخاطب أنصاره قائلاً: «يا معشر الشيعة شيعة آل محمد كونوا النمرقة الوسطى: يرجع إليكم الغالي، ويلحق بكم التالي»(5).
وحذّر (عليه السلام) من المرجئة ولعنهم حين قال: «اللهمّ العن المرجئة فإنهم أعداؤنا في الدنيا والآخرة»(6).
وكان (عليه السلام) يحذّر من أفكار المفوضة والمجبرة. ومن أقواله (عليه السلام) في ذلك: «إيّاك أن تقول بالتفويض! فإنّ الله عزّ وجلّ لم يفوّض الأمر إلى خلقه وهناً وضعفاً، ولا أجبرهم على معاصيه ظلماً»(7).
وفي عرض هذا الردّ القاطع الصريح كان الإمام (عليه السلام) يبيّن الأفكار السليمة حول التوحيد لكي تتعرف الأُمة على عقيدتها السليمة.
وكان ممّا ركّز عليه الإمام (عليه السلام) في هذا المجال بيان مقومات التوحيد ونفي التشبيه والتجسيم لله تعالى.
قال (عليه السلام) : «يا ذا الذي كان قبل كل شيء، ثم خلق كل شيء، ثم يبقى ويفنى كلّ شيء، ويا ذا الذي ليس في السموات العلى ولا في الارضين السفلى، ولا فوقهنّ، ولا بينهنّ ولا تحتهنّ إله يعبد غيره»(8).
وفي جوابه (عليه السلام) للسائلين عن جواز القول بأنّ الله موجود، قال: «نعم، تخرجه من الحدّين: حدّ الإبطال، وحدّ التشبيه»(9).
وقال (عليه السلام): « إن ربّي تبارك وتعالى كان لم يزل حيّاً بلا كيف، ولم يكن له كان، ولا كان لكونه كيف، ولا كان له أين، ولا كان في شيء، ولا كان على شيء، ولا ابتدع له مكاناً »(10).
كما ركّز الإمام الباقر (عليه السلام) على العبودية الخالصة لله ونهى عن الممارسات التي تتضمّن الشرك بالله تعالى.
قال (عليه السلام): « لو أنّ عبداً عمل عملاً يطلب به وجه الله عزّ جلّ والدار الآخرة، فأدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركاً »(11).
كما دعا إلى الانقطاع الكامل لله تعالى بقوله: « لا يكون العبد عابداً لله حق عبادته; حتى ينقطع عن الخلق كلّه إليه »(12).
ونهى الإمام (عليه السلام) عن التكلم في ذات الله تعالى، وذلك لأنّ الإنسان المحدود لا يحيط بغير المحدود فلا ينفعه البحث عن الذات اللامحدودة إلاّ بُعداً، ومن هنا كان التكلم عن ذاته تعالى عبثاً لا جدوى وراءه، فنهى (عليه السلام) عن ذلك، وحذّر منه بقوله: «إن الناس لا يزال لهم المنطق، حتى يتكلموا في الله، فإذا سمعتم ذلك فقولوا: لا اله إلاّ الله الواحد الذي ليس كمثله شيء »(13).
وممّا ركّز عليه الإمام الباقر (عليه السلام) الردع من أتّباع المذاهب المنحرفة والأفكار الهدّامة هو بيان عاقبة أهل الشبهات والأهواء والبدع، واستهدف الإمام (عليه السلام) من التركيز على عاقبة المنحرفين فكرياً وعقائدياً إبعاد المسلمين عن التأثر بهم، وإزالة حالة الأنس والألفة بينهم وبين الأفكار والعقائد المنحرفة.
قال (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً): هم النصارى والقسيسون والرهبان وأهل الشبهات والأهواء من أهل القبلة والحرورية وأهل البدع (14).
2 ـ الحوار مع المذاهب والرموز المنحرفة
يعتبر الحوار إحدى الوسائل التي تقع في طريق إصلاح الناس، حيث تزعزع المناظرة الهادفة والحوار السليم الأفكار والمفاهيم المنحرفة.
من هنا قام الإمام (عليه السلام) بمحاورة بعض رؤوس المخالفين، لتأثيرهم الكبير على أتباعهم لو صلحوا واستقاموا على الحقّ. وإليك بعض مناظراته:
مع علماء النصارى: حينما أخرج هشام بن عبد الملك الإمام (عليه السلام) من المدينة إلى الشام كان (عليه السلام) يجلس مع أهل الشام في مجالسهم، فبينا هو جالس وعنده جماعة من الناس يسألونه، إذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك، فسأل عن حالهم، فأُخبر أنهم يأتون عالماً لهم في كل سنة في هذا اليوم يسألون عمّا يريدون وعمّا يكون في عامهم، وقد أدرك هذا العالم أصحاب الحوارييّن من أصحاب عيسى (عليه السلام)، فقال الإمام (عليه السلام): فهلمّ نذهب إليه؟ فذهب (عليه السلام) إلى مكانهم، فقال له النصراني: أسألك أو تسألني؟ قال (عليه السلام): تسألني، فسأله عن مسائل عديدة حول الوقت، وحول أهل الجنّة، وحول عزرة وعزير، فأجابه (عليه السلام) عن كل مسألة.
فقال النصراني: يا معشر النصارى ما رأيت أحداً قطّ أعلم من هذا الرجل لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام ردّوني فردّوه إلى كهفه، ورجع النصارى مع الإمام (عليه السلام).
وفي رواية: انّه أسلم وأسلم معه أصحابه على يد الإمام (عليه السلام)(15).
مع هشام بن عبد الملك: ناظره هشام بن عبد الملك في مسائل متنوعة تتعلق بمقامات أهل البيت (عليهم السلام)، وميراثهم لعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وادعاء الإمام علي (عليه السلام) علم الغيب، فأجابه الإمام (عليه السلام) عن مسائله المتنوعة وناظره في إثبات مقامات أهل البيت (عليهم السلام) مستشهداً بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، فلم يستطع هشام ان يردّ عليه، وناظره في مواضع أخرى، فقال له هشام: (أعطني عهد الله وميثاقه ألاّ ترفع هذا الحديث الى أحد ما حييت)، قال الإمام الصادق (عليه السلام): فأعطاه أبي من ذلك ما أرضاه(16).
مع الحسن البصري: قال له الحسن البصري: جئت لأسألك عن أشياء من كتاب الله تعالى.
وبعد حوار قصير قال له (عليه السلام): بلغني عنك أمر فما أدري أكذاك أنت؟ أم يُكذب عليك؟ قال الحسن: ما هو ؟
قال (عليه السلام): زعموا أنّك تقول: إنَّ الله خلق العباد ففوّض إليهم أُمورهم.
فسكت الحسن... ثمّ وضّح له الإمام (عليه السلام) بطلان القول بالتفويض وحذّره قائلاً: وإيّاك أن تقول بالتفويض، فإنّ الله عز وجل لم يفوّض الأمر إلى خلقه، وهناً منه وضعفاً، ولا أجبرهم على معاصيه ظلماً(17).
وله (عليه السلام) مناظرات مع محمد بن المنكدر ـ من مشاهير زهاد ذلك العصر ـ ومع نافع بن الأزرق أحد رؤساء الخوارج، ومع عبد الله بن معمر الليثي، ومع قتادة بن دعامة البصري(18) واحتجاجات لا يتحمّل شرحها هذا المختصر.
3 ـ إدانة فقهاء البلاط
جاء قتادة بن دعامة البصري إلى الإمام (عليه السلام) وقد هيّأ له أربعين مسألة ليمتحنه بها، فقال له (عليه السلام): أنت فقيه أهل البصرة؟ قال قتادة: نعم، فقال (عليه السلام): «ويحك يا قتادة إنّ الله عزّ وجل خلق خلقاً، فجعلهم حججاً على خلقه، فهم أوتاد في أرضه، قوّام بأمره، نجباء في علمه اصطفاهم قبل خلقه»، فسكت قتادة طويلاً، ثم قال: أصلحك الله، والله لقد جلست بين يدي الفقهاء، وقدّام ابن عباس، فما اضطرب قلبي قدّام أحد منهم ما اضطرب قدّامك(19).
وأدان الإمام الباقر (عليه السلام) أبا حنيفة لقوله بالقياس، وعلّق الأُستاذ محمد أبو زهرة على هذه الإدانة قائلاً: تتبيّن إمامة الباقر للعلماء، يحاسبهم على ما يبدو منهم، وكأنّه الرئيس يحاكم مرؤوسيه ليحملهم على الجادة، وهم يقبلون طائعين تلك الرئاسة(20).
4 ـ الدعوة إلى أخذ الفكر من مصادره النقيّة
لقد حذّر الإمام (عليه السلام) الناس من الوقوع في شراك الأفكار والآراء والعقائد المنحرفة، وحذّر من البدع وجعلها أحد مصاديق الشرك فقال: « أدنى الشرك أن يبتدع الرجل رأياً فيُحَبّ عليه ويبغَض »(21).
كما حذّر من الإفتاء بالرأي فقال: «من أفتى الناس بغير علم ولا هوى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه»(22).
ومن هنا كان يدعو الناس إلى اخذ العلم والفكر من منابعه النقية وهم أهل البيت المعصومون من كل زيغ وانحراف. قال(عليه السلام) لسلمة بن كهيل وللحكم بن عتيبة: «شرّقا وغرِّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلاّ شيئاً خرج من عندنا»(23).
وكان يحذّر من مجالسة أصحاب الخصومات ويقول: «لا تجالسوا أصحاب الخصومات، فإنهم يخوضون في آيات الله»(24).
كما كان يشجع على ذكر مقامات أهل البيت (عليهم السلام) وفضائلهم فإنّها من أسباب نشر الحق والفضيلة، فعن سعد الاسكاف، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إني اجلس فأقصّ، واذكر حقكم وفضلكم. فقال (عليه السلام): « وددت أنّ على كل ثلاثين ذراعاً قاصّاً مثلك »(25).
5 ـ نشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
لقد فتح الإمام (عليه السلام) أبواب مدرسته العلمية لعامة أبناء الأُمة الإسلامية، حتى وفد إليها طلاب العلم من مختلف البقاع الإسلامية، وأخذ عنه العلم عدد كبير من المسلمين بشتى اتّجاهاتهم وميولهم، منهم: عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، والزهري، وربيعة الرأي، وابن جريج، والاوزاعي، وبسام الصيرفي(26)، وأبو حنيفة وغيرهم(27).
وفي ذلك قال عبد الله بن عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم عنده كأنّه متعلم(28).
وكانت أحاديثه مسندة عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما كان يرسل الحديث ولا يسنده. وحينما سئل عن ذلك، قال: إذا حدّثت بالحديث فلم أسنده، فسندي فيه أبي زين العابدين عن أبيه الحسين الشهيد عن أبيه علي بن أبي طالب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن جبرائيل عن الله عزّ وجلّ (29).
ثانياً : تأسيس المدرسة الفقهية النموذجية(30)
لقد جهد الإمام الباقر وولده الصادق (عليهما السلام) على نشر الفقه الإسلامي وتبنّيا نشره بصورة إيجابية في وقت كان المجتمع الإسلامي غارقاً في الأحداث والاضطرابات السياسية، حيث أهملت الحكومات في تلك العصور الشؤون الدينية إهمالاً تاماً، حتى لم تعد الشعوب الإسلامية تفقه من أمور دينها القليل ولا الكثير، يقول الدكتور علي حسن: «وقد أدى تتبعنا للنصوص التاريخية إلى أمثلة كثيرة تدل على هذه الظاهرة ـ أي إهمال الشؤون الدينية ـ التي كانت تسود القرن الأول سواء لدى الحكام أو العلماء أو الشعب، ونعني بها عدم المعرفة بشؤون الدين، والتأرجح وعدم الجزم والقطع فيها حتى في العبادات، فمن ذلك ما روي أن ابن عباس خطب في آخر شهر رمضان على منبر البصرة فقال: اخرجوا صدقة صومكم فكان الناس لم يعلموا، فقال: من ها هنا من أهل المدينة؟ فقوموا إلى إخوانكم فعلموهم، فإنهم لا يعلمون فرض رسول الله (صلى الله عليه وآله)(31).
فأهل البلاد الإسلامية لم يعرفوا شؤون دينهم معرفة كافية، وقد كان يوجد في بلاد الشام من لا يعرف عدد الصلوات المفروضة، حتى راحوا يسألون الصحابة عن ذلك (32).
إن الدور المشرق الذي قام به الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) في نشر الفقه وبيان أحكام شريعة الله كان من أعظم الخدمات التي قدّماها للعالم الإسلامي.
وسعى إلى الأخذ من علومهما أبناء الصحابة والتابعون، ورؤساء المذاهب الإسلامية كأبي حنيفة ومالك وغيرهما، وتخرج على يد الإمام أبي جعفر(عليه السلام) جمهرة كبيرة من الفقهاء كزرارة بن اعين، ومحمد بن مسلم وابان ابن تغلب، وإليهم يرجع الفضل في تدوين أحاديث الإمام (عليه السلام) وقد أصبحوا من مراجع الفتيا بين المسلمين، وبذلك أعاد الإمام أبو جعفر (عليه السلام) للإسلام نضارته وحافظ على ثرواته الدينية من الضياع والضمور.
ومن الجدير بالذكر أن الشيعة هم أول من سبق إلى تدوين الفقه. فقد قال مصطفى عبد الرازق: «ومن المعقول أن يكون النزوع إلى تدوين الفقه كان أسرع إلى الشيعة لأن اعتقادهم العصمة في أئمتهم أو ما يشبه العصمة كان حرياً إلى تدوين أقضيتهم وفتاواهم»(33).
وبذلك فقد ساهمت الشيعة في بناء الصرح الإسلامي، وحافظت على أهم ثرواته... ولابد لنا من وقفة قصيرة للنظر في فقه أهل البيت (عليهم السلام) الذي هو مستمد من الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).
مميّزات مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) الفقهيّة
1ـ الاتصال بالنبي (صلى الله عليه وآله): والشيء المهم في فقه أهل البيت (عليهم السلام) هو أنه يتصل اتصالاً مباشراً بالنبي (صلى الله عليه وآله) فطريقه إليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وجعلهم النبي (صلى الله عليه وآله) سفن النجاة، وأمن العباد، وعدلاء الذكر الحكيم حسبما تواترت الأخبار بذلك.
قال (عليه السلام): «لو إننا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من قبلنا، ولكنا حدثنا ببينة من ربنا بينها لنبيه (صلى الله عليه وآله) فبينها لنا»(34).
2ـ المرونة : إن فقه أهل البيت يساير الحياة، ويواكب التطور، ولا يشذ عن الفطرة ويتمشى مع جميع متطلبات الحياة، فليس فيه ـ والحمد لله ـ حرج ولا ضيق، ولا ضرر، ولا إضرار، وإنما فيه الصالح العام، والتوازن في جميع مناحي تشريعاته، وقد نال إعجاب جميع رجال القانون، واعترفوا بأنه من أثرى ما قنن في عالم التشريع عمقاً وأصالة وإبداعاً.
3ـ فتح باب الاجتهاد: إنّ من أهم ما تميز به فقه أهل البيت (عليهم السلام) هو فتح باب الاجتهاد، فقد دلّ ذلك على حيوية فقه أهل البيت، وتفاعله مع الحياة واستمراره في العطاء لجميع شؤون الإنسان، وإنه لا يقف مكتوفاً أمام الأحداث المستجدة التي يبتلى بها الناس خصوصاً في هذا العصر الذي برزت فيه كثير من الأحداث واستحدثت فيه كثير من الموضوعات، وقد أدرك كبار علماء المسلمين من الأزهر مدى الحاجة الملحّة إلى فتح باب الاجتهاد، ومتابعة الشيعة الإمامية في هذه الناحية.
قال السيد رشيد رضا: «ولا نعرف في ترك الاجتهاد منفعة ما، وأمّا مضارّه فكثيرة، وكلها ترجع إلى إهمال العقل، وقطع طريق العلم، والحرمان من استغلال الفكر، وقد أهمل المسلمون كل علم بترك الاجتهاد، فصاروا إلى ما نرى»(35).
4ـ الرجوع إلى حكم العقل: انفرد فقهاء الامامية عن بقية المذاهب الإسلامية فجعلوا العقل واحداً من المصادر الأربعة لاستنباط الأحكام الشرعية، وقد أضفوا عليه أسمى ألوان التقديس فاعتبروه رسول الله الباطني، وإنه مما يُعبَد به الرحمن، ويكتَسب به الجنان. ومن الطبيعي أن الرجوع إلى حكم العقل إنّما يجوز إذا لم يكن في المسألة نص خاص أو عام وإلا فهو حاكم عليه، وإن للعقل مسرحاً كبيراً في علم الأصول الذي يتوقف عليه الاجتهاد.
ثالثاً: الإصلاح السياسي
استثمر الإمام (عليه السلام) بعض ظروف الانفراج السياسي النسبي من أجل بناء وتوسعة القاعدة الشعبية، وتسليحها بالفكر السياسي السليم المنسجم مع رؤية أهل البيت (عليهم السلام)، وتعبئة الطاقات لاتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، ولهذا لم تنطلق أي ثورة علوية في عهده، لعدم اكتمال شروطها من حيث العدة والعدد.
وكان الإمام (عليه السلام) يقدّم للأمة المفاهيم والأفكار السياسية الأساسية مع الحيطة والحذر; وكانت له مواقف سياسية صريحة من بعض الحكام لإعادتهم الى جادة الصواب.
وقد تجلّى دوره الإصلاحي في الممارسات التالية:
1ـ الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحرّران الإنسان والمجتمع من ألوان الانحراف في الفكر والعاطفة والسلوك، ويحوّلان المفاهيم والقيم الإسلامية الثابتة إلى ممارسات سلوكية واضحة المعالم، تترجم فيها الآراء والنصوص الى مشاعر وعواطف وأعمال وحركات وعلاقات متجسدة في الواقع لكي تكون الأمة والدولة بمستوى المسؤولية في الحياة، والمسؤولية هي حمل الأمانة الإلهية وخلافة الله تعالى في الأرض.
ومن هنا جاءت تأكيدات الإمام (عليه السلام) على هذه الفريضة التي جعلها شاملة لجميع مرافق الحياة الإنسانية حيث قال: «إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصالحين، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتردّ المظالم وتعمّر الأرض، وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر، فأنكروا بقلوبكم، والفظوا بألسنتكم ، وصكّوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم...»(36).
وحذّر (عليه السلام) من مغبّة التخليّ عن المسؤولية، ومداهنة المنحرفين حكّاماً كانوا أم من سائر أفراد الأمة فقال: «أوحى الله تعالى إلى شعيب النبي (عليه السلام) إنّي لمعذّب من قومك مائة ألف: أربعين ألفاً من شرارهم، وستين ألفاً من خيارهم، فقال: يا ربّ هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟
فأوحى الله عز وجل إليه: إنهم داهنوا أهل المعاصي، ولم يغضبوا لغضبي»(37).
وحث (عليه السلام) على هذه المسؤولية وبيّن آثار التخلي عنها فقال: «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله عزّ وجلّ، فمن نصرهما أعزّه الله، ومن خذلهما خذله الله عز وجل»(38).
2 ـ نشر المفاهيم السياسية السليمة
وجّه الإمام (عليه السلام) الأنظار إلى دور أهل البيت (عليهم السلام) في قيادة الأُمة، وتوجيهها نحو الاستقامة والرشاد فقال: «نحن ولاة أمر الله وخزائن علم الله، وورثة وحي الله، وحملة كتاب الله، طاعتنا فريضة، وحبّنا إيمان، وبغضنا كفر، محبّنا في الجنة، ومبغضنا في النار»(39).
وحذّر الأُمة من الابتعاد عن نهج أهل البيت (عليهم السلام) فقال (عليه السلام): «برئ الله ممن يبرأ منّا، لعن الله من لعننا، أهلك الله من عادانا»(40).
وحثّ (عليه السلام) على نصرتهم فقال: «من أعاننا بلسانه على عدوّنا أنطقه الله بحجته يوم موقفه بين يديه عزّ وجلّ»(41).
ووضّح (عليه السلام) حدود الموالاة لهم، وبيّن المعيار لمعرفة الموالاة والموالين في حالة التباس المفاهيم واختلاط المعايير، فقال: «أمّا محبتنا، فيخلص الحبّ لنا كما يخلص الذهب بالنّار لا كدر فيه، من أراد أن يعلم حبّنا، فليمتحن قلبه فإن شاركه في حبّنا حبّ عدوِّنا، فليس منّا ولسنا منه»(42).
وأكّد على أنّ طرق تولّي الإمام لمنصب الإمامة منحصرة بالنصّ والوصية، ولا عبرة بما هو الشائع من البيعة والعهد والغلبة، ومما جاء في ذلك قوله (عليه السلام): «كل من دان الله عزّ وجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضالّ متحيّر، والله شانئ لأعماله...»(43).
وبيّن مواصفات الإمام لكي تتمكن الأُمة من التمييز والتشخيص في خضم الأحداث التي حُرِّفت فيها المفاهيم وزُوِّرت فيها الحقائق فقال (عليه السلام): «إن الإمامة لا تصلح إلاّ لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن المحارم، وحلم يملك به غضبه، وحسن الخلافة على من ولي، حتى يكون له كالوالد الرحيم»(44).
ورسم قاعدة كلية في أساسيات حقوق وواجبات الإمام تجاه الأُمة، لكي تدرك الأُمة مدى قرب وبعد الحكّام عن أداء مسؤوليتهم، فقال (عليه السلام): «حقّه عليهم أن يسمعوا ويطيعوا... وحقهم عليه: يقسم بينهم بالسوية ويعدل في الرعيّة»(45).
وفي خضم الأحداث الصاخبة وما طرأ من تشويه وتدليس في الحقائق، بيّن (عليه السلام) المفهوم الحقيقي للتشيع، لكي لا يعطي مبرّراً للحكّام الأُمويين لتشويه سمعة أنصار أهل البيت (عليهم السلام) في المحافل المختلفة، واستغلال بعض السلبيات للطعن في مفاهيم الولاء والتولي، فقال (عليه السلام): «فوالله ما شيعتنا إلاّ من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون إلاّ بالتواضع، والتخشع، والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبر بالوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة، والغارمين، والأيتام، وصدق الحديث وتلاوة القرآن، وكفّ الألسن عن الناس إلاّ من خير، وكانوا أُمناء عشائرهم في الأشياء»(46).
والتشيّع ليس ادعاءً بل هو ممارسة عملية محسوسة في الواقع، والشيعي هو مثال التديّن والإخلاص والطّاعة لله تعالى.
ولم يكتف الإمام الباقر (عليه السلام) ببيان المظاهر الخارجية لمن ينتسب لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وإنّما تعدّى ذلك إلى مجموعة من المعالم الفريدة لشيعتهم، فقال (عليه السلام): «إنّما شيعة علي (عليه السلام) الشاحبون الناحلون الذابلون، ذابلة شفاههم، خميصة بطونهم، متغيّرة ألوانهم، مصفرّة وجوههم، إذا جنّهم الليل اتّخذوا الأرض فراشاً، واستقبلوا الأرض بجباههم، كثير سجودهم، كثيرة دموعهم، كثير دعاؤهم، كثير بكاؤهم، يفرح الناس وهم محزونون»(47).
3 ـ فضح الواقع الأموي
كشف الإمام (عليه السلام) حقيقة الحكم الأموي وكيفية وصوله إلى الحكم، وما مارسه من أعمال لإدامة السيطرة على رقاب المسلمين، ووضّح الجرائم التي ارتكبها سلف هؤلاء الحكّام في حق أهل البيت (عليهم السلام) وأنصارهم، فبعد أن بيّن ملابسات الخلافة، وكيفية الاستحواذ عليها وإقصاء أهل البيت (عليهم السلام) عن موقعهم فيها، قال: «... وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن (عليه السلام) فَقُتِلَتْ شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنّة، وكان من يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجِن أو نُهِبَ ماله، أو هُدِمَت داره، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين (عليه السلام) ثم جاء الحجّاج فقتلهم كل قتلة، وأخذهم بكل ظنٍّ وتهمة، حتى أنّ الرجل ليقال له: زنديق أو كافر، أحبُّ اليه من أن يقال: شيعة عليّ، وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ـ ولعلّه يكون ورعاً صدوقاً ـ يحدّث بأحاديث عظيمة عجيبة، من تفضيل بعض من قد سَلَفَ من الولاة، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها، ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب أنّها حقٌّ لكثرة من قد رواها ممّن لم يعرف بكذب، ولا بقلة ورع»(48).
4ـ الدعوة إلى مقاطعة الحكم القائم
دعا (عليه السلام) إلى مقاطعة الحكم الجائر ونهى عن إسناده بأي شكل من أشكال المساندة وإن كانت لا تتعلق بسياستهم، فقال (عليه السلام) ـ في معرض جوابه عن العمل معهم ـ : «ولا مدة قلم، إنّ أحدهم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من دينه مثله»(49).
ووضّح أساسيات التعامل مع الحكام الجائرين والفاسقين بقوله: «لا دين لمن دان بطاعة من عصى الله»(50).
وأكد (عليه السلام) على أن تكون العلاقة معهم علاقة التوجيه والإرشاد، والقيام بأداء مسؤولية الوعظ فقال: «من مشى الى سلطان جائر، فأمره بتقوى الله، وخوّفه ووعظه كان له مثل أجر الثقلين من الجن والإنس، ومثل أعمالهم»(51).
واستثنى (عليه السلام) المواقف التي تتخذ من أجل مصلحة الإسلام الكبرى، فجوّز إسنادهم بالسلاح إن كان القتال مع أعداء الإسلام، لأنهم يدفعون بالسلاح العدو المشترك، قال (عليه السلام) لمن كان يحمل إليهم السلاح: «احمل إليهم، فإنّ الله يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم ـ يعني الروم ـ وبعهم، فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا»(52).
وقال (عليه السلام) في حق حكّام الجور: «إن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله والحقّ، قد ضلّوا بأعمالهم التي يعملونها»(53).
5 ـ مواقفه المباشرة من الحكّام المنحرفين
إنّ دور الإمام الحقيقي هو دور القدوة، ومن أهم المسؤوليات الملقاة على عاتقه إصلاح الحاكم والأمة معاً، والقضاء على الانحراف في مهده. أو الحيلولة دون التمادي فيه، وهذا الدور تختلف أساليبه وبرامجه تبعاً للعوامل والظروف السياسية المحيطة بالإمام، وتتغيّر المواقف تبعاً للمقومات التالية:
أ ـ المصلحة الإسلامية العامة.
ب ـ المصلحة الإسلامية الخاصة، والتي تتعلق بالحفاظ على منهج أهل البيت (عليهم السلام) ورفده بالعناصر النزيهة، لضمان استمرار حركته في الأمة.
ت ـ الظروف العامة والخاصة من حيث قوة الحاكم، وقوة القاعدة الشعبية لأهل البيت (عليهم السلام).
وكانت التقيّة أُسلوباً يتخذه الإمام (عليه السلام) في مواقفه من الحاكم الجائر عندما لا تكون المواجهة العلنية مفيدة ومثمرة، وأوضح الإمام حدودها بقوله: « التقية في كل ضرورة »(54). وقال (عليه السلام): «إنما جعلت التقيّة ليحقن بها الدماء، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة»(55).
وفي العهود التي سبقت عهد عمر بن عبد العزيز، كان الإمام (عليه السلام) يتّقي المواجهة مع الحاكم حفاظاً على كيان أهل البيت (عليهم السلام) وإبعاداً لأنصاره عن حراب الحاكم وأعوانه، ولم يتدخل (عليه السلام) في شؤون الحاكم إلاّ في حدود ضيّقة، وحينما وصل الأمر إلى عمر بن عبد العزيز وتبدلت الأوضاع والظروف تقرب عمر بن عبد العزيز إلى أهل البيت (عليهم السلام) وفضّلهم على بني أمية، قائلاً: أفضلهم لأنّي سمعت... أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول: «إنّما فاطمة شجنة(56) منّي يسرّني ما أسرّها، ويسوؤني ما أساءها، فأنا ابتغي سرور رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأتقي مساءته»(57).
واستثمر الإمام (عليه السلام) هذه الحرية النسبيّة، فقام بدوره في إصلاح الحاكم وأجهزته وإرشاده وحثّه على الاستقامة في التعامل مع الرعيّة.
وحينما بعث إليه أن يقدم عليه، لبّى (عليه السلام) الدعوة واجتمع معه، وأخذ ينصحه ويطلب منه أن يوفق بين ممارساته وبين القيم الإسلامية في مجال التعامل، وممّا جاء في نصائحه له قوله (عليه السلام): «... فاتق الله، واجعل في قلبك اثنتين تنظر الّذي تحبّ أن يكون معك إذا قدمت على ربِّك، فقدِّمه بين يديك، وتنظر الذي تكرهه أن يكون معك إذا قدمت على ربِّك، فابتغ به البدل، ولا تذهبن إلى سلعة قد بارت على من كان قبلك ترجو أن تجوز عنك، واتق الله يا عمر وافتح الأبواب وسهّل الحجاب، وانصر المظلوم وردّ المظالم»(58).
واستشاره عمر في بعض الأمور، وحينما أراد الرجوع إلى المدينة قال له عمر: فأوصني يا أبا جعفر، فقال (عليه السلام): «أُوصيك بتقوى الله واتّخذ الكبير أباً، والصغير ولداً، والرجل أخاً»(59).
وفي عهد هشام بن عبد الملك كان (عليه السلام) يتحرك تبعاً لمواقف هشام من حيث اللين والشدة، فحينما دخل هشام المسجد الحرام نظر إلى الإمام (عليه السلام) وقد أحدق الناس به، فقال: من هذا ؟ فقيل له: محمد بن علي بن الحسين، فقال: هذا المفتون به أهل العراق؟! فأرسل إليه، وسأله بعض الأسئلة، فأفحمه الإمام (عليه السلام) وظهر عليه أمام أتباعه(60).
ولمّا حُمل إلى الشام وأراد هشام أن ينتقص منه، نهض قائماً ثم قال: «أيها الناس أين تذهبون وأين يراد بكم؟ بنا هدى الله أوّلكم، وبنا يختم آخركم، فإن يكن لكم ملك معجّل، فإنّ لنا ملكاً مؤجلاً...»(61).
6 ـ موقفه من الثورة المسلحة
وقف الإمام (عليه السلام) موقف الحياد من الثورات التي قادها الخوارج، فلم يصدر منه تأييد ولا معارضة، لكي لا يستثمر قادة الثورات أو الحكّام موقف الإمام (عليه السلام) لصالحهم، ولكي تستمر روح الثورة في النفوس.
وفي عهده (عليه السلام) لم تنطلق أي ثورة علوية يقودها أحد أهل البيت (عليهم السلام) أو أحد أنصارهم، لأنّ الإمام (عليه السلام) كان مشغولاً ببناء وتوسعة القاعدة الشعبية، لكي تنطلق فيما بعد ، أي بعد إكمال العدّة والعدد، وكان (عليه السلام) يوجّه الأنظار إلى ثورة أخيه زيد التي أخبر أنها ستنطلق في المستقبل القريب.
وكان يربط بين موقف زيد المستقبلي وبين موقفه (عليه السلام) منه فيقول: «أ مّا عبد الله فيدي التي أبطش بها، وأما عمر فبصري الذي أبصر به، وأما زيد فلساني الذي أنطق به(62) ...»(63).
وكان (عليه السلام) يحذِّر من خذلان زيد ومحاربته فيقول: «إن أخي زيد بن علي خارج فمقتول على الحق، فالويل لمن خذله، والويل لمن حاربه، والويل لمن قاتله»(64).
وكان (عليه السلام) هو الموجّه لحركة أخيه زيد، وكان زيد أحد المنضوين تحت لواء إمامته، وكانت حركته العسكرية ذراعاً واقعياً لأهل البيت (عليهم السلام) ليقاوموا من خلالها انحراف الحكّام بعد عجز الأساليب الأخرى عن التأثير.
وممّا يؤكد هذه التبعية قول زيد رحمه الله:
فمن لي سوى جعفر بعده إمام الورى الأوحد الأمجد(65)
فتأجلت الثورة المسلحة إلى وقتها المناسب وتفجّرت بعد أقلّ من عشر سنين من استشهاد الإمام محمد الباقر (عليه السلام).
رابعاً: الإصلاح الاخلاقي والاجتماعي
بذل الإمام (عليه السلام) عناية فائقة لإصلاح الأخلاق وتغيير الأوضاع الاجتماعية باتجاه القواعد والموازين والقيم العليا الثابتة في الشريعة الإسلامية، وكانت مهمته التركيز على إصلاح جميع الوجودات القائمة، بدءً بالمقربين منه ثم الأوساط الاجتماعية ثم المؤسسات الحكومية وإتباع الحاكم.
وكان (عليه السلام) يستثمر جميع الفرص المتاحة للإصلاح والتغيير وبناء واقع جديد، ولهذا تعددت أساليبه الإصلاحية والتغييرية في المجال الاخلاقي والاجتماعي. وإليك بعض نشاطاته في هذا المجال:
1 ـ الدعوة لتطبيق السنّة النبوية
قام الإمام (عليه السلام) بنشر الأحاديث الشريفة النبوية المرتبطة بالجوانب الأخلاقية والاجتماعية لكي تكون هي الحاكمة على الممارسات السلوكية والعلاقات الاجتماعية، ولكي تكون نبراساً لأفراد المجتمع بمختلف طبقاتهم في مسيرتهم الإنسانية، تنطلق بهم نحو السمو والتكامل، والارتقاء للوصول إلى المقامات العالية التي وصل إليها الصالحون والأولياء.
وكان (عليه السلام) ـ من خلال نشر هذه الأحاديث النبوية ـ يشير إلى العوامل الأساسية في صلاح الأخلاق والأوضاع الاجتماعية، وهي صلاح الفقهاء والأمراء، فقد روى (عليه السلام) قول جدّه (صلى الله عليه وآله) : «صنفان من أُمتي إذا صلحا صلحت أُمتي، وإذا فسدا فسدت أُمتي ... الفقهاء والأُمراء»(66).
ودعا (عليه السلام) إلى إخلاص النصيحة والإيثار في الممارسة الإصلاحية على ضوء ما جاء عن جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه»(67).
وأكّد (عليه السلام) على دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى العفّة وتعجيل الخير بقوله: «إن الله يحبُّ الحييَّ الحليم العفيف المتعفف»(68). وقوله (صلى الله عليه وآله): «إن الله يحب من الخير ما يعجّل»(69).
وأكّد (عليه السلام) على الأحاديث الداعية إلى حسن الخلق والكف عن أعراض المؤمنين منها قوله (عليه السلام): «والذي لا اله إلاّ هو ما أُعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلاّ بحسن ظنّه بالله ورجائه له، وحسن خلقه، والكف عن اغتياب المؤمنين»(70).
وقال (عليه السلام): «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن القيل والقال، وفساد المال، وكثرة السؤال»(71).
ودعا (عليه السلام) إلى إدخال السرور على المؤمن كما ورد في قول رسول الله(صلى الله عليه وآله): « من سرَّ مؤمناً فقد سرني ومن سرني فقد سر الله »(72).
وحث (عليه السلام) على صلة الرحم بقوله (صلى الله عليه وآله): «إن أعجل الخير ثواباً صلة الرحم»(73).
وذكر (عليه السلام) عشرات الأحاديث الشريفة التي تدعو إلى مكارم الأخلاق في الصدق والإيثار والتعاون والوفاء بالعهد وحسن التعامل مع المسلمين وغيرهم، إضافة إلى الأحاديث الناهية عن الممارسات السلبية كالكذب والبهتان والتعيير ونقض العهد، والخيانة والاعتداء على الأعراض والنفوس.
وممّا جاء في ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية»(74).
وقال (عليه السلام): سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن خيار العباد، فقال: «الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤا استغفروا، وإذا أُعطوا شكروا وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضبوا غفروا»(75).
ولم يكتف (عليه السلام) بنشر الأحاديث الشريفة والدعوة إلى تجسيد محتواها في الواقع، وإنّما قام بأداء دور القدوة في ذلك فكان بنفسه قمة في جميع المكارم والمآثر، وقد أبرز للمسلمين من خلال سلوكه نموذجاً من أرقى نماذج الخلق الإسلامي الرفيع، فكان (عليه السلام) القمة السامية في الصدق والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وفي التواضع واحترام الآخرين، والاهتمام بأُمور المسلمين، وقضاء حوائج المحتاجين، فكانت معالجته للواقع معالجة عملية من خلال سلوكه النموذجي مع مختلف أصناف الناس موالين، ومخالفين.
2 ـ الدعوة إلى مكارم الأخلاق
كثّف الإمام (عليه السلام) دعوته إلى إصلاح مكارم الأخلاق لتكون هي العلامة الفارقة لتعامل المسلمين فيما بينهم، فكان (عليه السلام) يدعو إلى إفشاء السلام وهو مظهر من مظاهر روح الإخاء والودّ والمحبة والصفاء في العلاقات الاجتماعية حتى قال (عليه السلام): «إن الله يحب إفشاء السلام»(76).
ودعا إلى العفّة واعتبرها أفضل العبادة، فقال: «أفضل العبادة عفّة البطن والفرج»(77).
ودعا إلى تطهير اللسان وتقييده بقيود شرعية، لإدامة العلاقات بين الناس، فقال (عليه السلام): «قولوا للناس أحسن ما تحبّون أن يقال لكم، فإنّ الله يبغض اللعان السبّاب الطّعّان على المؤمنين، الفاحش المتفحّش، السائل الملحف، ويحبّ الحيي الحليم العفيف المتعفّف»(78).
ووضّح كيفية التعامل مع مختلف طبقات المجتمع فقال: «صانع المنافق بلسانك، وأخلص مودتك للمؤمن، وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته»(79).
وبيّن أُسس التعامل مع مختلف الأصناف من الناس فقال: «أربع من كنّ فيه بنى الله له بيتاً في الجنّة، من آوى اليتيم، ورحم الضعيف، وأشفق على والديه، ورفق بمملوكه»(80).
ودعا (عليه السلام) إلى الارتباط بأهل التقوى وتعميق أواصر العلاقات معهم لما اختصوا به من خصائص تؤثر على المصاحبين لهم تأثيراً إيجابياً لتجسيد المثل والقيم الإسلامية في الواقع، قال (عليه السلام): «إن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة وأكثرهم لك معونة، إن نسيت ذكروك، وإن ذكرت أعانوك، قوّالين بحق الله، قوّامين بأمر الله»(81).
ووضّح (عليه السلام) بعض حقوق المؤمن على المؤمن فقال: «إنّ المؤمن أخ المؤمن لا يشتمه ولا يحرمه ولا يسيء به الظن»(82).
وقال (عليه السلام): «من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره الله في الدنيا والآخرة، ومن لم ينصره، ولم يدفع عنه وهو يقدر على نصرته وعونه خفضه الله في الدنيا والآخرة»(83).
وحذّر من ظلم الآخرين أو الإعانة على ظلمهم فقال: «من أعان على مسلم بشطر كلمة كتب بين عينيه يوم القيامة آيس من رحمة الله»(84).
ودعا إلى مقابلة الإساءة والقطيعة بالإحسان والصلة فقال: «ثلاثة من مكارم الدنيا والآخرة: أن تعفو عمّن ظلمك وتصل من قطعك، وتحلم إذا جهل عليك»(85).
خامساً : الإصلاح الاقتصادي
لم يكن الإمام (عليه السلام) على رأس سلطة حتى يستطيع إصلاح الأوضاع الاقتصادية إصلاحاً عملياً وجذريّاً، ولذا اقتصر (عليه السلام) على نشر المفاهيم الإسلامية المرتبطة بالحياة الاقتصادية السليمة متمثّلة في النظام الاقتصادي الإسلامي ، والتي تعصم مراعاتها الإنسان والمجتمع من الانحراف الاقتصادي التي من أسبابها: الانسياق وراء إشباع الشهوات إشباعاً مخلاً بالتوازن الاقتصادي، فحدّد الإمام (عليه السلام) الأهداف المتوخاة من التصرّف بالأموال، إذ جعل الله المال وسيلة لتحقيق الهدف الذي خلق الإنسان من أجله، وهو الوصول إلى عبادة الله تعالى، وتطبيق منهجه في الحياة، قال(عليه السلام): « نعم العون الدنيا على طلب الآخرة »(86).
وأوضح الأهداف المشروعة التي يبتغي طلب المال من أجلها، فقال(عليه السلام): «من طلب الرزق في الدنيا استعفافاً عن الناس، وتوسيعاً على أهله، وتعطفاً على جاره، لقي الله عزّ وجلّ يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر »(87).
واستعان (عليه السلام) بالأحاديث الشريفة الواردة في ضرورة المشروعية في التصرفات الاقتصادية، فروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انّه قال: « العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال »(88).
وأكّد (عليه السلام) على حرمة جملة من التصرفات المالية كالتطفيف في المكيال، إذ قال (عليه السلام): « اُنْزِل في الكيل: (ويل للمطففين)، ولم يجعل الويل لأحد حتى يسميه كافراً...»(89).
كما دعا (عليه السلام) إلى استصلاح المال وتنمية الثروة بشكل صحيح بقوله (عليه السلام): «من المروءة استصلاح المال»(90).
وقدّم إشباع حاجات المسلمين وسد ثغرات حياتهم على أهم العبادات المستحبّة وهو الحج تطوعاً، فقال(عليه السلام): « لأن أحجّ حجة أحبّ إليّ من أن أعتق رقبة ورقبة ـ حتى انتهى إلى سبعين ـ ، ولأن أعول أهل بيت من المسلمين، أشبع جوعتهم وأكسو عورتهم وأكفّ وجوههم عن الناس أحبّ إليّ من أن أحجّ حجة وحجة ـ حتى انتهى إلى عشر وعشر وعشر ومثلها حتى انتهى إلى سبعين ـ »(91).
ودعا (عليه السلام) إلى الترفّع عن الحرص والطمع حيث روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «... لن تموت نفس حتّى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحمل أحدكم استبطاء شيء من الرزق أن يطلبه بغير حلّه، فإنّه لا يدرك ما عند الله إلاّ بطاعته »(92).
ووجّه الأنظار إلى الآثار السلبية للحرص فقال: « مثل الحريص على الدنيا، كمثل دودة القزّ، كلّما ازدادت على نفسها لفّا، كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غمّاً»(93).
وأكّد على زوال المال ما دام الإنسان مخلوقاً للآخرة ومعرّضاً للفناء فقال: « ملك ينادي كل يوم: ابنَ آدم، لِدْ للموت، واجمع للفناء، وابن للخراب »(94).
وكان (عليه السلام) يحثّ على القناعة لأنها إحدى مقدمات السعادة الروحية ، وقد تجلّى ذلك في سلوكه وقوله (عليه السلام) : « من قنع بما أوتي قرّت عينه »(95).
ودعا إلى مراعاة القصد والوسطية وتجنّب الإفراط والتفريط في الطرف والإنفاق في مختلف الظروف واعتبره من المنجيات، فقال(عليه السلام): « أمّا المنجيات فخوف الله في السر والعلانية، والقصد في الغنى والفقر »(96).
كما حدّد الإمام (عليه السلام) لكل إنسان حقّه، وحذّر من الاعتداء على أموال الآخرين لأنها تؤدي إلى الخلل الاقتصادي فضلاً عمّا لها من تأثيرات سلبية أُخرى على المستقبل الأُخروي للفرد والمجتمع، نلاحظ ذلك في قوله (عليه السلام): « من أصاب مالاً من أربع لم يقبل منه أربع: من أصاب مالاً من غلول أو ربا أو خيانة أو سرقة، لم يقبل منه في زكاة ولا صدقة ولا في حجّ ولا في عمرة »(97).
ومن أجل تحقيق التوازن الاقتصادي، ورفع المستوى المعاشي لعموم الناس دعا (عليه السلام) إلى الالتزام بالإنفاق الواجب، فقال: « إن الله تبارك وتعالى قرن الزكاة بالصلاة... فمن أقام الصلاة، ولم يؤت الزكاة، فكأنه لم يقم الصلاة»(98).
وروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: « ملعون كل مال لا يزكّى »(99).
وبيّن الآثار السلبية لمنع الزكاة فقال (عليه السلام): « وجدنا في كتاب عليّ (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا منعت الزكاة منعت الأرض بركاتها »(100).
وحدّد (عليه السلام) حدود البذل بأنه الإيصال إلى مرتبة إغناء الفقير لإنقاذه من الفقر وآثاره السلبية، فقال (عليه السلام): « إذا أعطيته فأغنه »(101).
ولا يتحقق التوازن الاقتصادي ولا التكافل الاجتماعي إلاّ باشتراك جميع الناس في ممارسات مكثّفة لرفع المستوى الاقتصادي لجميع الفقراء والمعوزين، من خلال القيام بالإيثار والإنفاق التطوعي مضافاً إلى أداء الحقّ الشرعي الواجب، لذا حث (عليه السلام) على الإحسان وأداء أعمال البر والصدقة فقال: « البرّ والصدقة ينفيان الفقر ويزيدان في العمر، ويدفعان سبعين ميتة سوء »(102).
وحث على معونة الإخوان وقضاء حوائجهم فقال (عليه السلام): «من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام في حاجته، ابتلي بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر »(103).
وروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انّه قال: « داووا مرضاكم بالصدقة... وحصنوا أموالكم بالزكاة »(104).
وحدّد الإمام (عليه السلام) موارد الإنفاق المنسجمة مع الشريعة الإسلامية، وأثبت انحراف الأُسلوب الذي قام به الحكّام حيث قاموا بتوزيع الأموال حسب أهوائهم ورغباتهم دون التقيد بالقيود التي وضعها المنهج الإسلامي.
فقد روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: « خمسة لعنتُهم وكلُّ نبيّ مجاب...، وذكر منهم: المستأثر بالفيء والمستحل له »(105).
كما حدّد (عليه السلام) موارد إعطاء الصدقات فقال: « إن الصدقة لا تحلّ لمحترف، ولا لذي مرّة سوي قوي...»(106).
وكان (عليه السلام) يقوم بإنفاق ما يحصل عليه على الفقراء والمعوزين لتقتدي به الأمة، وتعرف انحراف الممارسات المالية التي كان يقوم بها الحكام والمخالفة للأسس الإسلامية والقواعد الثابتة للإنفاق.
--------------------------------------------------------------------------------------------------
1- شرح نهج البلاغة: 8 / 121.
2- بحار الأنوار: 25 / 297.
3- المصدر السابق : 25 / 297.
4- المصدر السابق : 25 / 283.
5- المصدر السابق : 67: 101.
6- المصدر السابق : 46 / 291.
7- بحار الأنوار: 5 / 298.
8- المصدر السابق : 3 / 285.
9- المصدر السابق : 3 / 265.
10- المصدر السابق: 3 / 326.
11- المصدر السابق : 69 / 297.
12- بحار الأنوار : 67 / 211.
13- المصدر السابق: 3 / 264.
14- المصدر السابق : 2 / 298.
15- بحار الأنوار: 46 / 313 ـ 315.
16- بحار الأنوار : 46 / 308 ، 316.
17- الاحتجاج : 2/184 .
18- أعيان الشيعة : 1/653 .
19- بحار الأنوار: 46 / 357.
20- تاريخ المذاهب الاسلامية: 689.
21- المحاسن: 207.
22- المصدر السابق : 205.
23- الكافي: 1 / 399.
24- كشف الغمّة: 2 / 120.
25- رجال الكشي: 215.
26- سير أعلام النبلاء: 4 / 401.
27- تاريخ المذاهب الإسلامية: 361.
28- مختصر تاريخ دمشق: 23 / 79.
29- أعلام الورى: 294.
30- راجع حياة الإمام محمد الباقر (عليه السلام) ، باقر شريف القرشي 1/215 ـ 226.
31- الأحكام في أصول الأحكام لابن حزم: 2 / 131.
32- سنن النسائي: 1 / 42.
33- تمهيد لتأريخ الفلسفة الاسلامية: ص202.
34- أعلام الورى: 270.
35- مجلة الوحدة الإسلامية: 99.
36- تهذيب الأحكام: 6 / 180.
37- المصدر السابق: 6 / 181.
38- الخصال: 1 / 42.
39- مناقب آل أبي طالب: 4 / 223.
40- بحار الأنوار: 27 / 222.
41- المصدر السابق: 2 / 135.
42- المصدر السابق : 27 / 51.
43- الكافي: 1 / 184.
44- الخصال: 1 / 116.
45- بحار الأنوار: 27 / 244.
46- الكافي: 2 / 74.
47- بحار الأنوار: 65 / 149.
48- شرح نهج البلاغة: 11 / 42، 44.
49- الكافي: 5 / 107.
50- بحار الأنوار: 2 / 122.
51- بحار الأنوار : 72 / 375.
52- الكافي: 5 / 112، كتاب المعيشة، باب بيع السلاح منهم.
53- المحاسن: 93.
54- بحار الأنوار: 72 / 399.
55- المصدر السابق .
56- الشجن : القرع من كل شيء.
57- بحار الأنوار: 46 / 320.
58- المصدر السابق : 75 / 182.
59- مختصر تاريخ دمشق: 23 / 77.
60- المصدر السابق: 23 / 79.
61 -مناقب آل أبي طالب: 4 / 206 .
62- عبد الله الباهر أخو الإمام الباقر(عليه السلام) ، كان من أبرز علماء المسلمين في فضله، وسموّ منزلته العلمية ، وقد روى عن أبيه علوماً شتى ، وكتب الناس عنه ذلك. «غاية الاختصار 106» .
وأما عمر بن علي بن الحسين (عليه السلام) فهو أخو الإمام الباقر (عليه السلام) أيضاً كان فاضلاً جليلاً ووُلّي صدقات النبي (صلى الله عليه وآله) وصدقات أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان ورعاً سخيّاً، ويروى عنه، قال: يشترط على من ابتاع صدقات علي (عليه السلام) أن يثلم في الحائط كذا وكذا ثلمة لا يمنع من دخله أن يأكل منه.
وكذلك زيد الشهيد فإنه ثالث إخوته ، وكان من أجلّ علماء المسلمين وقد تخصص في علوم كثيرة كعلم الفقه والحديث والتفسير وعلم الكلام وغيرها، وهو الذي تبنّى حقوق المظلومين والمضطهدين، وقاد سيرتهم النضالية في ثروته الخالدة التي نشرت الوعي السياسي في المجتمع الإسلامي وساهمت مساهمة إيجابية وفعّالة في الإطاحة بالحكم الأُموي.
63- سفينة البحار: 2 / 273.
64- مقتل الخوارزمي: 2 / 113.
65- مناقب آل أبي طالب: 4 / 213.
66- الخصال: 1 / 26.
67- الكافي: 2 / 208.
68- المصدر السابق : 2 / 112.
69- المصدر السابق : 2 / 142.
70- المصدر السابق : 2 / 72.
71- الكافي: 1 / 60.
72- المصدر السابق : 2 / 188 .
73 -المصدر السابق: 2 / 152.
74- المحاسن: 102.
75 - الخصال: 1 / 317.
76- تحف العقول : 220.
77- المصدر السابق : 217 .
78- المصدر السابق : 220.
79- المصدر السابق: 213.
80- الخصال: 1 / 223.
81- صفة الصفوة: 2 / 109.
82- تحف العقول: 216.
83- المحاسن : 103.
84- المصدر السابق .
85- تحف العقول: 214.
86- الخصال: 1 / 26.
87- الكافي: 2 / 208.
88- المصدر السابق : 2 / 112.
89- المصدر السابق : 2 / 142.
90- المصدر السابق : 2 / 72.
91- الكافي: 1 / 60.
92- المصدر السابق : 2 / 188 .
93- المصدر السابق: 2 / 152.
94- المحاسن: 102.
95- الخصال: 1 / 317.
96- تحف العقول : 220.
97- المصدر السابق : 217 .
98- المصدر السابق : 220.
99- المصدر السابق: 213.
100- الخصال: 1 / 223.
101- صفة الصفوة: 2 / 109.
102- تحف العقول: 216.
103- المحاسن : 103.
104- المصدر السابق .
105- تحف العقول: 214.
106- المصدر السابق.
محاور الحركة الإصلاحية العامّة للإمام الباقر (عليه السلام)
- الزيارات: 7443