الجمع بين الايات
إن التمعّن الدقيق في الايات السابقة يبين بوضوح أنه في الموارد التي قرن فيها الايمان بالعمل الصالح كان الاول يقتضي الثاني، وأن أحدهما لا ينفكّ عن الثاني في الظروف الطبيعية. وكما ذكرنا فإن حقيقة الايمان ليست المعرفة فحسب، إنما هي أيضاً الالتزام بلوازم هذه المعرفة، لان الايمان أمر اختياري، بينما العلم غير اختياري.
فإذا توفرت الشروط الخارجية، وتمّ تكليف الانسان، وجب تحقق العمل. فمثلاً إن من لوازم الايمان أداء الصلاة، لكن بشرط دخول وقتها، وتوجه الحكم الالهي بوجوبها الى المكلّف، ففي هذه الحالة يقتضي الايمان أداء التكليف العبادي من خلال أداء الصلاة.
وعليه يمكن افتراض بعض الموارد التي يغيب فيها العمل عن الايمان، كأن يؤمن الشخص قبل الزوال، ثم يوافيه الاجل قبل دخول وقت صلاة الظهر، فهذا الشخص لم يؤد عملاً لعدم توفر شروطه لا أن إيمانه لم يؤثر فيه ليدفعه الى أداء الصلاة، كذلك المؤمن الذي يوافيه الاجل قبل موسم الحج.
في مثل هذه الموارد التي لم يصدر عن الانسان فيها عمل صالح رغم إيمانه، ودون أن يعلم أنه في لحظات عمره الاخيرة، فإن هذا الانسان يستوجب بهذا الايمان السعادة وهو ما تدل عليه الايات والروايات.
إذن فالايات التي ألحقت العمل الصالح بالايمان كانت تتناول الظروف العادية للمؤمنين، أي التي يتوفرون فيها على القدرة والاستطاعة والفرصة، وغيرها من شروط العمل. أما الايات التي اقتصرت على ذكر الايمان فإنها تحدثت عن الحالات التي لا يتاح فيها للانسان العمر الكافي لاداء التكليف، أو التي يفتقد فيها للقدرة أو الفرصة أو التي يمارس فيها التقية كما قال تعالى:
(إلاّ من اُكره وقلبه مطمئنٌ بالايمان)[27].
____________________________
([27]) النحل: 106.