• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

شبهات وردود

الشبهة الأولى

هذا قول مجتهد
إنّ الحديث حول الفقيه من الأحاديث المألوفة، وكلّنا يعلم أنّ هذه الطائفة الحقّه هي من المخطّئة، بمعنى أنّ الفقيه يمكن أن يصيب الواقع كما يمكن أن يُخطأه، لأنّ الواقع محفوظ، ولذا لا تكون كلّ أقواله مصيبة للواقع وبهذا المعنى امتلأت كتب أصول الفقه، وهذا أمر يدركه العامّة قبل الخاصّة، واتفق عليه جمهور العقلاء ما عدا الأشاعرة، وبعض المعتزلة، وليس حديثنا معهم.
ولتأكيد هذا الأمر البديهي حيث أصبحت البديهيّات بحاجة إلى إثبات، لوجود التشكيك في كلّ شئ ما عدا الباطل، فلا بأس بأن نورد مقطعاً من بعض تقريرات بحث آية اللّه الخوئي(رحمه الله) فقال(1): (( تبيّن أنّ المجتهد قد يصيب في استنباطاته فيطابق رأيه الواقع وقد يخطئ )).
ويشترط في قبول قول من يدّعي أنّه فقيه شروط، نذكر أهمّ ثلاثة شروط أساسية مذكورة في جميع الرسائل العملية(2) وهي:
الأوّل: الإجتهاد: ولا يثبت اجتهاده بمجرّد دعواه، أو التفاف المصلحيين حوله، بل لابد من حصول أحد أمور ثلاثة:
1ـ العلم: بحيث يكون الشخص من أهل الخبرة والمعرفة والإستدلال، فيكون قادراً بنفسه على تشخيص المجتهد من غيره.
2ـ الشياع: بين أهل العلم المفيد للإطمئنان، ولا يعتبر الشياع بين العوام من الناس ما لم يكن مستنداً إلى أهل العلم، وكذلك لا يعتبر الشياع بين فئة حزبية أو غيرها وإن تزيت بزي أهل العلم، لأنّ المرجعية لا تقوم على أساس قرار سياسي أو حزبي.
3ـ البيّنة: فيشهد شاهدان مؤمنان عدلان باجتهاد شخص، ويشترط فيهما أن يكونا من أهل الخبرة في استنباط الأحكام الشرعيّة من مداركها، فلا تقبل شهادة الشخصين ما لم ثبتت عدالتهما وإن كانا من أهل الخبرة.
الثاني: العدالة: وهي عبارة عن الاستقامة في جادّة الشريعة المقدّسة، وعدم الانحراف عنها يميناً وشمالاً بأن لا يرتكب معصية بترك واجب أو فعل حرام من دون عذر شرعي، ولا فرق في المعاصي من حيث تحقق العدالة بين الصغيرة والكبيرة.
وتثبت العدالة بأحد أمور ثلاثة:
1ـ العلم اليقيني: الحاصل بالاختبار أو بغيره بحيث يكون هناك يقين وجزم لا يداخله شكّ في العدالة.
2ـ شهادة العدلين: بأنّ فلان عادل، ولا يبعد ثبوتها بشهادة العدل الواحد، بل بشهادة مطلق الثقة.
3ـ حسن الظاهر: والمراد حسن معاشرته مع الآخرين وسلوكه الديني المعروف بين الناس، بحيث لو سألت الناس عنه لقيل لك: لم نرى منه إلاّ خيراً.
الثالث: الإيمان: والمراد به أن يكون اثني عشريّاً، عرف منه الولاء للأئمة الطاهرين(عليهم السلام)، معتقداً فيهم ما تعتقده الطائفة الحقّة، فلو كان غير معتقد بعصمتهم مثلاً ولو بالشّك في ذلك فيقول: الظاهر أنّ أهل البيت معصومين، فلا يعتبر مؤمناً لأنّه يشترط في الإيمان الجزم والقطع بذلك، وكلمة الظاهر تُنبأ عن الشكّ لا اليقين.
ولا بأس بنقل كلام أستاذ مراجع عصرنا السيّد الخوئي(رحمه الله) فيما يتعلّق بالشرطين الثاني والثالث فقال(3):
(( إلاّ أنّ مقتضى دقيق النظر اعتبار العقل والإيمان والعدالة في المقلَّد بحسب الحدوث والبقاء، والوجه في ذلك؛ أن المرتكز في أذهان المتشرعة الواصل ذلك إليهم يداً بيد عدم رضى الشارع بزعامة من لا عقل له، أو لا إيمان أو لا عدالة له.
بل لا يرضى بزعامة كل مَن له منقصة مسقطة له عن المكانة والوقار، لأن المرجعية في التقليد من اعظم المناصب الإلهية بعد الولاية، وكيف يرضى الشارع الحكيم أن يتصدى لمثلها من لا قيمة له لدى العقلاء والشيعة المراجعين إليه، وهل يحتمل أن يرجعهم إلى رجل يرقص في المقاهي والأسواق، أو يضرب بالطنبور في المجامع والمعاهد، ويرتكب ما يرتكبه من الأفعال المنكرة والقبائح، أو من لا يتدين بدين الأئمة الكرام، ويذهب إلى مذاهب باطلة عند الشيعة المراجعين إليه؟!!
فإنّ المستفاد من مذاق الشرع الأنور عدم رضى الشارع بإمامة من هو كذلك في الجماعة، حيث اشترط في إمام الجماعة العدالة، فما ظنك بالزعامة العظمى، الّتي هي من اعظم المناصب بعد الولاية، إذاً احتمال جواز الرجوع إلى غير العاقل أو غير العادل مقطوع العدم، فالعقل والإيمان والعدالة معتبر في المقلَّد حدوثاً، كما أنها معتبرة فيه بحسب البقاء، لعين ما قدمناه في اعتبارها حدوثاً )).
وأمّا البحث عن مدى قبول قول الفقيه:
للفقيه شؤونه في الفتيا والقضاء والحكم بين الناس، وتولّي الأمور الحسبيّة الّتي لابدّ من قيام أحد بها مع عدم وجود القائم عليها، كالولاية على الأيتام مع عدم وجود وصي شرعي عليهم، وكذلك المجانين على تفصيل يذكر في كتب الفقه ليس هذا محلّه، وكذلك الأوقاف من مساجد وغيرها، إذا لم يكن هناك متولي شرعي لها، ويثبت له البعض حكمه بثبوت الهلال، وقد قال عن هذا أستاذ فقهاء عصرنا السيّد الخوئي: فيه " إشكال بل منع(4)".
وحكم الحاكم إذا كان معتبراً يشترط فيه أمران(5):
الأوّل: أن يكون جامعاً للشرائط الّتي منها ما تقدّم من اشتراط الإجتهاد والعدالة والإيمان.
الثاني: أن لا يعلم بمخالفته للواقع، أو كان ذلك الحكم صادراً عن تقصير في المقدّمات.
بقي الكلام عن الأمور الإعتقاديّة:
لاشكّ ولا شبهة في أنّه لا يجوز التقليد في الأمور الإعتقاديّة، ولو صحّ ذلك لصححنا أعمال واعتقادات جميع الملل والنحلّ، ملحدةً وغيرها، فلا حق يعرف، ولا باطل يتميّز، حتّى من نصب العداء لأهل بيت العصمة(عليهم السلام) عن تقليد.
بل انّ أصل مسألة التقليد ليست تقليديّة، وخير بيان لذلك هو قول أستاذ فقهاء عصرنا السيّد الخوئي (رحمه الله) حيث يقول(6):
(( إنّا قد اسبقنا، أنّ كل مكلف يعلم -علماً إجمالياً- بثبوت أحكام إلزامية في الشريعة المقدّسة، من وجوب أو تحريم، وبه تنجزت الأحكام الواقعية عليه، وهو يقتضي الخروج عن عهدتها، لاستقلال العقل بوجوب الخروج عن عهدة التكاليف المتوجهة إلى العبد من سيده.
والمكلف لدى الامتثال، إما أن يأتي بنفس الواجبات الواقعية، ويترك المحرمات، وإما أن يعتمد على ما يعذّره على تقدير الخطأ ـ وهو ما قطع بحجيته ـ إذ لا يجوز لدى العقل الاعتماد على غير ما علم بحجيته، حيث يحتمل معه العقاب.
وعلى هذا يترتب أنّ العامي لابد ـ في استناده إلى فتوى المجتهد ـ أن يكون قاطعاً بحجيتها في حقه، أو يعتمد في ذلك على ما يقطع بحجيته، ولا يسوغ له أن يستند في تقليده على ما لا يعلم بحجيته، إذ معه يحتمل العقاب على أفعاله وتروكه، وعليه لا يمكن أن تكون مسألة التقليد تقليدية، بل لا بد أن تكون ثابتة بالاجتهاد.
نعم، لا مانع من التقليد في خصوصياته، كما يأتي عليها الكلام، إلاّ أنّ أصل جوازه لابد أن يستند إلى الاجتهاد )).
ومن ذلك ضروريّات المذهب الّتي عرف عدم الخلاف فيها عند الطائفة الحقّة، كوجوب الصلوات الخمس، وعدد ركعاتها وما إلى ذلك مما لا يصح فيه التقليد، ولا يصحّ لمجتهد أن يجتهد فيها فيقول بخلاف الضرورة.
فتبيّن مما سبق أنّه ليس كلّ من يدّعي الفقاهة فهو فقيه، وليس كلّ من يدّعي العدالة فهو عادل، وليس كلّ من يدّعي الإيمان فهو مؤمن، ولا يصحّ التقليد في كلّ شئ.
ولذا ورد عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) أنّه لا يجوز أن يُقلّد كلّ من يدّعي الفقاهة، وذكروا لنا ذلك في مقام التحذير حتّى لا يأتي الشخص في يوم القيامة ويقول إنّ فلان فقيه، فهذه رواية الإمام العسكري(عليه السلام)، ومن الواضح أنّ الرواية لكونها من الإمام العسكري(عليه السلام)، وزمانه قريب من زمان الغيبة، تنبأ عن أن المراد من الفقهاء فيها هم الّذين في مثل زماننا من أزمنة الغيبة، لعدم جدوى ذلك في زمانهم صلوات اللّه وسلامه عليهم فإنّ أي انحراف في ذلك الزمان يكفيه إبلاغ من قبل الإمام(عليه السلام) حتّى ينتهي كلّ شئ.
وهذه الرواية وإن كانت قد اعتبرت من حيث السند ضعيفة، إلاّ أنّها مؤيّدة في مضمونها بالروايات الأخرى.
وقد عبّر عنها شيخ الفقهاء في عصره وإلى زماننا هذا ـ حيث أنّ كتبه محلّ درس وبحث إلى الآن ـ الشيخ الأنصاري (رحمه الله) فقال بعد إيراد الرواية الآتية: (( هذا الخبر الشريف اللآئح منه آثار الصدق ))(7).
ويدرك هذا ويحس به كلّ من عاش مع أهل بيت العصمة بحسّه ووجدانه، ويكفي هذا الحديث الشريف أنّه مع وجود الفاصل الزمني بيننا وبين زمن الرواية إلاّ أنّها تتحدّث وكأنّ المتحدّث قالها في زماننا لشدّة ملابستها لواقعنا الحالي، وهذا شأن كلام أهل بيت العصمة (عليهم السلام) حيّ ونور على مدى العصور.
أمّا الرواية، فيرويها الطبرسي (رحمه الله) في الإحتجاج(8)، وهي طويلة جدّا نقتطف منها ما يناسب نقله في هذا البحث، وسنورد بعض التعليق في أثناء نقله، مساهمة في وضوح الأمر، إن شاء اللّه تعالى:
فروي عن مولانا الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) انّه قال:
(( وكذلك عوام امتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر، والعصبية الشديدة، والتكالب على حطام الدنيا وحرامها، وإهلاك من يتعصبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقاً، وبالترفرف بالبر والإحسان على من تعصبوا وان كان للإذلال والإهانة مستحقاً ))
نرى هذا الصنف يتقرّب للأغنياء أصحاب الأموال، ومن له مصلحة شخصيّة معه، تزيده شهرة وأتباعاً، وهذا ما يفرزه المفهوم الحزبي في عصرنا، فإنّ كلّ من كان معهم ومنتمي لجماعتهم فهو حريٌّ بالبر والإحسان وإن كان فاسقاً فاجراً للإهانة مستحقاً، ومن كان على غير هواهم وليس منتمياً إليهم فلا يستحق عندّهم شيئاً ويهان وإن كان مؤمناً خيّراً مستحقاً للبرّ والصلة.
(( فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء، فهم مثل اليهود الذين ذمهم اللّه بالتقليد لفسقة فقهائهم، فأما مَن كان مِن الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فإنّه من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة العامة فلا تقبلوا منهم عنّا شيئاً، ولا كرامة، وإنّما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك، لأنَّ الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه بأسره بجهلهم، ويضعون الأشياء على غير وجهها لقلة معرفتهم، وآخرون يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنم.
ومنهم قوم نصّاب لا يقدرون على القدح فينا، يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا ))
يدرسون في الحوزات مثلاً، أو يقرأون أحاديث أهل البيت(عليهم السلام)، فيعرفون شيئاً من علوم محمّد وآل محمّد(صلى اللّه عليه وآله وسلم)، فبذلك يصبحون وجهاء عند الشيعة، وينصّبون أنفسهم رموزاً قياديّة ـ حسب المصطلح العصري ـ ومراجع للتقليد.
(( وينتقصون بنا عند نصابنا، ثم يضيفون إليه أضعافه وأضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن براء منها، فيتقبله المستسلمون من شيعتنا، على أنه من علومنا، فضلوا وأضلوا، وهم أضرّ على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي(عليهما السلام) وأصحابه، فإنهم يسلبونهم الأرواح والأموال ))
فكم دم سفك؟! وكم عرض أُنتهك؟! وكم مال سلب؟! لأيتام آل محمّد(صلوات اللّه وسلامه عليهم) باسمهم وبشعارات كاذبة عليهم وهم منه براء.
(( وهؤلاء علماء السوء الناصبون، المتشبهون بأنهم لنا موالون، ولأعدائنا معادون، ويدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا، فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب ))
وما أكثر الشبهات والتشكيكات في هذا العصر من هؤلاء، فتارة يشككون في ظلم الزهراء(عليها السلام)، وتارة يشككون في الولاية التكوينيّة، وتارة يشككون في العصمة وغير ذلك من الموارد الفقهيّة حتّى تجلّت الإباحيّة جناية على علوم محمّد وآله(صلى اللّه عليه وآله وسلم)، واللّه (سبحانه و تعالى) ينقذ ضعفاء الشيعة الّذين لا وضوح عندهم للحق ويريدون الحق صادقين لا يتركهم في تلبيس هذا المتلبّس.
(( لا جرم أنَّ من علم اللّه من قلبه من هؤلاء القوم أنه لا يريد إلاّ صيانة دينه، وتعظيم وليه، لم يتركه في يد هذا المتلبس الكافر، ولكنَّه يقيّض له مؤمناً يقف به على الصواب ، ثم يوفقه اللّه للقبول منه ، فيجمع اللّه له بذلك خير الدنيا والآخرة ، ويجمع على من أضله لعناً في الدنيا وعذاباً في الآخـرة )).
أمّا العلماء العاملون، والمدافعون عن حريم الولاية، والمجنّدون أنفسهم رباطاً في سبيل اللّه، فلم يخلو زمان منهم، فمنهم من قضى نحبه ولقي ربّه مشكوراً على عمله، ومنهم من ينتظر لقاء ربّه ليجزيه بما عمل من خير، وما بدّلو في دين اللّه (سبحانه و تعالى) ، بل شيّدوه ساهرين الليالي في إعلاء كلمة الحق، أولئك الّذين عناهم اللّه (سبحانه و تعالى) بقوله: } يرفع اللّه الّذين آمنوا منكم والّذين أوتوا العلم درجات واللّه بما تعملون خبير(9){ أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة.
وهم خير خلق اللّه (سبحانه و تعالى) بعد أئمة الهدى (صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين) كما روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) حيث قيل له: من خير خلق اللّه بعد أئمّة الهدى، ومصابيح الدّجى فقال: (( العلماء إذا صلحوا (10) )).
نسأل اللّه (سبحانه و تعالى) التسديد والتوفيق، للعلم والعمل الصالح، إنّه بالإجابة جدير، وعلى كلّ شئ قدير.





____________
1- التنقيح ج1 ص43 .
2- راجع كلام السيّد الخوئي في منهاج الصالحين الجزء الأوّل في التقليد، نقلناه بتصرّف.
3- التنقيح ج1 ص223 .
4- المنهاج ج1 ص294 .
5- راجع المنهاج للسيّد الخوئي ج1 ص11 .
6- التنقيح ج1 ص82 .
7- فرائد الأصول ج1 ص 200 .
8- الإحتجاج للطبرسي ص457.
9- سورة المجادلة 58\11 .
10- الإحتجاج ص458 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page