فصل ـ 3 ـ
397 ـ وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله لا يكفّ عن عيب آلهة المشركين ، ويقرأ عليهم القرآن ، وكان الوليد بن المغيرة من حكّام العرب يتحاكمون إليه في الامور ، وكان له عبيد عشرة عند كلّ عبد ألف دينار يتّجر بها وملك القنطار وكان عمّ أبي جهل ، فقالوا له : يا عبد شمس ما هذا الّذي يقول محمّداً أسحر أم كهانة أم خطب؟ فقال : دعوني أسمع كلامه ، فدنا من رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو جالس في الحجر ، فقال : يا محمّد أنشدني شعرك ، فقال : ما هو بشعر ولكنّه كلام الله الّذي بعث أنبياءه ورسله ، فقال : اتل ، فقرأ : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، فلمّا سمع الرّحمن استهزأ منه ، وقال : تدعوا إلى رجل باليمامة بسم (1) الرّحمن ؟ قال : لا ولكنّي أدعوا إلى الله وهو الرّحمن الرّحيم .
ثمّ افتتح حم السّجدة ، فلمّا بلغ إلى قوله : ( فان أعرضوا فقول أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ) (2) وسمعه اقشعرّ جلده ، وقامت كلّ شعرة في بدنه ، وقام ومشي إلى بيته ، ولم يرجع إلى قريش ، فقالوا : صبا أبو بعد الشّمس إلى دين محمّد .
فاغتمّت قريش وغدا عليه أبوجهل ، فقال : فضحتنا ياعمّ ، قال : يا ابن أخي ما ذاك وإنّي على دين قومي ، ولكنّي سمعت كلاماً صعباً تقضعر منه الجلود، قال : أفشعر هو؟ قال : ما هو بشعر ، قال : فخطب؟ قال : لا إنّ الخطب كلام متصل ، وهذا كلام منثور لا يشبه بعضه بعضاً له طلاوة ، قال : فكهانة هو؟ قال : لا قال : فما هو؟ قال : دعني أفكر فيه ، فلمّا كان من الغد ، قالوا : ياعبد شمس ما تقول؟ قال : قولوا : هو سحر ، فانّه آخذٌ بقول النّاس ، فأنزل الله تعالى فيه : « ذرني ومن خلقت وحيداً وجعلت له مالاً ممدوداً وبنين شهوداً » إلى قوله : « تسعة عشر» (3) .
398 ـ وفي حديث حمّاد بن زيد ، عن أيّوب ، عن عكرمة قال : جاء الوليد بن المغيرة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال : افرأ عليّ ، فقال : ( إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلّكم تذكّرون ) (4) فقال : أعد فأعاد ، والله إنّ له لحلاوة وطلاوة ، وإنّ أعلاه لمثمرٌ ، وإنّ أسفله لمغدق (5) ، وما هذا بقول بشر (6) .
____________
(1) في ق 1 : يسمّى : الرّحمن .
(2) سورة فصلت : ( 13 ) .
(3) بحار الانوار ( 18 | 186 ) ، برقم : ( 16 ) . الآيات في سورة المدثر : ( 11 ـ 30 ) .
(4) سورة النحل : ( 90 ) .
(5) أي : خصب وعذب ومتسع ، وفي البحار : لمعذق .
(6) بحار الانوار ( 18 | 186 ـ 187 ) .