الفوارق والامتيازات
إذا تمعّنا في مراسم الحجّ الجاهلي من خلال التاريخ والأدب المدوّنين ، وجدنا ثمّة فوارق ناشئة عن شعور بعض القبائل بالفضل على سواها. وتتمثّل هذه الفوارق قبل كلّ شيء في طريقة أداء حجّ المشركين ، الذي فقد طابعه الديني ووحدته ، بسبب تأثير النزعة الاستعلائية للقبائل القوية.
وكان الحجاج في الجاهلية على ثلاثة أقسام : 1 ـ الحُمْس . 2 ـ الحِلِّة . 3 ـ الطُلْس.
1 ـ الحُمْس : كان القرشيون يرون لأنفسهم الأفضلية على سائر العرب ، ولمجاورتهم مكّة كانوا يقولون : آ« نحن أهل الحرم، فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة ، ولا نعظّم غيرها كما نعظّمها، نحن الحُمْس آ».[1]
يتبيّن من هذا المقطع أن امتياز الحُمْس كان مختصّاً بسكّان الحرم من قريش ، فقد جاء في كتاب المحَبَّر أنّ الحُمْس يطلق على آ« قريش كلّها، وخزاعة لنزولها مكّة ، ومجاورتها قريشاً آ».[2]
وقد ذُكر وجهان في المعنى اللغوي لكلمة الحُمْس ، إذ ورد أنّ : آ« الحُمْس جَمع أحْمَس وحَمِس ، مِن حَمِسَ : أي ، اشتد وصَلُبَ في الدين والقتال، وقيل : إنّهم لقبوا بذلك; لالتجائهم بالحَمْسَاء ، وهي الكعبة ، لأنّ حَجَرَها أبيض إلى السواد آ».[3]
وما أوجده الحُمْس في الحجّ هو ترك الوقوف في عرفة والإفاضة منها إلى المزدلفة ، فهم في الوقت الذي يقرّون فيه بهذه المناسك ، يقولون : نحن أهل الحرم لا ينبغي لنا الخروج من الحرم وتعظيم غيره ; وعندما يقف الحجاج في عرفة ، يقفون هم عند أطراف الحرم ثمّ يذهبون ليلاً إلى المزدلفة .
وقد ظلّ هذا الأمر حتّى ظهور الاسلام ، إذ ألغته الآية (ثم أَفيضُوا من حَيْثُ أفاضَ النّاسُ )[4]
ومن جملة الأعمال التي كان على قريش القيام بها رعاية للحُمْس هو أنهم : آ«لم يطبخوا إقطاً، ولم يدّخروا لبناً، ولم يحولوا بين مرضعة ورضاعها حتى يعافه ، ولم يحركوا شعراً ولا ظفراً، ولا يبتنون في حجّهم شعراً ولا وبراً ولا صوفاً ولا قطناً، ولا يأكلون لحماً، ولا يمسّون دُهناً، ولا يلبسون إلاّ جديداً، ولا يطوفون بالبيت إلاّ في حذائهم وثيابهم ، ولا يمسّون المسجد بأقدامهم تعظيماً لبقعته ، ولا يدخلون البيوت من أبوابها.آ».[5]
وقد أشار القرآن إلى هذا الأمر، ونهى عنه في الآية (ليس البرّ بأن تأتُوا البيوت من ظهورها ولكن البرّ من اتّقى ، وأتوا البيوت من أبوابها)[6]
ومن تقاليد الحُمْس الأُخرى قولهم ، إنّه لا يليق بغير أهل الحرم أن يتناولوا طعام غير الحرم في الحرم ، بل عليهم إذا جاءوا للحج أو العمرة أن يأكلوا من طعام أهل الحرم إمّا من خلال الضيافة أو الشراء.[7]
كذلك كان من الواجب على كلّ من أراد الطواف للمرة الأُولى ، أن يطوف بلباس أهل الحرم ، أي الحُمْس ، وإن لم يجد ذلك طاف عريان.[8]
كذلك إذا تزوّج رجل من نسائهم فإنّ أولاده يكونون من الحُمْس ، ولهذا الأمر بواعث سياسية واقتصادية أيضاً، وقد تفاخر بعض شعراء الجاهلية بذلك.
2 ـ الحلّة : وهم قبائل سكنوا خارج الحرم ، أي في الحلّ ، وعرفوا بالحلة ، وكان الفرق بين أهل الحل وأهل الحرم في أنّ أهل الحل كانوا في أيام الحج يذيبون السمن ، ويأكلون الإقط واللحم ، ويضعون الزيت على أجسامهم ، ويلبسون من الصوف والشعر، ويقيمون في الخيام ، ويؤدّون المناسك بثيابهم ، وبعد الفراغ وعندما يدخلون الكعبة يتصدّقون بنعلهم وثيابهم ، ويستأجرون للطواف الثياب من أهل الحُمْس.[9]
3 ـ الطُلْس : قيل إنّهم اليمنيون من أهل حضرموت وعكّ وعجيب وإياد بن نزار، والوجه في تسميتهم هو مجيئهم من مناطق بعيدة، وبالتالي طوافهم بالبيت، وقد غطاهم الغبار.[10] وكان هؤلاء يماثلون الحلة في الإحرام ، والحُمْس في ارتداء الثياب ودخول البيت.[11]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ـ السيرة النبوية لابن هشام 1: 199.
[2] ـ المحبّر، ابن حبيب : 178.
[3] ـ القاموس المحيط ، مادة حمس.
[4] ـ البقرة : 199.
[5] ـ المحبّر : 180 والسيرة النبوية لابن هشام 1: 202.
[6] ـ البقرة : 189.
[7] ـ الوثنية في الأدب الجاهلي : 304 305.
[8] ـ السيرة النبوية لابن هشام 1: 202.
[9] ـ المحبّر : 180.
[10] ـ الوثنية في الأدب الجاهلي : 308.
[11] ـ المحبّر : 181.
