فيما نذكره بالمعقول من تعظيم شهر رجب والتنبيه على شرف محله وتحف فضله
اعلم اننا كنا ذكرنا في اوائل هذا الجزء وبعد اثبات ابواب هذا الكتاب ان الشهور كالمراحل الى الموت وما بعده من المنازل ، وان كل منزل ينزله العبد في دنياه في شهوره وايامه ، فينبغي أنى كون محله على قدر ما يتفضل الله جل جلاله فيه من اكرامه وانعامه .
ومنذ فارقت إليها الناظر في كتابنا هذا شهر ربيع الأول الذي كان فيه مولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، وما ذكرناه فيه من الفضل المكمل ، ولم تجد من المنازل المتشرفة بزيادة المكتسب افضل من هذا شهر رجب ، لاشتماله على وقت ارسال الله جل جلاله رسوله محمدا صلوات الله عليه الى عبادة واغاثة ( 1 ) اهل بلاده بهدايته وارشاده ،
* ( هامش ) *
1 - اعانة ( خ ل )
ولأجل حرماته التي يأتي ذكرها في روايات بركاته وخيراته .
فكن مقبلا على مواسم ( 1 ) هذا الشهر بعقلك وقلبك ، ومعترفا بالمراحل والمكارم المودعة فيك من ربك ، واملأ ظهور مطاياه من ذخائر طاعتك لمولاه ورضاه ومما يسرك ان تلقاه ، واجتهد ان لا تبقى في المنزل الذي تعلم انك راحل عنه ما
تندم على تركه اولا بذلك منه ، فكلما انت تاركه منهوب مسلوب وانت مطلوب مغلوب ، وسائر عن قليل وراء مطايا اعمالك ، ونازل حيث حملت ما قدمت من قماشك ورحالك ، فاحذر نفسي واياك ان يكون المقتول من الذخائر ندما وشرابه علقما ( 2 ) وعافيته سقما .
فهل تجد انك تقدر على اعادة المطايا الى دار الرزايا تعيد عليك ما مضى من حياتك ، وتستدرك ما فرطت فيه من طاعاتك ونقل مهماتك وسعاداتك ، هيهات هيهات لقد كنت تسمع وانت في الدنيا بلسان الحال تلهف النادمين وتأسف المفرطين وصارت الحجة عليك لرب العالمين ، فاستظهر رحمك الله استظهار اهل الامكان في الظفر بالامان والرضوان .
وسوف نذكر من طريق الاخبار طرفا من العبادات والاسرار في الليل والنهار المقتضية لنعيم دار القرار ، فلا تكن عن الخير نواما ولا لنفسك يوم القيامة لواما ، وإذا لم نذكر اسنادا لكلها فسوف نذكر احاديث مسندة عن الثقات انه من بلغه اعمال صالحة وعمل بها فانه يظفر بفضلها ، وقد قدمناها في اول المهمات ، وانما اعددناها هاهنا في المراقبات .
فمن ذلك اننا روينا باسنادنا الى أبي جعفر بن بابويه رضوان الله عليه من كتاب ثواب الأعمال فيما رواه باسناده الى صفوان عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام انه قال : من بلغه شئ من الخير فعمل به كان له أجر ذلك ، وان كان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقله ( 3 ) .
* ( هامش ) *
1 - العلقم : الحنظل وكل شئ مر . 2 - مراسم ( خ ل ) . 3 - ثواب الاعمال : 16 . ( * )
اقول : ومن ذلك ما رويناه باسنادنا الى محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله من كتاب الكافي ، في باب من بلغه ثواب من الله تعالى على عمل فصنعه فقال ما هذا لفظه : علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من سمع شيئا من الثواب على شئ فصنعه كان له وان لم يكن كما بلغه ( 1 ) .
ووجدنا هذا الحديث في اصل هشام بن سالم رحمه الله عن الصادق عليه السلام . ومن ذلك باسنادنا ايضا الى محمد بن يعقوب فقال : عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن عمران الزعفراني ، عن محمد بن مروان قال : سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول : من بلغه ثواب من الله عز وجل على عمل ، فعمل ذلك العمل ، التماس ذلك الثواب اوتيه ، وان لم يكن الحديث كما بلغه ( 2 ) .
اقول : وهذا فضل من الله جل جلاله وكرم ما كان في الحساب ، انك تعمل عملا لم ينزله في الكتاب ولم يأمر الله جل جلاله رسوله ان يبلغه اليك فتسلم ان يكون خطر ذلك العمل عليك ، وتصير من سعادتك ( 3 ) في دنياك وآخرتك .
فاعلم ان هذا له مدخل في صفات الاسعاد والارفاد ، فكيف لا يكون في صفات رحمته وجوده لذاته ومن لا نهاية لهباته ومن لا ينقصه الاحسان ولا يزيده الحرامان ، ومن كلما وصل الى اهل مملكته ، فهو زائد في مملكته وتعظيم دولته ، ولقد رويت
ورأيت اخبارا لابن الفرات الوزير وغيره انهم زور عليهم جماعة رقاعا بالعطاب ، فعلموا انها زور عليهم واطلقوا ما وقع في التزوير ، وهي من الاحاديث المشهورة عند الاعيان فلا اطيل بذكرها في هذا المكان . وقد جائت شريعتنا المعظمة بنحو
هذه المساعي المكرمة ، وذاك ان حكم الشريعة المحمدية انه لو التقى صف المسلمين في الحرب بصف الكافرين فتكلم واحد من اهل
* ( هامش ) *
1 - الكافي 2 : 71 ، عنه الوسائل 1 : 82 . 2 - الكافي 2 : 71 عنه الوسائل 1 : 82 . 3 - سعاداتك ( خ ل ) . ( * )
الاسلام كلمة اعتقدها كافر انه قد امنه بذلك الكلام ، لكان ذلك الكافر امانا من القتل ودرعا له من دروع الاسلام والفضل ، وقد تناصر ورود الروايات : ( ادرؤوا الحدود بالشبهات ) ( 1 ) ، فكن فيما نورده عاملا على اليقين بالظفر ومعترفا بحق محمد صلوات الله عليه سيد البشر .