6 ـ الأرضية السياسية للذنب
إنّ أحدى العوامل التي تهيىء الارضية لمختلف الذنوب وحتى الكبيرة احياناً هي الارضية السياسية . وتتعلق هذه الارضية على الخصوص بالحكام والمسؤولين .
الانذارات القرآنية :
1 ـ في الآية 205 و 206 من سورة البقرة نقرأ :
( واذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل والله لا يحب الفساد * واذا قيل له اتّق الله أخذته العزّة بالأثم فحسبه جهنّم ولبئس المهاد ) . (1)
هذه الآية تبين ان غير المؤمن الذي يكون اسير رغباته ، لو اخذ بزمام الامور ومقاليد الحكم لانتهى به الامر الى افساد المجتمع ودماوه واهلاك الحرث والنسل .
2 ـ في الآية 34 من سورة النحل نقرأ ايضاً :
( انّ الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة وكذلك يفعلون ) .
ان هذا الكلام وان نقل عن لسان ( بلقيس ) ملكة سبأ ، فهو كلام معقول وثبت بالتجربة أن حكومة الحكام الظالمين عامل في ايجاد ارضية الفساد والذنب .
3 ـ ان نبي الله يوسف ( عليه السلام ) أحد الانبياء المعروفين ، عاش الجفاء من اخوته حتى القوة في ( غيابت الجب ) ثم نجاه الله جل وعلا ودخل قصر عزيز مصر وصار حاكماً لمصر .
ان هذا الملك في دنيا فانية لايساوي شيئاً عند يوسف ( عليه السلام ) ، فكان دعائه دائماً حتى بعد ان اصبح اميناً على خزائن مصر : ( .... توفّني مسلماً ) ( يوسف 101 ) .
نعم : ان الملك والرئاسة أمر خطير للغاية . ولربما تزل حتى قدم يوسف ( عليه السلام ) ، فيه لذلك استعان بالله جل وعلا ان يثبت قدمه على الحق . بالرغم من انه لايراوده الشك في ان موته في مشيئة الامر الالهي ، ولكن وسوسة الرئاسة وزخرفها وبريقها أمر خطير فلذا يجب أن نطلب النجاة من الله تعالى للصمود في مقابل خطر الرئاسة وأهوائها (2) .
4 ـ في الآية 83 من سورة القصص نقرأ :
( تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقّين ) .
العلو في الدنيا احد فروع طلب الرئاسة ، وهذه الآية تحكي عن اولئك الذين يطلبون الرئاسة في الدنيا وانها هدفهم الاسمى فهؤلاء لا خلاق لهم في الآخرة ولا نصيب .
قال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله اجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها » . (3)
الرئاسة في الروايات :
الرئاسة على نوعين :
1 ـ الممدوحة .
المذمومة .
ارئاسة الممدوحة هي تلك التي تتخذ كوسيلة لاحقاق الحق وابطال الباطل ، أما الرئاسة المذمومة فهي تلك التي تتخذ كهدف وجسرٍ لهوى النفس والانحراف .
والذي تعرض للذم في الروايات هو « حب الرئاسة » اي الشغف بحب الرئاسة وطلبها لاجل مكانتها ، ولمزيد من البيان تأمل في الروايات ادناه :
1 ـ قال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« لكل شيء آفة تفسده وآفة الدين ولاة السوء » . (4)
2 ـ كتب أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) لأحد ولاته على آذربايجان وهو ( الاشعت بن قيس ) :
« وإنّ عملك ليس لك بطعمة ولكنه في عنقك أمانة » . (5)
3 ـ وجاء في كلام المعصوم ( عليه السلام ) حول شخص يحب الرئاسة :
« ما ذئبان ضاريان في غنم قد تفرق رعاؤها بأضر من دين المسلم من طلب الرئاسة » . (6)
البهلول فقيه مجاهد وتابع للحق :
روي ان هارون الرشيد أراد ان يولّي احداً قضاء بغداد فشاور أصحابه فقالوا : لايصلح لذلك الا البهلول ( وهب بن عمرو ) فاستدعاه وقال : يا ايها الشيخ الفقيه اعنّا على عملنا هذا ، قال : بأي شيء اعينك : بعمل القضاء ، قال : أنا لا أصلح لذلك ، قال : أطبق اهل بغداد أنك صالح لهذا العمل ، قال : يا سبحان الله إني اعرف بنفسي منهم ، ثم اني في إخباري عن نفسي بأني لا أصلح للقضاء لا يخلو أمري من وجهين : إما ان اكون صادقاً فهو ما أقول ، وان كنت كاذباً فالكاذب لايصلح لهذا العمل فألحّوا عليه وشددوا وقالوا : لاندعك أو تقبل هذا العمل ، قال : إن كان ولابد فاملهوني الليلة حتى افكر في أمري ، فامهلوه ، فخرج من عندهم ، فلمّا أصبح في اليوم الثاني تجانن وركب قصبة ودخل السوق وكان يقول : طرّقوا خلّلوا الطريق لايطأكم فرسي ، فقال الناس : جنّ البهلول ، فقيل ذلك لهارون فقال : ما جنّ ولكن فرّ بدينه منّا ، وبقى على ذلك الى أن مات وكان عن عقلاء المجانين . (7)
____________
(1) وردت لفظة « تولي » بمعنى الاعراض عن الشيء وكذلك بمعنى الرئاسة والحاكمية ( مجمع البيان ج 1 ) .
(2) وقد تقدمت مباحث حول هذا الموضوع تحت عنوان « قادة الضلال » .
(3) تفسير جوامع الجامع ، تفسير الاية .
(4) نهج البلاغة الرسالة 5 .
(5) نهج البلاغة الرسالة 5 .
(6) سفينة البحار ج 1 ص 492 .
(7) بهجة الآمال ج 2 ص 435 و 436 ، روضات الجنات ج 2 ص 146 .